موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيات (60-70)

ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ

غريب الكلمات:

لَا أَبْرَحُ: أي: لا أزالُ سائِرًا، مِن قَولِهم: بَرِحَ الرَّجُل بَراحًا: إذا راح مِن مَوضِعِه، وأصلُ (برح): يدلُّ على الزَّوالِ [990] يُنظر: ((ياقوتة الصراط)) للمطرز الباوردي (ص: 327)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/238)، ((الغريبين)) للهروي (1/162)، ((البسيط)) للواحدي (14/67).   .
مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ: أي: اجتماعَهما، أو: مُلتقاهما، وأصلُ (جمع): يدُلُّ على تضامِّ الشَّيءِ [991] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/308)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/479)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 216).   .
حُقُبًا: أي: زَمانًا ودَهرًا، وجمْعُه: أحقابٌ، ولا يكادُ يُستعملُ الحقبُ إلَّا حيثُ يُرادُ تتابعُ الأزمنةِ وتَواليها، وأصلُ (حقب): يدلُّ على ترادُفٍ وتتابُعٍ [992] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 509)، ((تفسير ابن جرير)) (15/309)، ((المفردات)) للراغب (ص: 248)، ((تفسير الزمخشري)) (4/688)، ((تفسير الرازي)) (31/15)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 58).   .
سَرَبًا: أي: طريقًا ومَذهَبًا، وأصلُ (سرب): يدلُّ على الاتِّساعِ والذَّهَابِ في الأرضِ [993] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/313)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/155).   .
 نَصَبًا: أي: تَعَبًا وعَناءً، وأصلُ (نصب): يدُلُّ على إقامةِ شَيءٍ، لأنَّ الإنسانَ لا يزالُ مُنتَصِبًا حتى يُعيِي [994] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 269)، ((تفسير ابن جرير)) (19/381)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 466)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/434)، ((المفردات)) للراغب (ص: 807).   .
فَارْتَدَّا عَلى آثَارِهِمَا قَصَصًا: أي رَجَعا مِنَ الطَّريقِ الذي سَلَكاه يتَتبَّعانِ الأثَرَ، والارتدادُ: الرُّجوعُ، والقَصَصُ: اتِّباعُ الأثَرِ. وأصلُ (رد): يدلُّ على رَجعِ الشَّيءِ، و (أثر): يدُلُّ على رَسمِ الشَّيءِ الباقي، و (قص): يدُلُّ على تتبُّعِ الشَّيءِ [995] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (1/409)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/53) و(2/386) و(5/11)، ((الغريبين)) للهروي (5/1551)، ((البسيط)) للواحدي (14/80)، ((المفردات)) للراغب (ص: 349)، ((غريب القرآن)) لقاسم الحنفي (ص: 112).   .
خُبْرًا: أي: عِلمًا، والخُبْرُ: العلمُ بالأشياءِ المعلومةِ من جهةِ الخَبَرِ، وأصلُ (خبر): العِلمُ [996] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/334)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/239)، ((المفردات)) للراغب (ص: 273).   .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى مبينًا قصةَ موسَى والخضرِ -عليهما السلامُ-: واذكُرْ -يا مُحمَّدُ- حينَ قال موسى لخادِمِه يوشَعَ بنِ نون: لا أزالُ أتابِعُ السَّيرَ حتى أصِلَ إلى مُلتقى البَحرينِ، أو أسيرَ زمنًا طويلًا حتى أجدَ العبدَ الصَّالحَ الذي أخبَرَني اللهُ بعِلمِه وفَضلِه؛ لأتعلَّمَ منه ما ليس عندي مِن العِلمِ، فلمَّا وصَل موسَى عليه السلامُ وفتاه إلى مُلتقى البَحرينِ نَسِيا حُوتَهما الذي جعَلَه اللهُ عَلامةً على وجودِ الخَضِرِ في المكانِ الذي يَفقِدانِه فيه، فشقَّ الحوتُ طَريقَه في البَحرِ نفقًا ظاهِرًا في الماءِ، فلمَّا فارقا المكانَ الذي نَسِيَا فيه الحوتَ قال موسى لخادِمِه: أحضِرْ إلينا غداءَنا، لقد لَقِينا مِن سَفَرِنا هذا تَعَبًا. قال له خادِمُه: أرأيتَ حين مكَثْنا عند الصَّخرةِ فإنِّي نَسِيتُ الحوتَ في ذلك المكانِ، وما أنساني أن أذكُرَ الحوتَ إلَّا الشَّيطانُ، واتَّخذ الحوتُ طريقَه في البَحرِ عجبًا.
قال موسى: ما حصَلَ مِن فَقدِ الحوتِ هو ما كنَّا نَطلُبُه؛ فإنَّه علامةٌ لي على مكانِ العبدِ الصَّالحِ، فرجَعا يتتَبَّعانِ آثارَ مَشيِهما حتى انتَهَيا إلى الصَّخرةِ التي فقدا الحوتَ عندها، فوجدَا هناك عبدًا صالحًا من عبادِنا -هو الخَضِرُ عليه السلامُ- آتيناه رحمةً مِن عِندِنا، وعَلَّمْناه مِن لدنَّا عِلمًا عَظيمًا نافِعًا. قال له موسى: أتأذَنُ لي أن أتَّبِعَك؛ لتُعَلِّمَني من العِلمِ الذي علَّمَك اللهُ إيَّاه ما أهتدي به إلى الصَّوابِ ؟ قال له الخَضِرُ: إنَّك -يا موسى- لن تُطيقَ أن تصبِرَ على اتِّباعي ومُلازَمتي، وكيف لك الصَّبرُ على ما سأفعَلُه مِن أمورٍ تَخفى عليك ممَّا عَلَّمَني اللهُ تعالى إياه؟! قال له موسى: ستَجِدُني إن شاء اللهُ صابِرًا على ما أراه منك، ولا أخالِفُ لك أمرًا تأمُرُني به. فقال له الخَضِرُ: فإنْ صاحَبْتَني فلا تسألْني عن شَيءٍ تُنكِرُه حتى أخبِرَك به دونَ سؤالٍ منك.

تفسير الآيات:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
بعدَ أن ذكَرَ الله سُبحانَه قَصَصَ المُشرِكين الذين افتَخَروا على فُقَراءِ المؤمِنينَ بكَثرةِ الأموالِ والأنصارِ، وامتَنَعوا عن حضورِ مجلِسِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لئلَّا يشتَرِكوا معهم فى مجلسٍ واحدٍ- قفَّى على ذلك بذِكرِ قَصَصِ موسى عليه السَّلامُ مع الخَضِر؛ لِيبيِّنَ بها أنَّ موسى مع كونِه نبيًّا صادِقًا أرسَلَه اللهُ إلى بني إسرائيلَ بشيرًا ونذيرًا، وهو كليمُ اللهِ- أُمِرَ أن يذهَبَ إلى الخَضِرِ ليتعَلَّمَ منه ما لم يعلَمْه، وفى ذلك دليلٌ على أنَّ التواضُعَ خيرٌ مِن التكبُّرِ [997] يُنظر: ((تفسير المراغي)) (15/174). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (21/477).   .
وأيضًا فإنه لَمَّا جَرى ذِكرُ قصَّةِ خَلْقِ آدمَ وأمْرِ اللهِ الملائكةَ بالسُّجودِ له، وما عَرَضَ للشَّيطانِ مِن الكِبْرِ والاعتِزازِ بعُنصُرِه؛ جهلًا بأسبابِ الفضائلِ، ومُكابَرةً في الاعْتِرافِ بها، وحسَدًا في الشَّرفِ والفَضْلِ، فضرَب بذلك مَثلًا لأهلِ الضَّلال عَبيدِ الهَوى والكِبْرِ والحسَدِ، أعقَب تلك القِصَّةَ بقِصَّةٍ هي مَثلٌ في ضِدِّها؛ لأنَّ تَطلُّبَ ذي الفضلِ والكمالِ للازديادِ منهما وسَعْيِه للظَّفرِ بمَن يُبلِّغُه الزِّيادةَ مِن الكَمالِ، اعتِرافًا للفاضلِ بفَضيلتِه. وفي ذلك إبداءُ المقابَلةِ بين الخلقَيْن، وإقامةُ الحُجَّةِ على المماثَلةِ والمخالَفةِ بين الفريقَينِ المؤمنِين والكافِرين، وفي خلالِ ذلك تَعليمٌ وتنويهٌ بشَأنِ العِلم والهُدى، وتربيةٌ للمتَّقين [998] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/358-359).   .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ.
أي: واذكُرْ -يا مُحمَّدُ- حينَ قال موسَى [999] قال الشوكاني: (اتَّفق أهلُ العِلمِ على أنَّ موسى المذكورَ هو موسى بنُ عِمرانَ؛ النبيُّ المرسَلُ إلى فرعونَ). ((تفسير الشوكاني)) (3/352).   لفتاه يُوشَعَ بنِ نون [1000] قال ابن الجوزي: (فأمَّا فتاه فهو يوشَعُ بنُ نون، مِن غيرِ خلافٍ؛ وإنَّما سُمِّي فتاه؛ لأنَّه كان يلازمُه، ويأخذُ عنه العِلمَ ويَخدُمُه). ((تفسير ابن الجوزي)) (3/95). وقال أبو حيان: (والفتى: الشابُّ، ولَمَّا كان الخَدَمُ أكثَرَ ما يكونون فِتيانًا، قيل للخادمِ: فتًى، على جهةِ حُسنِ الأدَبِ، ونَدَبت الشريعةُ إلى ذلك؛ ففي الحديث: «لا يَقُلْ أحَدُكم: عبدي، ولا أمَتي، وليَقُلْ: فَتايَ وفتاتي»). ((تفسير أبي حيان)) (7/198).   : لا أزالُ أسيرُ في طَلَبِ العَبدِ الذي أخبَرَني اللهُ بعِلمِه وفَضلِه، حتى أصِلَ إلى مَوضِعِ مُلتقَى البَحرينِ الذي أعرِفُه [1001] قال الشنقيطي: (تعيينُ الْبَحْرَيْنِ لا دليلَ عليه من كتابٍ ولا سُنَّةٍ، وليس في معرفتهِ فائِدةٌ؛ فالبَحثُ عنه تعَبٌ لا طائِلَ تحته، وليس عليه دليلٌ يجِبُ الرجوعُ إليه). ((أضواء البيان)) (3/322).   فألقاه هناك [1002] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/308)، ((تفسير القرطبي)) (11/9)، ((تفسير ابن كثير)) (5/173)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/96)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/359)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/321).   .
عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ بنِ مَسعودٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّه تمارى هو والحُرُّ بنُ قَيسِ بنِ حصنٍ الفَزاريُّ في صاحِبِ موسى، فمَرَّ بهما أُبيُّ بنُ كَعبٍ، فدعاه ابنُ عبَّاسٍ فقال: إنِّي تماريتُ أنا وصاحبي هذا في صاحِبِ موسى الذي سأل السَّبيلَ إلى لُقِيِّه، هل سَمِعتَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يذكُرُ شَأنَه؟ فقال أُبيٌّ: نعم، سَمِعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَذكُرُ شأنَه يقول: ((بينَما موسَى في ملإٍ مِن بني إسرائيلَ، إذ جاءه رجُلٌ فقال: أتعلَمُ أحدًا أعلَمَ منك؟ قال موسى: لا، فأوحى اللهُ عزَّ وجَلَّ إلى موسى: بلى، عَبدُنا خَضِرٌ، فسأل السَّبيلَ إلى لُقِيِّه، فجعَلَ اللهُ له الحوتَ آيةً، وقيل له: إذا فقَدْتَ الحُوتَ فارجِعْ فإنَّك ستلقاه، فكان موسى صَلَّى اللهُ عليه يَتبَعُ أثَرَ الحوتِ في البَحرِ، فقال فتى موسى لموسى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، قال موسى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فوجدا خَضِرًا، فكان من شأنِهما ما قصَّ اللهُ في كتابِه )) [1003] رواه البخاري (78) واللفظ له، ومسلم (2380).   .
