موسوعة التفسير

سورةُ فاطرٍ
الآيات (12-14)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ

غَريبُ الكَلِماتِ:

فُرَاتٌ: أي: شَديدُ العُذوبةِ [244] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/472)، ((غريب القرآن)) للسِّجستاني (ص: 369)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/498)، ((تفسير القرطبي)) (14/334)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 317). .
سَائِغٌ: أي: سَهلٌ، وأصلُ (سوغ): يدُلُّ على سُهولةِ الشَّيءِ [245] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قُتَيبة (ص: 245)، ((غريب القرآن)) للسِّجستاني (ص: 263)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/116)، ((المفردات)) للراغب (ص: 435)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 261). .
أُجَاجٌ: أي: مُرٌّ، شَديدُ الملوحةِ، وأصلُ (أجج) هنا: يدُلُّ على شِدَّةِ المُلوحةِ [246] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/345)، ((غريب القرآن)) للسِّجستاني (ص: 91)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/8)، ((المفردات)) للراغب (ص: 64)، ((تفسير ابن كثير)) (6/540). .
حِلْيَةً: أي: لُؤلؤًا ومَرجانًا، والحِلْيةُ: مَا يتحَلَّى به النَّاسُ، أيْ: يَتزيَّنونَ، وأصلُ (حلو) هنا: يدُلُّ على تَحسينِ الشَّيءِ [247] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قُتَيبة (ص: 227)، ((تفسير ابن جرير)) (14/185)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/94)، ((تفسير الشوكاني)) (3/184)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/ 119). قيل: اللُّؤْلُؤُ: الدُّرُّ، والمَرجانُ: الخَرَزُ الأحمرُ. وقيل: المَرجانُ: صِغارُ الدُّرِّ، واللُّؤْلُؤُ: كِبارُه. يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/500). .
مَوَاخِرَ: أي: جواريَ تَشُقُّ الماءَ وتَخرِقُه مع صَوتٍ، وأصلُ (مخر): يدُلُّ على شَقٍّ وفَتْحٍ [248] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قُتَيبة (ص: 360)، ((تفسير ابن جرير)) (19/346، 347)، ((غريب القرآن)) للسِّجستاني (ص: 423)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/303)، ((أساس البلاغة)) للزمخشري (2/198). .
يُولِجُ: أي: يُدخِلُ، أو يأخُذُ منه فيَطولُ ذلك ويَقصُرُ هذا، وأصلُ (ولج): يدُلُّ على دُخولِ شَيءٍ [249] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قُتَيبة (ص: 103)، ((تفسير ابن جرير)) (16/621)، ((غريب القرآن)) للسِّجستاني (ص: 161)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/142)، ((المفردات)) للراغب (ص: 883)، ((تفسير ابن كثير)) (6/349)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 120). .
وَسَخَّرَ: أي: ذلَّل، والتَّسْخيرُ: سِياقةٌ إلى الغَرَضِ المختصِّ قَهرًا، وأصلُ (سخر): يدلُّ على استذلالٍ [250] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/144)، ((تفسير السمعاني)) (3/163)، ((المفردات)) للراغب (ص: 402). .
قِطْمِيرٍ: القِطميرُ: القِشرةُ أو اللِّفافةُ الرَّقيقةُ البَيضاءُ التي تكونُ على نَواةِ التَّمرةِ [251] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قُتَيبة (ص: 360)، ((تفسير ابن جرير)) (19/349)، ((غريب القرآن)) للسِّجستاني (ص: 386)، ((المفردات)) للراغب (ص: 678)، ((تفسير القرطبي)) (14/336)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 346). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ اللهُ تعالَى مبيِّنًا مَظاهرَ قُدرتِه وبديعَ صُنعِه: وما يَستوي البَحرانِ؛ فماءُ أحَدِهما حُلوُ المذاقِ، بالِغُ العُذوبةِ، يُستَساغُ شُربُه، وماءُ الآخَرِ شَديدُ الملوحةِ، ومِن كُلِّ بَحرٍ منهما تأكُلونَ لَحمًا طَريًّا، وتَستَخرِجونَ زينةً تَلبَسونَها كاللُّؤلؤِ والمَرجانِ، وترَى السُّفُنَ تَسيرُ في البَحرِ وهي تشَقُّ الماءَ وتَدفَعُه؛ لِتَطلُبوا برُكوبِكم السُّفُنَ في البِحارِ مَعايشَكم ورِزقَ اللهِ لكم، ولعلَّكم تَشكُرونَ اللهَ على ذلك.
 ويَذكرُ أنواعًا أُخرى مِن مَظاهرِ قُدرتِه، فيقولُ: يُدخِلُ اللهُ اللَّيلَ في النَّهارِ فيَكونُ الضِّياءُ، ويُدخِلُ النَّهارَ في اللَّيلِ فيَكونُ الظَّلامُ، وسخَّر اللهُ لكم الشَّمسَ والقَمَرَ، فيَجريانِ في فَلَكِهما لِمَصالحِكم إلى وَقتٍ مُحدَّدٍ مَعلومٍ عندَ اللهِ تعالَى.
ذلِكُم اللهُ ربُّكم له المُلكُ وَحدَه لا شَريكَ له. والذين تَعبُدونَهم -أيُّها المُشرِكونَ- مِن دونِ اللهِ لا يَملِكونَ أيَّ شَيءٍ، حتى القِشرةَ البَيضاءَ الرَّقيقةَ التي تكونُ على نواةِ التَّمرةِ.
إنْ تدْعوا هذه الآلهةَ المزعومةَ لا يَسمَعوا دُعاءَكم، ولو سَمِعوا دُعاءَكم ما استَجابوا لكم، ويومَ القِيامةِ يَكفُرونَ بإشراكِكم إيَّاهم في العِبادةِ مع اللهِ تعالَى، ولا يُنبِّئُك-يا محمَّدُ- مِثلُ اللهِ الخَبيرِ سُبحانَه.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ المرادَ ذِكرُ دَليلٍ آخَرَ على قُدرةِ اللهِ، وذلك مِن حيثُ إنَّ البحرينِ يَستويانِ في الصُّورةِ، ويَختَلِفانِ في الماءِ؛ فإنَّ أحَدَهما عذْبٌ فُراتٌ، والآخَرَ مِلحٌ أُجاجٌ، ثمَّ إنَّهما بعدَ اختِلافِهما يُوجَدُ منهما أمورٌ مُتشابِهةٌ؛ فإنَّ اللَّحمَ الطَّريَّ يوجَدُ فيهما، والحِليةَ تُؤخَذُ منهما، ومَن يُوجِدُ في المتشابِهَينِ اختِلافًا، ومِن المختَلِفَينِ اشتِباهًا، لا يكونُ إلَّا قادِرًا مُختارًا [252] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/228). .
