موسوعة التفسير

سورة هود
الآيات (69-76)

ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ

غريب الكلمات:

حَنِيذٍ: أي: مَشويٍّ، وأصلُ (حنذ): يدلُّ على إنضاجِ شَيءٍ [758] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 205)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 191)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/109)، ((المفردات)) للراغب (ص: 260)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 236)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 410). .
نَكِرَهُمْ: أي: أنكَرَهم، وأصلُ (نكر): يدُلُّ على خِلافِ المَعرفةِ [759] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 205)، ((تفسير ابن جرير)) (12/472)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 463)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/476). .
بَعْلِي: بَعْل المرأةِ زَوجُها [760] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 122)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/264)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 110). .
الرَّوْعُ: أي: الفَزَعُ والخَوفُ، وأصلُ (روع): يدلُّ على فَزَعٍ [761] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/459)، ((المفردات)) للراغب (ص: 373)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 164)، ((تفسير القرطبي)) (9/72)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 236)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 480). .
أَوَّاهٌ: أي: كثيرُ التضَرُّعِ والتأوُّهِ شَفَقًا وفَرَقًا، وأصلُها يدُلُّ على التحَزُّنِ [762] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12، 493)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 62)، ((المفردات)) للراغب (ص: 101)، ((لسان العرب)) لابن منظور (13/472). .

مشكل الإعراب:

قولُه تعالى: قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
سَلَامًا: مفعولٌ به منصوبٌ بـ قَالُوا، أو مفعولٌ مُطلَقٌ لفِعلٍ مَحذوفٍ تقديرُه: نُسَلِّمُ، وذلك الفِعلُ في محلِّ نصبٍ بالقَوْلِ، تقديرُه: قالوا: نُسَلِّمُ سلامًا. سَلَامٌ: مبتدأٌ وخبَرُه محذوفٌ، أي: سلامٌ عليكم. أو خبَرُ مبتدأٍ مَحذوفٍ، أي: أمري أو قَولي سلامٌ.
أَنْ جَاءَ: في محلِّ نَصبٍ أو جرٍّ على نَزعِ الخافِضِ، تقديرُه: فما تأخَّرَ إبراهيمُ عن أن جاء. وقيل: في محَلِّ رفعٍ فاعِلُ لَبِثَ والتَّقديرُ:  فما لَبِثَ مجيئُه، أي: ما أبطأَ ولا تأخَّرَ مجيئُه بعِجلٍ [763] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/368- 369)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/705-706)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/351-353). .

المعنى الإجمالي:

يُخبرُ اللهُ تعالى أنَّه قد جاءت الملائكةُ إبراهيمَ يُبَشِّرونَه هو وزوجَه سارَة بإسحاقَ، ويعقوبَ مِن بَعدِه، قالوا: سلامًا، فقال ردًّا على تحيَّتِهم: سلامٌ، فذهبَ سريعًا، وجاءَهم بعِجلٍ مَشويٍّ ليأكلوا منه، فلمَّا رأى إبراهيمُ عليه السَّلامُ أيديَهم لا تَصِل إلى العِجلِ الذي أتاهم به، ولا يأكلونَ منه، أنكرَ ذلك منهم، وأحسَّ في نفسِه خيفةً وأضمَرَها، فقالت الملائكةُ لَمَّا رأت ما بإبراهيمَ مِن الخَوفِ: لا تَخَفْ؛ إنَّا ملائكةُ رَبِّك أُرسِلْنا إلى قومِ لُوطٍ لإهلاكِهم، وامرأةُ إبراهيمَ سارَّةُ كانت قائمةً مِن وراءِ السِّترِ تَسمعُ الكلامَ، فضَحِكَت تعجُّبًا ممَّا سَمِعَت، فبَشَّرْناها على ألسِنةِ الملائكةِ بأنَّها ستلِدُ مِن زوجِها إبراهيمَ ولدًا يُسمَّى إسحاقَ، وسيعيشُ ولَدُها، وسيكونُ لها بعد إسحاقَ حفيدٌ منه، وهو يعقوبُ، عليهم السَّلامُ.
