موسوعة التفسير

سُورةُ الأعرافِ
الآيات (194-198)

ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ

غريب الكلمات:

يَبْطِشُونَ: البَطْشُ: تناوُلُ الشَّيءِ بِصَولةٍ، وأصلُه: أخذُ الشَّيءِ بقَهرٍ وغَلَبةٍ وقوَّةٍ [2364] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/262)، ((المفردات)) للراغب (ص: 129). .
تُنْظِرُونِ: أي: تُؤخِّرونِ، والنَّظَرُ: الانْتِظَارُ. يقال: نَظَرتُه وانتظَرتُه وأنْظَرتُه، أي: أخَّرْتُه [2365] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 106)، ((المفردات)) للراغب (ص: 813)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 231). .

المعنى الإجمالي:

يُخاطِبُ اللهُ المُشركين قائلًا لهم: إنَّ الذينَ تعبُدونَهم مِن دونِ اللهِ هم عِبادٌ أمثالُكم، فادعُوهم، وليُجِيبوا دُعاءَكم، إن كُنتُم صادقينَ في أنَّها تستحِقُّ العبادةَ.
ألِهَؤلاءِ الأصنامِ أرجُلٌ يمشونَ بها، أم لهم أيدٍ يأخُذونَ ما أرادُوا بها بشِدَّةٍ وينصُرونَكم بها، أم لهم أعيُنٌ يُبصِرونَ بها، قلْ لهم يا مُحمَّدُ: ادعُوا شُرَكاءَكم ثم اجتَمِعوا أنتم وهم على إيقاعِ السُّوءِ والمكروهِ بي عاجلًا، ولا تُمهِلوني، وقلْ لهم: إنَّ الذي يتولَّاني فينصُرُني ويحفَظُني، هو الله الذي نزَّلَ القُرآنَ، وهو سبحانه يتولَّى الصَّالحينَ، وقلْ لهم أيضًا: إنَّ الذين تعبُدونَهم مِن دونِ اللهِ مِن الأصنامِ لا يَقدِرونَ على نَصرِكم، ولا يَستطيعونَ نَصرَ أنفُسِهم ممَّن أرادَهم بسُوءٍ، وإن تدعُوا- أيُّها المُشركونَ- هؤلاءِ الأصنامَ إلى الحَقِّ، لا يسمَعُوا، وترى- يا مُحمَّدُ- هذه الأصنامَ المنحوتةَ تُقابِلُك بعيونٍ مُصَوَّرةٍ، كأنَّها تنظُرُ إليك، بينما هي لا تُبصِرُ في الحقيقةِ.

تفسير الآيات:

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194)
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ هذه الجُملةَ ورَدَت على سبيلِ التَّوكيدِ لِما قَبلَها في انتفاءِ كَونِ هذه الأصنامِ قادرةً على شيءٍ مِن نَفعٍ أو ضَرٍّ [2366] يُنظَر: ((تفسير أبي حيان)) (5/249). .
وأيضًا ورَدَت بيانًا وتعليلًا لِجُملةِ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ [الأعراف: 193] ، أي: لأنَّهم عبادٌ، أي: مخلوقونَ [2367] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/220-221). .
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ
يقولُ اللهُ تعالى مُوبِّخًا المُشركينَ على عِبادتِهم ما لا يضُرُّهم ولا ينفَعُهم مِن الأصنامِ: إنَّ الذينَ تعبدونَ ممَّا سِوى اللهِ وتَدعونَهم، هم مملوكونَ للهِ، كما أنَّكم مماليكُ للهِ سُبحانَه، لا فَرْقَ بينكم وبَينَهم [2368] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/635)، ((البسيط)) للواحدي (9/528)، ((تفسير القرطبي)) (7/342)، ((تفسير ابن كثير)) (3/529)، ((تفسير السعدي)) (ص: 312). .
فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
أي: فادعُوا أصنامَكم، ولْتُجِبْ دُعاءَكم إن كُنتُم صادقينَ في أنَّها تضرُّ وتنفَعُ، وأنَّها تستحِقُّ العبادةَ [2369] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/635)، ((تفسير السعدي)) (ص: 312)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/425). .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 13-14] .
وقال سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: 5] .
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا
أي: ألهؤلاءِ الأصنامِ أرجُلٌ يَمشونَ بها، كما لكم- أيُّها المُشركون- أرجُلٌ تَمشونَ بها [2370] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/635)، ((الوسيط)) للواحدي (2/436)، ((تفسير السعدي)) (ص: 312)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/426). ؟!
أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا
أي: أمْ لهؤلاءِ الأصنامِ أيدٍ يأخُذونَ بها ما يريدونَ أخْذَه وتناوُلَه بشِدَّةٍ، وينصرونَكم بها، كما لكم أيُّها المُشرِكونَ [2371] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/636)، ((الوسيط)) للواحدي (2/436)، ((تفسير أبي السعود)) (3/306)، ((تفسير الشوكاني)) (2/316). ؟!
أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا
أي: أمْ لهؤلاءِ الأصنامِ أعيُنٌ يُعايِنونَ بها الأشياءَ، كما لكم [2372] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/636)، ((زاد المسير)) لابن الجوزي (2/180)، ((تفسير الشوكاني)) (2/316). ؟!
أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا
أي: أمْ لِهَؤلاءِ الأصنامِ آذانٌ يَسمعونَ بها، كما لكم؟! فكيف تَعبدونَها، وأنتم أفضَلُ وأقدَرُ منها [2373] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/636)، ((تفسير البغوي)) (2/259)، ((تفسير الشوكاني)) (2/316). ؟!
قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ
أي: قُلْ- يا مُحمَّدُ- متحدِّيًا هؤلاءِ المُشركينَ: استنصِرُوا عليَّ بأصنامِكم التي تزعُمونَ أنَّها آلهةٌ مع اللهِ، ثم عجِّلوا أنتم وهِي بالكَيدِ لي، والمَكرِ بي، فلا تُمهِلوني [2374] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/636)، ((البسيط)) للواحدي (9/533)، ((تفسير القرطبي)) (7/343)، ((تفسير ابن كثير)) (3/530)، ((تفسير السعدي)) (ص: 312)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/223). قال ابن جرير: (يُعلِمُه جلَّ ثَناؤُه بذلك أنَّهم لم يضَرُّوه، وأنَّه قد عَصَمه منهم، ويُعرِّفُ الكَفَرةَ به عجْزَ أوثانِهم عن نُصرةِ مَن بَغى أولياءَهم بِسُوءٍ). ((تفسير ابن جرير)) (10/636). .
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى في الآياتِ المُتقَدِّمة أنَّ هذه الأصنامَ لا قدرةَ لها على النَّفعِ والضَّرِّ؛ بيَّنَ بهذه الآيةِ أنَّ الواجِبَ على كلِّ عاقلٍ عبادةُ اللهِ تعالى؛ لأنَّه هو الذي يتولَّى تحصيلَ منافِعِ الدِّينِ والدُّنيا [2375] يُنظَر: ((تفسير الرازي)) (15/433). .
وأيضًا لَمَّا أحالَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الاستنجادِ بآلهَتِهم في ضَرِّه، في قولِه تعالى: قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ وأراهم أنَّ اللهَ هو القادِرُ على كلِّ شَيءٍ- عقَّبَ ذلك بالاستنادِ إلى اللهِ تعالى والتوكُّلِ عليه، والإعلامِ أنَّه تعالى هو ناصِرُه عليهم [2376] يُنظَر: ((تفسير أبي حيان)) (5/253). ، فقال:
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ
أي: قُلْ- يا مُحمَّدُ- للمُشركينَ: إنَّ نَصيري الذي ينصُرُني عليكم ويحفَظُني، ويعصِمُني منكم؛ هو اللهُ الذي نزَّل عليَّ القُرآنَ [2377] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/636)، ((تفسير القرطبي)) (7/343)، ((تفسير ابن كثير)) (3/530)، ((تفسير السعدي)) (ص: 312)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/224)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/430). .
كما قال سبحانه: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر: 36] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67] .
وقال تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ [آل عمران: 2، 3].
