موسوعة التفسير

سورةُ القَصَصِ
الآيات (7-13)

ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ

غَريبُ الكَلِماتِ:

  الْيَمِّ: أي: البَحرِ، ويُطلَقُ اليَمُّ على ما كان ماؤُه مِلحًا، وعلى النَّهرِ الكبيرِ العَذبِ الماءِ، والمرادُ هنا نهرُ النِّيلُ [73] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 171)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 465)، ((البسيط)) للواحدي (14/394)، ((المفردات)) للراغب (ص: 893)، ((تفسير الرسعني)) (5/511). .
قُرَّةُ عَيْنٍ: يُقالُ: قَرَّتْ عينُه تَقَرُّ: سُرَّتْ، وقيل لِمَن يُسَرُّ به: قُرَّةُ عينٍ، وأصلُه مِن القُرِّ، أي: البَردِ، فقَرَّتْ عينُه، قيل: معناه بَرَدَتْ فصَحَّتْ، وقيل: هو مِن القَرارِ، والمعنى: أعطاه اللهُ ما تَسكُنُ به عينُه، فلا يطمَحُ إلى غيرِه، وقيل: أقرَّ الله عينَه، أي: أنامَها [74] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/529)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/7)، ((الغريبين في القرآن والحديث)) للهروي (5/1524)، ((المفردات)) للراغب (ص: 663)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 733، 739). .
رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا: أي: شَدَدْنا عليه وثبَّتْناه، وألهَمْناها الصَّبرَ، وأصلُ (ربط): يدُلُّ على شدٍّ وثباتٍ [75] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 264)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 239)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/478)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 279)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 272). .
قُصِّيهِ: أي: تتَبَّعي أثَرَه، والقَصُّ: تتبُّعُ الأثَرِ، وأصلُ (قصص): يدُلُّ على تتبُّعِ الشَّيءِ [76] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 329)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 384)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/11)، ((المفردات)) للراغب (ص: 671)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 279)، ((تفسير القرطبي)) (13/256)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 326). .
عَنْ جُنُبٍ: أي: عن بُعدٍ، وأصلُ (جنب): يدُلُّ على بُعدٍ [77] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 329)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/483)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 279)، ((تفسير القرطبي)) (13/256)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 326). .
يَكْفُلُونَهُ: أي: يَضُمُّونَه إليهم، وأصلُ (كفل): يدُلُّ على تضمُّنِ الشَّيءِ للشَّيءِ [78] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 329)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 518)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/187)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 326). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ الله تعالى مفصِّلًا الحديثَ عن موسَى عليه السلامُ: وأوحَيْنا إلى أمِّ موسى أن أرضِعي موسى، فإذا خِفْتِ عليه مِن فِرعَونَ وجُندِه فضَعِيه في تابوتٍ وألْقيه في نهرِ النِّيلِ، ولا تخافي على موسى مِن الغَرَقِ، ولا تحزني على فِراقِه؛ إنَّا رادُّوه إليكِ، وجاعِلوه من رسُلِ اللهِ.
فأخَذ آلُ فِرعَونَ موسى؛ لِيَكونَ عدوًّا لهم وحَزَنًا بزَوالِ مُلكِهم على يديه، إنَّ فِرعَون وهامانَ وجنودَهما كانوا عصاةً آثمينَ.
وقالت امرأةُ فِرعَونَ: هذا الطِّفلُ سرورٌ لي ولك يا فِرعَونُ، لا تقتُلوه؛ لعلَّه ينفَعُنا أو نجعَلُه لنا ولدًا، وهم لا يَعلَمونَ أنَّ هلاكَهم سيَكونُ على يدَيْ هذا الطِّفلِ!
وأصبَحَ فؤادُ أمِّ موسى فارغًا مِن كلِّ شيءٍ إلَّا مِن أمرِ موسى! وقد قارَبَتْ أن تُظهِرَ للنَّاسِ ما تكتُمُه في قَلبِها مِن شأنِ موسى، لولا أن ثبَّتْنا قَلْبَها لِتَكونَ مِن المؤمنينَ بوعدِ اللهِ.
ثمَّ يُبيِّنُ الله تعالى ما فعَلَتْه أمُّ موسى بعدَ ذلك، فيقولُ: وقالت لأختِ موسى: اذهَبي فتتَبَّعي أثَرَ موسى؛ لِتَعلمي خبَرَه. فذهَبَتْ أختُه فرَأَتْه مِن بعيدٍ، وهم لا يَعلمونَ أنَّها أختُ موسى، وأنَّها تُراقِبُه.
ثمَّ يخبِرُ تعالى عن مَظهرٍ مِن مظاهرِ حكمتِه وقدرتِه وتدبيرِه لِكَيْ يعودَ موسَى عليه السَّلامُ إلى أمِّه، فيقولُ: ومنَعْنا موسى مِن الرَّضاعِ مِن أيِّ مُرضِعٍ غيرِ أُمِّه، فقالت أختُ موسى لآلِ فِرعَونَ: هل أدُلُّكم على أهلِ بَيتٍ يَضُمُّون هذا الطِّفلَ، ويقومون بحَضانتِه وإرضاعِه، وهم مُخلِصون في ذلك، مُشفِقون عليه؟
فردَدْنا موسى إلى أمِّه لِكَيْ تُسَرَّ به، ولا تحزَنَ على فِراقِه، ولِتَعلَمَ أنَّ ما وعَدَها اللهُ به مِن ردِّ موسى إليها حَقٌّ، ولكنَّ أكثَرَهم لا يَعلَمونَ.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7).
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ.
أي: وأوحَيْنا [79] قال السمعاني: (أكثرُ المفَسِّرينَ على أنَّ معنى قولِه: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى هو إلهامُها، وألقَى هذا المعنى في قَلبِها. وقال بعضُهم: رَأَتْ ذلك رُؤْيا. وقال بعضُهم: هو الوَحْيُ حقيقةً، وأتاها المَلَكُ بهذا مِن الله، إلَّا أنَّها لم تكُنْ نبيَّةً). ((تفسير السمعاني)) (4/122). وقال ابنُ عطية: (أجمَع الكُلُّ على أنَّها لم تكُنْ نبيَّةً). ((تفسير ابن عطية)) (4/276). إلى أمِّ موسى أن أرضِعي موسى ما دُمتِ آمِنةً عليه [80] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/155)، ((تفسير ابن كثير)) (6/222)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/244)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612). .
فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ.
أي: فإذا خِفْتِ على موسى مِن فِرعَونَ وجُندِه، فاطرَحيه في نهرِ النِّيلِ بعدَ وَضعِه في التَّابوتِ [81] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/157)، ((تفسير أبي السعود)) (7/3)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612). قال السمعاني: (اليمُّ: البَحرُ، والمرادُ منه هاهنا على قَولِ جميع المفسِّرينَ هو النِّيلُ). ((تفسير السمعاني)) (4/123). .
كما قال تعالى: إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ [طه: 38، 39].
وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي.
أي: ولا تخافي على موسى مِن الهَلاكِ من الغَرَقِ أو غيرِه، ولا تحزني على فِراقِه [82] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/158)، ((تفسير السمعاني)) (4/123)، ((تفسير القرطبي)) (13/251)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/244). .
إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان الخَوفُ عمَّا يَلْحَقُ المتوقَّعَ، والحزنُ عمَّا يَلْحَقُ الواقعَ؛ عَلَّلَ نَهْيَه عن الأمْرَينِ بقَولِه [83] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/245). :
إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.
