موسوعة التفسير

سورةُ الواقِعةِ
الآيات (27-40)

ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ

غَريبُ الكَلِماتِ:

سِدْرٍ: أي: شَجَرِ نَبْقٍ [163] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 447)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 282)، ((المفردات)) للراغب (ص: 285)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 311). .
مَخْضُودٍ: أي: مَنْزوعِ الشَّوكِ، والخَضْدُ: كَسرُ الشَّيءِ اللَّيِّنِ، وأصلُ (خضد): يدُلُّ على تَثَنٍّ في شَيءٍ لَيِّنٍ [164] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 447)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 282)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/194)، ((المفردات)) للراغب (ص: 285)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 311)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 519). .
وَطَلْحٍ:الطَّلحُ: شَجَرٌ ذو شَوكٍ، له ظِلٌّ بارِدٌ طَيِّبٌ. وقيل: المرادُ به هنا المَوْزُ [165] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 448)، ((تفسير ابن جرير)) (22/311)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/418)، ((المفردات)) للراغب (ص: 522)، ((تفسير البغوي)) (8/12).قيل: هو شجرٌ يشبهُ الطَّلحَ فِي الكِبَرِ وَحسنِ المنظرِ، فالجنَّةُ لا شوكَ فيها. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 349). .
مَنْضُودٍ: أي: مُتراكِمٍ بَعضُه على بَعضٍ، قد جُمِع بعضُه إلى بعضٍ، أو نُضِدَ بالحِمْلِ (الثَّمرِ) مِن أوَّلِه إلى آخِرِه، فليست له سُوقٌ بارزةٌ، والنَّضْدُ هو الرَّصُّ، والمُنَضَّدُ: المرصوصُ، وأصلُ (نضد): يدُلُّ على ضَمِّ شَيءٍ إلى شيءٍ في اتِّساقٍ وجَمعٍ [166] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 448)، ((تفسير ابن جرير)) (22/312)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/439)، ((المفردات)) للراغب (ص: 522)، ((تفسير القرطبي)) (17/ 209)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/309). .
مَسْكُوبٍ: أي: مَصبوبٍ جارٍ غَيرِ مُنقَطِعٍ، وأصلُ (سكب): يدُلُّ على صَبِّ الشَّيءِ [167] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 448)، ((تفسير ابن جرير)) (22/318)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/88)، ((المفردات)) للراغب (ص: 416)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 311). .
 عُرُبًا: جَمعُ عَرُوبٍ: وهي المُتَحَبِّبةُ إلى زَوجِها، الحَسَنةُ التَّبَعُّلِ، وأصلُ (عرب) هنا: يدُلُّ على النَّشاطِ وطِيبِ النَّفْسِ، والإبانةِ والإفصاحِ؛ فالمرأةُ العَروبُ: ضَحَّاكةٌ طَيِّبةُ النَّفْسِ، تُفصِحُ عن حُبِّها لِزَوجِها [168] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 449)، ((تفسير ابن جرير)) (22/327)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 344)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/300). .
أَتْرَابًا: أي: أقرانًا مُستَوياتٍ على سِنٍّ واحدةٍ، والتِّرْبُ: هو الَّذي مَسَّ التُّرابَ مع تِرْبِه في وَقتٍ واحِدٍ، وأصلُ (ترب) هنا: يدُلُّ على التَّساوي [169] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 449)، ((تفسير ابن جرير)) (22/328)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/346)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 311)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 39). .

المعنى الإجماليُّ:

يبينُ الله تعالى نعيمَ أصحابِ اليمينِ بعدَ أن ذكَر السَّابقينَ، فيقولُ: وأصحابُ اليَمينِ ما أعظَمَ شَأنَهم! فهم في شَجَرِ نَبْقٍ لا شَوكَ فيه، وشَجَرِ طَلحٍ ثَمَرُه مُتراصٌّ بَعضُه مع بَعضٍ، وظِلٍّ دائِمٍ لا يَزولُ، وماءٍ مَصبوبٍ جارٍ بلا أُخدودٍ، وفاكِهةٍ كثيرةٍ لا تَنقَطِعُ عنهم ولا تُمنَعُ، وهم في فُرُشٍ عاليةٍ مُرتَفِعةٍ.
إنَّا خَلَقْنا نِساءَ أهلِ الجَنَّةِ خَلْقًا، فجَعَلْناهنَّ أبكارًا، مُحِبَّاتٍ لأزواجِهنَّ، مُتَساوِياتٍ في السِّنِّ، أنشَأْناهنَّ لأصحابِ اليَمينِ، وأصحابُ اليَمينِ جَماعةٌ كَثيرةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ، وجَماعةٌ كَثيرةٌ مِنَ الآخِرِينَ.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّنَ حالَ السَّابِقينَ؛ شَرَع في شأنِ أصحابِ المَيمَنةِ مِنَ الأزواجِ الثَّلاثةِ، فقال تعالى [170] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/404). :
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27).
