موسوعة التفسير

سُورةُ النِّساءِ
الآيات (49- 57)

ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ

غريبُ الكَلِمات:

يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ: أي: يَمدحُونها ويُثنون عليها، مِن التَّزكية، وأصلُ الزَّكاة: النَّماءُ والزِّيادة يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 31)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/17)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 65)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي(8/542). .
فَتِيلًا: الفَتِيل: القِشرةُ الَّتي في بطن النَّواة، وسُمِّي ما يكونُ في شَقِّ النَّواة فتيلًا؛ لكونِه على هيئته، وقيل: الفتيل: ما يُفتَلُ بالإصبعِ مِن الوسَخِ الَّذي يخرُجُ منه، وأصل (فتل): يدلُّ على ليِّ شيء يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 259)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 360)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/472)، ((المفردات)) للراغب (ص: 623)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 140)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 698، 701). .
يَفْتَرُونَ: يَختلِقون، ويَكذِبون؛ فـ(الافتراء) الاختِلاقُ، وهو ما عظُم مِن الكَذبِ، ومِنه قيل: افترَى فلانٌ على فلانٍ، إذا قذَفَه بما ليسَ فيه، ويُستَعمَل في القُرآنِ في الكَذِب والشِّركِ والظُّلم، وأصلُ (فري) قَطْعُ الشَّيءِ، ومِن ذلك: فَرَيت الشيءَ أفْريه فَرْيًا، وهو قطعُه لإصلاحِه، وأفريتَه: إذا أنت قطعتَه للإفسادِ، والافتِراءُ فيهما، وفي الإفسادِ أكثرُ يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 31، 128، 280)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 102، 460)، ((المفردات)) للراغب (ص: 634- 635)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 154). .
بِالْجِبْتِ: الجِبْت لفظٌ يُستعمل في كُلِّ باطل، ومن ذلك: كلُّ معبودٍ سوى اللهِ جلَّ اسمُه، من صُورةٍ أو شيطان، ويُطلق أيضًا على السَّاحر، والكاهن، والشَّيطان، والكافِر المعاند الَّذي لا خيرَ فيه يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 128، 181)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/500)، ((المفردات)) للراغب (ص: 182)، ((تفسير الراغب)) (3/1272)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 140)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 357). .
وَالطَّاغُوتِ: هو كلُّ مَعبودٍ من دونِ الله؛ من حَجَرٍ أو صورة أو شيطان، ويُطلَق على السَّاحر، والكاهن، والماردِ من الجِنِّ، والصَّارفِ عن طريق الخيرِ، والطَّاغوت من الإنس والجِنِّ شياطينُهم، يكون واحدًا وجمعًا، واشتقاقُه من الطُّغيان، وأصله: مجاوزةُ الحدِّ في العصيانِ يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 128)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 316)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/412)، ((المفردات)) للراغب (ص: 521)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 113). .
نَقِيرًا: النَّقير: النَّقرة الَّتي في ظَهرِ النَّواة، ويُضرَبُ به المَثَلُ في الشَّيء الطَّفِيف، والنَّقر: قرعُ الشَّيء المفضِي إلى النَّقب يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 460)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/468)، ((المفردات)) للراغب (ص: 821)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 140). .
صَدَّ عَنْهُ: أي: أعرَض وانصرَف عنه، والصَّدُّ قد يكونُ انصرافًا عن الشَّيء وامتناعًا؛ إذا كان لازمًا غيرُ مُتعدٍّ، وقد يكونُ صرفًا ومنعًا؛ إذا كان مُتعدِّيًا بمعنى صَدَّ غيرَه. وأصل (صد): إعراضٌ وعدولٌ يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/282)، ((المفردات)) للراغب (ص: 477). .
نَضِجَتْ: انشوتْ فاحتَرقَتْ؛ يُقال: نَضِج اللَّحم: إذا أَدرَك شَيَّه، وأصل (نضج): بلوغ النِّهايةِ في طبخ الشَّيء يُنظر: ((تفسير الطبري)) (7/163)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/437)، ((المفردات)) للراغب (ص: 810). .
ظِلًّا ظَلِيلًا: قيل: هو الظلُّ الدَّائم الَّذي لا تنسَخُه الشَّمس، وقيل: الَّذي لا بَرْدَ فيه ولا حرَّ ولا ريحَ ولا سَمومَ، وقيل: هو كنايةٌ عن نضارةٍ من العيشِ، وأصل (ظلل): يدلُّ على سَتْر شيءٍ لشيء يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/461)، ((المفردات)) للراغب (ص: 536)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 140)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 596). .

