موسوعة التفسير

سُورةُ الأنعامِ
الآيات (68 - 70)

ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ

غريب الكلمات :

يَخُوضُونَ: أي: يَكذِبون ويَسْتَهزؤونَ، وأصلُ الخوضِ: هو الشُّروعُ في الماءِ والمرورُ فيه، ومِنه الشُّروعُ في الأمورِ؛ يُقال: تخاوَضُوا في الحَديثِ والأمرِ، أي: تَفاوَضُوا وتداخَلَ كلامُهم، وأكثرُ ما ورَدَ الخوضُ في القرآنِ فيما يُذَمُّ الشُّروعُ فيه، وأصل (خوض): توسُّطُ شيءٍ، ودخولٌ [1117]  يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 155)، ((تفسير ابن جرير)) (9/313، 401)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/229)، ((المفردات)) للراغب (ص: 302)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 97). .
وَذَرِ: أي: اترُكْ؛ يقال: فلان يَذَرُ الشَّيءَ، أي: يقذِفُه؛ لقلَّةِ اعتدادِه به [1118] يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 862)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 989). .
وَغَرَّتْهُمُ: أي: أصابتْ غِرَّتَهم، ونالتْ منهم ما تريدُه، والغِرَّةُ: غفلةٌ في اليقظةِ، والغِرار: غفلةٌ مع غفوةٍ، والغُرورُ: كُلُّ ما يغرُّ الإنسانَ من مالٍ وجاهٍ وشهوةٍ وشيطانٍ، وأصلُ ذلك من الغُرِّ، وهو الأثرُ الظَّاهِرِ من الشَّيء [1119] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/380)، ((المفردات)) للراغب (ص: 603- 604). .
تُبْسَلَ: أي: تُرتَهنَ، وتُسْلَمَ للهَلَكَة، والبَسْل: ضمُّ الشَّيءِ ومَنْعُه، وأصل (بسل): منَعَ وحَبَس [1120] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 155)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 162)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/248)، ((المفردات)) للراغب (ص: 123)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 97)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 192)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 322). .
حَمِيمٍ: الحميمُ: الماءُ الشَّديدُ الحرارةِ، وأصل (حمم): يدلُّ على الحرَارةِ، وعلى معانٍ أخرى متفاوِتَةٍ [1121] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 155)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/23)، ((المفردات)) للراغب (ص: 254، 448). .

مشكل الإعراب :

1- قَوْلُه تعالى: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
وَلَكِنْ ذِكْرَى: (الواو) عاطِفَةٌ للجُمَلِ لا المُفرداتِ. ولَكِنْ حَرْفُ استدراكٍ لا عَمَلَ له.  وذِكْرَى يَجوزُ فيها النَّصْبُ والرَّفعُ، وعلامةُ الإعراب مُقدَّرةٌ عل آخِرِها للتعذُّرِ؛ أمَّا النَّصْبُ فعَلى المصْدَرِ بفِعْلٍ مَحذوفٍ؛ والتقديرُ: (ولَكِنْ ذَكِّرُوهم ذِكْرى)، أو (ولكنْ يُذَكِّرونَهم ذِكْرى). وأمَّا الرَّفْعُ فعَلَى أنَّها مُبتدأٌ، والخبرُ محذوفٌ؛ تقديرُه: ولَكِنْ عليهم ذِكْرى. أو على أنَّه خَبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ؛ والتَّقديرُ: هو ذِكْرى؛ أي: الواجِبُ ذِكْرى، أو التقدير: هذا ذِكْرَى؛ أي النَّهْيُ عَنْ مُجالَسَتِهم ذِكْرَى، وعلى كُلٍّ فالجُملةُ معطوفةٌ بالواوِ على جُملةِ: وما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [1122] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/256)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/506)  ((تفسير أبي حيان)) (4/547)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/676). .
2- قوله تعالى: وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ
أَنْ تُبْسَلَ: مَصدرٌ مُؤَوَّلٌ في مَحلِّ نَصبٍ، مَفعولٌ مِن أَجْلِه؛ والتقديرُ: مَخافةَ أنْ تُبسَل أو كَراهَةَ أنْ تُبْسَلَ، أو لِئَلَّا تُبْسَلَ. ويجوز أنْ يكونَ في محَلِّ جَرٍّ على البَدَلِ من الهاءِ في بِهِ  والتقدير: وذَكِّرْ بارْتِهانِ النُّفُوسِ، وحَبْسِها بِما كَسَبَتْ [1123] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/256)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/506)،  ((تفسير أبي حيان)) (4/549)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/679-680). .

