موسوعة التفسير

سورةُ القَصَصِ
الآيات (22-25)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ

غَريبُ الكَلِماتِ:

تِلْقَاءَ: أي: تُجاهَ ونَحوَ، والتِّلْقاءُ: جِهةُ اللَّقاءِ والمُقابَلةِ، وأصلُ (لقي): يدُلُّ على توافي شَيئينِ [258] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 331)، ((تفسير ابن جرير)) (18/202)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 166)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/260)، ((البسيط)) للواحدي (9/156). .
سَوَاءَ السَّبِيلِ: أي: قَصْدَ الطَّريقِ ووسَطَه، وأصلُ السَّواءِ: الوَسَطُ، وأصلُ (سبل): يدُلُّ على إرسالِ شَيءٍ وامتدادِه [259] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 141)، ((تفسير ابن جرير)) (2/416)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 258)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/129)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 103). .
وَرَدَ: أي: بلَغَ ووصَلَ، والوُرودُ: قَصْدُ الماءِ، ثمَّ يُستعمَلُ في غيرِه، وأصلُ (ورد): يدُلُّ على الموافاةِ إلى الشَّيءِ [260] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/105)، ((المفردات)) للراغب (ص: 865)، ((تفسير القرطبي)) (13/267). .
أُمَّةً: أي: جماعةً، والأُمَّةُ: كلُّ جماعةٍ يَجمَعُهم أمرٌ ما؛ إمَّا دِينٌ واحدٌ، أو زمانٌ واحدٌ، أو مكانٌ واحدٌ، سواءٌ كان ذلك الأمرُ الجامعُ تسخيرًا أو اختيارًا، وأصلُ (أمم): الأصلُ والمرجِعُ، والجماعةُ والدِّينُ [261] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 81)، ((تفسير ابن جرير)) (18/206)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/139)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/21)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (8/5511)، ((المفردات)) للراغب (ص: 87)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 83، 344). .
تَذُودَانِ: أي: تَكُفَّانِ، وتَحبِسانِ غَنَمَهما، والذَّوْدُ أكثرُ ما تُستعمَلُ في الغَنَمِ والإبلِ، وأصلُه يدُلُّ على تنحيةِ الشَّيءِ عن الشَّيءِ [262] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 332)، ((تفسير ابن جرير)) (18/207)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 151)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/365)، ((المفردات)) للراغب (ص: 335). .
خَطْبُكُمَا: أي: أمْرُكما وشأنُكما، والخطبُ: الأمرُ يقعُ؛ وإنَّما سُمِّيَ بذلك لِمَا يقعُ فيه مِن التَّخاطُبِ والمراجعةِ، وأصلُ (خطب): يدُلُّ على الكلامِ بينَ اثنينِ [263] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 332)، ((تفسير ابن جرير)) (18/210)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/198)، ((تفسير القرطبي)) (13/268)، ((تفسير ابن كثير)) (6/226). .
يُصْدِرَ: أي: يرجِعَ ويَفرُغَ، وأصلُ (صدر): يدُلُّ على خِلافِ الوِرْدِ [264] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 332)، ((تفسير ابن جرير)) (18/212)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/337)، ((تفسير القرطبي)) (13/269). .
الرِّعَاءُ: جمعُ راعٍ، وأصلُ (رعي): يدُلُّ على مُراقَبةٍ وحِفظٍ [265] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/408)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 327)، ((تفسير القرطبي)) (13/269). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى: ولَمَّا خرجَ موسى مِن مِصرَ وتوجَّهَ إلى مَدْيَنَ، قال: عسى أن يُرشِدَني ربِّي إلى الطَّريقِ الموصِلِ إلى مَدْينَ.
ولَمَّا وصَلَ ماءَ مَدْينَ وجَدَ على الماءِ جماعةً كثيرةً مِن النَّاسِ يَسْقونَ مواشِيَهم، ووجَدَ مِن دُونِهمُ امرأتَينِ تَمنعانِ غَنَمَهما؛ لئلَّا تختَلِطَ بأغنامِ النَّاسِ.
قال موسى للمرأتَينِ: ما شأنُكما؟! قالَتا: لا نَسْقي غنَمَنا إلَّا بعد أن يَصرِفَ الرُّعاةُ مواشيَهم، وأبونا شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ سَقْيَ الغَنَمِ بنَفْسِه.
فسقَى موسى لهما غنَمَهما بلا أُجرةٍ، ثمَّ انصرَفَ إلى الظِّلِّ، فقال: ربِّ إنِّي مُحتاجٌ إلى أيِّ شَيءٍ أنزَلْتَه إلَيَّ مِن أيِّ خيرٍ كان.
فجاءت إحدى المرأتينِ إلى موسى تمشي مُستَحِيةً، قالت لموسى عليه السَّلامُ: إنَّ أبي يدعوك لِيُكافِئَك على سَقْيِك لنا الغَنَمَ.