أي: إنَّا رادُّو ابنِك موسى إليكِ، وجاعِلوه مِن رُسلِ اللهِ إلى عِبادِه [84] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/158)، ((تفسير الشوكاني)) (4/184)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612). .
فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8).
فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا.
أي: فأخَذ آلُ فِرعَونَ موسى؛ لِيَكونَ [85] اختلف المفسِّرون في اللَّامِ مِن قَولِه تعالى: لِيَكُونَ؛ فقيل: هي لامُ العاقبةِ والصَّيرورةِ، أي: أخَذوه فكان عاقبةُ أمرِهم أنْ صار موسى عدوًّا لهم وحَزَنًا. وممَّن قال بهذا القولِ: ابنُ جرير، وابن عطية، وابن العربي، والقرطبي، والشوكاني، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/161)، ((تفسير ابن عطية)) (4/277)، ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/492)، ((تفسير القرطبي)) (13/252)، ((تفسير الشوكاني)) (4/184)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612). قال ابن تيميَّة: (لام العاقبةِ إنَّما تجيءُ في حقِّ مَن لا يكونُ عالمًا بعواقبِ الأمورِ ومصايرِها، فيفعلُ الفعلَ الَّذي له عاقبةٌ لا يَعلَمُها؛ كآلِ فِرعونَ، فأمَّا مَن يكونُ عالمًا بعواقبِ الأفعالِ ومصايرِها فلا يُتصَوَّرُ منه أن يَفعلَ فِعلًا له عاقبةٌ لا يَعلَمُ عاقبتَه، وإذا عَلِم أنَّ فِعلَه له عاقبةٌ فلا يقصدُ بفعلِه ما يعلمُ أنَّه لا يكونُ؛ فإنَّ ذلك تَمَنٍّ وليس بإرادةٍ). ((مجموع الفتاوى)) (8/187). وقال أيضًا: (لام الصَّيرورةِ إمَّا أن تكونَ لِمَن لا يُريدُ الغايةَ، وذلك إنَّما يكونُ لجهلِ الفاعلِ بالغايةِ؛ كقولِه: فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا. وإمَّا لعجزِه عن دفْعِها، وإنْ كان كارهًا لها). ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/217). وقيل: اللَّامُ هنا للتَّعليلِ. وممَّن قال بهذا القولِ: ابنُ القيم، وابن كثير، ورجَّحه الشنقيطيُّ وردَّ القولَ الآخَر. يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 191)، ((تفسير ابن كثير)) (6/222)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/150). قال ابن كثير: (قال محمَّدُ بنُ إسحاقَ وغيرُه: «اللَّامُ» هنا لامُ العاقبةِ، لا لامُ التَّعليلِ؛ لأنَّهم لم يُريدوا بالتقاطِه ذلك. ولا شكَّ أنَّ ظاهِرَ اللَّفظِ يقتضي ما قالوه، ولكِنْ إذا نُظِرَ إلى معنى السياقِ فإنَّه تبقى اللَّامُ للتَّعليلِ؛ لأنَّ معناه: أنَّ الله تعالى قيَّضَهم لالتقاطِه؛ لِيَجعَلَه لهم عدوًّا وحَزَنًا، فيَكونَ أبلَغَ في إبطالِ حَذَرِهم منه). ((تفسير ابن كثير)) (6/222). عدوًّا لهم في دينِهم، وحَزَنًا يَحزُنُهم بزَوالِ مُلكِهم، وهَلاكِهم على يديه [86] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/159، 161، 162)، ((تفسير القرطبي)) (13/252)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 191)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/245، 246)، ((تفسير الشوكاني)) (4/184)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/150، 151)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 33). .
إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ.
أي: إنَّ فِرعَونَ وهامانَ وجُنودَهما كانوا عُصاةً آثِمينَ [87] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/162)، ((تفسير القرطبي)) (13/253)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/247)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 35). قيل: هذه الجملةُ تعليلٌ للجملةِ السَّابقةِ، أي: يكونُ موسى عدوًّا وحَزَنًا لهم؛ لأنَّهم كانوا خاطِئينَ. وممَّن قال بذلك: ابنُ جرير، وابن عاشور، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/162)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/76)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 34). .
وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9).
وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ .
أي: وقالت امرأةُ فِرعَونَ: هذا الطِّفلُ سُرورٌ لي ولك يا فِرعَونُ [88] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/163)، ((المفردات)) للراغب (ص: 663)، ((تفسير ابن كثير)) (6/222)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/77، 78). .
لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا .
أي: لا تَقتُلوه؛ لعلَّه ينفَعُنا فنَنالَ منه خيرًا، أو نجعَلُه لنا ولدًا فنتبَنَّاه [89] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/163)، ((تفسير القرطبي)) (13/253)، ((تفسير النسفي)) (2/102)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612). قيل: المرادُ: نجعَلُه مِن الخَدَمِ الَّذين يَسْعَون في نفعِنا وخِدمتِنا، أو نرقِّيه لمنزلةٍ أعلى فنجعَلُه ولدًا نُكرِمُه ونُجِلُّه. وممَّن قال بهذا المعنى: السعديُّ، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 612)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 39). قال الرسعني: (قال المفسِّرونَ: كان فرعونُ لا يُولَدُ له إلَّا البناتُ). ((تفسير الرسعني)) (5/512). وقال ابن عثيمين: (قد يدُلُّ تبنِّيها لموسى على أنَّها كانت عاقرًا لا تلِدُ، وقد لا يدُلُّ على ذلك؛ فالمرأةُ قد تتَّخِذُ الولدَ زيادةً على ما عندَها). ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 40). !
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.
أي: وفِرعَونُ وآلُه لا يَعلَمونَ ما هو كائِنٌ مِن أنَّ هلاكَهم على يَدَيْ هذا الطِّفلِ [90] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/165، 166)، ((تفسير القرطبي)) (13/253)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/248)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/79، 80)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 40). وظاهرُ هذه الجملةِ أنَّها مِن كلامِ الله تعالى. وممَّن نصَّ على ذلك: القرطبيُّ، والسعدي، وابن عثيمين ونسبه الواحدي لأكثرِ المفسرين. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (13/253)، ((تفسير السعدي)) (ص: 612)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 40)، ((البسيط)) للواحدي (17/338). وقيل: هذا مِن تمامِ كلامِ المرأةِ، والمعنى: وبنو إسرائيلَ لا يَدْرون أنَّا التقَطْناه. واستبَعْده الشوكانيُّ جدًّا. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (17/338)، ((تفسير الشوكاني)) (4/185). !
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10).
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا.