وأيضًا لَمَّا ذَكَر اللهُ سُبحانَه أحَدَ أصلَيهم: التُّرابَ المختَلِفَ الأصنافِ، ذكَرَ الأصلَ الآخَرَ: الماءَ الذي هو أشَدُّ امتزاجًا مِن الترابِ، ذاكِرًا اختلافَ صِنفَيه اللَّذينِ يتفَرَّعانِ إلى أصنافٍ كثيرةٍ، مُنَبِّهًا على فِعلِه بالاختيارِ، ومُنكِرًا على مَن سَوَّى بَينَه سُبحانَه وبَينَ شَيءٍ، حتى أشركَه به مع المباعَدةِ التي لا شَيءَ بَعدَها [253] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/23-24). .
وأيضًا فإنَّه انتِقالٌ مِن الاستِدلالِ بالأحوالِ في الأجواءِ بينَ السَّماءِ والأرضِ على تفرُّدِ اللهِ تعالَى بالإلهيَّةِ، إلى الاستِدلالِ بما على الأرضِ مِن بِحارٍ وأنهارٍ، وما في صِفاتِها مِن دَلالةٍ زائدةٍ على دَلالةِ وُجودِ أعيانِها، على عَظيمِ مَخلوقاتِ الله تعالى [254] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/279). .
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ.
أي: وما يَتماثَلُ البَحرانِ اللَّذانِ خلَقَهما اللهُ مختَلِفَينِ بقُدرتِه وحِكمتِه؛ فماءُ أحَدِهما ذُو طَعمٍ طَيِّبٍ حُلوٍ، ومَذاقٍ لَذيذٍ بالغِ العُذوبةِ، يُستساغُ شُربُه، ويَسهُلُ ابتِلاعُه بلا صُعوبةٍ ولا كَراهةٍ، ومِياهُ الآخَرِ بخِلافِ ذلك؛ فهي شَديدةُ الملوحةِ والمرارةِ [255] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/345)، ((تفسير ابن كثير)) (6/539، 540)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/24)، ((تفسير السعدي)) (ص: 686)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/280)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 103). قال َالبِقاعي: (المرادُ أنَّه مَيَّزهما سبحانَه بعد جمْعِهما في ظاهرِ الأرضِ وباطِنِها، ولم يَدَعْ أحدَهما يبغي على الآخَرِ، بل إذا حُفِرَ عل جانبِ البَحرِ الملحِ ظَهَر الماءُ عذبًا فُراتًا على مقدارِ صلاحِ الأرضِ وفَسادِها). ((نظم الدرر)) (16/24). .
وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا.
أي: ومِن كُلِّ بحرٍ منهما -عذْبًا كان أو مالِحًا- تأكُلونَ لَحمًا طَرِيًّا مِن أنواعِ السَّمَكِ وغَيرِه [256] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/346)، ((تفسير ابن كثير)) (6/540)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/24)، ((تفسير السعدي)) (ص: 686)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 104). .
وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا.
أي: وتَستَخرِجونَ مِن البَحرِ -مالِحًا كان أم عذبًا- زينةً كاللُّؤلؤِ والمَرجانِ تتحلَّونَ بلُبسِها [257] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/346)، ((تفسير القاسمي)) (8/163)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 686)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/282)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 104-105). قال ابن عثيمين: (أكثرُ المفسرينَ على أنَّه لا يخرجُ إلَّا مِن المالحِ، وحمَلوا قولَه تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن: 22] على أنَّ المرادَ مِن مجموعِهما لا مِن جميعِهما... لكنِ الصحيحُ أنَّه يخرجُ مِن الجميعِ؛ لأنَّ هذا هو ظاهرُ القرآنِ، والله سبحانه وتعالى أعلمُ بما خلَق... وقد ثبت الآنَ أنَّ اللؤلؤَ والمرجانَ يخرجُ مِن هذا ومِن هذا). ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 104- 105). ويُنظر: أيضًا: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/493). .
كما قال تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن: 22].
وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ.
أي: وترَى [258] قال ابن عثيمين: (الخِطابُ لكلِّ مَن يتوجَّهُ إليه الخِطابُ، والرؤيةُ هنا بصريَّةٌ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 105). السُّفُنَ تَجري في البَحرِ، وهي تَشُقُّ الماءَ وتَدفَعُه بصُدورِها دونَ أن تَغرَقَ فيه [259] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/346)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 602)، ((تفسير السعدي)) (ص: 686)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 105-106). .
لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ.
أي: لِتَطلُبوا بُركوبِكم السُّفُنَ في البِحارِ مَعايشَكم، وتتنقَّلوا بها لتِجاراتِكم، إلى غيرِ ذلِك [260] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/347)، ((تفسير الزمخشري)) (4/185)، ((تفسير البيضاوي)) (4/256)، ((تفسير ابن كثير)) (6/540)، ((تفسير السعدي)) (ص: 686). قال القرطبيُّ: (قال مجاهدٌ: التِّجارةُ في الفُلكِ إلى البُلدانِ البعيدةِ في مدةٍ قريبةٍ... وقيل: ما يُستخرَجُ مِن حِليتِه ويُصادُ مِن حِيتانِه). ((تفسير القرطبي)) (14/335). .
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
أي: ولَعلَّكم تَشكُرونَ اللهَ على تَسخيرِه لكم ذلك [261] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/347)، ((تفسير القرطبي)) (14/335)، ((تفسير ابن كثير)) (6/540). ذكر ابنُ جرير أنَّ المعنى: لتشكروا اللهَ على تَسخيرِه ذلك لكم، وما رزقَكم منه من طيِّبات الرِّزق، وفاخِر الحلي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/347). وقيل: المرادُ: شُكرُه على تَسخيرِ الفُلكِ في البَحرِ. وممَّن اختاره: ابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 106-107). وقال ابن كثير: (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، أي: تشكرون ربَّكم على تَسخيرِه لكم هذا الخَلْقَ العظيمَ، وهو البحر، تتصرَّفون فيه كيف شِئتم، وتذهبون أين أردتم، ولا يمتنع عليكم شيءٌ منه). ((تفسير ابن كثير)) (6/540). قيل: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اللهَ على نِعمِه. وممَّن اختاره: الثعلبي، والبَغوي، والخازن، والعليمي. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (8/103)، ((تفسير البغوي)) (3/691)، (تفسير الخازن)) (3/455)، ((تفسير العليمي)) (5/445). وقال الشوكاني: (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اللهَ على ما أنعمَ عليكم به مِن ذلك). ((تفسير الشوكاني)) (4/393). وقيل: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ على ما آتاكم مِن فضْلِه، وممَّن اختارَه القرطبيُّ والنَّسفيُّ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/335)، ((تفسير النسفي)) (3/81). .
كما قال تعالَى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: 14] .
وقال سُبحانَه: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الجاثية: 12] .