فلمَّا جاء موسى إلى أبيها وقَصَّ عليه خبَرَه مع فِرعَونَ وقَومِه، قال له الأبُ: لا تخَفْ؛ فقد نجَوتَ مِن هؤلاء القَومِ الظَّالمينَ؛ إذ لا حُكمَ لهم بأرضِنا.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22).
أي: ولَمَّا خرَج موسى مِن مِصرَ، وقَصَد جِهةَ مَدْينَ بلا دليلٍ يَهديه، وخَشِيَ أن يَضِلَّ الطَّريقَ؛ قال: عسى [266] قال البقاعي: (عَسَى أي: خليقٌ وجديرٌ وحقيقٌ). ((نظم الدرر)) (14/264). أن يُبَيِّنَ لي ربِّي الطَّريقَ المُوصِلَ بسُهولةٍ ويُسرٍ إلى مَدْينَ [267] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/340، 341)، ((تفسير ابن جرير)) (18/202، 203)، ((الوسيط)) للواحدي (3/394)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614). وممَّن ذهب إلى أنَّ موسى أراد بدُعائِه الهدايةَ إلى الطَّريقِ الحِسِّيةِ المُوصِلةِ إلى مَدْيَنَ: مقاتلُ بن سليمان، وابن جرير، والواحدي، والسعدي. يُنظر: المصادر السابقة. وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عباسٍ، والسُّدِّيُّ، وقتادةُ، وعِكْرِمةُ، ومجاهدٌ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/203، 205)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (9/2960، 2961)، ((تفسير الماوردي)) (4/245). وقيل: أراد موسى سَبيلَ الهدى إلى الحَقِّ. وممَّن استَحْسَنَه ومال إليه: ابنُ عطيَّة، واستظهَرَه ابنُ جُزَي، واختاره ابنُ كثيرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/283)، ((تفسير ابن جزي)) (2/111)، ((تفسير ابن كثير)) (6/226). .
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23).
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ.
أي: ولَمَّا بلَغَ موسى ماءَ مَدْينَ وجَدَ على الماءِ جماعةً كثيرةً مِن النَّاسِ يَسقُونَ مَواشِيَهم [268] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/206)، ((تفسير السمرقندي)) (2/603)، ((تفسير القرطبي)) (13/267، 268)، ((تفسير ابن كثير)) (6/226)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/264)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614). قال الثعلبي: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وهو بئرٌ كانت لهم). ((تفسير الثعلبي)) (7/243). ويُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/131)، ((تفسير ابن جزي)) (2/111)، ((تفسير ابن كثير)) (6/226). .
وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ .
أي: ووجَدَ مِن دونِ [269] قال الشوكاني: (مِنْ دُونِهِمُ أي: مِن دونِ النَّاسِ الَّذينَ يَسْقونَ ما بيْنَهم وبينَ الجِهةِ الَّتي جاءَ منها. وقيلَ: معناه: في مَوضعٍ أسفلَ مِنهم). ((تفسير الشوكاني)) (4/191). وممَّن اختار أنَّ المرادَ: في مَوضعٍ أسفَلَ مِن موضعِ الجماعةِ، ومكانٍ أسفَلَ مِن مكانِهم: الزمخشريُّ، والرازي، والرسعني، والبيضاوي، والبقاعي، والعليمي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/400)، ((تفسير الرازي)) (24/588)، ((تفسير الرسعني)) (5/524)، ((تفسير البيضاوي)) (4/175)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/264)، ((تفسير العليمي)) (5/184). وممَّن اختار أنَّ المرادَ بقولِه تعالى: مِنْ دُونِهِمُ أي: مِن سِواهم: الواحديُّ، والسمعاني، وابن الجوزي، وجلال الدين المحلي. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/394)، ((تفسير السمعاني)) (4/131)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/379)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 510). تلك الجَماعةِ امرأتينِ تَحبِسانِ غَنَمَهما عن النَّاسِ [270] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/207، 210)، ((تفسير ابن عطية)) (4/283)، ((تفسير القرطبي)) (13/268)، ((تفسير البيضاوي)) (4/175)، ((تفسير ابن كثير)) (6/226)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/264)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614). قال الماوَرْديُّ: (وفي امتناعِهما مِن السَّقيِ حتَّى يُصدِرَ الرِّعاءُ وجهانِ؛ أحدُهما: تصَوُّنًا عن الاختلاطِ بالرِّجالِ. الثَّاني: لِضَعفِهما عن المزاحمةِ بماشيتِهما). ((تفسير الماوردي)) (4/246). ويُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/111). .
قَالَ مَا خَطْبُكُمَا.
أي: قال موسى للمَرأتينِ: ما شأنُكما تكُفَّانِ غنَمَكما، ولا تَسقيانِ مع النَّاسِ [271] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/210)، ((تفسير ابن كثير)) (6/226)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614). ؟!
قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ.