وعن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((غَزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غزوةَ نَجدٍ، فلما أدرَكَتْه القائلةُ، وهو في وادٍ كَثيرِ العِضاهِ [2378] العِضَاه: كُلُّ شَجرٍ عَظيمٍ له شَوكٌ. يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (6/337). ، فنزل تحتَ شَجَرةٍ واستظَلَّ بها وعلَّق سيفَه، فتفَرَّقَ النَّاسُ في الشَّجرِ يستظِلُّونَ، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فجِئْنا، فإذا أعرابيٌّ قاعِدٌ بين يدَيه، فقال: إنَّ هذا أتاني وأنا نائِمٌ، فاختَرَط سيفي [2379] فاختَرَط سيفي: أي: سَلَّه. يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (6/337). ، فاستيقظتُ وهو قائِمٌ على رأسي، مُختَرطٌ صَلتًا [2380] صَلْتًا: أي: مُجَرَّدًا من غِمْدِه. يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (6/337). ، قال: من يمنَعُك مني؟ قلتُ: اللهُ، فشامَه [2381] فشَامَه: أي: غَمَدَه. يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (6/337). ثم قعَدَ، فهو هذا. قال: ولم يعاقِبْه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) [2382] رواه البخاري (4139) واللفظ له، ومسلم (843). .
وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ
أي: وهو سُبحانَه ينصُرُ ويحفَظُ الذين صلَحَت نيَّاتُهم وأعمالُهم وأقوالُهم، فآمَنُوا باللهِ تعالى، وامتَثَلوا ما أمَرَ به، واجتَنَبوا ما نهى عنه [2383] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/636)، ((تفسير القرطبي)) (7/343)، ((تفسير السعدي)) (ص: 312)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/224)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/432). .
كما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257].
وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج: 38] .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51] .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ قال: مَن عادَى لي وليًّا فقد آذنْتُه بالحَربِ، وما تقرَّبَ إليَّ عَبدِي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ ممَّا افترضْتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتى أحِبَّه، فإذا أحبَبْتُه كنتُ سَمعَه الذي يسمَعُ به، وبصَرَه الذي يُبصِرُ به، ويَدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألَني لأُعطيَنَّه، ولئن استعاذَني لأُعيذَنَّه )) [2384] رواه البخاري (6502). .
وعن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كنتُ خَلفَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا، فقال: يا غُلامُ، إنِّي أعَلِّمُك كلماتٍ، احفَظِ اللهَ يَحفَظْك، احفَظِ اللهَ تَجِدْه تُجاهَك )) [2385] أخرجه الترمذي (2516 )، وأحمد (2669 )، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5417). ​​صححه الترمذي، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (2516 )، وابن باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (160/1)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (699): صحيح لغيره، وحسنه ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/459)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/327). وصحح إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (4/233). .
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ
أي: وقُل- يا مُحمَّدُ- للمُشركينَ: والذينَ تعبدونَهم وتَدعُونَهم مِن دونِ اللهِ تعالى لا يَقدِرونَ على نَصرِكم على عَدُوِّكم، ولا أن يدفَعُوا عنكم ظُلمًا أو عذابًا حلَّ بكم [2386] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/637)، ((تفسير السعدي)) (ص: 313)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/432). .
كما قال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ [يس: 74-75] .
وقال سبحانه: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: 100-101] .
وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ
أي: ولا تلك الأصنامُ- مع عَجْزِهم عن نُصرَتِكم- يقدرونَ على نُصرةِ أنفُسِهم ممَّن أرادَهم بِسُوءٍ [2387] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/637)، ((الوسيط)) للواحدي (2/435)، ((تفسير البغوي)) (2/259)، ((تفسير الرازي)) (15/431)، ((تفسير القاسمي)) (5/241). .
كما قال تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء: 98-99] .
وقال سبحانه: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 22-23] .
وقال عزَّ وجلَّ ذاكرًا فعلَ إبراهيمَ عليه السَّلام حينَ كسَر أصنامَ قومِه: فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ [الصافات: 91-93] .
وقال تعالى حاكيًا قولَ إبراهيمَ عليه الصلاةُ والسَّلامُ: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ [الأنبياء: 57-58] .
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا
أي: وقُلْ- يا مُحمَّدُ- للمُشركينَ: وإنْ تَدْعُوا أصنامَكم إلى الحَقِّ، لا يَسمَعوا دُعاءَكم؛ لأنَّها جماداتٌ لا تَسمَعُ [2388] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/637)، ((البسيط)) للواحدي (9/537)، ((تفسير أبي حيان)) (5/255)، ((تفسير القاسمي)) (5/241). .
وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ
أي: وترى- يا مُحمَّدُ- آلهةَ المُشركينَ المنحوتةَ، تُقابِلُك بعيونٍ مُصَوَّرةٍ، كأنَّها تنظُرُ إليك، وهي لا تُبصِرُ شيئًا في الحقيقةِ؛ لأنَّها جماداتٌ لا تُبصِرُ [2389] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (10/637، 638)، ((تفسير ابن كثير)) (3/530)، ((تفسير السعدي)) (ص: 313)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/225). .

