موسوعة التفسير

سورةُ غافِرٍ
الآيات (10-14)

ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ

غريب الكلمات:

لَمَقْتُ: المَقتُ: البُغضُ الشَّديدُ [204] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/341)، ((المفردات)) للراغب (ص: 772)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 882). .
يُنِيبُ: أي: يَرجِعُ ويَتوبُ، وأصلُ (نوب): يدُلُّ على رُجوعٍ [205] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 341)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 66)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/367)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 251). .

المعنى الإجمالي:

يُبيِّنُ اللهُ تعالى ما يُقالُ للكافِرينَ وهم يُعذَّبونَ في النَّارِ، فيقولُ: إنَّ الكافِرينَ يُنادَونَ وهم في النَّارِ: لَبُغْضُ اللهِ لكم في الدُّنيا حينَ كُنتُم تُدْعَونَ فيها إلى الإيمانِ فتَكفُرونَ- أعظَمُ مِن بُغضِكم اليومَ لأنفُسِكم!
ثمَّ يَحكي سبحانَه ما يقولُه الكافرونَ بعدَ أنْ أنزَل بهم عِقابَه، فيقولُ: قالوا: يا رَبَّنا أمَتَّنا موتَتَينِ اثنتَينِ -قبْلَ نَفخِ الرُّوحِ فيهم، وعندَ انتِهاءِ آجالِهم-، وأحيَيْتَنا إحيائتَينِ اثنتَينِ -بنَفخِ الرُّوحِ فيهم في الدُّنيا، وحينَ بَعثِهم يومَ القيامةِ-، فأقرَرْنا بذُنوبِنا، فهل مِن طريقٍ للخُروجِ مِن النَّارِ؟
فأُجيبوا بأنَّه لا سَبيلَ لِخُروجِكم مِنَ النَّارِ؛ لأنَّكم كنتُم في الدُّنيا إذا دُعيَ اللهُ وَحْدَه كفَرْتُم بوَحدانيَّتِه، وإن يُجعَلْ له شَريكٌ في عبادتِه تُؤمِنوا بالشِّركِ؛ فالقَضاءُ العادِلُ للهِ العَليِّ الكبيرِ.
ثمَّ يَذكُرُ سُبحانَه ما يدُلُّ على وحدانيَّتِه وكمالِ قُدرتِه، وعلى رحمتِه بعِبادِه، فيقولُ: وهو وَحْدَه الَّذي يُريكم -أيُّها النَّاسُ- آياتِه الدَّالَّةَ على وَحدانيَّتِه وقُدرتِه، ويُنزِلُ لكم رِزقًا مِن السَّماءِ، وما يَتذكَّرُ ويَتَّعِظُ إلَّا مَن يَرجِعُ إلى اللهِ تعالى؛ فادعُوا اللهَ وَحْدَه مُخلِصينَ له الدِّينَ ولو كَرِهَ الكافِرونَ ذلك.

تفسير الآيات:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10).
مناسبة الآية لمصا قبلها:
لَمَّا ذكَرَ شَيئًا مِن أحوالِ المؤمِنينَ؛ ذكَرَ شَيئًا مِن أحوالِ الكافِرينَ، وما يَجري لهم في الآخِرةِ؛ مِنِ اعتِرافِهم بذُنوبِهم، واستِحقاقِهمُ العَذابَ، وسؤالِهمُ الرُّجوعَ إلى الدُّنيا [206] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/240). .
وأيضًا لَمَّا ذَكَر سبحانَه حالَ أصحابِ النَّارِ، وأنَّها حَقَّتْ عليهم كلمةُ العذابِ، وأنَّهم أصحابُ النَّارِ؛ ذَكَر أحوالَهم بعدَ دُخولِ النَّارِ [207] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (4/554). .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10).
أي: إنَّ الكافرين يُنادَونَ وهم في النَّارِ يُعذَّبونَ: لَبُغْضُ اللهِ الشَّديدُ لكم في الدُّنيا حينَ كُنتُم تُدْعَونَ فيها إلى الإيمانِ، فتَكفُرونَ- أعظَمُ مِن بُغضِكم الشَّديدِ اليَومَ لأنفُسِكم [208] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/288)، ((تفسير ابن كثير)) (7/132)، ((تفسير السعدي)) (ص: 733)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 118-120). والمعنى المذكورُ في قولِه: لَمَقْتُ اللَّهِ مبنيٌّ على أنَّه مصدرٌ مضافٌ إلى الفاعلِ، أي: لَمَقْتُ الله إيَّاكم في الدُّنيا على كفرِكم، ويحتملُ أيضًا أن يكونَ المعنى: لَمَقْتُ الله إيَّاكم اليومَ حينَ شاهَدْتُم ما وُعِدْتُم به أكبرُ مِن مَقتِكم أنفُسَكم. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (6/595)، ((تفسير ابن جزي)) (2/228)، ((تفسير أبي حيان)) (9/240). قال أبو حيَّان: (والظَّاهرُ أنَّ مَقْتَ اللهِ إيَّاهم هو في الدُّنيا، ويَضْعُفُ أنْ يكونَ في الآخرةِ كما قال بعضُهم؛ لبَقاءِ إِذْ تُدْعَوْنَ مُفْلَتًا مِن الكلامِ، لِكَونِه ليس له عاملٌ تَقَدَّم، ولا مُفَسِّرٌ لعاملٍ. فإذا كان المَقْتُ السَّابقُ في الدُّنيا أمْكَنَ أنْ يُضْمَرَ له عاملٌ تقديرُه: مَقْتُكم إذْ تُدْعَوْن). ((تفسير أبي حيان)) (9/240). ويحتملُ أن يكونَ المَقْتُ مُضافًا إلى مفعولِه لا إلى فاعِلِه، ويكونَ المعنى: لَمَقْتُكم اللهَ حينَ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ أكبرُ مِن مَقتِكم أنفُسَكم اليومَ. واختاره ابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 118). .
كما قال تعالى: وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا [فاطر: 39] .
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11).
مناسبة الآية لما قبلها:
وجْهُ اتِّصالِ هذه الآيةِ بما قَبْلَها: أنَّهم كانوا في الدُّنيا يَكفُرونَ بالبعثِ، فلمَّا دخَلوا النَّارَ مقَتوا أنفُسَهم على ذلك، فأقَرُّوا به حينَئذٍ ليُرضُوا اللهَ بإقرارِهم حينَئذٍ، فقولُهم: أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ إقرارٌ بالبعثِ على أكملِ الوُجوهِ؛ طمعًا منهم أنْ يَخرجوا عن المَقتِ الَّذي مقَتَهم الله؛ إذ كانوا يُدعَونَ إلى الإسلامِ فيَكفرونَ [209] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/228). ويُنظر أيضًا: ((تفسير أبي حيان)) (9/241). .