أي: قالَتَا لموسى: عادَتُنا أنَّنا لا نَسْقي أغنامَنا إلَّا بعدَ أن يَصرِفَ الرُّعاةُ مواشِيَهم [272] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/211)، ((تفسير الماوردي)) (4/246)، ((تفسير ابن كثير)) (6/226)، ((تفسير الألوسي)) (10/269)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614). .
وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ.
أي: وأبونا كبيرٌ في السِّنِّ، يَضعُفُ عن سَقيِ الغَنَمِ بنَفْسِه [273] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/212)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/139)، ((البسيط)) للواحدي (17/371)، ((تفسير البيضاوي)) (4/175)، ((تفسير ابن كثير)) (6/226)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614). قال القرطبي: (أكثَرُ النَّاسِ على أنَّهما ابنتا شُعَيبٍ عليه السَّلامُ، وهو ظاهِرُ القرآن). ((تفسير القرطبي)) (13/270). وممَّن قال بأنَّه ليس بشُعَيبٍ النَّبيِّ: ابنُ تيميَّةَ، وابنُ كثير، والسعدي. يُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (1/61-63)، ((تفسير ابن كثير)) (6/228، 229)، ((تفسير السعدي)) (ص: 615). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن جرير)) (18/224). قال السعدي: (وهذا الرَّجلُ أبو المرأتينِ؛ صاحِبُ مَدْينَ: ليس بشُعَيبٍ النَّبيِّ المعروفِ، كما اشتَهَر عند كثيرٍ مِن النَّاسِ؛ فإنَّ هذا قَولٌ لم يَدُلَّ عليه دليلٌ، وغايةُ ما يكونُ أنَّ شُعَيبًا عليه السَّلامُ قد كانت بلَدُه مَدْيَنَ، وهذه القضيَّةُ جَرَت في مَدْيَنَ، فأين الملازَمةُ بيْنَ الأمْرَينِ؟! وأيضًا فإنَّه غيرُ معلومٍ أنَّ موسى أدرك زمانَ شُعَيبٍ، فكيف بشَخصِه؟! ولو كان ذلك الرَّجلُ شُعَيبًا لذكَرَه اللهُ تعالى، ولَسَمَّتْه المرأتانِ. وأيضًا فإنَّ شُعَيبًا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قد أهلك الله قَومَه بتكذيبِهم إيَّاه، ولم يَبْقَ إلَّا مَن آمَنَ به، وقد أعاذ الله المؤمِنينَ أن يَرضَوا لِبِنْتَي نبيِّهم بمنَعِهما عن الماءِ، وصَدِّ ماشيتِهما حتَّى يأتيَهما رجُلٌ غريبٌ فيُحسِنَ إليهما، ويَسقيَ ماشيتَهما! وما كان شُعيبٌ لِيَرضى أن يرعَى موسى عندَه ويكونَ خادِمًا له، وهو أفضَلُ منه وأعلى درَجةً. والله أعلم). ((تفسير السعدي)) (ص: 615). .
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24).
فَسَقَى لَهُمَا.
أي: فسقَى موسى للمَرأتَينِ غَنَمَهما بلا أُجرةٍ؛ رأْفةً ورحمةً بهما [274] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/212)، ((تفسير النسفي)) (2/636)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/101). .
ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ.
أي: ثمَّ انصرَفَ موسى إلى ظِلٍّ هناك [275] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/214)، ((تفسير السمرقندي)) (2/604)، ((الوسيط)) للواحدي (3/395)، ((تفسير الألوسي)) (10/273)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614). .
فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.
أي: فقال: ربِّ، إنِّي مُحتاجٌ إلى أيِّ شَيءٍ أنزَلْتَه إلَيَّ مِن أيِّ خيرٍ كان [276] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/215)، ((البسيط)) للواحدي (17/373)، ((تفسير أبي السعود)) (7/9)، ((تفسير الشوكاني)) (4/192)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/102). وحكى السمعانيُّ والقرطبيُّ إجماعَ المفسِّرينَ على أنَّ موسى عليه السَّلامُ طلَبَ مِن الله الطَّعامَ لجُوعِه. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/132)، ((تفسير القرطبي)) (13/270). .
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25).
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ.
أي: فجاءت إحدى المرأتَينِ إلى موسى، وهي تَمشي مُسْتحِيةً مُستَتِرةً، غيرَ مُتَبختِرةٍ ولا مُبْدِيةٍ زِينةً [277] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/218)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/140)، ((تفسير النسفي)) (2/637)، ((تفسير ابن كثير)) (6/228)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/103). .
قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا.
أي: قالت لِموسى عليه السَّلامُ: إنَّ أبي يَدْعوك لِيُكافِئَك؛ جزاءً على سَقْيِك أغنامَنا [278] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/218)، ((الهداية)) لمكي بن أبي طالب (8/5518)، ((تفسير السمعاني)) (4/133)، ((تفسير البيضاوي)) (4/175)، ((تفسير ابن كثير)) (6/228). .
فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
أي: فلمَّا جاء موسى إلى أبيها وحدَّثَه بأخبارِه وأنبائِه مع فِرعَونَ وقَومِه، وسببِ خُروجِه مِن مِصرَ؛ قال له الأبُ: لا تخَفْ؛ فقد نجَوْتَ مِن فِرعَونَ وقَومِه الظَّالمينَ؛ إذْ لا سُلطانَ لهم بأرضِنا [279] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/220)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/140)، ((البسيط)) للواحدي (17/375)، ((تفسير ابن كثير)) (6/228)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/268)، ((تفسير السعدي)) (ص: 614)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/104، 105)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 100). .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ أنَّ النَّاظِرَ في العِلمِ عندَ الحاجةِ إلى التَّكلُّمِ فيه، إذا لم يَترجَّحْ عندَه أحدُ القَولَينِ فإنَّه يَستهدي ربَّه، ويَسألُه أنْ يَهديَه الصَّوابَ مِن القَولَينِ، بعدَ أنْ يَقصِدَ بقلبِه الحقَّ ويبحَثَ عنه؛ فإنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُ مَن هذه حالُه، كما خَرَجَ موسى تِلْقاءَ مَدْيَنَ، فقال: عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ [280] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 619). .
2- قال الله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ في القِصَّةِ ترغيبٌ في الخَيرِ، وحَثٌّ على المعاونةِ على البِرِّ، وبَعْثٌ على بَذْلِ المعروفِ مع الجُهدِ [281] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/267). .
3- أنَّه لا ينبغي أنْ يُحكَمَ على الأمورِ إلَّا بعدَ معرفةِ الأسبابِ؛ فإنَّ موسى لم يَحكُمْ على المرأتينِ بأيِّ حُكمٍ إلَّا بعدَ أنْ سألَهما، قال: مَا خَطْبُكُمَا، يعني: لِماذا تَذُودانِ غنَمَكما عن السَّقيِ [282] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 91). ؟
4- في قَولِه تعالى: فَسَقَى لَهُمَا أنَّ الرَّحمةَ بالخلْقِ، وإحسانَ المرء إلى مَن يَعرِفُ ومَن لا يعرِفُ: مِن أخلاقِ الأنبياءِ [283] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 619). ، ومِنَ الإحسانِ سقْيُ الماشيةِ الماءَ، وإعانةُ العاجزِ [284] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 619). .
5- في قَولِه تعالى: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ دليلٌ على أنَّ شكوى الضُّرِّ إلى الله مُباحةٌ، وسُؤالَه الغَوثَ جائزٌ، وليس على مَن أصابه ذلك أنْ ينتظِرَ إتيانَه مِن اللهِ قبْلَ المسألةِ؛ اعتمادًا على أنَّ اللهَ جلَّ جلالُه يَعلَمُ حالَه فيأتيه برِزقِه؛ لأنَّه -وإنْ كان كذلك- فلم يَحْظُرِ المسألةَ، بل نَدَبَ إليها، وعَمِلَ بها نبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما ترى، فقال: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء: 32] ، وقال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [285] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (3/554). [غافر: 60] .
6- في قَولِه تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ بيانُ كمالِ خُلُقِ هاتينِ المرأتينِ؛ حيثُ جاءت إحداهما تمشي غيرَ مُسرِعةٍ ولا مُهَرْوِلةٍ، بل تمشي بهُدوءٍ، وهذا دليلٌ على كمالِ أدَبِها، وكذلك كونُها على استحياءٍ فيه أيضًا مِن كمالِ الأدبِ [286] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 101). ، وعن عمرَ رضي الله عنه قال: (جاءَت تمشي على استحياءٍ، قائلةً بثوبِها على وجهِها، ليست بسَلْفَعٍ [287] السلفع: هي الجريئةُ على الرِّجالِ. ينظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/390). ، خرَّاجةٍ ولَّاجةٍ) [288] أخرجه ابن جرير في ((تفسيره)) (18/219)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (9/2965). وصحح إسناده ابن كثير في ((تفسيره)) (6/228). .
7- في قَولِه تعالى: عَلَى اسْتِحْيَاءٍ أنَّ الحياءَ -خصوصًا مِن الكرامِ- هو مِن الأخلاقِ الممدوحةِ [289] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 619). .
8- في قَولِه تعالى: قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا أنَّ المكافأةَ على الإحسانِ لم تَزَلْ دأبَ الأُممِ السَّابقينَ [290] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 619). .
