موسوعة التفسير

سورةُ المُؤْمِنونَ
الآيات (105-114)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ

غريب الكلمات:

شِقْوَتُنَا: الشِّقْوةُ مصدرُ شَقِيَ، كالشَّقاوةِ والشَّقاءِ: خلافُ السَّعادةِ، وأصْلُ (شقو): يدُلُّ على المُعاناةِ وخِلافِ السُّهولةِ والسَّعادةِ [923] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/120)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/202)، ((الوسيط)) للواحدي (3/299)، ((المفردات)) للراغب (ص: 460)، ((تفسير القرطبي)) (12/154). .
اخْسَئُوا: أَيِ: اقْعُدوا وامْكُثوا فيها صاغِرينَ، مُهانينَ، أذلَّاءَ، وابْعُدُوا، وأصْلُ (خسأ): يدُلُّ على الإبعادِ [924] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/122)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/182)، ((تفسير ابن كثير)) (5/498)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 309). .
سِخْرِيًّا: أي: استِهزاءً، يُقالُ: سَخِرْتُ منه، واسْتَسْخَرْتُه لِلْهُزْءِ، والسِّخْرِيُّ -بكسْرِ السِّينِ- مِنَ: الهُزءِ، وأصْلُ (سخر): يدُلُّ على احتِقارٍ واستِذلالٍ [925] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 300)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/144)، ((المفردات)) للراغب (ص: 402)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 253)، ((تفسير القرطبي)) (12/154)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 373). .

المعنى الإجمالي:

يخبِرُ اللهُ تعالى أنَّه يقولُ لأهْلِ النَّارِ يومَ القِيامةِ: ألمْ تكُنْ آياتُ كتابي تُقرَأُ عليكمْ في الدُّنيا، فكنتُم تُكذِّبونَ بها؟ فيجيبونَ: رَبَّنا غلَبَ علينا ما سبَقَ لنا في سابِقِ عِلْمِك، وكتبْتَه في اللَّوحِ المحفوظِ، وقدَّرتَه علينا مِن شَقاوةٍ، وكنَّا ضالِّينَ عن الهُدى والرَّشادِ، رَبَّنا أخرِجْنا مِنَ النَّارِ، فإنْ رَجَعْنا إلى الكُفرِ وارتِكابِ السَّيِّئاتِ فإنَّا ظالِمونَ نَستَحِقُّ العقوبةَ.
فيقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لهم: امكُثوا في النَّارِ أذِلَّاءَ حقيرينَ مُبعَدينَ، ولا تُخاطِبوني في إخراجِكم مِنَ النارِ؛ إنَّه كان فَريقٌ مِن عِبادي المُؤمِنينَ يَقولونَ: رَبَّنا آمَنَّا فاغفِرْ ذُنوبَنا وارحَمْنا، وأنت خيرُ الرَّاحِمينَ، فسَخِرتُم منهم، واستهزَأتُم بهم، حتَّى أنْسَوكم -لانِشغالِكم بالسُّخريةِ منهم- ذِكْري، وقد كنتُم تَضحَكونَ منهم في الدنيا عِندَما ترَونَهم. إنِّي جَزيتُ هؤلاء المُؤمِنينَ بسَبَبِ صَبرِهم على أذاكُم، وعلى امتِثالِ الأمرِ واجتِنابِ النَّهيِ: أنَّهم هم الفائزونَ بالجنةِ.
ثم أخبرَ اللهُ تعالى أنَّه قال لهم: كم عَدَدُ السِّنينَ الَّتي أقمْتُموها في الدُّنيا؟ قالوا: أقَمْنا فيها يومًا أو بعضَ يومٍ، فاسأَلِ الحاسِبينَ الضَّابِطينَ لمِقْدارِ ذلك. قال اللهُ تعالى لهم: ما لَبِثتُم في الدُّنيا إلَّا وقْتًا قليلًا، لو كنتُمْ تعلَمونَ أن إقامتَكم في الدنيا قليلةٌ لَمَا آثَرْتُم الدُّنيا الفانيةَ على الآخرةِ الباقيةِ.

تفسير الآيات:

أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105).
أي: يقولُ اللهُ تَعالَى لأهْلِ النَّارِ يومَ القِيامةِ: ألمْ تكُنْ آياتُ كِتابي تَتتابَعُ عليكم قِراءتُها في الدُّنيا شيئًا فشيئًا، فكنتُمْ تُكذِّبون بها [926] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/116)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/188)، ((تفسير السعدي)) (ص: 560)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/127)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/358). ؟
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106).
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا.
أي: قال أهْلُ النَّارِ: ربَّنا غلَبَ علينا ما سبَقَ لنا في سابِقِ عِلْمِك، وكَتبْتَه في اللَّوحِ المَحفوظِ، وما قدَّرْتَه علينا مِن شَقاوةٍ، فكذَّبْنا الرُّسلَ، ولم نَهْتدِ بعدَ قِيامِ الحُجَّةِ علينا؛ لنصيرَ إلى ما سَبَق في عِلمِك [927] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/117)، ((الوسيط)) للواحدي (3/299)، ((تفسير ابن جزي)) (2/58)، ((تفسير ابن كثير)) (5/498)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/358). قال البقاعيُّ: (غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا أي: أهواؤنا الَّتي قادتْنا إلى سُوءِ الأعمالِ الَّتي كانت سببًا ظاهرًا للشَّقاوةِ). ((نظم الدرر)) (13/189). وقال ابنُ عاشورٍ: (الغَلبُ حَقيقتُه: الاستيلاءُ والقهْرُ. وأُطْلِقَ هنا على التَّلبُّسِ بالشِّقوةِ دونَ التَّلبُّسِ بالسَّعادةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (18/127، 128). .
وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ.
أي: وكُنَّا في الدُّنيا قَومًا ضالِّينَ عن طَريقِ الحقِّ، تائهينَ عن سَبيلِ الرَّشادِ [928] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/121)، ((تفسير السعدي)) (ص: 560)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/358، 359). .
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107).