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ.
أي: قال أولئك الكافِرونَ مِن أهلِ النَّارِ: يا رَبَّنا أمَتَّنا مَوتَتَينِ اثنتَينِ -حينَ كانوا نُطَفًا قبْلَ نَفخِ الرُّوحِ فيهم، ثمَّ عندَ انتهاءِ آجالِهم في الدُّنيا-، وأحيَيْتَنا إحيائتَينِ اثنتَينِ، بنَفخِ الرُّوحِ فيهم في الدُّنيا، وحينَ بَعثِهم يومَ القيامةِ [210] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/707)، ((تفسير ابن جرير)) (20/290)، ((تفسير الزمخشري)) (4/154، 155)، ((تفسير ابن عطية)) (4/549)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/275)، ((الروح)) لابن القيم (ص: 35)، ((تفسير ابن كثير)) (7/133)، ((تفسير السعدي)) (ص: 733)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/97، 98)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/374، 375). وممَّن ذهبَ إلى المعنى المذكورِ هنا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والزمخشريُّ، وابنُ عطيَّة، وابن تيميَّة، وابن القيم، وابن كثير، والسعدي، وابن عاشور، والشنقيطي. يُنظر: المصادر السابقة. قال القرطبي: (اختلَف أهلُ التَّأويلِ في معنى قَولِهم: أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ؛ فقال ابنُ مَسعودٍ، وابنُ عبَّاسٍ، وقَتادةُ، والضَّحَّاكُ: كانوا أمواتًا في أصلابِ آبائِهم، ثمَّ أحياهم، ثمَّ أماتهم المَوتةَ الَّتي لا بدَّ منها في الدُّنيا، ثمَّ أحياهم للبَعثِ والقيامة؛ فهاتان حياتانِ وموتَتانِ... وقال السُّدِّيُّ: أُمِيتوا في الدُّنيا، ثمَّ أحياهم في القبورِ للمسألةِ، ثمَّ أُميتوا، ثمَّ أُحيُوا في الآخرةِ... وقال ابنُ زَيدٍ: خلَقَهم في ظَهرِ آدَمَ، وأخرَجَهم وأحياهم وأخَذَ عليهم الميثاقَ، ثمَّ أماتهم، ثمَّ أحياهم في الدُّنيا، ثمَّ أماتَهم). ((تفسير القرطبي)) (15/297، 298). .
كما قال تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 28] .
فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا.
أي: فأقرَرْنا بما اقتَرَفْناه مِنَ الذُّنوبِ في الدُّنيا [211] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/292)، ((تفسير الزمخشري)) (4/155)، ((تفسير السعدي)) (ص: 733). .
كما قال تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك: 10، 11].
فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ.
أي: فهل مِن طَريقٍ أو وَسيلةٍ للخُروجِ مِن النَّارِ [212] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/292)، ((تفسير البغوي)) (4/108)، ((تفسير القرطبي)) (15/298)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/99). ؟
ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12).
ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا.
أي: فأُجيبوا بأنَّه لا سَبيلَ لكم للخُروجِ مِن النَّارِ؛ لأنَّكم كنتُم في الدُّنيا إذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَه كفَرْتُم بوَحدانيَّتِه، وإن يُجعَلْ له شَريكٌ في عبادتِه تُؤمِنوا بالشِّركِ [213] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/293)، ((تفسير القرطبي)) (15/298)، ((تفسير السعدي)) (ص: 733)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/100)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 127-129). قال ابنُ عاشور: (الدُّعاءُ: النِّداءُ، والتَّوجُّهُ بالخِطابِ. وكِلا المعنيَينِ يُستعمَلُ فيه الدُّعاءُ، ويُطلَقُ الدُّعاءُ على العبادةِ... فالمعنى: إذا نُودِيَ اللهُ بمَسمَعِكم نداءً دالًّا على أنَّه إلهٌ واحِدٌ، مِثلُ آياتِ القُرآنِ الدَّالَّةِ على نداءِ اللهِ بالوَحدانيَّةِ؛ فالدُّعاءُ هنا: الإعلانُ والذِّكرُ؛ ولذلك قُوبِلَ بقَولِه: كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا، والدُّعاءُ بهذا المعنى أعَمُّ مِن الدُّعاءِ بمعنى سؤالِ الحاجاتِ، ولكِنَّه يَشملُه، أو إذا عُبِدَ اللهُ وَحْدَه). ((تفسير ابن عاشور)) (24/100). !
كما قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات: 35، 36].
وقال عزَّ وجلَّ: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر: 45].
وقال سُبحانَه: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف: 146] .
فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.
أي: فالقَضاءُ العادِلُ بيْنَ العِبادِ للهِ وَحْدَه العَليِّ الذَّاتِ والقَدْرِ والصِّفاتِ؛ القاهِرِ لكُلِّ شَيءٍ، العَليِّ عن أن يكونَ له شَريكٌ؛ الكبيرِ، ذي الكِبرياءِ والعَظَمةِ في ذاتِه وأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه؛ فكُلُّ شَيءٍ دُونَه مُتصاغِرٌ له [214] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/293)، ((تفسير ابن كثير)) (7/133)، ((تفسير السعدي)) (ص: 733)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/101)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 129-135، 142). قال ابن عطية: (فالحكمُ اليومَ بعذابِكم وتخليدِكم في النَّارِ للهِ، لا لتلك التي كنتُم تُشركونها معه في الألوهيةِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/550). ويُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/32)، ((تفسير البيضاوي)) (5/53). وقال ابن عثيمين: (حكمُ الله ينقسمُ إلى قسمينِ: كونيٍّ وشرعيٍّ، فالكونيُّ ما قضَى به على عبادِه كونًا وتقديرًا، والشرعيُّ ما قضَى به على عبادِه شرعًا وتنظيمًا... وقولُه: فَالْحُكْمُ هنا يشملُ الأمرينِ جميعًا). ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 126). .
كما قال تعالى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف: 26] .
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13).
مناسبة الآية لما قبلها:
لَمَّا ذكَرَ تعالى ما يوجِبُ التَّهديدَ الشَّديدَ في حقِّ المُشرِكينَ؛ أَردَفَه بذِكرِ ما يدُلُّ على كَمالِ قُدرتِه وحِكمتِه؛ ليَصيرَ ذلك دليلًا على أنَّه لا يَجوزُ جَعْلُ الأحجارِ المَنحوتةِ والخُشُبِ المَعبودةِ شُرَكاءَ للهِ [215] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/496، 497). .