قالت سارَةُ لَمَّا بُشِّرَت بإسحاقَ مُتعجِّبةً: يا ويلتا، كيف يكونُ لي ولدٌ وأنا عجوزٌ، وهذا زوجي في حالِ الشَّيخوخةِ والكِبَرِ؟! إنَّ إنجابَ الولَدِ مِن مِثلي ومِثلِ زَوجي مع كِبَرِ السِّنِّ لَشيءٌ عجيبٌ، فقالت الرسُلُ لها: أتعجَبينَ مِن أمرِ الله وقضائِه؟ رحمةُ اللهِ وبَركاتُه عليكم معشرَ أهلِ بيتِ النبُوَّةِ؛ إنَّه سبحانه وتعالى حميدُ الصِّفاتِ والأفعالِ، ذو مَجدٍ وعظمةٍ فيها. فلمَّا ذهب عن إبراهيمَ الخَوفُ، وجاءته البُشرى بإسحاقَ ويعقوبَ؛ أخذ يجادِلُ رُسُلَنا فيما أرسَلْناهم به من عقابِ قَومِ لوطٍ وإهلاكِهم؛ إنَّ إبراهيمَ كثيرُ الحِلمِ لا يحِبُّ المُعاجَلة بالعِقابِ، كثيرُ التضَرُّعِ إلى اللهِ والدُّعاءِ له، رجَّاعٌ إلى اللهِ في أمورِه كُلِّها. فقالت الملائكةُ لإبراهيمَ عليه السَّلامُ: يا إبراهيمُ أعرِضْ عن هذا الجِدالِ في أمرِ قَومِ لوطٍ، والتِماسِ الرَّحمةِ لهم؛ فإنه قد حَقَّ عليهم العذابُ، وجاء أمرُ رَبِّك الذي قدَّرَه عليهم بهلاكِهم، وإنَّهم نازِلٌ بهم عذابٌ مِن اللهِ، غيرُ مصروفٍ عنهم ولا مَدفوعٍ.

تفسير الآيات:

وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا انقَضَت القِصَّةُ السَّابقةُ على هذا الوجهِ الرَّائع، أتبَعَها قصةَ لوطٍ عليه السَّلامُ؛ إذ كانت أشهرَ الوقائعِ بعدَها، وقَدَّمَ عليها ما يتعلَّقُ بها مِن أمرِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ وذِكرِ بُشْراه؛ لِما في ذلك كلِّه مِن التَّنبيهِ لِمن تعنَّتَ بطَلبِ إنزالِ الملائكةِ في قَولِهم: أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ [هود:12] ، هذا مع ما في ذلك مِن مُناسبةِ أمرِ هذا الولَدِ لأمرِ النَّاقةِ، في تكوينِ كُلٍّ منهما بخارِقٍ للعادةِ؛ إشارةً إلى تمامِ القُدرةِ وكَمالِ العِلمِ المبنيِّ عليه أمرُ السُّورةِ في إحكامِ الكِتابِ وتَفصيلِه، وتَناسُب جِدالَي نوحٍ وإبراهيمَ عليهما السَّلامُ؛ فكلٌّ منهما كان مُشفِقًا على الكافرينَ، يرجو نجاتَهم من العذابِ [764] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/328). .
وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى.
أي: ولقد جاءت رسُلُنا مِن الملائكةِ نبيَّنا إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالبِشارةِ بالولَدِ [765] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/465، 466)، ((تفسير السعدي)) (ص: 385)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/116)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/185). .
قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ.
أي: سلَّمَ الملائكةُ على إبراهيمَ سَلامًا، فقال إبراهيمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لهم: سلامٌ عليكم [766] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/466)، ((الوسيط)) للواحدي (2/581)، ((تفسير السعدي)) (ص: 385). .
كما قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [الذاريات: 24- 25].
فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ.
أي: فما تأخَّرَ إبراهيمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن المجيءِ مِن بَيتِه بعِجلٍ مَشويٍّ لضُيوفِه [767] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/467)، ((تفسير البيضاوي)) (3/141)، ((تفسير ابن كثير)) (4/332، 333). .
كما قال تعالى: فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ [الذاريات: 26- 27].
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70).
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً.
أي: فلمَّا رأى إبراهيمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أيديَ ضُيوفِه لا تصِلُ إلى العِجلِ المشويِّ الذي أتاهم به، أنكَرَهم، وأضمرَ في نَفسِه خوفًا منهم [768] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/470، 472)، ((البسيط)) للواحدي (11/471، 472)، ((تفسير القرطبي)) (9/65)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/186). .
قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ.
أي: قالت الملائكةُ لإبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: لا تخَفْ منَّا؛ فإنَّا ملائِكةٌ أرسَلَنا اللهُ إلى قومِ لوطٍ لإهلاكِهم بالعذابِ [769] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/472)، ((الوسيط)) للواحدي (2/581)، ((تفسير السعدي)) (ص: 386). .
كما قال تعالى: فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ [الذاريات: 28].
وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71).
وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ.
أي: وامرأةُ إبراهيمَ قائمةٌ [770] قال ابن جرير: (قَائِمَةٌ قيل: كانت قائمةً من وراءِ السِّترِ تستمِعُ كلامَ الرسُلِ، وكلامَ إبراهيمَ عليه السَّلام. وقيل: كانت قائمةً تخدُم الرسُلَ، وإبراهيمُ جالسٌ مع الرُّسُل). ((تفسير ابن جرير)) (12/472). فضَحِكَت [771] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/472، 478)، ((تفسير ابن كثير)) (4/333، 334)، ((تفسير السعدي)) (ص: 386). قيل: ضَحِكَت تعجُّبًا من غَفلةِ قَومِ لُوطٍ عمَّا قد أحاط بهم من عذابِ الله. وممَّن اختار ذلك: ابنُ جريرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/478). وممن قال بهذا القول من السلف قتادة. يُنظر:  ((تفسير ابن جرير)) (12/474). وقيل: ضَحِكَت استبشارًا بهلاكِ قومِ لوطٍ؛ لكثرة فسادِهم، وغِلظِ كُفرِهم وعنادِهم. وممَّن اختار ذلك: ابنُ كثيرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/333). وقيل غير ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/386، 387). وقال ابنُ جزي: (واختلفوا مِن أيِّ شيءٍ ضحِكت، فقيل: سرورًا بالولدِ الذي بُشِّرت به، ففي الكلامِ على هذا تقديمٌ وتأخيرٌ، وقيل: سرورًا بالأمنِ بعدَ الخوفِ، وقيل: سرورًا بهلاكِ قومِ لوطٍ). ((تفسير ابن جزي)) (1/374). .
فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ.
أي: فبشَّرنا امرأةَ إبراهيمَ بإسحاقَ ابنًا لها، ووَهْبنا لها مِن بعدِ إسحاقَ يعقوبَ ابنًا لابنِها [772] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/478)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/62)، ((تفسير القرطبي)) (9/69)، ((تفسير ابن كثير)) (4/334). .
قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72).
قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا.
أي: قالت امرأةُ إبراهيمَ متَعَجِّبةً: يا ويلتَى [773] قال ابنُ جريرٍ: (هي كلِمةٌ تقولُها العربُ عندَ التعجُّبِ مِن الشيءِ، والاستنكارِ للشَّيءِ). ((تفسير ابن جرير)) (12/484). أيكونُ لي ولدٌ، وأنا عجوزٌ لا يلِدُ مثلي، وهذا زوجي إبراهيمُ شَيخًا كبيرًا، لا يُولَدُ لِمِثلِه [774] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/483 - 485)، ((الوسيط)) للواحدي (2/582)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/107). ؟!
كما قال تعالى: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الذاريات: 29- 30].
إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ.
أي: قالت امرأةُ إبراهيمَ: إنَّ ولادتي وأنا وزوجي على السِّنِّ التي نحن بها، لشيءٌ غريبٌ، لم تجرِ به العادةُ [775] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/485)، ((تفسير القرطبي)) (9/70)، ((تفسير القاسمي)) (6/116). !
قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73).
قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ.
أي: قالت الملائكةُ لها: أتعجَبينَ مِن شَيءٍ قضاه الله بمشيئَتِه وقُدرتِه [776] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/485)، ((تفسير ابن كثير)) (4/334)، ((تفسير السعدي)) (ص: 386). ؟!
رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ.
أي: رَحمةُ اللهِ وإحسانه وخَيراتُه النَّامِيةُ المُتكاثِرةُ عليكم يا أهلَ بيتِ إبراهيمَ عليه السلامُ [777] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/485)، ((تفسير البغوي)) (2/457)، ((تفسير أبي السعود)) (4/226)، ((تفسير السعدي)) (ص: 386). قال ابن عطية: (يحتمِلُ اللَّفظُ أن يكونَ دُعاءً، وأن يكونَ إخبارًا، وكونُه إخبارًا أشرفُ؛ لأنَّ ذلك يقتضي حصولَ الرَّحمةِ والبَرَكةِ لهم، وكونُه دعاءً إنَّما يقتضي أنَّه أمرٌ يُترجَّى، ولم يتحَصَّلْ بعدُ). ((تفسير ابن عطية)) (3/191). .
إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ.
أي: إنَّ اللهَ محمودٌ في جميعِ صِفاتِه وأفعالِه وأقوالِه، ذو عَظَمةٍ وسَعةٍ في صفاتِ كمالِه [778] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/485)، ((تفسير القرطبي)) (9/71)، ((تفسير ابن كثير)) (4/335)، ((تفسير السعدي)) (ص: 386). .
عن أبي حُمَيدٍ السَّاعديِّ رَضِيَ الله عنه، أنَّهم قالوا: ((يا رسولَ اللهِ كيف نصلِّي عليك؟ فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وأزواجِه وذرِّيَّتِه، كما صلَّيتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمَّدٍ وأزواجِه وذرِّيَّتِه، كما باركتَ على آلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حميدٌ مَجيدٌ )) [779] أخرجه البخاري (3369)، واللفظ له، ومسلم (407). .
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74).
أي: فلمَّا زال عن إبراهيمَ الخَوفُ مِن رُسُلِنا حين لم يأكُلوا، وجاءَتْه البُشرى منهم بإسحاقَ فطابت نفسُه، وأعلَموه بهلاكِ قَومِ لوطٍ- أخذ يحاجِجُ الملائكةَ في إهلاكِ قَومِ لوطٍ [780] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/486، 488)، ((تفسير ابن كثير)) (4/335)، ((تفسير السعدي)) (ص: 386). قال الواحدي: (معنى يُجَادِلُنَا يجادِلُ رسُلَنا من الملائكةِ، في قولِ جميع المفسرين). ((البسيط)) (11/490). وقال القرطبي: (يُجَادِلُنَا أي: يجادِلُ رُسُلَنا، وأضافه إلى نفسِه تعالى؛ لأنَّهم نزلوا بأمرِه). ((تفسير القرطبي)) (9/72). وقال الشنقيطي: (حاصِلُ جِدالِه لهم أنَّه يقولُ: إن أهلكتُم القريةَ وفيها أحدٌ من المؤمنينَ، أهلكتُم ذلك المؤمِنَ بغير ذنبٍ، فأجابوه عن هذا بقولِهم: نحن أعلمُ بمَن فيها). ((أضواء البيان)) (2/187). .