أي: وأصبحَ [91] قال القرطبيُّ: (في قولِه تعالى: وَأَصْبَحَ وجهان؛ أحدُهما: أنَّها ألقَتْه ليلًا فأصبَح فؤادُها في النَّهارِ فارغًا. الثَّاني: ألقَتْه نهارًا، ومعنى: وَأَصْبَحَ أي: صار). ((تفسير القرطبي)) (13/256). قلبُ أمِّ موسى فارغًا مِن كلِّ شيءٍ إلَّا مِن أمرِ موسى، فلا تفكِّرُ فيما سِواه، ولا تَحمِلُ همًّا غيرَه [92] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 328، 329)، ((تفسير ابن جرير)) (18/170)، ((تفسير النسفي)) (2/631)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 613)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 42، 43). وممَّن قال بهذا المعنى لفراغِ فؤادِها: ابنُ قُتَيْبةَ، وابنُ جريرٍ، وابنُ كثيرٍ، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 328، 329)، ((تفسير ابن جرير)) (18/170)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 46). قال الرسعني: (قال ابنُ عبَّاسٍ وجمهورُ المفسِّرينَ: أصبَح قلبُها فارِغًا مِن كُلِّ شَيءٍ إلَّا مِن ذِكرِ موسى). ((تفسير الرسعني)) (5/513). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ إضافةً إلى ابنِ عبَّاسٍ: ابنُ مسعودٍ، ومجاهدٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وقتادةُ، وعِكْرِمةُ، والضَّحَّاكُ، ومطَرٌ الوَرَّاقُ، وأبو عبيدةَ، والحسنُ البصريُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/167)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (9/2946)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/376)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223). وقيل في معنى فراغِ فؤادِها غيرُ ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/168-170)، ((تفسير الماوردي)) (4/237)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/376). .
إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ.
أي: قاربَتْ أمُّ موسَى أن تُظهِرَ للنَّاسِ ما تكتُمُه في قَلْبِها مِن شأنِ موسَى [93] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/170، 171)، ((تفسير القرطبي)) (13/256)، ((تفسير ابن جزي)) (2/110)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 613). قوله تعالى: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ الهاءُ ترجعُ إلى موسى. واختُلف متى أرادت هذا على ثلاثةِ أقوالٍ: أحدُها: أنَّه حين فارَقَتْه كادت تقولُ: يا بُنَيَّاه. وهو قولُ ابنِ عبَّاسٍ. قال قتادةُ: وذلك مِن شدَّةِ وجْدِها. والثَّاني: حين حُمِلت لِرَضاعِه كادت تقولُ: هو ابني. قاله السُّدِّيُّ. والثَّالثُ: أنَّه لَمَّا كَبِر وسَمِعَت النَّاسَ يقولون: موسى بنُ فِرعون، كادت تقولُ: لا، بل هو ابني. قاله ابنُ السَّائبِ. وقيل: الهاءُ ترجعُ إلى الوحيِ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/376). .
لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
أي: كادت أمُّ موسى أن تُظهِرَ ما تُخفيه لولا أن ثبَّتْنا قَلْبَها؛ لِتَكونَ مِنَ المُؤمِنينَ بوَعدِ اللهِ، الموقِنينَ به [94] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/172، 173)، ((تفسير القرطبي)) (13/256)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 613). قولُه تعالى: لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قيل: المرادُ: لِتَكونَ مِن المؤمنينَ المُوقِنينَ بما وعَدَها اللهُ به مِن شأنِ موسى. وممَّن قال بهذا المعنى في الجملةِ: ابنُ جرير، والقرطبيُّ، والبِقاعي، وابن عاشور، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/173)، ((تفسير القرطبي)) (13/256)، ((نظم الدرر)) (14/249)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/82)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 45-46). .
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11).
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ.
أي: وقالت أمُّ موسى لأختِ موسى: اذهَبي فتَتبَّعي أثَرَ موسى، وابحَثي عنه؛ لِتَعلَمي خبَرَه [95] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/173)، ((تفسير القرطبي)) (13/256)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223)، ((تفسير الشوكاني)) (4/186)، ((تفسير السعدي)) (ص: 613)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 51). .
فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ.
أي: فذهبَتْ تَتبَعُ أثَرَه، فرَأَتْه مِن بعيدٍ، وكأنَّها لا تَقصِدُه [96] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/174)، ((تفسير الرازي)) (24/582)، ((تفسير القرطبي)) (13/256)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/250)، ((تفسير السعدي)) (ص: 613). .
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.
أي: وقَومُ فِرعَونَ لا يعلَمونَ أنَّها أختُ موسى، وأنَّها تُراقِبُه [97] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/176)، ((الوسيط)) للواحدي (3/392)، ((تفسير القرطبي)) (13/257)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/83)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 52). قال البقاعي: (ليس لهم شعورٌ؛ لا بنَظَرِها، ولا بأنَّها أختُه، بل هم في صِفةِ الغَفلةِ الَّتي هي في غايةِ البُعدِ عن رُتبةِ الإلهيَّةِ). ((نظم الدرر)) (14/250). .
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12).
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ.
أي: ومَنَعْنا موسى مِن قَبْلُ [98] قال الشوكاني: (ومعنَى مِنْ قَبْلُ: مِن قبْلِ أنْ نَرُدَّه إلى أُمِّه، أو مِن قبلِ أنْ تأتيَه أُمُّه، أو مِن قبلِ قَصِّها لأثَرِه). ((تفسير الشوكاني)) (4/186).          وممَّن اختار الأوَّلَ: مقاتلُ بن سليمان، ومكِّي، وابنُ الجوزي، والرسعني، وجلال الدين المحلي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/338)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (8/5497)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/377)، ((تفسير الرسعني)) (5/516)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 508). وممَّن اختار أنَّ المرادَ: من قَبلِ مَجيءِ أمِّه: السمرقنديُّ، والثعلبي، والبغوي، والقرطبي، والخازن. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/600)، ((تفسير الثعلبي)) (7/238)، ((تفسير البغوي)) (3/525)، ((تفسير القرطبي)) (13/257)، ((تفسير الخازن)) (3/359). وممَّن اختار أنَّ المرادَ بقولِه: مِنْ قَبْلُ أي: مِن قبلِ قَصِّها أثرَه: الزمخشريُّ، والبيضاوي، والعليمي، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/396)، ((تفسير البيضاوي)) (4/173)، ((تفسير العليمي)) (5/177)، ((تفسير القاسمي)) (7/516). وقيل: المرادُ: مِن قَبلِ التِقاطِ آلِ فِرعَونَ له. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/84). قال ابن عاشور: (وهو إيذانٌ بأنَّ ذلك التَّحريمَ ممَّا تعلَّقَ به عِلمُ الله وإرادتُه في الأزَلِ). ((تفسير ابن عاشور)) (20/84). مَنْعًا قَدَريًّا أن يَقبَلَ الرَّضاعَ مِن أيِّ مُرضِعٍ غيرِ أمِّه [99] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/177)، ((تفسير القرطبي)) (13/257)، ((تفسير ابن كثير)) (6/223)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/83، 84)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 53، 54). .
فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ.
أي: فقالت أختُ موسى لآلِ فِرعَونَ: هل أدُلُّكم على أهلِ بَيتٍ يَضُمُّونَ هذا الطِّفلَ، ويَضْمَنونَ لكم القيامَ بحَضانتِه ومَصالِحِه وإرضاعِه، وهم مُخلِصون في ذلك، مُشفِقون عليه، لا يُقَصِّرون في إرضاعِه وتربيتِه [100] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/179)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 814)، ((تفسير السمعاني)) (4/126)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/250، 251)، ((تفسير الشوكاني)) (4/186)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 54). ؟
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13).
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ.
أي: فردَدْنا موسى إلى أمِّه؛ لكيْ تُسَرَّ به وتفرَحَ، ولا تحزَنَ على فِراقِه [101] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/180)، ((تفسير الماتريدي)) (8/153)، ((تفسير القرطبي)) (13/258)، ((تفسير ابن كثير)) (6/224)، ((تفسير السعدي)) (ص: 613). !
وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ.