المعنى الإجمالي :

يأمُرُ اللهُ تعالى نبيَّه محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يُعْرِضَ عنِ الذينَ يَتكلَّمونَ في آياتِ الله بالتَّكذيبِ والاستهزاءِ والباطِلِ، وأن ينصرفَ عن مجالِسِهم حتى يَشْرَعوا في كلامٍ آخَرَ غيرِه، فإنْ أَنساه الشيطانُ النَّهْيَ عن ذلك، فجَلَس معهم ثمَّ تذكَّرَ فلْيَقُمْ عنهم، ولا يَجْلِسْ بعد الذِّكرى مع القَوْمِ الظَّالِمين.
ثم بيَّن تعالى أنَّه ليس على المُتَّقينَ- الذين اجتَنبوا الجُلُوسَ مع أولئك الخائِضينَ في آياتِ الله بالباطِلِ- شيءٌ مِن حسابِهم على ما ارْتَكبوا، ولكنْ عليهم تذكيرُ الكافرينَ بالموعظةِ والبيانِ؛ لعلَّهم يتَّقونَ.
ثم أمَرَ اللهُ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يَدَعَ الذين جَعلوا حَظَّهم مِن الدِّينَ اللَّعِبَ واللَّهْو؛ مُستهزئينَ بآياتِ اللهِ، ويُعْرِضَ عنهم، وأَمَرَه أن يذَكِّرَ النَّاسَ بالقرآنِ؛ ليؤمِنوا ويتَّبِعوا الحَقَّ، حتى لا تُحْبَسَ نفسٌ بذُنُوبها وكُفْرِها عمَّا يُنَجِّيها في الدُّنيا والآخرة، وتُسْلَمَ للعذابِ والهلاكِ، ليس لها حينئذٍ أحَدٌ يُنْقِذُها من عذاب الله، ولا شَفيعٌ يَطْلُبُ لها العفْوَ من الله جلَّ وعلا، وحتى إنْ بَذَلَت تلك النَّفْسُ كُلَّ فِداءٍ لِتفتدِيَ به، لا يُقْبَل منها، وهؤلاءِ هم الذين أُسْلِمُوا لعذابِ الله، وحُبِسُوا به؛ بسبَبِ ما ارتكبوه من المعاصي والآثامِ في الدُّنيا، أولئك لهم شرابٌ شديدُ الحرارةِ، وعذابٌ مُوجِعٌ؛ جزاءَ كُفْرِهم في الدُّنيا.

تفسير الآيات :

وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) .
مناسبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
لَمَّا بَيَّنَ تعالى في قوله: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيْلٍ أنَّ الذين يُكَذِّبون بهذا الدِّينِ لا يَجِبُ على الرَّسولِ أنْ يُلازِمَهم، وأنْ يكونَ حفيظًا عليهم- بَيَّنَ في هذه الآيةِ أنَّ أولئك المُكَذِّبينَ إنْ ضَمُّوا إلى كُفْرِهم وتَكذيبِهم الاستهزاءَ بالدِّينِ، والطَّعْنَ في الرَّسولِ؛ فإنَّه يجبُ الاحترازُ عن مُقارَنَتِهم، وتَرْكُ مُجالَسَتِهم [1124] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (13/22). .
وأيضًا لَمَّا أَمَرَ الله نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بما يقولُ جوابًا لتكذيبِهم في الآيةِ السَّابقةِ، تَقدَّمَ إليه فيما يفعَلُ وَقتَ خَوضِهم في التكذيبِ [1125] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/146) ؛ فقال:
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.
أي: وإذا رأيتَ- يا محمَّدُ- المشركينَ الذين يَخُوضونَ في آياتِنا، التي أنْزَلْناها إليك، بالتَّكذيبِ والاستهزاءِ، وغيرِ ذلك مِمَّا يُخالِفُ الحَقَّ، فقُمْ عنهم، ولا تَجْلِسْ معهم حتَّى يأخذوا في كلامٍ آخَرَ، غيرِ ما كانوا فيه مِن التَّكذيبِ والاستهزاءِ [1126] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/319)، ((تفسير ابن كثير)) (2/278)، ((تفسير السعدي)) (ص: 260). .
قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140] .
 وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
أي: وإنْ أنساكَ الشيطانُ- يا محمدُ- نَهْيَنا عن الجُلوسِ مع أولئك الخائضينَ، والإعراضَ عنهم، ثم تذكَّرْتَ ذلك؛ فقُمْ عنهم، ولا تَقْعُدْ مع القَومِ الَّذين خاضُوا فيما لا يحلُّ لهم الخَوْضُ فيه [1127] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/313)، ((تفسير ابن كثير)) (2/278)، ((تفسير السعدي)) (ص: 260). .
وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69).
أي: إذا تجنَّبَهم المُتَّقون؛ فلم يَجْلِسوا معهم في ذلك، وأَعْرَضوا عنهم- كما أُمِرُوا- فقد تخلَّصوا من إثْمِ خَوْضِ الكُفَّار فيما يَخوضُون فيه مِن الباطِلِ، ولا يُحاسَبون على شيءٍ من ذلك، ولكنْ عليهم الذِّكرى للكافرينَ بالموعظةِ والبَيانِ؛ لِيَتَّقُوا اللهَ عزَّ وجلَّ؛ فيترُكوا الخَوْضَ في آياتِه سبحانه، ولا يَعُودُوا إلى ذلك [1128] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/278)، ((تفسير الشوكاني)) (2/147)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/430). وقيل في تفسيرِ هذه الآيةِ أقوالٌ أخرى: يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/316-317)، ((تفسير القرطبي)) (7/15)، ((تفسير السعدي)) (ص: 260)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/293). .
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (70).
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا.
أي: ودَعْ- يا محمَّدُ- هؤلاءِ الذين جَعَلوا نصيبَهم مِن دِينِ اللهِ تعالى اللَّعبَ بآياتِه، واللهوَ والاستهزاءَ بها إذا سَمِعوها، وقد اغترُّوا بزِينةِ الحياةِ الدُّنيا، فنَسُوا المعادَ إلى الله تعالى، والمصيرَ إليه بعد المماتِ؛ فأعرِضْ عنهم، واتْرُكْهم [1129] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/318-319)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 360)، ((تفسير القرطبي)) (7/15)، ((تفسير ابن كثير)) (3/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 261). وفي معنى الآية أقوالٌ أخرى؛ قال ابنُ عطية: (وقوله: لَعِبًا وَلَهْوًا يُريد: إذ يعتقدون أنْ لا بعثَ، فهُم يتصرَّفون بشهواتِهم تصرُّفَ اللَّاعِبِ اللَّاهي) ((تفسير ابن عطية)) (2/305). وقال ابنُ عاشور: (اتَّخذوه لعبًا ولهوًا، أي: جعَلوا الدِّين مجموعَ أمورٍ هي من اللَّعب واللهو، أي: العبث واللهو عند الأصنام في مواسمِها، والمُكاء والتَّصدية عند الكعبة، على أحدِ التفسيرين في قوله تعالى: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال: 35] ... ويجوز أن يكونَ المرادُ من الدِّين العادةَ... أي: الذين دَأْبُهم اللعب واللهو، المُعرِضون عن الحقِّ، وذلك في معاملتِهم الرسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم) ((تفسير ابن عاشور)) (7/295). .
وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ.
أي: وذكِّر النَّاسَ- يا محمَّدُ- بهذا القرآنِ، ومِنهم هؤلاء الذين يَخوضُون في آياتِنا وغيرُهم منَ الكُفَّار والمشركينَ؛ ليؤمنوا ويتَّبِعوا الحقَّ الذي جاءَهم مِن عِندِ الله تعالى؛ كيلا تُحْبَسَ نفسٌ بذُنوبها وكُفْرِها بِرَبِّها، عمَّا فيه نجاتُها في الدُّنيا والآخرة، وتُسْلَمَ للعذابِ والهلاكِ [1130] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/320-323)، ((تفسير آيات أَشكلت على كثير من العلماء)) لابن تيمية (1/384)، ((تفسير ابن كثير)) (2/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 261). .
لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ.
أي: ليسَ لها حينَ تُسْلَمُ بذُنُوبِها، وتُرْتَهَن بآثامِها، أحدٌ يَنصُرُها، فيُنْقِذُها من عذابِ الله تعالى، ولا شفيعٌ يَطْلُب لها العَفْوَ مِن الله عزَّ وجلَّ [1131] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/323)، ((تفسير ابن كثير)) (2/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 261)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/297). .
وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا.
أي: ولو بَذَلَتِ النَّفسُ التي أُبْسِلَت بما كسَبَت، كلَّ فِداءٍ لتفتَدِيَ به؛ لا يُقبَل منها [1132] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/324)، ((تفسير ابن كثير)) (2/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 261). .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران: 91] .
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ.
أي: وهؤلاءِ الذين إنْ فَدَوْا أنفُسَهم مِن عذابِ الله يومَ القيامةِ كُلَّ فداءٍ لم يُؤخَذْ منهم، هم الذين أُسْلِمُوا لعذابِ الله، فحُبسوا به؛ جزاءً بما كسبوا في الدُّنيا من الآثامِ والأوزارِ، لهم شرابٌ شديدُ الحرارةِ، يَشوي وجوهَهم، ويُقطِّعُ أمعاءَهم، ولا يَرويهم مِن عَطَشٍ، ولهم مع ذلك عذابٌ مُوجِعٌ؛ بسبَبِ كُفْرِهم في الدُّنيا بالله، وإنكارِهم توحيدَه، وعِبادَتِهم معه آلهةً دونَه [1133] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/325-326)، ((تفسير السعدي)) (ص: 261). .