وعن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، قال: قلتُ لابنِ عَبَّاسٍ: إنَّ نَوْفًا البِكَاليَّ [1004] هو نوفُ بنُ فَضالَةَ البِكالِيُّ الشَّاميُّ، ابنُ امرأةِ كعبِ الأحبارِ، قال ابنُ حجرٍ: (مستورٌ، وإنما كذَّب ابنُ عباسٍ ما رواه عن أهلِ الكتابِ). يُنظر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (2/1013)، ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (ص: 567).   يزعُمُ أنَّ موسى صاحِبَ الخَضِرِ ليس هو موسى صاحِبَ بني إسرائيلَ! فقال ابنُ عبَّاسٍ: كذَبَ عَدُوُّ اللهِ [1005] قال النووي في قولِه: (كذَب عدوُّ الله): (قال العلماءُ: هو على وجهِ الإغلاظِ والزَّجرِ عن مِثلِ قَولِه، لا أنَّه يعتَقِدُ أنَّه عدوُّ الله حقيقةً، إنما قاله مبالغةً في إنكارِ قَولِه؛ لِمُخالفتِه قولَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان ذلك في حالِ غَضَبِ ابنِ عبَّاسٍ؛ لشدةِ إنكارِه، وحالُ الغَضَبِ تُطلَقُ الألفاظُ، ولا تُرادُ بها حقائِقُها). ((شرح النووي على مسلم)) (15/137). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (8/413).   ، حدَّثَني أُبيُّ بنُ كعبٍ أنَّه سَمِعَ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيلَ، فسُئِلَ: أيُّ النَّاسِ أعلَمُ؟ فقال: أنا، فعتَب اللهُ عليه؛ إذ لم يَرُدَّ العِلمَ إليه، فأوحى اللهُ إليه: إنَّ لي عبدًا بمَجمَعِ البَحرينِ هو أعلَمُ منك. ..)) فذكَر الحديثَ إلى أن قال: ((رجعا يَقُصَّانِ آثارَهما حتى انتَهَيا إلى الصَّخرةِ، فإذا رجلٌ مُسجًّى [1006] مُسَجًّى: أي: مُغَطًّى. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/24).   ثوبًا فسَلَّمَ عليه موسى، فقال الخَضِرُ: وأنَّى بأرضِك السَّلامُ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيلَ؟ قال: نعم، أتيتُك لتعَلِّمَني مما عُلِّمْتَ رُشدً ا...)) الحديث [1007] رواه البخاري (4725) واللفظ له، ومسلم (2380).   .
أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا.
أي: أو أسيرَ زمانًا طَويلًا -إن لم أظفَرْ به في مجمَعِ البَحرينِ الذي أعرِفُه- حتى أجِدَه؛ لأتعَلَّمَ منه ما لا أعلَمُ [1008] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/309)، ((تفسير الرازي)) (21/479)، ((تفسير ابن كثير)) (5/174)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/365)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 108). قال أبو جعفر النحَّاس: (روى عمرُو بنُ ميمون عن عبدِ الله بنِ عَمرٍو قال: الحُقُب: ثمانون سنةً... قال أبو جعفر: الذي يعرِفُه أهلُ اللغةِ أنَّ الحُقبَ والحِقبةَ: زمانٌ مِن الدَّهرِ مُبهَمٌ غيرُ مَحدودٍ). ((معاني القرآن)) (4/264، 265).   .
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61).
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا.
أي: فلمَّا وصَلَ موسى وفتاه إلى مكانِ اجتِماعِ البَحرينِ نَسِيَا حوتَهما [1009] قال الواحدي: (وقولُه تعالى: نَسِيَا حُوتَهُمَا إجماعُ المفسِّرين أنَّ النسيانَ هاهنا معناه: نسيانُ الفتى ذِكرَ قِصَّةِ الحوتِ لموسى، والناسي كان أحَدَهما، وأُضيف إليهما جميعًا، واختلفوا في وجهِ هذا). ((البسيط)) (14/73). وممَّا قيل في وجهِ إضافةِ النسيانِ إليهما: أنَّه إنما نُسِبَ إليهما، مع أنَّ الناسيَ له هو الفتى؛ لأنَّهما جميعًا تزوَّدا الحوتَ لسَفَرِهما. وممن قال بذلك: الثعلبي، والبغوي، والشنقيطي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (6/181)، ((تفسير البغوي)) (3/204)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/321)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 109). وقال الشنقيطي: (إنما أُسنِدَ النِّسيانُ إليهما؛ لأنَّ إطلاقَ المجموعِ مُرادًا بعضُه أسلوبٌ عربيٌّ كثيرٌ في القرآنِ وفي كلامِ العَرَبِ،... والدَّليلُ على أنَّ النِّسيانَ إنما وقع مِن فتى موسى دونَ موسَى قَولُه تعالى عنهما: فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ الآية [الكهف: 62، 63]؛ لأنَّ قَولَ موسى: آتِنَا غَدَاءَنَا يعني به الحوتَ، فهو يظُنُّ أنَّ فتاه لم ينْسَه، كما قاله غيرُ واحدٍ، وقد صرَّحَ فتاه بأنَّه نَسِيَه، بقولِه: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ الآية). ((أضواء البيان)) (3/321). وقيل: النسيانُ واقعٌ حقيقةً منهما. وممن قال بذلك: البيضاوي، والبقاعي، والشوكاني، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/286)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/96)، ((تفسير الشوكاني)) (3/352)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/366). قال البيضاوي: (نسِيَ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أن يطلُبَه ويتعَرَّفَ حالَه، ويوشَعُ أن يذكُرَ له ما رأى من حياتِه ووقوعِه في البَحرِ). ((تفسير البيضاوي)) (3/286). ويُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/96). وقال ابنُ عاشور: (ومعنى نسيانِهما أنَّهما نَسِيَا أن يُراقِبا حالَه: أباقٍ هو في مِكْتَلِه حينئذٍ، حتى إذا فقداه في مقامِهما ذلك تحقَّقا أنَّ ذلك الموضِعَ الذي فقداه فيه هو الموضِعُ المؤقَّتُ لهما بتلك العلامةِ؛ فلا يزيدان تعبًا في المشيِ؛ فإسنادُ النسيانِ إليهما حقيقةٌ). ((تفسير ابن عاشور)) (15/366). وقال الشوكاني: (قال المفسِّرون: إنَّهما تزوَّدا حوتًا مُملَّحًا في زنبيلٍ [أي: قُفَّة]، وكانا يصيبانِ منه عندَ حاجتِهما إلى الطعامِ، وكان قد جعل اللهُ فقدانَه أمارةً لهما على وِجدانِ المطلوبِ... فلمَّا انتَهَيا إلى ساحِلِ البحرِ وضَعَ فتاه المِكتَلَ الذي فيه الحوتُ، فأحياه اللهُ، فتحَرَّك واضطربَ في المِكتَل، ثم انسربَ في البحرِ). ((تفسير الشوكاني)) (3/352، 353). الذي جعَلَه اللهُ علامةً على وجودِ الخَضِرِ في المكانِ الذي يَفقِدانِه فيه [1010] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/174)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/365، 366)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 109).   .
  فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا.
أي: فشقَّ الحوتُ طريقَه الذي سلَكَه في البَحرِ نفقًا ظاهرًا في الماءِ، لا يَلتَئِمُ بعده [1011] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/313)، ((تفسير ابن عطية)) (3/528)، ((تفسير ابن كثير)) (5/174)، ((تفسير أبي السعود)) (5/232)، ((تفسير القاسمي)) (7/47)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/366)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 109). قال ابنُ عطية: (الذي ورد في الحديثِ عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقاله جمهورُ المفسِّرينَ: أنَّ الحوتَ بَقِيَ موضِعُ سُلوكِه فارِغًا). ((تفسير ابن عطية)) (3/528). قال الواحدي: (في نظمِ الآيةِ تقديمٌ وتأخيرٌ على تقديرِ: فلمَّا بلَغا مجمعَ بينِهما اتَّخذَ الحوتُ سبيلَه في البحرِ سربًا، ونسِي يوشعُ أن يذكرَ ذلك لموسَى؛ لأنَّ النسيانَ لم يتقدَّمْ على ذهابِ الحوتِ). ((البسيط)) (14/72). ويُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 667). !
وفي حديثِ قِصَّةِ موسى والخَضِرِ: ((وتَضَرَّبَ [1012] تضَرَّب: أي: اضطرَبَ سائِرًا. يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (7/223).   الحوتُ حتى دخل البَحرَ [1013] قال البخاري: (قالَ سفيانُ [أي: ابن عيينة]: وفي حديثِ غيرِ عمرٍو [أي: ابن دينار]، قالَ: وفي أصلِ الصَّخرَةِ عينٌ يُقالُ لها: الحياةُ لا يُصيبُ مِنْ مائِها شيءٌ إلَّا حَيِيَ، فأصابَ الحوتَ مِنْ ماءِ تلكَ العينِ). ((صحيح البخاري)) (6/92) (4727). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (8/415).   ، فأمسك اللهُ عنه جَريةَ البَحرِ، حتى كأنَّ أثَرَه في حَجَرٍ -قال لي عَمرٌو [1014] أي قال عمرُو بنُ دينارٍلابنِ جريجٍ.   -: هكذا كأنَّ أثَرَه في حَجَرٍ، وحَلَّقَ بين إبهامَيه واللَّتَينِ تليانِهما )) [1015] رواه البخاري (4726) واللفظ له، ومسلم (2380)، من حديثِ أبيِّ بنِ كعب رضي الله عنه.   .
وفي لفظٍ آخَرَ: ((... أوحى اللهُ إليه: إنَّ لي عبدًا بمَجمَعِ البَحرينِ هو أعلَمُ منك، قال موسى: يا ربِّ فكيف لي به، قال: تأخُذُ معك حوتًا فتَجعَلُه في مِكتَلٍ [1016] مِكتَلٍ: أي: قُفَّةٍ كبيرةٍ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/468).   ، فحيثما فقدْتَ الحوتَ فهو ثَمَّ، فأخذ حوتًا فجعله في مِكتَلٍ، ثم انطلق وانطلَقَ معه بفتاه يوشَعَ بنِ نون، حتى إذا أتيا الصخرةَ وَضَعا رؤوسَهما فناما، واضطرب الحوتُ في المِكتَل، فخرج منه فسَقَط في البَحرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، وأمسك اللهُ عن الحوتِ جريةَ الماءِ، فصار عليه مِثلَ الطَّاقِ [1017] الطاقُ: أَي: الكَوَّةِ والنَّفَقِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/151).   ، فلمَّا استيقظ نَسِيَ صاحِبُه أن يخبِرَه بالحوتِ، فانطلقا بقيَّةَ يَومِهما وليلَتَهما )) [1018] رواه البخاري (4725) واللفظ له، ومسلم (2380).   .
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62).
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا.
أي: فلمَّا جاوز موسى وفتاه مجْمَعَ البَحرينِ الذي نسِيا فيه الحوتَ، قال موسى لفتاه: أحضِرْ طعامَنا [1019] قال أبو السعود: (آتِنَا غَدَاءَنَا أي: ما نتغدَّى به، وهو الحوتُ كما ينبئُ عنه الجوابُ). ((تفسير أبي السعود)) (5/232).   لنأكُلَ منه فنتقَوَّى به [1020] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/316)، ((تفسير البغوي)) (3/204)، ((تفسير ابن كثير)) (5/174)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/97). قال البقاعي: (وكأنَّ المَجمَع كان ممتدًّا، فظنَّ موسى عليه السَّلامُ أنَّ المطلوبَ أمامَه، أو ظَنَّ أنَّ المرادَ مجمَعٌ آخَرُ، فسار). ((نظم الدرر)) (12/97).   .
لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا.
