موسوعة التفسير

سورةُ غافِرٍ
الآيات (4-6)

ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ

غريب الكلمات:

يَغْرُرْكَ: أي: يَخدَعْك، والغِرَّةُ: غفلةٌ في اليقظةِ، وأصلُ (غرر) هنا: نُقصانٌ [62] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/279)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/380)، ((المفردات)) للراغب (ص: 603). .
تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ: أي: تَصَرُّفُهم في البِلادِ، وتَردُّدُهم في أسفارِهم سالِمينَ، وأصلُ (قلب): يدُلُّ على رَدِّ شَيءٍ مِن جِهةٍ إلى جِهةٍ [63] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 385)، ((تفسير ابن جرير)) (20/279)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 154)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/17)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 366). .
وَالْأَحْزَابُ: أي: الأُممُ الَّذين تحزَّبوا وتجمَّعوا على رُسلِهم بالتَّكذيبِ، مِن قَولِهم: تحزَّبَ القَومُ: إذا اجتَمَعوا، وأصلُ (حزب): يدُلُّ على تَجمُّعِ الشَّيءِ [64] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 377)، ((تفسير ابن جرير)) (20/32، 280)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 75)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/55)، ((تفسير القرطبي)) (15/155)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 358). .
وَهَمَّتْ: الهمُّ: جَرَيانُ الشَّيءِ في القلبِ، وأصلُ (همم): يدُلُّ على ذَوْبٍ وجَرَيانٍ ودَبيبٍ وما أشْبَهَ ذلك [65] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6 /13)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 153). .
لِيُدْحِضُوا: أي: لِيُبطِلوا ويُذهِبوا، وأصلُ (دحض): يدُلُّ على زَوالٍ [66] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/302)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 220)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/332)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 366)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 988). .
حَقَّتْ: أي: وجَبَتْ ولَزِمَتْ، والحَقُّ في أصلِه: المُطابَقةُ والموافَقةُ، وأصلُ (حَقق): يدُلُّ على إحكامِ الشَّيءِ وصِحَّتِه [67] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/15)، ((المفردات)) للراغب (ص: 246، 247)، ((تحفة الأريب)) لأبي حيان (ص: 107)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 390). .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ
قَولُه: أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ مصدرٌ مُؤَوَّلٌ في محلِّ نَصبٍ أو جَرٍّ بنَزعِ الخافِضِ، وهو لامُ التَّعليلِ، أي: لأنَّهم أصحابُ النَّارِ، ويجوزُ أَنْ يكونَ في محلِّ رَفعٍ بدلًا مِنْ كَلِمَةُ رَبِّكَ بَدَلًا مُطابِقًا أو بدَلَ اشتِمالٍ [68] يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (9/459)، ((الجدول في إعراب القرآن)) لمحمود صافي (24/222)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/88). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: ما يُجادِلُ بالباطِلِ في آياتِ اللهِ إلَّا الكافِرونَ، فلا يَخدَعْك -يا مُحمَّدُ- تصَرُّفُ الكُفَّارِ في الأرضِ، وتمتُّعُهم في الدُّنيا سالِمينَ مع كُفرِهم بالله.
ثُمَّ يقولُ تعالَى مُسَلِّيًا لنبِيِّه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كذَّبَت قَبْلَهم قَومُ نُوحٍ ومَنْ بَعْدَهم مِمَّن تحزَّبوا واتَّفَقوا على رُسُلِهم، وهمَّت كُلُّ أمَّةٍ مِن أولئك الكُفَّارِ المتحَزِّبينَ بقَتلِ رَسولِهم، وجادَلوا رَسولَهم بالباطِلِ؛ لِيُزيلوا به الحَقَّ ويُبطِلوه، فأخَذْتُهم بعذابي، فكيف كان عِقابي؟! وكما وجَبَ العذابُ على كُفَّارِ الأُمَمِ الماضيةِ، كذلك وَجَب العذابُ على جميع الكُفَّارِ؛ أنَّهم في الآخِرةِ أصحابُ النَّارِ.

تفسير الآيات:

مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4).
مناسبة الآية لما قبلها:
لَمَّا قرَّرَ اللهُ تعالى أنَّ القُرآنَ كِتابٌ أنزَلَه؛ ليُهتَدَى به في الدِّينِ- ذكَرَ أحوالَ مَن يُجادِلُ لغَرَضِ إبطالِه، وإخفاءِ أمْرِه، فقال تعالى [69] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/485). :
مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا.
أي: ما يُجادِلُ بالباطِلِ في آياتِ اللهِ الدَّالَّةِ على الحَقِّ إلَّا الكافِرونَ الَّذين يَرُدُّونَها، ويَطعُنونَ فيها، يَقصِدونَ إدحاضَ الحَقِّ، وإطفاءَ نُورِ اللهِ تعالى [70] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/279)، ((تفسير القرطبي)) (15/292)، ((تفسير ابن كثير)) (7/129)، ((تفسير السعدي)) (ص: 731)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/82، 83). .
كما قال الله تعالى: وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [الكهف: 56] .
فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ.