الفوائد التربوية :

1- في ذَمِّ الخوضِ بالباطِلِ في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ حَثٌّ على البَحْثِ والنَّظَرِ والمُناظرَةِ بالحَقِّ [1134] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 260). .
2- سببُ النَّهيِ عن مُجالسةِ الخائضينَ في آياتِ اللهِ بالباطِلِ في قوله: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أنَّ الإقبالَ على الخائضينَ، والقعودَ معهم، أقلُّ ما فيه أنَّه إقرارٌ لهم على خَوْضِهم، وإغراءٌ بالتَّمادِي فيه، وأكبَرُه أنَّه رِضاءٌ به، ومُشاركةٌ فيه [1135] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/421). . كما أن الإعراضِ عنهم فيه زَجْرُهم، وقَطْعُ الجدالِ معهم؛ لعلَّهم يَرْجِعون عن عِنادِهِم [1136] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/289). .
3- قولُه تعالى: فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يَشْمَلُ الخائضينَ بالباطِلِ، وكلَّ مُتكلِّمٍ بِمُحَرَّمٍ، أو فاعِلٍ لمُحَرَّمٍ؛ فإنَّه يَحْرُم الجُلُوسُ والحضورُ عند حُضُورِ المُنْكَر، الذي لا يَقْدِرُ على إزالَتِه [1137] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 260). .
4- قوله تعالى: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فيه دَليلٌ على أنَّه إذا كان التَّذكيرُ والوعظُ مِمَّا يَزيدُ الموعوظَ شَرًّا إلى شَرِّه، كانَ تَرْكُهُ هو الواجِبَ؛ لأنَّه إذا ناقَضَ المقصودَ كان تَرْكُه مقصودًا [1138] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 260). .
5- قوله تعالى: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فيه دليلٌ على أنَّه يَنبغي أن يَسْتَعمِلَ المُذَكِّرُ مِن الكلامِ ما يكون أقرَبَ إلى حُصولِ مقصودِ التَّقوى [1139] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 261). .
6- قولُه تعالى: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا ... إلى قولِه: لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ فيه بيانُ أنَّ وُجوهَ الخَلاصِ على تلك النَّفْسِ مُنسَدَّةٌ، فلا وَلِيَّ يتولَّى دَفْعَ ذلك المحذورِ، ولا شفيعَ يَشفَعُ فيها، ولا فِدْيَةَ تُقبَل؛ ليَحْصُلَ الخلاص بسبَبِ قَبُولها؛ حتى لو جُعِلَتِ الدُّنيا بأسْرِها فِديةً من عذابِ الله لم تنفَعْ. فإذا كانت وجوهُ الخلاصِ هي هذه الثلاثةَ في الدُّنيا، وثبَتَ أنَّها لا تُفيدُ في الآخرَةِ البتَّةَ، وظهر أنَّه ليس هناك إلَّا الإبسالُ، الذي هو الارتهانُ والانغلاقُ والاستسلامُ؛ فليس لها البتَّةَ دافِعٌ من عذابِ الله تعالى، وإذا تصوَّرَ المرءُ كيفيَّةَ العقابِ على هذا الوجْهِ يكادُ يُرْعَدُ إذا أقدَمَ على معاصي اللهِ تعالى [1141] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (13/25). .