أي: لقد وجَدْنا في سَفَرِنا هذا تعبًا ومَشقَّةً [1021] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/316)، ((عمدة الحفاظ)) للسمين الحلبي (4/37)، ((تفسير ابن كثير)) (5/175)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481). قال الشوكاني: (قال المفسِّرون: الإشارةُ بقَولِه: سَفَرِنَا هَذَا إلى السَّفَرِ الكائِنِ منهما بعدَ مجاوزةِ المكانِ المذكورِ؛ فإنَّهما لم يَجِدا النَّصَبَ إلَّا في ذلك دونَ ما قَبلَه). ((تفسير الشوكاني)) (3/353). ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/732). قال الألوسي: (الحِكمةُ في حُصولِ الجوعِ والتَّعَبِ له حين جاوز: أن يَطلُبَ الغداءَ فيَذكُرَ الحوتَ، فيرجِعَ إلى حيثُ يجتَمِعُ بمرادِه). ((تفسير الألوسي)) (8/298). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/316). .
وفي قصةِ موسى والخضرِ من حديثِ أُبيِّ بنِ كعبٍ رضي اللهُ عنه: ((قال موسى لفتاه: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قال: ولم يجِدْ موسى النَّصَبَ حتى جاوَزا المكانَ الذي أمَرَ الله به )) [1022] رواه البخاري (4725) واللفظ له، ومسلم (2380).   !
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63).
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ.
أي: قال يُوشَعُ لموسى: أرأيتَ حينَ أقَمْنا عندَ الصَّخرةِ التي في مَجمَعِ البَحرينِ، فإنِّي نَسِيتُ الحوتَ في ذلك المكانِ [1023] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/316)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 110، 111). قال الماوردي: (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ فيه وجهانِ: أحدُهما: فإني نسيتُ حَملَ الحوتِ. الثاني: فإنِّي نسيتُ أن أخبِرَك بأمرِ الحوتِ). ((تفسير الماوردي)) (3/324). وقال ابن عثيمين: (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ يعني: نَسِيتُ أن أتفَقَّدَه أو أسعى في شأنِه أو أذكُرَه لك، وإلَّا فالحوتُ معروفٌ كان في المِكتَلِ). ((تفسير ابن عثيمين-سورة الكهف)) (ص: 111). وقال الزمخشري: (أَرَأَيْتَ بمعنى: أخبِرْني. فإن قلتَ: ما وجهُ التئامِ هذا الكلامِ؛ فإنَّ كُلَّ واحدٍ مِن أَرَأَيْتَ و إِذْ أَوَيْنَا و فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ لا مُتعَلَّقَ له؟ قلتُ: لَمَّا طلَبَ موسى عليه السَّلامُ الحوتَ، ذكَرَ يوشَعُ ما رأى منه وما اعتراه مِن نسيانِه إلى تلك الغايةِ، فدُهِشَ وطَفِقَ يسألُ موسى عليه السَّلامُ عن سبب ذلك، كأنَّه قال: أرأيتَ ما دهاني إذ أوَينا إلى الصَّخرةِ؟! فإني نَسِيتُ الحوتَ، فحُذِفَ ذلك). ((تفسير الزمخشري)) (2/733). وممَّن ذهب إلى قولِ الزمخشري هاهنا في الحذفِ وتقديره: أبو السعود، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/233)، ((تفسير الشوكاني)) (3/353). !
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أُبيِّ بنِ كعبٍ رضي اللهُ عنه: ((قال: فبينما هو في ظِلِّ صَخرةٍ في مَكانٍ ثَرْيانَ [1024] ثَرْيان: أي: في ترابِه بلَلٌ ونَدى. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/211).   ، إذ تضرَّبَ الحوتُ وموسى نائمٌ، فقال فتاه: لا أوقِظُه، حتى إذا استيقظ نَسِيَ أن يخبِرَه، وتضرَّبَ الحوتُ حتى دخل البحرَ، فأمسك اللهُ عنه جَريةَ البَحرِ، حتى كأنَّ أثَرَه في حَجَرٍ )) [1025] رواه البخاري (4726).   .
وفي روايةٍ: ((قال: فانطلق هو وفتاه حتى انتَهَيا إلى الصَّخرةِ، فعُمِّيَ عليه، فانطلق وترك فتاه، فاضطرب الحوتُ في الماء، فجعل لا يلتَئِمُ عليه، صار مِثلَ الكَوَّةِ، قال فقال فتاه: ألا ألحَقُ نبيَّ الله فأخبِرَه؟ قال: فنُسِّيَ )) [1026] رواه مسلم (2380).   .
وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ.
أي: وما أنساني أن أذكُرَ الحُوتَ إلَّا الشَّيطانُ [1027] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/316)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/300)، ((تفسير البيضاوي)) (3/287)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481).   .
وفي حديثِ قِصَّةِ موسى والخَضِر: ((ذكَّر -أي: موسى عليه السَّلامُ- النَّاسَ يومًا حتى إذا فاضت العيونُ، ورَقَّت القلوبُ، ولَّى، فأدركه رجلٌ فقال: أيْ رسولَ اللهِ، هل في الأرضِ أحَدٌ أعلَمُ منك؟ قال: لا، فعَتَب عليه؛ إذْ لم يرُدَّ العِلمَ إلى اللهِ، قيل: بلى، قال: أيْ رَبِّ، فأين؟ قال: بمجمَعِ البَحرينِ، قال: أيْ ربِّ، اجعَلْ لي عِلمًا أعلَمُ ذلك به -فقال لي عمرو [1028] هو عمرُو بنُ دينارٍ، أحدُ رواةِ الحديثِ.   - قال: حيث يفارِقُك الحوتُ -وقال لي يَعلى [1029] هو يعلَى بنُ مسلمٍ، أحدُ رواةِ الحديثِ.   - قال: خُذْ نونًا [1030] نونًا: أي: حُوتًا. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (5/131).   ميِّتًا، حيث يُنفَخُ فيه الرُّوحُ، فأخذ حوتًا فجعَلَه في مِكْتَلٍ، فقال لِفَتاه: لا أكلِّفُك إلَّا أن تخبِرَني بحيث يفارِقُك الحوتُ، قال: ما كَلَّفْتَ كثيرًا؛ فذلك قولُه جلَّ ذِكرُه: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ يُوشَعَ بنِ نونٍ )) [1031] رواه البخاري (4726) من حديث أُبيٍّ رضي الله عنه.   .
وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا.
أي: واتَّخَذ الحوتُ طريقَه الذي سلَكه في البحرِ عجبًا [1032] ينظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/300)، ((البسيط)) للواحدي (14/78)، ((تفسير الرسعني)) (4/321)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/99). ممن اختار هذا المعنى، وهو أنَّ الضمير في (اتَّخذ) يعودُ على الحوتِ، أي: اتَّخَذَ الحوتُ سبيلَه في البحرِ: الزجَّاج، والواحدي، والكرماني، والرسعني، وأبو حيان، والبقاعي، وأبو السعود، والسعدي، وابن عاشور. ينظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/300)، ((البسيط)) للواحدي (14/78)، ((غرائب التفسير وعجائب التأويل)) للكرماني (1/666)، ((تفسير الرسعني)) (4/321)، ((تفسير أبي حيان)) (7/202)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/99)، ((تفسير أبي السعود)) (5/233)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/367). وهذا الكلامُ هو مِن تتمَّةِ كلامِ فتَى موسَى عليه السلامُ (يوشع)، وممن اختارَ هذا القولَ، ونصَّ عليه: الزجاجُ، والواحدي، والكرماني، والرسعني، وأبو حيان، وابنُ عاشور. قال الألوسي: (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا الظاهرُ الذي عليه أكثرُ المفسرينَ أنَّ مجموعَه كلامُ يوشعَ، وهو تتمةٌ لقولِه: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وفيه إنباءٌ عن طرفٍ آخرَ مِن أمرِه، وما بينَهما اعتراضٌ قُدِّم عليه؛ للاعتناءِ بالاعتذارِ، كأنَّه قيل: حَيِي واضطربَ ووقَع في البحرِ، واتَّخذ سبيلَه فيه سبيلًا عجبًا). ((تفسير الألوسي)) (8/300). قال ابنُ عطية: (ويحتملُ أن يكونَ قولُه: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ... الآيةَ إخبارًا مِن الله تعالى، وذلك على وجهينِ: إمَّا أن يخبرَ عن موسَى أنَّه اتَّخذَ سبيلَ الحوتِ مِن البحرِ عجبًا، أي: تعجَّب منه، وإمَّا أن يخبرَ عن الحوتِ أنَّه اتَّخذَ سبيلَه عجبًا للناسِ). ((تفسير ابن عطية)) (3/529). وممن اختار أنَّ موسَى هو الذي اتَّخذَ سبيلَ الحوتِ مِن البحرِ عجبًا، أي: تعجَّب منه: مقاتلُ ابنُ سليمانَ، والفرَّاءُ. ينظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/594)، ((معاني القرآن)) للفراء (2/154). ويُنظر أيضًا: ((إعراب القرآن)) للنحاس (2/300). وقيل: اتَّخذ موسَى عليه السلام سبيلَ الحوتِ في البحرِ، أي: دخل في مدخَلِه فرأى الخَضِرَ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/97)، ((التبصرة)) لابن الجوزي (1/239). قال القرطبي: (جمهورُ المفسِّرينَ أنَّ الحوتَ بقِي موضعُ سلوكِه فارغًا، وأنَّ موسَى مشَى عليه متَّبِعًا للحوتِ، حتَّى أفضَى به الطريقُ إلى جزيرةٍ في البحرِ، وفيها وجَد الخضرُ. وظاهرُ الرواياتِ والكتابِ أنَّه إنَّما وجَد الخضرَ في ضفَّةِ البحرِ). ((تفسير القرطبي)) (11/12). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/168). وقوله: عَجَبًا قيل: صفةُ مصدرٍ محذوفٍ، أي: اتخاذًا عجبًا، أو: مصدرُ فعلٍ محذوفٍ، أي: أتعجَّبُ منه عجبًا. يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/233)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/367). قال ابنُ عادل: (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ووجهُ كونِه عجبًا: انقلابُه مِن المكتلِ، وصيرورتُه حيًّا، وإلقاءُ نفسِه في البحرِ على غفلةٍ منهما، ويكون المرادُ منه ما ذكرنا أنَّه تعالى جعَل الماءَ عليه كالطَّاقِ والسَّرَبِ. وقيل: تمَّ الكلامُ عندَ قولِه: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ، ثم قال: عَجَبًا أي: أنَّه يعجبُ مِن رؤيةِ تلك العجيبةِ، ومِن نسيانِه لها). ((تفسير ابن عادل)) (12/528). وقيل: يحتملُ أن يكونَ قولُه: عَجَبًا مِن كلامِ موسَى عليه السلامُ، أجاب به فتاه، كأنَّه قال: أعجبُ عَجَبًا. ينظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/300). .
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أبيِّ بن كعب رضي الله عنه: ((... واضطربَ الحوتُ في المِكتَلِ، فخرج منه فسقَطَ في البَحرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، وأمسك اللهُ عن الحوتِ جَريةَ الماء، فصار عليه مِثلَ الطَّاقِ... قال: فكان للحُوتِ سَرَبًا، ولموسى ولفتاه عجَبًا )) [1033] رواه البخاري (4725) واللفظ له، ومسلم (2380).   .
وفي حديث أبيِّ بنِ كعبٍ أيضًا، في روايةٍ: ((ولم يَجِدْ موسَى النَّصَبَ حتَّى جاوَز حيثُ أمَرَه اللَّهُ، قالَ له فَتاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ عَجَبًا فكانَ للحُوتِ سَرَبًا، ولهما عَجَبًا )) [1034] أخرجه البخاري (3401).   .
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64).
  قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ.
أي: قال موسى لفتاه: فقْدُ الحوتِ هو ما نَطلُبُه في سَفَرِنا؛ حيث نَجِدُ الرجُلَ الذي نبحَثُ عنه في المكانِ الذي فقَدْنا فيه الحوتَ [1035] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/319)، ((تفسير ابن عطية)) (3/529)، ((تفسير ابن كثير)) (5/175)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 111). قال الرازي: (وقولُه: نَبْغِ أصلُه «نَبْغِي»، فحُذِفَتِ الياءُ طلبًا للتَّخفيفِ؛ لدلالةِ الكسرةِ عليه).  ((تفسير الرازي)) (21/481) .   .
فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا.
أي: فرجَعَ موسى وفتاه من الطريقِ الذي أتَيَا منه يتتَبَّعانِ آثارَ سَيرِهما؛ لِيَصِلا إلى الصَّخرةِ التي فقدا الحوتَ عندها [1036] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/319)، ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (2/97)، ((تفسير ابن كثير)) (5/175)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/368).   .
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أبيِّ بن كعبٍ: ((... فقال موسى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، قال: رجعا يقُصَّانِ آثارَهما ...)) [1037] رواه البخاري (4725) واللفظ له، ومسلم (2380).   .
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65).
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا.
أي: فوجد موسى وفتاه عندَ الصَّخرةِ عَبدًا مِن عبادِ اللهِ -وهو الخَضِرُ [1038] قال الشنقيطي: (هذا العبدُ المذكورُ في هذه الآيةِ الكريمةِ هو الخَضِرُ عليه السَّلامُ، بإجماعِ العُلَماءِ، ودلالةِ النُّصوصِ الصَّحيحةِ على ذلك من كلامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((أضواء البيان)) (3/322). وقال ابنُ تيمية: (أجمع المسلمونَ على أنَّ موسى أفضَلُ مِن الخَضِر). ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (1/113). وقال الشنقيطي: (هذه الرحمةُ والعِلمُ اللدُنِّي اللذان ذكَرَ اللهُ امتنانَه عليه بهما لم يبَيَّنْ هنا: هل هما رحمةُ النبُوَّة وعِلمُها، أو رحمةُ الولاية وعِلمُها). ((أضواء البيان)) (3/322). فقيل: الخَضِرُ نبيٌّ مِن الأنبياءِ، وممَّن رجَّح ذلك: القرطبي -ونسَب هذا القولَ إلى الجُمهورِ- وابنُ كثير، وابنُ حجرٍ العسقلاني، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/16)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (2/249)، ((فتح الباري)) لابن حجر (7/443)، ((الزهر النضر في حال الخضر)) لابن حجر (ص: 66، 67، 160)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/326). وممَّن قال مِن السلفِ: إنَّ الخضرَ كان نبيًّا: ابنُ عبَّاسٍ، وعكرمةُ، ومقاتلٌ. يُنظر: ((تفسير مقاتل)) (2/ 594)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/97)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (5/425). قال الشنقيطي: (يُفهَمُ مِن بعض الآياتِ أنَّ هذه الرَّحمةَ المذكورةَ هنا رحمةُ نبوَّةٍ، وأنَّ هذا العِلمَ اللدُنِّي علمُ وحيٍ... اعلم أولًا أنَّ الرحمةَ تكرَّر إطلاقُها على النبوَّةِ في القرآنِ، وكذلك العِلمُ المؤتى مِن الله تكَرَّر إطلاقُه فيه على عِلمِ الوحيِ؛ فمن إطلاقِ الرحمةِ على النبوَّةِ قَولُه تعالى في «الزخرف»: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزخرف: 31، 32]، أي: نبوَّتَه... ومن إطلاقِ إيتاءِ العِلمِ على النبوَّةِ قَولُه تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: 113]، وقولُه: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ الآية، إلى غير ذلك من الآياتِ... ومن أظهَرِ الأدلَّةِ في أنَّ الرحمةَ والعِلمَ اللدُنِّي اللَّذينِ امتنَّ الله بهما على عَبدِه الخَضِرِ، عن طريقِ النبوَّةِ والوحيِ- قَولُه تعالى عنه: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف: 82] ، أي: وإنما فعلتُه عن أمرِ اللهِ جَلَّ وعلا، وأمْرُ اللهِ إنما يتحَقَّقُ عن طريقِ الوَحيِ؛ إذ لا طريقَ تُعرَفُ بها أوامِرُ الله ونواهيه إلَّا الوحيُ من الله جلَّ وعلا، ولا سيَّما قَتلُ الأنفُسِ البريئةِ في ظاهرِ الأمر، وتعييبُ سُفُنِ الناس بخَرقِها؛ لأنَّ العُدوانَ على أنفُسِ الناسِ وأموالِهم لا يصِحُّ إلا عن طريق الوحيِ مِن الله تعالى، وقد حصر تعالى طرُقَ الإنذارِ في الوحيِ في قولِه تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء: 45] ، و «إنما» صيغةُ حصر... وبهذا كلِّه تعلَمُ أنَّ قَتلَ الخَضِرِ للغلامِ، وخَرْقَه للسفينةِ، وقَولَه: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي؛ دليلٌ ظاهِرٌ على نبوَّتِه. وعزا الفخرُ الرازي في تفسيرِه القَولَ بنبوَّتِه للأكثرين، وممَّا يُستأنَسُ به للقَولِ بنبوَّتِه تواضُعُ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ له في قولِه: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، وقَولِه: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، معَ قولِ الخضِرِ له: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا). ((أضواء البيان)) (3/323- 326). وقيل: إنَّ الخَضِرَ عبدٌ صالحٌ وليس نبيًّا، وممَّن ذهَب إلى ذلك: البغَويُّ -ونسَب هذا القولَ إلى أكثَرِ أهلِ العلم- والقنُّوجي، والسعدي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/205)، ((تفسير القنوجي)) (8/96)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 112). قال السعدي: (العبدُ الذي لَقِياه ليس نبيًّا، بل عبدٌ صالحٌ؛ لأنَّه وصَفَه بالعبوديَّة، وذَكَر منَّةَ الله عليه بالرحمةِ والعلمِ، ولم يذكُرْ رسالتَه ولا نبوَّتَه، ولو كان نبيًّا لذَكَر ذلك كما ذكَرَ غيرَه. وأمَّا قولُه في آخِرِ القصة: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي فإنَّه لا يدُلُّ على أنه نبيٌّ، وإنما يدلُّ على الإلهامِ والتحديثِ، كما يكونُ لغير الأنبياءِ، كما قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص: 7] . وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا [النحل: 68] ). ((تفسير السعدي)) (ص: 484). ويُنظر أيضًا: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/338). وقال ابنُ عاشور: (اتفق الناسُ على أنَّه كان من المعَمَّرين، ثم اختلفوا في أنَّه لم يزَلْ حيًّا). ((تفسير ابن عاشور)) (15/363). وقال الشنقيطي: (اعلَمْ أنَّ العُلَماءَ اختلفوا في الخَضِر: هل هو حيٌّ إلى الآن أو هو غيرُ حيٍّ، بل ممَّن مات فيما مضى من الزمانِ؟ فذهب كثيرٌ مِن أهل العلم إلى أنَّه حيٌّ، وأنَّه شَرِبَ مِن عينٍ تُسَمَّى عينَ الحياةِ، وممَّن نصر القولَ بحياتِه القرطبيُّ في «تفسيره»، والنوويُّ في «شرح مسلم»، وغيره، وابنُ الصلاح، والنقَّاش، وغيرهم... قال مقيِّدُه [الشنقيطي] عفا الله عنه: الذي يظهَرُ لي رُجحانُه بالدليلِ في هذه المسألةِ: أنَّ الخَضِرَ ليس بحيٍّ، بل توفِّيَ؛ وذلك لعِدَّةِ أدِلَّةٍ...). ((أضواء البيان)) (3/326-338). وقال ابنُ تيميةَ: (والذي عليه سائرُ العلماءِ المحقِّقينَ أنَّه مات). ((منهاج السنة النبوية)) (4/93). ويُنظر: ((الموضوعات)) لابن الجوزي (1/193 - 199)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (27/100- 102)، ((الرد على المنطقيين)) لابن تيمية (ص: 184)، ((تفسير أبي حيان)) (7/204)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (2/250 - 270)، ((تفسير ابن كثير)) (5/187)، ((فتح الباري)) لابن حجر (6/434)، ((الزهر النضر)) لابن حجر (ص: 86- 160). - وهَبْنا له مِن عِندِنا رَحمةً واسعةً عَظيمةً [1039] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/321)، ((تفسير ابن كثير)) (5/175)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/368).   .
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أبيٍّ رضي الله عنه: ((... فقال موسى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، قال: رجعا يقُصَّانِ آثارَهما حتى انتَهَيا إلى الصَّخرةِ، فإذا رجلٌ مُسجًّى ثوبًا، فسَلَّمَ عليه موسى)) [1040] رواه البخاري (4725) واللفظ له، ومسلم (2380).   .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما سُمِّي الخَضِرَ؛ أنَّه جلَس على فَروةٍ بَيضاءَ، فإذا هي تهتَزُّ مِن خَلفِه خَضراءَ) ) [1041] رواه البخاري (3402).   .
  وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا.
أي: وعَلَّمْنا عَبْدَنا الخَضِرَ مِن عِندِنا عِلمًا نافِعًا خَصَصْناه به، ومن ذلك ما أطلَعَه اللهُ عليه مِن عِلمِ الغَيبِ [1042] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/321)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 667)، ((تفسير البيضاوي)) (3/287)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481)، ((تفسير ابن عثيمين-سورة الكهف)) (ص: 112). قال ابن القيم: (العِلمُ اللدُنِّي: هو العِلمُ الذي يقذِفُه الله في القَلبِ إلهامًا بلا سبَبٍ مِن العبدِ، ولا استدلالٍ؛ ولهذا سُمِّيَ لدُنيًّا). ((مدارج السالكين)) (3/399). وقال القاسمي: (دلَّ قَولُه تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا على أنَّ مِن العِلمِ عِلمًا غَيبيًّا -وهو المسمَّى بالعِلمِ اللدُنِّي- فالآيةُ أصلٌ فيه). ((تفسير القاسمي)) (7/61). وقال السعدي: (كان قد أُعطِيَ من العلمِ ما لم يُعطَ موسى، وإن كان موسى عليه السَّلامُ أعلَمَ منه بأكثَرِ الأشياء، وخصوصًا في العلومِ الإيمانيَّة والأصوليَّة؛ لأنَّه مِن أولي العَزمِ مِن المُرسَلينَ، الذين فضَّلَهم اللهُ على سائرِ الخَلقِ بالعِلمِ والعَمَلِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 481). وقال ابنُ عثيمين: (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا يعني: عِلمًا لا يطَّلعُ عليه الناس، وهو عِلمُ الغيب في هذه القصَّة المعيَّنة، وليس علمَ نبوَّة، ولكِنَّه علمٌ خاصٌّ؛ لأنَّ هذا العلمَ الذي اطَّلع عليه الخَضِرُ لا يمكِنُ إدراكُه، وليس شيئًا مبنيًّا على المحسوس، فيُبنى المستقبَلُ على الحاضر، بل شيءٌ من الغائب، فأطلَعَه الله تعالى على معلوماتٍ لا يطَّلِعُ عليها البشَرُ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 112). وهذا القولُ بناءً على أنَّه عبدٌ صالحٌ، وليس بنبيٍّ. .
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أبيٍّ رضي الله عنه: ((... قال له الخَضِر: يا موسى، إنَّك على عِلمٍ مِن عِلمِ اللهِ عَلَّمَكَه اللهُ لا أعلَمُه، وأنا على علمٍ مِن عِلمِ اللهِ عَلَّمَنيه اللهُ لا تَعلَمُه... قال: ووقع عُصفورٌ على حَرفِ السَّفينةِ فغَمَس مِنقارَه في البَحرِ، فقال الخَضِرُ لموسى: ما عِلمُك وعِلمي وعِلمُ الخلائِقِ في عِلمِ اللهِ إلَّا مِقدارُ ما غَمَس هذا العُصفورُ مِنقارَه!! )) [1043] رواه البخاري (4727) واللفظ له، ومسلم (2380).   .
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66).