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه استِدلالٌ آخَرُ باختِلافِ الأزمِنةِ [262] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/228). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ اللهُ سُبحانَه اختِلافَ الذَّواتِ الدَّالَّ على بَديعِ صُنعِه تعالى؛ أتْبَعَه تَغييرَه المعانيَ؛ آيةً على بَليغِ قُدرتِه [263] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/27). .
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ.
أي: يُدخِلُ اللهُ اللَّيلَ في النَّهارِ، ويُدخِلُ النَّهارَ في اللَّيلِ [264] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/347)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/27)، ((تفسير السعدي)) (ص: 686)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 112-113). ممَّن اختار في الجُملةِ أنَّ المعنى: يُدخِل اللَّيلَ في النهار، وذلك ما نقَص مِن اللَّيلِ أدْخَله في النَّهار فزادَه فيه، ويُولِج النَّهارَ في اللَّيلِ، وذلك ما نقَص من أجزاء النَّهارِ زادَ في أجزاء اللَّيل، فأدْخَله فيها: ابنُ جرير وابنُ عُثَيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/347)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 112-113). وقالَ البِقاعي: (يُولِجُ، أي: يُدخِل على سَبيلِ الجَولانِ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ فيَصير الظلامُ ضِياءً...يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ فيَصير ما كان ضِياءً ظلامًا، وتارةً يكون التوالجُ بقِصَرِ هذا وطُولِ هذا). ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/27). وقال السعديُّ: (يُدخِل هذا على هذا، وهذا على هذا، كلَّما أتَى أحدهما ذهَب الآخَرَ، ويَزيدُ أحدَهما ويَنقُص الآخَرَ، ويتساويانِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 686). .
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى.
أي: وذلَّل اللهُ لكم الشَّمسَ والقَمَرَ، فيَجريانِ في فَلَكِهما لمصالحِكم إلى وَقتٍ محدَّدٍ مَضروبٍ [265] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/348)، ((تفسير ابن كثير)) (6/540)، ((تفسير السعدي)) (ص: 686). ممَّن اختارَ أنَّ المرادَ بالأجَلِ المُسمَّى هنا: يومُ القيامةِ: مقاتل بن سليمان، والسمرقندي، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/554)، ((تفسير السمرقندي)) (3/103)، ((تفسير ابن كثير)) (6/540). قال السعديُّ: (فإذا جاء الأجَلُ، وقَرُب انقِضاءُ الدُّنيا، انقطع سيرُهما، وتعطَّل سُلطانُهما، وخسَفَ القَمَرُ، وكُوِّرَت الشَّمسُ، وانتَثَرت النُّجومُ). ((تفسير السعدي)) (ص: 686). وقال أبو السعود: (قولُه تعالى كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى بيانٌ لكيفيَّةِ تسخيرِهما، أي: كلٌّ منهما يجري لمُنتهى دَورتِه أو منقطِعِ حركتِه). ((تفسير أبي السعود)) (7/242). وقيل: المرادُ: العُمومُ، فيَشمَلُ ذلك الأجَلَ اليوميَّ للمَغيبِ، فيَستمِرُّ ذلك كلَّ يومٍ حتى مجيءِ الأجَلِ الأعظَمِ، فيختَلُّ نظامُ الكونِ. وممَّن قال بهذا المعنى: البِقاعي. يُنظر: ((نظم الدرر)) (16/28). قال ابنُ عثيمين: (يمكِنُ أن نقولَ: يسيرانِ إلى أجَلٍ مُسمًّى حتى في الفَلَكِ، فمَثلًا الشَّمسُ تنزِلُ على مَدارِ الجَدْيِ في أيامِ الشِّتاءِ، ثمَّ تتنقِلُ شيئًا فشيئًا إلى أن تَصِلَ إلى مدارِ السَّرطان... فكلَّ يومٍ مُحدَّدٌ مكانُ الطُّلوعِ وزمانُ الطُّلوعِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 128). وقال الواحديُّ في نظير هذه الآيةِ مِن سورة الرعد: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى [الرعد : 2] ، قال: (قولُه: كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أي: إلى وقتٍ معلومٍ، وهو فَناءُ الدنيا، وهذا معنى قولِ ابنِ عبَّاسٍ في روايةِ عطاءٍ، قال: يريدُ أنَّ هذا كائنٌ إلى يوم القيامةِ. ورُوي عنه أنَّه قال: أراد بالأجَلِ المُسمَّى: انتهاؤُهما في السَّيرِ إلى درجاتِهما ومنازلِهما، وهو قولُ الكلبيِّ؛ قال: للشَّمسِ منازِلُ معلومةٌ، كُلَّ يومٍ لها منزلٌ تنزِلُه حتى تنتهيَ إلى آخِرِ مَنازلِها، فإذا انتهتْ إليه لم تجاوِزْه، ثم ترجِعُ؛ فهذا الأجَلُ المسمَّى، وللقَمَرِ كذلك). ((البسيط)) (12/285). .
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ.
أي: ذلِكم العَظيمُ، الذي خلَقَ تلك المذكوراتِ وقام بتَسخيرِها: اللهُ خالِقُكم ورازِقُكم، ومدبِّرُ أُمورِكم، المستَحِقُّ للعِبادةِ وَحدَه، له المُلكُ التَّامُّ كُلُّه وَحدَه لا شَريكَ له [266] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/348)، ((تفسير القرطبي)) (14/336)، ((تفسير ابن كثير)) (6/540)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/28)، ((تفسير السعدي)) (ص: 686). .
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ.
أي: وأمَّا الذين تَعبُدونَهم -أيُّها المُشرِكونَ- مِن دُونِ اللهِ؛ فإنَّهم لا يَملِكونَ حتى القِشرةَ البَيضاءَ الرَّقيقةَ التي تكونُ على نواةِ التَّمرةِ [267] يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/782، 783)، ((تفسير ابن جرير)) (19/349)، ((تفسير الثعلبي)) (8/103)، ((تفسير القرطبي)) (14/336)، ((تفسير ابن كثير)) (6/540، 541)، ((تفسير الإيجي)) (3/403)، ((تفسير السعدي)) (ص: 686، 687). قال القُرطبيُّ: (القِطميرُ: القِشرةُ الرَّقيقةُ البيضاءُ التي بينَ التَّمرةِ والنَّواةِ، قاله أكثَرُ المفَسِّرين). ((تفسير القرطبي)) (14/336). ويُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (8/103). وقال أبو حيَّان بعدَ أنْ ذكَر الخِلافَ في معنى القِطميرِ: (وأيًّا ما كان، فهو تمثيلٌ للقليلِ). ((تفسير أبي حيان)) (9/22). .
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه إذا انتفَى أنَّ الأصنامَ تَملِكُ شَيئًا، انتفَى عنها وَصْفُ الإلهيَّةِ بطَريقِ الأَولَى؛ فنَفَى ما كانوا يَزعُمونَه مِن أنَّها تَشفَعُ لهم [268] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/283). .
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ.
