موسوعة التفسير

سورةُ فاطرٍ
الآيات (38-41)

ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ

غَريبُ الكَلِماتِ:

بِذَاتِ الصُّدُورِ: أي: بالضَّمائِرِ والنِّيَّاتِ والأسرارِ؛ خَيرِها وشَرِّها؛ لأنَّها في الصُّدورِ، تَحُلُّها وتصاحِبُها، وذاتُ: صاحبةُ، مؤنَّثُ (ذو) بمعنى صاحبٍ [690] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (6/100)، ((الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة)) لابن القيم (4/1383، 1384)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/212)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 148)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/25) و (23/342). قال ابنُ القَيِّم: (قَولُه تعالى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ليس المرادُ به عليمًا بمُجَرَّدِ الصُّدورِ؛ فإنَّ هذا ليس فيه كَبيرُ أمرٍ، وهو بمنزلةِ أن يُقالَ: عَليمٌ بالرُّؤوسِ والظُّهورِ والأيدي والأرجُلِ، وإنَّما المرادُ به: عليمٌ بما تُضمِرُه الصُّدورُ مِن خَيرٍ وشَرٍّ، أي: بالأسرارِ الَّتي في الصُّدورِ، وصاحِبةِ الصُّدورِ؛ فأضافها إليها بلَفظٍ يَعُمُّ جميعَ ما في الصُّدورِ مِن خَيرٍ وشَرٍّ). ((الصواعق المرسلة)) (4/1384). .
خَلَائِفَ: أي: خُلَفاءَ، والخَلَفُ هو التَّالي للمُتقَدِّمِ، وأصلُ (خلف): يدُلُّ على مَجيءِ شَيءٍ بعدَ شَيءٍ [691] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 164)، ((تفسير ابن جرير)) (1/477)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 207)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/210)، ((تفسير القرطبي)) (14/355). .
مَقْتًا: أي: بُغضًا وغَضَبًا، وأصلُ (مقت): يدُلُّ على شَناءةٍ وقُبحٍ [692] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/389)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 393)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/341)، ((تفسير القرطبي)) (14/355)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 415). .
شِرْكٌ: أي: نَصيبٌ وشَرِكةٌ، وأصلُ (شرك): يدُلُّ على مُقارنةٍ [693] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/265)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 311)، ((تفسير القرطبي)) (16/179). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى مخبرًا عن سَعةِ عِلمِه: إنَّ اللهَ تعالى عالمٌ بغَيبِ السَّمَواتِ والأرضِ، إنَّه سُبحانَه عَليمٌ بالنِّيَّاتِ وبما أسَرَّتْه الضَّمائرُ.
 ثمَّ يُبيِّنُ سُبحانَه كمالَ حكمتِه ورحمتِه بعبادِه، فيقولُ: هو الَّذي جعَلَكم -أيُّها النَّاسُ- خُلَفاءَ في الأرضِ لِمَن قَبْلَكم، فمَن كفَرَ فضرَرُ كُفرِه على نَفْسِه، ولا يَزيدُ الكافِرينَ كُفرُهم إلَّا بُغضًا مِنَ اللهِ، ولا يَزيدُ الكافِرينَ كُفرُهم إلَّا خَسارةً في الدُّنيا والآخِرةِ.
ثمَّ يُبيِّنُ سبحانه عجْزَ آلهةِ المشركين، ونقْصَها، وبُطْلانَ الشِّركِ مِن جميعِ الوُجوهِ، فيقولُ: قُلْ -يا محمَّدُ- للمُشرِكين: أرَأَيْتُم مَنْ تُشرِكونَهم مع اللهِ تعالى أَرُوني ماذا خَلَقوا مِن الأرضِ حتَّى تَعبُدوهم؟! أمْ لهم شِركٌ مع اللهِ في مُلكِ السَّمَواتِ وخَلقِها؟! أمْ آتَيْناهم كِتابًا فيه مِصْداقُ هذه الشَّرِكةِ مع الله، فهم على بُرهانٍ مِن صِحَّتِها؟!
ثمَّ يُبيِّنُ الأسبابَ الَّتي حمَلَتْهم على الشِّركِ، فيقولُ: بل الحَقُّ أنَّ الظَّالِمينَ يَخدَعُ بعضُهم بعضًا، ويَعِدُ بعضُهم بعضًا بالوُعودِ الباطِلةِ!
ثمَّ يَذكُرُ الله تعالى جانبًا مِن عظيمِ قدرتِه، وتمامِ رحمتِه، وسَعةِ حِلمِه ومغفرتِه، فيقولُ: إنَّ اللهَ تعالى يُمسِكُ السَّمَواتِ والأرضَ؛ لِئلَّا تَزولا، ولَئِنْ زالت السَّمَواتُ والأرضُ ما أمسَكَهما أحدٌ مِن الخَلقِ، إنَّ اللهَ كان حليمًا لا يُعاجِلُكم بالعُقوبةِ، غَفورًا يَتجاوَزُ عن مُؤاخَذتِكم بالذُّنوبِ.

تَفسيرُ الآياتِ:

إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
مُناسَبةُ مَجيءِ قَولِه: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ عَقِيبَ ما قبْلَه مِن قَولِه تعالى: فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ هو أنَّه تعالى ذَكَرَ أنَّ الكافِرينَ يُعذَّبونَ دائمًا، ومُدَّةُ كُفرِهم كانتْ مُدَّةً يَسيرةً مُنقَطِعةً؛ فأخبَرَ أنَّه تَعالى عالِمُ غَيبِ السَّمَواتِ والأرْضِ، فلا يَخْفَى عليه ما تَنْطوي عليه الصُّدورُ مِن المُضمَراتِ، وكان يَعلَمُ مِن الكافِرِ أنَّه تَمكَّنَ الكُفرُ في قَلبِه، بحيث لو دامَ إلى الأبَدِ ما آمَنَ باللهِ ولا عَبَدَه [694] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/37). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (26/243، 244). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى جزاءَ أهلِ الدَّارَينِ، وذكَرَ أعمالَ الفَريقَينِ؛ أخبَرَ تعالى عن سَعةِ عِلمِه تعالى، واطِّلاعِه على غَيبِ السَّمَواتِ والأرضِ الَّتي غابت عن أبصارِ الخَلقِ وعن عِلمِهم، وأنَّه عالمٌ بالسَّرائِرِ، وما تَنطوي عليه الصُّدورُ مِن الخيرِ والشَّرِّ، والزَّكاءِ وغَيرِه، فيُعطي كلًّا ما يَستحِقُّه، ويُنزِلُ كُلَّ أحدٍ مَنزِلتَه [695] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 690). .
إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
أي: إنَّ اللهَ عالمٌ بما غاب في السَّمَواتِ والأرضِ عن الخَلقِ [696] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/388)، ((تفسير ابن عطية)) (4/442)، ((تفسير السعدي)) (ص: 690). .
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.
أي: إنَّ اللهَ عليمٌ بالضَّمائِرِ والنِّيَّاتِ والأسرارِ؛ خَيرِها وشَرِّها [697] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/388)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((تفسير السعدي)) (ص: 690)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/321). .
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّها تقريرٌ لقَطعِ حُجَّةِ الكافِرينَ؛ فإنَّهم لَمَّا قالوا: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا [فاطر: 37] ، وقال تعالى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ [فاطر: 37] ؛ إشارةً إلى أنَّ التَّمكينَ والإمهالَ مُدَّةً يمكِنُ فيها المعرفةُ: قد حصَلَ وما آمنتُم، وزاد عليه بقَولِه: وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر: 37] ؛ زاد على ذلك بقَولِه تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ [فاطر: 39] ، أي: نبَّهكم بمَن مضَى وحالِ مَن انقضَى؛ فإنَّكم لو لم يحصُلْ لكم عِلمٌ بأنَّ مَن كذَّب الرُّسُلَ أُهلِك، لَكان عنادُكم أخفَى، وفسادُكم أخَفَّ، لكِنْ أُمهِلتُم وعُمِّرتُم، وأُمِرتُم على لسانِ الرُّسُلِ بما أُمِرتُم، وجُعِلتُم خلائِفَ في الأرضِ؛ فمَن كفَرَ بعدَ هذا كُلِّه، فعليه كُفرُه [698] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/244). .
وأيضًا فهذا بيانٌ لِقَولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أي: هو الَّذي أوجَدَكم في الأرضِ، فكيف لا يَعلَمُ ما غاب في قُلوبِكم [699] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/322). ؟!
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ.
أي: اللهُ الَّذي جعَلَكم -أيُّها النَّاسُ- خَلَفًا للأُمَمِ مِن قَبلِكم [700] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/388)، ((تفسير القرطبي)) (14/355)، ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/152)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((تفسير السعدي)) (ص: 690). قال ابنُ عاشور: (الخلائِفُ: جمعُ خَليفةٍ، وهو الَّذي يَخلُفُ غَيرَه في أمرٍ كان لذلك الغيرِ... ويجوزُ أن يكونَ المعنى: هو الَّذي جعَلَكم مُتصَرِّفينَ في الأرضِ، كقَولِه تعالى: وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 129] ، فيكونَ الكلامُ بِشارةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ الله قدَّر أن يكونَ المُسلِمونَ أهلَ سُلطانٍ في الأرضِ بعدَ أُمَمٍ تداولَتْ سيادةَ العالَمِ، ويَظهَرُ بذلك دينُ الإسلامِ على الدِّينِ كُلِّه). ((تفسير ابن عاشور)) (22/322). .
كما قال سبحانه وتعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس: 14] .
فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا ثَبَت أنَّ ذلك نِعمةٌ منه؛ عَمَرَهم فيه مُدَّةً يَتذكَّرُ فيه مَن تذكَّرَ؛ تسَبَّب عنه قَولُه [701] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/67). :
فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ.
أي: فمَن كفَرَ فعلى نَفْسِه ضَرَرُ كُفرِه، وهو المعاقَبُ عليه دونَ غَيرِه [702] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/389)، ((تفسير القرطبي)) (14/355)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((تفسير السعدي)) (ص: 690). .
وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا.
أي: ولا يَزيدُ الكافِرينَ استِمرارُهم على كُفرِهم إلَّا بُغضًا شديدًا لهم مِن رَبِّهم [703] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/389)، ((تفسير القرطبي)) (14/355)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((تفسير السعدي)) (ص: 690)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/323)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 272). .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [غافر: 10] .
وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا.
أي: ولا يَزيدُ الكافِرينَ استِمرارُهم على كُفرِهم إلَّا خَسارةً وهَلاكًا في الدُّنيا والآخِرةِ [704] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/389)، ((تفسير القرطبي)) (14/355)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/68)، ((تفسير السعدي)) (ص: 690)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 273). .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا جرى ذِكرُ المُشرِكينَ وتَعنُّتِهم وحِسبانِ أنَّهم مَقَتوا المُسلِمينَ، عاد إلى الاحتِجاجِ عليهم في بُطلانِ إلهيَّةِ آلهتِهم، بحُجَّةِ أنَّه لا يُوجَدُ في الأرضِ شَيءٌ يُدَّعَى أنَّها خَلَقَتْه، ولا في السَّمَواتِ شَيءٌ لها فيه شِركٌ مع اللهِ؛ فأمَرَ اللهُ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُحاجَّهم، ويُوجِّهَ الخِطابَ إليهم بانتِفاءِ صِفةِ الإلهيَّةِ عن أصنامِهم، وذلك بعدَ أنْ نفَى استِحقاقَها لعبادتِهم بأنَّها لا تَرزُقُهم -كما في أوَّلِ السُّورةِ-، وبعدَ أنْ أثبَت اللهُ التصَرُّفَ في مظاهِرِ الأحداثِ الجوِّيَّةِ والأرضيَّةِ واختلافِ أحوالِها، مِن قَولِه: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ [فاطر: 9] ، وذكَّرَهم بَخلقِهم وخَلقِ أصلِهم، وقال عَقِبَ ذلك: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ الآيةَ [فاطر: 13] - عاد إلى بُطلانِ إلهيَّةِ الأصنامِ [705] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/323، 324). .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ.
أي: قُلْ -يا محمَّدُ- للمُشرِكينَ مِن قَومِك: أرأيتُم مَنْ تُشرِكونَهم مع اللهِ تعالى فتَدْعونَهم مِن دونِه، أَرُوني ما الَّذي خلَقُوه مِن الأرضِ حتَّى استحَقُّوا عبادتَكم لهم [706] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/389)، ((تفسير القرطبي)) (14/355، 356)، ((تفسير البيضاوي)) (4/261)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((تفسير السعدي)) (ص: 691)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/325). ؟!
أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ.
أي: أم لِشُركائِكم شِركٌ مع اللهِ في السَّمَواتِ؛ في خَلقِها، أو مُلكِها، أو تَدبيرِها [707] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/389)، ((تفسير الشوكاني)) (4/407)، ((تفسير السعدي)) (ص: 691)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/325). ؟!
أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا قضَى حَقَّ البُرهانِ العَقليِّ على انتِفاءِ إلهيَّةِ الَّذين يَدْعُونَ مِن دونِ اللهِ؛ انتقَلَ هنا إلى انتِفاءِ الحُجَّةِ السَّمعيَّةِ مِن اللهِ تعالى، المُثبِتةِ آلهةً دُونَه؛ لأنَّ اللهَ أعلَمُ بشُركائِه وأندادِه لو كانوا [708] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/326). .
أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ.
أي: أم آتَيْناهم [709] قال البقاعي: (أَمْ آَتَيْنَاهُمْ أي: الشُّركاءَ أو المُشرِكينَ بهم). ((نظم الدرر)) (16/69). وممَّن قال بأنَّ الضَّميرَ عائدٌ على المُشرِكينَ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، وابنُ الجوزي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/560)، ((تفسير ابن جرير)) (19/390)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/514). قال الرسعني: (وجمهورُ المفسِّرينَ على أنَّ الضميرَ في آَتَيْنَاهُمْ للمشركينَ؛ كقولِه تعالى: أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا [الروم: 35]). ((تفسير الرسعني)) (6/304). وممَّن اختار أَنَّ الضَّميرَ في آَتَيْنَاهُمْ عائدٌ على الشُّركاءِ: البيضاويُّ، والنسفيُّ، وأبو حيَّان، وجلال الدين المحلي، وأبو السعود. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/261)، ((تفسير النسفي)) (3/92)، ((تفسير أبي حيان)) (9/38)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 577)، ((تفسير أبي السعود)) (7/155). كتابًا فيه ثُبوتُ الشَّرِكةِ مع اللهِ؛ فالمُشرِكونَ على بُرهانٍ وحُجَّةٍ مِن صِحَّةِ ذلك [710] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/390)، ((تفسير القرطبي)) (14/356)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/69)، ((تفسير السعدي)) (ص: 691)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/326). ؟!
كما قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأحقاف: 4] .
بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا.
أي: كُلُّ ذلك مُنتَفٍ؛ فلا باعِثَ لهم على مَزاعِمِهم الباطِلةِ إلَّا خِداعُ بَعضِهم بعضًا بالأمانيِّ الكاذِبةِ والآراءِ الباطِلةِ، فاتَّبَعوا أهواءَهم بلا حُجَّةٍ ولا بُرهانٍ [711] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/390)، ((تفسير القرطبي)) (14/356)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((تفسير السعدي)) (ص: 691). قال القرطبي: (وهو قَولُ السَّادةِ للسَّفِلةِ: إنَّ هذه الآلهةَ تَنفعُكم وتُقرِّبُكم. وقيل: إنَّ الشَّيطانَ يَعِدُ المشركينَ ذلك. وقيل: وعدهم بأنَّهم يُنصَرونَ عليهم). ((تفسير القرطبي)) (14/356). وقال ابن عاشور: (والمرادُ بالَّذين يَعِدونَهم: رؤساءُ المشركين وقادتُهم، وبالموعودينَ: عامَّتُهم ودَهماؤُهم. أو أُريدَ أنَّ كِلا الفريقين واعدٌ وموعودٌ؛ فالرُّؤساءُ وأئمَّةُ الكُفرِ يَعِدونَ العامَّةَ نَفْعَ الأصنامِ وشفاعتَها، وتقريبَها إلى اللهِ ونَصْرَها؛ غرورًا بالعامَّةِ. والعامَّةُ تَعِدُ رُؤساءَها التَّصميمَ على الشِّركِ). ((تفسير ابن عاشور)) (22/326، 327). .
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّن أنَّ آلِهتَهم لا تقدِرُ على خَلقِ شَيءٍ مِن السَّمواتِ والأرضِ؛ بَيَّن أنَّ خالِقَهما وممسِكَهما هو اللهُ، فلا يُوجَدُ حادِثٌ إلَّا بإيجادِه، ولا يبقَى إلَّا ببَقائِه [712] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/356). .
وأيضًا لَمَّا بيَّنَ تَعالى فَسادَ أمْرِ الأصْنامِ، ووَقَف على الحُجَّةِ على بُطلانِها؛ عقَّبَه بذِكرِ عَظَمَتِه وقُدرَتِه؛ لِيتبيَّنَ الشَّيءُ بضِدِّه، وتَتأكَّدَ حَقارةُ الأصْنامِ بذِكرِ عَظَمةِ اللهِ [713] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/39). .
وأيضًا لَمَّا بيَّن شِركَهم قال: مُقتضى شِركِهم زوالُ السَّمَواتِ والأرضِ، كما قال تعالى: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [مريم: 90، 91]، ويدُلُّ على هذا قَولُه تعالى في آخِرِ الآيةِ: إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر: 41]؛ كان حليمًا ما ترَكَ تَعذيبَهم إلَّا حِلمًا منه، وإلَّا كانوا يَستحِقُّونَ إسقاطَ السَّماءِ، وانطِباقَ الأرضِ عليهم، وإنَّما أخَّرَ إزالةَ السَّمَواتِ إلى قيامِ السَّاعةِ حِلمًا [714] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/245). .
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا.
أي: إنَّ اللهَ يُمسِكُ السَّمَواتِ والأرضَ بقُدرتِه إمساكًا مانِعًا مِن زوالِهما [715] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/390)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/596)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/71)، ((تفسير السعدي)) (ص: 691). قال أبو السعود: (أي: يُمسِكُهما كراهةَ زوالِهما، أو يَمنَعُهما أنْ تَزولَا؛ لأنَّ الإمساكَ مَنْعٌ). ((تفسير أبي السعود)) (7/156). وذكر ابنُ عاشور أنَّ المرادَ بالزَّوالِ العَدَمُ، وأيضًا التَّحَوُّلُ مِن مكانٍ إلى مكانٍ، فالمعنى على ذلك أنَّ اللهَ يُمسِكُ السَّمواتِ والأرضَ من أن يُعْدَما، ويُمسِكُهما مِن أن يتحوَّلَ نِظامُ حَركتِهما. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/328). .
كما قال تعالى: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج: 65] .
وقال سُبحانَه: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم: 25] .
وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ.