أي: قال موسى للخَضِرِ: هل أصحَبُك لتعَلِّمَني مِمَّا عَلَّمَك اللهُ عِلمًا أهتدي به إلى الصَّوابِ [1044] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/333)، ((تفسير ابن كثير)) (5/181)، ((تفسير الشوكاني)) (3/354)، ((تفسير السعدي)) (ص: 481). قال ابنُ عاشور: (هذا العِلمُ الذي سأل موسى تعَلُّمَه هو مِن العِلمِ النافِعِ الذي لا يتعَلَّقُ بالتشريعِ للأمةِ الإسرائيلية؛ فإنَّ موسى مستغنٍ في علمِ التشريعِ عن الازديادِ إلَّا من وحي الله إليه مباشرةً؛ لأنَّه لذلك أرسله، وما عدا ذلك لا تقتضي الرسالةُ عِلمَه... وإنما رام موسى أن يعلَمَ شَيئًا من العلم الذي خَصَّ الله به الخَضِرَ؛ لأنَّ الازديادَ من العلوم النافعة هو من الخيرِ، وقد قال الله تعالى تعليمًا لنبيِّه: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114]. وهذا العِلمُ الذي أوتِيَه الخَضِرُ هو عِلمُ سياسةٍ خاصَّةٍ غيرِ عامَّةٍ تتعَلَّقُ بمعيَّنينَ لجلبِ مصلحةٍ أو دفعِ مَفسدةٍ، بحسَبِ ما تهيِّئُه الحوادِثُ والأكوانُ، لا بحسَبِ ما يناسِبُ المصلحةَ العامةَ، فلعَلَّ الله يسَّرَه لنَفعِ مُعَيَّنين من عندِه، كما جعل محمدًا صلَّى الله عليه وآله وسلَّم رحمةً عامَّةً لكافَّةِ الناس، ومن هنا فارقَ سياسةَ التشريعِ العامَّة). ((تفسير ابن عاشور)) (15/370).   ؟
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أبيٍّ: ((... أتيتُك لتعَلِّمَني مما عُلِّمْتَ رُشدًا، قال: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا يا موسى، إنِّي على عِلمٍ مِن عِلمِ اللهِ عَلَّمَنيه لا تَعلَمُه أنت، وأنت على علمٍ مِن عِلمِ اللهِ عَلَّمَكَه اللهُ لا أعلَمُه )) [1045] رواه البخاري (4725) واللفظ له، ومسلم (2380).   .
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67).
أي: قال الخَضِرُ لموسى: إنَّك لن تُطيقَ الصَّبرَ على اتِّباعي؛ لِما تراه مِن أفعالي التي ظاهِرُها مُنكَرٌ، وباطِنُها بخلافِ ذلك [1046] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/333)، ((تفسير ابن عطية)) (3/530)، ((تفسير القرطبي)) (11/17)، ((تفسير ابن كثير)) (5/181)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482).   .
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68).
أي: وكيف تَصبِرُ -يا موسى- على إقراري على فِعلِ ما تظنُّه مُنكَرًا، وأنت لا تعلَمُ وَجهَ صَوابِه، ولا الحِكمةَ مِن فِعلي له، ولا مَصلحَتَه الباطِنةَ التي أُطلِعْتُ عليها دونَك [1047] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/334)، ((تفسير ابن عطية)) (3/530)، ((تفسير القرطبي)) (11/17)، ((تفسير ابن كثير)) (5/181)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482).   ؟!
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه: ((قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا شيءٌ أُمِرتُ به أن أفعَلَه، إذا رأيتَه لم تَصبِرْ ) ) [1048] رواه مسلم (2380).   .
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69).
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا.
أي: قال موسى للخَضِر: ستَجِدُني -إن شاء اللهُ- صابِرًا على ما أرى منك، وإن كان على خلافِ ما أراه صَوابًا [1049] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/334)، ((تفسير ابن كثير)) (5/181)، ((تفسير الشوكاني)) (3/354). قال الرسعني: (قَالَ حرصًا على طلبِ الزيادةِ في العلمِ: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا عن الإنكارِ والسؤالِ). ((تفسير الرسعني)) (4/326). وقال البغوي: (إنَّما استثنَى؛ لأنَّه لم يثِقْ مِن نَفسِه بالصَّبرِ). يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/206). وقيل: علَّقه على المشيئةِ حينَ رأَى ذلك العالمَ الكاملَ قد نفَى عنه وصفَ الاستطاعةِ بقولِه: لَنْ تَسْتَطِيعَ. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (4/326). وقيل: علَّقه بمشيئةِ الله؛ لئلَّا يكونَ ذلك اعتزازًا بنفسِه، وإعجابًا بها. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 114). .
وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا.
أي: ولا أخالِفُك في أيِّ شَيءٍ تأمُرُني به [1050] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/334)، ((تفسير البغوي)) (3/206)، ((تفسير ابن كثير)) (5/181).   .
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70).
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ.
أي: قال الخَضِرُ لموسى: فإنْ صَحِبْتَني فلا تبتَدِئْني بالسُّؤالِ عن أيِّ شَيءٍ أفعَلُه مِمَّا تَستَنكِرُه [1051] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/335)، ((الوسيط)) للواحدي (3/158)، ((تفسير الرازي)) (21/485)، ((تفسير ابن كثير)) (5/181)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482).   .
حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا.
أي: لا تَسأَلْني أبدًا إلى أن أُخبِرَك عن سَبَبِ فِعلي الذي تَستَنكِرُه، وأبَيِّنَ لك حقيقَتَه، ووجهَ صَوابِه [1052] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/335)، ((تفسير القرطبي)) (11/18)، ((تفسير ابن كثير)) (5/181)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 114، 115).   .

الفوائد التربوية:

1- قَال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا... فموسَى عليه السلامُ رحَل مسافةً طويلةً، ولقِي النَّصَبَ في طلبِ العلمِ، وفي ذلك دَليلٌ على فضيلةِ العلمِ، والحَثِّ على الرِّحلةِ في طَلَبِه [1053] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (٧/٢٠٥)، ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   ، واغتنامِ لِقاءِ الفُضَلاءِ والعُلَماءِ وإن بَعُدت أقطارُهم، وذلك كان دأبَ السَّلَفِ الصَّالحِ، وبسبَبِ ذلك وصلَ المرتَحِلونَ إلى الحَظِّ الرَّاجِحِ، وحصَلوا على السَّعيِ النَّاجِحِ، فرسَخَت لهم في العُلومِ أقدامٌ، وصَحَّ لهم مِن الذِّكرِ والأجرِ والفَضلِ أفضَلُ الأقسامِ؛ قال البخاريُّ [1054] ((صحيح البخاري)) (كتاب العلم، باب الخروجِ في طلبِ العلمِ). قبل حديث (78).   : ورحل جابرُ بنُ عبدِ اللهِ مَسيرةَ شَهرٍ إلى عبدِ اللهِ بنِ أُنَيسٍ في حديثٍ [1055] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/11).   !
2- قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا هذا إخبارٌ مِن موسى بأنَّه وطَّن نَفسَه على تحمُّلِ التَّعَبِ الشَّديدِ والعَناءِ العَظيمِ في السَّفَرِ لأجلِ طَلَبِ العِلمِ، وذلك تنبيهٌ على أنَّ المتعَلِّمَ لو سافرَ مِن المَشرِق إلى المَغربِ لطَلَبِ مَسألةٍ واحدةٍ، لَحَقَّ له ذلك [1056] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/479).   .
3- قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا... رحَل موسَى عليه السلامُ لطلبِ العلمِ، وترَك القعودَ عندَ بني إسرائيلَ؛ لتعليمِهم وإرشادِهم، وفي ذلك دليلٌ على البداءةِ بالأهمِّ فالأهمِّ؛ فإنَّ زيادةَ العلمِ، وعلم الإنسانِ: أهمُّ مِن تركِ ذلك، والاشتغالِ بالتعليمِ مِن دونِ تزوُّدٍ مِن العلمِ، والجمعُ بينَ الأمرينِ أكملُ [1057] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
4- قَولُ الله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فيه أنَّ المُسافِرَ لطَلَبِ عِلمٍ أو جِهادٍ أو نحوِه، إذا اقتَضَت المَصلحةُ الإخبارَ بمَطلَبِه، وأين يُريدُه، فإنَّه أكمَلُ مِن كَتمِه؛ فإنَّ في إظهارِه فوائِدَ، مِن الإعدادِ له عُدَّتَه، وإتيانِ الأمرِ على بصيرةٍ، وإظهارِ شَرَفِ هذه العبادةِ الجَليلةِ [1058] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
5- إسنادُ النِّسيانِ إليهما في قولِه تعالى: فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا حقيقةٌ -على أحد القولين-؛ لأنَّ يوشَعَ وإن كان هو الموكَّلَ بحِفظِ الحوتِ، فكان عليه مراقبَتُه، إلَّا أنَّ موسى هو القاصِدُ لهذا العَمَلِ، فكان يُهِمُّه تَعهُّدُه ومراقَبتُه؛ وهذا يدُلُّ على أنَّ صاحِبَ العَمَلِ أو الحاجةِ إذا وكَلَه إلى غيرِه، لا ينبغي له تَركُ تعَهُّدِه [1059] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (١٥/٣٦٦).   .
6- قَولُ الله تعالى: فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا فيه استحبابُ إطعامِ الإنسانِ خادِمَه مِن مأكَلِه، وأكلِهما جميعًا؛ لأنَّ ظاهِرَ قَولِه: آتِنَا غَدَاءَنَا إضافةً إلى الجَميعِ: أنَّه أكل هو وخادِمُه جميعًا [1060] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 482).   .
7- قولُ الله تعالى: فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا فيه أنَّ المعونةَ تَنزِلُ على العَبدِ على حَسَبِ قيامِه بالمأمورِ به، وأنَّ الموافِقَ لأمرِ اللهِ يُعانُ ما لا يُعانُ غَيرُه [1061] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 482).   ، فقد قال أهلُ العلمِ: إنَّ هذا مِن آياتِ الله؛ فقد سارا قبلَ ذلك مسافةً طويلةً ولم يتعَبا، ولمَّا جاوزا المكانَ الذي فيه الخَضِرُ، تعِبا سريعًا مِن أجلِ ألا يتمادَيا في البعدِ عن المكانِ [1062] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 110).   ؛ لأنَّ الله ميسرٌ أسبابَ الامتثالِ لأوليائِه [1063] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/362).   .
8- لَمَّا سافَرَ موسَى إلى الخَضِرِ وجَدَ في طريقِه مَسَّ الجُوعِ والنَّصَبِ، فقال لفتاه: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا فإنَّه سفَرٌ إلى مخلوقٍ، ولَمَّا واعده ربُّه ثلاثين ليلةً وأتمَّها بعشرٍ، فلم يأكُلْ فيها، لم يجِدْ مَسَّ الجوعِ ولا النَّصَبِ؛ فإنَّه سفَرٌ إلى رَبِّه تعالى. وهكذا سَفَرُ القلبِ وسَيرُه إلى رَبِّه؛ لا يجِدُ فيه مِن الشَّقاءِ والنَّصَبِ ما يجِدُه في سَفَرِه إلى بعضِ المخلوقينَ [1064] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/203).   .
9- في قولِه: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ حُسنُ أدَبٍ؛ حيثُ نسَب النِّسيانَ إلى المتسبِّبِ فيه بوَسْوستِه [1065] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/202). وقيل: إنَّما نسَبه إلى الشَّيطانِ هَضمًا لنَفسِه، أو: لأنَّ عدَمَ احتِمالِ القوَّةِ للجانِبَينِ، واشتِغالَها بأحَدِهما عن الآخَرِ يُعَدُّ مِن نُقصانِ نفسِه. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/287).   ، وهو الشيطانُ، فمِن وسوستِه أن يشغَلَ القلبَ بحديثِه حتى ينسيَه ما يريدُ أن يفعلَه، ولهذا يُضاف النسيانُ إليه إضافتَه إلى سببِه [1066] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (2/257).   ، والشرُّ وأسبابُه وسائرُ الأمورِ المكروهةِ تُنسَبُ إلى الشيطانِ؛ تأدُّبًا عن نسبتِها إلى اللهِ تعالى، وإن كان الكُلُّ بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه [1067] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 171)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482). قال الشنقيطي: (الصَّحيح عندَ علماءِ السَّلفِ أَنَّ حقيقةَ النِّسيانِ والإنساءِ والتَّذكيرِ والتَّذكُّرِ كحقيقةِ أيِّ معنًى مِنَ المعاني، وأنَّها كُلَّها مِنَ اللَّهِ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء: 78] ، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة: 51] ، فما نُسِبَ إلى الشَّيطانِ فهو بتسليطٍ مِنَ اللَّهِ كما في قولِه تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، ثُمَّ قال: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة: 102] ، فيكونُ إسنادُ الإنساءِ إلى الشَّيطانِ مِنْ بابِ قولِ الخليلِ عليه السَّلامُ: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 80] ؛ تأدُّبًا في الخطابِ معَ اللَّهِ تعالى). ((أضواء البيان)) (8/57).   .