أي: إنْ تدْعوا هؤلاء الآلهةَ المزعومةَ التي تَعبُدونَها مِن دونِ اللهِ؛ لا يَسمَعوا دُعاءَكم [269] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/350)، ((تفسير القرطبي)) (14/336)، ((تفسير ابن كثير)) (6/541)، ((تفسير السعدي)) (ص: 687). قال السعديُّ: (لا يَسمعوكم؛ لأنَّهم ما بينَ جمادٍ وأمواتٍ، وملائكةٍ مَشغولينَ بطاعةِ ربِّهم). ((تفسير السعدي)) (ص: 687). .
وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ.
أي: وحتَّى لو سَمِعوا دُعاءَكم، فإنَّهم لا يَستَجيبونَ لكم [270] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/350)، ((تفسير ابن كثير)) (6/541)، ((تفسير السعدي)) (ص: 687). ذكر ابنُ عثيمين أن قولَه تعالى: مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ِيَشمَلَ الاستجابةَ بالقَولِ بأنْ تقولَ هذه الأصنامُ: ماذا تريدونَ؟ والاستجابةَ بالفِعلِ، وهي إيصالُ المطلوبِ إلى هؤلاءِ الطَّالبين؛ فهي لا تستجيبُ لا لهذا ولا لهذا. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 126)، ويُنظر أيضًا: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/29). وقال القرطبيُّ: (وقيل: أيْ: لو جعَلْنا لهم عُقولًا وحياةً فسَمِعوا دُعاءَكم، لكانوا أطوعَ لله منكم، ولَما استجابوا لكم على الكُفرِ). ((تفسير القرطبي)) (14/336). .
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ.
مناسبتُها لِمَا قبلَها:
لَمَّا كُشِفَ حالُ الأصْنامِ في الدُّنيا بما فيه تَأْييسٌ من انتِفاعِهِم بها فيها؛ كُمِّلَ كَشْفُ أمْرِها في الآخِرةِ بأنَّ تلك الأصْنامَ يُنطِقُها اللهُ، فتَتبرَّأَ من شِركِهم [271] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/283). .
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ.
أي: ويَومَ القِيامةِ يَكفُرونَ بما وَقعتُم فيه مِن اتِّخاذِهم شُرَكاءَ للهِ تدعونَهم مِن دُونِه [272] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/351)، ((تفسير القرطبي)) (14/336)، ((تفسير ابن كثير)) (6/541)، ((تفسير السعدي)) (ص: 687). .
كما قال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: 81، 82].
وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 5-6].
وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ.
أي: ولا أحدَ يُنبِّئُك [273] قيل: المرادُ تحقيقُ ما أخبَر به مِن حالِ آلهتِهم، ونفيُ ما يدَّعُون لهم من الإلهيةِ. ممَّن ذكر هذا المعنى: الزمخشري، والرَّسْعَني، والبيضاوي، والنَّسَفي، وابن جُزي، وأبو السعود، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/606)، ((تفسير الرسعني)) (6/282)، ((تفسير البيضاوي)) (4/256)، ((تفسير النسفي)) (3/82)، ((تفسير ابن جزي)) (2/173)، ((تفسير أبي السعود)) (7/148)، ((تفسير القاسمي)) (8/163). قال ابنُ جَرير: (يقول تعالى ذِكرُه: ولا يُخبِرُك -يا محمدُ- عن آلهة هؤلاء المشركين وما يكونُ مِن أمْرِها وأمْرِ عَبَدتِها يومَ القيامةِ، مِن تَبرُّئِها منهم، وكُفرها بهم، مثل ذِي خِبرة بأمْرها وأمْرهم؛ وذلك الخبيرُ هو اللهُ الذي لا يخفَى عليه شيءٌ -كان أو يكون- سُبحانَه). ((تفسير ابن جرير)) (19/351). وقال ابنُ كثير: (وقوله: وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ، أي: ولا يُخبِرُك بعواقبِ الأمورِ ومآلها وما تصيرُ إليه، مِثلُ خبيرٍ بها). ((تفسير ابن كثير)) (6/541). وقال جلال الدِّين المَحليُّ: (وَلَا يُنَبِّئُكَ بأحوالِ الدَّارين مِثْلُ خَبِيرٍ). ((تفسير الجلالين)) (ص: 573). وقال َالبِقاعيُّ: (وَلَا يُنَبِّئُكَ، أي: إنباءً بليغًا عظيمًا على هذا الوَجهِ بشيءٍ مِن الأشياءِ مِثْلُ خَبِيرٍ، أي: بالِغِ الخبر، فلا يُمكن الطعنُ في شيءٍ ممَّا أخبر به، وأمَّا غيره فلا يُخبر خبرًا إلَّا يُوجَّه إليه نقْصٌ). ((نظم الدرر)) (16/30). -يا محمَّدُ- مِثلَ ما يُنَبِّئُك اللهُ الذي يَعلَمُ بواطِنَ الأمورِ وحقائِقَها، فلا يخفَى عليه شَيءٌ سُبحانَه [274] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/351)، ((تفسير السمعاني)) (4/353)، ((تفسير ابن كثير)) (6/541)، ((تفسير السعدي)) (ص: 687). قال الكَرمانيُّ: (أجمَع المفسِّرون على أنَّ خَبِيرٍ في الآيةِ: هو اللهُ عزَّ وجلَّ). ((غرائب التفسير)) (2/948). ممن اختار أنَّ الخِطابَ هنا لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مقاتل بن سليمان، وابن جرير، والسمرقندي، والواحدي، وابن الجوزي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/555)، ((تفسير ابن جرير)) (19/351)، ((تفسير السمرقندي)) (3/103)، ((الوسيط)) للواحدي (3/503)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/509). وقيل: الخِطابُ هنا لكُلِّ مَن يصِحُّ منه سَماعُ هذا الكلامِ. وممَّن قال بهذا المعنى: الشربيني، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (3/320)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/284). قال ابن عاشور: (لأنَّ هذه الجُملةَ أُرسِلَت مُرسَلَ الأمثالِ؛ فلا يَنبغي تَخصيصُ مَضمونِها بمخاطَبٍ مُعيَّنٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (22/284). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أنَّه يَنبغي للإنسانِ أنْ يَفعلَ الأسبابَ التي يُتَوَصَّلُ بها إلى المقصودِ، لا أنْ يبقَى في بيتِه مُنتظرًا رِزقَه، ويقولَ: إنَّه مُتوكِّلٌ على اللهِ! ففَرْقٌ بيْنَ التواكُلِ والتوكُّلِ؛ فالنَّبِيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ كان يَفْعَلُ الأسبابَ الجالبةَ للخيرِ؛ الدافعةَ للشَّرِّ، وهو سَيِّدُ المتوكِّلينَ [275] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 110). .