أي: ولِتَعلَمَ أمُّ موسى عِلمًا هو عينُ اليقينِ أنَّ ما وعَدَها اللهُ مِن ردِّ موسى إليها، وجَعْلِه رَسولًا: صِدقٌ ثابِتٌ لا بدَّ مِن وُقوعِه [102] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/180)، ((تفسير السمرقندي)) (2/601)، ((تفسير القرطبي)) (13/258)، ((تفسير ابن كثير)) (6/224)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/253)، ((تفسير السعدي)) (ص: 613)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 57-59). .
وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
أي: ولكنَّ أكثَرَهم [103] قيل: المرادُ: أكثَرُ المشركين. وممَّن قال بذلك: ابنُ جرير، ومكِّي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/180)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (8/5500). وقيل: المرادُ: أكثَرُ آلِ فِرعَون. وممَّن قال بذلك: القرطبيُّ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (13/258). وقيل: المرادُ: أكثَرُ أهلِ مِصرَ. وممَّن قال بذلك: مقاتلُ بنُ سُليمانَ، والسمرقنديُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/338)، ((تفسير السمرقندي)) (2/601). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الماوردي)) (4/240)، ((تفسير ابن عطية)) (4/279). وقيل: المرادُ: أكثرُ النَّاسِ. وممَّن قال بهذا المعنى: جلالُ الدِّينِ المحلِّيُّ، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير الجلالين)) (ص: 508)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 59). قوله: لَا يَعْلَمُونَ قيل: لا يَعلمونَ ما يُرادُ بهم. وقيل: لا يَعلمون مِثلَ عِلمِها. وقيل: لا يَعلمون أنَّ وعدَ الله حقٌّ. وقيل: لا يعلمونَ أنَّ اللهَ وعَدَها بأنْ يَرُدَّه إليها. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/127)، ((تفسير الماوردي)) (4/240)، ((تفسير الشوكاني)) (4/187). لا يَعلَمونَ أنَّ وَعْدَ اللهِ حقٌّ كائنٌ، ولا يُصَدِّقونَ به، ولا يَعلَمونَ حِكَمَه العَظيمةَ في أفعالِه وقَدَرِه سُبحانَه [104] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/180)، ((تفسير القرطبي)) (13/258)، ((تفسير ابن كثير)) (6/224)، ((تفسير السعدي)) (ص: 613)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 59، 60). .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا دَليلٌ على أنَّه ينبغي أنْ تُستعمَلَ الأساليبُ التي تُحَقِّقُ المقصودَ؛ فإنَّ هذا القولَ منها -سواءٌ كانت تتوقَّعُ ذلك أو لا تتوقَّعُه- لا بُدَّ أنْ يكونَ سببًا في مُوافقةِ فِرعَونَ لِمَا بَلَغَه [105] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 41). .
2- في قَولِه تعالى: وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ أنَّ العبدَ -ولو عَرَفَ أنَّ القضاءَ والقَدَرَ ووَعْدَ اللهِ نافِذٌ لا بُدَّ منه- فإنَّه لا يُهمِلُ فِعلَ الأسبابِ الَّتي أُمِرَ بها، ولا يكونُ ذلك منافيًا لإيمانِه بخَبَرِ اللهِ؛ فإنَّ اللهَ قد وَعَدَ أُمَّ موسى أنْ يَرُدَّه عليها، ومع ذلك اجتهدتْ على رَدِّهِ، وأرسلتْ أختَه لِتَقُصَّه وتطلُبَه [106] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 618). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ... تعليمُ أنَّ اللهَ بالِغٌ أمْرَه بتهيئةِ الأسبابِ المُفضيةِ إليه، ولو شاء اللهُ لأهْلَكَ فِرعَونَ ومَن معه بحادثٍ سماويٍّ، ولَمَا قَدَّرَ لإهلاكِهم هذه الصُّورةَ المرَتَّبةَ، ولَأَنْجى موسى وبني إسرائيلَ إنجاءً أسرَعَ، ولكِنَّه أراد أنْ يَحصُلَ ذلك بمشاهَدةِ تنقُّلاتِ الأحوالِ، ابتِداءً مِن إلقاءِ موسى في اليَمِّ، إلى أنْ رَدَّه إلى أُمِّهِ؛ فتَكونَ في ذلك عِبرةٌ للمُشرِكين الَّذين قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: 32] ، ولِيَتَوسَّموا مِن بَوارقِ ظهورِ النَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وانتقالِ أحوالِ دعوتِه في مَدارِجِ القوَّةِ: أنَّ ما وَعَدَهم به واقِعٌ بأَخَرةٍ [107] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/86). ، فاللهُ تعالى إذا أراد أمرًا هَيَّأَ أسبابَه، وأتَى بها شَيئًا فشَيئًا بالتَّدريجِ؛ لا دَفْعةً واحدةً [108] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 618). .
2- في قَولِه تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ أنَّ اللهَ يُقَدِّرُ على عبْدِه بعضَ المَشاقِّ لِيُنِيلَه سرورًا أعظَمَ مِن ذلك، أو يَدفعَ عنه شرًّا أكثرَ منه، كما قَدَّرَ على أُمِّ موسى ذلك الحُزنَ الشَّديدَ، والهمَّ البليغَ، الَّذي هو وسيلةٌ إلى أنْ يَصِلَ إليها ابنُها على وجهٍ تَطمئِنُّ به نفْسُها، وتَقَرُّ به عينُها، وتَزدادُ به غِبْطةً وسرورًا [109] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 618). .
3- في قَولِه تعالى: أَنْ أَرْضِعِيهِ سؤالٌ؛ إن قيل: ما فائدةُ وحْيِ اللهِ تعالى إلى أُمِّ موسى بإرضاعِه؛ مع أنها تُرضِعُه طبعًا وإنْ لم تُؤْمَرْ بذلك؟!
الجوابُ: أَمَرها بإرْضاعِه لِيألَفَ لبنَها؛ فلا يَقْبَلَ ثديَ غيرِها بعدَ وقوعِه في يدِ فِرعَونَ، فلو لم يأمُرْها به؛ رُبَّما كانت تُسترضَعُ له مُرضِعةٌ فيَفوتُ المقصودُ [110] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 427). .
وأيضًا: أمَرَها اللهُ بإرضاعِه لِتَقْوَى بِنْيَتُه بِلِبانِ أُمِّه؛ فإنَّه أسعَدُ بالطِّفلِ في أوَّلِ عُمُرِه مِن لِبانِ غيرِها، ولِيَكونَ له مِنَ الرَّضاعةِ الأخيرةِ قبْلَ إلقائِه في اليَمِّ قُوتٌ يَشُدُّ بِنْيَتَه فيما بيْنَ قَذْفِه في اليَمِّ وبيْن التِقاطِ آلِ فِرعونَ إيَّاهُ وإيصالِه إلى بيتِ فِرعونَ وابتِغاءِ المَراضِعِ ودَلالةِ أُختِه إيَّاهم على أُمِّه إلى أن أُحضِرَتْ لإرضاعِه [111] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/73). .
4- في قَولِه تعالى: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ أنَّ الخَوْفَ الطَّبيعيَّ مِن الخلْقِ لا يُنافي الإيمانَ، ولا يُزيلُه، كما جرى لأمِّ موسى ولموسى مِن تلك المخاوفِ [112] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 618). .