أي: فلا يَخدَعْك -يا مُحمَّدُ- تصَرُّفُ الكُفَّارِ في الأرضِ، وتَردُّدُهم فيها بالأسفارِ وأنواعِ المكاسِبِ وغَيرِها، وتمتُّعُهم في الدُّنيا سالِمينَ مع كُفرِهم بالله؛ فتَظُنَّ بهم ظَنًّا حَسَنًا، وأنَّهم على الحَقِّ، أو أنَّ اللهَ لا يُؤاخِذُهم بذُنوبِهم؛ فاللهُ عالمٌ بحالِهم، فيُمهِلُهم ويَستَدرِجُهم بالنِّعَمِ حتَّى يُهلِكَهم [71] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/279)، ((تفسير القرطبي)) (15/292)، ((تفسير ابن كثير)) (7/129)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/8)، ((تفسير السعدي)) (ص: 731)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/83، 84)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/373، 374). .
كما قال تعالى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران: 196، 197].
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5).
مناسبة الآية لما قبلها:
لَمَّا كان جِدالُ الكفَّارِ ناشئًا عن تَكذيبِ ما جاء به الرَّسولُ عليه السَّلامُ مِن آياتِ اللهِ؛ ذكَرَ مَن كَذَّبَ قَبْلَهم مِنَ الأُمَمِ السَّالِفةِ، وما صار إليه حالُهم مِن حُلولِ نَقِماتِ اللهِ بهم؛ ليَرتَدِعَ بهم كفَّارُ مَن بُعِث الرَّسولُ عليه السَّلامُ إليهم [72] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/236). .
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ.
أي: كذَّبت الأُمَمُ الماضيةُ رُسُلَها مِن قَبْلِ كُفَّارِ قُرَيشٍ، وهم قَومُ نُوحٍ، ومَنْ بَعْدَهم مِنَ الأُمَمِ المكَذِّبةِ مِمَّن تحَزَّبوا واتَّفَقوا على إبطالِ الحَقِّ، ونَصرِ الباطِلِ؛ كعادٍ، وثمودَ، وقَومِ لُوطٍ، وأصحابِ مَدْينَ، وقَومِ فِرعَونَ [73] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/280)، ((تفسير القرطبي)) (15/293)، ((تفسير ابن كثير)) (7/129)، ((تفسير السعدي)) (ص: 732)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/84، 85). قال ابن عثيمين: (هذا كالتَّعليلِ لقولِه: فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ [غافر: 4]، يعني: فلينظر عاقبة مَن كان قبْلَهم حينَ كذَّبوا). ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 74). .
وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ.
أي: وهَمَّ كُلُّ قَومٍ مِن أولئك الكُفَّارِ المتحَزِّبينَ مِن تلك الأُمَمِ بقَتلِ رَسولِهم الَّذي كَذَّبوه [74] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/281)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 940)، ((تفسير القرطبي)) (15/293)، ((تفسير ابن كثير)) (7/129)، ((تفسير السعدي)) (ص: 732)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/86)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 75). وممَّن قال بأنَّ الأخْذَ هنا يعني: القتْلَ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والواحديُّ، وابنُ كثير، والسعديُّ، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/705)، ((تفسير ابن جرير)) (20/281)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 940)، ((تفسير ابن كثير)) (7/129)، ((تفسير السعدي)) (ص: 732)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/85). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ، وقَتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/281)، ((تفسير البغوي)) (4/105). وقيل: المرادُ: الحَبسُ والتَّعذيبُ. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: القرطبي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/293)، ((تفسير الشوكاني)) (4/552). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 77). وقال الزمخشري: (لِيَأْخُذُوهُ لِيَتمكَّنوا منه، ومِن الإيقاعِ به، وإصابَتِه بما أرادوا مِن تعذيبٍ أو قَتلٍ؛ ويُقالُ للأسيرِ: أخِيذٌ). ((تفسير الزمخشري)) (4/151). واختار الرَّازيُّ العُمومَ، فقال: (وقولُه: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ أي: وعَزَمتْ كلُّ أُمَّةٍ مِن هؤلاءِ الأحزابِ أنْ يأخُذوا رسولَهم لِيَقْتُلوه ويُعَذِّبوه ويَحْبِسوه). ((تفسير الرازي)) (27/486). وممَّن اختار العمومَ أيضًا: أبو حيَّان، والألوسي. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/236)، ((تفسير الألوسي)) (12/298). .
كما قال تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: 30] .
وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ.
أي: وجادَلوا رَسولَهم بالباطِلِ؛ لِيُزيلوا به الحَقَّ ويُبطِلوه [75] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/281)، ((تفسير القرطبي)) (15/293)، ((تفسير ابن كثير)) (7/129). .
فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ.
أي: فأخَذْتُهم بعَذابٍ أهلَكَهم، فكيف كان عِقابي الَّذي أصابَهم [76] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/281)، ((تفسير القرطبي)) (15/293)، ((تفسير ابن كثير)) (7/130)، ((تفسير السعدي)) (ص: 732)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/87). قال ابن كثير: (أي: فكيف بلَغَك عذابي لهم، ونَكالي بهم؟! قد كان شديدًا مُوجِعًا مُؤلِمًا). ((تفسير ابن كثير)) (7/129). ويُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 732). ؟
كما قال تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40] .
وقال سُبحانَه: وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [الملك: 18] .