10- قَولُ الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا فيه دليلٌ على التواضُعِ للعالمِ [1068] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (٧/٢٠٥).   ، فموسَى عليه السلامُ راعى في ذلك غايةَ التَّواضُعِ والأدَبِ، فاستجهَل نفْسَه، واستأذَن أن يَكونَ تابِعًا له، وسأَل مِنه أن يُرشِدَه ويُنعِمَ عليه بتَعليمِ بعضِ ما أنعَم اللهُ عليه [1069] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/287).   .
11- قال قتادة: (لو كان أحدٌ يكتفي مِن العِلمِ بشَيءٍ، لاكتفى موسى عليه السَّلامُ، ولكنَّه قال: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [1070] يُنظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1/419).   .
12- قَولُ الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا فيه دليلٌ على حُسنِ التلَطُّفِ والاستنزالِ، والأدَبِ في طَلَبِ العِلمِ [1071] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (٧/٢٠٥).   ، فقال: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا فأخرَج الكلامَ بصورةِ الملاطفةِ والمشاورةَ، وأنَّك هل تأذنُ لي في ذلك أو لا، وإقرارُه بأنَّه يتعلمُ منه، بخلافِ ما عليه أهلُ الجفاءِ أو الكبرِ، لا يُظهِرُ الواحدُ منهم للمعلِّمِ افتقارَه إلى علمِه، بل يدَّعي أنَّه يتعاونُ هو وإيَّاه، بل ربَّما ظنَّ أنَّه يُعَلِّمُ معلِّمَه، وهو جاهلٌ جدًّا، فالذلُّ للمعلِّمِ، وإظهارُ الحاجةِ إلى تعليمِه، مِن أنفعِ شيءٍ للمتعلِّمِ [1072] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 484).   ، وبَيَّنَ موسى عليه السلامُ أنَّه لا يَطلُبُ من الخضر غيرَ العِلمِ، بقَولِه: عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ، وزاد في التلَطُّفِ بالإشارةِ إلى أنَّه لا يَطلُبُ جميعَ ما عِندَه لِيَطولَ عليه الزَّمانُ، بل جوامِعَ منه يسترشِدُ بها إلى باقيه، فقال: مِمَّا عُلِّمْتَ [1073] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (١٢/١٠٨).   .
13- قول اللهِ تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا فيه إشارةٌ إلى أنَّ حقَّ المعلِّمِ على المتعلِّمِ اتِّباعُه والاقتداءُ به [1074] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/370).   . وفيه دَليلٌ على أنَّ المتعَلِّمَ تَبَعٌ للعالمِ، وإن تفاوَتَت المراتِبُ [1075] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/17).  
14- قَولُ الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا فيه المُسافَرةُ مع العالمِ؛ لاقتباسِ فوائِدِه [1076] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (٧/٢٠٥).   .
15- قَولُ الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا فيه تواضُعُ الفاضِلِ للتعَلُّمِ ممَّن دُونَه؛ فإنَّ موسى-بلا شَكٍّ- أفضَلُ مِن الخَضِر [1077] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
16- قال بعضُ أهلِ العِلمِ: (إنَّ فيما عاناه موسى مِن الدَّأبِ والسَّفَرِ، وصَبَر عليه من التواضُعِ والخُضوعِ للخَضِر بَعدَ مُعاناةِ قَصْدِه، مع محلِّ موسى مِن اللهِ ومَوضِعه مِن كرامتِه، وشَرفِ نُبُوَّتِه- دَلالةً على ارتفاعِ قَدرِ العِلمِ، وعلوِّ مَنزلةِ أهلِه، وحُسنِ التواضُعِ لِمن يُلتَمَس منه ويُؤخَذ عنه، ولو ارتفع عن التواضُعِ لِمخلوقٍ أحدٌ، بارتفاعِ دَرجةٍ، وسُمُوِّ منزلةٍ؛ لسبق إلى ذلك موسى، فلما أظهرَ الجِدَّ والاجتهادَ، والانزعاجَ عن الوطنِ، والحِرصَ على الاستفادةِ، مع الاعترافِ بالحاجةِ إلى أن يَصِلَ من العلمِ إلى ما هو غائبٌ عنه؛ دلَّ على أنَّه ليس في الخَلقِ مَن يعلو على هذه الحالِ، ولا يَكبُرُ عنها) [1078] يُنظر: ((الرحلة في طلب الحديث)) للخطيب البغدادي (ص: 106).   .
17- قَولُ الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا فيه تعَلُّمُ العالِمِ الفاضِلِ للعِلمِ الذي لم يتمَهَّرْ فيه، ممَّن مهَرَ فيه، وإن كان دونَه في العِلمِ بدَرَجاتٍ كثيرةٍ؛ فإنَّ موسى -عليه السَّلامُ- مِن أُولي العَزمِ مِن المُرسَلينَ الذين منحَهم اللهُ وأعطاهم من العِلمِ ما لم يُعطِ سِواهم، ولكِنْ في هذا العِلمِ الخاصِّ كان عند الخَضِر ما ليس عندَه؛ فلهذا حَرَص على التعَلُّمِ منه [1079] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
18- قَولُ الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا فيه إضافةُ العِلمِ وغيرِه مِن الفضائِلِ لله تعالى، والإقرارُ بذلك، وشُكرُ الله عليها؛ لِقَولِه: عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ أي: ممَّا عَلَّمَك اللهُ تعالى [1080] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
19- قَولُ الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا فيه أنَّ العِلمَ النَّافِعَ هو العِلمُ المُرشِدُ إلى الخيرِ، فكُلُّ عِلمٍ يكونُ فيه رُشدٌ وهدايةٌ لطُرقِ الخيرِ، وتحذيرٌ عن طريقِ الشَّرِّ، أو وسيلةٌ لذلك؛ فإنَّه مِن العِلمِ النَّافِعِ، وما سوى ذلك فإمَّا أن يكونَ ضارًّا، أو ليس فيه فائِدةٌ [1081] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
20- قَولُ الله تعالى: قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا في هذا أصلٌ مِن أصولِ التَّعليمِ: أن يُنَبِّهَ المعلِّمُ المتعَلِّمَ بعوارِضِ مَوضوعاتِ العُلومِ المُلَقَّنةِ، لا سيَّما إذا كانت في معالجَتِها مَشقَّةٌ [1082] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/372).   .
21- قولُ الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا فيه أنَّ مَن ليس له قُوَّةُ الصبرِ على صُحبةِ العالِمِ والعِلمِ، وحُسنِ الثَّباتِ على ذلك، أنَّه يفوتُه بحَسَبِ عَدَمِ صَبرِه كثيرٌ مِن العِلمِ؛  فمَن لا صَبْرَ له لا يُدرِك العِلمَ، ومن استعمل الصَّبرَ ولازَمَه، أدرك به كُلَّ أمرٍ سعى فيه؛ لِقَولِ الخَضِر يَعتَذِرُ من موسى بذِكرِ المانِعِ لموسى في الأخذِ عنه: إنَّه لا يصبِرُ معه [1083] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 484).   .
22- السَّبَبُ الكبيرُ لحُصولِ الصَّبرِ على أمرٍ ما، هو إحاطةُ الإنسانِ عِلمًا وخِبرةً بذلك الأمرِ الذي أُمِرَ بالصَّبرِ عليه، وإلَّا فالذي لا يَدريه، أو لا يَدري غايتَه ولا نتيجَتَه، ولا فائِدَتَه وثمَرتَه، ليس عنده سَبَبُ الصبرِ عليه؛ نستفيدُ ذلك مِن قَولِ الخَضِرِ لموسى عليه السَّلامُ: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا فجعَلَ المُوجِبَ لعدَمِ صَبرِه عَدَمَ إحاطتِه خُبرًا بالأمرِ [1084] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
23- قَولُ الخَضِر لموسى عليه السَّلامُ: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا نِسبةٌ إلى قِلَّةِ العِلمِ والخُبرِ، وقَولُ موسى له: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا تواضُعٌ شديدٌ وإظهارٌ للتحَمُّلِ التامِّ والتواضُعِ الشَّديدِ، وكلُّ ذلك يدُلُّ على أنَّ الواجِبَ على المتعَلِّم إظهارُ التواضُعِ بأقصى الغاياتِ، وأمَّا المعَلِّمُ فإنْ رأى أنَّ في التَّغليظِ على المتعَلِّمِ ما يفيدُه نفعًا وإرشادًا إلى الخيرِ، فالواجِبُ عليه ذِكرُه؛ فإنَّ السُّكوتَ عنه يُوقِعُ المتعَلِّمَ في الغُرورِ والنَّخوةِ، وذلك يمنَعُه من التعَلُّمِ [1085] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/485).   .
24- نَستفيدُ مِن قَولِه تعالى: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا  تعليقَ الأمورِ المُستقبليَّةِ التي من أفعالِ العِبادِ بالمَشيئةِ، وألَّا يقولَ الإنسانُ للشَّيءِ: إني فاعِلٌ ذلك في المُستَقبلِ، إلَّا أن يقولَ: (إنْ شاء الله) [1086] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 484).   .
25- قَولُ الله تعالى: قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فيه الأمرُ بالتَّأنِّي والتثَبُّت، وعَدَمُ المبادرةِ إلى الحُكمِ على الشَّيءِ حتى يُعرَفَ ما يُرادُ منه وما هو المَقصودُ [1087] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 484).   .
26- في قَولِه تعالى: قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا هذا توجيهٌ مِن مُعَلِّمٍ لِمَن يتعلَّمُ منه؛ ألَّا يَتعجَّلَ في الرَّدِّ على معلِّمِه، بل ينتظرُ حتى يُحدِثَ له بذلك ذِكْرًا، وهذا مِن آدابِ المُتَعَلِّم؛ ألَّا يَتَعَجَّلَ في الرَّدِّ حتى يتبيَّنَ الأمْر [1088] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 115).   .
27- في قوله تعالى: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا قبولُ نصيحةِ الشيخِ؛ لعلمِه منك ما لا تعلمُه مِن نفسِك، وإن كنتَ أفضلَ منه [1089]  يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (5/256)، (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا تسميةُ التلميذِ الخادمِ فتًى [1090] يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (5/255)، (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب).   .
2- قَولُ الله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فيه مِن الفِقهِ: استِعانةُ العالمِ على رِحلتِه في طَلبِ الازديادِ مِن العِلمِ بالخادِمِ والصَّاحِبِ [1091] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/11).   ، وأنَّه لا بأسَ بالاستخدامِ، واتخاذِ الرقيقِ والخادمِ في السفرِ [1092] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 171). ويُنظر أيضًا: ((تفسير السعدي)) (ص: 483).   .
3- في قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا أنَّه يجوزُ على النبيِّ النسيانُ [1093]  يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (5/253)، (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب).   .
4- قال الله تعالى: فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا السَّفَرُ الطَّويلُ الذي وصلا به إلى مجمَعِ البَحرينِ لم يجِدا مَسَّ التَّعَبِ فيه، وهذا مِن الآياتِ والعَلاماتِ الدالَّةِ لموسى على وجودِ مَطلَبِه، وأيضًا فإنَّ الشَّوقَ المتعَلِّقَ بالوصولِ إلى ذلك المكانِ سَهَّلَ لهما الطَّريقَ، فلمَّا تجاوَزا غايتَهما وجَدَا مَسَّ التَّعَبِ [1094] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 481-482).   .