أي: قالوا: ربَّنا أخْرِجْنا مِنَ النَّارِ إلى الدُّنيا، فإنْ عُدْنا إلى ما كنَّا عليه مِنَ الكُفْرِ والعِصيانِ، فنَحنُ ظالِمونَ لأنفُسِنا، ومُستحِقُّونَ للعِقابِ [929] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/122)، ((تفسير القرطبي)) (12/153)، ((تفسير ابن كثير)) (5/498)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/359). قال القرطبيُّ: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ: طَلَبوا الرَّجعةَ إلى الدُّنيا كما طَلَبوها عندَ الموتِ). ((تفسير القرطبي)) (12/153). .
قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108).
أي: قال اللهُ لأهْلِ النَّارِ: اقْعُدوا في النَّارِ ذَلِيلينَ مُبعَدينَ حَقيرينَ، ولا تُكلِّموني في إخراجِكم منها [930] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/122)، ((تفسير السمرقندي)) (2/491)، ((تفسير القرطبي)) (12/153)، ((تفسير ابن كثير)) (5/498)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/359، 360). قال السعديُّ: (وهذا القولُ- نسأَلُه تعالى العافيةَ- أعظَمُ قولٍ على الإطلاقِ يَسمَعُه المُجرِمون في التَّخييبِ، والتَّوبيخِ، والذُّلِّ، والخَسارِ، والتَّأييسِ مِن كلِّ خيرٍ، والبُشرى بكلِّ شَرٍّ، وهذا الكلامُ والغضبُ مِن الرَّبِّ الرَّحيمِ أشَدُّ عليهم وأبلَغُ في نِكايَتِهم مِن عذابِ الجحيمِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 560). وقال ابنُ عاشورٍ: (نُهُوا عن خِطابِ اللهِ، والمقصودُ تأْييسُهم مِنَ النَّجاةِ ممَّا هم فيه). ((تفسير ابن عاشور)) (18/129). .
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى ذَكَرَ الحالَ الَّتي أوصَلَتِ المُشركينَ إلى العذابِ، وقطَعَتْ عنهم الرَّحمةَ، فقال [931] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 560). :
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109).
أي: إنَّه [932] قال الشنقيطي: (قد تَقَرَّر في الأصولِ في مسلكِ الإيماءِ وَالتَّنبيهِ، أَنَّ «إِنَّ» المكسورةَ المشدَّدَةَ مِنْ حروفِ التَّعليلِ، كقولِك: عاقِبْه إنَّه مُسِيءٌ؛ أي: لأجلِ إِساءَتِه، وقولُه في هذه الآيةِ: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَدُلُّ فيه لفظُ «إِنَّ» المكسورةِ المشدَّدةِ على أنَّ الأسبابَ الَّتي أدخلَتْهم النَّارَ هو استهزاؤُهم، وسخريتُهم مِنَ الفريقِ المؤمنِ الَّذي يقولُ: ربَّنا آمنَّا فاغفِرْ لنا وارحَمْنا وأنتَ خيرُ الرَّاحمينَ، فالكفَّارُ يَسخرونَ مِنْ ضعفاءِ المؤمنينَ في الدُّنيا حتَّى يُنسيَهم ذلك ذِكْرَ اللهِ والإيمانَ به؛ فيَدخُلونَ بذلك النَّارَ). ((أضواء البيان)) (5/360). كان في الدُّنيا جَماعةٌ مِن عِبادي المُؤمنينَ المُستضعَفينَ يَقولون في دُعائِهم: ربَّنا آمَنَّا بكَ وبجَميعِ ما جاءتْ به رُسلُكَ؛ فاسْتُرْ ذُنوبَنا، وتَجاوَزْ عن مُؤاخَذَتِنا بها، وارحَمْنا وأنتَ أَفضَلُ مَن رحِمَ [933] يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/418)، ((تفسير ابن جرير)) (17/125)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/190)، ((السراج المنير)) للشربيني (2/593)، ((تفسير أبي السعود)) (6/152)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/360). ممَّن اختار أنَّ المرادَ بقولِه: فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي: المؤمنون: ابنُ جرير، والواحدي، والبغوي، وابن كثير، والشوكاني، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/126) ((البسيط)) للواحدي (16/76)، ((تفسير البغوي)) (3/376)، ((تفسير ابن كثير)) (5/499)، ((تفسير الشوكاني)) (3/591)، ((تفسير القاسمي)) (7/304). وقيل المرادُ: الصحابةُ، وقيل: المرادُ: المهاجرون. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (16/76)، ((تفسير الشوكاني)) (3/591). قال ابنُ عطيَّةَ: (هذه الآيةُ كلُّها ممَّا يُقالُ للكُفَّارِ على جِهةِ التَّوبيخِ، والفريقُ المُشارُ إليه: كلُّ مُستضعَفٍ مِن المؤمنينَ يَتَّفِقُ أنْ تكونَ حالُه مع كُفَّارٍ في مِثْلِ هذه الحالِ، ونزَلَتِ الآيةُ في كفَّارِ قُريشٍ مع صُهيبٍ وبلالٍ وعمَّارٍ ونظرائِهم، ثمَّ هي عامَّةٌ فيمَن جرى مَجْراهم قديمًا وبقيَّةَ الدَّهرِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/157). .
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110).
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
في قولِه تعالى: سِخْرِيًّا قِراءتانِ:
1- قِراءةُ سُخْرِيًّا بضَمِّ السِّينِ. قيل: مِنَ السُّخرةِ والاستِخدامِ. وقيل: هي بمعنى الاستِهزاءِ كالقِراءةِ الأُخرى [934] قرأ بها نافع، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/329). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير ابن جرير)) (17/126، 127)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/196، 197)، ((تفسير ابن عطية)) (4/157، 158)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (8/371، 372). قال الشنقيطي: (ومعنى القراءتينِ واحِدٌ، وهو سُخريَّةُ الكُفَّارِ واستِهزاؤُهم بضُعَفاءِ المؤمنينَ...، وممَّن قال بأنَّ معناهما واحِدٌ: الخليلُ وسيبويهِ، وهو الحَقُّ إن شاء اللهُ تعالى. وعن الكِسائيِّ والفَرَّاءِ: أنَّ السِّخْريَّ -بكَسرِ السِّينِ- مِن قَبيلِ ما ذكَرْنا مِن الاستِهزاءِ، وأنَّ السُّخْريَّ -بضَمِّ السِّينِ- مِن التَّسخيرِ الذي هو التَّذليلُ والعُبوديَّةُ، والمعنى: أنَّ الكُفَّارَ يُسَخِّرونَ ضُعَفاءَ المؤمِنينَ ويَستَعبِدونَهم، كما كان يَفعَلُه أميَّةُ بنُ خَلَفٍ ببَلالٍ. ولا يخفى أنَّ الصَّوابَ هو ما ذكَرْنا إن شاء اللهُ تعالى). ((أضواء البيان)) (5/360). .