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6).
أي: وكما وَجَب العَذابُ على كُفَّارِ الأُمَمِ الماضيةِ، كذلك وَجَب العَذابُ على جَميعِ الكُفَّارِ؛ أنَّهم الملازِمونَ في الآخِرةِ عَذابَ النَّارِ [77] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/282)، ((تفسير الزمخشري)) (4/151)، ((تفسير ابن عطية)) (4/547)، ((تفسير ابن كثير)) (7/129)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/11). قال الشنقيطي: (المراد بالكلمةِ هو قولُه تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، كما دلَّت على ذلك آياتٌ مِن كتابِ الله تعالى؛ كقولِه تعالى في آخرِ سورةِ «هود»: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 118، 119]، وقولِه تعالى في «السجدة»: وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة: 13]، وقولِه تعالى في أخريات «ص»: قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 84، 85]). ((أضواء البيان)) (6/287) بتصرف. وممَّن اختار أنَّ كلمةَ العذابِ هي قولُه تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والزَّجَّاجُ، ومكِّي، وابنُ الجوزي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/706)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/367)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (10/6401)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/31). قال ابنُ القَيِّم: (الكَلِمةُ التي حَقَّت كَلِمتانِ: كلمةُ الإضلالِ، وكَلِمةُ العذابِ، كما قال تعالى: وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر: 71]، وكَلِمتُه سُبحانَه إنَّما حَقَّت عليهم بالعذابِ؛ بسَبَبِ كُفرِهم، فحَقَّت عليهم كَلِمةُ حُجَّتِه، وكَلِمةُ عَدلِه بعُقوبتِه). ((مدارج السالكين)) (1/234). وقال السعدي: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أي: كما حقَّتْ على أولئك، حقَّتْ عليهم كلمةُ الضَّلالِ الَّتي نشأت عنها كلمةُ العذابِ؛ ولهذا قال: أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 732). وقال الزمخشري: (كما وجَب إهلاكُ أولئك الأُمَمِ، كذلك وجَب إهلاكُ هؤلاء؛ لأنَّ عِلَّةً واحدةً تَجمَعُهم: أنَّهم مِن أصحابِ النَّارِ). ((تفسير الزمخشري)) (4/151). ويُنظر: ((تفسير الألوسي)) (12/298). وممَّن اختار أنَّ قولَه: أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ للتَّعليلِ، أي: لأنَّهم أصحابُ النَّارِ، أو لأجْلِ أنَّهم مُستحِقُّونَ للنَّارِ: الزمخشري، والشوكاني، والألوسي، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/151)، ((تفسير الشوكاني)) (4/552)، ((تفسير الألوسي)) (12/298)، ((تفسير القاسمي)) (8/302). قال ابن عاشور: (وقولُه: أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ يجوزُ أن يكونَ بدَلًا مِن كَلِمَةُ رَبِّكَ بدلًا مطابِقًا، فيكونَ ضميرُ أَنَّهُمْ عائدٌ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا، أي: حَقَّ عليهم أن يَكونوا أصحابَ النَّارِ). ((تفسير ابن عاشور)) (24/88). وقال ابن جرير: (اختلَف أهلُ العربيَّةِ في موضعِ قَولِه: أَنَّهُمْ؛ فقال بعضُ نَحْوِيِّي البَصرةِ: معنى ذلك: حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ: أي: لأنَّهم، أو: بأنَّهم،... وكان غيرُه يقولُ: أَنَّهُمْ بدَلٌ مِن الكلمةِ، كأنَّه: حَقَّتِ الكلمةُ حقًّا أنَّهم أصحابُ النَّارِ. والصَّوابُ مِن القولِ في ذلك أنَّ قولَه: أَنَّهُمْ ترجمةٌ عن الكلمةِ، بمعنى: وكذلك حقَّ عليهم عذابُ النَّارِ، الَّذي وعَد اللهُ أهلَ الكفرِ به). ((تفسير ابن جرير)) (20/282، 283). .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس: 96، 97].

الفوائد التربوية:

1- قَولُ الله تعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فيه أنَّ الجِدالَ في تَقريرِ الباطِلِ مَذمومٌ [78] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/486). .
2- قَولُ الله تعالى: فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ فيه أنَّه لا يَنبغي للإنسانِ أن يَغتَرَّ بحالةِ الإنسانِ الدُّنيويَّةِ، ويَظُنَّ أنَّ إعطاءَ اللهِ إيَّاه في الدُّنيا دليلٌ على محبَّتِه له، وأنَّه على الحَقِّ! بل الواجِبُ على العَبدِ أن يَعتبِرَ النَّاسَ بالحَقِّ، ويَنظُرَ إلى الحقائِقِ الشَّرعيَّةِ، ويَزِنَ بها النَّاسَ، ولا يَزِنَ الحَقَّ بالنَّاسِ [79] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 731). ، فإنَّ بَعضَ المُسلِمينَ ضُعفاءِ الإيمانِ انبَهَروا بما عليه الكُفَّارُ، وظَنُّوا أنَّ ما هم عليه مِن تحَلُّلِ الأخلاقِ، وفَسادِ العقائِدِ، والكُفرِ: هو الَّذي أوجَبَ أن يَكونوا على هذا المُستوى مِن التَّقَدُّمِ المادِّيِّ، فانبَهَروا بذلك، وانفَلَتوا مِنَ الدِّينِ [80] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 70). !