أي: ولو زالَت السَّمَواتُ والأرضُ ما أمسَكَهما أحدٌ مِن الخَلقِ كائنًا مَن كان؛ فلا يَقدِرُ على إبقائِهما إلَّا اللهُ وَحْدَه [716] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/390)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((تفسير السعدي)) (ص: 691)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/328، 329)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 288). قال ابن الجوزي: (وَلَئِنْ زَالَتَا تحتَمِلُ وَجهَينِ؛ أحدُهما: زوالُهما يومَ القيامةِ. والثَّاني: أن يقالَ تقديرًا وإن لم تَزولا). ((تفسير ابن الجوزي)) (3/514، 515). ويُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (4/273، 274). .
إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا.
أي: إنَّ اللهَ كان حَليمًا لا يُعاجِلُ عِبادَه بالعُقوبةِ والعذابِ مع قُدرتِه التَّامَّةِ عليهم، بل يُؤخِّرُهم ويُمهِلُهم؛ غفورًا ساتِرًا لذُنوبِ عبادِه، مُتجاوِزًا عن مُؤاخَذتِهم بها [717] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/392)، ((تفسير ابن كثير)) (6/557)، ((تفسير الإيجي)) (3/413)، ((تفسير السعدي)) (ص: 691). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ التَّحذيرُ مِن أن يُضمِرَ الإنسانُ في قَلبِه ما لا يَرضاه اللهُ، ثمَّ تُحَدِّثُه نَفْسُه بأنَّ هذا لا يَطَّلِعُ عليه إلَّا اللهُ، فيَغتَرُّ بإمهالِ اللهِ له [718] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 270). !
2- في قَولِه تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ بِشارةٌ للمؤمنينَ، وإنذارٌ للكافرين؛ لأنَّ مِن جملةِ الخلافةِ أنْ يَخْلُفَ المؤمنونَ الكافرينَ في أرضِهم، قال الله تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب: 26، 27]، وكذا قولُه تعالى: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]، وقال لهم: وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ [الأعراف: 129] ، ففي هذا بِشارةٌ للمؤمنِ فلا يَيْأَسْ مِن أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يَجعلُ له الخلافةَ في الأرضِ؛ وإنذارٌ للكافرِ بأنْ تُجتاحَ أرضُه على أيدي المؤمنينَ [719] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 273). .
3- قَولُ الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فاللهُ مُريدٌ استِمرارَ انتِظامِ حَرَكةِ الكواكِبِ والأرضِ على هذا النِّظامِ المُشاهَدِ المُسمَّى بالنِّظامِ الشَّمسيِّ، وكذلك نظامُ الكواكِبِ الأُخرى الخارجةِ عنه إلى فَلَكِ الثَّوابِتِ، أي: إذا أراد اللهُ انقِراضَ تلك العوالِمِ أو بَعضِها قَيَّض فيها طوارئَ الخلَلِ والفَسادِ، والخَرْقِ بعدَ الالتِئامِ؛ فتفكَّكَت وانتَشَرت إلى ما لا يَعلَمُ مَصيرَه إلَّا اللهُ تعالى، وحينَئذٍ لا يَستطيعُ غَيرُه مُدافعةَ ذلك ولا إرجاعَها إلى نظامِها السَّابقِ؛ فرُبَّما اضمحَلَّت أو اضمَحَلَّ بَعضُها، ورُبَّما أخَذتْ مَسالِكَ جديدةً مِن البقاءِ، وفي هذا إيقاظٌ للبَصائرِ؛ لِتَعلَمَ ذلك عِلمًا إجماليًّا، وتتدبَّرَ في انتِساقِ هذا النِّظامِ البَديعِ [720] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/328). .
4- في قَولِه تعالى: إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا الحَذَرُ مِن أن يَتمنَّى الإنسانُ على اللهِ الأمانيَّ، بل يجِبُ أنْ يكونَ الإنسانُ فَطِنًا كَيِّسًا حازِمًا؛ فالوُعودُ الَّتي يُوعَدُ بها الإنسانُ مِن قِبَلِ الظَّالِمينَ أو مِن قِبَلِ نفْسِه إذا كانت مخالِفةً للشَّرعِ، فما هي إلَّا غُرورٌ وباطِلٌ؛ فلْيَحذَرِ الإنسانُ منها [721] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 284). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: بِذَاتِ الصُّدُورِ الإشارةُ إلى أنَّ المَدارَ على ما في القَلبِ، وذاتُ الصُّدورِ هي القُلوبُ؛ لأنَّها السَّاكِنةُ فيها، كما قال اللهُ تعالى: وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [722] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 270). [الحج: 46] .
2- في قَولِه تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ حكمةُ اللهِ عزَّ وجلَّ في تَوارُثِ الأُممِ بعضِها بعضًا، فإنَّه لولا ذلك لَضاقتِ الأرضُ بأهلِها، وشقَّ عليهم تحصيلُ الأرزاقِ -وإنْ كان اللهُ عزَّ وجلَّ قد يَجعلُ لهم مِن الرِّزقِ ما لا يَخطُرُ بالبالِ-؛ لكنْ لا شكَّ مِن أنَّ جَعْلَ النَّاسِ يَخْلُفُ بعضُهم بعضًا -هذا يموتُ وهذا يحيا- هو الحكمةُ والرَّحمةُ [723] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 274). .
3- في قَولِه تعالى: وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا أنَّه كُلَّما ازداد الإنسانُ كُفرًا ازداد عندَ اللهِ مَقْتًا؛ وجهُ ذلك: القاعدةُ: «أنَّ الحُكمَ المُعَلَّقَ على وَصفٍ، يَزدادُ بزيادتِه، ويَنقُصُ بنُقصانِه»، وهنا الحُكْمُ مُعَلَّقٌ على الكُفرِ؛ فإذَنْ يَزدادُ مَقْتُ اللهِ عزَّ وجلَّ على الكافرِ بزيادةِ كُفرِه، ويَنقُصُ بنُقصانِ كُفرِه [724] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 275). .
4- في قَولِه تعالى: إِلَّا مَقْتًا إثباتُ صفةٍ مِن صِفاتِ اللهِ، وهي المَقْتُ الَّذي هو أشَدُّ البُغضِ [725] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 274). ، وهي صِفةٌ فِعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ بالكتابِ والسُّنَّةِ، وهي عندَ أهلِ الحقِّ كسائرِ صِفاتِ الأفعالِ: صِفةٌ حقيقيَّةٌ لله عزَّ وجلَّ، على ما يَليقُ به، ولا تُشبِهُ ما يَتَّصِفُ به المخلوقُ مِن ذلك، ولا يَلزَمُ منها ما يَلزَمُ في المخلوقِ [726] يُنظر: ((صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة)) للسقاف (ص: 321، 322). .