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ.
أي: اللهُ وَحْدَه الَّذي يُريكم -أيُّها النَّاسُ- آياتِه الدَّالَّةَ على وحدانيَّتِه وقُدرتِه، وكَمالِ صِفاتِه وأفعالِه [216] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/293)، ((تفسير القرطبي)) (15/299)، ((تفسير ابن كثير)) (7/134)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/21)، ((تفسير الشوكاني)) (4/555)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/102)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/376). قيل: هذه الآياتُ تَشملُ الآياتِ الكونيَّةَ والقرآنيَّةَ والمعجزاتِ الجاريةَ على أيدي الرُّسلِ عليهم السَّلامُ. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ عطيَّة، وأبو حيَّان. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/550)، ((تفسير أبي حيان)) (9/242). وقيل: المرادُ بها: الآياتُ الكونيَّةُ. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ كثير، والشوكاني، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/134)، ((تفسير الشوكاني)) (4/555)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/102). وقيل: هي الآياتُ الكونيَّةُ، وآثارُ العقوباتِ الَّتي حلَّت بالأقوامِ المُهلَكينَ. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: القرطبيُّ، ووافقه الشنقيطيُّ وزاد عليها معجزاتِ الرُّسلِ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/299)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/377). وقال السعدي: (يذكرُ تعالى نِعَمَه العظيمةَ على عبادِه، بتبيينِ الحقِّ مِن الباطلِ، بما يُري عِبادَه مِن آياتِه النَّفْسيَّةِ والآفاقيَّةِ والقرآنيَّةِ، الدَّالَّةِ على كلِّ مطلوبٍ مقصودٍ، الموضحةِ للهدى مِن الضَّلالِ، بحيث لا يبقَى عندَ النَّاظرِ فيها والمُتأمِّلِ لها أدنَى شكٍّ في معرفةِ الحقائقِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 734). .
كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ [الرعد: 12] .
وقال سُبحانَه: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ [غافر: 79 - 81] .
وقال عزَّ وجلَّ: سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: 53] .
وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا.
أي: ويُنَزِّلُ اللهُ لأجْلِكم -أيُّها النَّاسُ- رِزقًا مِنَ السَّماءِ [217] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/293)، ((تفسير ابن كثير)) (7/134)، ((تفسير السعدي)) (ص: 734)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/102). المرادُ بالرِّزقِ هنا: المطَرُ الَّذي تخرُجُ به الزُّروعُ والثِّمارُ. ومِمَّن قال بذلك: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ كثير، والسعدي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/708)، ((تفسير ابن كثير)) (7/134)، ((تفسير السعدي)) (ص: 734). قال ابنُ عاشور: (تنزيلُ الرِّزقِ مِن السَّماءِ هو نُزولُ المطَرِ؛ لأنَّ المطَرَ سَبَبُ الرِّزقِ، وهو في نَفْسِه آيةٌ). ((تفسير ابن عاشور)) (24/102). وقال ابن عثيمين: (رِزْقًا أي: ماءً يكونُ به الرِّزقُ، فالَّذي ينزلُ ماءٌ يكونُ به الرِّزقُ، فهو نفْسُه رزقٌ... وبه يكونُ الرِّزقُ... والثَّمراتُ أرزاقٌ تُؤكلُ، والماءُ رزقٌ يُشربُ، فهو رزقٌ بكلِّ حالٍ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 145). وقال ابن عطية: (وتنزيلُ الرزقِ: هو في تنزيلِ المطرِ، وفي تنزيلِ القضاءِ والحُكمِ، بنيلِ ما ينالُه المرءُ في تجارةٍ وغيرِ ذلك). ((تفسير ابن عطية)) (4/550). .‌
قال تعالى: وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الجاثية: 5] .
وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ.
أي: وما يَتذكَّرُ بالآياتِ فيَعتَبِرُ ويَتَّعِظُ حينَ يُذكَّرُ بها إلَّا مَن يُنيبُ إلى اللهِ تعالى بالرُّجوعِ عن الكُفرِ والشِّركِ والمعاصي، إلى الإيمانِ والتَّوحيدِ والطَّاعةِ، والإقبالِ على مَحبَّتِه وخَشيتِه، والتَّضَرُّعِ إليه [218] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/293)، ((تفسير القرطبي)) (15/299)، ((تفسير ابن كثير)) (7/134)، ((تفسير السعدي)) (ص: 734)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/103)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/378)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 145). .
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14).
مناسبة الآية لما قبلها:
لَمَّا كانت الآياتُ تُثمِرُ التَّذَكُّرَ، والتَّذكُّرُ يُوجِبُ الإخلاصَ لله؛ رَتَّب عليه قَولَه [219] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 734). :
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14).
أي: فادعُوا اللهَ وَحْدَه مُخلِصينَ له، غيرَ مُشرِكينَ به شَيئًا في كُلِّ حالٍ، حتَّى في حالِ كَراهةِ الكافِرينَ إفرادَكم العبادةَ للهِ وَحْدَه [220] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/294)، ((تفسير القرطبي)) (15/299)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/13)، ((تفسير ابن كثير)) (7/134)، ((تفسير السعدي)) (ص: 734)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/106)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 153). قال ابن تيميَّة: (وقولُه تعالَى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ هو دعاءُ العبادةِ، والمعنَى: اعبُدُوه وحْدَه، وأَخْلِصوا عِبادَتَه، لا تَعْبُدوا معه غيرَه). ((مجموع الفتاوى)) (15/13). وقال السعدي: (هذا شامِلٌ لدُعاءِ العبادةِ، ودُعاءِ المسألةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 734). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/105)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 151، 152). .
كما قال تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر: 2] .
وعن أبي الزُّبَيرِ [221] هو محمَّدُ بنُ مُسلِمِ بنِ تَدْرُسَ. ، قال: ((كان ابنُ الزُّبَيرِ [222] أي: عبدُ الله بنُ الزُّبيرِ بنِ العوَّامِ رضي الله عنهما. يَقولُ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ حينَ يُسَلِّمُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ له، له المُلْكُ وله الحَمدُ، وهو على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولا نَعبُدُ إلَّا إيَّاه، له النِّعمةُ وله الفَضلُ، وله الثَّناءُ الحَسَنُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ مُخلِصينَ له الدِّينَ، ولو كَرِهَ الكافِرونَ، وقال: كان رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُهَلِّلُ [223] يُهَلِّلُ: أي: يُعلِنُ بذلك، ويَرفَعُ صَوتَه. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قُرْقُول (6/127). بهِنَّ دُبُرَ [224] دُبُرَ: أي: عَقِبَها وخَلْفَها، أو في آخِرِها. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (2/756). كُلِّ صَلاةٍ)) [225] رواه مسلم (594). .