2- في قَولِه تعالى: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وجوبُ شُكرِ نِعمةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى؛ فإنَّ اللهَ جَعَل هذه النِّعَمَ وسَخَّرها تَسخيرًا لنا؛ لنقومَ بشُكرِه سُبحانَه وتعالى، والشُّكرُ موضعُه: اللسانُ، والقلبُ، والجوارحُ [276] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 111). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قال الله تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ هذا إخْبارٌ عن قُدرتِه وحِكمتِه ورَحمتِه: أنَّه جعَل البَحرينِ لمصالحِ العالَمِ الأرضيِّ كُلِّهم، وأنَّه لم يُسَوِّ بينَهما؛ لأنَّ المصلحةَ تَقتضي أنْ تكونَ الأنهارُ عَذبةً فُراتًا، سائِغًا شَرابُها؛ لِيَنتفِعَ بها الشَّارِبونَ والغارِسونَ والزَّارِعونَ، وأنْ يكونَ البَحرُ مِلحًا أُجاجًا؛ لِئلَّا يَفسُدَ الهواءُ المحيطُ بالأرضِ برَوائحِ ما يموتُ في البَحرِ مِن الحيواناتِ، ولأنَّه ساكِنٌ لا يَجري، فمُلوحتُه تمنَعُه مِن التغَيُّرِ، ولِتَكونَ حيواناتُه أحسَنَ وألَذَّ [277] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 686). .
2- في قَولِه تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ تَسميةُ اللهِ تعالى الماءَ العَذْبَ بَحْرًا [278] يُنظر: ((الجواب الكافي)) لابن القيِّم (ص: 64). .
3- قال تعالَى: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وصَفَه بالطراوةِ؛ للإشعارِ بلَطافتِه والتَّنبيهِ على المسارعةِ إلى أكْلِه؛ لئلَّا يَتسارَعَ إليه الفَسادُ كما يُنبئُ عنه جعْلُ كُلٍّ مِن البَحرينِ مَبدأَ أكْلِه [279] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (22/179). .
4- في قَولِه تعالى: وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا أنَّ الغوصَ في استخراجِ حِلْيَةِ البَحرِ مُباحٌ؛ ولا يكونُ تَعَرُّضًا للهَلَكةِ ومخاطرةً بالرُّوحِ! وذلك لِمَن يُحْسِنُ العَوْمَ والغَوْصَ [280] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (2/49). .
5- في قولِه: لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ دَلالةُ إباحةِ التِّجارةِ، وطلَبِ الفَضلِ برُكوبِ الأخطارِ واحتمالِ الشَّدائدِ، حيثُ أخبر أنَّه سخَّرَ البحرَ؛ حتَّى أمكنَهم ركوبُه بالحِيَلِ والأسبابِ التي علَّمَها لهم؛ لأنَّ الغوَّاصَ يُخاطِرُ برُوحِه ونفْسِه، وكذلك راكبُ السَّفينةِ [281] يُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (6/487). .
6- قال اللهُ تعالَى: وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ظاهِرُ قَولِه: تَلْبَسُونَهَا أنَّه يجوزُ للرِّجالِ أن يَلبَسوا اللُّؤلؤَ والمَرجانَ، أي: يَجعلونَه حِليةً لهم كما يجوزُ للنِّساءِ، ولا حاجةَ لِما تكلَّفه جماعةٌ مِن المفَسِّرينَ في تأويلِ قَولِه: تَلْبَسُونَهَا بقَولِه: تَلبَسُه نِساؤُهم؛ لأنَّهنَّ مِن جُملتِهم، أو لِكَونِهنَّ يَلبَسنَها لأجلِهم، وليس في الشَّريعةِ المطَهَّرةِ ما يَقتضي منْعَ الرِّجالِ مِن التحَلِّي باللُّؤلؤِ والمَرجانِ، ما لم يَستعمِلْه على صِفةٍ لا يَستَعمِلُه عليها إلَّا النِّساءُ خاصَّةً؛ فإنَّ ذلك ممنوعٌ مِن جِهةِ كَونِه تشَبُّهًا بهنَّ -وقد ورد الشَّرعُ بمَنعِه- لا مِن جهةِ كَونِه حِليةَ لؤلؤٍ أو مَرجانٍ [282] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/184). وجوازُ التحلِّي بالجواهِرِ والأحجارِ الكريمةِ للرجالِ هو مذهبُ الجُمهورِ، مِن المالِكيَّة، والشَّافعيَّة -على الأظهَرِ عِندَهم-، والحَنابِلة، وبه قال ابنُ حَزمٍ. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (1/185)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/64)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 10)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/30)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/275)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/94)، ((المحلى)) لابن حزم (9/246). وحُكي الاتفاق على أنَّ التخَتُّمَ للرِّجال بجَميعِ الأحجار مُباحٌ، من الياقوت وغيرِه. يُنظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 150). .
7- قولُه تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ هذا استِدْلالٌ سَنَدُه المُشاهَدةُ؛ فطالَما دَعَوُا الأصْنامَ، فلم يَسمَعوا منها جَوابًا، وطالَما دَعَوْها، فلم يَحصُلْ ما دَعَوْها لتَحْصيلِه، معَ أنَّها حاضِرةٌ بمَرأًى منهم غيرُ مَحْجوبةٍ، فعَدَمُ إجابَتِها دَليلٌ على أنَّها لا تَسمَعُ؛ لأنَّ شأنَ العَظيمِ أنْ يَستَجيبَ لأوْليائِه الذين يَسعَونَ في مَرْضاتِه، فقد لَزِمهم إمَّا عَجزُها، وإمَّا أنَّها لا تَفقَهُ، وهذا من أبْدعِ الاستِدْلالِ المُوطَّأِ بمُقدِّمةٍ مُتَّفَقٍ عليها [283] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/148)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/283). .
8- في قَولِه تعالَى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ أنَّ مَن تَعَلَّقَ بغيرِ اللهِ خابَ أمَلُه؛ لأنَّ هذه الأصنامَ لا تنفعُهم في الدُّنيا، ولا تَنفعُهم يومَ القِيامةِ، إذنْ خابَ أملُهم؛ هم يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 3] ، ولكنْ ما قرَّبوهم! بل هذه ما زادتْهم إلَّا بُعْدًا، فأَمَلُهم قد خابَ -والعياذُ باللهِ-، وخسِروا الدُّنيا والآخِرةَ [284] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 130). .
9- قال اللهُ تعالَى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ نوعُ هذا الكُفرِ هو التبَرُّؤُ؛ فيُستفادُ منه: أنَّ هذه الأصنامَ المعبودةَ تتبرَّأُ مِن عابِديها يومَ القِيامةِ، بل إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَجمَعُ الأصنامَ وعابِديها، ويُلقِيهم في جهنَّمَ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا [الأنبياء: 98، 99]، ولكِنَّها ليستْ آلِهةً، فلا تَنفَعُ [285] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 130). .