5- في قَولِه تعالى: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ قوَّةُ القُرآنِ في أسلوبِ المُناظَرةِ، وذلك بالسَّبرِ والتَّقسيمِ [727] السَّبْرُ والتَّقسيمُ: هو حصْرُ الأوصافِ في الأصلِ المَقيسِ عليه وإبطالُ بعضِها ممَّا لا يَصلُحُ للتَّعليلِ، فيَتعيَّنُ الباقي للعِلِّيَّةِ. والتَّقسيمُ يكونُ قبْلَ السَّبرِ؛ لأنَّه تَعدادُ الأوصافِ الَّتي يُتَوهَّمُ صَلاحيتُها للتَّعليلِ ثمَّ يَسْبُرُها، أي: يَختبِرُها ليميزَ الصَّالحَ للتَّعليلِ مِن غيرِه. يُنظر: ((الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب)) للبابرتي (2/530)، ((التحبير شرح التحرير)) للمرداوي (7/3352). ؛ وَجْهُه: أنَّ اللهَ تَحدَّاهم بثلاثةِ أمورٍ: هل خَلَقوا شيئًا مِن الأرضِ؟ هل شارَكوا اللهَ في السَّماءِ؟ هل عندَهم كتابٌ مِن اللهِ أنَّ هذه الأصنامَ تَنفَعُهم، وإنْ لم تَكُنْ شَريكةً للهِ في السَّمَواتِ، ولم تَخْلُقْ شَيئًا مِن الأرضِ؟ والجوابُ: لا، ولو خَلَقَتْ شيئًا مِن الأرضِ لَكان لها الحَقُّ؛ لأنَّها تَخْلُقُ، ولو شاركتِ اللهَ في مُلْكِه في السَّماءِ لَكان لها الحقُّ؛ لأنَّها شريكةٌ للهِ عزَّ وجلَّ في مُلْكِه، ولو كان اللهُ أنزَلَ كتابًا يقولُ بأنَّ هذه الأصنامَ لها الحقُّ أنْ تُعبَدَ وتُدْعَى مِن دونِ اللهِ لَكان لهم شُبهةٌ أو حُجَّةٌ، فلمَّا انتفتِ الأمورُ الثلاثةُ تَبَيَّنَ أنَّه لا حُجَّةَ لهم، فينبغي في المناظَرةِ أنْ تُذْكَرَ جميعُ الأقسامِ الَّتي يمكنُ أنْ تَرِدَ في الذِّهنِ ثمَّ تُبْطَلَ؛ احتِرازًا ممَّا لو ذُكِر شَيءٌ واحدٌ ثمَّ بُيِّنَ بُطلانُه، فقد يُوْرَدُ عليه شَيءٌ آخَرُ [728] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 283). .
6- قَولُ الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ لعلَّ استِفهامَهم عن رؤيةِ شُرَكائِهم تنبيهٌ على أنَّهم مِن الامتِهانِ والحَقارةِ بحيثُ يَراهم كُلُّ مَن يَقصِدُ رُؤيتَهم، ويَعلَمُ أنَّه لا خَلْقَ لهم، واللهُ تعالى بخِلافِ ذلك في كُلٍّ مِن الأمْرينِ، مُتَرَدٍّ برِداءِ الكِبْرِ، مُحتَجِبٌ بحِجابِ الجَلالِ والعِزِّ، وكُلُّ أحدٍ يَعلَمُ أنَّه خالِقٌ لكُلِّ مَخلوقٍ، فكيف يكونُ مَن لا يَخلُقُ كمَن يَخلُقُ [729] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/69). ؟!
7- قَولُ الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا اتِّصافُه بالحِلمِ والغُفرانِ في هذه الآيةِ إنَّما هو إشارةٌ إلى أنَّ السَّماءَ كادت تَزولُ، والأرضُ كذلك؛ لإشراكِ الكَفَرةِ، فيُمسِكُها حِلمًا منه عن المُشرِكينَ، وتَرَبُّصًا لِيَغفِرَ لِمَنْ آمَنَ منهم [730] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/40). ، فلولا حِلمُه ومَغفرتُه لَزُلْزِلَتِ السَّمَواتُ والأرضُ مِن معاصي العِبادِ، وتأمَّلْ خَتْمَ هذه الآيةِ باسْمَينِ مِن أسمائِه، وهما: «الحليمُ» و»الغفورُ» كيف تَجِدُ تحتَ ذلك أنَّه لولا حِلمُه عن الجُناةِ ومَغفرتُه للعُصاةِ لَمَا استقَرَّت السَّمَواتُ والأرضُ [731] يُنظر: ((الجواب الكافي)) لابن القيم (ص: 88). .
8- في قَولِه تعالى: إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا إثباتُ الحِكمةِ؛ لأنَّه عَلَّلَ إمساكَ السَّمَواتِ والأرضِ بكَونِ ذلك مُقتضَى حِلْمِه ومَغفرتِه [732] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 292). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قَولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ استِئْنافٌ واصِلٌ بيْنَ جُمْلةِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ [فاطر: 31] وجُملةِ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ الآيةَ [فاطر: 40] ؛ فتَسَلْسَلتْ مَعانيه فعادَ إلى فَذْلَكةِ [733] الفَذْلَكةُ: مِن فَذْلَكَ حِسابَه فَذْلَكَةً، أي: أنْهاهُ وفرَغَ منه، وذكَر مُجمَلَ ما فُصِّل أوَّلًا وخُلاصتَه. و(الفَذْلكةُ) كلمةٌ منحوتةٌ كـ (البَسملة) و(الحوقلة)، مِن قولِهم: (فذَلِكَ كذَا وكذَا عددًا). ويُرادُ بالفَذْلَكةِ: النَّتيجةُ لِمَا سبَق مِن الكلامِ، والتَّفريعُ عليه، ومنها فَذْلَكةُ الحساب، أي: مُجمَلُ تفاصيلِه، وإنهاؤُه، والفراغُ منه، كقولِه تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ بعدَ قولِه: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] . يُنظر: ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (27/293)، ((كناشة النوادر)) لعبد السلام هارون (ص: 17)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 638، 639). الغَرضِ السَّالِفِ المُنتقَلِ عنه مِن قولِه: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إلى قولِه: إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ [فاطر: 25 - 31] ؛ فكانتْ جملةُ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ كالتَّذييلِ لجُملةِ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ. وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ اللهَ يُجازِي كُلَّ ذِي نِيَّةٍ على حَسَبِ ما أضْمَره؛ لِيَزدادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقينًا بأنَّ اللهَ عالِمٌ بما يُكِنُّه المُشرِكونَ [734] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/321). .