9- في قَولِه تعالى: قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا أنَّه ينبغي للإنسانِ كمالُ الأدبِ في الأساليبِ، وإزالةُ الوحشةِ عنِ المخاطَبِ، لا سيَّما في المكانِ الذي تعتريه الوَحشةُ. وكما ينبغي أن يكونَ ذلك في اللَّفظِ، ينبغي أن يكونَ ذلك في حالِ المرءِ، بحيثُ يقابِلُ غَيرَه بالبِشرِ والسَّماحةِ وانطلاقِ الوَجهِ؛ ولهذا كان من أوصافِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه كان دائِمَ البِشرِ، كثيرَ التبَسُّمِ. وضِدُّه العُبوسُ والتَّقطيبُ وعدمُ الانشراحِ؛ فإنَّ هذا يوجِبُ لِغَيرِك أن يَنفِرَ منك [291] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 102). .
10- في قَولِه تعالى: قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا أسْنَدَتِ الدَّعوةَ إلى أبيها، وعلَّلَتْها بالجزاءِ؛ لئلَّا يُوهِمَ كلامُها رِيبةً، وفيهِ مِن الدَّلالةِ على كَمالِ العقلِ والحياءِ والعِفَّةِ ما لا يَخْفَى [292] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/9). ، وفيه مِن كمالِ الذَّكاءِ؛ لأنَّ نِسبةَ الدَّعوةِ إلى الأبِ أقرَبُ إلى إجابةِ موسى للدَّعوةِ؛ حيثُ يكونُ الدَّاعي له رجُلًا [293] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 101). ، وأيضًا فإنَّما بيَّنَت له الغرَضَ مِن دَعوتِه؛ مُبادرةً بالإكرامِ [294] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/103). .
11- في قَولِه تعالى: وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ أنَّ قَصَّ الأخبارِ لا يُعَدُّ شِكايةً؛ فلو قصَصْتَ على إنسانٍ ما جرى عليك مِن المصائِبِ، لا يُعتبَرُ ذلك مِن الشِّكايةِ إليه؛ ولهذا يقالُ: هذا إخبارٌ؛ فالمريضُ يقولُ -مثلًا- لِمَن سألَه عن حالِه: إنِّي مريضٌ، فهذا إخبارٌ لا شكوى. والفرقُ بيْنَهما أنَّ الشَّكوى تتضمَّنُ طَلَبَ إزالةِ الشَّيءِ، والتَّضَجُّرَ منه، وأمَّا الخبرُ فإنَّه مجرَّدٌ عن ذلك؛ فهو مجرَّدُ إخبارٍ عن أمرٍ وَقَع [295] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 103). .
12- في قَولِه تعالى: قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ البِشارةُ بالأمنِ، وتسكينُ الخائفِ، وقد قالت الملائكةُ لإبراهيمَ عليه السَّلامُ: لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ [هود: 70] ، وبِشارةُ الخائفِ وتطمينُه ضرْبٌ مِنَ الإحسانِ [296] يُنظر: ((شجرة المعارف والأحوال)) للعز بن عبد السلام (ص: 202). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- يُستفادُ مِن سؤالِ موسى عليه الصَّلاة والسَّلامُ في قَولِه تعالى: قَالَ مَا خَطْبُكُمَا جوازُ مكالَمةِ الأجنبيَّةِ فيما يَعُنُّ [297] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/297). .
2- في قَولِه تعالى: قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ مُباشَرةُ المرأةِ الأعمالَ، والسَّعيُ في طُرُقِ المعيشةِ، ومُعالجتُها أمورَ مالِها، وظُهورُها في مجامِعِ النَّاسِ إذا كانت تَستُرُ ما يَجِبُ سَترُه [298] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/101). ، معَ عدمِ مزاحمةِ الرِّجالِ، وأن يكونَ ذلك للحاجةِ [299] يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب) (5/288). .
3- قال الله تعالى: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، قَولُه: فَقَالَ رَبِّ فيه أنَّه ينبغي تقديمُ الدُّعاءِ بذِكْرِ الرَّبِّ، والدُّعاءُ بلفظِ الرُّبوبيَّةِ هو أكثرُ ما يُتقَبَّلُ به الدُّعاءُ [300] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 94). . ويَكثُرُ في القرآنِ مجيءُ النِّداءِ باسمِ الرَّبِّ المُقتضِي للقيامِ بأمورِ العِبادِ وإصلاحِها؛ فكأنَّ العبدَ مُتعلِّقٌ بمَن شأنُه التَّربيةُ والرِّفقُ والإحسانُ، قائلًا: يا مَن هو المُصلِحُ لِشُؤونِنا على الإطلاقِ أتِمَّ لنا ذلك بكذا، وهو مُقتضى ما يَدعو به، وإنَّما أتَّى «اللَّهُمَّ» في مَواضِعَ قليلةٍ، ولِمَعانٍ اقتَضَتْها الأحوالُ [301] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (4/203). ، فيُصَدَّرُ الدُّعاءُ المُتضَمِّنُ لِلثَّناءِ والطَّلبِ بلَفْظةِ «اللَّهُمَّ»، وأمَّا الدُّعاءُ المُجَرَّدُ فيُصَدَّرُ بلَفظِ الرَّبِّ، وسِرُّ ذلك أنَّ اللهَ تعالى يُسألُ برُبوبيَّتِه المُتضَمِّنةِ قُدرتَه وإحسانَه وتربيتَه عبْدَه وإصلاحَ أمْرِه، ويُثنَى عليه بإلهيَّتِه المُتضَمِّنةِ إثباتَ ما يجِبُ له مِنَ الصِّفاتِ العُلى، والأسماءِ الحُسْنى. وتدبَّرْ طريقةَ القُرآنِ، تَجِدْها كما ذكرتُ لك [302] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (2/193، 194). .