5- قَولُ الله تعالى: فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا فيه اتِّخاذُ الزَّادِ للسَّفَرِ، وأنَّه لا يُنافي التوكُّلَ، وهو رَدٌّ على الصُّوفيَّةِ الجَهَلةِ الأغْمار، الذين يقتَحِمونَ المَهامِهَ [1095] المهامهُ: جمعُ مَهْمَهٍ أو مَهْمَهةٍ: وهي المفازةُ والصَّحراءُ البعيدةُ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (36/505).   والقِفارَ، زعمًا منهم أنَّ ذلك هو التوكُّلُ على اللهِ الواحِدِ القَهَّارِ؛ هذا موسى نبيُّ اللهِ وكَليمُه مِن أهلِ الأرضِ قد اتَّخَذ الزادَ، مع مَعرِفتِه برَبِّه وتوكُّلِه على رَبِّ العِبادِ [1096] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/13)، ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 171).   .
6- يقولُ الله تعالى: فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا فيه جوازُ إخبارِ الإنسانِ عَمَّا هو مِن مُقتضى طبيعةِ النَّفسِ؛ مِن نَصَبٍ أو جُوعٍ أو عَطَشٍ، إذا لم يكُنْ على وجهِ التسَخُّطِ، وكان صِدقًا [1097] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 482). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الماتريدي)) (7/191).   .
7- قَولُ الله تعالى: قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا فيه سؤالٌ: كيف نسي يوشَعُ ذلك، ومِثلُه لا يُنسَى؛ لكَونِه أمارةً لهما على الطَّلِبةِ التي تناهَضا من أجلِها، ولكونِه مُعجِزةً؟ ثمَّ كيف استمَرَّ به النسيانُ حتى خَلَّفا الموعِدَ، وحتى طلب موسى عليه السَّلامُ الحوتَ؟
الجوابُ من وجوهٍ:
الأول: أنَّه قد شَغَله الشيطانُ بوساوسِه، فذهب بفِكرِه كُلَّ مَذهَبٍ، حتى اعتراه النِّسيانُ [1098] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/732-733).   .
الثاني: أَنَّ يُوشَعَ كان قد شاهَدَ المعجزاتِ القاهرةَ مِنْ موسَى عليه السَّلامُ كثيرًا، فلم يَبْقَ لهذه المعجزةِ عندَه وَقعٌ عظيمٌ؛ فجاز حصولُ النِّسيان.
الثالث: أنَّ موسى عليه السَّلامُ لَمَّا استعظم عِلمَ نَفسِه، أزال الله عن قَلبِ صاحِبِه هذا العِلمَ الضَّروريَّ؛ تنبيهًا لِموسى عليه السلام على أنَّ العِلمَ لا يحصُلُ إلَّا بتعليمِ اللهِ وحِفظِه على القَلبِ والخاطِرِ [1099] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (٢١/٤٨٠).   .
8- في قوله تعالى -عن فتى موسى: قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ حجةٌ في إجازة «أرأيتَ» في المخاطبات؛ وإباحتِه في المحاورات، وردٌّ على مَن ينكرُ اللفظةَ في نفْسِها مِن أَجْلِ استعمال أهلِ الرأي لها، وقد ذكرها اللهُ تعالى عن نفْسِه في غيرِ موضعٍ مِن كتابه فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ [الأنعام: 46] . وأمَّا قولُ الشعبيِّ رحمه اللهُ: (بَغَّض هذا المسجدَ إليَّ الأرأيتيُّونَ: أرأيتَ أرأيتَ)؛ فإنما أنْكَر منهم مرادَهم به، لا نفسَ الكلمةِ [1100] يُنظر: ((النُّكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/208).   .
9- نسيانُ الخيرِ يكونُ مِن الشيطانِ؛ قال الله تعالى: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ، وقال تعالى: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68] ، وقال: فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [يوسف: 42] ، وقال أيضًا: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ [1101] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (5/183). ويُنظر أيضًا: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/321).   [المجادلة: 19] .
10- دلَّ قولُه تعالى: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا على أنَّ العِلْمَ غيرُ مقسومٍ على فضائلِ الرِّجالِ ودَرَجاتِهم عندَ الله، حتى يكونَ مَن هو أعظمُ فضلًا في عَمَلِه ودَرَجتِه أعلمَ في دِينِه، أو أنَّه غيرُ جائزٍ أنْ يكونَ الأدْوَنُ في الفَضلِ أعلمَ في أشياءَ ممَّن فَوقَه في درجةِ الفَضلِ، وإنَّما العِلمُ مَوهبةٌ مِن مواهبِ اللهِ يَخُصُّ به مَن يشاءُ مِن عبادِه، ويُفَضِّلُ بعضَهم على بعضٍ فيه [1102] يُنظر: ((النُّكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/214).   .
11- قولُ الله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا يُؤخَذُ منه جوازُ التَّعاقُدِ على تعليمِ القرآنِ والعلمِ، فصيغةُ: (أفعلُ كذا على كذا)، مِنْ صِيَغِ الالتزامِ والتَّعاقُدِ [1103] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (١٥/٣٧٠).   .
12- قَولُ الله تعالى: قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا فيه اعتِذارُ العالمِ إلى مَن يريدُ الأخذَ عنه، في عَدَمِ تعليمِه ما لا يَحتَمِلُه طَبعُه [1104] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 171).   .
13- قَولُه تعالى: قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا حكَمَ عليه بعادةِ الخَلقِ في عَدَمِ الصَّبرِ عمَّا يخرجُ مِن الاعتيادِ، وهو أصلٌ في الحُكمِ بالعادةِ [1105] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/240).   .
14- في قَولِه تعالى: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا دَلالةُ على أنَّ الاختيارَ والمستحَبَّ في الاستثناءِ أن يكونَ في ابتداءِ الكلامِ؛ لأنَّ موسى ابتدأَ به، وكذلك قَولُه: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة: 70] فإذا ترَكَه في أوَّلِ كلامِه أو نَسِيَ، يَستثني في آخِرِه [1106] يُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (7/193).   .
15- قولُه تعالى: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا فيه دليلٌ على أنَّ أفعالَ العبادِ واقعةٌ بمشيئةِ اللهِ تعالى [1107] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/288)، ((تفسير أبي السعود)) (5/234).   .
16- قَولُ الله تعالى: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا فيه أنَّ العَزمَ على فِعلِ الشَّيءِ ليس بمَنزلةِ فِعلِه؛ فإنَّ موسى عليه السَّلامُ قالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا، فوطَّنَ نَفسَه على الصَّبرِ ولم يَفعَلْ [1108] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
17- قَولُ الله تعالى: قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فيه جوازُ اشتراطِ المَتبوعِ على التَّابِعِ، وأنَّه يَلزَمُ الوفاءُ بالشَّرطِ [1109] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: ١٧١).   .
18- قولُه: قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فيه إيذانٌ بأنَّ كلَّ ما صدَر عنه فله حِكمةٌ وغايةٌ حميدةٌ البتَّةَ [1110] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/235).   .
19- قال تعالى: قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فنهَى الخضرُ موسَى عليه السلامُ عن السُّؤالِ عن شيءٍ ممَّا يُشاهِدُه مِن تَصرُّفاتِه حتَّى يُبيِّنَه له مِن تِلْقاءِ نَفْسِه؛ لأنَّ السُّؤالَ قد يُصادِفُ وقتَ اشتغالِ المسؤولِ بإكمالِ عملِه، فتَضيقُ له نفسُه، فرُبَّما كان الجوابُ عنه بدونِ نشاطِ نفْسٍ، وربَّما خالَطه بعضُ القلقِ، فيكونُ الجوابُ غيرَ شافٍ، فأراد الخَضِرُ أن يتَولَّى هو بيانَ أعمالِه في الإبَّانِ الَّذي يَراه مُناسِبًا؛ ليكونَ البيانُ أبسَطَ، والإقبالُ أبهجَ، فيَزيدَ الاتِّصالُ بينَ القَرينينِ [1111] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/373).   .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا في سَوْقِ هذه القِصَّةِ تعريضٌ بأهلِ الكتابِ بأنَّ الأوْلَى لهم أن يَدُلُّوا النَّاسَ على أخبارِ أنبياءِ بني إسرائيلَ، وعلى سَفَرٍ لأجلِ تحصيلِ العِلمِ والحِكْمةِ، لا سَفَرٍ لأجْلِ بَسْطِ المُلْكِ والسُّلطانِ [1112] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/246، 359).   .
     - وجملةُ: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ... معطوفةٌ على جُملةِ: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ [الكهف: 50] عَطْفَ القِصَّةِ على القصَّةِ، والتَّقديرُ: واذْكُرْ إذْ قال مُوسى لِفَتاه، أيِ: اذْكُرْ ذلك الزَّمَنَ وما جَرى فيه. وناسَبَها تقديرُ فِعلِ (اذْكُرْ)؛ لأنَّ في هذه القصَّةِ موعِظةً وذِكْرى، كما في قِصَّةِ خَلْقِ آدمَ [1113] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/359).   .
     - وابتُدِئَت القصَّةُ بحِكايةِ كلامِ موسى عليه السَّلامُ المقتَضِي تَصميمًا على ألَّا يَزولَ عمَّا هو فيه، أي: لا يَشتَغِلَ بشيءٍ آخَرَ حتَّى يَبلُغَ مَجْمَعَ البحرَينِ، ابتِداءً عَجيبًا في بابِ الإيجازِ. وحُذِف ذِكرُ الغرَضِ الَّذي سارَ لأجْلِه موسى عليه السَّلامُ؛ لأنَّه سيُذكَرُ بعدُ، وهو حَذفُ إيجازٍ وتشويقٍ، له مَوقِعٌ عظيمٌ في حكايةِ القِصَّةِ؛ لإخراجِها عن مَطْروقِ القَصصِ إلى أسلوبِ بديعِ الحِكَمِ والأمثالِ؛ قَضاءً لحقِّ بلاغةِ الإعجازِ [1114] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/360 - 361).   .
     - قوله: حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا عُطِفَ أَمْضِيَ على أَبْلُغَ بـ (أَوْ)، فصارَ المعطوفُ إحْدى غايتَيْنِ للإقلاعِ عن السَّيرِ، أي: إمَّا أن أبلُغَ المكانَ، أو أَمْضيَ زمَنًا طويلًا. ولَمَّا كان موسى لا يُخامِرُه الشَّكُّ في وُجودِ مكانٍ هو مَجمَعٌ للبَحْرينِ، وإلْفاءِ طِلْبَتِه عِندَه؛ لأنَّه عَلِم ذلك بوَحيٍ مِن اللهِ تعالى - تَعيَّن أن يكونَ المقصودُ بحَرفِ التَّرديدِ (أو) تأكيدَ مُضيِّه زمَنًا يتَحقَّقُ فيه الوصولُ إلى مَجمَعِ البحرَين [1115] يُنظر:((تفسير ابن عاشور)) (15/365).   .
2- قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا
     - قولُه: فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا الفاءُ للتَّفريعِ، والفَصيحةُ؛ لأنَّها تُفْصِحُ عن كلامٍ مُقدَّرٍ، أي: فسَارَا حتَّى بَلَغا مَجمعَ البحرَين [1116] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/200)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/365).   .
     - قولُه: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا شَبَّهَ بالسَّرَبِ مَسْلَكَ الحوتِ في الماء حينَ لم يَنطبِقِ الماءُ بعدَه، بل بَقِي كالطَّاقِ [1117] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/201).   .
     - وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ قال عزَّ وجلَّ هنا: نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ، وفي الآيةِ الثَّالثةِ: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ [الكهف: 63] ؛ وذلك لأنَّ الفاءَ للتَّعقيبِ والعَطْفِ، فكان اتِّخاذُ الحوتِ للسَّبيلِ عَقِيبَ النِّسيانِ، فذُكِرَ بالفاءِ. وفي الآيةِ الأُخْرى لَمَّا حِيلَ بينَهما بقَولِه: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف: 63] زالَ مَعنى التَّعقيبِ، وبَقي العَطفُ المجرَّدُ، وحَرفُه الواوُ [1118] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 170).   .