أي: وأصحابُ اليَمينِ ما أعظَمَ شَأنَهم! وما أحسَنَ حالَهم [171] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/305)، ((تفسير القرطبي)) (17/207)، ((تفسير ابن كثير)) (7/525)، ((تفسير ابن عرفة)) (4/138)، ((تفسير السعدي)) (ص: 833). !
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28).
أي: هم في شَجَرِ نَبْقٍ لا شَوكَ فيه، مُثقَلةٍ أغصانُه بالثَّمَرِ الكثيرِ [172] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/306، 308)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 165، 166)، ((تفسير ابن كثير)) (7/525)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/207)، ((تفسير السعدي)) (ص: 833). قال ابن القيِّم: (والمخضودُ: الَّذي قد خُضِد شَوكُه، أي نُزِع وقُطِع، فلا شوكَ فيه... وقالت طائفةٌ: المخضودُ: هو المُوقَرُ حَمْلًا، وأُنكِر عليهم هذا القولُ، وقالوا: لا يُعرَفُ في اللُّغةِ الخَضدُ بمعنى الحملِ، ولم يُصِبْ هؤلاء الَّذين أنكروا هذا القولَ، بل هو قولٌ صحيحٌ، وأربابُه ذهبوا إلى أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى لَمَّا خضَدَ شَوْكَه وأذهَبَه، وجعَلَ مكانَ كلِّ شَوكةٍ ثَمَرةً أوقَرَه بالحملِ). ((حادي الأرواح)) (ص: 165). وقال ابن كثير: (قال ابنُ عبَّاسٍ، وعِكْرِمةُ، ومجاهدٌ، وأبو الأحوصِ، وقَسامةُ بنُ زُهَيرٍ، والسَّفْرُ ابنُ نُسَيْرٍ، والحسَنُ، وقَتادةُ، وعبدُ الله بنُ كثيرٍ، والسُّدِّيُّ، وأبو حَزْرةَ، وغيرُهم: هو الَّذي لا شَوكَ فيه. وعن ابنِ عبَّاسٍ: هو المُوقَرُ بالثَّمرِ. وهو روايةٌ عن عِكْرِمةَ، ومجاهدٍ، وكذا قال قَتادةُ أيضًا: كنَّا نُحَدَّثُ أنَّه المُوقَرُ الَّذي لا شوكَ فيه. والظَّاهرُ أنَّ المرادَ هذا وهذا؛ فإنَّ سِدْرَ الدُّنيا كثيرُ الشَّوكِ قليلُ الثَّمرِ، وفي الآخرةِ على عكسٍ مِن هذا؛ لا شوكَ فيه، وفيه الثَّمرُ الكثيرُ الَّذي قد أثقَلَ أصْلَه). ((تفسير ابن كثير)) (7/525). .
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29).
أي: وفي شَجَرِ طَلحٍ بلا شَوكٍ، ذي ثَمَرٍ مَنظومٍ مُتراكِمٍ ومُتراصٍّ بَعضُه مع بَعضٍ، على تَرتيبٍ في غايةِ الحُسنِ [173] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/250)، ((الوسيط)) للواحدي (4/234)، ((تفسير ابن عطية)) (5/244)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 166، 167)، ((تفسير ابن كثير)) (7/526)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/208)، ((تفسير السعدي)) (ص: 833)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/299). وممَّن ذهب في الجملةِ إلى المعنى المذكورِ: ابنُ عطية، وابن القيم، وابن كثير، والسعدي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/244)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 166، 167)، ((تفسير ابن كثير)) (7/526)، ((تفسير السعدي)) (ص: 833)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/299). وقال الواحدي: (قَولُه: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ قال اللَّيثُ: الطَّلحُ شَجَرُ أمِّ غيلانَ، له شَوكٌ أحجَنُ، وهو مِن أعظَمِ العِضاهِ شَوكًا، وأصلَبِه عُودًا، وأجوَدِه صَمغًا، والواحِدةُ طَلحةٌ، وهذا قَولُ جميعِ أهلِ اللُّغةِ في الطَّلْحِ). ((البسيط)) (21/230). وقيل: المرادُ: شجَرُ المَوزِ. وممَّن ذهب إلى ذلك: القُشَيريُّ، والزمخشري، والواحدي، والسمعاني، والرازي، والقرطبي، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير القشيري)) (3/520)، ((تفسير الزمخشري)) (4/461)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1060)، ((تفسير السمعاني)) (5/349)، ((تفسير الرازي)) (29/405)، ((تفسير القرطبي)) (17/208)، ((تفسير القاسمي)) (9/123). ونسَبَ أبو عُبَيْدةَ، والهرَويُّ، والواحديُّ هذا القولَ إلى أهلِ التَّفسيرِ، ونسَبَه الثَّعلبيُّ والقُرطبيُّ والرَّسْعَنيُّ إلى أكثَرِ المفسِّرينَ. يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/250)، ((الغريبين في القرآن والحديث)) للهروي (4/1176)، ((البسيط)) للواحدي (21/230)، ((تفسير الثعلبي)) (9/206)، ((تفسير القرطبي)) (17/208)، ((تفسير الرسعني)) (7/598). ونَسَبه ابن جرير إلى مُفَسِّري السَّلَفِ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 310). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وابنُ عبَّاسٍ، وأبو سعيدٍ الخُدْريُّ، وأبو هُرَيرةَ، والحسَنُ، وعِكْرِمةُ، ومجاهدٌ، وعَطاءٌ، وقَسامةُ بنُ زُهَيرٍ، وقَتادةُ، وأبو حَزْرةَ، وابنُ زَيدٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/310)، ((تفسير ابن كثير)) (7/526)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (8/13). وذهب ابنُ القيِّم إلى أنَّ مَنْ ذَكَر الموزَ مِنَ السَّلَفِ إنَّما أراد التَّمثيلَ به لحُسْنِ نَضْدِه، لا التَّخصيصَ. واللهُ أعلَمُ. يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/309)، ((حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)) لابن القيم (ص: 167). .