كما قال تعالى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [العنكبوت: 31- 32] .
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75).
أي: إنَّ إبراهيمَ لبطيءُ الغضَبِ، واسِعُ الصَّدرِ، متذلِّلٌ إلى ربِّه، كثيرُ التضَرُّعِ إليه بالدُّعاءِ، رجَّاعٌ إلى اللهِ بطاعتِه ومَعرفتِه ومحبَّتِه، ورجَّاعٌ في جميعِ أمورِه إلى اللهِ [781] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/44، 488)، ((تفسير القرطبي)) (9/73)، ((تفسير السعدي)) (ص: 386). .
يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا كان أكثَرُ مُجادَلةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ لِما عِندَه من الشَّفَقةِ على عبادِ اللهِ؛ لِما له مِن هذه الصِّفاتِ الجليلةِ- أعلَمَه اللهُ أنَّ الأمرَ قد حُسِم؛ بقَولِه حكايةً على لسانِ الرُّسُلِ [782] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/333-334). :
يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا.
أي: قالت الملائِكةُ لإبراهيمَ: يا إبراهيمُ، اترُكِ الجِدالَ في أمرِ قَومِ لوطٍ [783] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/494)، ((تفسير الرازي)) (18/377)، ((تفسير القرطبي)) (9/73). .
إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ.
أي: إنَّه قد أتى أمرُ رَبِّك بهلاكِ قَومِ لوطٍ، فلا فائدةَ في جِدالِك عنهم [784] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/494)، ((تفسير القرطبي)) (9/73)، ((تفسير السعدي)) (ص: 386). .
وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ.
أي: وإنَّ قومَ لوطٍ نازِلٌ بهم عذابٌ غيرُ مَدفوعٍ عنهم، ولا مَصروفٍ [785] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/494)، ((تفسير القرطبي)) (9/73). .

الفوائد التربوية :

1- قولُ الله تعالى: فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فيه مشروعيَّةُ الضِّيافةِ والمبادرة إليها، واستحبابُ مبادرةِ الضَّيفِ بالأكلِ منها [786] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص:151). . وفيه تَقديمُ ما يتيسَّرُ من الموجودِ في الحالِ، ثمَّ يُتبِعُه بغَيرِه إن كان له جِدَةٌ، ولا يتكَلَّف ما يضُرُّ به [787] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (10/523). .
2- في قَولِه تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى وقَولِه تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ دَلالةٌ على استحبابِ بِشارةِ مَن وُلِدَ له وَلَدٌ، وتهنِئتِه [788] يُنظر: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 27). .
3- قولُ الله تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فيه أنَّ السَّلامَ قبلَ الكلامِ [789] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 385). .
4- قولُ الله تعالى: قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فيه مشروعيَّةُ السَّلامِ، وأنَّه لم يزَلْ مِن ملَّةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ [790] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 385). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُ الله تعالى: قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ يدلُّ على أنَّ تحيَّةَ الملائكةِ (السلام)، كتحيَّةِ بني آدمَ [791] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:151). .
2- قولُ الله تعالى: قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فيه أنَّ ردَّ السلامِ واجبٌ، وبدأه سنةٌ، وذلك لأنَّ التعبيرَ بالمصدرِ مرفوعًا هو سبيلُ الواجباتِ، والتعبيرُ به منصوبًا هو سبيلُ المندوباتِ؛ فالجملةُ الاسميةُ أثبتُ وآكدُ مِن الجملةِ الفعليةِ [792] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/246)، ((تفسير أبي حيان)) (2/151)، ((الإتقان)) للسيوطي (2/379). .
3- قَولُ الله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرنَاهَا بِإِسْحَاقَ إنَّما بَشَّروها دونَ إبراهيمَ عليه السَّلامُ؛ لأنَّ المرأةَ أعجَلُ فَرَحًا بالولَدِ، ولأنَّ إبراهيمَ قد بشَّروه وأمَّنوه مِن خوفِه، فأتبَعوا بِشارتَه ببشارتِها. وفيه وجه آخر: أنَّها خُصَّت بالبِشارةِ؛ حيث لم يكنْ لها ولَدٌ، وكان لإبراهيمَ عليه السَّلامُ ولَدُه إسماعيلُ [793] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/182). .