5- قولُ اللهِ تعالى: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ هذا مِن الآياتِ الدَّالَّةِ على كمالِ قُدرةِ الله عزَّ وجَلَّ، وأنَّ اللهَ إذا حَمى أحدًا، فإنَّ الأسبابَ المؤدِّيةَ إلى الهلاكِ لا تؤثِّرُ؛ لأنَّ قُدرةَ اللهِ فوقَ الأسبابِ، فإن إلقاءَه في البحرِ معناه استعجالُ الهلاكِ له، وكذلك أن يعيشَ بينَ أحضانِ فِرعَونَ، الَّذي كان يَتتبعُ أولادَ بني إسرائيلَ، فيقتلُ أبناءَهم، فهذا مِن آياتِ الله عزَّ وجلَّ، وكذلك فإنَّ النَّارَ مُحرِقةٌ بلا شَكٍّ، ولكن صارتْ على إبراهيمَ بَردًا وسَلامًا [113] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 27). .
6- إن قيل: ما وجْهُ الجمعِ بيْنَ إثباتِ الخَوفِ في قولِه: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ، ثمَّ نفْيِه بقولِه: وَلَا تَخَافِي؟
والجوابُ: أنَّ المعنَى: فإِذا خِفتِ عليه القتلَ، فألْقيه في اليَمِّ، ولا تخافي عليه الغرَقَ، فاندفَعَ ما يُتوَهَّمُ مِن تناقضٍ [114] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/393)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 427، 428)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/285). .
7- في قَولِه تعالى: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ أنَّه ينبغي طَمْأنةُ المحزونِ ببِشارتِه بمُستقبَلِه [115] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 30). .
8- في قَولِه تعالى: فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ أنَّ أتْباعَ الرَّجُلِ وحاشيتَه هم مِن آلِه [116] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 35). .
9- في قَولِه تعالى: فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا تعليلٌ لقضاءِ الله سُبحانَه بالتِقاطِه وتقديرِه له -على أحدِ القولَينِ في اللَّامِ-؛ فإنَّ التقاطَهم له إنَّما كان بقضائِه وقدرِه، فهو سُبحانَه قدَّر ذلك وقضَى به؛ لِيَكونَ لهم عدوًّا وحزنًا، وذَكَرَ سُبحانَه فِعْلَهم دونَ قضائِه؛ لأنَّه أبلَغُ في كَونِه حَزَنًا لهم وحسرةً عليهم؛ فإنَّ مَنِ اختارَ أخْذَ ما يكونُ هلاكُه على يديه إذا أُصيبَ به كان أعظَمَ لحُزْنِه وغَمِّه وحسرتِه مِن ألَّا يكونَ فيه صُنْعٌ ولا اختيارٌ، فإنَّه سُبحانَه أراد أنْ يُظهِرَ لِفِرعَونَ وقَومِه ولغيرِهم مِن خلْقِه كمالَ قدرتِه وعِلْمِه وحكمتِه الباهرةِ، وأنَّ هذا الَّذي يُذَبِّحُ فِرعَونُ الأبناءَ في طلبِه هو الَّذي يَتولَّى تربيتَه في حِجْرِه وبيتِه باختيارِه وإرادتِه، ويكونُ في قبضتِه وتحتَ تصَرُّفِه! فذِكْرُ فِعْلِهم به في هذا أبلَغُ وأعجبُ مِن أنْ يَذْكُرَ القضاءَ والقَدَرَ، وقد أعلَمَنا سُبحانَه أنَّ أفعالَ عبادِه كلَّها واقعةٌ بقضائِه وقدَرِه [117] يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 191). .
10- في قَولِه تعالى: فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا أنَّ الإنسانَ قد يسعى لِمَا فيه حتْفُه؛ لأنَّ هؤلاء سَعَوا فيما فيه حتْفُهم؛ فقد التَقَطوا هذا الطِّفلَ الَّذي سيكونُ عدوًّا لهم وحَزَنًا [118] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 36). .
11- إنَّ إصابةَ قومِ فِرعَونَ بَغتةً مِن قِبَلِ مَن أَمَّلوا منه النَّفعَ: أشدُّ عِبرةً للمعتبِرِ، وأوقعُ حسرةً على المستبصِرِ، وأدَلُّ على أنَّ انتقامَ اللهِ يكونُ أعظَمَ مِن انتقامِ العدُوِّ، كما قال: فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا مع قولِه: عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [119] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/86). .
12- وجودُ الصَّالِحينَ مِن بيْنِ المفسِدينَ يُخَفِّفُ مِن لَأَوْاءِ فسادِ المفسِدينَ؛ فإنَّ وجودَ امرأةِ فِرعَونَ كان سببًا في صَدِّ فِرعَونَ عن قتْلِ الطِّفلِ، فقالتِ امرأتُه: لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [120] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/86). .
13- أنَّ الإنسانَ يكونُ على حالٍ، فإذا نَزَلَ به البلاءُ تَغَيَّرَ حالُه؛ فهذه أُمُّ موسى كانت في البدايةِ مُطمئنَّةً، ولذلك وضعتْه في التَّابوتِ، ثمَّ وضعَتْه في اليَمِّ، وهذا يدُلُّ على أعلى درجاتِ الطُّمأنينةِ، ولكنَّها أصبحتْ بعدَما فارقَتْه كما قال تعالى: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا، فقد صار قلْبُها الآنَ فارغًا، وأصبحتْ قَلِقةً، كأنَّه ليس في الدُّنيا سِوى ابنِها! فالواقعُ أنَّ الإنسانَ له حالٌ قبْلَ نزولِ البلاءِ، وله حالٌ بعدَ نزولِه؛ ولهذا لا ينبغي للإنسانِ أنْ يُعَرِّضَ نفْسَه للبلاءِ [121] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 47). .
14- في قَولِه تعالى: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا دليلٌ على أنَّ ما تقتضيه الطَّبيعةُ البشريَّةُ لا يُؤاخَذُ به المرءُ، ووجْهُ ذلك: أنَّ فؤادَ أُمِّ موسى كان ينبغي ألَّا يكونَ فارغًا مِن ذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ومِن الدَّارِ الآخرةِ! لكنَّه أصبحَ فارغًا، ليس فيه شيءٌ أبدًا لِذِكْرِه سِوى ذِكْرِ موسى، وهذا مقتضى الطبيعةِ البشريَّةِ؛ لأنَّ الأمورَ العظيمةَ التي تَنزِلُ بالمرءِ تُنسيه كلَّ شيءٍ [122] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 48). .
15- أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنقُصُ، وأنَّ مِن أعظمِ ما يَزيدُ به الإيمانُ، ويَتِمُّ به اليقينُ: الصَّبرَ عندَ المُزعِجاتِ، والتَّثبيتَ مِن اللهِ عند المُقلِقاتِ، كما قال تعالى: لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي: لِيَزدادَ إيمانُها بذلك، ويَطمئِنَّ قلْبُها [123] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 618). .
16- في قَولِه تعالى: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنَّ استمرارَ الجَزَعِ مع العبدِ دليلٌ على ضَعفِ إيمانِه [124] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 613). .
17- في قَولِه تعالى: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنَّ مِن أعظمِ نِعَمِ اللهِ على عبْدِه، وأعظَمِ معونةٍ للعبدِ على أمورِه: تثبيتَ اللهِ إيَّاه، ورَبْطَ جأْشِه وقلْبِه عندَ المَخاوِفِ، وعندَ الأمورِ المُذهِلةِ؛ فإنَّه بذلك يَتمكَّنُ مِن القَولِ الصَّوابِ، والفعلِ الصَّوابِ، بخلافِ مَنِ استمرَّ قلَقُه ورَوعُه وانزعاجُه؛ فإنَّه يضيعُ فِكرُه، ويَذهَلُ عقلُه، فلا يَنتفِعُ بنفْسِه في تلك الحالِ [125] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 618). .