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30).
أي: وهُم في ظِلٍّ دائِمٍ باقٍ لا يتقَلَّصُ أو يَزولُ [174] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/313)، ((تفسير القرطبي)) (17/209)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/299)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 336). قال ابنُ عاشور: (هو ظِلٌّ حاصِلٌ مِن التِفافِ أشجارِ الجنَّةِ وكَثرةِ أوراقِها). ((تفسير ابن عاشور)) (27/299). وقال ابنُ عثيمين: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ أي: لا نهايةَ له؛ لأنَّ الجنَّةَ ليس فيها شَمسٌ، بل هي ظِلٌّ، وصَفَها بَعضُ السَّلَفِ بأنَّها كالنُّورِ الَّذي يكون قُربَ طُلوعِ الشَّمسِ؛ تجِدُ الأرضَ مملوءةً نُورًا، ولكِنْ لا تُشاهِدُ شَمسًا، فهو ظِلٌّ ممدودٌ في المساحةِ والزَّمَنِ). ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات- الحديد)) (ص: 336). .
كما قال تعالى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء: 57] .
وقال سُبحانَه: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [الرعد: 35] .
وقال عزَّ وجَلَّ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات: 41] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ في الجَنَّةِ شَجَرةً يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئةَ عامٍ لا يَقطَعُها، واقرؤُوا إنْ شِئتُم: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)) [175] رواه البخاريُّ (4881) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (2826). ورواه البخاريُّ (3251) أيضًا مِن حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31).
أي: وفي ماءٍ مَصبوبٍ جارٍ مِن غيرِ أُخدودٍ، لا ينقطعُ [176] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/219)، ((تفسير ابن جرير)) (22/318)، ((تفسير السمعاني)) (5/349)، ((تفسير الزمخشري)) (4/461)، ((تفسير القرطبي)) (17/209)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/519). ممَّن اختار في الجملةِ أنَّ المعنى: ماءٌ مصبوبٌ جارٍ مِن غيرِ أُخدودٍ، دائمُ الجرَيانِ لا يَنقَطِعُ: ابنُ جرير، والثعلبيُّ، والماوَرْدي، والبغوي، وابن الجوزي، والقرطبي، والنسفي، والخازن، وجلال الدين المحلي، والبِقاعي، والشوكاني، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/318)، ((تفسير الثعلبي)) (9/208)، ((تفسير الماوردي)) (5/454)، ((تفسير البغوي)) (5/8)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/223)، ((تفسير القرطبي)) (17/209)، ((تفسير النسفي)) (3/ 423)، ((تفسير الخازن)) (4/237)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 715)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/208)، ((تفسير الشوكاني)) (5/183)، ((تفسير القاسمي)) (9/123). وقال مقاتلٌ، والسمرقنديُّ: وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ أي: منصبًّا كثيرًا. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/219)، ((تفسير السمرقندي)) (3/393). .
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32).
أي: وفي فَواكِهَ كَثيرةٍ مُتنَوِّعةٍ [177] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/318)، ((تفسير القرطبي)) (17/210)، ((تفسير ابن كثير)) (7/529). .
كما قال تعالى: مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ [ص: 51] .
لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33).
أي: لا تَنقَطِعُ عنهم تلك الفَواكِهُ في وَقتٍ مِنَ الأوقاتِ، ولا يَمنَعُهم مِن تَناوُلِها مانِعٌ أبَدًا [178] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/318)، ((تفسير القرطبي)) (17/220)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 174)، ((تفسير ابن كثير)) (7/530)، ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/49)، ((تفسير السعدي)) (ص: 833). .
عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((خَسَفَت الشَّمسُ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصَلَّى، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، رَأَيْناك تناوَلْتَ شَيئًا في مَقامِك، ثمَّ رَأَيناك تكَعْكَعْتَ [179] تَكَعْكَعْتَ: أي: توقَّفْتَ وأحجَمْتَ وتأخَّرْتَ إلى وراءٍ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/180)، ((شرح النووي على مسلم)) (6/213). ! قال: إنِّي أُرِيتُ الجنَّةَ، فتناوَلْتُ منها عُنقودًا، ولو أخَذْتُه لأكلْتُم منه ما بَقِيَت الدُّنيا! )) [180] رواه البخاري (748) واللَّفظُ له، ومسلم (907). .