4- مِن أنواعِ التَّوسُّلِ الجائزةِ الشَّرعيَّةِ: التَّوسُّلُ إلى اللهِ تبارك وتعالى بذِكْرِ حالِ الدَّاعي، وأنَّه مُحتاجٌ ومُضْطَرٌّ إلى اللهِ، وهو ممَّا يُستجلَبُ به رحمةُ اللهِ -عزَّ وجلَّ- وفَضْلُه وإحسانُه، وهو مِن جُملةِ التَّوسُّلِ المَشروعِ في الدُّعاءِ، كما في قَولِ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فهنا سأل اللهَ تبارك وتعالى بوَصفِ حالِه، وأنَّه مُحتاجٌ مُفتَقِرٌ إلى اللهِ تبارك وتعالى [303] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (1/666) و(12/183، 184). ، وهو مُتضَمِّنٌ لِسُؤالِ اللهِ إنزالَ الخَيرِ إليه [304] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/223). ؛ فدلَّ على جوازِ الاقتِصارِ في الدُّعاءِ على ذِكْرِ حالِ الدَّاعي بدونِ طَلَبٍ [305] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 94). .
5- في قَولِ موسى عليه السَّلامُ: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما: (وكان قد بلَغ به الجُوعُ ما بلغَ، وإنَّه لَأَكْرَمُ الخَلقِ يَومَئذٍ على اللهِ). وفي هذا مُعتبَرٌ وحاكِمٌ بهَوانِ الدُّنيا على اللهِ تعالى [306] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/284). .
6- في قَولِه تعالى: لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ عُلُوُّ اللهِ؛ فإنَّه لا يكونُ إنزالُه للشَّيءِ إلَّا إذا كان عاليًا؛ فهو سُبحانه وتعالى عالٍ بذاتِه وصفاتِه، فعُلُوُّه نَوعانِ: عُلُوُّ ذاتٍ، وعُلُوُّ صِفةٍ [307] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 94). .
7- في قَولِه تعالى: قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا أنَّ العبدَ إذا فَعَلَ العملَ للهِ تعالى، ثمَّ حَصَلَ له مكافأةٌ عليه مِن غيرِ قصْدٍ بالقَصدِ الأولِ؛ أنَّه لا يُلامُ على ذلك، كما قَبِلَ موسى مجازاةَ صاحِبِ مَدْيَنَ عن معروفِه الَّذي لم يَبْتَغِ له، ولم يَستشرِفْ بقَلبِه عِوَضًا [308] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 619). .
8- قولُه تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فيه استِخدامُ الوالدِ لأولادِه [309] يُنظر: ((شجرة المعارف والأحوال)) للعز بن عبد السلام (ص: 283). .
9- في قَولِه تعالى: قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ سؤالٌ؛ كيف ساغ لموسى -عليه السلامُ- أنْ يَعملَ بقولِ امرأةٍ؛ وأنْ يمشيَ معها وهي أجنبيَّةٌ؛ فإنَّ ذلك يُورِثُ التُّهمةَ العظيمةَ؟!
الجوابُ: أنَّ الخبرَ يُعمَلُ فيه بقولِ امرأةٍ، فإنَّ الخبرَ يُعملُ فيه بقولِ الواحدِ -حرًّا كان أو عبدًا؛ ذكرًا كان أو أنثى-، وما كانت مُخبِرةً إلَّا عن أبيها، وأمَّا المشْيُ مع المرأةِ مع الاحتياطِ والتَّورُّعِ فلا بأسَ به [310] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (3/92). .
10- قال الله تعالى: قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ مِن عَجيبِ صُنعِ اللهِ: أنَّ هذا الكلامَ جاء مُطابِقًا لسُؤالِ موسى؛ فموسى قد دعا ربَّه عندَما خَرَجَ خائفًا مِنَ المدينةِ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: 21] ، فجاء الجوابُ هنا مِن هذا الرَّجُلِ: لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ؛ فقَولُه: لَا تَخَفْ إجابةٌ لِقَولِه: خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، وقولُه: نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ إجابةٌ لِقَولِه: نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وهكذا تكونُ إجابةُ اللهِ تعالى للمُضْطَرِ مُطابِقةً تمامًا لسُؤالِه؛ إِذْ لا سُلطانَ لفِرعَونَ على مَدْيَنَ، وهذا هو الظَّاهرُ [311] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 100). .