الفوائد العلمية واللطائف:

1- مُعارَضةُ أقوالِ الرُّسُلِ بأقوالِ غَيرِهم: مِن فِعلِ الكُفَّارِ، كما قال تعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، وكُلُّ مَن عارَضَ القُرآنَ وجادَلَ في ذلك بعَقلِه ورَأيِه، فهو داخِلٌ في ذلك، وإنْ لم يَزعُمْ تَقديمَ كَلامِه على كَلامِ اللهِ ورَسولِه، بل إذا قال ما يُوجِبُ المِرْيةَ والشَّكَّ في كلامِ اللهِ فقد دخَلَ في ذلك، فكيفَ بمَن يَزعُمُ أنَّ ما يَقولُه بعَقلِه ورَأيهِ مُقَدَّمٌ على نُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ [81] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (5/206). ؟!
2- في قَولِه تعالى: تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ أنَّ اللهَ تعالى يُمْلي للكفَّارِ، ويُمهِلُهم ويُمَكِّنُهم مِن التَّقلُّبِ في البلادِ حيث شاؤُوا [82] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 70). .
3- في قَولِه تعالى: وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ جعَل سبحانَه الأحزابَ المكذِّبينَ كلَّهم مِن بَعدِ قَومِ نوحٍ، وهذا يدُلُّ على أنَّ نوحًا عليه السَّلامُ هو أوَّلُ الرُّسلِ، وهذا أمرٌ معلومٌ متقرِّرٌ في عدَّةِ آياتٍ وفي الأحاديثِ أيضًا، وبه نَعلَمُ أنَّ مَن زعَم أنَّ إدريسَ عليه السَّلامُ كان قبْلَ نوحٍ عليه السَّلامُ فإنَّه مخطئٌ، ولا وجْهَ لقولِه [83] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 78). .
4- في قَولِه تعالى: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ بيانُ ما تَنطوي عليه صدورُ المكذِّبينَ للرُّسلِ مِن الهَمِّ بقتلِهم، يعني: أنَّ المكذِّبِينَ للرُّسلِ لم يَقتصِروا على أنْ يُكذِّبوا فقط، بل هَمُّوا بالقتلِ، والقتلُ والاغتيالُ والسَّجنُ والسَّبُّ والشَّتمُ كلُّه سلاحُ العاجزِ؛ لأنَّ القادرَ على دفْعِ الحُجَّةِ هو الَّذي يَدفَعُ الحُجَّةَ بحُجَّةٍ مِثلِها، أمَّا أن يَستعمِلَ سُلطتَه فهذا يدُلُّ على عجْزِه؛ ولهذا قال فِرعَونُ لموسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء: 29] ، وقال أبو إبراهيمَ «آزَرُ»: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ [84] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 78). [مريم: 46] .
5- في قَولِه تعالى: وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ إثباتُ الأسبابِ؛ لقولِه: فَأَخَذْتُهُمْ؛ لأنَّ الفاءَ للسَّببيَّةِ، وإثباتُ الأسبابِ حقٌّ، وهو مقتضَى حِكمةِ الله عزَّ وجلَّ [85] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 78). .
6- في قَولِه تعالى: حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ إثباتُ تقديرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ للأشياءِ، أي: إثباتُ أنَّ الأشياءَ قد كُتِبَت مِن قَبْلُ، وهذا لا يُنافي إرسالَ الرُّسُلِ، ولا يُنافي الأمرَ بما أَمَر به، ولا النَّهيَ عمَّا نهى اللهُ عنه؛ لأنَّ اللهَ تعالى أعطى الإنسانَ عَقلًا ورُشدًا وبَصيرةً يَعرِفُ كيف يَتصَرَّفُ، فإذا أُرسِلَت الرُّسُلُ مع الفِطرةِ الأُولى ثمَّ عانَدَ، فقد قامت عليه الحُجَّةُ [86] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 83). .
7- في قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ إثباتُ الكلامِ لله؛ لقولِه: كَلِمَةُ رَبِّكَ، ومِن عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أنَّ اللهَ تعالى يَتكلَّمُ بكلامٍ مَسموعٍ، وبحَرْفٍ [87] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 83). .
8- في قولِ الله تعالى: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ عنايةُ الله عزَّ وجلَّ برسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حيثُ أضاف إليه الرُّبوبيَّةَ، فقال: رَبِّكَ، وهذه الرُّبوبيَّةُ خاصَّةٌ؛ لأنَّ رُبوبيَّةَ الله عزَّ وجلَّ نَوعانِ: عامَّةٌ وخاصَّةٌ، فالعامَّةُ: الشَّامِلةُ لكلِّ شَيءٍ، والخاصَّةُّ: المُختصَّةُ بما أُضيفَتْ له [88] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 85). .