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان التَّفَكُّهُ لا يَكمُلُ الالتِذاذُ به إلَّا مع الرَّاحةِ؛ قال [181] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/208). :
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34).
أي: وهم في فُرُشٍ عاليةٍ مُرتَفِعةٍ [182] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/530)، ((تفسير السعدي)) (ص: 834)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/300)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 338). قيل: المعنى: أنَّ الفُرُشَ مَرفوعةٌ فوقَ السُّرُرِ بعضها فوقَ بعضٍ. وممَّن اختار هذا المعنى في الجملةِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، وجلال الدين المحلي، والسعدي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/219)، ((تفسير ابن جرير)) (22/319)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 715)، ((تفسير السعدي)) (ص: 834)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/300). قال الواحدي: (وجماعةُ المفسِّرينَ قالوا: بعضُها فوقَ بعضٍ، فهي مرفوعةٌ، أي: عاليةٌ). ((البسيط)) (21/234). وقال ابن الجوزي بعدَ أن عرَّف الفُرُشَ بأنَّها الحَشايا المفروشةُ للجلوسِ والنَّومِ، قال: (وفي رفْعِها قَولانِ؛ أحدُهما: أنَّها مرفوعةٌ فوقَ السُّرُرِ. والثَّاني: أنَّ رفْعَها: زيادةُ حَشوِها؛ لِيَطيبَ الاستِمتاعُ بها). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/223). وقيل: الفُرُشُ هي الأَسِرَّةُ. وممَّن اختاره: ابنُ عطيَّة، وابنُ جُزَي. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/244)، ((تفسير ابن جزي)) (2/336). قال ابن عاشور: (والفُرُشُ: جمْعُ فِراشٍ بكسرِ الفاءِ، وهو ما يُفرَشُ... ومَرْفُوعَةٍ: وصْفٌ لفُرُشٍ، أي: مرفوعةٍ على الأسِرَّةِ، أي: ليست مفروشةً في الأرضِ. ويجوزُ أن يُرادَ بالفُرُشِ الأسِرَّةُ، مِن تسميةِ الشَّيءِ باسمِ ما يَحلُّ فيه). ((تفسير ابن عاشور)) (27/300). وقيل: المرادُ بالفُرُشِ: النِّساءُ، ونسَبَه السَّمْعانيُّ لجماعةٍ مِن التَّابِعينَ، ونسَبَه ابنُ عطيَّةَ إلى أبي عُبَيْدةَ. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/350)، ((تفسير ابن عطية)) (5/244). قال ابن الجوزي: (وفي معنى رَفْعِهنَّ ثلاثةُ أقوالٍ؛ أحدُها: أنَّهنَّ رُفِعْنَ بالجَمالِ على نساءِ أهلِ الدُّنيا. والثَّاني: رُفِعنَ عن الأدناسِ. والثَّالثُ: رُفِعنَ في القلوبِ؛ لشِدَّةِ المَيلِ إليهِنَّ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/223). .
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان الَّذي مع الإنسانِ في الفِراشِ الحُورَ العِينَ؛ قال اللهُ تعالى [183] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 338). :
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35).
أي: إنَّا خَلَقْنا نِساءَ أهلِ الجَنَّةِ خَلْقًا فأوجَدْناهنَّ [184] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/319)، ((تفسير الزمخشري)) (4/461)، ((تفسير الرازي)) (29/407)، ((تفسير القرطبي)) (17/210)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 226، 227)، ((تفسير السعدي)) (ص: 834)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 338). قيل: المرادُ: أنَّ اللهَ تعالى ابتدَأَ إنشاءَ خَلْقٍ جَديدٍ لم تَقَعْ عليه وِلادةٌ مِن قَبلُ، وهُنَّ الحُورُ العِينُ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: الزَّجَّاجُ، والواحديُّ، واستظهره أبو حيَّانَ، وذهب إليه الشَّوكانيُّ. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/112)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1061)، ((تفسير أبي حيان)) (10/82)، ((تفسير الشوكاني)) (5/184). قال أبو حيَّان: (الظَّاهِرُ أنَّ الإنشاءَ هو الاختِراعُ الَّذي لم يُسبَقْ بخَلقٍ، ويكونُ ذلك مخصوصًا بالحُورِ اللَّاتي لَسْنَ مِن نَسْلِ آدَمَ، ويحتَمِلُ أن يُريدَ إنشاءَ الإعادةِ، فيَكونَ ذلك لبناتِ آدَمَ). ((تفسير أبي حيان)) (10/82). وقال ابن القيِّم: (الظَّاهرُ أنَّ المرادَ: أنْشَأَهنَّ اللهُ تعالى في الجَنَّةِ إنشاءً [ولَسْنَ هُنَّ نساءَ الآدميَّاتِ]، ويدُلُّ عليه وُجوهٌ: أحدُها: أنَّه قد قال في حقِّ السَّابقِينَ: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [الواقعة: 17] إلى قولِه: كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة: 23] ، فذَكَر