18- في قَولِه تعالى: لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا دليلٌ على أنَّ المرءَ مُفتقِرٌ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى في كلِّ أحوالِه؛ ولا سيَّما عندَ نزولِ الحوادثِ، ولولا معونةُ اللهِ ما فَعَل الإنسانُ شيئًا، فلا صَبَرَ على بلاءٍ، ولا شَكَرَ عندَ الرخاءِ [126] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 48). .
19- قال الله تعالى: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ في قَولِه: لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دليلٌ على إثباتِ العِلَلِ والأسبابِ [127] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 49). .
20- قولُه تعالى: لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لا يخفَى ما يسبِقُ إلى الذِّهن ِمِن أنَّ المرأةَ ليست مِن الرِّجالِ، وهو تعالى لم يقُلْ: (مِن المؤمناتِ).
الجواب: هو إطباقُ أهلِ اللِّسانِ العربيِّ على تغليبِ الذَّكرِ على الأُنثَى في الجَمعِ [128] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص: 241). .
21- قال الله تعالى: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ التَّحريمُ هنا هو التَّحريمُ الكَونيُّ، ويقابلُه التَّحريمُ الدِّينيُّ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [129] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/270). [المائدة: 3] .
22- في قَولِه تعالى: فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ جوازُ أخْذِ الأُجرةِ على الكَفالةِ والرَّضاعِ، والدَّلالةِ على مَن يَفعلُ ذلك [130] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 619). .
23- في قَولِه تعالى: وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ، وقَولِه سُبحانَه: فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ جوازُ خروجِ المرأةِ في حوائجِها، وتكليمِها للرِّجالِ مِن غيرِ محذورٍ، كما جرى لأختِ موسى هنا، وابنتَيْ صاحبِ مَدْيَنَ، قال الله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ [131] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 619). [القصص: 23] .
24- في قَولِه تعالى: وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ إيماءٌ إلى تذكيرِ المؤمنينَ بأنَّ نصْرَهم حاصلٌ بعدَ حينٍ، ووعيدٌ للمُشركينَ بأنَّ وعيدَهم لا مَفَرَّ لهم منه [132] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/86). .
25- في قَولِه تعالى: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أنَّ اللهَ مِن رحمتِه بعبدِه الضعيفِ الذي يريدُ إكرامَه، أنَّه يُريه مِن آياتِه، ويُشهِدُه مِن بيِّناتِه ما يَزيدُ به إيمانُه، كما رَدَّ اللهُ موسى على أُمِّهِ؛ لِتَعلمَ أنَّ وعْدَ اللهِ حَقٌّ [133] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 619). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ عطْفٌ على جُملةِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا [القصص: 5] ؛ إذ الكلُّ مِن أجزاءِ النَّبأِ. وتَتضمَّنُ هذه الجُملةُ تَفصيلًا لمُجمَلِ قولِه: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا [القصص: 5] ؛ فإنَّ الإرادةَ لَمَّا تعلَّقَت بإنقاذِ بني إسرائيلَ مِن الذُّلِّ، خلَقَ اللهُ المُنقِذَ لهم [134] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/73). .
- وقولُه: أَنْ أَرْضِعِيهِ الأمْرُ بإرضاعِه يُؤذِنُ بجُمَلٍ طُوِيَتْ؛ وهي أنَّ اللهَ لَمَّا أراد ذلك قدَّرَ أنْ يكونَ مظهرُ ما أرادهُ هو الجنينَ الَّذي في بطْنِ أُمِّ مُوسى، ووَضَعَتْه أُمُّه، وخافَتِ اعتِداءَ أنصارِ فِرعونَ على وَلِيدِها، وتحيَّرَت في أمْرِها، فأُلْهِمَت أو أُرِيَتْ ما قَصَّه اللهُ هنا وفي مواضعَ أُخرى [135] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/287)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/73). .
- قَولُه: وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي لقائلٍ أنْ يقولَ: ما الفرقُ بيْن الخَوفِ والحُزنِ حتَّى عُطِفَ أحدُهما على الآخَرِ؟
والجوابُ: أن هذا مِن بابِ الإطنابِ، بلْ هو قِسمٌ نادرٌ مِن أجمَلِ أقسامِه؛ وهو أنْ يُذكَرَ الشَّيءُ فيُؤتَى فيه بمَعانٍ مُتداخِلةٍ، إلَّا أنَّ كلَّ معنًى مُختَصٌّ بخَصِيصةٍ ليست للآخَرِ؛ فالخوفُ هو غمٌّ يُصِيبُ الإنسانَ لأمْرٍ يُتوقَّعُ نُزولُه في المُستقبَلِ، أمَّا الحُزنُ فهو غَمٌّ يُصِيبُه لأمْرٍ وقَعَ فِعلًا ومَضى؛ فنُهِيَتْ عنهما جميعًا [136] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/75). .
- وجُملةُ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ في مَوقعِ العِلَّةِ للنَّهْيَينِ -النَّهيِ عن الخَوفِ، والنَّهي عن الحُزنِ-؛ لأنَّ ضَمانَ رَدِّه إليها يَقْتضي أنَّه لا يَهلِكُ، وأنَّها لا تَشتاقُ إليه بطولِ المَغيبِ. وأمَّا قولُه: وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فإدْخالٌ للمَسرَّةِ عليها [137] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/75). .
- وفي قولِه: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إيثارُ الجُملةِ الاسميَّةِ، وتَصديرُها بحَرفِ التَّحقيقِ (إنَّ)؛ للاعتناءِ بتَحقيقِ مَضمونِها، أي: إنَّا فاعِلونَ لِرَدِّه وجَعلِه مِن المُرسَلينَ لا مَحالةَ [138] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/3). .
- وأيضًا هذه الآيةُ مِن مُعجزاتِ الإيجازِ؛ لاشْتمالِها على خَبرَيْنِ، وأمْرَينِ، ونَهيَينِ، وبِشارتيْنِ، في أسهَلِ نَظْمٍ، وأسلَسِ لَفظٍ، وأوجَزِ عِبارةٍ؛ فالخبَرانِ هما: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى وقولُه: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ؛ لأنَّه يُشعِرُ بأنَّها ستَخافُ عليه. والأمْرانِ هما: أَرْضِعِيهِ و(أَلْقِيهِ). والنَّهيانِ: وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي. والبِشارتانِ: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [139] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/123)، ((تفسير أبي حيان)) (8/287)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 427)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/74، 75)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/286). قال الماوَرْدي: (وحكَى الأصمعيُّ قال: سمِعتُ جاريةً أعرابية تُنشِدُ:...، قال: فقلتُ: قاتلَكِ اللهُ! ما أفصحَكِ! فقالت: أوَ يُعَدُّ هذا فصاحةً مع قولِه تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ... الآيةَ، فجمَع في آيةٍ واحدةٍ بيْنَ أمْرَينِ، ونَهيَينِ، وخبَرَينِ، وبِشارتَينِ؟!). ((تفسير الماوردي)) (4/236). .