الفوائد التربوية:

1- ما تَتَغذَّى به الرُّوحُ أهمُّ مما يَتغذَّى به البَدَنُ؛ لقولِه تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا؛ وجْهُ الدلالةِ أنَّه قَدَّمَ إراءةَ الآياتِ على الرِّزْقِ الَّذي يَنزِلُ مِن السَّماءِ، وهذا يدُلُّ على أنَّه أهَمُّ، وهو كذلك، هذا هو الواقعُ؛ وذلك لأنَّ فَقْدَ الغذاءِ البدَنيِّ لا يكونُ فيه إلَّا شيءٌ لا بُدَّ منه وهو الموتُ، حتَّى لو كان الإنسانُ في أَنْعَمِ ما يكونُ مِن نعيمِ البَدَنِ وأتْرَفِ ما يكونُ فلا بُدَّ أنْ يموتَ، لكنَّ غذاءَ الرُّوحِ هو الَّذي يَحتاجُ إلى مُعاناةٍ ومُعالَجةٍ؛ وبفَقْدِه يكونُ الهلاكُ في الدُّنيا والآخرةِ، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [226] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 146). [الزمر: 15] .
2- في قَولِ الله تعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ مُراغَمةُ الكُفَّارِ في الإخلاصِ للهِ وفي العَمَلِ؛ لِقَولِه تعالى: وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، ويَنبني على ذلك أنَّه يَجِبُ على الإنسانِ أنْ يَقومَ بالواجِبِ ولو كَرِهَ ذلك غَيرُه، ولا يُحابيَ أحَدًا في هذا [227] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 157). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ أنَّ الكافرين تَبَيَّنَ لهم ما هم عليه مِن الضَّلالِ والكُفرِ حينَ رأوُا العِقابَ؛ وَجْهُه: أنَّهم مَقَتوا أنفُسَهم في ذلك الوَقتِ حينَ رأوُا العذابَ، وهذا يدُلُّ على أنَّهم تَبَيَّنَ لهمُ الضَّلالُ في ذلك اليَومِ [228] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 120). .
2- في قَولِه تعالى: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إثباتُ المَقتِ للهِ تعالى، أي: أنَّ اللهَ يُبغِضُ، والمَقْتُ هو أشَدُّ البُغضِ، والبُغضُ مِن الصِّفاتِ الفِعليَّةِ الَّتي تَتعَلَّقُ بمَشيئتِه وإرادتِه سبحانه [229] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 120). .
3- في قَولِه تعالى: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ أنه لا يَجوزُ الحُكْمُ بالقوانينِ المُخالِفةِ للشَّريعةِ، وهذه الجملةُ تُفيدُ الحصرَ؛ أي: الحُكْمُ للهِ لا لغيرِه [230] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 136). ويُنظر أيضًا: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/258). .
4- قولُه تعالى: الْعَلِيِّ فيه إثباتُ العُلُوِّ للهِ عزَّ وجلَّ، فالعليُّ: الذي له العلوُّ المطلَقُ مِن جميعِ الوجوهِ: علوُّ الذَّاتِ- فهو نَفْسُه سُبحانَه وتعالى فوقَ كلِّ شَيءٍ-، وعلوُّ القدْرِ، وعلوُّ القَهرِ [231] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 734)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 139). .
5- قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا أهَمُّ المُهِمَّاتِ رِعايةُ مَصالحِ الأديانِ، ومَصالحِ الأبدانِ؛ فهو سُبحانَه وتعالى راعَى مَصالِحَ أديانِ العِبادِ بإظهارِ البَيِّناتِ والآياتِ، وراعَى مصالِحَ أبدانِهم بإنزالِ الرِّزقِ مِن السَّماءِ؛ فمَوقِعُ الآياتِ مِن الأديانِ كمَوقِعِ الأرزاقِ مِن الأبدانِ، فالآياتُ لحياةِ الأديانِ، والأرزاقُ لحياةِ الأبدانِ، وعندَ حُصولِهما يَحصُلُ الإنعامُ على أقوى الاعتِباراتِ، وأكمَلِ الجِهاتِ [232] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/497). .
6- قَولُ الله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ جعَلَه تذَكُّرًا؛ لأنَّه مَركوزٌ في العُقولِ دلائِلُ التَّوحيدِ، ثمَّ قد يَعرِضُ الاشتِغالُ بعبادةِ غَيرِ اللهِ، فيَمنَعُ مِن تجلِّي نورِ العَقلِ، فإذا تاب إلى اللهِ تذكَّرَ [233] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/243). .
7- إنَّ مِن حكمةِ الله إنزالَ المطرِ مِن السَّماءِ، قال تعالى: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا؛ لأنَّ المطرَ إذا نَزَلَ مِن أعلى شَمِلَ قِمَمَ الجبالِ؛ فيَشْملُ السَّهْلَ والوَعْرَ والنَّازِلَ والعاليَ، وهذه مِن الحكمةِ أنْ يكونَ المطرُ يَنْزِلُ مِن فوقٍ حتَّى يَشملَ الأرضَ كلَّها [234] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 146). .
8- في قَولِه تعالى: وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ أنَّه كلَّما كان الإنسانُ أكثرَ إنابةً إلى اللهِ كان أقوَى تَذَكُّرًا بالآياتِ؛ لأنَّ الحُكمَ المُعلَّقَ على وصْفٍ يَقوَى بقوَّتِه ويَضْعُفُ بضَعفِه، فإذا كان التَّذَكُّرُ لِمَن يُنيبُ؛ فكلَّما كان الإنسانُ أقوَى إنابةً كان أقوى تَذَكُّرًا [235] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 147). .