2- قراءةُ: سِخْرِيًّا بكَسرِ السِّينِ، بمعنى: الاستِهزاءِ [935] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/329). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير ابن جرير)) (17/126، 127)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/196، 197)، ((تفسير ابن عطية)) (4/157، 158)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (8/371، 372). .
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110).
أي: فاسْتهزأْتُم بهؤلاءِ المؤمنينَ إلى أنْ أَنساكُمْ اشتِغالُكم بالسُّخريةِ منهم ذِكْري [936] قيل: المرادُ: ذِكرُ اللهِ. وممَّن اختاره: يحيى بنُ سلام، وابن أبي زمنين، وأبو حيان، والقنوجي. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/419)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/214)، ((تفسير أبي حيان)) (7/587) ((تفسير القنوجي)) (9/155). وقيل: حتَّى أنْساهم ذلك ذكْرَ اللهِ والإيمانَ به. قالَهُ الشنقيطيُّ. يُنظر: ((أضواء البيان)) (5/361). وقيل: يعني: الإيمانَ بالقُرآنِ. قاله مقاتلُ بن سليمانَ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/167). وقيل: يعني: العمَلَ بطاعتي. قاله السمرقنديُّ. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/491). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن كثير)) (5/499). ، وكنتُمْ تَضْحَكون منهم في الدُّنيا [937] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/167)، ((تفسير ابن جرير)) (17/126، 128)، ((تفسير السمرقندي)) (2/491)، ((تفسير ابن كثير)) (5/499)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/361). قال السعديُّ: (وهذا الَّذي أوجَبَ لهم نِسيانَ الذِّكرِ اشتِغالُهم بالاستِهزاءِ بهم، كما أنَّ نِسيانَهم للذِّكرِ يَحثُّهم على الاستِهزاءِ؛ فكلٌّ مِنَ الأمرينِ يمُدُّ الآخَرَ). ((تفسير السعدي)) (ص: 560). .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ [المطففين: 29 - 32] .
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111).
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا.
أي: إنِّي جَزَيتُ هؤلاء المُؤمنينَ الَّذين اتَّخذْتُموهم سِخْرِيًّا وكنتُمْ تَضْحَكون منهم؛ بسبَبِ صَبْرِهم على ما نالَهُم في الدُّنيا منكم مِن أذًى واستِهزاءٍ، وصبرِهم على الطَّاعةِ، وعن المعصيةِ [938] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/128)، ((تفسير القرطبي)) (12/155)، ((تفسير ابن كثير)) (5/499)، ((تفسير السعدي)) (ص: 560)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/361). قال الشنقيطيُّ: (قولُه: بِمَا صَبَرُوا أي: بسببِ صبرِهم في دارِ الدُّنيا على أذَى الكفَّارِ الَّذينَ اتَّخَذوهم سِخْرِيًّا، وعلى غيرِ ذلك مِن امتثالِ أمْرِ اللهِ واجتنابِ نَهْيِه). ((أضواء البيان)) (5/361). .
كما قال تعالى: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان: 12] .
أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ.
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
في قولِه تعالى: أَنَّهُمْ قِراءتانِ:
1- قِراءةُ إِنَّهُمْ على معنى الاستِئنافِ، وهو استِئنافٌ مُعَلِّلٌ للجَزاءِ. وقيل: مُبَيِّنٌ لِكَيفيَّتِه. ويكونُ الكلامُ تامًّا عندَ قولِه تعالى: بِمَا صَبَرُوا [939] قرَأَ بها حمزةُ، والكِسائيُّ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/329، 330). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((حجة القراءات)) لابن خالويه (ص: 259)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/197)، ((تفسير الألوسي)) (9/268). .
2- قِراءةُ أَنَّهُمْ قِيلَ: على معنى التَّعليلِ لِمَا سبَقَ، فتكونُ مُوافِقةً للقِراءةِ الأُولى؛ فإنَّ الاستئنافَ يُعَلَّلُ به أيضًا. أي: جَزَيتُهم اليومَ بما صَبَروا؛ لأنَّهم همُ الفائِزونَ. وقيلَ: على معنى المفعوليَّةِ، أي: جَزَيتُهم اليومَ بصَبْرِهم الفَوْزَ [940] قرَأَ بها الباقونَ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/329، 330). ويُنظر لمعنى هذه القِراءةِ: ((حجة القراءات)) لابن خالويه (ص: 259)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/197)، ((الدر المصون)) للسمين (8/ 372). .
أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ.
أي: أنَّهم الفائِزونَ بالنَّعيمِ المُقيمِ في الجنَّةِ، النَّاجونَ مِن عَذابِ النَّارِ [941] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/128، 129)، ((تفسير القرطبي)) (12/155)، ((تفسير ابن كثير)) (5/499)، ((السراج المنير)) للشربيني (2/593)، ((تفسير السعدي)) (ص: 560). .
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112).
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قِراءةُ (قُلْ) على الأمْرِ بغَيرِ ألِفٍ، قِيلَ: هو أمْرٌ للمَلَكِ أنْ يسأَلَهم يومَ البَعثِ عن قَدْرِ مُكْثِهم في الدُّنيا، أو عن قَدْرِ لُبْثِهم في قُبورِهم. وقِيلَ: المعنى: قُولوا: كم لَبِثْتُم؟ فأُخرِجَ الكلامُ مُخرَجَ الأمْرِ للواحدِ، والمُرادُ: الجَماعةُ. وقِيلَ: المعنى: قُلْ: أيُّها الكُفَّارُ، كم لَبِثْتُم في الدُّنيا أو في قُبورِكم [942] قرَأَ بها ابنُ كثيرٍ، وحمزةُ، والكِسائيُّ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/330). ويُنظَر لمعنى هذه القِراءةِ: ((معاني القراءات)) للأزهري (2/198)، ((تفسير القرطبي)) (12/155، 156). ؟
2- قِراءةُ قَالَ بالألِفِ على الخبَرِ، أي: قالَ اللهُ تعالى لهم، أو قالتِ الملائكةُ لهم: كمْ لَبِثْتُم في الدُّنيا أو في قُبورِكم [943] قرَأَ بها الباقونَ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/330). ويُنظَر لمعنى هذه القِراءةِ: ((حُجَّة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 493)، ((تفسير القرطبي)) (12/155، 156). ؟
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112).