9- في قَولِ اللهِ تعالى: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ خُلودُ الَّذين كَفَروا في النَّارِ؛ لِقَولِه تعالى: أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ، ووَجْهُ ذلك: أنَّ الصُّحبةَ تَقتضي المُلازَمةَ، ولا يُمكِنُ أن تكونَ أَصْحَابُ النَّارِ لِمَن تُوُعِّدوا بدُخولِ النَّارِ ثمَّ يُخرَجونَ منها، إنَّما تكونُ لِمَن هم أهلُ النَّارِ الَّذين هم أهلُها وأصحابُها [89] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 83، 85). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ
- قولُه: مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا استِئنافٌ بَيانيٌّ نشَأَ مِن قَولِه: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [غافر: 2] ، المُقتَضي أنَّ كَوْنَ القرآنِ مُنَزَّلًا مِن عِندِ اللهِ أمْرٌ لا رَيبَ فيه، فيَنشأُ في نُفوسِ السَّامِعينَ أنْ يَقولوا: فما بالُ هؤلاء المُجادِلينَ في صِدقِ نِسبةِ القرآنِ إلى اللهِ لم تُقنِعْهم دَلائلُ نُزولِ القرآنِ مِنَ اللهِ؟ فأُجيبَ بأنَّه ما يُجادِلُ في صِدقِ القرآنِ إلَّا الَّذينَ كَفَروا باللهِ. وإذْ قد كان كُفْرُ المُكَذِّبينَ بالقرآنِ أمرًا معلومًا، كان الإخبارُ عنهم بأنَّهم كافِرونَ غيْرَ مَقصودٍ منه إفادةُ اتِّصافِهم بالكُفرِ؛ فتعَيَّنَ أنْ يَكونَ الخبَرُ غيْرَ مُستعمَلٍ في فائدةِ الخبَرِ، لا بمَنطوقِه ولا بمَفهومِه؛ فإنَّ مَفهومَ الحَصرِ -وهو أنَّ الَّذينَ آمَنوا لا يُجادِلونَ في آياتِ اللهِ- كذلك أمْرٌ مَعلومٌ مُقرَّرٌ، فيَجوزُ أنْ يُجعَلَ المُرادُ بالَّذينَ كَفَروا نَفْسَ المُجادِلينَ في آياتِ اللهِ، وأنَّ المُرادَ بكُفرِهم كُفْرُهم بوَحدانيَّةِ اللهِ بسببِ إشراكِهم، فالمَعنى: لا عَجَبَ في جِدالِهم بآياتِ اللهِ؛ فإنَّهم أتَوْا بما هو أعظَمُ، وهو الإشراكُ. ويَجوزُ أنْ يُجعَلَ المُرادُ بالَّذينَ كَفَروا جميعَ الكافِرينَ باللهِ مِنَ السَّابِقينَ والحاضِرينَ، أي: ما الجَدَلُ في آياتِ اللهِ إلَّا مِن شأنِ أهْلِ الكُفرِ والإشراكِ، ومُجادَلةُ مُشرِكي مكَّةَ شُعْبةٌ مِن شُعَبِ مُجادَلةِ كلِّ الكافِرينَ؛ فيَكونَ استِدلالًا بالأعَمِّ على الخاصِّ. وعلى كِلا الوَجهَينِ تُرِكَ عَطفُ هذه الجُملةِ على الَّتي قَبْلَها [90] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/81، 82). .
- والمُرادُ بالمُجادَلةِ هنا في قولِه: مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا المُجادَلةُ بالباطِلِ، بقَرينةِ السِّياقِ؛ فمعنى فِي آَيَاتِ اللَّهِ في صِدقِ آياتِ اللهِ، بقَرينةِ قَولِه: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [غافر: 2] ؛ فتعَيَّنَ تَقديرُ مُضافٍ دَلَّ عليه المَقامُ [91] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/82). .
- وصِيغةُ المُفاعَلةِ يُجَادِلُ؛ للمُبالَغةِ في الفِعلِ مِن جانبٍ واحدٍ؛ لإفادةِ التَّكرُّرِ [92] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/82). .
- ولِتَعلُّقِ (في) الظَّرفيَّةِ بالجِدالِ، ولِدُخولِه على نفْسِ الآياتِ دُونَ أحوالِها في قَولِه: مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ؛ مَوقِعٌ عظيمٌ مِنَ البَلاغةِ؛ لأنَّ الظَّرفيَّةِ تَحوي جميعَ أصنافِ الجِدالِ. وجُعِل مَجرورُ الحَرفِ نفْسَ الآياتِ دُونَ تَعيينِ نَحوِ «صِدقِها»، أو «وُقوعِها»، أو «صِنفِها»؛ فكان قَولُه: فِي آَيَاتِ اللَّهِ جامِعًا للجدَلِ بأنواعِه، ولمُتعلَّقِ الجدَلِ باختِلافِ أحوالِه، والمرادُ الجِدالُ بالباطلِ؛ كما دَلَّ عليه تَنظيرُ حالِهم بحالِ مَن قال فيهم: وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ [غافر: 5] ، فإذا أُريدَ الجِدالُ بالحقِّ يُقَيَّدُ فِعلُ الجِدالِ بما يدُلُّ عليه، والمعنى: ما يُجادِلُ في آياتِ اللهِ أنَّها مِن عِندِ اللهِ؛ فإنَّ القرآنَ تَحدَّاهم أنْ يأتوا بمِثلِه فعَجَزوا، وإنَّما هو تَلفيقٌ وتَسَتُّرٌ عن عَجزِهم عن ذلك، واعتِصامٌ بالمُكابَرةِ، فمُجادَلتُهم بعدَ ما تَقدَّمَ مِنَ التَّحدِّي دالَّةٌ على تَمكُّنِ الكفرِ منهم، وأنَّهم مُعانِدونَ، وبذلك حصَلَ المقصودُ مِن فائدةِ هذا، وإلَّا فكَوْنُهم كُفَّارًا مَعلومٌ [93] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/82، 83). .