4- قَولُ الله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرنَاهَا بِإِسْحَاقَ يدلُّ على أنَّ إسماعيلَ هو الذَّبيحُ؛ لأنَّ سارَةَ حين أخدَمَها المَلِكُ الجبَّارُ هاجَرَ أُمَّ إسماعيلَ كانت شابَّةً جميلةً، فاتَّخذَ إبراهيمُ هاجرَ سُرِّيَّةً، فغارت منها سارَةُ، فخرج بها وبابنِها إسماعيلَ مِن الشَّامِ إلى مكَّة، ثمَّ كانت البِشارةُ بإسحاقَ وسارَةُ عجوزٌ [794] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/182-183). .
5- قَولُ الله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قد يُستدَلُّ به على جوازِ مُراجعةِ [795] والمراجعةُ هنا بمعنى رَدِّ القَولِ ومُعاوَدتِه والمُناظَرةِ فيه. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/282)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 119). المرأةِ [796] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:151). .
6- في قولِه تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ دلالةٌ على أنَّ الذَّبيحَ ليس هو إسحاقَ، فكيف يأمرُ بعد ذلك بذَبحِه؛ والبشارةُ بيعقوبَ تقتضي أنَّ إسحاقَ يعيشُ ويُولدُ له يعقوبُ [797] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/335). .
7- في قولِه تعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ دلالةٌ على أنَّ الرجُلَ يدخُلُ في أهلِ بيتِه، كما دخل إبراهيمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في قولِ الملائكةِ: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [798] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (2/282). .
8- قَوله تعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ يُستدلُّ به على جوازِ الدُّعاءِ بالرَّحمةِ للنبيِّ [799] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (5/176). .
9- قَولُ الله تعالى: قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ خِطابُ الملائكةِ إيَّاها بقَولِهم: أَهْلَ الْبَيْتِ دليلٌ على اندراجِ الزَّوجةِ في أهلِ البَيتِ [800] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/184-185). ؛ لأنَّ الملائكةَ خاطبوا سارَةَ بأهلِ البيتِ، وسَمَّوها أهلَ بيتِ إبراهيم، وفي هذا دليلٌ على أنَّ أزواجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أهلِ بيتِه؛ تكذيبًا لِمن أنكرَ ذلك، فعائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها وغيرُها مِن جملةِ أهلِ بيتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ممَّن قال اللهُ فيهم: وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [801] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (11/487)، ((تفسير القرطبي)) (9/71). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
- قولُه: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى فيه تأكيدُ الخبَرِ بحَرْفِ (قَدْ)؛ للاهتِمام به [802] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/115). .
- وقُدِّمَت قِصَّةُ إبراهيمَ؛ لأنَّ الغرَضَ مِن هذه القِصَّةِ الموعظةُ بمَصيرِ قومِ لوطٍ؛ إذ عصَوْا رسولَ ربِّهم، فحَلَّ بهم العذابُ، ولم تُغْنِ عنهم مُجادَلةُ إبراهيمَ، وللتَّنويهِ بمَقامِه عِندَ ربِّه على وجْهِ الإدماجِ؛ ولذلك غيَّر أسلوبَ الحكايةِ في القَصصِ الَّتي قَبْلَها والَّتي بعدَها نحوُ وَإِلَى عَادٍ... [803] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/116). [هود: 50] .
- قولُه: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى، أسنَد إليهم مُطلَقَ المَجيءِ بالبُشْرى دونَ الإرسالِ؛ لأنَّهم لم يَكونوا مُرسَلين إليه عليه السَّلامُ، بل إلى قومِ لوطٍ؛ لقولِه تعالى: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وإنَّما جاؤوه لِداعيةِ البُشْرى [804] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/224). .
- وجملةُ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ في موضعِ البَيانِ للبُشْرى؛ لأنَّ قولَهم ذلك مَبدَأُ البُشْرى، وإنَّ ما اعتَرَض بينَها حكايةُ أحوالٍ، وقد انتَهى إليها في قولِه: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ إلى قولِه: إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [805] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/116). .