- وجُملةُ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ مُسْتأنَفةٌ، وهي كالنَّتيجةِ لجُملةِ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ لأنَّ ما في الصُّدورِ مِن الأُمورِ المُغيَّبةِ، فيَلزَمُ مِن عِلمِ اللهِ بغَيبِ السَّمَواتِ والأرْضِ عِلمُهُ بما في صُدورِ النَّاسِ. أو هي تَعْليلٌ لِمَا قَبْلَها؛ لأنَّه إذا عَلِمَ ما في الصُّدورِ -وهو أخْفَى ما يَكونُ- فقد عَلِمَ كُلَّ غَيبٍ في العالَمِ [735] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/616)، ((تفسير البيضاوي)) (4/260)، ((تفسير أبي السعود)) (7/155)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/321). .
- وجِيءَ في الإخْبارِ بعِلمِ اللهِ بالغَيبِ بصِيغةِ اسْمِ الفاعِلِ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ، وفي الإخْبارِ بعِلمِه بذاتِ الصُّدورِ بصِيغةِ المُبالَغةِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ؛ لأنَّ المَقْصودَ مِن إخْبارِ المُخاطَبينَ تَنْبيهُهم على أنَّه كِنايةٌ عن انتِفاءِ أنْ يَفوتَ عِلمَه تعالى شَيءٌ، وذلك كِنايةٌ عن الجَزاءِ عليه؛ فهي كِنايةٌ رَمْزيَّةٌ [736] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/321، 322). .
2- قَولُه تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا
- قولُه: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مُعترضٌ بيْنَ جُمْلةِ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الآيةَ، وجُملةِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ. ويجوزُ أنْ يكونَ كَلامًا مُسْتأنَفًا مَسوقًا لِبَيانِ أحْوالِ الكافِرينَ الَّذين غَمِطوا نِعْمةَ اللهِ عليهم بعدَ أنْ استَخْلَفَهم في الأرضِ [737] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/322)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/164). .
- والخلائفُ: جمْعُ خليفةٍ، وهو الَّذي يَخلُفُ غيرَه في أمْرٍ كان لذلك الغيرِ؛ فيجوزُ أنْ يكونَ بعْدَ أُمَمٍ مَضَت، فيكونَ هذا بَيانًا لقولِه: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أي: هو الَّذي أوجَدَكم في الأرضِ، فكيف لا يَعلَمُ ما غاب في قُلوبِكم؟! ويَكونَ ما صَدَق [738] الماصَدَق -عندَ المَناطِقةِ-: الأفرادُ الَّتي يَتحقَّقُ فيها معنى الكلِّيِّ، ويُقابِلُه: (المفهوم)، وهو مجموعُ الصِّفاتِ والخصائصِ الموضحةِ لمعنًى كلِّيٍّ. وهو اسمٌ مركَّبٌ تركيبًا مَزجيًّا مِن (ما) و(صَدَقَ) الفعلِ الماضي، جُعِل اسمًا لأفرادِ الكُلِّيِّ، فـ (ماصَدَق الإنسانِ): أفرادُه، مِن زَيدٍ وعَمرٍو وغيرِهما؛ فهو اسمٌ معربٌ. يُنظر: ((حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع)) (1/56)، ((المعجم الوسيط)) (1/511) و (2/704). ضميرِ جماعةِ المخاطَبينَ شاملًا للمؤمنينَ وغيرِهم مِن النَّاسِ. ويجوزُ أنْ يكونَ المعنى: هو الَّذي جعَلَكم مُتصرِّفينَ في الأرضِ، فيَكونَ الكلامُ بِشارةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ اللهَ قدَّرَ أنْ يكونَ المُسلِمونَ أهْلَ سُلْطانٍ في الأرْضِ بعدَ أُمَمٍ تَداوَلَتْ سِيادةَ العالَمِ، ويَظهَرُ بذلك دِينُ الإسْلامِ على الدِّينِ كُلِّه، والجُمْلةُ الاسميَّةُ تُفيدُ تَقَوِّيَ الحُكمِ الَّذي هو جَعْلُ اللهِ المُخاطَبينَ خَلائِفَ في الأرضِ [739] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/322). .
- وقولُه: فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ شَرْطٌ مُسْتَعمَلٌ للدَّلالةِ على عَدَمِ الاهتِمامِ بأمْرِ دوامِهِم على الكُفرِ [740] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/322). .
- وجُمْلةُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا بَيانٌ لِجُمْلةِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ، وكان مُقتَضى ظاهِرِ هذا المَعْنى ألَّا تُعطَفَ عليها؛ لأنَّ البَيانَ لا يُعطَفُ على المُبيَّنِ، وإنَّما خُولِفَ ذلك؛ للدَّلالةِ على الاهتِمامِ بهذا البَيانِ، فجُعِل مُستقِلًّا بالقَصدِ إلى الإخْبارِ به، فعُطِفَتْ على الجُمْلةِ المُبيَّنةِ بمَضْمونِها تَنْبيهًا على ذلك الاستِقْلالِ، وهذا مَقصدٌ يَفوتُ لو تُرِكَ العَطفُ، أمَّا ما تُفيدُه مِن البَيانِ فهو أمْرٌ لا يَفوتُ؛ لأنَّه تَقتضيهِ نِسْبةُ مَعْنى الجُمْلةِ الثَّانيةِ مِن مَعْنى الجُمْلةِ الأُولى [741] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/322). .
- وتَركيبُ جُمْلةِ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا تَركيبٌ عَجيبٌ؛ لأنَّ ظاهِرَه يَقتَضي أنَّ الكافِرينَ كانوا قبْلَ الكُفرِ مَمْقوتينَ عندَ اللهِ لكُفْرِهِم، فلمَّا كَفَروا بعدَ ظُهورِ الحَقِّ زادَهُم كُفرُهم مَقتًا عِندَه، وقد كان المُشرِكونَ يَتَكبَّرونَ على المُسلِمينَ ويُشاقُّونَهم، ويُؤيِّسونَهم مِن الطَّماعيةِ في أنْ يَقبَلوا الإسلامَ بأنَّهم أعظَمُ مِن أنْ يَتَّبِعوهم، وأنَّهم لا يُفارِقون دِينَ آبائِهم، ويَحسَبونَ ذلك مَقتًا منهم للمُسلِمينَ، فجازاهُمُ اللهُ بزِيادةِ المَقْتِ على استِمرارِ الكُفرِ. وكذلك القولُ في معنى قولِه: وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا [742] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/323). .