10- قَولُ اللهِ تعالَى: وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ... تضَمَّنَت هذه الآياتُ الأدِلَّةَ والبراهينَ السَّاطِعةَ الدَّالَّةَ على أنَّه تعالى المألوهُ المعبودُ، الذي لا يَستَحِقُّ شَيئًا مِن العبادةِ سِواه، وأنَّ عبادةَ ما سِواه باطِلةٌ مُتعلِّقةٌ بباطلٍ، لا تفيدُ عابِدَه شَيئًا [286] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:686). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قَولُه تعالَى: وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ صِيغَ هذا الاستِدلالُ على أُسلوبٍ بَديعٍ؛ إذ اقتُصِرَ فيه على التَّنبيهِ على الحِكمةِ الرَّبَّانيَّةِ في المَخلوقاتِ، وهي ناموسُ تَمايُزِها بخَصائصَ مُختلِفةٍ، واتِّحادِ أنواعِها في خَصائصَ مُتماثِلةٍ؛ استدلالًا على دَقيقِ صُنْعِ اللهِ تعالى، ويَتضمَّنُ ذلك الاستدلالَ بخَلْقِ البَحرينِ أنفُسِهما؛ لأنَّ ذِكرَ اختلافِ مَذاقِهما يَستلزِمُ تَذكُّرَ تَكوينِهما؛ فالتَّقديرُ: وخلَقَ البَحرينِ العذْبَ والأُجاجَ على صُورةٍ واحدةٍ، وخالَفَ بيْنَ أعراضِهما؛ ففي الكلامِ إيجازُ حَذْفٍ، وإنَّما قُدِّمَ مِن هذا الكلامِ تَفاوُتُ البَحرينِ في المذاقِ، واقتُصِرَ عليه؛ لأنَّه المقصودُ مِن الاستِدلالِ بأفانينِ الدَّلائلِ على دَقيقِ صُنْعِ اللهِ تعالى [287] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/20)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/279). .
- وقولُه: وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا إمَّا استِطْرادٌ في صِفةِ البَحْرينِ، وما فيهما مِن النِّعمِ والمَنافِعِ. وإمَّا تَكمِلةٌ للتَّمْثيلِ، أي: كما أنَّهما -وإنِ اشتَرَكا في بَعضِ الفَوائِدِ- لا يَتَساوَيانِ من حيثُ إنَّهما مُتَفاوِتانِ فيما هو المَقْصودُ بالذَّاتِ مِنَ الماءِ لَمَّا خالَطَ أحَدَهما ما أفسَدَه وغيَّرَه عن كَمالِ فِطْرتِه؛ لا يُساوي الكافِرُ المُؤمِنَ، وإنْ شارَكَه في بَعضِ الصِّفاتِ كالشَّجاعةِ والسَّخاوةِ ونحوِهِما؛ لِتبايُنِهما فيما هو الخاصيَّةُ العُظْمَى؛ لِبَقاءِ أحَدِهما على فِطْرتِه الأصليَّةِ، وحِيازتِه لكَمالِه اللَّائقِ دون الآخَرِ. أو تَفْضيلٌ للأُجاجِ على الكافِرِ من حيثُ إنَّه يُشارِكُ العَذْبَ في مَنافِعَ كثيرةٍ، والكافِرُ خِلْوٌ من المَنافِعِ بالكُلِّيةِ [288] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/604- 605)، ((تفسير البيضاوي)) (4/256)، ((تفسير أبي حيان)) (9/21)، ((تفسير أبي السعود)) (7/147). .
- وإفرادُ ضَميرِ الخِطابِ في قَولِهِ: وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مع جَمعِهِ فيما سَبَقَ وما لَحِقَ؛ لأنَّ الخِطابَ لكُلِّ أحَدٍ تَتأتَّى منه الرُّؤيةُ دونَ المُنتَفِعينَ بالبَحْرينِ فَقَطْ [289] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/147). .
- وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ تَقدَّمَ الظَّرْفُ هنا في قَولِهِ: فِيهِ مَوَاخِرَ على عَكسِ آيةِ سورةِ (النَّحْلِ): وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ [النحل: 14] ؛ لأنَّ هذه الآيةَ مَسوقةٌ مَساقَ الاستِدْلالِ على دَقيقِ صُنعِ اللهِ تَعالَى في المَخْلوقاتِ، وأدمَجَ فيه الامتِنانَ بقَولِه: تَأْكُلُونَ وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً وقَولِه: لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ؛ فكان المَقصِدُ الأوَّلُ من سِياقِها الاستِدْلالَ على عَظيمِ الصُّنعِ؛ فهو الأهمُّ هنا. ولَمَّا كان طَفْوُ الفُلكِ على الماءِ -حتى لا يَغرَقَ فيه- أظهَرَ في الاستِدْلالِ على عَظيمِ الصُّنعِ مِنَ الذي ذُكِرَ من النِّعْمةِ والامتِنانِ؛ قُدِّم ما يدُلُّ عليه، وهو الظَّرفيَّةُ في البَحرِ. والمَخْرُ في البَحرِ آيةُ صُنعِ اللهِ أيضًا بخَلقِ وَسائِلِ ذلك، والإلْهامِ له، إلَّا أنَّ خُطورَ السَّفَرِ من ذلك الوَصفِ أو ما يتبادَرُ إلى الفَهمِ؛ فأُخِّرَ هُنا لأنَّه من مُسْتتبَعاتِ الغَرَضِ لا من مَقصِدِه، فهو يَستتبِعُ نِعْمةَ تَيسيرِ الأسْفارِ لقَطعِ المَسافاتِ التي لو قُطِعتْ بسَيرِ القَوافِلِ؛ لطالتْ مُدَّةُ الأسْفارِ. وبهذا يتَّضحُ الفَرقُ بيْنَ هذه الآيةِ وآيةِ سُورةِ (النَّحْلِ) في كَونِ فِعلِ (لِتَبتَغُوا) غيرَ مَعطوفٍ بالواوِ هنا، ومَعطوفًا نظيرُه في آيةِ (النَّحْلِ)؛ لأنَّ الابتغاءَ عُلِّقَ هنا بـ مَوَاخِرَ؛ إيقافًا على الغَرَضِ من تَقديمِ الظَّرْفِ، وفي آيةِ (النَّحْلِ) ذُكِرَ المَخْرُ في عِدادِ الامتِنانِ؛ لأنَّه به تَيسيرُ الأسْفارِ، ثم فُصِلَ بيْنَ مَوَاخِرَ وعِلَّتِه بظَرفِ (فيه)؛ فصارَ ما يُؤمِئُ إليه الظَّرْفُ فَصْلًا بغَرَضٍ أُدمِجَ إدْماجًا، وهو الاستِدْلالُ على عَظيمِ الصُّنعِ بطَفوِ الفُلكِ على الماءِ. فلمَّا أُريدَ الانتِقالُ منه إلى غَرَضٍ آخَرَ -وهو العَودُ إلى الامتِنانِ بالمَخْرِ لنِعْمةِ التِّجارةِ في البَحرِ- عُطِفَ المُغايِرُ في الغَرَضِ [290] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/280-281). .