سُرُرَهم، وآنيتَهم، وشرابَهم، وفاكهتَهم، وطعامَهم، وأزواجَهم، والحُوْرَ العِينَ، ثمَّ ذَكَرَ أصحابَ المَيمنةِ وطعامَهم، وشرابَهم، وفِراشَهم، ونساءَهم، والظَّاهرُ أنهنَّ مِثْلُ نساءِ مَن قَبْلَهم خُلِقْنَ في الجَنَّةِ. الثَّاني: أنَّه سُبحانَه قال: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً، وهذا ظاهرٌ أنه إنشاءٌ أوَّلُ لا ثانٍ؛ لأنَّه سُبحانَه حيثُ يريدُ الإنشاءَ الثَّانيَ يُقَيِّدُه بذلك، كقولِه: وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى [النجم: 47] ، وقولِه: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى [الواقعة: 62] . الثَّالثُ: أنَّ الخِطابَ بقولِه: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً [الواقعة: 7] إلى آخِرِه للذُّكورِ والإناثِ، والنَّشأةُ الثَّانيةُ عامَّةٌ أيضًا للنَّوعَينِ، وقولُه: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ظاهرُه اختصاصُهُنَّ بهذا الإنشاءِ، وتأمَّلْ تأكيدَه بالمصدرِ). ((حادي الأرواح)) (ص: 226). وقيل: المرادُ: نِساءُ الدُّنيا مِن أهلِ الجنَّةِ. والمعنى: أعاد إنشاءَهنَّ وخَلْقَهنَّ على صِفةٍ أُخرى. وممَّن قال بهذا القَولِ في الجُملةِ: الماوَرْديُّ، وابنُ كثير، والبِقاعي. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (5/455)، ((تفسير ابن كثير)) (7/531)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/209). قال ابنُ الجوزي: (وفي المُشارِ إليهِنَّ قَولانِ؛ أحَدُهما: أنَّهنَّ نِساءُ أهلِ الدُّنيا المؤمِناتُ. ثمَّ في إنشائِهنَّ قَولانِ؛ أحَدُهما: أنَّه إنشاؤُهنَّ مِنَ القُبورِ. قاله ابنُ عبَّاسٍ. والثَّاني: إعادتُهنَّ بعدَ الشَّمَطِ والكِبَرِ صِغارًا. قاله الضَّحَّاكُ. والثَّاني: أنَّهنَّ الحُورُ العِينُ، وإنشاؤُهنَّ: إيجادُهنَّ عن غَيرِ وِلادةٍ. قاله الزَّجَّاجُ. والصَّوابُ أن يُقالَ: إنَّ الإنشاءَ عمَّهنَّ كُلَّهنَّ؛ فالحُورُ أُنشِئْنَ ابتِداءً، والمُؤمِناتُ أُنشِئْنَ بالإعادةِ وتَغييرِ الصِّفاتِ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/223). وممَّن ذهب إلى حَملِ الآيةِ على العُمومِ: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/301). .
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان للنَّفْسِ أتَمُّ التِفاتٍ إلى الاختِصاصِ، وكان الأصلُ في الأُنثى المُنْشأةِ أن تكونَ بِكرًا؛ نَبَّه على أنَّ المرادَ بَكارةٌ لا تَزولُ إلَّا حالَ الوَطْءِ ثمَّ تَعودُ، فكُلَّما عاد إليها وَجَدَها بِكرًا [185] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/209). !
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36).
أي: فجَعَلْناهنَّ أبكارًا عَذارى [186] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/319)، ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص: 244، 245)، ((تفسير السعدي)) (ص: 834)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 338). قال السعدي: (عمومُ ذلك يَشملُ الحُورَ العِينَ ونِساءَ أهلِ الدُّنيا، وأنَّ هذا الوَصفَ -وهو البَكارةُ- ملازِمٌ لهنَّ في جميعِ الأحوالِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 834). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/301). .
عُرُبًا أَتْرَابًا (37).
أي: جَعَلْناهُنَّ مُظهِراتٍ شِدَّةَ مَحبَّتِهنَّ لأزواجِهنَّ، وجعَلْناهُنَّ على سِنٍّ واحِدةٍ في غايةِ الشَّبابِ [187] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/323، 328)، ((تفسير القرطبي)) (17/211)، ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص: 245)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 227)، ((تفسير ابن كثير)) (7/533، 534)، ((تفسير السعدي)) (ص: 834)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/301، 302)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/520). قال البِقاعي: (لَمَّا كان الاتِّفاقُ في السِّنِّ أَدعى إلى المحبَّةِ ومَزيدِ الأُلْفةِ قال: أَتْرَابًا، أي: على سِنٍّ واحدةٍ، وقَدٍّ واحدٍ، بناتِ ثلاثٍ وثلاثينَ سَنةً، وكذا أزواجُهنَّ). ((نظم الدرر)) (19/ 210). وقال ابنُ عاشور: (جُعِلْنَ في سِنٍّ مُتساوِيةٍ لا تفاوُتَ بَيْنَهنَّ، أي: هُنَّ في سِنِّ الشَّبابِ المُستوي، فتكونُ مَحاسِنُهنَّ غَيرَ مُتفاوِتةٍ في جميعِ جِهاتِ الحُسنِ، وعلى هذا فنِساءُ الجنَّةِ هنَّ الموصوفاتُ بأنَّهنَّ «أترابٌ» بَعضُهنَّ لِبَعضٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (27/302). .