الفوائد العلمية واللطائف :

1- الخوضُ في قوله تعالى: يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أكْثرُ ما وردَ في القُرآنِ وردَ فيما يُذمُّ الشُّروعُ فيه، وإنَّما عَبَّر عن انتقالِهم إلى حَديثٍ آخَرَ بالخَوضِ؛ لأنَّهم لا يَتحدَّثون إلَّا فيما لا جَدْوَى له مِن أحوالِ الشِّرْكِ، وأُمورِ الجاهليَّةِ [1142] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/290). قال البقاعيُّ: (ولما كان الخوضُ في الآياتِ دالًّا على قلةِ العقلِ قال: حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ فحكَم على حديثِهم فيما سوَى ذلك أيضًا بالخوضِ؛ لأنَّ فيه الغثَّ والسَّمينَ؛ لأنَّه غيرُ مقيَّدٍ بنظامِ الشَّرع). ((نظم الدرر)) (2/652). .
2- يُؤخَذُ من قوله تعالى: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ أنَّ الأَعراضَ البَشَريَّةَ الجائزَةَ على الأنبياءِ التي لا تُخِلُّ بتبليغٍ، قد يكونُ بعضُها مِن أثَرِ عَمَلِ الشَّيطانِ [1143] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/290). .
3- قوله تعالى: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى يُفيدُ أنَّ التكليفَ ساقِطٌ عنِ النَّاسي [1144] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (13/23). .
4- قال تعالى: وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا... المرادُ من هذه الآيةِ وما في معناها: إبطالُ أصْلٍ من أصول الوثنيَّةِ، وهو تعليقُ النَّجاةِ في الآخرة- كنَيْل كثيرٍ من المقاصِدِ في الدنيا- بتقديمِ الفِديَةِ لله تعالى، أو بشفاعةِ الشَّافعينَ عنده، أي: بوساطةِ الوُسَطَاء- وتقريرُ أصلِ الدِّينِ الإلهيِّ، وهو أنَّ النَّجاةَ في الآخِرة، ورضوانَ اللهِ، والقُرْبَ منه، لا يُنالُ إلَّا بما شَرَعه اللهُ على ألْسِنَةِ رُسُلِه من الإيمانِ والإسلامِ؛ وبعِبارةٍ أخرى بالعمل الصَّالِحِ الذي تتزكَّى به الأنفُسُ مع الإيمانِ الإذْعانيِّ باللهِ وبِرُسُلِه وما جاؤُوا به، ومِن إبسالِهم كَسْبُهم للسيِّئاتِ والخطايا، واتِّخاذُهم الدِّينَ لَعِبًا ولهْوًا، وغرورُهم بالحياةِ الدُّنيا، فلا تنفَعُهم شفاعةٌ، ولا تُقبَلُ منهم فِديةٌ [1146] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/434). .
5- في قوله تعالى: لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ خُصَّ الشَّرابُ مِن الحَميمِ من بين بقيَّةِ أنواعِ العذابِ المذكورِ مِن بعدُ؛ للإشارَةِ إلى أنَّهم يَعطَشونَ فلا يَشْربونَ إلَّا ماءً يَزيدُهم حرارةً على حرارةِ العَطَشِ [1147] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/299). .

بلاغة الآيات :

1- قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
- قوله: الَّذِينَ يَخُوضُونَ فيه العُدولُ عن الإتيانِ بالضَّميرِ إلى الإتيانِ بالاسْمِ الظَّاهِرِ، وهو اسمُ الموصولِ الَّذِينَ، فلم يقُلْ: وإذا رأيتَهم فأعْرِضْ عنهم؛ للدَّلالةِ على أنَّ الذين يخوضونَ في الآياتِ فريقٌ خاصٌّ من القومِ الذين كذَّبوا بالقرآنِ أو بالعذابِ؛ فعمومُ القَوْمِ أنكَرُوا وكذَّبوا دون خوضٍ في آيات القرآنِ، فأولئك قِسْمٌ، والذين يَخوضونَ في الآياتِ قِسْمٌ كان أبذى وأقْذَعَ، وأشَدَّ كفرًا وأشنَعَ، وهم المتصَدُّونَ للطَّعنِ في القرآن، وهؤلاء أُمِرَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالإعراضِ عن مجادَلَتِهم، وتَرْكِ مَجالِسِهم؛ حتى يَرْعَوُوا عن ذلك، ولو أُمِرَ الرَّسولُ- عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- بالإعراضِ عن جميع المُكذِّبينَ، لتعطَّلَت الدَّعوة والتَّبليغُ [1148] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/288). .
- وجاءَ تعريفُ هؤلاء بالموصوليَّة الَّذِيْنَ يَخُوضُونَ دون أن يُقالَ (الخائضينَ) أو (قومًا خائضينَ)؛ لأنَّ الموصولَ فيه إيماءٌ إلى وجْهِ الأمرِ بالإعراضِ لأنَّه أمرٌ غريبٌ، إذ شأنُ الرَّسول- عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- أن يمارِسَ النَّاسَ لعَرْضِ دعوةِ الدِّينِ، فأمْرُ اللهِ إيَّاه بالإعراضِ عن فريقٍ منهم يحتاجُ إلى توجيهٍ واستئناسٍ. وذلك بالتعليلِ الذي أفاده الموصولُ وصِلَتُه، أي: فأعرِضْ عنهم؛ لأنَّهم يخوضون في آياتنا، وهذه الآيةُ أحسنُ ما يُمَثَّلُ به لمجيءِ الموصولِ للإيماءِ إلى إفادةِ تعليلِ ما بُنِيَ عليه من خَبَرٍ أو إنشاءٍ؛ ألَا ترى أنَّ الأمْرَ بالإعراضِ حُدِّدَ بغايةِ حصولِ ضِدِّ الصِّلَةِ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيْثٍ غَيْرِه [1149] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/288- 289). .
- قوله: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ في عَطْفِ حالةِ النِّسيانِ زِيادةٌ في تأكيدِ الأمْرِ بالإعراضِ [1150] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/290). .
- قوله: مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي: معهم؛ فوُضِعَ الظَّاهِرُ موضِعَ المُضْمَرِ؛ دلالةً على أنَّهم ظَلَمُوا بوضْعِ التكذيبِ والاستهزاءِ مَوضِعَ التَّصديقِ والاستعظامِ [1151] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/167). ، والإظهارُ في مقام الإضمار أيضًا؛ لزيادةِ فائدةِ وَصْفِهم بالظُّلم، فيُعْلَم أنَّ خَوْضَهم في آياتِ اللهِ ظُلْمٌ، فيُعْلَم أنَّه خَوضُ إنكارٍ للحَقِّ، ومكابرةٍ للمُشاهدَةِ [1152] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/292). .
2- قوله: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ
- قوله: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا أمْرٌ متضَمِّنٌ للتَّهديدِ والوعيدِ لهم [1153] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/548). .
- وذِكْرُ الحياةِ هنا في قولِه: وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا له موقِعٌ عَظيمٌ، وهو أنَّ هَمَّهم من هذه الدُّنيا هو الحياةُ فيها، لا ما يُكْتَسَب فيها من الخيراتِ التي تكون بها سعادةُ الحياةِ في الآخرةِ، أي: غرَّتْهم الحياةُ الدُّنيا، فأوهَمَتْهم أنْ لا حياةَ بَعْدَها [1154] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/296). .
- قوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ مُستأنَفٌ استئنافًا بيانيًّا؛ لأنَّ الكلامَ يُثيرُ سؤالَ سائلٍ يقولُ: فما حالُ الذينَ اتَّخَذوا دينَهم لعبًا ولَهْوًا من حالِ النفوسِ التي تُبْسَل بما كَسَبَتْ؟ فأجيبَ بأنَّ أولئك هم الذين أُبْسِلوا بما كَسَبوا [1155] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/298). .
- والتعريفُ للجُزأَينِ أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا أفاد القَصْرَ، أي: أولئك هم المُبْسَلون لا غيرُهم، وهو قَصْر مبالغةٍ؛ لأنَّ إبسالَهم هو أشَدُّ إبسالٍ يقع فيه النَّاسُ؛ فجُعِلَ ما عداه كالمعدومِ [1156] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/298). .
- وقوله: لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ فيه تأكيدٌ وتفصيلٌ لذلك، والمعنى: هم بينَ ماءٍ مُغْلًى يتجرجَرُ في بُطونِهم، ونارٍ تشتعِلُ بأبدانِهم بسبَبِ كُفْرِهم [1157] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/168). .
- وفي قوله: بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ زِيدَ فِعلُ (كان)؛ ليدلَّ على تَمَكُّن الكُفرِ منهم واستِمرارِهم عليه؛ لأنَّ فِعْلَ مادَّةِ الكونِ يدُلُّ على الوجودِ؛ فالإخبارُ به عن شيءٍ مُخْبَرٍ عنه بغيرِه أو موصوفٍ بغيرِه لا يُفيدُ فائدةَ الأوصافِ، سِوى أنَّه أفاد الوجودَ في الزَّمَن الماضي، وذلك مُستعمَلٌ في التمكُّنِ [1158] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/299). .