11- قال: مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ولم يقُلْ: (نجوتَ مِن الظالمِ) فدلَّ على أنَّ جنودَ الظَّالمِ ظَلَمةٌ، فالطَّاعةُ فيما فيه ظُلْمٌ محرمةٌ، وهي طاعةٌ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ [312] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 104). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قَولُه تعالى: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ
- قولُه: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ عَطْفٌ على جُمَلٍ مَحذوفةٍ؛ إذِ التَّقديرُ: ولَمَّا خرَجَ مِن المدينةِ هائمًا على وَجْهِه، فاتَّفقَ أنْ كان مَسيرُه في طَريقٍ يُؤدِّي إلى أرضِ مَدْيَنَ، حينَئذٍ قال: عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ [313] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/97). .
2- قَولُه تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
- تُرِكَ المفعولُ غيرَ مَذكورٍ في قولِه: يَسْقُونَ وتَذُودَانِ؛ لأنَّ الغرَضَ هو الفِعلُ لا المفعولُ؛ ألَا تَرى أنَّه إنَّما رحِمَهما لأنَّهما كانتَا على الذِّيادِ، وهم على السَّقيِ، ولم يَرْحَمْهما؛ لأنَّ مَذُودَهما غنَمٌ ومَسْقِيَّهم إبلٌ مَثلًا، وكذلك قولُهما: لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ المقصودُ فيه السَّقيُ لا المَسقِيُّ. وهذا مِن تَنزيلِ الفِعلِ المُتعدِّي مَنزلةَ اللَّازمِ [314] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/401)، ((تفسير البيضاوي)) (4/175)، ((تفسير أبي السعود)) (7/8)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/99)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/304). .
3- قَولُه تعالى: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
- قَولُه: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ اقتِرانُ فِعلِ (سقى) بالفاءِ يُؤْذِنُ بأنَّه بادَرَ فسَقى لهنَّ، وذلك بفَورِ وُرودِه [315] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/101). . وحُذِفَ مَفعولُه أيضًا؛ لِمَا أنَّ الغرَضَ هو بَيانُ السَّقيِ لا ما يُسْقَى [316] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/8). .
- والتَّولِّي: الرُّجوعُ على طريقِه، وذلك يُفيدُ أنَّه كان جالسًا مِن قبْلُ في ظِلٍّ فرجَع إليه. ويَظهَرُ أنَّ تَوَلَّى مُرادِفُ (ولَّى)، ولكنَّ زِيادةَ المَبْنى مِن شأْنِها أنْ تَقتضِيَ زِيادةَ المعنى، فيكون (تولَّى) أشَدَّ مِن (ولَّى) [317] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/101، 102). .
- قولُه: فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ أعقَبَ إيواءَه إلى الظِّلِّ بمُناجاتِه ربَّه، إذ قال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ؛ لَمَّا استراح مِن مَشقَّةِ الـمَـتْحِ -أي: استخراجِ الدَّلوِ مِن البِئرِ وجَذبِها- والسَّقيِ لِماشيةِ المَرأتينِ، والاقتِحامِ بها في عَددِ الرِّعاءِ العَديدِ، ووَجَد بَرْدَ الظِّلِّ؛ تَذكَّرَ بهذه النِّعمةِ نِعَمًا سابقةً أسْداها اللهُ إليه؛ مِن نَجاتِه مِن القَتْلِ، وإيتائِه الحِكمةَ والعِلْمَ، وتَخليصِه مِن تَبِعةِ قتْلِ القِبطيِّ، وإيصالِه إلى أرضٍ مَعمورةٍ بأُمَّةٍ عظيمةٍ بعدَ أنْ قَطَعَ فَيافِيَ ومَفازاتٍ؛ تَذكَّرَ جميعَ ذلك وهو في نِعمةِ بَرْدِ الظِّلِّ، والرَّاحةِ مِن التَّعبِ، فجاء بجُملةٍ جامعةٍ للشُّكرِ والثَّناءِ والدُّعاءِ، وهي: إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ؛ فقولُه:   إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ شُكرٌ على نِعَمٍ سلَفَت، وثَناءٌ على اللهِ بأنَّه مُعطِي الخيرِ. والخيرُ: ما فيه نفْعٌ ومُلاءمةٌ لِمَن يَتعلَّقُ هو به؛ فمنه خيرُ الدُّنيا، ومنه خيرُ الآخرةِ الَّذي قد يُرى في صُورةِ مَشَقَّةٍ؛ فإنَّ العِبرةَ بالعواقبِ، وقد أراد النَّوعينِ، كما يَرمُزُ إلى ذلك التَّعبيرُ عن إيتائِه الخيرَ بفِعلِ أَنْزَلْتَ المُشعِرِ برِفعةِ المُعطِي، فأوَّلُ ذلك إيتاءُ الحِكمةِ والعلْمِ [318] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/102). .