- والمخالَفةُ بينَ (سلامًا، وسلامٌ) في قولِه: قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ؛ للدَّلالةِ على أنَّ إبراهيمَ عليه السَّلامُ ردَّ السَّلامَ بعبارةٍ أحسَنَ مِن عبارةِ الرُّسلِ؛ زِيادةً في الإكرامِ؛ وذلك لأنَّ سَلَامًا الَّتي هي مِن قولِ الملائكةِ: مفعولٌ مُطلَقٌ وقَع بدَلًا مِن الفِعْلِ، والتَّقديرُ: سلَّمْنا سَلامًا؛ فجُملَتُه فِعليَّةٌ، وسَلَامٌ الَّتي هي مِن قولِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ: خبَرٌ لِمُبتدَأٍ مَحذوفٍ، تَقديرُه: أَمْري سَلامٌ، فجملتُه اسميَّةٌ، ورَفْعُ المصدَرِ أبلَغُ مِن نَصْبِه؛ فهو أدَلُّ على الدَّوامِ والثَّباتِ؛ لِكَونِ جُملَتِه اسميَّةً؛ للدَّلالةِ على ثَباتِ السَّلامِ، كأنَّه قصَد أنْ يُحيِّيَهم بأحسَنَ مِمَّا حيَّوْه به؛ أخذًا بأدَبِ اللهِ تعالى، وهذا أيضًا مِن إكْرامِه لهم؛ فحيَّا الخليلُ بأحسَنَ ممَّا حُيِّي به؛ نظَرًا إلى الأدَبِ الإلهيِّ الَّذي عَلَّمَه اللهُ عزَّ وجلَّ لنا في القرآنِ بقولِه: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [806] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/401)، ((تفسير ابن عطية)) (3/188)، ((تفسير أبي حيان)) (6/179)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/116- 117). [النساء: 86] ، وقَولُه: سَلَامٌ أكملُ من قولِه: (السلام)؛ لأنَّ التنكيرَ يفيدُ الكمالَ والمبالغةَ والتَّمامَ [807] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/69). .
وهناك وجهٌ آخرُ وهو: أنَّ النُّكتةُ في نَصْبِ سلامِ الملائكةِ، ورَفْعِ سلامِ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّ قولَه تعالى عن الملائكة: سَلَامًا لم يُقصدْ به حكايةُ سلامِ الملائكة! وإنما هو مفعولُ القولِ المفردِ، كأنه قيل: قالوا قولًا سلامًا؛ وقالوا سدادًا وصوابًا ونحو ذلك؛ فإنَّ القولَ إنما تُحكى به الجملُ، وأمَّا المُفردُ فلا يكون محكيًّا به، بل منصوبًا به انتصابَ المفعول به، وسُمِّيَ القولُ سلامًا؛ لأنَّه يؤدِّي معنى السلامِ ويتضمَّنُه، مِن رَفْعِ الوَحْشَةِ، وحصولِ الاستئناسِ، وأمَّا سلامُ إبراهيم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأتى به على لفْظِه مرفوعًا بالابتداءِ، مَحْكِيًّا بالقول، ولولا قَصْدُ الحكايةِ لقال: (سلامًا) بالنصب؛ لأنَّ ما بعدَ القولِ إذا كان مرفوعًا فعلى الحكايةِ ليس إلَّا، فحصَل مِن الفَرْقِ بين الكلامينِ في حكايةِ سلامِ إبراهيم ورفْعِهِ؛ ونَصْبِ سلامِ الملائكةِ: إشارةٌ إلى معنىً لطيفٍ جدًّا، وهو أنَّ قولَه (سلامٌ عليكم) هو مِن دين الإسلامِ المُتلقَّى عن إمامِ الحنفاءِ وأبي الأنبياءِ؛ وأنَّه مِن مِلَّةِ إبراهيمَ التي أَمَرَ اللهُ بها وباتِّبَاعِها، فحكَى لنا قولَه؛ ليَحْصُلَ الاقتداءُ به، والاتِّبَاعُ له، ولم يحكِ قولَ أضيافِه، وإنما أخْبَر به على الجملةِ دونَ التفصيلِ [808] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (2/158). .
- والفاءُ في قولِه: فَمَا لَبِثَ؛ للدَّلالةِ على التَّعقيبِ؛ إسراعًا في إكرامِ الضَّيفِ؛ ظنَّهم إبراهيمُ عليه السَّلامُ ناسًا، فبادَرَ إلى قِرَاهم [809] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/117). .
2- قولُه تعالى: فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ
- قولُه: وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً فيه تأخيرُ المفعولِ الصَّريحِ خِيفَةً عن الجارِّ والمجرورِ مِنْهُمْ؛ لأنَّ المرادَ الإخبارُ بأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أوجَسَ مِن جِهَتِهم شيئًا هو الخِيفةُ، لا أنَّه أوجَسَ الخِيفةَ مِن جِهَتِهِم، لا مِن جهةِ غيرِهم؛ وتأخيرُ ما حَقُّه التَّقديمُ يوجِبُ تَرقُّبَ النَّفسِ إليه، فيَتمَكَّنُ عِندَ وُرودِه عليها فَضْلَ تمَكُّنٍ [810] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/224- 225). .
- وجُملةُ قَالُوا لَا تَخَفْ جاءتْ مفصولةً عمَّا قبلَها، أي: لم تُعطَفْ عليها؛ لأنَّها أشبَهَتِ الجوابَ؛ لأنَّه لَمَّا أوجَس مِنهم خِيفةً ظهَر أثَرُها على مَلامِحِه، فكان ظهورُ أثَرِها بمنزلةِ قولِه: (إنِّي خِفتُ مِنكم)؛ ولذلك أجابوا ما في نفْسِه بقولِهم: لَا تَخَفْ، فحُكي ذلك عنهم بالطَّريقةِ الَّتي تُحْكَى بها المحاوَراتُ، أو هو جوابُ كلامٍ مقدَّرٍ دلَّ عليه قولُه: وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، أي: وقال لهم: إنِّي خفتُ منكم، كما حُكي في سورةِ الحِجْرِ: قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ [الحجر: 52] ، ومِن شأنِ النَّاسِ إذا امتَنَع أحَدٌ مِن قَبولِ طَعامِهم أن يَقولوا له: لعلَّك غادِرٌ أو عدُوٌّ، وقد كانوا يَقولون للوافِدِ: أحَرْبٌ أم سِلْمٌ [811] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/118). .