- وإظهارُ اسمِ الجَلالةِ في قَولِه: آَيَاتِ اللَّهِ دُونَ أنْ يَقولَ: (في آياتِه)؛ لتَفظيعِ أمْرِها بالصَّريحِ؛ لأنَّ ذِكرَ اسمِ الجَلالةِ مؤْذِنٌ بتَفظيعِ جِدالِهم وكُفرِهم، وللتَّصريحِ بزِيادةِ التَّنويهِ بالقرآنِ [94] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/83). .
- وفُرِّع قَولُه: فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ على مَضمونِ مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا؛ لأنَّ مُقتَضى تلك الجُملةِ أنَّ المُجادِلينَ في آياتِ اللهِ هُم أهلُ الكفرِ، وذلك مِن شأنِه أنْ يُثيرَ في نفْسِ مَن يَراهُم في متعةٍ ونِعمةٍ أنْ يَتساءَلَ في نفْسِه: كيف يَترُكُهمُ اللهُ على ذلك؟ ويَظُنَّ أنَّهم أَمِنوا مِن عَذابِ اللهِ؛ ففُرِّع عليه الجَوابُ فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ، أي: إنَّما هو استِدراجٌ ومِقدارٌ مِن حِلمِ اللهِ ورحمتِه بهم وقتًا ما، أو أنَّ مَعناهُ: نحنُ نعلمُ أنَّهم يُجادِلونَ في آياتِنا إصرارًا على الكُفرِ، فلا يُوهِمْكَ تَقلُّبُهم في البلادِ أنَّا لا نؤاخِذُهم بذلك؛ فإنَّا نأخُذُهم أَخْذَ عزيزٍ مُقتَدِرٍ [95] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/150)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/459)، ((تفسير أبي السعود)) (7/266)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/83). .
- والتَّقلُّبُ: اختِلافُ الأحوالِ، وهو كِنايةٌ عن تَناوُلِ مَحبوبٍ ومَرغوبٍ. والبِلادُ: الأرضُ، وأُريدَ بها هنا الدُّنيا؛ كِنايةً عن الحَياةِ [96] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/83). .
- والمُخاطَبُ بالنَّهيِ في قَولِه: فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ يَجوزُ أنْ يَكونَ غيْرَ مُعَيَّنٍ؛ فيَعُمَّ كلَّ مَن شأنُه أنْ يَغُرَّه تَقَلُّبُ الَّذينَ كَفَروا في البِلادِ، وعلى هذا يَكونُ النَّهيُ جاريًا على حقيقةِ بابِه، أي: موَجَّهًا إلى مَن يُتَوقَّعُ منه الغُرورُ. ويَجوزُ أنْ يَكونَ الخِطابُ موَجَّهًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، على أنْ تَكونَ صيغةُ النَّهيِ تَمثيليَّةً؛ بتَمثيلِ حالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في استِبطائِه عِقابَ الكافِرينَ بحالِ مَن غَرَّهُ تَقَلُّبُهم في البِلادِ سالِمينَ [97] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/83، 84). . أو يكونَ نهَى اللهُ جلَّ وعلا نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الآيةِ الكريمةِ -ليُشرِّعَ لأُمَّتِه- عن أنْ يُغرَّه تقلُّبُ الَّذين كفَروا في بلادِ الله [98] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/373). .
2- قولُه تعالَى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
- قولُه: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ ... بيانٌ لجُملةِ فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ [غافر: 4] ، باعتِبارِ التَّفريعِ الواقِعِ عَقِبَ هاتِهِ الجُمَلِ مِن قَولِه: فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ؛ فالمَعنى: سبَقَتْهم أُمَمٌ بتَكذيبِ الرُّسُلِ كما كَذَّبوكَ، وجادَلوا بالباطِلِ رُسُلَهم كما جادَلَكَ هؤلاء، فأخَذْتُهم، فكيف رأيْتَ عِقابي إيَّاهُم؟ كذلك مثلُ هؤلاء في إمهالِهم إلى أنْ آخُذَهُم [99] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/84). .
- وبَدأ بقَومِ نوحٍ؛ إذْ كان عليه السَّلامُ أوَّلَ رَسولٍ في الأرضِ، وعطَفَ على قَومِه الأحزابَ، وهُمُ الَّذينَ تَحزَّبوا على الرُّسُلِ ولم يَقْبَلوا ما جاؤُوا به مِن عِندِ اللهِ، ومنهم: عادٌ، وثَمودُ، وفِرعونُ وأتْباعُه [100] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/236). .