المَعْنى الإجماليُّ:

يقولُ اللهُ لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم: ألَا تتعجَّبُ- يا محمَّدُ- من الَّذين يُثنون على أنفسِهم من اليهود والنَّصارى وغيرهم، ويُبرِّئونها من الذُّنوب والعُيوب، مع أنَّ الأمرَ ليس كما زعَموا، بلِ اللهُ وحده هو الَّذي يُثني على مَن يشاءُ مِن عباده ممَّن هو أهلٌ لذلك، ولا يظلِمُ اللهُ عزَّ وجلَّ أحدًا من الخَلْقِ شيئًا مهمَا قلَّ، انظُرْ كيف يفتري هؤلاء المُثْنون على أنفسِهم الكذبَ، ويَختلِقونه على اللهِ، وكفى بهذا الصَّنيعِ منهم إثمًا ظاهرًا وذنبًا واضحًا.
ثمَّ قال اللهُ تعالى أيضًا لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم: ألَا تعجَبُ مِن حالِ اليهود الَّذين آتاهم اللهُ نصيبًا مِن التَّوراةِ، ومع ذلك يؤمِنون بالجِبْتِ، وهو كلُّ ما لا فائدةَ فيه في الدِّين؛ كالسِّحرِ ونحوه، ويؤمنون كذلك بالطَّاغوت، وهو كلُّ ما تجاوَز به العبدُ حدَّه؛ من معبودٍ أو متبوعٍ أو مُطاع، ويقول هؤلاء اليهودِ للكفَّارِ: إنَّهم أقومُ وأعدلُ طريقًا من المؤمنين، أولئك اليهودُ قد طرَدهم اللهُ مِن رحمتِه، ومُن يَطرُدِ اللهُ مِن رحمتِه فلن تجِدَ له- يا محمَّدُ- أحدًا ينصُرُه ويتولَّاه.
فهل لهؤلاء اليهودِ نصيبٌ مِن المُلك حتَّى يفضِّلوا مَن شاؤوا بمجرَّدِ أهوائِهم، بل ليس لهم أيُّ نصيبٍ مِن المُلْك، فلو كان لهم لَمَا أعطَوْا أحدًا من النَّاس شيئًا أبدًا مهمَا قلَّ، أم أنَّ الدَّافعَ لهم حسَدُهم للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه على ما رزَقه اللهُ مِن النُّبوَّةِ؛ لكونِه مِن العربِ، وليس من بني إسرائيلَ، فلماذا يحسُدونهم وليس هذا أوَّلَ فضلٍ يتفضَّلُ اللهُ به على عبادِه؟ فقد تفضَّل اللهُ على أسلافِهم من ذُرِّيَّةِ إبراهيمَ فأعطاهم النُّبوَّةَ، وأنزَل عليهم الكتبَ، والحكمةَ، وآتاهم مُلكًا واسعًا كبيرًا؛ فمِن أهلِ الكتاب مَن آمَن بمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وبما أُنزِل إليه مِن قرآنٍ، ومنهم مَن لم يؤمِنْ بذلك وصدَّ النَّاسَ عن الإيمانِ به، وحسْبُ هؤلاء الكفرةِ جهنَّمُ تُوقَدُ عليهم ويُحرَقون فيها.
ثمَّ يُخبِرُ تعالى أنَّ الكافرينَ بآياتِ الله سوف يُدخِلُهم اللهُ تعالى نارًا تُحرقُهم، كلَّما احترَقَتْ جلودُهم بتلك النَّارِ، أبدَلَهم اللهُ تعالى جلودًا غيرَها ليذوقوا ألَمَ العذابِ، إنَّ اللهَ كان عزيزًا حكيمًا.
وأمَّا مَن آمَن وعمِل صالحًا، فسيُدخلُهم اللهُ تعالى جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ، ماكثين فيها على الدَّوامِ، لا انقطاعَ لتنعُّمِهم فيها، لهم فيها زوجاتٌ مطهَّراتٌ طهارةً حِسَّيَّةً من الأدناس، ومعنويَّةً من الأخلاقِ الرَّذيلةِ والصِّفات النَّاقصة، ويُدخِلُهم اللهُ تعالى ظلًّا ممتدًّا طيِّبًا.

تفسير الآيات:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا هدَّد اللهُ سبحانه وتعالى اليهودَ بقوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: 48] فعند هذا قالوا: لسنا من المشركين، بل نحن خواصُّ اللهِ تعالى؛ كما حكى تعالى عنهم أنَّهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: 18] ، وحكى عنهم أنَّهم قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً [البقرة: 80] ، وحكى أيضًا أنَّهم قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة: 111] ، وبعضُهم كانوا يقولون: إنَّ آباءَنا كانوا أنبياءَ فيشفَعون لنا.
وبالجملةِ فالقومُ كانوا قد بالَغوا في تزكيةِ أنفسِهم، فذكَر تعالى في هذه الآيةِ أنَّه لا عبرةَ بتزكيةِ الإنسان نفسَه، وإنَّما العبرةُ بتزكيةِ اللهِ له يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/99). قال تعالى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ
أي: ألَا تتعجَّبُ- يا محمَّدُ- مِن حالِ هؤلاء اليهود والنَّصارى ومَن نحا نحوَهم في تزكيةِ نفوسِهم، فيُبرِّئون أنفسَهم من الذُّنوبِ والعيوب، ويزعمون لها من الخصائص والمُمَيِّزات ما ليس لها، افتراءً وكذبًا، ومن ذلك قولهم: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وقولهم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/124، 128)، ((تفسير السعدي)) (ص: 182)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/391-393). .
بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ
أي: ليس الأمرُ كما تزعمون، وإنَّما المرجعُ في ذلك إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وحدَه؛ لأنَّه العالمُ بحقائقِ الأمورِ؛ فهو الَّذي يُزكِّي ويُثني على مَن يشاءُ مِن عبادِه ممَّن هو أهلٌ لذلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/128-129)، ((تفسير ابن كثير)) (2/333)، ((تفسير السعدي)) (ص: 182)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/393-394). قال ابن عطية: (هذا لفظٌ عامٌّ في ظاهره، ولم يختلف أحدٌ من المتأولين في أنَّ المراد اليهود) ((تفسير ابن عطية)) (2/65). .
قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم: 32] .
وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا
أي: لا يظلِمُ اللهُ عزَّ وجلَّ هؤلاء الَّذين أخبَر عنهم أنَّهم يُزكُّون أنفسَهم، ولا غيرَهم مِن خَلقِه شيئًا، فلا يترُكُ لأحدٍ مِن الأجر شيئًا، حتَّى ما يوازنُ مقدارَ الفتيل، وهو الخيطُ الَّذي في شَقِّ النَّواةِ وبطنِها، أو هو الوسَخُ الَّذي يخرُجُ مِن بينِ أُصبُعيِ الرَّجُل، أو من بين كفَّيْه إذا فتَل إحداهما على الأخرى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/129، 133)، ((تفسير ابن كثير)) (2/333)، ((تفسير السعدي)) (ص: 182)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/394-395). .
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا أخبَر تعالى أنَّ التَّزكيةَ إنَّما هي إليه بما له مِن العظَمةِ والعِلمِ الشَّاملِ، وكان ذلك أمرًا لا نزاعَ فيه، وشهِد عليهم بالضَّلالِ- زاد في توبيخهم فقال معجِّبًا لرسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم من وقَاحتِهم واجترائِهم على مَن يعلَم كذبَهم، ويقدِرُ على معالجتِهم بالعذاب، مبيِّنًا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحضرةِ بعد بيانِ بُعدهم يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/299). ، قال:
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
أي: انظُرْ- يا محمَّدُ- كيف يفتري هؤلاء الَّذين يزكُّون أنفسَهم مِن أهلِ الكتاب وغيرِهم الكذِبَ والزُّورَ مِن القولِ بتزكيتِهم أنفسَهم, فيختلِقون ذلك على الله جلَّ وعلا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/133)، ((تفسير ابن كثير)) (2/333-334)، ((تفسير السعدي)) (ص: 182)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/402-403). .
وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا
أي: وحسبُهم بهذا الصَّنيعِ ذنبًا ظاهرًا، وافتراءً واضحًا يبيِّنُ كذبَهم لسامعيه, ويوضِّحُ لهم أنَّهم أَفَكَةٌ فَجَرَةٌ، ويكون موجبًا لاستحقاقِهم العقوبةَ البليغةَ، والعذابَ الأليم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/133-134)، ((تفسير ابن كثير)) (2/334)، ((تفسير السعدي)) (ص: 182)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/403-404). .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)
سَببُ النُّزول:
عن ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما قال: ((لَمَّا قدِم كعبُ بن الأشرفِ مكَّةَ، قالت له قريش: أنت خيرُ أهلِ المدينة وسيِّدُهم، قال: نعم، قالوا: ألا ترى إلى هذا المُنبَتِرِ من قومِه، يزعُمُ أنَّه خيرٌ منَّا، ونحن أهلُ الحجيجِ وأهلُ السِّدانةِ؟ قال: أنتم خيرٌ منه، فنزلت: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، ونزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ... إلى قوله: فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)) رواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (6/524) (11707) واللفظ له، والطبري في ((تفسيره)) (8/466)، وابن المنذر في ((تفسيره)) (1882)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (5440)، وابن حبان (6572). صحح إسناده ابن كثير في ((تفسير القرآن)) (8/525)،  وصحَّحه الألباني في ((صحيح الموارد)) (1448)، وقال الوادعي في ((صحيح أسباب النزول)) (77): الراجح إرسالُه. .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
أي: ألَا تعجَبُ- يا محمَّدُ- مِن حال هؤلاء اليهود الَّذين آتاهم اللهُ تعالى حظًّا من التَّوراة، وقامتْ عليهم الحُجَّةُ، ومع ذلك يؤمِنون بالجِبْتِ والطَّاغوت؟ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/134)، ((تفسير السعدي)) (ص: 182)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/408). قال ابن عطية: (الآية، ظاهرها يعم اليهود والنصارى، ولكن أجمع المتأولون على أن المراد بها طائفةٌ من اليهود، والقصص يبين ذلك) ((تفسير ابن عطية)) (2/66). .
وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا
أي: يقولُ أولئك اليهودُ عن الكفَّار بأنَّهم أقومُ وأعدَلُ طريقًا من المؤمِنين يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/141-142، 147)، ((تفسير ابن كثير)) (2/334)، ((تفسير السعدي)) (ص: 182-183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/409-410). .
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
أي: قد أبعَدهم اللهُ تعالى، وطرَدهم من رحمتِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/148)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/410). .
وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا
أي: ومَن يطرُدْه اللهُ تعالى من رحمتِه، فلن تجدَ له- يا محمَّدُ- مَن ينصُرُه في الدُّنيا ولا في الآخرةِ فيتولَّاه ويقومُ بمصالحِه، ويحفَظُه عن المكارهِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/148)، ((تفسير ابن كثير)) (2/334)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/410). .
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا كانت النَّفسُ الإنسانيَّةَ لها قوَّتانِ: القوَّةُ العالِمة، والقوَّة العاملة؛ وكمال القوَّة العالِمة: العِلم، ونقصانُها: الجهل، وكمالُ القوَّة العاملة: الأخلاقُ الحميدة، ونقصانها: الأخلاقُ الذَّميمة، وأشدُّ الأخلاقِ الذَّميمة نقصانًا: البُخل والحسَد؛ لأنَّهما مَنشآنِ لعود المضارِّ إلى عباد الله- لذا وصَف الله تعالى اليهودَ في الآية المتقدِّمةِ بالجهل الشَّديد، وهو اعتقادُهم أنَّ عبادةَ الأوثان أفضلُ من عبادة الله تعالى، ووصَفهم في هذه الآية بالبُخلِ والحسَدِ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/102). فقال:
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ
أي: أم لهم حظٌّ من مُلكِ الله تعالى حتَّى يُفضِّلوا مَن شاؤوا بمجرَّدِ أهوائهم، بحيث يمنَعون فضلَ الله سبحانه على نبيِّه وأتباعِه، ويجعلون الفضلَ لهؤلاء الكفَّار؟ والمعنى: ليس لهم حظٌّ من المُلكِ ليفعَلوا ذلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/148)، ((تفسير ابن كثير)) (2/336)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/413). .
فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا
أي: ولو كان لهم حَظٌّ من المُلكِ، لَمَا أعطَوْا أحدًا مِن النَّاس ولو نقيرًا (أي: النُّقطة الَّتي على ظهرِ النَّواةِ) مِن شدَّة بُخلِهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/149، 152)، ((تفسير ابن كثير)) (2/336)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/413). .
كما قال تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَامْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا [الإسراء: 100] .
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
أي: أمِ الحاملُ لهم على ذلك حَسَدُهم النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابَه على ما رزَقه الله تعالى من النُّبوَّةِ العظيمة؛ لكونه من العربِ، وليس من بني إسرائيلَ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/153-158)، ((تفسير ابن كثير)) (2/336)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/414). ؟
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا
أي: ليس هذا أوَّلَ فضلٍ تفضَّلْنا به على عباد الله، بل إنَّ الفضلَ قد وُجِدَ من قبلُ في أسلافِكم من ذُرِّيَّة إبراهيمَ عليه السَّلام؛ حيث أعطاهم اللهُ تعالى النُّبوَّة، وأنزَل عليهم الكتبَ، وآتاهم الحِكمةَ، وهي ما أوحاه اللهُ تعالى إليهم ممَّا سوى الكتبِ الإلهيَّة، وآتاهم الملك الواسِعَ الكبير؛ كمُلك سليمانَ عليه السَّلام يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/158، 160، 161)، ((تفسير ابن كثير)) (2/336)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/415). .
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ
أي: فمِن أهل الكتاب مَن آمَن بمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وبالقرآنِ الَّذي أُنزل إليه، ومنهم مَن أعرَض عن ذلك ولم يُؤمِنْ، وسعَى في صَرْف النَّاس عن الإيمانِ بذلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/161-162)، ((تفسير القرطبي)) (5/253)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183). قال الواحديُّ: (قولُه عزَّ وجلَّ: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، قال ابنُ عبَّاس، والأكثرون: مِن أهلِ الكتاب مَن آمَن بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم) ((التفسير الوسيط)) (2/68). وقال ابنُ عطية: (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ الآية، اختَلف المتأوِّلون في عَوْد الضمير مِن بِهِ؛ فقال الجمهور: هو عائدٌ على القرآنِ الذي في قولِه تعالى: آمِنُوا بِما نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا) ((تفسير ابن عطية)) (2/68). وقيل: فمِنْ آل إبراهيم مَن آمَن بالذي أُوتوه من الكتاب والحِكمة، ومِنهم مَن أَعْرَض عن ذلك، فلم يُؤمِن، وسعَى في صَرْف الناس عن الإيمانِ بذلك. وهو اختيار ابن كثير في ((تفسيره)) (2/336)، وابن عثيمين في ((تفسير سورة النساء)) (1/420-421). .
وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا
أي: وحسْبُهم النَّارُ تُوقَدُ عليهم، فيُحرَقون فيها؛ عُقوبةً لهم على كفرِهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/162)، ((تفسير ابن كثير)) (2/336)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/421). .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
بعدَما ذكَر الوعيد بالطَّائفة الخاصَّة مِن أهل الكتابِ، بيَّن ما يعُمُّ الكافرين مِن الوعيد فقال يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/105). :
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا
أي: إنَّ الكافرين بآياتِ الله عزَّ وجلَّ- سواءٌ الآياتُ الكونيَّةُ أو الشَّرعيَّة- سيُدخِلُهم اللهُ تعالى النَّارَ فيحترِقون فيها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/163)، ((تفسير ابن كثير)) (2/337)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/422-423). .
كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا
أي: كلَّما انشوَتْ جلودُهم بالنَّارِ فاحترقتْ، أبدَلهم اللهُ تعالى بجلودٍ أخرى؛ فهُم على هذه الحالِ دائِمون يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/163)، ((تفسير ابن كثير)) (2/337)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/423). .
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ
أي: ليجِدوا أَلَمَ العذابِ وكَرْبَه وشدَّتَه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/167)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/423). .
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا
أي: إنَّ اللهَ تعالى هو الغالبُ القاهرُ، العزيزُ في انتقامِه؛ فلا يقدِر على الامتناعِ منه أحدٌ أراده بضُرٍّ, ولا الانتصارِ منه أحدٌ أحلَّ به عقوبةً، وهو الحكيمُ الَّذي له الحكمةُ في خَلْقِه وقدَرِه، وثوابِه وعقابِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/167)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/424-426). .
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا ذكَر تعالى وعيدَ الكفَّار، أعقَب بوعدِ المؤمنين، فقد جرَتْ عادةُ الله تعالى في هذا الكتابِ الكريمِ بأنَّ الوعدَ والوعيدَ يتلازمانِ في الذِّكر على سبيل الأغلبِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/167)، ((تفسير أبي حيان)) (3/681). ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/430-431). ، قال تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أي: والَّذين آمَنوا بالله ورسوله محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وبما أنزل اللهُ عليه، وأدَّوا ما أمرهم الله عزَّ وجلَّ به من الطَّاعات, واجتنَبوا ما حرَّم اللهُ عليهم من المنهيَّات، مخلِصين لله تعالى، ومتَّبِعين في ذلك نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/167)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/430-431). .
سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
أي: سوف يُدخِلُهم اللهُ يوم القيامة جنَّاتٍ تجري الأنهارُ في جميع فِجاجِها ومحَالِّها وأرجائِها، ومن تحتِ أشجارِها وقصورِها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/167-168)، ((تفسير ابن كثير)) (2/338)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/431-434). .  
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
أي: ماكثين في تلك الجنَّاتِ على الدَّوام، بغير نهايةٍ ولا انقطاعٍ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/168)، ((تفسير ابن كثير)) (2/338)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/434). .
لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ
مناسبتها لما قبلها
لَمَّا وصَف تعالى حُسنَ الدَّارِ، ذكَر حُسنَ الجارِ يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/311). ، فقال تعالى:
لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ
أي: لهم في تلك الجنَّات زوجاتٌ مطهَّرات طهارةً حِسِّيَّة من الأدناسِ؛ كالحيضِ، والغائط، والبول، والحَبَل، والبُصاق، والرَّائحة المنتِنة، وسائر ما يكون في نساء أهلِ الدُّنيا، ومطهَّراتٌ طهارةً معنويَّةً من الأخلاقِ الرَّذيلة، والصِّفات النَّاقصة يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/168)، ((تفسير ابن كثير)) (2/338)، ((تفسير السعدي)) (ص: 183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/434-436). .
وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا
أي: ونُدخِلُهم ظلًّا كنينًا غزيرًا طيِّبًا ممتدًّا، لا يَستحيلُ ولا ينتقل يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/168)، ((تفسير ابن عطية)) (2/69)، ((تفسير ابن كثير)) (2/338)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/436). .
كما قال تعالى: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة: 30] .

الفوائد التربوية :

1- النَّهيُ عن تزكيةِ النَّفس، والإنكارُ على مَن يزكِّي نفسَه؛ وجه ذلك أنَّ قوله: أَلَمْ تَرَ استفهامٌ إنكاريٌّ، كما صرَّح به في قوله: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/395). [النجم: 32] .
2- أنَّ تزكيةَ الغيرِ لا بأس بها؛ لأنَّ النَّهيَ أو الإنكارَ مُنصبٌّ على تزكيةِ النَّفس كما قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، أمَّا لو زكَّى غيرَه فإنَّ ذلك لا بأسَ به، ويَنبغي ألا يُزكِّي غيرَه بمجرَّدِ المَظْهرِ، بل لا بدَّ من خِبرةٍ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/398). .
3- أنَّه يجبُ على الإنسان أنْ يلجأَ في طلب التَّزكيةِ إلى الله؛ لقوله: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ، فأنت إذا علِمتَ أنَّ اللهَ هو الَّذي يزكِّي فاسألِ اللهَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/399). .