- وقولُه: وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا تَكْريرُ جُمْلةِ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ؛ لزِيادةِ التَّقريرِ والتَّنبيهِ على أنَّ اقتِضاءَ الكُفرِ لكُلِّ واحِدٍ مِن الأمْرَينِ مُستقِلٌّ باقتِضاءِ قُبحِه، ووُجوبِ التَّجنُّبِ عنه [743] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/260)، ((تفسير أبي السعود)) (7/155)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/164). .
- وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ قال هنا: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ، وقال في آخِرِ سُورةِ (الأنعامِ): وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ [الأنعام: 165] ؛ لأنَّ فى سورةِ (الأنعامِ) تكرَّر ذِكرُ المخاطَبينَ مرَّاتٍ، فعرَّفهم بالإضافةِ؛ وقد جاءَ هنا على الأصلِ [744] يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/200، 388). .
3- قَولُه تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا
- الاستِفهامُ في قولِه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ ... استِفهامٌ تَقريريٌّ، وهو تَمهيدٌ لأنْ يُطلَبَ منهم الإخْبارُ عن شَيءٍ خَلَقَه شُرَكاؤُهم، فصار المرادُ مِن أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ: انْظُروا ما تُخْبِرونَني به مِن أحوالِ خَلْقِهم شيئًا مِن الأرضِ؛ فحصَلَ في قولِه: أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ إجمالٌ فصَّلَه قولُه: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ؛ فتكونُ جُملةُ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا بدَلًا مِن جُملةِ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ بدَلَ اشتمالٍ، أو بدَلَ مُفصَّلٍ مِن مُجمَلٍ [745] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/324). .
- قولُه: شُرَكَاءَكُمُ أُضِيفَ الشُّركاءُ إلى ضَميرِ المخاطَبينَ؛ لأنَّ المرادَ بالشُّركاءِ مَن زَعَموهم شُركاءَ اللهِ في الإلهيَّةِ، أي: الشرُّكاءُ عِندَكم؛ لِظُهورِ أنْ ليس المرادُ أنَّ الأصنامَ شُركاءُ مع المخاطَبينَ بشَيءٍ، فتَمحَّضَت الإضافةُ لمعنى: مُدَّعَيْكُم شُركاءَ للهِ [746] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/324). . وقيل: أضافهم إليهم؛ لأنَّهم -وإن كانوا جعلوهم شُرَكاءَه- لم يَنالوا شيئًا مِن شَرِكتِه؛ لأنَّهم ما نَقَصوه شيئًا مِن مُلكِه، وإنَّما شارَكوا العابِدينَ في أموالِهم بالسَّوائبِ وغَيرِها، وفي أعمالِهم؛ فهم شركاؤُهم بالحقيقةِ لا شُرَكاؤه [747] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/68). .
- والموصولُ والصِّلةُ في قولِه: الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ للتَّنْبيهِ على الخَطَأِ في تلك الدَّعْوةِ، وقَرينةُ التَّخْطِئةِ تَعقيبُه بقولِه: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ؛ فإنَّه أمْرٌ للتَّعْجيزِ؛ إذ لا يَستَطيعونَ أنْ يُرُوهُ شيئًا خَلَقَتْه الأصْنامُ؛ فيكونُ الأمْرُ التَّعْجيزيُّ في قُوَّةِ نَفيِ أنْ خَلَقوا شيئًا ما [748] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/324، 325). .
- قولُه: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ لَمَّا كان مَقَرُّ الأصنامِ في الأرضِ كان مِن الرَّاجِحِ أنْ تتخيَّلَ لهم الأوْهامُ تَصرُّفًا كامِلًا في الأرضِ، فكأنَّهم آلِهةٌ أرضيَّةٌ؛ فلذلك قِيل لهم: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ، أي: فكان تَصرُّفُهم في ذلك تَصرُّفَ الخالقيَّةِ [749] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/325). .
- قولُه: أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ (أم) مُنقطِعةٌ للإضرابِ الانتقاليِّ، وهي تُؤذِنُ باستِفهامٍ بعْدَها، والمعنى: بلْ ألهمْ شِركٌ في السَّمواتِ؟ والسَّمواتُ قَلَّما يَخطُرُ ببالِ المشركينَ أنَّ للأصنامِ تَصرُّفًا في شُؤونِها، ولعلَّهم لم يَدَّعوا ذلك، ولكنْ جاء قولُه: أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ مَجِيءَ تَكْمِلةِ دَليلِ نَفيِ أُلُوهيَّةِ أصنامِ الكُفَّارِ، وذلك على سَبيلِ الفَرْضِ والاحتِمالِ، وقد كانوا يَنسُبونَ للأصنامِ بُنوَّةً للهِ تعالى؛ فمِن أجْلِ ذلك جِيءَ في جانبِ الاستدلالِ على انتفاءِ تأْثيرِ الأصنامِ في العوالِمِ السَّماويَّةِ بإبطالِ أنْ يكونَ لها شِركٌ في السَّمواتِ؛ لأنَّهم لا يَدَّعون لها في مَزاعِمِهم أكثَرَ مِن ذلك [750] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/325، 326). .
- قولُه: أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ فيه انتِفاءُ الحُجَّةِ السَّمعيَّةِ مِن اللهِ تعالى المُثبتةِ آلهةً دونَه، بعدَ إقامةِ البُرهانِ العقليِّ على انتفاءِ إلهيَّةِ الَّذين يَدْعون مِن دونِ اللهِ، وفي ذلك إيماءٌ إلى أنَّ الشِّركَ خَطيرٌ لا بُدَّ في إثباتِه مِن تَعاضُدِ الدَّلائِلِ [751] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/261)، ((تفسير أبي السعود)) (7/155)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/326). .
- والضَّميرُ في آَتَيْنَاهُمْ قيل: إنَّه عائِدٌ على الشُّرَكاءِ؛ لِتَناسُبِ الضَّمائِرِ، أي: هلْ مع ما جُعِلَ شُرَكاءَ للهِ كِتابٌ مِن اللهِ فيه أنَّ لهم شَفاعةً عندَه؟ فإنَّه لا يُشفَعُ عندَه إلَّا بإذْنِه. وقيلَ: عائِدٌ على المُشرِكينَ، ويكونُ الْتِفاتًا خَرَج مِن ضَميرِ الخِطابِ إلى ضَميرِ الغَيْبةِ؛ إعْراضًا عنهم، وتَنزيلًا لهم مَنزِلةَ الغائِبِ الَّذي لا يَصلُحُ للخِطابِ، ومَعْناه: أنَّ عِبادةَ هؤلاء إمَّا بالعَقلِ، ولا عَقْلَ لمَن يَعبُدُ ما لا يَخلُقُ مِن الأرْضِ جُزْءًا مِن الأجْزاءِ، ولا له شِركٌ في السَّماءِ، وإمَّا بالنَّقلِ، ولم نُؤتِ المُشرِكينَ كِتابًا فيه أمْرٌ بعِبادةِ هؤلاء؛ فهذه عِبادةٌ لا عَقليَّةٌ ولا نَقليَّةٌ [752] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/38، 39). .