9- في قوله تعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ وُجوبُ إخلاصِ العبادةِ للهِ، فمَن تَعَبَّدَ لِغيرِ اللهِ استقلالًا؛ فقد صَرَفَ شيئًا مِن أنواعِ العبادةِ لغيرِ اللهِ؛ فيَكونُ بذلك مشركًا شركًا أكبرَ، وأمَّا إذا فَعَل العبادةَ للهِ لكنْ رَائَى فيها أو سَمَّعَ فهذا لا يكونُ مشركًا شركًا أكبرَ؛ ولكنَّه مشركٌ شركًا أصغرَ، وعبادتُه مردودةٌ عليه؛ لقولِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم -فيما رواه عن ربِّه-: ((أنا أغْنى الشُّركاءِ عنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عمَلًا أَشْرَكَ فيه معي غيري تَرَكْتُه وشِرْكَه )) [236] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 153). والحديث أخرجه مسلم (2985) من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه. .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ
- مُقابَلةُ سُؤالِ الملائكةِ للمؤمِنينَ بالنَّعيمِ الخالصِ يَومَ القِيامةِ بما يُخاطَبُ به المُشرِكونَ يَومَئذٍ مِنَ التَّوبيخِ والتَّنديمِ، وما يُراجِعونَ به مِن طلَبِ العَفوِ؛ مؤْذِنةٌ بتَقديرِ معنَى الوعدِ باستِجابةِ دُعاءِ المَلائكةِ للمؤمِنينَ، فطَيُّ ذِكرِ ذلك ضَربٌ مِنَ الإيجازِ، والانتِقالُ منه إلى بَيانِ ما سيَحُلُّ بالمُشرِكينَ يَومَئذٍ ضَربٌ مِنَ الأُسلوبِ الحكيمِ؛ لأنَّ قولَه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ الآياتِ مُستأنَفٌ استِئنافًا بَيانيًّا؛ كأنَّ سائلًا سَألَ عن تَقبُّلِ دعاءِ المَلائكةِ للمؤمِنينَ، فأُجيبَ بأنَّ الأهَمَّ أنْ يَسألَ عن ضِدِّ ذلك. وفي هذا الأُسلوبِ إيماءٌ ورمزٌ إلى أنَّ المُهِمَّ مِن هذه الآياتِ كلِّها هو مَوعظةُ أهلِ الشِّركِ، رُجوعًا إلى قولِه: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [237] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/94، 95). [غافر: 6] .
- قولُه: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ التَّقديرُ: لَمَقْتُ اللهِ إيَّاكم، أو لَمَقْتُ اللهِ أنفُسَكم أكبَرُ مِن مَقتِكم أنفُسَكم، وحُذِف المَفعولُ؛ لدَلالةِ ما بعْدَه عليه في قولِه: أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ؛ فاستُغنيَ بذِكرِها مرَّةً. وقيل: مَعناهُ: لَمَقْتُ اللهِ إيَّاكمُ الآنَ أكبَرُ مِن مَقتِ بعضِكم لبَعضٍ [238] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/154)، ((تفسير أبي حيان)) (9/240). .
- وفي ذِكرِ يُنَادَوْنَ ما يدُلُّ على كلامٍ مَحذوفٍ، تَقديرُه: إنَّ الَّذينَ كَفَروا يَمقُتُهمُ اللهُ ويُنادَونَ: لَمَقْتُ اللهِ... إلخ [239] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/95). .
- وقولُه: إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ تعليلٌ للحُكمِ لِما بيْن الظَّرفِ والسَّببِ مِن عَلاقةِ اللُّزومِ، وإنَّما جُعِل إِذْ تَعليلًا لا ظَرفًا في هذا الوَجهِ؛ لأنَّهم لم يَمقُتوا أنفُسَهم حينَ دُعُوا إلى الإيمانِ، وإنَّما مَقَتُوها في النَّارِ، وعِندَ ذلك لا يُدْعَونَ إلى الإيمانِ [240] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/154)، ((تفسير البيضاوي)) (5/53)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/472)، ((تفسير أبي حيان)) (9/240، 241)، ((تفسير أبي السعود)) (7/269)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/95، 96)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/463). .
- وبُنيَ فِعلُ تُدْعَوْنَ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُه؛ للعِلمِ بالفاعِلِ؛ لظُهورِ أنَّ الداعيَ هو الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو الرُّسُلُ عليهمُ السَّلامُ [241] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/96). ، وأيضًا للإشارةِ إلى أنَّ الإيمانَ لِظُهورِ دَلائِلِه ينبغي أن يُقبَلَ مِن أيِّ داعٍ كان [242] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/17). .
- وجِيءَ بالمُضارِعِ في تُدْعَوْنَ و(تَكْفُرُونَ)؛ للدَّلالةِ على تَكرُّرِ دَعوتِهم إلى الإيمانِ، وتَكرُّرِ كُفرِهم، أي: تَجَدُّدِه [243] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/95). .
- وتَفريعُ فَتَكْفُرُونَ بالفاءِ على تُدْعَوْنَ يُفيدُ أنَّهم أعقَبوا الدَّعوةَ بالكُفرِ، أيْ: بتَجديدِ كُفرِهمُ السَّابِقِ، وبإعلانِه، أيْ: دُونَ أنْ يَتمَهَّلوا مُهلةَ النَّظرِ والتَّدبُّرِ فيما دُعُوا إليه [244] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/96). .
2- قولُه تعالَى: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ
- قولُه: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا جوابٌ عن النِّداءِ الَّذي نُودُوا به مِن قِبَلِ اللهِ تعالى؛ فحَكَى مَقالَهم على طَريقةِ حِكايةِ المُحاوَراتِ بحَذفِ حرفِ العَطفِ، طَمِعوا أنْ يَكونَ اعتِرافُهم بذُنوبِهم وَسيلةً إلى مَنحِهم خُروجًا مِنَ العَذابِ خُروجًا ما لِيَستريحوا منه ولو بعضَ الزَّمنِ؛ وذلك لأنَّ النِّداءَ المُوَجَّهَ إليهم مِن قِبَلِ اللهِ أَوْهَمَهم أنَّ فيه إقبالًا عليهم [245] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/97). .
- وانتصَبَ اثْنَتَيْنِ في المَوضعَينِ على الصِّفةِ لمَفعولٍ مُطْلَقٍ مَحذوفٍ، والتَّقديرُ: مَوتَتَينِ اثنتَينِ، وإحياءَتَينِ اثنتَينِ [246] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/98). .
- قولُه: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا المقصودُ مِنَ الاعتِرافِ هو اعتِرافُهم بالحياةِ الثَّانيةِ؛ لأنَّهم كانوا يُنكِرونَها، وأمَّا المَوْتَتانِ والحياةُ الأُولى فإنَّما ذُكِرْنَ إدماجًا [247] الإدماجُ: أنْ يُدمِجَ المُتكلِّمُ غرَضًا في غرَضٍ، أو بديعًا في بديعٍ، بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعَينِ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الَّذي سِيق لمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضمنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحَمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ. وقيل: أُدمِجتِ المُبالَغةُ في المُطابَقةِ؛ لأنَّ انفِرادَه بالحمدِ في الآخِرةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواهُ- مُبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفِرادِ بالحمدِ. يُنظر: ((التبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 225)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((علوم البلاغة البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). ؛ للاستِدلالِ في صُلبِ الاعتِرافِ تَزَلُّفًا منهم، أيْ: أيْقَنَّا أنَّ الحياةَ الثَّانيةَ حَقٌّ، وذلك تَعريضٌ بأنَّ إقرارَهم صِدقٌ لا مُواربةَ فيه ولا تَصَنُّعَ؛ لأنَّه حاصِلٌ عن دليلٍ؛ ولذلك جُعِلَ مُسَبَّبًا على هذا الكلامِ بعطْفِه بفاءِ السَّببيَّةِ في قولِه: فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا؛ فإنَّهم لَمَّا رأَوُا الإماتةَ والإحياءَ قد تَكرَّرَا عليهم، عَلِموا بأنَّ اللهَ قادرٌ على الإعادةِ قُدرتَه على الإنشاءِ، فاعتَرَفوا بذُنوبِهمُ الَّتي اقتَرَفوها مِن إنكارِ البَعثِ وما تَبِعَه مِن مَعاصيهم [248] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/155)، ((تفسير البيضاوي)) (5/53)، ((تفسير أبي حيان)) (9/242)، ((تفسير أبي السعود)) (7/269)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/97). .