4- تزكيةُ النَّفس تكون بالعملِ الَّذي يجعَلُها زاكيةً، أي: طاهرةً كثيرةَ الخير والبركة، فتزكيةُ النَّفس بالفعل عبارةٌ عن تنميةِ فضائلِها وخَيراتها، ولا يتمُّ ذلك إلَّا باجتنابِ الشُّرور الَّتي تُعارضُ الخيرَ وتعُوقه، وهذه التَّزكيةُ محمودةٌ، وهي المرادةُ بقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس: 9] ، أي: نفسَه، وتكون بالقول، وهو ادِّعاءُ الزَّكاءِ والكمال، ومنه تزكيةُ الشُّهود، وقد أجمَع العقلاءُ على استقباحِ تزكيةِ المرء لنفسِه بالقول، ومدحِها ولو بالحقِّ، ولَتزكيتُها بالباطل أشدُّ قُبحًا، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وهذا النَّوعُ مِن التَّزكية مصدرُه الجهلُ والغرورُ، ومِن آثاره العتوُّ والاستكبارُ عن قَبولِ الحقِّ، والانتفاعِ بالنُّصحِ يُنظر: ((تفسير المنار)) (5/123). .
5- التَّحذيرُ من التَّعرُّض لِلَعنة الله؛ لأنَّ الإنسانَ إذا تعرَّض لِلَعنة الله وحقَّت عليه لن يجدَ مَن يَنصُره، قال تعالى: وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/412). .
6- بيانُ أنَّ الله أنعَم على هؤلاء الحسَدةِ بما ذكَره في قوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ... الآية؛ فلا وجهَ للحسَدِ مع ما أعطاهم اللهُ تعالى من الفَضْل، وهذا أيضًا مِن الدَّواءِ الَّذي يُداوي به الإنسانُ الحسَدَ، فيقول مثلًا: ما لي أحسُدُ فلانًا وقد أعطاني اللهُ كذا وكذا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/417). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائف:

1- الرَّدُّ على القدَريَّةِ، الَّذين يقولون باستقلالِ الإنسانِ في عملِه، ويؤخذ من قوله: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/400). .
2- إثباتُ المشيئةِ لله عزَّ وجلَّ؛ لقوله: مَنْ يَشَاءُ، وأنَّ الله سبحانه له مشيئةٌ، يدبِّر الأمرَ بحسَب هذه المشيئة، ولكنَّ هذه المشيئةَ ليست مشيئةً مجرَّدةً عن الحكمة، بل هي مشيئةٌ مقرونة بالحِكمة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/400). .
3- نفيُ الظُّلم عن الله؛ لقوله: وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا، وليس في صِفاتِ الله ما هو نفيٌ محضٌ؛ فكلُّ نفيٍ في صفاتِ الله فهو متضمِّنٌ لإثبات؛ فقوله: وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا، أي: لأنَّ الله كاملُ العدل، ومَن كان كاملَ العدل فإنَّه لا يَظلِمُ فتيلًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/400). .
4- قوله تعالى: وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا، الآية تدلُّ على أنَّ الله تعالى يَجزي كلَّ عاملِ خيرٍ بعمله، وإنْ كان مشرِكًا; لأنَّ لعملِه أثرًا في نفسه يكونُ مناطَ الجزاء، فإذا لم يصِلْ تأثيرُ عملِ المشرِكِ إلى الدَّرجة الَّتي يكون بها النَّجاةُ من العذاب ألبتَّةَ، فإنَّ عمله ينفعُه بكون عذابِه أقلَّ مِن عذابِ مَن لم يعمَلْ من الخير مِثلَ عملِه يُنظر: ((تفسير المنار)) (5/124). .
5- قوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ جعَل افتراءَهم الكذبَ لشِدَّة تحقُّقِ وقوعه، كأنَّه أمرٌ مَرئيٌّ ينظرُه النَّاسُ بأعينهم، وإنَّما هو ممَّا يُسمَعُ ويُعقَلُ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/85). .
6- دعوة الإنسانِ إلى العجَبِ فيما يُتعجَّبُ منه، وأنَّ هذا من طُرُقِ القرآن؛ لقوله: انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/404). .
7- تعظيمُ الكذِبِ على الله؛ لأنَّه لم يؤمَرْ بالتَّعجُّبِ منه إلَّا لأنَّه شيءٌ عظيم؛ ولقوله: وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا، يعني: ما أعظَمَه وما أكثَرَه، إذا افترى على الله الكذِبَ أن يأثَمَ هذا الإثمَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/404، 407). !
8- بيانُ قُبحِ صَنيعِ المذكورينَ في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ.... الآية؛ حيث إنَّ اللهَ قد أعطاهم نصيبًا من الكتاب، ومع ذلك قالوا للكفَّار: إنَّهم أهدى من المؤمنين، ومعلوم أنَّ مَن حكَم بخلاف ما يعلَمُ فهو أقبحُ ممَّن حكَم بما لا يعلَمُ، والكلُّ قبيحٌ، لكن الأوَّل أشدُّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/411). !