كما قال تعالى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ [ص: 52] .
وقال سُبحانَه: وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ: 33] .
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38).
أي: أنشَأْنا تلك النِّسوةَ على تلك الصِّفاتِ لأصحابِ اليَمينِ [188] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/329)، ((تفسير ابن كثير)) (7/535)، ((تفسير السعدي)) (ص: 834)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/302)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/521). وممَّن قال بأنَّ قَولَه تعالى: لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ يتعلَّقُ بقَولِه: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ: ابنُ جرير، وابنُ كثير، والشنقيطيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/329)، ((تفسير ابن كثير)) (7/535)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/521). وقال ابنُ عثيمين: (لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ أي: ذلك المذكورُ مِنَ النَّعيمِ النَّفْسيِّ والبَدَنيِّ لأصحابِ اليَمينِ). ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 338). .
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39).
أي: وأصحابُ اليَمينِ جَماعةٌ كَثيرةٌ مِنَ الأوَّلِينَ [189] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/330)، ((تفسير ابن عطية)) (5/245)، ((تفسير ابن كثير)) (7/536)، ((تفسير السعدي)) (ص: 834). قيل: معنى قَولِه تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ: جماعةٌ كَثيرةٌ مِنَ الأُمَمِ الماضيةِ، وجماعةٌ كثيرةٌ مِن أُمَّةِ محمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، الَّتي هي آخِرُ الأُمَمِ. وممَّن ذهب إلى هذا القَولِ في الجملةِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والواحديُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/219)، ((تفسير ابن جرير)) (22/330)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1061). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: الحسَنُ في روايةٍ عنه، وعَطاءٌ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/330)، ((الوسيط)) للواحدي (4/235). وتقدَّم كلامُ الشنقيطيِّ أنَّ ظاهِرَ القرآنِ في هذا المقامِ أنَّ (الأوَّلينَ) في هذا الموضعِ والموضعِ السَّابقِ مِن الأُممِ الماضيةِ، والآخِرينَ فيهما مِن هذه الأمَّةِ، وتوجيهُه لهذا القولِ. وقيل: المرادُ: جماعةٌ كثيرةٌ مِن أوَّلِ هذه الأمَّةِ المحَمَّديَّةِ، وجماعةٌ كَثيرةٌ مِن آخِرِها. وممَّن ذهب إلى هذا القَولِ في الجملةِ: الزَّجَّاجُ، وابنُ جُزَي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/113)، ((تفسير ابن جزي)) (2/336)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 338). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، وأبو العاليةِ، ومجاهِدٌ، وعَطاءُ بنُ أبي رباحٍ في روايةٍ عنه، والضَّحَّاكُ، والحسَنُ في روايةٍ عنه، ومحمَّدُ بنُ سِيرينَ. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (9/213)، ((تفسير البغوي)) (5/13، 15)، ((تفسير ابن كثير)) (7/519)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (8/19). .
وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40).
أي: وجَماعةٌ كَثيرةٌ مِنَ الآخِرِينَ [190] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/245)، ((تفسير ابن جرير)) (22/330)، ((تفسير ابن كثير)) (7/536)، ((تفسير السعدي)) (ص: 834). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وقَولِه: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ سؤالٌ: ما الحِكمةُ في ذِكرِ الأشجارِ المُورِقةِ بأنفُسِها، وذِكرِ أشجارِ الفواكِهِ بثِمارِها؟
الجوابُ: أنَّ الأوراقَ حُسنُها عندَ كَونِها على الشَّجَرِ، وأمَّا الثِّمارُ فهي في أنفُسِها مَطلوبةٌ، سواءٌ كانت عليها أو مقطوعةً؛ ولهذا صارت الفواكِهُ لها أسماءٌ بها تُعرَفُ أشجارُها، فيُقالُ: شَجَرُ التِّينِ ووَرَقُه [191] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/406). .
2- في قَولِه تعالى: مَخْضُودٍ تنبيهٌ على أنَّ كُلَّ ما لا نَفْعَ فيه، أو فيه نوعُ أَذًى؛ له في الجَنَّةِ وُجودٌ كَريمٌ؛ لأنَّ الجنَّةَ إنَّما خُلِقَت للنَّعيمِ [192] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/207). .