أي: قال اللهُ في الآخِرةِ لأُولئكَ الأشقياءِ: كمْ كانتْ مُدَّةُ مُكْثِكم في الأرضِ مِنَ السِّنينَ [944] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/130، 131)، ((تفسير البيضاوي)) (4/97)، ((تفسير ابن كثير)) (5/500). قيلَ: المُرادُ: كمْ لبِثْتُم في الدُّنيا. وممَّن قال بذلك: ابنُ جريرٍ، والثعلبي، وابنُ كثيرٍ، والنسفي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/130، 131)، ((تفسير الثعلبي)) (7/59)، ((تفسير ابن كثير)) (5/500)، ((تفسير النسفي)) (2/484). وقِيلَ: المُرادُ: كم لَبِثْتُم في القُبورِ. وممَّن ذهَبَ إلى هذا المعنى: مُقاتلُ بنُ سليمانَ، والسمرقندي، ومكِّي، ونسَبَه ابنُ عطيَّة لجُمهورِ المفسِّرينَ ورجَّحَه، وهو ظاهرُ اختيارِ ابنِ عاشورٍ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/167)، ((تفسير السمرقندي)) (2/492)، ((الهداية الى بلوغ النهاية)) لمكِّي (7/5010)، ((تفسير ابن عطية)) (4/158)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/131). وممَّن جمَعَ بيْن القَولينِ: الواحديُّ، والبغويُّ، والخازنُ. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/300)، ((تفسير البغوي)) (3/377)، ((تفسير الخازن)) (3/278). قال الرازيُّ: (الغرَضُ مِن هذا السُّؤالِ التبكيتُ والتوبيخُ؛ فقد كانوا يُنكرون اللُّبثَ في الآخِرَة أصلًا، ولا يَعدُّون اللُّبثَ إلَّا في دارِ الدنيا، ويظنُّون أنَّ بعدَ الموتِ يدومُ الفناءُ ولا إعادةَ؛ فلمَّا حُصِّلوا في النارِ، وأيقنوا أنَّها دائمةٌ، وهم فيها مخلَّدون سألهم: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ؟ تنبيهًا لهم على أنَّ ما ظنُّوه دائمًا طويلًا فهو يسيرٌ بالإضافةِ إلى ما أنكروه، فحينَئذٍ تحصُلُ لهم الحسرةُ على ما كانوا يَعتقدونَه في الدنيا مِن حيثُ أيقنوا خِلافَه؛ فليس الغرضُ السؤالَ، بل الغرضُ ما ذَكَرْنا). ((تفسير الرازي)) (23/298). وقال القرطبيُّ: (هذا السُّؤالُ للمُشركينَ في عَرصاتِ القيامةِ أو في النَّارِ). ((تفسير القرطبي)) (12/155). وقال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى مُنبِّهًا لهم على ما أضاعوهُ في عُمرِهم القصيرِ في الدُّنيا؛ مِن طاعةِ اللهِ تعالى وعِبادته وحْدَه، ولو صَبَروا في مُدَّةِ الدُّنيا القصيرةِ لَفازوا كما فازَ أولياؤُه المتَّقونَ). ((تفسير ابن كثير)) (5/500). ويُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 560). وقال البقاعيُّ: (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ على تلك الحالِ الَّتي كُنْتُم تعُدُّونها فوزًا، عَدَدَ سِنِينَ أنتم فيها ظافِرونَ، ولأعدائِكم قاهِرونَ، ولعلَّه عبَّرَ بما منه الإسناتُ الَّذي معناهُ القحْطُ؛ إشارةً إلى أنَّ أيَّامَ الدُّنيا ضِيِّقةٌ حرِجةٌ وإنْ كان فيها سَعةٌ، ولا سيَّما للكفَرةِ بكُفْرِهم وخُبْثِهم ومَكْرِهم الَّذي جرَّهم إلى أضيقِ الضِّيقِ وأسوَأِ العَيشِ). ((نظم الدرر)) (13/193). ؟
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113).
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.
أي: قالوا: مَكَثْنا في الأرضِ يومًا أو بعضَ يومٍ [945] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (16/83)، ((تفسير البيضاوي)) (4/97)، ((تفسير الخازن)) (3/278). .
فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ.
أي: فاسأَلِ الحاسِبينَ الضَّابطينَ لِمِقدارِ ذلك [946] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/132)، ((تفسير القرطبي)) (12/156)، ((تفسير ابن كثير)) (5/500)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/362). قال ابنُ جريرٍ: (أَولى الأقوالِ في ذلك بالصَّوابِ: أنْ يُقالَ كما قال اللهُ جَلَّ ثناؤُه: فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون: 113] ، وهمُ الَّذينَ يعُدُّون عدَدَ الشُّهورِ والسِّنينَ وغيرِ ذلك. وجائزٌ أنْ يكونوا الملائكةَ، وجائزٌ أنْ يكونوا بني آدَمَ وغيرَهم، ولا حُجَّةَ بأيِّ ذلك مِن أيٍّ ثبَتَتْ صِحَّتُها؛ فغيرُ جائزٍ تَوجيهُ معنى ذلك إلى بَعضِ العادِّينَ دونَ بَعضٍ). ((تفسير ابن جرير)) (17/132). وقال البقاعيُّ: (ولَمَّا كان المَكَرةُ في الدُّنيا إذا أرادُوا تَمشيةَ كَذِبِهم، قالوا لمَن أخبَروهُ فتوقَّفَ في خبَرِهم: سَلْ فُلانًا؛ إيثاقًا بإخبارِهم، وسَتْرًا لعَوارِهم، جَرَوا على ذلك تَمادِيًا منهم في الجَهلِ بالعليمِ القديرِ في قولِهم: فَاسْأَلِ أي: لِتعلَمَ صِدْقَ خبَرِنا، أو بسبَبِ ترَدُّدِنا في العِلْمِ بحقيقةِ الحالِ لتَحريرِ حَقيقةِ المُدَّةِ، الْعَادِّينَ. ويحتملُ أيضًا قصْد التَّرقيقِ عليهم؛ بالإشارةِ إلى أنَّ ما هم فيه مِنَ العذابِ شاغِلٌ لهم عن أنْ يَتصوَّرُوا شيئًا حاضِرًا مَحسوسًا، فضلًا عن أنْ يكونَ ماضيًا، فضلًا عن أنْ يكون فِكْريًّا، فكيف إنْ كان حسابًا؟!). ((نظم الدرر)) (13/193، 194). .
قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114).
قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا.
أي: قال اللهُ لهم: ما لَبِثْتُم في الأرضِ إلَّا وقْتًا يَسيرًا [947] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/132)، ((تفسير القرطبي)) (12/156)، ((تفسير ابن كثير)) (5/500)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/362). قال البقاعيُّ: (إِلَّا قَلِيلًا أي: هو مِنَ القِلَّةِ بحيث لا يُسمَّى، بلْ هو عدَمٌ). ((نظم الدرر)) (13/195). وقال الشِّنقيطيُّ: (لأنَّ مُدَّةِ مُكْثِهم في الدُّنيا قليلةٌ جِدًّا بالنِّسبةِ إلى طُولِ مُدَّتِهم خالدينَ في النَّارِ). ((أضواء البيان)) (5/362). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (12/156). .
لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
أي: لو أنَّكم كنتُمْ تَعلَمون قِلَّةَ لُبْثِكم في الدُّنيا لَمَا آثرْتُم الدُّنيا الفانيةَ على الآخِرَةِ الباقيةِ، فترَكْتُم طاعةَ اللهِ في تلك المُدَّةِ القَصيرةِ، واستَحْقَقْتُم سَخَطَهُ، وخَسِرْتُم النَّعيمَ الأبديَّ [948] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/132)، ((الوسيط)) للواحدي (3/300)، ((تفسير ابن كثير)) (5/500). .

الفوائد التربوية:

1- قال تعالى: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ جَمَعوا بيْنَ الإيمانِ المُقتضي لأعمالِه الصَّالحةِ، والدُّعاءِ لِرَبِّهم بالمَغْفرةِ والرَّحمةِ، والتَّوسُّلِ إليه برُبوبيَّتِه، ومِنَّتِه عليهم بالإيمانِ، والإخبارِ بسَعةِ رَحمَتِه، وعُمومِ إحسانِه، وفي ضِمْنِه ما يدُلُّ على خُضوعِهم وخُشوعِهم وانكسارِهم لِرَبِّهم، وخَوفِهم ورَجائِهم. فهؤلاء ساداتُ النَّاسِ وفُضلاؤهم [949] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 560). .
2- مِن أنواعِ التوسُّلِ المشروعِ في دعاءِ الله تعالى: التوسُّلُ إلى اللهِ تعالَى بالإيمانِ به وطاعتِه؛ كقولِه تعالى: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وقولِه عن أُولي الألبابِ: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا [950] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (2/341). [آل عمران: 193] .
3- في قولِه تعالى: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ إلى قولِه سُبحانَه: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون: 116] ، هذه الآياتُ تُبيِّنُ أنَّ الإنسانَ يَنْبَغي له أنْ يَنتهِزَ فُرصةَ العُمرِ، وألَّا يَخسَرَ عُمرَه كما خَسِرَه هؤلاءِ، وأنَّه سوفَ يُبعَثُ ويُجازَى ويُحاسَبُ على عمَلِه، فنسأَلُ اللهَ تعالى أنْ يَجعَلَنا وإيَّاكم ممَّن حِسابُه يَسيرٌ، ومآلُه إلى دارِ القَرارِ في جنَّاتِ النَّعيمِ [951] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/454). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي: في عِدادِ مَن يَعلَمُ في ذلك الوقْتِ، لَمَا آثرْتُمُ الفانِيَ على الباقي، ولَأقْبَلْتُم على ما يَنفَعُكم، وتَركْتُم الخَلاعةَ الَّتي لا يَرْضاها عاقِلٌ، ولا يكونُ على تَقديرِ الرِّضا بفِعْلِها إلَّا بعدَ الفراغِ مِنَ المُهِمِّ، ولكنَّكم كنتُمْ في عِدادِ البهائمِ. وفي ذلك تَنبيهٌ للمُؤمنينَ -الَّذين هم الوارِثونَ- على الشُّكرِ على ما منَحَهُم؛ مِن السُّرورِ بإهلاكِ أعدائهِم، وإيراثِهم أرْضَهم ودِيارَهم، مع إعزازِهم، والبَرَكةِ في أعمارِهم، بعدَ إراحَتِهم منهم في الدُّنيا، ثمَّ بإدامةِ سَعادتِهم في الآخرةِ، وشَقاوةِ أعدائِهم [952] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/195). .
5- قال اللهُ تعالى: قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، إنَّما ذكَرَ قَلِيلًا؛ لأنَّ الواحِدَ مِن أهْلِ الدُّنْيا وإنْ لَبِثَ في الدُّنْيا سِنينَ كثيرةً، فإنَّه يكونُ قَلِيلًا في جَنبِ ما يلْبَثُ في الآخرةِ [953] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/494). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ، لمَّا كان مُجرَّدُ ذِكْرِ الآياتِ كافيًا في الإيمانِ، نبَّهَ على ذلك بالبِناءِ للمفعولِ: تُتْلَى عَلَيْكُمْ [954] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/188). .