- وقولُهم: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ استئنافٌ مبيِّنٌ لسبَبِ مَجيئِهم [812] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/118). ، وحُذِفَ مُتعلَّقُ أُرْسِلْنَا إيجازًا؛ لِظُهورِه مِن هذه القصَّةِ وغيرِها، وعبَّر عن الأقوامِ المرادِ عَذابُهم بطَريقِ الإضافةِ قَوْمِ لُوطٍ؛ إذ لم يَكُنْ لأولئك الأقوامِ اسمٌ يَجمَعُهم، ولا يَرجِعون إلى نسَبٍ، بل كانوا خَليطًا مِن فَصائِلَ عُرِفوا بأسماءِ قُراهم [813] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/118). .
3- قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
- جملةُ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ تفريعٌ على جملةِ فَضَحِكَتْ باعتبارِ المعطوفِ، وهو وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ؛ لأنَّها ما ضَحِكَت إلَّا بَعْدَ أنْ بَشَّرَها الملائكةُ بابنٍ- وذلك على أحدِ الأقوالِ- فلمَّا تعجَّبَت مِن ذلك بشَّروها بابنِ الابنِ؛ زِيادةً في البُشْرى، والتَّعجُّبُ بأن يُولَدَ لها ابنٌ ويَعيشَ، وتَعيشَ هي حتَّى يُولَدَ لابْنِها ابنٌ، وذلك أدخَلُ في العجَبِ [814] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/119). .
- وقد اختُصِرَت هذِه القِصَّةُ هنا اختِصارًا بَديعًا؛ لِوُقوعِها في خلالِ الحوارِ بينَ الرُّسلِ وإبراهيمَ عليه السَّلامُ، وحكايةُ ذلك الحِوَارِ اقتَضَتْ إتمامَه بحكايةِ قولِهم: لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ [هود: 70] ، وأمَّا البُشْرى فقد حصَلَت قبلَ أن يُخبِروه بأنَّهم أُرسِلوا إلى قومِ لوطٍ، كما في آيةِ سورةِ الذَّارياتِ: فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ [الذاريات: 28]؛ فلمَّا اقتَضى ترتيبُ المحاوَرةِ تقديمَ جملةِ قَالُوا لَا تَخَفْ؛ حُكِيَت قصَّةُ البُشْرى وما تَبِعَها مِن المحاوَرةِ بطريقةِ الحالِ؛ لأنَّ الحالَ تَصلُحُ للقَبْليَّةِ وللمقارَنةِ وللبَعْديَّةِ، وهي الحالُ المقدَّرةُ [815] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/119). .
4- قوله تعالى: قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ
- قولُه: قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا الاستِفْهامُ في أَأَلِدُ مستعمَلٌ في التَّعجُّبِ [816] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/183)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/120). .
- وكِلْتا الجُملتَين: وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا وقعَتْ حالًا مِن الضَّميرِ في أَأَلِدُ؛ لِتَقريرِ ما فيه مِن الاستِبْعادِ وتَعليلِه، أي: أَأَلِدُ وكِلانا على حالةٍ مُنافِيَةٍ لذلك؟! وإنَّما قَدَّمَت بيانَ حالِها على بيانِ حالِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لأنَّ مُبايَنةَ حالِها لِمَا ذُكِرَ مِن الولادةِ أكثرُ؛ إذ رُبَّما يُولَدُ للشُّيوخِ مِن الشَّوابِّ، أمَّا العَجائزُ دَاؤُهن عَقامُ، ولأنَّ البِشارةَ مُتوجِّهةٌ إليها صَريحًا، ولأنَّ العكْسَ في البيانِ ربَّما يُوهِمُ مِن أوَّلِ الأمرِ نِسبةَ المانِعِ من الولادةِ إلى جانبِ إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وفيه ما لا يَخفْى مِن المحذورِ، واقتِصارُها الاستبعادَ على ولادتِها مِن غيرِ تَعرُّضٍ لحالِ النَّافلةِ؛ لأنَّها المستبعَدُ، وأمَّا وِلادةُ ولَدِها فلا يتَعلَّقُ بها استِبعادٌ [817] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/225). .