3- في قَولِه تعالى: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ سُؤالٌ: ما الحِكمةُ في وَصفِ الفاكِهةِ بالكَثرةِ، لا بالطِّيْبِ واللَّذَّةِ؟
الجوابُ: أنَّ اللهَ تعالى حيثُ ذَكَر الفاكِهةَ ذَكَر ما يدُلُّ على الكَثرةِ؛ لأنَّها ليست لدَفعِ الحاجةِ حتَّى تكونَ بقَدْرِ الحاجةِ، بل هي للتَّنَعُّمِ؛ فوَصَفَها بالكَثرةِ والتَّنَوُّعِ [193] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/406). .
4- في قَولِه تعالى: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ أنَّ طعامَ الجَنَّةِ، وما فيها: لا يَنفَدُ [194] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/49). .
5- في قَولِه تعالى: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا تَفضيلُ الأبكارِ على الثَّيِّباتِ [195] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/211). .
6- في قَولِه تعالى: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا جَمَع سُبحانَه بيْنَ حُسْنِ صُورتِهنَّ، وحُسْنِ عِشرَتِهنَّ، وهذا غايةُ ما يُطلَبُ مِن النِّساءِ، وبه تَكمُلُ لَذَّةُ الرَّجُلِ بِهنَّ [196] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 227). .
7- في قَولِه تعالى: وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ الظَّاهِرُ أنَّ الآخِرِينَ أكثَرُ؛ فإنَّ وَصْفَ الأوَّلِينَ بالكَثرةِ لا يُنافي كَونَ غَيرِهم أكثَرَ؛ لِيَتَّفِقَ مع إخبارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ هذه الأُمَّةَ ثُلُثا أهلِ الجنَّةِ؛ فقد قال: ((أهلُ الجنَّةِ عِشرونَ ومِئةُ صَفٍّ، ثمانونَ منها مِن هذه الأُمَّةِ، وأربعونَ مِن سائرِ الأمَمِ )) [197] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/211). والحديث أخرجه الترمذيُّ (2546)، وابنُ ماجَه (4289) مِن حديثِ بُرَيْدةَ الأسْلَميِّ رضيَ الله عنه. قال الترمذيُّ: (حيثٌ حسَنٌ)، وصحَّحه ابنُ حِبَّانَ (7460)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2546). ، على قولٍ في معنى الآيةِ.

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ شُروعٌ في تَفصيلِ ما أُجمِلَ عندَ التَّقسيمِ مِن شؤونِهم الفاضِلةِ إثْرَ تَفصيلِ شُؤونِ السَّابقينَ، وعَوْدٌ إلى نشْرِ ما وقَعَ لَفُّه في قولِه: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً [198] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/192)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/298). [الواقعة: 7] .
- جُملةُ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ عطْفٌ على جُملةِ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة: 15] عطْفَ القصَّةِ على القصَّةِ [199] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/298). .
- وجُملةُ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ خبَرٌ عن وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ بإبهامٍ يُفيدُ التَّنويهَ بهم، وهي جُملةٌ استفهاميَّةٌ لتَفخيمِهم، والتَّعجيبِ مِن حالِهم [200] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/192)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/298). .
- الفائدةُ في ذِكرِهم بلَفظِ: مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [الواقعة: 8] عندَ ذِكرِ الأقسامِ، وبلَفظِ أَصْحَابُ الْيَمِينِ عندَ ذِكرِ الإنعامِ مِن وَجهينِ:
 الأوَّلُ: «المَيْمَنةُ» مَفعلةٌ؛ إمَّا بمعْنى مَوضعِ اليمينِ -كالمحكمةِ لموضعِ الحُكمِ-، أي: الأرضُ الَّتي فيها اليمينُ، وإمَّا بمعْنى مَوضعِ اليمنِ -كالمنارةِ مَوضعُ النَّارِ، والمِجْمرةِ مَوضعُ الجمْرِ-؛ فكَيْفما كان فالمَيمنةُ فيها دَلالةٌ على الموضعِ، لكنَّ الأزواجَ الثَّلاثةَ في أوَّلِ الأمرِ يَتميَّزُ بعضُهم عن بَعضٍ ويَتفرَّقون؛ لقولهِ تَعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم: 14] ، وقال: يَصَّدَّعُونَ [الروم: 43] ، فيَتفرَّقونَ بالمكانِ؛ فأشار في الأوَّلِ إليهم بلَفظٍ يدُلُّ على المكانِ، ثمَّ عندَ الثَّوابِ وقَعَ تَفرُّقُهم بأمْرٍ مُبهَمٍ لا يَتشاركونَ فيه كالمكانِ؛ فقال: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ [201] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/404). . الثَّاني: أنَّ ذلك تَفنُّنٌ في العبارةِ، والمعنى واحدٌ [202] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (4/185)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/298). .
2- قولُه تعالَى: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ
- قولُه: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ خبَرٌ ثانٍ للمُبتدَأِ، أو خبَرٌ لمُبتدَأٍ مَحذوفٍ، والجُملةُ استِئنافٌ لبَيانِ ما أُبهِمَ في قولِه تعالى: مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ مِن عُلوِّ الشَّأنِ، أي: همْ في سِدْرٍ غيرِ ذي شَوكٍ، لا كَسِدْرِ الدُّنيا [203] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/192)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/298). .