3- قولُه تعالى: فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا
     - حُذِفَ مفعولُ جَاوَزَا للعِلْمِ، أي: جاوَزا مَجْمَعَ البحرَين [1119] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/366).   .
     - وجملةُ: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا في مَحلِّ التَّعليلِ للأمرِ بإيتاءِ الغَداءِ؛ إمَّا باعتبارِ أنَّ النَّصَبَ إنَّما يَعتَري بسبَبِ الضَّعفِ النَّاشئِ عن الجُوعِ، وإمَّا باعتبارِ ما في أثْناءِ التَّغدِّي مِن استراحةٍ ما [1120] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/233).   .
4- قوله تعالى: قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا
     - في قولِه: قَالَ أَرَأَيْتَ مُرادُه بالاستفهامِ تَعجيبُ موسى عليه السَّلامُ ممَّا اعْتراه هُناك مِن النِّسيانِ، مع كَونِ ما شاهَدَه مِن العَظائمِ الَّتي لا تَكادُ تُنْسى [1121] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/233)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/629).   .
     - قولُه: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، ذَكَر الإِواء إليها مع أنَّ المذكورَ فيما سبَق مرَّتَين بُلوغُ مجمَعِ البحرَين؛ لِزيادةِ تَعْيينِ مَحلِّ الحادثةِ؛ فإنَّ المَجمَعَ محلٌّ متَّسِعٌ لا يُمكِنُ تحقيقُ المرادِ المذكورِ بنِسْبةِ الحادثةِ إليه، ولِتَمهيدِ العُذرِ؛ فإنَّ الإواءَ إليها، والنَّومَ عِندَها ممَّا يُؤدِّي إلى النِّسيانِ عادةً [1122] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/233).   .
     - قولُه: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ فيه تأكيدٌ للتَّعجيبِ، وتربيةٌ لاستِعْظامِ المنسيِّ. وإيقاعُ النِّسيانِ على اسْمِ الحوتِ دونَ ضميرِ الغَداءِ، مع أنَّه المأمورُ بإتيانِه؛ للتَّنبيهِ مِن أوَّلِ الأمرِ على أنَّه ليس مِن قَبيلِ نِسيانِ المسافِرِ زادَه في المنزِلِ، وأنَّ ما شاهَدَه ليس مِن قَبيلِ الأحوالِ المتعلِّقةِ بالغَداءِ مِن حيث هو غَداءٌ وطَعامٌ، بل مِن حيث هو حوتٌ كَسائرِ الحيتانِ، مع زيادةٍ، أي: نَسيتُ أن أَذكُرَ لك أمْرَه، وما شاهَدتُ مِنه مِن الأمورِ العَجيبةِ [1123] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/233).   .
     - ووجهُ حَصرِه إسنادَ هذا الإنساءِ إلى الشَّيطانِ: أنَّ ما حَصَل له مِن نسيانٍ أن يُخبِرَ موسى بتِلْك الحادثةِ نِسيانٌ ليس مِن شأنِه أن يقَعَ في زمَنٍ قريبٍ، مع شِدَّةِ الاهتمامِ بالأمرِ المنسيِّ، وشِدَّةِ عنايتِه بإخبارِ نبيِّه به. ومعَ كونِ المنسيِّ أُعْجوبةً شأنُها ألَّا تُنْسى- يتَعيَّنُ أنَّ الشَّيطانَ أَلْهاه بأشياءَ عن أن يتَذكَّرَ ذلك الحادثَ العَجيبَ، وعَلِم يوشَعُ أنَّ الشَّيطانَ يَسوءُه الْتِقاءُ هذَيْن العبدَيْن الصَّالِحَين، وما له مِن الأثرِ في بَثِّ العلومِ الصَّالحةِ؛ فهو يَصرِفُ عنها ولو بتَأخيرِ وُقوعِها؛ طَمَعًا في حُدوثِ العَوائقِ [1124] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/367).   .
     - وقولُه: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ اعتراضٌ بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه [1125] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/733)، ((تفسير أبي حيان)) (7/203).   . وقُدِّم على المعطوفِ عليه؛ للاعْتِناءِ بالاعْتِذارِ [1126] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/233).   .
5- قوله تعالى: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا
     - قولُه: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا تَنكيرُ عَبْدًا للتَّفخيمِ، والإضافةُ في عِبَادِنَا للتَّشريفِ والاختصاصِ [1127] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/203)، ((تفسير أبي السعود)) (5/234).   ؛ فوُصِف بأنه مِن عبادِ اللهِ تَشريفًا له، وعَدَل عن الإضافةِ إلى التَّنكيرِ والصِّفةِ؛ لأنَّه لم يَسبِقْ ما يَقْتَضي تعريفَه، وللإشارةِ إلى أنَّ هذا الحالَ الغريبَ العظيمَ الَّذي ذُكِر مِن قصَّتِه ما هو إلَّا مِن أحوالِ عبادٍ كَثيرينَ للهِ تعالى [1128] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/369).   .
     - والمخالَفةُ بينَ مِنْ عِنْدِنَا وبينَ مِنْ لَدُنَّا للتَّفنُّنِ؛ تَفادِيًا مِن إعادةِ الكلمةِ [1129] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/369).   .
6- قوله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشَأ مِن السِّياقِ، كأنَّه قيل: فماذا جَرى بينَهما مِن الكلامِ؟ فقيل: قال له مُوسى: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ [1130] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/234).   . وجملةُ قَالَ لَهُ مُوسَى ابتداءُ مُحاوَرةٍ، فهو استِئْنافٌ ابتدائيٌّ؛ ولذلك لم يقَعِ التَّعبيرُ بـ (قالَ) مُجرَّدةً عن العاطِفِ [1131] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/369).   . وفي الكلامِ محذوفٌ تقديرُه: فلَمَّا الْتَقيَا وتَراجَعا الكلامَ قال له موسى: هل أتَّبِعُك [1132] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/205).   ؟
     - قولُه: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا الاستفهامُ مُستعمَلٌ في العَرْضِ؛ بقَرينةِ أنَّه استِفْهامٌ عن عمَلِ نفسِ المستفهِمِ [1133] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/369).   .
     - و(على) مُستعمَلةٌ في معنى الاشْتِراط؛ جعَل الاتِّباع كأنَّه مُستعمَلٌ فوقَ التَّعليمِ؛ لِشِدَّةِ المقارَنةِ بينَهما [1134] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/370).   .
7- قوله تعالى: قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
     - قولُه: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا نَفى عنه استِطاعةَ الصَّبرِ معَه على وُجوهٍ مِن التَّأكيدِ؛ كأنَّها ممَّا لا يَصِحُّ ولا يَستقيمُ، وعَلَّل ذلك واعتذَر عنه بقولِه: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا [1135] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/734)، ((تفسير البيضاوي)) (3/288)، ((تفسير أبي حيان)) (7/205)، ((تفسير أبي السعود)) (5/234).   ؛ فأكَّد جملة إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا بحرف (إنَّ) وبحرف (لَن)؛ تَحقيقًا لِمَضمونِها مِن تَوقُّعِ ضِيقِ ذَرْعِ مُوسى عن قَبولِ ما يُبْديه إليه؛ لأنَّه عَلِم أنَّه تَصْدُرُ منه أفعالٌ ظاهِرُها المنكَرُ، وباطِنُها المعروفُ. وهذا تحذيرٌ مِنه لِمُوسى عليه السَّلامُ، وتنبيهٌ على ما يَستقبِلُه منه؛ حتَّى يُقْدِمَ على مُتابَعتِه إنْ شاء على بَصيرةٍ وعلى غيرِ اغْتِرارٍ، وليس المقصودُ منه الإخبارَ [1136] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/371).   ؛ فمَناطُ التَّأكيداتِ في جُملةِ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا إنَّما هو تحقيقُ خُطورةِ أعمالِه وغَرابتِها في المتعارَفِ بحيث لا تُتحَمَّلُ، ولو كان خَبرًا على أصلِه لم يُقبَلْ فيه المراجعةُ، ولم يُجِبْه موسى بقولِه: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا، وزادَها تأكيدًا عُمومُ الصَّبرِ المنفيِّ؛ لِوُقوعِه نَكِرةً في سياقِ النَّفيِ، وأنَّ المنفيَّ استِطاعتُه الصَّبرُ المفيدُ أنَّه لو تَجشَّم أن يَصبِرَ لم يَستطِعْ ذلك، فأفادَ هذا التَّركيبُ نفْيَ حُصولِ الصَّبرِ منه في المستقبَلِ على آكَدِ وجْهٍ [1137] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/371).   .
     - وفي زِيادةِ مَعِيَ إيماءٌ إلى أنَّه يَجِدُ مِن أعمالِه ما لا يَجِدُ مِثلَه معَ غيرِه؛ فانْتِفاءُ الصَّبرِ على أعمالِه أجْدَرُ [1138] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/371).   .
8- قوله تعالى: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا
     - جُملةُ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا في موضِعِ الحالِ مِن اسْمِ (إنَّ) أو مِن ضميرِ تَسْتَطِيعَ؛ فالواوُ واوُ الحالِ، وليسَت واوَ العطفِ؛ لأنَّ شأنَ هذه الجملةِ ألَّا تُعطَفَ على الَّتي قبْلَها؛ لأنَّ بينَهما كَمالَ الاتِّصالِ؛ إذِ الثَّانيةُ كالعِلَّةِ للأُولى. وإنَّما أُوثِرَ مَجيئُها في صورةِ الجملةِ الحاليَّةِ، دونَ أن تُفصَلَ عن الجملةِ الأُولى فتَقَعَ عِلَّةً، مع أنَّ التَّعليلَ هو المرادُ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ مَضمونَها عِلَّةٌ مُلازِمةٌ لِمَضمونِ الَّتي قبلَها؛ إذْ هي حالٌ مِن المسنَدِ إليه في الجملةِ قبلَها [1139] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/371).   .
     - و(كيف) للاستِفْهامِ الإنكاريِّ في معنى النَّفْيِ، أي: وأنتَ لا تَصبِرُ على ما لم تُحِطْ به خُبرًا [1140] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/371).   .
9- قوله تعالى: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا
     - قولُه: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا أبْلَغُ في ثُبوتِ الصَّبرِ مِن نحوِ: (سأَصبِرُ)؛ لأنَّه يَدُلُّ على حُصولِ صبرٍ ظاهرٍ لرَفيقِه ومَتبوعِه [1141] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/372).   .
     - وفي تأكيدِه ذلك بالتَّعليقِ على مَشيئةِ اللهِ -استِعانةً به وحِرصًا على تَقدُّمِ التَّيسيرِ؛ تأدُّبًا مع اللهِ-: إيذانٌ بأنَّ الصبرَ والطَّاعةَ مِن المتعلِّمِ الَّذي له شيءٌ مِن العلمِ أعسَرُ مِن صَبرِ وطاعةِ المتعلِّمِ السَّاذَجِ [1142] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/373).   .
     - قولُه: وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا لَمَّا كان هذا الصَّبرُ الكاملُ يَقْتضي طاعةَ الآمِرِ فيما يأمُرُه به- عطَف عليه ما يُفيدُ الطَّاعةَ؛ إبلاغًا في الاتِّسام بأكمَلِ أحوالِ طالبِ العلمِ [1143] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/373).   .
10- قوله تعالى: قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا
     - الفاءُ في قولِه: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ... تَفريعٌ على وعْدِ موسى إيَّاه بأنَّه يَجِدُه صابِرًا، ففَرَّع على ذلك نَهْيَه عن السُّؤالِ عن شيءٍ ممَّا يُشاهِدُه مِن تَصرُّفاتِه حتَّى يُبيِّنَه له مِن تِلْقاءِ نَفْسِه [1144] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/373).   .