9- بيانُ استحقاقِ مَن آمَن بالجِبْتِ والطَّاغوت، وقال للَّذين كفروا: إنَّهم أهدى من الَّذين آمنوا سبيلًا- لِلَعنةِ الله، وبيانه أنَّ كلَّ مَن قال مِثل هذا القول فإنَّه مستحِقٌّ لِلَعنة الله؛ لقوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وأحكامُ الله سبحانه الشَّرعيَّةُ والجزائيَّةُ لا تتعلَّقُ بالأشخاص أبدًا، فإذا استحقَّ هؤلاء اللَّعنَ بإيمانِهم بالجِبْتِ والطَّاغوت، وقولِهم: لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا؛ فمَن جرى مجراهم استحقَّ ما يستحقُّون من العقاب يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/412). .
10- تأثيرُ الدِّعاية بلَبْس الحقِّ بالباطل، وإلَّا فمن المعلومِ أنَّ الكافرَ فيما يرمي إليه أو فيما يذهب إليه، ليس فيه هدايةٌ إطلاقًا، ومع ذلك قالوا: إنَّهم أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. ويتفرَّعُ على هذه الفائدة: ما عليه بعضُ النَّاس اليومَ من قوله: إنَّ الكفَّار أوفى بالعهد من المؤمنين، وإنَّهم أخلصُ مِن المؤمنين، وأنصحُ من المؤمنينَ، وما أشبهَ ذلك، فمَن قال هذا في المسلمين، فإنَّ فيه شَبَهًا من اليهود، ونحن لا نُنكِر أنَّ في المسلمين مَن خالَف طريقَ الإسلامِ بعدمِ الصِّدق في القول، وعدمِ الوفاءِ بالعهدِ، وعَدَمِ الوفاء بالوعدِ، وعدم النُّصح في العمل، ولكنْ كلُّ هذه الأخلاق حذَّر منها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أشدَّ التَّحذير؛ فهي أخلاقٌ دخيلة على المُسْلمين، وسببُها ما كان عليه هؤلاء من النَّقصِ في العِلم وفي الإيمان يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/411). .
11- تحريمُ تفضيلِ الكفَّار على المؤمنين؛ لأنَّ الله تعالى أنكَره بقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ.. إلى آخره يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/412). .
12- قوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فيه أنَّ الحسَدَ لا يحصُلُ إلَّا عند الفضيلة، فكلَّما كانت فضيلةُ الإنسان أتمَّ وأكملَ كان حسَدُ الحاسدينَ عليه أعظمَ، ومعلومٌ أنَّ النُّبوَّة أعظمُ المناصبِ في الدِّين، ثمَّ إنَّه تعالى أعطاها لمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وضمَّ إليها أنَّه جعَله كلَّ يومٍ أقوى دولةً وأعظَمَ شوكةً وأكثرَ أنصارًا وأعوانًا، وكلُّ ذلك ممَّا يوجِبُ الحسَدَ العظيمَ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/104). .
13- في قوله تعالى: فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا المراد بـالْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ كمالُ العِلم، وأمَّا المُلكُ العظيمُ فهو كمالُ القُدرة، وقد ثبَتَ أنَّ الكمالاتِ الحقيقيَّةَ ليستْ إلَّا العِلمَ والقدرةَ؛ فهذا الكلامُ تنبيهٌ على أنَّه سبحانه آتاهم أقصى ما يَليقُ بالإنسانِ من الكمالاتِ، ولَمَّا لم يكُنْ ذلك مستبعَدًا فيهم لا يكونُ مستبعَدًا في حقِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/105). .
14- وتَضمَّن قوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا... تسليةَ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم في كونِهم يحسُدونه ولا يتَّبِعونه، فذكَر أنَّهم أيضًا مع أسلافِهم وأنبيائِهم انقسَموا إلى مؤمنٍ وكافرٍ، هذا وَهُم أسلافُهم، فكيف بنبيٍّ ليس هو منهم يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/679). ؟!
15- أنَّ الإحساسَ إنَّما يكونُ في الظَّاهر؛ لقوله: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ فهي الَّتي يقعُ عليها العذابُ، والعياذُ بالله، هذا هو الظَّاهرُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/427). .
16- إثباتُ الحكمة لله عزَّ وجلَّ في أفعالِه، وتؤخذ من قوله: لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ، وهكذا كلَّما رأيتَ لامَ التَّعليلِ بعد حُكمٍ كونيٍّ أو شرعيٍّ، فإنَّها تُفيدُ إثباتَ الحكمة لله عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/428). .
17- أنَّ أهلَ الجنَّة يُنعَّمون في الدُّنيا وفي الآخرة؛ لقوله: سَنُدْخِلُهُمْ؛ لأنَّ السِّينَ تدلُّ على القُربِ، وأنَّ أصحابَ الجنَّة هم في الجنَّة في الدُّنيا وفي الآخرة؛ لأنَّه لا أحدَ أطيبُ عيشًا ممَّن آمَن وعمِل صالحًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/438). .