- قولُها: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ جملةٌ مؤكِّدةٌ لِصِيغةِ التَّعجُّبِ؛ فلذلك فُصِلَت عن الَّتي قبْلَها- أي: لم تُعطَفْ عليها- لكمالِ الاتِّصالِ [818] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/121). ، وهذه الجملةُ أيضًا لِتَعليلِ الاستبعادِ بطريقِ الاستِئْنافِ التَّحقيقيِّ، ومَقصِدُها استعظامُ نِعمةِ اللهِ تعالى عليها في ضِمْنِ الاستعجابِ العاديِّ، لا استِبْعادُ ذلك بالنِّسبةِ إلى قُدرتِه سبحانه وتعالى [819] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/226). .
5- قوله تعالى: قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ كلامٌ مُستأنَفٌ عُلِّل به إنكارُ التَّعجُّبِ، كأنَّه قيل: إيَّاكِ والتَّعجُّبَ؛ فإنَّ أمثالَ هذه الرَّحمةِ والبرَكةِ مُتكاثِرةٌ مِن اللهِ عليكم [820] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/411)، ((تفسير أبي حيان)) (6/184). .
- والاستفهامُ في أَتَعْجَبِينَ استفهامُ إنكارٍ لعَجَبِها [821] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/184). .
- وجُمْلَةُ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ تعليلٌ لإنكارِ تعجُّبِها؛ لأنَّ الإنكارَ في قوَّةِ النَّفيِ، فصار المعنى: لا عجَبَ مِن أمْرِ اللهِ؛ لأنَّ إعطاءَكِ الوَلَدَ رَحمةٌ مِن اللهِ وبرَكةٌ، فلا عجَبَ في تَعلُّقِ قُدرةِ اللهِ بها، وأنتم أهلٌ لتِلكَ الرَّحمةِ والبَرَكةِ، فلا عجَبَ في وُقوعِها عندَكم [822] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/122). .
- وتعريفُ الْبَيْتِ تعريفُ حُضورٍ، وهو البيتُ الحاضِرُ بينَهم الَّذي جَرى فيه هذا التَّحاوُرُ، أي: بَيْتُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، والمعنى: أهلَ هذا البيتِ [823] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/122). .
- وفيه صرْفُ الخطابِ مِن صيغةِ الواحدةِ: أَتَعْجَبِينَ إلى جمْعِ المذكَّرِ: عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؛ لِتَعميمِ حُكمِه لإبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أيضًا؛ لِيَكونَ جَوابُهم لها جَوابًا له أيضًا إنْ خطَر بِبَالِه مِثلُ ما خطَر ببالِها [824] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/226). .
- وجملةُ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ تَعليلٌ لِتَوجُّهِ رحمتِه وبرَكاتِه إليهم؛ بأنَّ اللهَ يَحمَدُ مَن يُطيعُه، وبأنَّه مَجيدٌ، أي: عَظيمُ الشَّأنِ، لا حَدَّ لنِعَمِه، فلا يَعظُمُ عليه أن يُعطِيَها ولَدًا، وفي اختيارِ وصْفِ الحميدِ مِن بينِ الأسماءِ الحُسْنى كِنايةٌ عن رِضا اللهِ تعالى على إبراهيمَ عليه السَّلامُ وأهلِه [825] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/122). .
6- قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ
- قولُه: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ الفاءُ لِرَبْطِ بعضِ أحوالِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ ببعضٍ، إثْرَ انفِصالِها بما ليس بأجنَبيٍّ مِن كلِّ وجهٍ، بل له مَدْخلٌ تامٌّ في السِّباقِ والسِّياقِ [826] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/226). .
- وفي قولِه: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ تأخيرُ الفاعلِ الرَّوْعُ عن الجارِّ والمجرورِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ لأنَّه مَصَبُّ الفائدةِ؛ فإنَّ بِتَأخيرِ ما حَقُّه التَّقديمُ تَبْقى النَّفسُ مُنتظِرةً إلى وُرودِه، فيتَمكَّنُ فيها عِندَ وُرودِه إليها فضْلَ تَمكُّنٍ [827] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/226). .
- والتَّعريفُ في الرَّوْعُ وفي البُشْرَى تعريفُ العهْدِ الذِّكْريِّ، وهما المذكورانِ آنفًا [828] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/123). .
- وقولُه: يُجَادِلُنَا هو جوابُ فَلَمَّا، وصِيغَ بصيغةِ المضارِعِ؛ لاستحضارِ الحالةِ العجيبةِ [829] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/412)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/123). .
- قولُه: لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (الأوَّاهُ) فيه كنايةٌ عن شِدَّةِ اهتمامِه عليه السَّلامُ بهُمومِ النَّاسِ، وأصلُه الَّذي يُكثِرُ التَّأوُّهَ [830] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/123). .
7- قوله: يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ
- جملةُ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا مَقولُ مَحذوفٍ دلَّ عليه المقامُ، وهو مِن بَديعِ الإيجازِ، وهو وَحيٌ مِن اللهِ إلى إبراهيمَ عليه السَّلامُ، أو جوابُ الملائكةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ؛ فإذا كان مِن كلامِ اللهِ فقولُه: أَمْرُ رَبِّكَ إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ؛ لإدخالِ الرَّوْعِ في ضميرِ السَّامعِ [831] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/124). .