- وتَفرَّعَ قَولُهم: فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا على قَولِهم: وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ باعتبار أنَّ إحدى الإحياءتَينِ كانتِ السَّببَ في تَحقُّقِ ذُنوبِهمُ الَّتي مِن أُصولِها إنكارُهمُ البَعثَ، فلمَّا رأَوُا البَعثَ رأْيَ العَينِ أَيْقَنوا بأنَّهم مُذنِبونَ إذْ أنْكَروهُ، ومُذنِبونَ بما استَكثَروهُ مِنَ الذُّنوبِ؛ لاغتِرارِهم بالأمنِ مِنَ المؤاخَذةِ عليهم بعدَ الحياةِ العاجِلةِ [249] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/98). .
- وجُملةُ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا إنشاءُ إقرارٍ بالذُّنوبِ؛ ولذلك جيءَ فيه بالفِعلِ الماضي كما هو غالِبُ صِيَغِ الخَبَرِ المُستعمَلِ في الإنشاءِ، والمعنى: نَعترِفُ بذُنوبِنا. وجَعَلوا اعتِرافَهم بذُنوبِهم ضَربًا مِنَ التَّوبةِ، تَوَهُّمًا منهم أنَّ التَّوبةَ تَنفَعُ يَومَئذٍ؛ فلذلك فَرَّعوا عليه: فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ فالاستِفهامُ مُستعمَلٌ في العَرضِ والاستِعطافِ كُلِّيًّا لرَفعِ العَذابِ [250] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/98). .
- وفي هذا الاستِفهامِ فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ يَأسٌ مُقنِطٌ، واستِحالةٌ مُفرِطةٌ، كأنَّهم لفَرطِ ما يُكابِدونَه يَتَمَنَّوْنَ الخروجَ مِن هذا الأسى المُطبِقِ مِنَ الهَولِ المُستحكِمِ، ولكنْ أيُّ تَمَنٍّ؟ إنَّه تَمنِّي مَن غلَبَ عليه اليأسُ والقُنوطُ؛ ولهذا جاء الجوابُ على حسَبِ ذلك، وهو قولُه: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ [غافر: 12] ، ومَعناهُ: أنَّ السَّببَ يَعودُ إلى كُفرِكم، فلا تَطمَعوا في زَوالِ ما أنتم فيه؛ لأنَّه جَريرتُكم، وعلى أنفُسِكم تَقَعُ المَلامةُ. وقيل: قالوا ذلك على نحوٍ فيه نوعُ استِبعادٍ للخروجِ مِنَ النَّارِ واستِشعارِ يأسٍ منه، لا أنَّهم قالوه بطَريقِ القُنوطِ البَحتِ، وإنَّما يَقولونَ ذلك تَعَلُّلًا وتَحَيُّرًا [251] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/53)، ((تفسير أبي حيان)) (9/242)، ((تفسير أبي السعود)) (7/269)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/466). .
- قولُه: فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ حرفُ (مِنْ) زائدٌ لتَوكيدِ العُمومِ الَّذي في النَّكِرةِ؛ ليُفيدَ تَطَلُّبَهم كلَّ سبيلٍ للخُروجِ [252] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/99). .
- وتَنكيرُ خُرُوجٍ وسَبِيلٍ للنَّوعيَّةِ؛ تَلَطُّفًا في السُّؤالِ، أيْ: إلى شَيءٍ مِنَ الخروجِ قليلٍ أو كثيرٍ، سواءٌ أكان سريعًا أمْ بطيئًا. أو التَّنكيرُ للإبهامِ، أيْ: مِن سبيلٍ ما كَيْفَما كان، بحقٍّ أو بعَفْوٍ، بتخفيفٍ أو غَيرِ ذلك؛ لأنَّ كلَّ خروجٍ يَنتفِعونَ به راحةٌ مِنَ العَذابِ [253] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/242)، ((تفسير أبي السعود)) (7/269)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/99)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/466). .
3- قولُه تعالَى: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ
- قولُه: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ... جوابٌ لهم باستِحالةِ حُصولِ ما يَرجُونَه، ببَيانِ ما يُوجِبُها مِن أعمالِهمُ السَّيِّئةِ. وعدَلَ عن جَوابِهم بالحِرمانِ مِنَ الخُروجِ مِنَ النَّارِ إلى ذِكرِ سَببِ وُقوعِهم في العَذابِ، وإذْ قد كانوا عالِمينَ به حينَ قالوا: فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا [غافر: 11] ؛ كانت إعادةُ التَّوقيفِ عليه بعْدَ سؤالِ الصَّفحِ عنه كِنايةً عنِ استِدامتِه، وعدَمِ استِجابةِ سُؤالِهمُ الخروجَ منه، على وَجهٍ يُشعِرُ بتَحقيرِهم، وزِيدَ ذلك تحقيقًا بقولِه: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [254] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/269)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/99، 100). .
- والباءُ في بِأَنَّهُ للسَّبَبيَّةِ، أي: بسَببِ كُفرِكم إذا دُعيَ اللهُ وحْدَه، وضميرُ بِأَنَّهُ ضميرُ الشَّأنِ، وهو مُفَسَّرٌ بما بعْدَه مِن قولِه: إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا؛ فالسَّببُ هو مَضمونُ القِصَّةِ الَّذي حاصِلُ سَبكِه: بكُفرِكم بالوَحدانيَّةِ وإيمانِكم بالشِّركِ. وإِذَا مُستعمَلةٌ هنا في الزَّمنِ الماضي؛ لأنَّ دُعاءَ اللهِ واقِعٌ في الحياةِ الدُّنيا، وكذلك كُفرُهم بوَحدانيَّةِ اللهِ، فالدُّعاءُ الَّذي مَضى مع كُفرِهم به كان سبَبَ وُقوعِهم في العَذابِ [255] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/53)، ((تفسير أبي السعود)) (7/269)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/99). .