- قولُه: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فيه التعبيرُ بحَرْفِ التَّرجِّي (لعلَّ)؛ للإيذانِ بكَونِه مَرْضيًّا عندَ اللهِ تَعالَى [291] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/147). .
2- قَولُه تعالَى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ استِدْلالٌ بما في مَظاهِرِ السَّمَواتِ من الدَّلائِلِ على بَديعِ صُنعِ اللهِ في أعظَمِ المَخْلوقاتِ؛ لِيتذكَّرَ الكُفَّارُ والنَّاسُ بذلك أنَّه الإلهُ الواحِدُ، وفي الآيةِ إدْماجٌ [292] الإدماجُ: أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرَضًا في غَرضٍ، أو بديعًا في بديعٍ بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ؛ فهو مِن أفانينِ البَلاغةِ، ويكونُ مرادُ البليغِ غَرَضينِ، فيُقرِنُ الغرضَ المسوقَ له الكلامُ بالغرضِ الثَّاني، وفيه تَظهرُ مَقدرةُ البليغِ؛ إذ يأتي بذلك الاقترانِ بدونِ خروجٍ عن غَرَضِه المسوقِ له الكلامُ ولا تَكلُّفٍ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الذي سِيق لمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضمِّنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ. وقيل: أُدمِجتِ المبالَغةُ في المطابقةِ؛ لأنَّ انفرادَه بالحمدِ في الآخِرَةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مُبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفرادِ بالحَمْدِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/339)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 344)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). للتَّذكيرِ في خِلالِ الاستِدْلالِ؛ ففي هذه الآيةِ ذكَّرَهم بأنَّ لأعْمارِهم نِهايةً؛ تَذْكيرًا مُرادًا به الإنْذارُ والوَعيدُ، واقتِلاعُ الطُّغْيانِ والكِبْرياءِ من نُفوسِهم [293] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/281 - 282). .
- قَولُه: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ لَمَّا كان هذا الفِعلُ في غايةِ الإعجابِ، وكان لكَثرةِ تَكرارِه قد صار مألوفًا؛ فغُفِلَ عمَّا فيه مِن الدَّلالةِ على تَمامِ القُدرةِ- نَبَّه عليه بإعادةِ الفِعلِ، فقال: وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [294] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/27). .
- قولُهُ: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ عَطفٌ على يُولِجُ، واختِلافُهما صِيغةً؛ لأنَّ إيلاجَ أحَدِ المَلَوينِ -اللَّيلِ والنَّهارِ- في الآخَرِ مُتجدِّدٌ حِينًا فحِينًا، وأمَّا تَسخيرُ النَّيِّرَينِ -الشَّمْسِ والقَمَرِ- فأمْرٌ لا تَعدُّدَ فيه، وإنَّما المُتعدِّدُ والمُتجدِّدُ آثارُه، وقد أُشيرَ إليهِ بقَولِه تَعالَى: كُلٌّ يَجْرِي ... [295] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/147). .
- وفيه مُناسَبَةٌ حسَنةٌ، حيثُ تَقدَّمَ نَظيرُ هذه الآيةِ في سورةِ (لُقْمانَ) في قوله: كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [لقمان: 29] ، سِوى أنَّ هذه الآيةَ جاء فيها كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ؛ فعُدِّيَ فِعلُ يَجْري باللَّامِ، وجِيءَ في آيةِ سورةِ (لُقْمانَ) تَعدِيةُ فِعلِ يَجْري بحَرفِ (إلى) وليسَ ذلك مِن تعاقُبِ الحَرفَينِ -أي: ليس كُلُّ واحِدٍ مِنهما مَكانَ صاحبِه مِنْ غيرِ تَفرقةٍ-؛ لأنَّ بيْنهما بَونًا بعيدًا مِن حيثُ الوضْعُ؛ لأنَّ أحدَهما (إلى) للانتِهاءِ، والآخَر (اللام) للاختِصاصِ، وكلُّ واحِدٍ منهما مُلائمٌ لصحَّة الغَرضِ في مَوضعِهِ الخاصِّ؛ فقَولُ: يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مَعْناه: يَبلُغُه، وقَولُ: يَجْرِي لِأَجَلٍ يُرادُ به لإدْراكِ أجَلٍ، أي: ويَجْري لأَجْلِ أَجَلٍ، أي: لِبُلوغِه واستيفائِه. ويُمكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ الغرَضَ من المعنَيَينِ الغايةُ؛ فمآلُ المَعْنَيينِ واحِدٌ، وإنْ كان طَريقُه مُختلِفًا. وقيلَ: اللَّامُ تكونُ بمَعْنى (إلى) في الدَّلالةِ على الانتِهاءِ؛ فالمُخالَفةُ بيْنَ الآيتَينِ تفنُّنٌ في النَّظمِ [296] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/504)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/314)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/281). .
- قولُه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ استِئْنافٌ واقعٌ مَوقِعَ النَّتيجةِ من الأدِلَّةِ بعدَ تَفْصيلِها، واسمُ الإشارةِ ذَلِكُمُ مُوجَّهٌ إلى مَن جَرَتْ عليه الصِّفاتُ والأخْبارُ السَّابِقةُ من قَولِهِ: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ [فاطر: 9] الآياتِ. وفيها إشْعارٌ بأنَّ فاعِليَّتَه لها مُوجِبةٌ لِثُبوتِ الأخْبارِ المُتَرادِفةِ؛ فكان اسْمُه حَريًّا بالإشارةِ إليه بعدَ إجْراءِ تلك الصِّفاتِ؛ إذ بذِكْرِها يَتميَّزُ عِندَ السَّامِعينَ أكْمَلَ تَمْييزٍ حتى كأنَّه مُشاهَدٌ لأبْصارِهِم، مع ما في اسْمِ الإشارةِ مِنَ البُعدِ المُستَعمَلِ كِنايةً عن تَعْظيمِ المُشارِ إليه. ومع ما يَقْتضيهِ إيرادُ اسمِ الإشارةِ عقِبَ أوْصافٍ كَثيرةٍ مِن التَّنبيهِ على أنَّه حَقيقٌ بما سيَرِدُ بعدَ الإشارةِ مِن أجْلِ تلك الصِّفاتِ، فأخبَرَ عنه بأنَّه صاحِبُ الاسمِ المُخْتصِّ به الذي لا يَجهَلونَه، وأخبَر عنه بأنَّه ربُّ الخَلائِقِ بعْدَ أنْ سُجِّلَ عليهم ما لا قِبَلَ لهم بإنْكارِه، مِن أنَّه الذي خلَقَهُم خَلْقًا مِن بعْدِ خَلقٍ، ممَّا يدُلُّ على أنَّه لا يُعجِزُه شَيءٌ؛ فهو الرَّبُّ دونَ غيرِه، وهو الذي المُلكُ والسُّلْطانُ له لا لِغَيرِه؛ أفادَ ذلك كُلَّه قولُه تَعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ؛ فانتهَضَ الدَّليلُ [297] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/256)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/628)، ((تفسير أبي السعود)) (7/148)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/282). .