الفوائد التربوية:

قال اللهُ تعالى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ المؤمنونَ الصَّالِحونَ لَمَّا توَلَّوا ربَّهم بالإيمانِ والتَّقوى، ولم يتوَلَّوا غيرَه مِمَّن لا ينفَعُ ولا يضُرُّ؛ تولَّاهم اللهُ ولَطفَ بهم، وأعانَهم على ما فيه الخَيرُ والمصلحةُ لهم، في دِينِهم ودُنياهم، ودفَعَ عنهم بإيمانِهم كُلَّ مَكروهٍ [2390] يُنظَر: ((تفسير السعدي)) (ص:312). .

الفوائد العلمية واللطائف:

قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ أطلقَ الدُّعاءَ على العبادةِ؛ إشارةً إلى أنَّه لا تصِحُّ عبادةُ مَن ليس فيه قابليَّةٌ أن يُدعى [2391] يُنظَر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/194-195). .
قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فيه أنَّه قد يُطلَقُ لَفظُ (العَبد) على المخلوقاتِ كُلِّها؛ الذي يعقِلُ والذي لا يَعقِلُ [2392] يُنظَر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/44). .
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ إنَّما أطلَقَ على الأصنامِ اسمَ العِبادِ، وعبَّرَ عنها بضمائِرِ العُقَلاءِ؛ لأنَّ الكُفَّارَ يَصِفونَها بصفاتِ مَن هو خيرٌ مِن مُطلَقِ العُقَلاءِ: أنَّها مَعبوداتٌ، وأنَّها تشفَعُ وتُقرِّبُ إلى الله زُلفَى، فبهذا الاعتبارِ أجرى عليها ضمائِرَ العُقَلاءِ، وعبَّرَ عنها بالعبادِ، ووجهُ مُماثَلتِهم هنا: أنَّ الكُفَّارَ العابِدينَ، والأصنامَ المعبوداتِ؛ كلُّهم مَخلوقاتٌ لله، لا تَقدِرُ أن تجلِبَ لِنَفسِها نفعًا، ولا أن تدفَعَ عنها ضرًّا، فهم مِن قَبيلِ تسخيرِ اللهِ لهم، وخَلْقِه للجَميعِ، وقُدرتِه على الجَميعِ، بهذا الاعتبارِ هم سواءٌ؛ ولذا قال: عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ [2393] يُنظَر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/425). .
قَولُ اللهِ تعالى: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا لَمَّا كان دعاءُ الجماعةِ أقرَبَ إلى السَّماعِ مِن دُعاءِ الواحدِ، نسَقَ على ما قَبلَه قَولَه: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ [2394] يُنظَر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/199). .

بلاغة الآيات:

قولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
قولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ... استئنافٌ ابتدائيٌّ، انتقل به إلى مُخاطبةِ المُشرِكينَ؛ ولذلك صُدِّرَ بِحَرفِ التَّوكيدِ؛ لأنَّ المُشرِكينَ يُنكِرونَ مساواةَ الأصنامِ إيَّاهم في العبوديَّةِ [2395] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/220-221). .
قَولُه تعالى:فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ تحقيقٌ لِمَضمونِ ما قَبلَه بتَعجيزِهم وتَبكيتِهم، أي: فادعُوهم في جَلبِ نَفعٍ أو كَشْفِ ضُرٍّ [2396] يُنظَر: ((تفسير أبي السعود)) (3/306)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/222).
قوله: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ
قوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا تبكيتٌ إثْرَ تبكيتٍ، مؤكِّدٌ لِما يفيدُه الأمرُ التَّعجيزي مِن عَدمِ الاستجابةِ، ببيانِ فُقدانِ آلاتِها بالكليَّةِ [2397] يُنظَر: ((تفسير أبي السعود)) (3/306). .
والاستفهامُ في أَلَهُمْ وما بَعدَه؛ إنكاريٌّ، وتقديمُ المُسنَدِ على المُسنَد إليه؛ للاهتمامِ بانتفاءِ المِلْك الذي دَلَّت عليه اللَّامُ [2398] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/222). .
وقد وُجِّهَ الإنكارُ إلى كُلِّ واحدةٍ من هذه الآلاتِ الأربعِ على حِدَةٍ؛ تكريرًا للتَّبكيتِ، وتثنيةً للتَّقريعِ، إشعارًا بأنَّ انتفاءَ كلِّ واحدةٍ منها بِحِيالِها كافٍ في الدَّلالةِ على استحالةِ الاستجابةِ [2399] يُنظَر: ((تفسير أبي السعود)) (3/306). .
ووصفُ الأرجُلِ بـ يَمْشُونَ، والأيدي بـيَبْطِشُونَ، والأعيُنِ بـ يُبْصِرُونَ، والآذانِ بـ يَسْمَعُونَ: إمَّا لزيادةِ تسجيلِ العَجزِ عليهم فيما يَحتاجُ إليه النَّاصِرُ، وإمَّا لأنَّ بَعضَ تلك الأصنامِ كانت مجعولةً على صورِ الآدَميِّينَ، وخَصَّ الأرجُلَ والأيديَ والأعيُنَ والآذانَ؛ لأنَّها آلاتُ العِلمِ والسَّعيِ والدَّفعِ للنَّصرِ [2400] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/222). .
والأمرُ والنَّهيُ في قولِه تعالى: كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونَ للتَّعجيزِ [2401] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/223).
وقولُه: فَلَا تُنْظِرُونِ تفريعٌ على الأمرِ بالكَيدِ، أي: فإذا تمكَّنْتُم مِن إضراري، فأعجِلُوا، ولا تؤَجِّلوني [2402] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/223). .
وفي هذا التحدِّي تعريضٌ بأنَّه سيبلغُهم، وينتصرُ عليهم، ويستأصلُ آلهتَهم [2403] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/223). .
قولُه تعالى: إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ هذا مِن المأمورِ بِقَولِه أيضًا، وفُصِلَت هذه الجُملةُ عَن جُملةِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ؛ لِوُقوعِها مَوقِعَ العلَّةِ لِمَضمونِ التَّحدِّي في قَولِه ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ الذي هو تحقُّقُ عَجْزِهم عن كَيدِه [2404] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/224). .
وإجراءُ الصِّفةِ لاسْمِ اللهِ بالموصوليَّةِ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ؛ لِمَا تدُلُّ عليه الصِّلةُ مِن عَلاقاتِ الوِلايةِ؛ فإنَّ إنزالَ الكِتابِ عليه وهو أمِّيٌّ، دليلُ اصطفائِه وتوَلِّيه [2405] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/224). .
والتَّعريفُ في الكتابِ للعَهدِ، أي: الكتابَ الَّذي عَهِدتُموه وسَمِعتُموه، وعَجَزتُم عن مُعارَضتِه، وهو القُرآنُ [2406] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/224). .
ومَجيءُ المُسنَدِ يَتَوَلَّى فعلًا مُضارعًا؛ لقَصدِ الدَّلالةِ على استمرارِ هذا التَّولِّي وتجدُّدِه، وأنَّه سُنَّةٌ إلهيَّةٌ، فكما توَّلى النبيَّ يتولَّى المؤمنينَ أيضًا، وهذه بِشارةٌ للمُسلمينَ المُستَقيمينَ على صِراطِ نَبِيِّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنْ يَنصُرَهم اللهُ، كما نصَرَ نبيَّه وأولياءَه [2407] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/224). .
وقولُه: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ تذييلٌ مقرِّرٌ لِمَضمونِ ما قَبلَه [2408] يُنظَر: ((تفسير أبي السعود)) (3/307). .
قولُه تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ عَطْفٌ على جملةِ: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ وسلوكُ طَريقِ المَوصوليَّة في التَّعبيرِ عن الأصنامِ؛ للتَّنبيهِ على خَطأِ المُخاطَبينَ في دُعائِهم إيَّاها مِن دُونِ اللهِ، مع ظُهورِ عَدمِ استِحقاقِها للعِبادةِ؛ بِعَجزِها عن نَصرِ أتباعِها، وعن نَصرِ أنفُسِها [2409] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/224). .
قولُه تعالى: وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تشبيهٌ بليغٌ، أي: تَراهم كأنَّهم يَنظُرونَ إلَيك؛ لأنَّ صُوَرَ كَثيرٍ مِن الأصنامِ كان على صُوَرِ الأناسيِّ، وقد نحتوا لها أمثالَ الحِدَقِ النَّاظِرةِ إلى الواقِفِ أمامَها [2410] يُنظَر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/225). .