قيل: خُصَّ السِّدرُ -وكان مَحبوبًا للعرَبِ- بالذِّكرِ مِن بيْنِ شَجرِ الجنَّةِ؛ إغرابًا به وبمَحاسِنِه الَّتي كان مَحرومًا منها مَن لا يَسكُنُ البواديَ، وبوَفْرةِ ظِلِّه، وتَهَدُّلِ أغصانِه، ونَكهةِ ثَمَرِه، ووُصِفَ بالمَخضودِ، أي: المُزالِ شَوكُه؛ فقد كمَلَت مَحاسنُه بانتِفاءِ ما فيه مِن أذًى [204] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/299). .
- قولُه: وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ يُسكَبُ لهم أينَ شاؤوا، وكيف شَاؤوا بلا تعَبٍ، أو مَصبوبٍ سائلٍ، كأنَّه لَمَّا شبَّهَ حالَ السَّابقينَ في التَّنعُّمِ بأعْلى ما يُتصوَّرُ لأهلِ المُدُنِ، شَبَّهَ حالَ أصحابِ اليمينِ بأكمَلِ ما يَتمنَّاهُ أهلُ البوادي؛ إشعارًا بالتَّفاوُتِ بيْن الحالَينِ [205] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/179)، ((تفسير أبي السعود)) (8/193). .
- وسكْبُ الماءِ: صبُّه، وأُطلِقَ هنا على جَرْيِه بقوَّةٍ تُشْبِهُ السَّكبَ، وهو ماءُ أنهارِ الجنَّةِ [206] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/300). .
- ووُصِفَت الفاكهةُ بأنَّها لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَصْفًا بانتفاءِ ضِدِّ المطلوبِ؛ إذ المطلوبُ أنَّها دائمةٌ مَبذولةٌ لهم، والنَّفيُ هنا أوقَعُ مِن الإثباتِ؛ لأنَّه بمَنزِلةِ وصْفٍ وتَوكيدِه [207] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/300). .
- وجُمِعَ بيْن الوصْفينِ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ؛ لأنَّ فاكهةَ الدُّنيا لا تَخْلو مِن أحدِ ضِدَّيْ هذَينِ الوصْفَينِ؛ فإنَّ أصحابَها يَمنعونَها، فإنْ لم يَمنَعوها فإنَّ لها إبَّانًا تَنقطِعُ فيه [208] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/300). .
- قولُه: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إنْ أُرِيدَ بها النِّساءُ كانت كنايةً عن مَوصوفٍ، والعرَبُ تُسمِّي المرأةَ فِراشًا ولِباسًا [209] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/461)، ((تفسير أبي السعود)) (8/193)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/432). . ويَجوزُ أنْ يُرادَ بالفُرُشِ الأَسِرَّةُ؛ مِن تَسميةِ الشَّيءِ باسمِ ما يَحُلُّ فيه [210] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/300). .
3- قولُه تعالَى: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا لَمَّا جَرى ذِكرُ الفُرشِ -وهي ممَّا يُعَدُّ للاتِّكاءِ والاضطجاعِ وقتَ الرَّاحةِ في المَنزلِ- يَخطُرُ بالبالِ بادئَ ذي بَدْءٍ مُصاحَبةُ الحُورِ العِينِ معهم في تلك الفُرُشِ، فيُتشوَّفُ إلى وَصْفِهنَّ، فكانت جُملةُ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً بَيانًا؛ لأنَّ الخاطرَ بمَنزِلةِ السُّؤالِ عن صِفاتِ الرَّفيقاتِ، فضَميرُ المؤنَّثِ مِن أَنْشَأْنَاهُنَّ عائدٌ إلى غيرِ مَذكورٍ في الكلامِ، ولكنَّه مَلحوظٌ في الأفهامِ [211] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/300، 301). .
- في قولِه: عُرُبًا أَتْرَابًا كِنايةٌ عن عَودتِهنَّ أو نَشأتِهنَّ في سِنٍّ صَغيرةٍ [212] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/432). .
4- قولُه تعالَى: لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ
- اللَّامُ في لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ لإفادةِ تَوكيدِ الاعتناءِ بأصحابِ اليمينِ المُستفادِ مِن المقامِ مِن قولِه: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ [الواقعة: 27] الآيةَ [213] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/302، 303). .
- وقيل: إنَّما أُخِّرَ هذا ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ عن ذِكرِ ما لهم مِن النَّعيمِ؛ للإشعارِ بأنَّ عِزَّةَ هذا الصِّنفِ وقِلَّتَه دونَ عِزَّةِ صِنفِ السَّابقينَ؛ فالسابقونَ أعزُّ، وهذه الدَّلالةُ مِن مُستتبَعاتِ التَّراكيبِ المُستفادةِ مِن تَرتيبِ نظْمِ الكلامِ [214] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/303). .