2- عن زَيدِ بنِ أسلَمَ، قال: (واللهِ ما قالَتِ القَدريَّةُ كما قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ، ولا كما قالتِ الملائكةُ، ولا كما قال النَّبيُّونَ، ولا كما قال أهْلُ الجنَّةِ، ولا كما قال أهْلُ النَّارِ، ولا كما قال أخُوهم إبليسُ؛ قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30] ، وقالتِ الملائكةُ: سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا [البقرة: 32] ، وقال شُعيبٌ: وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا [الأعراف: 89] ، وقال أهْلُ الجنَّةِ: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف: 43] ، وقال أهْلُ النَّارِ: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا، وقال أخُوهم إبليسُ: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر: 39] ) [955] أخرجه الفريابي في ((القدر)) (ص: 155). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ، فيه سُؤالٌ: كيف يَجوزُ أنْ يَطلُبوا ذلك، وقد عَلِموا أنَّ عِقابَهم دائمٌ؟
الجوابُ: يجوزُ أنْ يَلْحَقَهمُ السَّهوُ عن ذلك في أحوالِ شِدَّةِ العذابِ، فيسأَلونَ الرَّجعةَ. ويَحتمِلُ أنْ يكونَ مع عِلْمِهم بذلك، يسأَلون ذلك على وَجْهِ الغَوثِ والاستِرواحِ [956] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/297). .
4- أنَّ عَذابَ الكافرينَ عَذابٌ مُؤلِمٌ ألَمًا نَفْسيًّا، وألَمًا جُسمانيًّا؛ فأمَّا الألَمُ النَّفْسيُّ فدَليلُه قولُه تعالى: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ؛ فهذا مِن أبلَغِ ما يكونُ مِن الإذلالِ الَّذي به الألَمُ النَّفسيُّ، وأمَّا الألَمُ البَدنيُّ فدليلُه قَولُ اللهِ تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 56] ، وقولُه تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد: 15] ، وقولُه تعالى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [957] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/265). [الحج: 19 - 22] .
5- قال اللهُ تعالى: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ يُستفادُ مِن هذا: التَّحذيرُ مِن السُّخريةِ والاستِهزاءِ بالضُّعفاءِ والمساكينِ، والاحتِقارِ لهم، والإزراءِ عليهم، والاشتِغالِ بهم فيما لا يُغْني، وأنَّ ذلك مُبْعِدٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ [958] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (12/155). .
6- قَولُ اللهِ تعالى: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، احتَجَّ مَن أنكَرَ عذابَ القبْرِ بهذه الآيةِ، فقال: قولُه: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ يَتناوَلُ زَمانَ كَونِهم أحياءً فوقَ الأرضِ، وزَمانَ كَونِهم أمواتًا في بطْنِ الأرضِ؛ فلو كانوا مُعذَّبِينَ في القبْرِ لَعَلِموا أنَّ مُدَّةَ مُكْثِهم في الأرضِ طويلةٌ، فما كانوا يقولونَ: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ؟ والجوابُ مِن وَجْهينِ:
الوجْه الأوَّلِ: أنَّ الجوابَ لا بُدَّ أنْ يكونَ بحسَبِ السُّؤالِ، وإنَّما سُئِلوا عن مَوتٍ لا حياةَ بَعدَه إلَّا في الآخرةِ، وذلك لا يكونُ إلَّا بَعدَ عذابِ القبْرِ.
الوَجْه الثَّاني: يَحتمِلُ أنْ يَكونوا سُئلوا عن قَدْرِ اللُّبثِ الَّذي اجْتَمَعوا فيه، فلا يَدخُلُ في ذلك تَقدُّمُ مَوتِ بَعضِهم على البعضِ؛ فيَصِحُّ أنْ يكونَ جَوابُهم لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ عندَ أنفُسِنا [959] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/299). .
7- قَولُ اللهِ تعالى: قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ، فيه سُؤالٌ: إنْ قِيلَ: كيف يصِحُّ في جَوابِهم أنْ يَقولوا: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، ولا يقَعُ مِن أهْلِ النَّارِ الكذِبُ؟
الجوابُ: لعلَّهم نَسُوا ذلك؛ لكَثرةِ ما هم فيه مِن الأهوالِ، وقدِ اعْتَرَفوا بهذا النِّسيانِ حيث قالوا: فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ.
وقِيلَ: مُرادُهم بقولِهم: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ: تَصغيرُ لُبْثِهم وتَحقيرُه بالإضافةِ إلى ما وَقَعوا فيه وعَرَفُوه مِن ألِيمِ العذابِ [960] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/298). .
8- قَولُ اللهِ تعالى: قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ، فيه سُؤالٌ: هذه الآيةُ الكريمةُ تدُلُّ على أنَّ الكُفَّارَ يَزعُمون يومَ القيامةِ أنَّهم ما لَبِثوا إلَّا يومًا أو بعضَ يومٍ، وقد جاءت آياتٌ أُخَرُ يُفهَمُ منها خِلافُ ذلك؛ كقولِه تعالى: يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا [طه: 103] ، وقولِه تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم: 55] ؟
الجوابُ عن هذا بما دَلَّ عليه القُرآنُ؛ وذلك أنَّ بَعضَهم يقولُ: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف: 19] [المؤمنون: 113] ، وبَعضَهم يقولُ: لَبِثْنا ساعةً، وبعضَهم يقولُ: لَبِثْنا عشْرًا. ووَجْهُ دَلالةِ القُرآنِ على هذا: أنَّه بيَّنَ أنَّ أقْواهم إدراكًا، وأرجَحَهم عقْلًا، وأمثَلَهم طَريقةً، هو مَن يقولُ: إنَّ مُدَّةَ لُبْثِهم يومٌ، وذلك قولُه تعالى: إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا [طه: 104] ؛ فدَلَّ ذلك على اختِلافِ أقوالِهم في مُدَّةِ لُبْثِهم، والعِلْمُ عندَ اللهِ تعالى [961] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص: 165، 166). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ
- قولُه: أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ على إضمارِ القولِ تَعنيفًا وتَوبيخًا، وتَذكيرًا لِمَا به اسْتَحقُّوا ما ابْتُلُوا به مِن العذابِ. والاستفهامُ للإنكارِ [962] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/96)، ((تفسير أبي السعود)) (6/151)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/127). .
- وقولُه: أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ ليس بتَكرارٍ لقَولِه قَبْلَه: قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ [المؤمنون: 66] ؛ لأنَّ الأوَّلَ في الدُّنيا عندَ نُزولِ العَذابِ، وهو الجَدبُ عندَ بَعضِهم، ويومُ بَدرٍ عندَ بعضِهم. والثَّاني في القيامةِ وهم في الجَحيمِ؛ بدَليلِ قولِه: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا [963] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 185)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/333)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 392). [المؤمنون: 107] .