- قولُهُ: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ تَصريحٌ بأنَّ الأصْنامَ لا يَملِكونَ من المُلكِ شيئًا، ولو حَقيرًا، وهو المُمثَّلُ بالقِطْميرِ؛ فالمَعْنى: لا يَملِكونَ شَيئًا، ولو حَقيرًا؛ فكَونُهُم لا يَملِكونَ أعظَمَ من القِطْميرِ مَعْلومٌ بفَحْوى الخِطابِ [298] فحْوى الخِطاب: هو إثباتُ حُكمِ المنطوقِ به للمَسكوتِ عنه بطريقِ الأَوْلَى، وهو نوعان: تَنبيهٌ بالأقلِّ على الأكثرِ؛ كقولِه تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء: 23] ؛ فإنَّه نبَّه بالنهي عن قولِ أفٍّ على النهيِ عن الشَّتمِ والضربِ وغيرِ ذلك. وتنبيهٌ بالأكثرِ على الأقلِّ؛ كقولِه تعالى: مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران: 75]. يُنظر: ((تقريب الوصول إلى علم الأصول)) لابن جزي (ص: 163). ، فإذا انْتَفَى أنَّها تَملِكُ شَيئًا، انْتَفَى عنها وَصفُ الإلهيَّةِ بطَريقِ الأَوْلى؛ فنَفى ما كانوا يَزعُمونَه من أنَّها تَشفَعُ لهم، معَ ما في ذلك من الدَّلالةِ على تَفرُّدِ اللهِ سُبْحانَه بالأُلوهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ [299] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/256)، ((تفسير أبي السعود)) (7/148)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/283). .
3- قَولُه تعالَى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
- قولُهُ: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ استِئْنافٌ مُقرِّرٌ لمَضْمونِ ما قَبلَه، كاشِفٌ عن جَليَّةِ حالِ ما يَدْعونَه، أو خَبَرٌ ثانٍ عن (الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ)، والمَقصِدُ منه تَنبيهُ المُشرِكينَ إلى عَجزِ أصْنامِهم؛ بأنَّها لا تَسمَعُ، وليس ذلك استِدْلالًا؛ فإنَّهم كانوا يَزعُمونَ أنَّ الأصْنامَ تَسمَعُ منهم؛ فلذَلِكَ كانوا يُكلِّمونَها، ويُوجِّهونَ إليها مَحامِدَهم ومَدائِحَهم، ولكنَّه تَمهيدٌ للجُمْلةِ المَعْطوفةِ على الخَبَرِ، وهي جُمْلةُ: وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ [300] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/148)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/283). .
- وأُجرِيَ على الأصْناِم مَوصولُ العاقِلِ، وضَمائِرُ العُقَلاءِ في قَولِه: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ [فاطر: 13] إلى قَولِه: يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ على تَنْزيلِ الأصْنامِ مَنزِلةَ العُقَلاءِ؛ مُجاراةً للمَرْدودِ عليهم على طَريقةِ التَّهكُّمِ [301] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/284). .
- وقولُه: وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ تَذْييلٌ لِتَحقيقِ هذه الأخْبارِ بأنَّ المُخبِرَ بها هو الخَبيرُ بها وبغَيرِها، ولا يُخبِرُكَ أحَدٌ مِثلَ ما يُخبِرُكَ هو [302] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/284). .
- وعبَّرَ بفِعلِ الإنْباءِ؛ لأنَّ النَّبَأَ هو الخَبَرُ عن حَدَثٍ خَطيرٍ مُهِمٍّ [303] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/284). .
- قَولُه: وَلَا يُنَبِّئُكَ لَمَّا كان التَّقْديرُ: قدْ أنْبَأَكم بذلك الخَبيرُ، وكانوا لا يُقِرُّونَ بذلك، ولا يَفهَمونَه حَقَّ فَهمِه، ولا يَعمَلونَ به؛ صُرِفَ الخِطابُ عنهم إلى مَن له الفَهمُ التَّامُّ، والطاعةُ الكامِلةُ، فقال عاطِفًا على هذا الذي هَدَى إلى تَقْديرِه السِّياقُ: وَلَا يُنَبِّئُكَ ... [304] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/30). ، وهذا على القَولِ بأنَّ الخِطابَ فيه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وقيل: إنَّ الخِطابَ فيه لكُلِّ مَن يَصِحُّ منه سَماعُ هذا الكَلامِ؛ لأنَّ هذه الجُمْلةَ أُرسِلَت مُرسَلَ الأمْثالِ، فلمَّا أُرسِلَ هذا القَولُ مَثَلًا، وكان شَأنُ الأمْثالِ أنْ تكونَ مُوجَزةً صِيغَ على أُسلوبِ الإيجازِ؛ فحُذِفَ مُتعلَّقُ فِعلِ يُنَبِّئُكَ ومُتعلَّقُ وَصْفِ خَبِيرٍ، ولم يُذكَرْ وَجهُ المُماثَلةِ؛ لعِلْمِهِ من المَقامِ [305] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (3/320)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/284). .
- وجُعِلَ خَبِيرٍ نَكِرةً مع أنَّ المُرادَ به خَبيرٌ مُعَيَّنٌ، وهو المُتكلِّمُ فكان حقُّهُ التَّعريفَ؛ فعُدِلَ إلى تَنْكيرِهِ لقَصدِ التَّعْميمِ في سِياقِ النَّفيِ؛ لأنَّ إضافةَ كَلِمةِ (مِثلُ) إلى (خَبيرٌ) لا تُفيدُه تَعريفًا. وجُعِلَ نَفيُ فِعلِ الإنْباءِ كِنايةً عن نَفيِ المُنبِئِ. ولعلَّ التَّركيبَ: (ولا يُوجَدُ أحَدٌ يُنبِّئُكَ بهذا الخَبَرِ يُماثِلُ هذا الخَبيرَ الذي أنْبَأَكَ به)، فإذا أردَفَ مُخبِرٌ خَبَرَه بهذا المَثَلِ كان ذلك كِنايةً عن كَونِ المُخْبِرِ بالخَبَرِ المَخْصوصِ يُريدُ بـ (خَبِيرٌ) نفسَه للتَّلازُمِ بيْنَ مَعْنى هذا المَثَلِ وبيْنَ تَمثُّلِ المُتكلِّمِ منه؛ فالمَعْنى: ولا يُنبِّئُكَ بهذا الخَبَرِ مِثْلي؛ لأنِّي خَبَرتُه [306] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/284). .