- ووَصَفَ (البيِّنة) بـ مِنْهُ؛ للدَّلالةِ على أنَّ المرادَ كَونُ الكِتابِ المَفْروضِ إيتاؤُه إيَّاهم مُشتَمِلًا على حُجَّةٍ لهم تُثبِتُ إلِهِيَّةَ الأصْنامِ، وليس مُطلَقَ كِتابٍ يُؤْتَوْنَه أمارةً مِن اللهِ على أنَّه راضٍ منهم بما همْ عليه كدَلالةِ المعجزاتِ على صِدقِ الرَّسولِ، وليست الخوارقُ ناطقةً بأنَّه صادقٌ، فأُرِيدَ: أآتيناهمْ كِتابًا ناطقًا مِثلَ ما آتَيْنا المسلمينَ القرآنَ [753] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/326). ؟
- قولُه: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (بل) للإضرابِ الإبطاليِّ؛ كرَّ على ما سبَقَ الإبطالَ بواسطةِ (بل)، بأنَّ ذلك كلَّه مُنتَفٍ، وأنَّهم لا باعثَ لهم على مَزاعمِهم الباطلةِ إلَّا وَعدُ بعضِهم بعضًا مواعيدَ كاذبةً يَغُرُّ بعضُهم بها بعضًا [754] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/326، 327). .
4- قَولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا استِئْنافٌ مَسوقٌ لبَيانِ غايةِ قُبحِ الشِّركِ، وهو انتِقالٌ مِن نَفيِ أنْ يكونَ لشُرَكائِهم خَلْقٌ أو شِرْكةُ تَصرُّفٍ في الكائِناتِ الَّتي في السَّماءِ والأرضِ، إلى إثْباتِ أنَّه تعالى هو القَيُّومُ على السَّمَواتِ والأرْضِ؛ لِتَبْقَيَا مَوْجودَتَينِ؛ فهو الحافِظُ بقُدرَتِه نِظامَ بَقائِهما. وأكَّدَ هذا الخَبَرَ بحَرفِ التَّوكيدِ (إنَّ)؛ لِتَحْقيقِ مَعْناه، وأنَّه لا تَسامُحَ فيه، ولا مُبالَغةَ [755] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/156)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/327). .
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا الزَّوالُ يُطلَقُ على العَدَمِ، ويُطلَقُ على التَّحوُّلِ مِن مَكانٍ إلى مَكانٍ، ومنه زَوالُ الشَّمسِ عن كَبِدِ السَّماءِ، وقد اختِيرَ هذا الفِعلُ (تزول) هنا دُونَ غَيرِه؛ لأنَّ المَقْصودَ مَعْناهُ المُشتَرَكُ؛ فإنَّ اللهَ يُمسِكُهُما مِن أنْ يُعْدَما، ويُمسِكُهُما مِن أنْ يَتَحوَّلَ نِظامُ حَرَكَتِهِما؛ فاللهُ مُريدٌ استِمْرارَ انتِظامِ حَرَكةِ الكَواكِبِ والأرْضِ على هذا النِّظامِ المُشاهَدِ، وفي هذا إيقاظٌ للبَصائِرِ؛ لِتَعلَمَ ذلك عِلمًا إجْمالِيًّا، وتَتَدبَّرَ في انتِساقِ هذا النِّظامِ البَديعِ [756] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/328). .
- وفي قولِه: وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا أُسنِدَ فِعلُ زَالَتَا إلى السَّمَواتِ والأرْضِ، على تَأْويلِ السَّمَواتِ بسَماءٍ واحِدةٍ. وأُسنِدَ الزَّوالُ إليهما؛ للعِلْمِ بأنَّ اللهَ هو الذي يُزيلُهُما؛ لقَولِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا. وجِيءَ في نَفيِ إمْساكِ أحَدٍ بحَرفِ (مِن) المُؤكِّدةِ للنَّفيِ؛ تَنْصيصًا على عُمومِ النَّكِرةِ في سِياقِ النَّفيِ، أي: لا يَستطيعُ أحَدٌ كائِنًا مَن كان إمْساكَهما وإرْجاعَهما [757] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/39، 40)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/328، 329). .
- وفي ذِكرِ إمْساكِ السَّمَواتِ عن الزَّوالِ بعدَ الإطْنابِ في مُحاجَّةِ المُشرِكينَ وتَفظيعِ غُرورِهِم: تَعْريضٌ بأنَّ ما يَدْعُونَ إليه مِن الفَظاعةِ مِن شَأنِه أنْ يُزَلزِلَ الأرَضينَ، ويُسقِطَ السَّماءَ كِسَفًا؛ لولا أنَّ اللهَ أرادَ بَقاءَهما لِحِكْمةٍ، وهذه دَلالةٌ مِن مُستَتبَعاتِ التَّراكيبِ باعتِبارِ مَثارِ مَقاماتِ التَّكلُّمِ بها. وهو أيضًا تَعريضٌ بالتَّهديدِ؛ ولذلك أُتبِعَ بالتَّذييلِ بوَصْفِ اللهِ تعالى بالحِلمِ والمَغفِرةِ؛ لِمَا يَشملُه صِفةُ الحَليمِ مِن حِلمِه على المُؤمِنينَ ألَّا يُزعِجَهم بفَجائِعَ عَظيمةٍ، وعلى المُشرِكينَ بتَأْخيرِ مُؤاخَذَتِهم؛ فإنَّ التَّأْخيرَ مِن أثَرِ الحِلمِ، وما تَقْتضيهِ صِفةُ الغَفورِ مِن أنَّ في الإمهالِ إعْذارًا للظَّالِمينَ لعلَّهم يَرجِعون [758] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/329). .
- وفِعلُ (كان) المُخبَرُ به عن ضَميرِ الجلالةِ في قَولِه: إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا مُفيدٌ لِتقرُّرِ الاتِّصافِ بالصِّفَتَينِ الحُسْنَيينِ [759] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/329). .