- قَولُه: فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ فيه تقديمُ الجارِّ والمجرورِ بِهَا؛ للإعلامِ بمُبالَغَتِهم في التَّكذيبِ [964] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/188، 189). .
2- قوله تعالى: قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ
- مَفعولُ غَلَبَتْ مَحذوفٌ يدُلُّ عليه شِقْوَتُنَا؛ لأنَّ الشِّقوةَ تُقابِلُها السَّعادةُ، أي: غلَبَتْ شِقوتُنا السَّعادةَ [965] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/127، 128). .
- ومُثِّلَت حالةُ اختيارِهم لأسبابِ الشِّقوةِ بَدَلَ أسبابِ السَّعادةِ بحالةٍ غائرةٍ بيْنَ السَّعادةِ والشَّقاوةِ على نُفوسِهم. وإضافةُ الشِّقوةِ إلى ضَميرِهم؛ لاختِصاصِها بهم حين صارَتْ غالِبةً عليهم [966] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/128). .
- وفي جَعْلِ الخبَرِ قَوْمًا ضَالِّينَ دونَ الاقتِصارِ على ضَالِّينَ تنبيهٌ على أنَّ الضَّلالةَ سَجِيَّةٌ فيهم ومن شِيمَتِهم حتَّى كأنَّها مِن مُقَوِّماتِ قَوميَّتِهم [967] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/128). .
3- قولُه تعالى: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ تَدرُّجٌ مِن الإقرارِ بالذَّنْبِ إلى الرَّغبةِ والتَّضرُّعِ [968] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/586). .
- وحُذِفَ مُتعلَّقُ عُدْنَا؛ لِظُهورِه مِن المَقامِ؛ إذ كان إلْقاؤهم في النَّارِ لأجْلِ الإشراكِ والتَّكذيبِ، كما دَلَّ عليه قولُهم: وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ [969] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/128). .
4- قولُه تعالى: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ استِئنافٌ قُصِدَ منه إغاظَتُهم بمُقابَلةِ حالِهم يومَ العذابِ بحالِ الَّذين أنعَمَ اللهُ عليهم، وتَحسيرُهم على ما كانوا يُعامِلون به المُسلمينَ [970] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/129). . وقيل: تَعليلٌ لِمَا قَبلَه مِن الزَّجرِ عن الدُّعاءِ [971] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/152). . وهذه الآيةُ مِن الخبَرِ الَّذي يُقالُ للكُفَّارِ على جِهَةِ التَّوبيخِ [972] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/587). .
- والإخبارُ في قولِه: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي إلى قولِه: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا مُستعمَلٌ في كَونِ المُتكلِّمِ عالِمًا بمَضمونِ الخَبرِ؛ بقَرينةِ أنَّ المُخاطَبَ يَعلَمُ أحوالَ نَفْسِه. وتأْكيدُ الخَبرِ بـ (إنَّ) وضَميرِ الشَّأنِ؛ للتَّعجيلِ بإرهابِهم [973] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/129). .
5- قوله تعالى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ
- قولُه: حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي مُتضمِّنٌ للتَّخويفِ؛ لِوُرودِه تَوبيخًا للقومِ، وأنَّه إنَّما جَرَّهم إلى السُّخريةِ بأولياءِ اللهِ تَرْكُ الذِّكرِ المُؤدِّي إلى عدَمِ الخَوفِ مِن اللهِ تعالى؛ فقولُه: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا مُرتَّبٌ على قولِه: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وهو تَعليلٌ لقولِه: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [974] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/632، 633). .
- قولُه: سِخْرِيًّا مَصدرٌ زِيدَتْ فيه ياءُ النِّسبةِ؛ للمُبالَغةِ [975] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/205)، ((تفسير البيضاوي)) (4/96)، ((تفسير أبي حيان)) (7/587)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/129). ، وسُلِّطَ الاتِّخاذُ على المصدرِ في قولِه: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا؛ للمُبالَغةِ، كما يُوصَفُ بالمَصدرِ [976] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/129). .
- قوله: حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ اسْتِهْزَاءً بِهِم، وأضافَ الإنساءَ إلى المُؤمنينَ؛ لأنَّهم كانوا سببًا لاشتِغالِهم عن ذِكْرِه، وتَعدِّي شُؤمِ استِهزائِهم بالمُؤمنينَ إلى استِيلاءِ الكُفْرِ على قُلوبِهم [977] يُنظر: تفسير القرطبي (12/155). .
وَكُنْتُمْ أي: بأخلاقٍ هي كالجِبِلَّةِ، مِنْهُمْ أي: خاصَّةً، تَضْحَكُونَ كأنَّهم لَمَّا صَرَفوا قُواهُمْ إلى الاستِهزاءِ بهم، عُدَّ ضَحِكُهم مِن غَيرِهم عدَمًا [978] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/191). .
6- قولُه تعالى: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ استِئنافٌ لِبَيانِ حُسنِ حالِهم، وأنَّهم انْتَفَعوا بما آذَوْهم [979] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/152). . وقيل: خبَرُ (إنَّ) في قولِه: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ؛ لزِيادةِ التَّأكيدِ [980] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/129). .
- قولُه: بِمَا صَبَرُوا إدماجٌ للتَّنويهِ بالصَّبرِ، والتَّنبيهِ على أنَّ سُخريَّتَهم بهم كانت سَببًا في صَبْرِهم الَّذي أكسَبَهم الجَزاءَ. وفي ذلك زِيادةُ تَلْهيفٍ للمُخاطَبينَ بأنْ كانوا هم السَّببَ في ضَرِّ أنفُسِهم، ونَفعِ مَن كانوا يَعُدُّونهم أعداءَهم [981] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/130). .
- قولُه: أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ قِراءةُ فَتْحِ الهمزةِ على معنَى المصدريَّةِ والتَّأكيدِ؛ أي: جَزَيتُهم بأنَّهم. وقِراءةُ كَسْرِ هَمزةِ (إنَّ) على التَّأكيدِ فقطْ؛ فتكونُ استئنافًا بَيانيًّا للجزاءِ [982] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/130). . وقيل: على قِراءةِ فَتحِ الهمزةِ تَعليلٌ، أي: جَزَيتُهم لأنَّهم، والكَسرُ على الاستئنافِ، وقد يُرادُ به التَّعليلُ؛ فيكونُ الكَسرُ مِثْلَ الفَتحِ مِن حيثُ المعنى [983] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/588). . وقيل: كَسرُ الهمزةِ على أنَّه تَعليلٌ للجزاءِ، وبَيانٌ لِكَونِه في غايةِ ما يكونُ مِن الحُسنِ [984] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/152). .