18- إنَّما قدَّم تعالى ذِكرَ الكفَّار ووعيدَهم، على ذِكرِ المؤمنين ووعْدِهم؛ فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا ... ثم أتبعه بقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ؛ لأنَّ الكلامَ فيهم، وذِكْر المؤمنين بالعَرَض يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/311). .

بَلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ في تصدير الجملةِ بـ:(بل) تصريحٌ بإبطالِ تزكيتهم، وأنَّ الَّذين زكَّوْا أنفسَهم لا حظَّ لهم في تزكيةِ الله، وأنَّهم ليسوا ممَّن يشاءُ اللهُ تزكيتَه، ولو لم يذكر (بل) فقيل: واللهُ يُزكِّي مَن يَشاء، لكان لهم مطمَعٌ أنْ يكونوا ممَّن زكَّاه الله تعالى يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/84). .
2- قوله: انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ فيه تلوينُ الخِطاب في قوله: يَفْتَرُونَ؛ حيث أقام المضارعَ مقامَ الماضي؛ إعلامًا أنَّهم مستمرُّون على ذلك يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/682). .
3- قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ: اسمُ الإشارة أُولَئِكَ وما فيه مِن معنى البُعد مع قُربهم في الذِّكر؛ للإشعارِ ببُعدِ منزلتِهم في الضَّلال، والجملةُ مستأنَفةٌ لبيانِ حالِهم وإظهارِ مصيرِهم ومآلِهم يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/189). .
4- قال تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا:
- قوله: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ: أَمْ مُنقطعةٌ تُفَسَّرُ بـ(بل) وهمزةِ الاستفهامِ، أي: بلْ أَلَهم، والاستفهامُ فيه إنكاريٌّ، حُكمُه حُكم النَّفي، ومعناه التَّوبيخُ والتَّقريع، وإنكارُ أنْ يكونَ لهم نصيبٌ من المُلْك، وجَحْدٌ لِما زعَمَت اليهودُ مِن أنَّ المُلك سيصير إليهم، ويجوز أن يكون المعنى إنكارَ أنَّهم أوتوا نصيبًا من المُلك على الكِناية، وأنَّهم لا يؤتونَ النَّاسَ شيئًا يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/521)، ((تفسير البيضاوي)) (2/79)، ((تفسير أبي حيان)) (3/682)، ((تفسير أبي السعود)) (2/189)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/88). .
- قوله: فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا: فائدة (إذًا) تأكيدُ الإنكار والتَّوبيخ؛ حيث يجعَلون ثبوتَ النَّصيبِ سببًا للمنعِ، مع كونه سببًا للإعطاء يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/190). .
- وفيه: تَعريضٌ؛ حيث عرَّض بشدَّة بُخلِهم يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/682). .
5- قال تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا:
- قوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ: أَمْ مُنقطعةٌ بمعنى (بل)، وهمزةِ الاستفهامِ لإنكارِ الحسَدِ واستقباحِه يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/522)، ((تفسير أبي السعود)) (2/190). .
- قوله: فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ: فيه إجراءُ الكلام على سَنَنِ الكبرياءِ؛ حيث عبَّر بقوله: آتَيْنَا بطريق الالتِفاتِ؛ لإظهارِ كمالِ العنايةِ بالأمر يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/190). .
- قوله: وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا: في وصْفِ المُلك بالعِظَم، وتنكيرِه التَّفخيميِّ مِن تأكيد الإلزامِ، وتشديدِ الإنكار ما لا يَخفَى يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/190). .
6- قوله: سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كلمة (سوف) تُذكَر للتَّهديد والوعيد، وينوبُ عنها السِّين، وقد يُذكرانِ في الوعدِ فيُفيدان التَّأكيد، أي: ندخلُهم نارًا عظيمة هائلةً يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/191). .
7- قوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا واقعٌ موقعَ التَّعليل لِمَا قبله؛ فالعزَّة يتأتَّى بها تمامُ القُدرة في عقوبةِ المجترئ على الله، والحكمة يتأتَّى بها تلك الكيفيَّةُ في إصلائِهم النَّارَ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/90). . مع تأكيد الخبرِ بـ: (إنَّ) واسميَّةِ الجملة.
- وإظهار الاسم الجليلِ (الله) بطَريقِ الالتفات؛ لتهويلِ الأمرِ وتربيةِ المَهابة، وتعليلِ الحُكم يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/192). .
8- قوله: ظِلًّا ظَلِيلًا: (ظليلًا) صفةٌ مشتقَّة من الظِّلِّ؛ لتأكيده يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/523)، ((تفسير البيضاوي)) (2/79)، ((تفسير أبي السعود)) (2/192). ، ؛ للدَّلالةِ على بلوغِه الغايةَ في جِنسِه يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/90). .