- ومَجيءُ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا بصِيغةِ المُضارِعِ في الفِعلَينِ مؤَوَّلٌ بالماضي، بقَرينةِ ما قَبْلَه. وإيثارُ صِيغةِ المُضارِعِ في الفِعلَينِ؛ لدَلالتِهما على تَكرُّرِ ذلك منهم في الحَياةِ الدُّنيا؛ فإنَّ لتَكرُّرِه أثرًا في مُضاعَفةِ العَذابِ لهم [256] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/100). .
- قولُه: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا جيءَ في الشَّرطِ الأوَّلِ بأداةِ الشَّرطِ إِذَا الَّتي الغالِبُ في شَرطِها تَحقُّقُ وُقوعِه؛ إشارةً إلى أنَّ دُعاءَ اللهِ وحْدَه أمْرٌ مُحَقَّقٌ بيْنَ المؤمِنينَ لا تَخْلو عنه أيَّامُهم ولا مَجامِعُهم، معَ ما تُفيدُ إِذَا مِنَ الرَّغبةِ في حُصولِ مَضمونِ شَرطِها. وجيءَ في الشَّرطِ الثَّاني بحرفِ (إنْ) الَّتي أصْلُها عدَمُ الجَزمِ بوُقوعِ شَرطِها، أو أنَّ شَرْطَها أمرٌ مَفروضٌ، مع أنَّ الإشراكَ مُحَقَّقٌ؛ تَنزيلًا للمُحَقَّقِ مَنزِلةَ المَشكوكِ المَفروضِ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ دَلائلَ بُطلانِ الشِّركِ واضِحةٌ بأدْنى تأمُّلٍ وتدَبُّرٍ، فنُزِّلَ إشراكُهمُ المُحَقَّقُ مَنزِلةَ المَفروضِ؛ لأنَّ المَقامَ مُشتمِلٌ على ما يَقلَعُ مَضمونَ الشَّرطِ مِن أصْلِه، فلا يَصلُحُ إلَّا لفَرْضِه، على نَحوِ ما يُفرَضُ المَعدومُ مَوجودًا، أو المُحالُ مُمكِنًا [257] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/101). .
- وأيضًا في إيرادِ إِذَا وصِيغةِ الماضي في الشَّرطيَّةِ الأُولى، و(إِنْ) وصِيغةِ المُضارِعِ في الثَّانيةِ ما لا يَخْفى مِنَ الدَّلالةِ على كَمالِ سوءِ حالِهم [258] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/270)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/101). .
- ومُتعلَّقُ كَفَرْتُمْ وتُؤْمِنُوا مَحذوفانِ؛ لدَلالةِ ما قَبْلَهما، والتَّقديرُ: كَفَرْتُم بتَوحيدِه وتؤْمِنوا بالشُّركاءِ [259] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/101). .
- قولُه: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ الألِفُ واللَّامُ في (الحُكم) للجِنسِ، واللَّامُ في لِلَّهِ للمِلكِ، أي: جِنسُ الحُكمِ مِلكٌ للهِ، وهذا يُفيدُ قَصْرَ هذا الجِنسِ على الكَونِ للهِ، وهو قَصْرٌ حَقيقيٌّ [260] القصرُ أو الحَصرُ في اصطِلاحِ البلاغيِّينَ هو: تَخصيصُ شَيءٍ بشَيءٍ وحصْرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأوَّلُ: مَقصورًا، والثَّاني: مقصورًا عليه؛ مثل: إنَّما زَيدٌ قائمٌ، و: ما ضرَبتُ إلَّا زيدًا. ويَنقسِمُ إلى قَصْرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقصرِ قَلْبٍ؛ والحقيقيُّ هو: أن يختصَّ المقصورُ بالمقصورِ عليه بحسَبِ الحقيقةِ والواقِعِ، بألَّا يتعدَّاه إلى غيرِه أصلًا، مِثل: لا إلهَ إلَّا اللهُ، حيثُ قُصِر وصْفُ الإلَهيَّةِ الحقِّ على موصوفٍ هو اللهُ وحْدَه، وهذا مِن قصرِ الصِّفةِ على المَوصوفِ، وهو قصرٌ حقيقيٌّ. يُنظر: ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (3/6)، ((التعريفات)) للجرجاني (175، 176)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/525، 454). ؛ إذْ لا حُكمَ يومَ القِيامةِ لغَيرِ اللهِ تعالى [261] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/101). .
- وإيثارُ صِفَتَيِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ بالذِّكرِ هنا؛ لأنَّ مَعْناهما مُناسِبٌ لحِرمانِهم مِنَ الخُروجِ مِنَ النَّارِ، أي: لعدَمِ نَقضِ حُكمِ اللهِ عليهم بالخُلودِ في النَّارِ؛ فهو العَليُّ، ومِن جملةِ ما يَقتَضيهِ ذلك تَمامُ العِلمِ، وتَمامُ العَدلِ؛ فلذلك لا يَحكُمُ إلَّا بما تَقتَضيهِ الحِكمةُ والعَدلُ، ووَصْفُ الكبيرِ كذلك [262] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/155)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/102). ، فالكبيرُ: الَّذي له الكبرياءُ والعَظَمةُ والمَجدُ، في أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، المُتَنزِّهُ عن كلِّ آفةٍ وعَيبٍ ونقصٍ، فإذا كان الحُكمُ له تعالى، وقد حكَم عليكم بالخلودِ الدَّائمِ؛ فحُكمُه لا يُغيَّرُ ولا يُبدَّلُ [263] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 734). .
4- قولُه تعالَى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ
- قولُه: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا كلامٌ مُستأنَفٌ مَسوقٌ للتَّدليلِ على أنَّ الحُكمَ له سبحانه [264] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/467). .
- قولُه: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا تَنزيلُ الرِّزقِ مِنَ السَّماءِ هو نُزولُ المطَرِ؛ لأنَّ المطَرَ سَبَبُ الرِّزقِ، وهو في نفْسِه آيةٌ أُدمِجَ معها امتِنانٌ؛ ولذلك عُقِّبَ الأمْرانِ بقولِه: وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ [265] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/102، 103). .
- وإفرادُ إنزالِ الرِّزقِ بالذِّكرِ -مع كَونِه مِن جملةِ الآياتِ الدَّالَّةِ على كمالِ قُدرتِه تعالى-؛ لتَفرُّدِه بعُنوانِ كَونِه مِن آثارِ رحمتِه وجَلائلِ نِعمتِه الموجِبةِ للشُّكرِ [266] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/270). .