- قولُه: إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، أي: إنِّي لأيِّ شَيءٍ أنزَلْتَ إلَيَّ: قليلٍ أو كثيرٍ، غَثٍّ أو سَمينٍ، لَـ فَقِيرٌ؛ فـ (ما) مَوصوفةٌ، والتَّنكيرُ للشُّيوعِ. ويَحتمِلُ أنْ يُرِيدَ: أي: إنِّي فقيرٌ مِنَ الدُّنيا؛ لِأجْلِ ما أنزَلْتَ إلَيَّ مِن خيرِ الدِّينِ، والغرَضُ منه إظهارُ التَّبجُّحِ والشُّكرِ على ذلك؛ فـ (ما) على هذا التَّأويلِ مَوصولةٌ، و(مِن) بَيانٌ، والتَّنكيرُ في (خيرٍ) للنَّوعِ والتَّعظيمِ. وفائدةُ الماضي في (مَا أَنْزَلْتَ) على التَّأويلِ الأوَّلِ للاستِعطافِ، أي: ربِّ إنِّي سائلٌ الآنَ ما كُنتُ أعْهَدُه في الأيَّامِ الماضيةِ ممَّا أسُدُّ به جَوعَتي مِن قليلٍ أو كثيرٍ، غثٍّ أو سَمينٍ؛ لأنِّي مُحتاجٌ إليه [319] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/402)، ((تفسير البيضاوي)) (4/175)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/34). .
4- قَولُه تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
- قولُه: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ في الكلامِ حَذفٌ، والتَّقديرُ: فذهَبَتا إلى أبِيهما مِن غيرِ إبطاءٍ في السَّقيِ، وقَصَّتا عليه أمْرَ الَّذي سقَى لهما، فأمَرَ إحداهما أنْ تَدعُوَه له، فجاءَتْه إحداهما [320] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/298). .
- وأشْعَرَت فاءُ التَّعقيبِ في قولِه: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا باستِجابةِ اللهِ له بأنْ ألْهَمَ أباهما أنْ يُرسِلَ وراءَه؛ لِيُنزِلَه عندَه، ويُزوِّجَه بِنتَه، فذلك يَضمَنُ له أُنسًا في دارِ غُربةٍ، ومَأوًى وعَشيرًا صالحًا. وتُؤذِنُ الفاءُ أيضًا بأنَّ شُعيبًا -على قولٍ في التَّفسيرِ- لم يَتريَّثْ في الإرسالِ وراءَه، فأرسَلَ إحدى البِنتَينِ اللَّتينِ سَقَى لهما، فجاءتْه وهو لم يَزُلْ عن مكانِه في الظِّلِّ [321] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/103). .
- وذكَرَ تَمْشِي؛ لِيَبْنِيَ عليه قولَه: عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، وإلَّا فإنَّ فِعلَ (جاءَتْه) مُغْنٍ عن ذِكْرِ تَمْشِي [322] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/103). .
- ولَمَّا كان الحياءُ كأنَّه مَرْكِبٌ لها؛ وهي متمكِّنةٌ منه مالِكةٌ لزِمامِه؛ عَبَّرَ بأداةِ الاستِعلاءِ؛ فقال: عَلَى اسْتِحْيَاءٍ أي: حياءٍ موجودٍ منها؛ لأنها كُلِّفَتِ الإتيانَ إلى رجُلٍ أجنبيٍّ تُكَلِّمُه وتُماشيه [323] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/268). .
- قولُه: عَلَى اسْتِحْيَاءٍ الاستحياءُ مُبالَغةٌ في الحياءِ، مِثلُ الاستجابةِ. وتَنكيرُ اسْتِحْيَاءٍ؛ للتَّفخيمِ [324] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/9)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/103). .
- قولُه: قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا استئافٌ مَبنيٌّ على سُؤالٍ نشَأَ مِن حِكايةِ مَجيئِها إيَّاه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ كأنَّه قِيلَ: فماذا قالتْ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؟ فقيلَ: قالتْ:... [325] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/9). .
- وتأكيدُ الجُملةِ في قولِه: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ حِكايةٌ لِمَا في كَلامِها مِن تَحقيقِ الخبرِ؛ للاهتِمامِ به، وإدخالِ المَسرَّةِ على المُخبَرِ به [326] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/104). .
- قَولُه: فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ لَمَّا كان مِن المعلومِ أنَّه لا عِيشةَ لخائفٍ؛ فكان أهَمُّ ما إلى الإنسانِ الأمانَ؛ قدَّمَ له التَّأمينَ، يعني: تقديمَ قولِه: لَا تَخَفْ قبْلَ قولِه: نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [327] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/268). .
- وجُملةُ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ تَعليلٌ للنَّهيِ عن الخَوفِ [328] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/105). .