- قولُه: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ قال: (هَمَّتْ)، ثمَّ بيَّن أنَّهم هَمُّوا بأخْذِ رسولِهم؛ فكان فيه إجمالٌ، وأَعقَبَه تَفصيلٌ. واختِيرَ الفِعلُ لِيَأْخُذُوهُ هنا؛ لِيَشملَ مُختلفَ ما همَّتْ به كُلُّ أمَّةٍ برَسولِها؛ مِن قتلٍ أو غيرِه [101] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/85). .
- وفي قولِه: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ قُدِّمَ الهَمُّ بالأخذِ على الجِدالِ بالباطِلِ؛ لأنَّ الرُّسُلَ لَمَّا عصَمَهمُ اللهُ منهم أنْ يَقتُلوهم رَجَعوا إلى الجِدالِ بالباطِلِ [102] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/236). .
- والباءُ في بِالْبَاطِلِ للمُلابَسةِ، أي: جادَلوا مُلابِسينَ للباطِلِ، أو الباءُ للآلةِ، بتَنزيلِ الباطِلِ مَنزِلةَ الآلةِ لجِدالِهم [103] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/86). .
- ويُفهَمُ مِن تَفريعِ قَولِه: فَأَخَذْتُهُمْ على قَولِه: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ إنذارُ المُشرِكينَ أنَّ هَمَّهم بقَتلِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو مُنتهَى أمَدِ الإمهالِ لهم، فإذا صَمَّموا العَزمَ على ذلك أخَذَهمُ اللهُ كما أخَذَ الأُمَمَ المُكَذِّبةَ قَبْلَهم حينَ همَّتْ كلُّ أمَّةٍ برسولِهم لِيأخُذوه؛ فإنَّ قُرَيشًا لَمَّا هَمُّوا بقتلِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَنْجاهُ اللهُ منهم بالهِجرةِ، ثمَّ أمكَنَه مِن نَواصيهم يَومَ بَدرٍ؛ فالمقصودُ مِن تَعدادِ جرائمِ الأُمَمِ السَّابِقةِ؛ مِن تَكذيبِ الرُّسُلِ، والهَمِّ بقَتلِهم، والجِدالِ بالباطِلِ: تَنظيرُ حالِ المُشرِكينَ النَّازِلِ فيهم قَولُه: مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4] بحالِ الأُمَمِ السَّابِقينَ سَواءً؛ لِيَنطبِقَ الوعيدُ على حالِهم أكمَلَ انطِباقٍ في قَولِه: فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ [104] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/86). .
- قولُه: فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ الاستِفهامُ بـ (كيف) مُستعمَلٌ في التَّعجُّبِ مِن حالةِ العِقابِ، واستِعظامٌ لِما حَلَّ بهم، وذلك يَقتَضي أنَّ المُخاطَبَ بالاستِفهامِ قد شاهَدَ ذلك الأخْذَ والعِقابَ، وإنَّما بُنيَ ذلك على مُشاهَدةِ آثارِ ذلك الأخْذِ في مُرورِ الكثيرِ على دِيارِهم في الأسفارِ، وفي سَماعِ الأخبارِ عن نُزولِ العِقابِ بهم وتَوصيفِهم، فنُزِّلَ جميعُ المُخاطَبينَ مَنزِلةَ مَن شاهَدَ نُزولَ العَذابِ بهم؛ ففي هذا الاستِفهامِ تَحقيقٌ وتَثبيتٌ لمَضمونِ جُملةِ فَأَخَذَتْهُمُ. ويَجوزُ أنْ يَكونَ في هذا الاستِفهامِ معنَى التَّقريرِ؛ بِناءً على أنَّ المَقصودَ بقَولِه: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ إلى قَولِه: فَأَخَذَتْهُمُ التَّعريضُ بتَهديدِ المُشرِكينَ مِن قُرَيشٍ، بتَنبيهِهم على ما حَلَّ بالأُمَمِ قَبْلَهم؛ لأنَّهم أمثالُهم في الإشراكِ والتَّكذيبِ؛ فلذلك يَكونُ الاستِفهامُ عمَّا حَلَّ بنُظَرائِهم تَقريريًّا لهم بذلك [105] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/151)، ((تفسير البيضاوي)) (5/52)، ((تفسير أبي حيان)) (9/236)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/87). .
- وقولُه: فَأَخَذَتْهُمُ أي: بالعِقابِ؛ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ؛ فالأخْذُ واقعٌ موقعَ العِقابِ، وهذا بِناءً على أنَّ الاستِفهامَ تقريريٌّ، وعلى القول بأنَّه للتَّعظيمِ يكونُ معنَى: فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ أي: فما أعْظَمَ عِقابي وأشَدَّه، حيثُ أزالهم عن آخِرِهم [106] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 77، 78). ! ولَمَّا كان أخْذُه عظيمًا، دلَّ على عظَمتِه بأنَّه أهلٌ لأنْ يُسأَلَ عن حالِه؛ لزِيادةِ عَظَمةِ الأخْذةِ في قوَّةِ بطْشِها، وسُرعةِ إهلاكِها، وخرْقِها للعوائدِ؛ فقال: فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ [107] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/10). .