- وفي قولِه: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا تقديمُ لَكُمْ على مَفعولِ (يُنَزِّلُ) وهو رِزْقًا؛ لكمالِ الامتِنانِ بأنْ جعَلَ تَنزيلَ الرِّزقِ لأجْلِ النَّاسِ، ولو أُخِّرَ المَجرورُ لَصارَ صِفةً لـ رِزْقًا؛ فلا يُفيدُ أنَّ التَّنزيلَ لأجْلِ المُخاطَبينَ، بلْ يُفيدُ أنَّ الرِّزقَ صالحٌ للمُخاطَبينَ، وبيْن المَعنَيَينِ بَوْنٌ بعيدٌ؛ فكان تَقديمُ المَجرورِ في التَّرتيبِ على مَفعولِ الفِعلِ على خِلافِ مُقتَضى الظَّاهِرِ؛ لأنَّ حقَّ المَفعولِ أنْ يَتقدَّمَ على غَيرِه مِن مُتعلِّقاتِ الفِعلِ، وإنَّما خُولِفَ الظَّاهِرُ لهذه النُّكتةِ اللَّطيفةِ [267] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/270)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/103). .
- وصِيغةُ المُضارِعِ في يُرِيكُمْ وَيُنَزِّلُ تدُلُّ على أنَّ المُرادَ إراءَةٌ مُتَجدِّدةٌ وتَنزيلٌ مُتَجدِّدٌ، وإنَّما يَكونُ ذلك في الدُّنيا؛ فتَعَيَّنَ أنَّ الخِطابَ مُستأنَفٌ مُرادٌ به المؤمِنونَ -وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ-، وليس مِن بَقيَّةِ خِطابِ المُشرِكينَ في جَهنَّمَ، ويَزيدُ ذلك تأييدًا قولُه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [268] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/270)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/103)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/467، 468). [غافر: 14] .
- وعُدِّيَ فِعلَا (يُري) (ويُنَزِّلُ) إلى ضَميرِ المُخاطَبِينَ وهُمُ المؤمِنونَ -وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ-؛ لأنَّهمُ الَّذينَ انتَفَعوا بالآياتِ فآمَنوا، وانتَفَعوا بالرِّزقِ فشَكَروا بالعملِ بالطَّاعاتِ، فجعَلَ غيرَهم بمَنزِلةِ غَيرِ المَقصودينَ بالآياتِ؛ لأنَّهم لم يَنتَفِعوا بها؛ ولذلك ذُيِّلَتْ إراءةُ الآياتِ وإنزالُ الرِّزقِ لهم بقولِه: وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ، أي: مَن آمَنَ ونَبَذَ الشِّركَ؛ لأنَّ الشِّركَ يَصُدُّ أهْلَه عن الإنصافِ، وإعمالِ النَّظَرِ في الأدِلَّةِ [269] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/103). .
- وفي التَّعبيرِ بصِيغةِ المُضارِعِ يُنِيبُ إشارةٌ إلى أنَّ الإنابةَ المُحصِّلةَ للمَطلوبِ هي الإنابةُ المُتجدِّدةُ المُتكرِّرةُ، وإذْ قد كان المُخاطَبونَ مُنِيبينَ إلى اللهِ كان قولُه: وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ دالًّا بدَلالةِ الاقتِضاءِ على أنَّهم رأَوُا الآياتِ واطْمأنُّوا بها، وأنَّهم عَرَفوا قَدْرَ النِّعمةِ وشَكَروها؛ فكان بيْن الإنابةِ وبيْن التَّذكُّرِ تَلازُمٌ عاديٌّ؛ ولذلك فجُملةُ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ تَذييلٌ [270] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/103). .
5- قولُه تعالَى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
- الفاءُ في قولِه: فَادْعُوا اللَّهَ هي الفَصيحةُ، أي: إذا كان الأمرُ كما ذُكِر فادْعُوا، وهو تَفريعٌ على ما شاهَدوا مِنَ الآياتِ، وما أُفيضَ عليهم مِنَ الرِّزقِ، وعلى أنَّهم المُرْجَونَ للتَّذَكُّرِ، والمعنى: أنَّ اللهَ أَراكُم آياتِه، وأَنزَلَ لكمُ الرِّزقَ، وما يَتذَكَّرُ بذلك إلَّا المُنِيبونَ، وأنتم منهم، فادْعُوا اللهَ مُخلِصينَ؛ لتَوَفُّرِ دَواعي تلك العِبادةِ [271] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/270)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/104، 105)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/468). .
- والأمرُ بالدُّعاءِ هنا مُستعمَلٌ في طلَبِ الدَّوامِ؛ لأنَّ المؤمِنينَ قد دَعَوُا اللهَ مُخلِصينَ له، فالمَقصودُ: دُوموا على ذلك وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ؛ لأنَّ كَراهيةَ الكافِرينَ ذلك مِنَ المؤمِنينَ تَكونُ سَببًا لِمُحاوَلتِهم صَرْفَهم عن ذلك بكلِّ وَسيلةٍ يَجِدونَ إليها سبيلًا، فيُخشى ذلك أنْ يَفتِنَ فَريقًا مِنَ المؤمِنينَ، فالكراهيةُ كِنايةٌ عن المُقاوَمةِ والصَّدِّ؛ لأنَّهما لازِمانِ للكَراهيةِ؛ لأنَّ شأنَ الكارِهِ ألَّا يَصبِرَ على دَوامِ ما يَكرَهُه [272] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/105)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/468). .
- قولُه: فَادْعُوا اللَّهَ فيه إظهارُ اسمِ الجَلالةِ؛ لأنَّ الكلامَ تَفريعٌ لاستِجدادِ غرَضٍ آخَرَ، فجُعِل مُستقِلًّا عمَّا قَبْلَه [273] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/105). .
- قولُه: وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (لَوْ) وَصْليَّةٌ تُفيدُ أنَّ شَرْطَها أقصَى ما يَكونُ مِنَ الأحوالِ الَّتي يُرادُ تَقييدُ عامِلِ الحالِ بها، أيْ: اعْبُدوه في كلِّ حالٍ حتَّى في حالِ كَراهيةِ الكافِرينَ ذلك؛ لأنَّ كَراهيةَ الكافِرينَ ذلك -والمؤمِنونَ بيْنَ ظَهرانَيْهِم وفي بلدٍ فيه سُلْطانُ الكافِرينَ- مَظِنَّةٌ لأنْ يَصُدَّهم ذلك عن دُعاءِ اللهِ مُخلِصينَ له الدِّينَ [274] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/105). .