2- قَولُه تعالى: فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ
- الفاءُ في قولِه: فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ فَصيحةٌ مُفصِحةٌ عن عَطْفِه على جُملةٍ مُترتِّبةٍ على ما قبْلَها مِن الأمْرِ بالإلِقاءِ؛ قد حُذِفَت تَعويلًا على دَلالةِ الحالِ، وإيذانًا بكَمالِ سُرعةِ الامتثالِ، أي: فألْقَتْهُ في اليَمِّ بعْدَما جَعلَتْهُ في التَّابوتِ حسبَما أُمِرَت، فالْتقَطَه آلُ فِرعونَ [140] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/287)، ((تفسير أبي السعود)) (7/3، 4). .
- قولُه: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا جُعِلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ نَفْسَ الحَزنِ؛ إيذانًا بقُوَّةِ سبَبيَّتِه لِحُزْنِهم [141] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/4). . ولَمَّا كانت عاقبةُ أمْرِه إهلاكَهم، وكان العاقلُ -لا سيَّما المُتحذلِقُ- لا ينبغي له أنْ يُقْدِمَ على شَيءٍ حتى يَعلَمَ عاقبتَه -فكيف إذا كان يدَّعي أنَّه إلهٌ-؛ عَبَّرَ سُبحانَه بلامِ العاقبةِ الَّتي معناها التَّعليلُ تهكُّمًا بفِرعَون [142] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/246). .
- ويحتملُ في قولِه: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا أنْ يكونَ في الكَلامِ حذْفٌ، أي: فكان لهم عدُوًّا وحَزنًا، أي: لأنَّهم كانوا خاطِئينَ، لم يَرجِعوا إلى دِينِه، وتَعمَّدوا الجرائمَ والكُفرَ باللهِ [143] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/287). .
- وجُملةُ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ اعتراضيَّةٌ واقعةٌ بيْنَ المعطوفِ والمعطوفِ عليه، مُؤكِّدةٌ لمَعنى خَطئِهم. أو لبَيانِ المُوجِبِ لِمَا ابْتُلُوا به [144] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/395)، ((تفسير البيضاوي)) (4/172)، ((تفسير أبي حيان)) (8/288)، ((تفسير أبي السعود)) (7/4)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/76). .
- قولُه: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا أُضِيفَ الجُندُ هنا وفيما قبْلُ إلى فِرعونَ وهامانَ، وإنْ كان هامانُ لا جُنودَ له؛ لأنَّ أمْرَ الجُنودِ لا يَستقيمُ إلَّا بالملِكِ والوَزيرِ؛ إذ بالوزيرِ تُحصَّلُ الأموالُ، وبالمَلِكِ وقَهرِه يُتوصَّلُ إلى تَحصيلِها، ولا يكونُ قِوامُ الجُندِ إلَّا بالأموالِ [145] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/287، 288). .
- وما أحسَنَ نَظْمَ هذا الكَلامِ عندَ المُرتاضِ بعِلمِ مَحاسنِ النَّظمِ؛ وذلك أنَّ قولَه: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ [النمل: 4] وقولَه: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ [النمل: 5] تَفصيلٌ لقولِه: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ [النمل: 3] ، وما أجمَلَ ثمَّ فصَّلَ وخَصَّ بلفظِ الإنباءِ إلَّا لاشتِمالِ هذا المُنبَّأِ به على أمْرٍ له شأْنٌ، وليس ذلك إلَّا لبَيانِ أنَّ ما قدَّرَه اللهُ كائنٌ لا مَحالةَ، وأنَّ الحَذرَ لا يُغْني عن القدَرِ، وإذا جاء القَضاءُ عَمِيَ البصرُ؛ فإنَّ فِرعونَ وقومَه لَمَّا قُضِيَ هلاكُهم على يَدِ الكليمِ عليه السَّلامُ واجْتَهدوا في الدَّفعِ، فَعَلوا ما لا طائلَ تحتَه، بلْ عَكَسوا؛ حيث أُفنِيَ البريءُ مِن قَتْلِ الأبناءِ، ورُبِّيَ مَن عليه دمارُه، فسُلِبَت عُقولُهم، فالْتَقَطوه لِيَكونَ لهم عدُوًّا وحَزنًا وهم لا يَشعُرون؛ فحسُنَ لذلك أنْ يؤكِّدَ بقولِه: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [النمل: 8] على التَّفصيلِ؛ لِيُؤذِنَ بأنَّ ذلك الجَمَّ الغفيرَ بعدَ ذلك التَّحذيرِ زَلَّوا عن دَفعِ التَّقديرِ؛ فاللَّامُ في قولِه: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [النمل: 8] مُجْرًى على حَقيقتِه. وتَمامُ تَقريرِه أن يُقالَ: إنَّا أرَدْنا أنْ نَمُنَّ على المُستضعَفينَ، وأنْ نَجعَلَهم الوارثينَ، وأنْ نُرِيَ فِرعونَ وهامانَ وجُنودَهما ما كانوا يَحذَرون؛ فدبَّرْنا ما دَبَّرْنا: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [النمل: 7] ، فامتثَلَتْ أمْرَنا وألْقَتْه في اليَمِّ، وألقاهُ اليمُّ بالسَّاحلِ، فقَضَينا على آلِ فِرعونَ الْتقاطَه؛ لِيَظهَرَ مِن لَطيفِ تَقديرِنا عَداوتُه وسَببُ حُزنِه، وهم لا يَشعُرون بذلك. فما أحسَنَ نَظْمَ هذا الكلامِ، وما أظْهَرَه مِن سُلطانٍ على القَولِ بالقضاءِ والقدَرِ [146] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/16، 17). !
3- قَولُه تعالى: وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
- قولُه: قُرَّةُ عَيْنٍ (قُرَّةُ العينِ) كِنايةٌ عن السُّرورِ، وهي كِنايةٌ ناشِئةٌ عن ضِدِّها، وهو سُخنةُ العينِ التي هي أثَرُ البُكاءِ اللَّازمِ للأسفِ والحزنِ؛ فلمَّا كُنِيَ عن الحزنِ بسُخنةِ العينِ في قولِهم في الدُّعاءِ بالسُّوءِ: أسخَنَ اللهُ عَينَه، أتْبَعوا ذلك بأنْ كَنَوْا عن السُّرورِ بضِدِّ هذه الكِنايةِ، فقالوا: قُرَّةُ عَينٍ، وأقرَّ اللهُ عَينَه، فحَكَى القرآنُ ما في لُغةِ امرأةِ فِرعونَ مِن دَلالةٍ على معنى المَسَرَّةِ الحاصلةِ للنَّفْسِ ببَليغِ ما كَنَى به العربُ عن ذلك، وهو قُرَّةُ عَيْنٍ. ومِن لَطائفِه في الآيةِ: أنَّ المَسرَّةَ المَعْنيَّةَ هي مَسرَّةٌ حاصلةٌ مِن مَرأى مَحاسنِ الطِّفلِ، كما قال تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [147] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/78). [طه: 39] .
- وابتَدَأتْ بنفْسِها في قُرَّةُ عَيْنٍ لِي قبْلَ ذِكرِ فِرعونَ؛ إدلالًا عليه لمِكانَتِها عندَه، أرادتْ أنْ تَبتدِرَه بذلك حتَّى لا يَصدُرَ عنه الأمرُ بقتْلِ الطِّفلِ [148] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/79). .