3- قولُه تعالَى: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ
- قولُه: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا الواوُ عاطفةٌ على جملةِ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ، أي: ومِثلُ ذلك الحقِّ حَقَّتْ كَلِماتُ ربِّكَ؛ فالمُشارُ إليه المَصدرُ المأخوذُ مِن قَولِه: حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ، وهو يُفيدُ أنَّ المُشَبَّهَ بلَغَ الغايةَ في وَجهِ الشَّبَهِ، حتَّى لو أرادَ أحَدٌ أنْ يُشَبِّهَه لم يُشَبِّهْهُ إلَّا بنفْسِه. ويجوزُ جعْلُ المُشارِ إليه الأخْذَ المأخوذَ مِن قَولِه: فَأَخَذَتْهُمُ [غافر: 5] ، أيْ: ومِثلُ ذلك الأخذِ الَّذي أخَذَ اللهُ به قَومَ نوحٍ والأحزابَ مِن بَعدِهم حَقَّتْ كَلِماتُ اللهِ على الَّذين كفَروا، فعُلِمَ مِن تَشبيهِ تَحقُّقِ كَلِماتِ اللهِ على الَّذين كَفَروا بذلك الأخذِ؛ لأنَّ ذلك الأخْذَ كان تَحقيقًا لكَلِماتِ اللهِ، أي: تَصديقًا لِمَا أخبَرَهم به مِنَ الوَعيدِ، فالمُرادُ بالَّذينَ كَفَروا جميعُ الكافِرينَ، فالكلامُ تَعميمٌ بعْدَ تَخصيصٍ، فهو تَذْييلٌ؛ لأنَّ المُرادَ بالأحزابِ الأُمَمُ المَعهودةُ الَّتي ذُكِرتْ قِصَصُها؛ فيَكونُ الَّذِينَ كَفَرُوا أعَمَّ، وبذلك يَكونُ التَّشبيهُ في قَولِه: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا جاريًا على أصلِ التَّشبيهِ مِنَ المُغايَرةِ بيْن المُشَبَّهِ والمُشَبَّهِ به. ويَجوزُ أنْ يَكونَ المُرادُ بـ الَّذِينَ كَفَرُوا عَيْنَ المُرادِ بقَولِه آنِفًا: مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4] ، أي: مِثلُ أخْذِ قَومٍ نوحٍ والأحزابِ حَقَّتْ كَلِماتُ ربِّكَ على كفَّارِ قَومِكَ، أيْ: حَقَّتْ عليهم كَلِماتُ الوَعيدِ إذا لم يُقلِعوا عن كُفرِهم [108] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/87، 88). .
- قولُه: كَلِمَةُ رَبِّكَ قُرئَ بالإفرادِ، وقُرِئ بصيغةِ الجَمعِ كَلِمَاتُ [109] قرأ نافعٌ وابنُ عامرٍ وأبو جعفرٍ بالجَمعِ كَلِمَاتُ، والباقون بالإفرادِ. يُنظر: ((المبسوط في القراءات العشر)) لأبي بكر الأصبهاني (ص: 388)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 627)، ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/262). ، والإفرادُ هنا مُساوٍ للجَمعِ؛ لأنَّ المُرادَ به الجِنسُ، بقَرينةِ أنَّ الضَّميرَ المَجرورَ بـ عَلَى تَعلَّقَ بفِعلِ حَقَّتْ، وهو ضَميرُ جَمعٍ؛ فلا جَرَمَ أنْ تَكونَ الكَلِمةُ جِنسًا صادقًا بالمُتَعدِّدِ بحسَبِ تَعدُّدِ أزمانِ كَلِماتِ الوَعيدِ، وتَعدُّدِ الأُمَمِ المُتوعَّدةِ [110] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/88). .
- قولُه: أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ يَجوزُ أنْ يَكونَ بدَلًا مِن كَلِمَةُ رَبِّكَ بدَلًا مُطابِقًا؛ فيَكونَ ضَميرُ أَنَّهُمْ عائدًا إلى الَّذِينَ كَفَرُوا، أي: حَقَّ عليهم أنْ يَكونوا أصحابَ النَّارِ، وفي هذا إيماءٌ إلى أنَّ اللهَ غيرُ مُعاقِبٍ أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ (أمَّةَ الدَّعوةِ) بالاستِئصالِ؛ لأنَّه أراد أنْ يُخرِجَ منهم ذُرِّيَّةً مؤمِنينَ. ويَجوزُ أنْ يَكونَ المعنى: لأنَّهم أصحابُ النَّارِ، على تقديرِ لامِ تَعليلٍ مَحذوفةٍ على طَريقةِ كَثرةِ حَذفِها قبْلَ (أنَّ)؛ فيَكونَ ضميرُ أَنَّهُمْ عائدًا إلى جميعِ ما ذُكِر قَبْلَه مِن قَومِ نوحٍ والأحزابِ مِن بَعدِهم ومِنَ الَّذينَ كَفَروا. وقيل: الَّذِينَ كَفَرُوا قُرَيشٌ، ومَعناهُ: كما وجَبَ إهلاكُ أولئك الأُمَمِ، كذلك وجَبَ إهلاكُ هؤلاء؛ لأنَّ عِلَّةً واحدةً تَجمَعُهم: أنَّهم مِن أصحابِ النَّارِ [111] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/151)، ((تفسير أبي حيان)) (9/236)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/88). .