- وضَميرُ الفَصلِ هُمُ؛ للاختصاصِ، أي: هم الفائِزونَ لا أنتم [985] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/130). .
7- قولُه تعالى: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ تَذكيرٌ لِمَا لَبِثوا فيما سَأَلوا الرُّجوعَ إليه مِن الدُّنيا بَعدَ التَّنبيهِ على استِحالَتِه [986] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/152). .
- والاستِفهامُ في قولِه: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ مُستعمَلٌ في التَّنبيهِ؛ لِيَظهَرَ لهم خَطَؤُهم؛ إذْ كانوا يَزعُمون أنَّهم إذا دُفِنوا في الأرضِ لا يَخرُجون منها. وإضافةُ لَفظِ (عدد) إليه تأكيدٌ لِمَضمونِ (كم)؛ لأنَّ (كم) اسمُ استِفهامٍ عن العدَدِ، فذِكْرُ لَفظِ (عدد) معها تأكيدٌ لبَعضِ مَدْلولِها [987] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/131). .
8- قوله تعالى: قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ
- قولُه: قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ استَقْصَروا مُدَّةَ لُبْثِهم في الدُّنيا بالإضافةِ إلى خُلودِهم، ولِمَا هم فيه مِن عَذابِها؛ لأنَّ المُمْتحَنَ يَستطيلُ أيَّامَ مِحْنَتِه، ويَستقصِرُ ما مَرَّ عليه مِن أيَّامِ الدَّعةِ إليها. أو لأنَّهم كانوا في سُرورٍ، وأيَّامُ السُّرورِ قِصارٌ، أو لأنَّ المُنْقضِيَ في حُكْمِ ما لم يكُنْ [988] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/205، 206)، ((تفسير البيضاوي)) (4/97)، ((تفسير أبي السعود)) (6/153). .
- وإيقافُهم على ضَلالِ اعتِقادِهم الماضي جِيءَ به في قالَبِ السُّؤالِ عن مُدَّةِ مُكْثِهم في الأرضِ؛ كِنايةً عن ثُبوتِ خُروجِهم مِن الأرضِ أحياءً، وهو ما كانوا يُنكِرونَه، وكِنايةً عن خطَأِ استدلالِهم على إبطالِ البَعثِ باستحالَةِ رُجوعِ الحياةِ إلى عِظامٍ ورُفاتٍ، وهي حالةٌ لا تَقْتَضي مُدَّةَ قَرنٍ واحدٍ؛ فكيف وقد أُعِيدَت إليهم الحياةُ بَعْدَ أنْ بَقُوا قُرونًا كثيرةً، فذلك أدَلُّ وأظهَرُ في سَعةِ القُدرةِ الإلهيَّةِ، وأدخَلُ في إبطالِ شُبْهَتِهم؛ إذ قد تبيَّنَ بُطلانُها فيما هو أكثَرُ ممَّا قَدَّروهُ مِن عِلَّةِ استِحالةِ عَودِ الحياةِ إليهم. وقد دَلَّ على هذا قولُه في آخِرِ الآيةِ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115] ، وقد ألْجَأَهم اللهُ إلى إظهارِ اعتقادِهم قِصرَ المُدَّةِ الَّتي بَقُوها؛ زِيادةً في تَشويهِ خطَئِهم، فإنَّهم لمَّا أحسُّوا مِن أنفُسِهم أنَّهم صاروا أحياءً كحياتِهم الأُولى، وعاد لهم تَفكيرُهم القديمُ الَّذي ماتوا عليه، وكانوا يَتوهَّمون أنَّهم إذا فَنِيَت أجسادُهم لا تعودُ إليهم الحياةُ: أوهَمَهم كَمالُ أجسادِهم أنَّهم ما مَكَثوا في الأرضِ إلَّا زمنًا يَسيرًا لا يَتغيَّرُ في مِثْلِه الهيكلُ الجُثمانِيُّ، فبَنَوا على أصْلِ شُبْهَتِهم الخاطئةِ خطَأً آخَرَ [989] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/132). .
9- قولُه تعالى: قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ صَدَّقَهم اللهُ في مَقالِهم لِسِنِي لُبْثِهم في الدُّنيا، ووبَّخَهم على غَفْلَتِهم الَّتي كانوا عليها [990] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/205، 206)، ((تفسير البيضاوي)) (4/97)، ((تفسير أبي السعود)) (6/153). .
- ولم يُعْطَفْ فِعْلُ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا؛ لأنَّه جاء على طَريقةِ حِكايةِ المُحاوَراتِ [991] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/131). .
- قولُه: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا يُؤْذِنُ بكَلامٍ مَحذوفٍ، على طَريقةِ دَلالةِ الاقتِضاءِ [992] دلالةُ الاقتِضاءِ: هي دلالةُ اللفظِ على مقصودٍ محذوفٍ لا بدَّ مِن تقديرِه؛ لتوقُّفِ الصدقِ أو الصحةِ عليه. يُنظر: ((إجابة السائل شرح بغية الآمل)) لابن الأمير (ص: 355)، ((مذكرة في أصول الفقه)) للشنقيطي (ص: 283). ؛ لأنَّهم قد لَبِثُوا أكثَرَ مِن يومٍ أو بعضَ يومٍ بكثيرٍ؛ فكيف يُجعَلُ قليلًا؟! فتعيَّنَ أنَّ قولَه: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لا يَستقيمُ أنْ يكونَ جوابًا لكَلامِهم إلَّا بتَقديرِ: قال: بلْ لَبِثْتُم قُرونًا، وإنْ لَبِثْتم إلَّا قليلًا فيما عندَ اللهِ [993] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/133). .
- قولُه: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الجَوابُ مَحذوفٌ؛ ثِقَةً بدَلالةِ ما سبَقَ عليه، أي: لعَلِمْتُم يَومئذٍ قِلَّةَ لُبْثِكم فيها [994] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/153). .