- وضَميرُ الجمْعِ في قولِها: لَا تَقْتُلُوهُ يَجوزُ أنْ يُرادَ به فِرعونُ؛ نَزَّلَتْه مَنزلةَ الجَماعةِ على وَجهِ التَّعظيمِ. ويجوزُ أنْ يُرادَ به خِطابُ فِرعونَ داخلًا فيه أهلُ دَولتِه، وهذا أحسَنُ؛ لأنَّ فيه تمْهيدًا لإجابةِ سُؤلِها حينَ أسْنَدَت مُعظمَ القتلِ لأهلِ الدَّولةِ، وجعَلَت لفِرعونَ منه حظَّ الواحدِ مِن الجماعةِ؛ فكأنَّها تُعرِّضُ بأنَّ ذلك يَنْبغي ألَّا يكونَ عن رأْيِه، فتُهَوِّن عليه عُدولَه في هذا الطِّفلِ عمَّا تقرَّرَ مِن قتْلِ الأطفالِ. وقِيل: لَا تَقْتُلُوهُ الْتفاتٌ عن خِطابِ فِرعونَ إلى خِطابِ المُوكَّلينَ بقَتْلِ أطفالِ بني إسرائيلَ؛ فمَوقِعُ جُملةِ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ مَوقعُ التَّمهيدِ والمُقدِّمةِ للعَرْضِ، ومَوقِعُ جُملةِ لَا تَقْتُلُوهُ مَوقعُ التَّفريعِ عن المُقدِّمةِ؛ ولذلك فُصِلَت عنها، أي: لم تُعْطَفْ [149] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/79). .
- قولُه: عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا في مَوقعِ العِلَّةِ لمَضمونِ جُملةِ لَا تَقْتُلُوهُ؛ فاتِّصالُها بها كاتِّصالِ جُملةِ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ بها، ولكنَّ نظْمَ الكلامِ قَضَى بهذا التَّرتيبِ البليغِ بأنْ جُعِلَ الوازعُ الطَّبيعيُّ عن القَتْلِ -وهو وازعُ المحبَّةِ- هو المُقدِّمةَ؛ لأنَّه أشدُّ تعلُّقًا بالنَّفْسِ؛ فهو يُشبِهُ المعلومَ البديهيَّ. وجُعِلَ الوازعُ العَقليُّ بعدَ النَّهيِ عِلَّةً؛ لاحتِياجِه إلى الفِكرِ، فتَكونُ مُهلةُ التَّفكيرِ بعدَ سَماعِ النَّهيِ المُمهَّدِ بالوازعِ الطَّبيعيِّ، فلا يُخْشى جِماحُ السَّامعِ مِن النَّهيِ ورَفْضُه إيَّاه [150] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/79). .
- قولُه: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ جُملةٌ اعتراضيَّةٌ، واختِيرَ يَشْعُرُونَ هنا؛ لأنَّه مِن العلْمِ الخَفِيِّ، أي: لا يَعلَمون هذا الأمرَ الخَفيَّ [151] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/80). .
4- قَولُه تعالى: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
- جُملةُ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا تكونُ -على تَفسيرِ أنَّ فؤادَها فارِغٌ مِن الخَوفِ والحزنِ، فأصبَحَت واثقةً بحُسنِ عاقبتِه- استئنافًا بَيانيًّا لِمَا اقتضاهُ فِعلُ (أصبَحَ) مِن أنَّها كانتْ على حالةٍ غيرِ حالةِ فَراغٍ، فبُيِّنَتْ بأنَّها كادَتْ أنْ تُظهِرَ أمْرَ ابنِها مِن شِدَّةِ الاضْطِرابِ؛ فإنَّ الاضطرابَ يَنُمُّ بها. وعلى تَفسيرِ أنَّ فُؤادَها فارِغًا مِن كلِّ شَيءٍ إلَّا ذِكْرَ مُوسى؛ تكونُ جُملةُ إِنْ كَادَتْ بمَنزلةِ عطْفِ البَيانِ على معنى فَارِغًا، وهي دَليلٌ على الاستِثناءِ المحذوفِ [152] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/81). .
- قولُه: لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا الرَّبطُ على القَلبِ: كِنايةٌ عن قَرارِه واطمئنانِه؛ شُبِّه بما يُربَطُ مَخافةَ الانفِلاتِ [153] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/289). .
5- قَولُه تعالى: وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
- قولُه: وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فيه التَّعبيرُ عنها بأُخُوَّتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ دونَ أنْ يُقالَ: (لِبِنتِها)؛ للتَّصريحِ بمَدارِ المحبَّةِ المُوجِبةِ للامتِثالِ بالأمْرِ [154] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/5). .
- قولُه: فَبَصُرَتْ بِهِ بصُرَ بالشَّيءِ: صار ذا بصَرٍ به، أي: باصِرًا له؛ فهو يُفِيدُ قوَّةَ الإبصارِ، أي: قوَّةَ استعمالِ حاسَّةِ البصرِ، وهو التَّحديقُ إلى المُبصَرِ، فـ (بَصُرَ) أشدُّ مِن (أبصَرَ)؛ فالباءُ الدَّاخلةُ على مَفعولِه باءُ السَّببيَّةِ؛ للدَّلالةِ على شِدَّةِ العِنايةِ برُؤيةِ المَرئيِّ حتَّى كأنَّه صار باصِرًا بسَببِه. ويجوزُ جَعْلُ الباءِ زائدةً لتأكيدِ الفِعلِ، فتُفِيدُ زِيادةَ مُبالَغةٍ في مَعنى الفِعلِ [155] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/83). .
6- قَولُه تعالى: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ
- الفاءُ في قولِه: فَقَالَتْ فَصيحةٌ تُؤذِنُ بجُملةٍ مُقدَّرةٍ، أي: فأظْهَرَت أُختُه نفْسَها، كأنَّها مرَّت بهم عن غيرِ قَصْدٍ [156] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/84). .
- وقد عرَضَت سَعْيَها في ذلك بطَريقِ الاستِفهامِ المُستعمَلِ في العرْضِ فقالتْ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ؛ تلطُّفًا مع آلِ فِرعونَ، وإبعادًا للظِّنَّةِ عن نفْسِها [157] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/84). .
- والعُدولُ عن الجُملةِ الفِعليَّةِ إلى الاسميَّةِ في قولِه: وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ؛ لقَصدِ تأْكيدِ أنَّ النُّصحَ مِن سَجاياهم، وممَّا ثبَتَ لهم؛ فلذلك لم يُقَلْ: (ويَنصَحون له) كما قِيل: يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ؛ لأنَّ الكَفالةَ أمْرٌ سَهلٌ، بخِلافِ النُّصحِ والعِنايةِ [158] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/84). .
7- قَولُه تعالى: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ في الكَلامِ حَذْفٌ، تَقديرُه: فمَرَّتْ بهم إلى أُمِّه، فكلَّمُوها في إرضاعِه، أو فجاءتْ بأُمِّه إليهم، فكَلَّمُوها في شأْنِه، فأرضَعَتْه، فالْتقَمَ ثَدْيَها... [159] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/291). .
- وقولُه: وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فيه تأكيدُ حَرفِ (كي) بمُرادِفِه -وهو لامُ التَّعليلِ-؛ للتَّنصيصِ مِن أوَّلِ وَهلةٍ على أنَّه مَعطوفٌ على الفِعلِ المُثبَتِ تَقَرَّ عَيْنُهَا، لا على الفِعلِ المَنْفيِّ وَلَا تَحْزَنَ [160] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/85). .