موسوعة التفسير

سُورةُ القارِعَةِ
الآيات (1-11)

ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ

غريب الكلمات:

الْقَارِعَةُ: أي: القيامةُ الَّتي تَقرَعُ قُلوبَ العِبادِ بالمَخافةِ، وسُمِّيَت بذلك؛ لأنَّها تَقرَعُ النَّاسَ بالأهوالِ الشَّديدةِ، وأصلُ (قرع): يدُلُّ على ضَربِ الشَّيءِ [4] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 380)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/72)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 412). .
الْمَبْثُوثِ: أي: المنتَشِرِ المتفَرِّقِ، وأصلُ (بثث): يدُلُّ على التَّفريقِ [5] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 537)، ((المفردات)) للراغب (ص: 108)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 247). .
كَالْعِهْنِ: أي: الصُّوفِ المصبوغِ، وأصلُ (عهن): يدُلُّ على لِينٍ وسُهولةٍ [6] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 485)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/175)، ((المفردات)) للراغب (ص: 592)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 660). .
الْمَنْفُوشِ: أي: المفَرَّقِ بَعضُ أجزائِه عن بَعضٍ. والنَّفْشُ: تَشعيثُ الشَّيءِ بأصابِعِك حتَّى يَنتَشِرَ، وأصلُ ‌‌(نفش): يدُلُّ على انتِشارٍ [7] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/461)، ((البسيط)) للواحدي (24/264)، ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (17/421)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/512). .
هَاوِيَةٌ: الهاوِيةُ: المكانُ المنخَفِضُ بيْنَ الجَبَلَينِ الَّذي إذا سَقَط فيه إنسانٌ أو دابَّةٌ هلَك، يُقالُ: سَقَط في الهاويةِ، وأُريدَ بها هنا جهنَّمُ، وقيل: هي اسمٌ لجهنَّمَ. وأصلُ ‌‌(هوي): يدُلُّ على خُلُوٍّ وسُقوطٍ [8] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/15)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/514). .
حَامِيَةٌ: أي: شديدةُ الحرارةِ [9] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 270)، ((المفردات)) للراغب (ص: 258)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 218)، ((تفسير القرطبي)) (20/28). .

المعنى الإجمالي:

افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ مُفَخِّمًا شأنَ القيامةِ، قائِلًا سُبحانَه: القيامةُ الَّتي تَقرَعُ النَّاسَ وتُزعِجُهم، أيُّ شَيءٍ تلك القِيامةُ؟! وما الَّذي أعلَمَك -يا محمَّدُ- بتلك القارعةِ العَظيمةِ؟! يومَ يَخرُجُ النَّاسُ مِن قُبورِهم كالفَراشِ المنتَشِرِ المتفَرِّقِ، وتكونُ الجِبالُ كالصُّوفِ المندوفِ الَّذي يَتطايرُ في الجَوِّ.
ثمَّ بيَّن سُبحانَه أحوالَ السُّعداءِ والأشقياءِ في هذا اليومِ، فقال: فأمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوازينُ حَسَناتِه فهو في حياةٍ طَيِّبةٍ في الجنَّةِ، وأمَّا مَن خَفَّت موازينُ حَسَناتِه، فمَأْواه ومَسكَنُه جهنَّمُ البَعيدُ قَعْرُها، يَهْوِي فيها على رأسِه، وما الَّذي أعلَمَك -يا محمَّدُ- أيُّ شَيءٍ تلك الهاويةُ؟! هي نارٌ شَديدةُ الحَرارةِ.

تفسير الآيات:

الْقَارِعَةُ (1).
أي: السَّاعةُ الَّتي تَقرَعُ النَّاسَ وتُزعِجُهم، وذلك عندَ النَّفخِ في الصُّورِ [10] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/592)، ((تفسير ابن كثير)) (8/468)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/220)، ((تفسير السعدي)) (ص: 933)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 296). قال السعدي: (الْقَارِعَةُ مِن أسماءِ يومِ القيامةِ؛ سُمِّيَت بذلك لأنَّها تَقرَعُ النَّاسَ وتُزعِجُهم بأهوالِها). ((تفسير السعدي)) (ص:933). .
مَا الْقَارِعَةُ (2).
أيْ: أيُّ شَيءٍ تلك القارِعةُ المَهُولةُ [11] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/593)، ((تفسير القرطبي)) (20/164)، ((تفسير ابن كثير)) (8/468)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 296). ؟!
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3).
أي: وما الَّذي أعلَمَك -يا محمَّدُ- بتلك القارعةِ العَظيمةِ [12] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/593)، ((تفسير القرطبي)) (20/164)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 296). قال ابن جرير: (يقولُ تعالى ذِكْرُه لنَبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وما أشْعَرَك -يا محمَّدُ- أيُّ شَيءٍ القارِعةُ؟). ((تفسير ابن جرير)) (24/593). وقال ابنُ عاشور: (الخِطابُ في أَدْرَاكَ لغيرِ مُعَيَّنٍ، أي: وما أدراك أيُّها السَّامِعُ؟). ((تفسير ابن عاشور)) (30/511). ؟!
كما قال تعالى: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: 1 - 3] .
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان قولُه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ مُنبِئًا عن الوعدِ الكَريمِ بإعلامِها؛ أنْجَزَ ذلكَ بقولِه تعالَى [13] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/193). :
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4).
أي: يومَ يَخرُجُ النَّاسُ مِن قُبورِهم كالفَراشِ المنتَشِرِ المتفَرِّقِ [14] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/593)، ((تفسير ابن كثير)) (8/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 933)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 296). قال الشوكاني: (وانتصابُ الظَّرفِ بفعلٍ مَحْذوفٍ تَدُلُّ عليه القارِعةُ، أي: تَقرَعُهم يومَ يكونُ النَّاسُ... إلخ. ويجوزُ أنْ يكونَ منصوبًا بتقديرِ: اذكُرْ. وقال ابنُ عطيَّةَ ومَكِّيٌّ وأبو البقاءِ: هو منصوبٌ بنفْسِ القارِعةِ. وقيل: هو خبرُ مُبتدَأٍ محذوفٍ، وإنَّما نُصِب لإضافتِه إلى الفعلِ، فالفتحةُ فتحةُ بِناءٍ لا فتحةُ إعرابٍ، أي: هي يومَ يكونُ... إلخ. وقيل: التَّقديرُ: سَتَأْتيكم القارِعةُ يومَ يكونُ). ((تفسير الشوكاني)) (5/594). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/516)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/8409)، ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (2/838)، ((التبيان في إعراب القرآن)) لأبي البقاء العكبري (2/1301). وقال الواحديُّ: (الفَراشُ: ما تراه يتهافَتُ في النَّارِ، شبَّه النَّاسَ في وقتِ البَعثِ بالفَراشِ؛ لأنَّهم إذا بُعِثوا ماجَ بعضُهم في بعضٍ، والفَراشُ إذا ثار لم يتَّجِهْ لجهةٍ واحدةٍ؛ فدلَّ على أنَّهم إذا بُعِثوا فَزِعوا، فاختلَفوا في المقاصِدِ على جهاتٍ مُختلِفةٍ). ((الوسيط)) (4/546). .
ولَمَّا كانت الجِبالُ أشَدَّ ما تكونُ؛ عظَّم الرَّهبةَ بالإخبارِ بما يُفعَلُ بها، فقال تعالى [15] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/222). :
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5).
أي: وتكونُ الجِبالُ يومَ القيامةِ كالصُّوفِ المندوفِ الَّذي تتفَرَّقُ أجزاؤُه، وتتطايرُ في الجَوِّ [16] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/594)، ((الوسيط)) للواحدي (4/546)، ((تفسير البيضاوي)) (5/333)، ((تفسير ابن كثير)) (8/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 933). قال البِقاعي: (كَالْعِهْنِ أي: الصُّوفِ المصبوغِ؛ لأنَّها مُلوَّنةٌ، كما قال تعالى: وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ [فاطر: 27] ). ((نظم الدرر)) (22/222). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/594). .
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا وَصَف يومَ القيامةِ؛ قسَّمَ النَّاسَ فيه إلى قِسمَينِ [17] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/267). ، فقال تعالى:
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6).
أي: فأمَّا مَن ثَقُلَت موازينُ حَسَناتِه فرجَحَت على سيِّئاتِه [18] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/594)، ((الوسيط)) للواحدي (4/546)، ((تفسير ابن كثير)) (8/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 933). .
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7).
أي: فهو في حياةٍ طَيِّبةٍ في الجنَّةِ يَرضى عنها [19] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/595)، ((تفسير ابن كثير)) (8/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 933)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 298). .
كما قال تعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 8] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف: 107-108] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن يَدخُلُ الجنَّةَ يَنعَمُ لا يَبأَسُ، لا تَبلى ثِيابُه، ولا يَفنى شَبابُه !)) [20] رواه مسلم (2836). .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ وأبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يُنادي مُنادٍ: إنَّ لكم أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَموا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَحْيَوْا فلا تَموتوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَشِبُّوا فلا تَهْرَموا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَنْعَموا فلا تَبْأَسوا أبدًا )) [21] رواه مسلم (2837). .
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8).
أي: وأمَّا مَن خَفَّت مَوازينُ حَسَناتِه فرجَحَت سَيِّئاتُه على حَسَناتِه إن كانت له حَسَناتٌ [22] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/595)، ((الوسيط)) للواحدي (4/546)، ((تفسير ابن كثير)) (8/468)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/223). قال ابنُ عثيمين: (إمَّا أنَّه الكافِرُ الَّذي ليس له أيُّ حَسَنةٍ؛ لأنَّ حَسَناتِ الكافِرِ يُجازى بها في الدُّنيا، ولا تنفَعُه في الآخرةِ، أو أنَّه مُسلِمٌ، ولكِنَّه مُسرِفٌ على نَفْسِه، وسيِّئاتُه أكثَرُ). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 298). ويُنظر ما يأتي في الفوائدِ (ص: 190). .
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ.
أي: فمَأْواه ومَسكَنُه في مَوضِعٍ بَعيدٍ قَعْرُه، يَهْوِي فيه على رأسِه [23] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/595)، ((الوسيط)) للواحدي (4/546)، ((تفسير القرطبي)) (20/167)، ((تفسير ابن كثير)) (8/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 933)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/514، 515)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 298). قال ابنُ جُزَي: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ فيه ثلاثةُ أقوالٍ: أحَدُهما: أنَّ الهاويةَ جهنَّمُ؛ سُمِّيت بذلك لأنَّ النَّاسَ يَهْوُون فيها، أي: يَسْقُطون، و«أُمُّه» معناه: مَأْواه، كقَولِك: المدينةُ أمُّ فُلانٍ، أي: مَسْكَنُه، على التَّشْبيهِ بالأمِّ الوالِدةِ؛ لأنَّها مأوى الوَلَدِ ومَرجِعُه. الثَّاني: أنَّ الأمَّ هي الوالِدةُ، و«هاويةٌ»: ساقِطةٌ، وذلك عبارةٌ عن هلاكِه، كقَولِك: أُمُّه ثَكْلى: إذا هلَك. الثَّالِثُ: أنَّ المعنى: أمُّ رأسِه هاويةٌ في جهنَّمَ، أي: ساقِطةٌ فيها؛ لأنَّه يُطرَحُ فيها منكوسًا). ((تفسير ابن جزي)) (2/507). ممَّن اختار القَولَ الأوَّلَ -أنَّ أُمَّه بمعنى: مَأْواه ومَسْكَنُه-: الفَرَّاءُ، والزَّجَّاجُ، وابنُ أبي زَمَنِينَ، والواحِديُّ، والبَغَويُّ، والرَّسْعَنيُّ، والنَّسَفيُّ، والشَّوكانيُّ، والسعديُّ. يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/287)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/356)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/157)، ((الوسيط)) للواحدي (4/546)، ((تفسير البغوي)) (5/297)، ((تفسير الرسعني)) (8/717)، ((تفسير النسفي)) (3/674)، ((تفسير الشوكاني)) (5/595)، ((تفسير السعدي)) (ص: 933). وممَّن قال به مِنَ السَّلفِ: ابنُ زَيدٍ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/484). وممَّن اختار في الجُملةِ القَولَ الثَّانيَ -أي: أنَّ ذلك عبارةٌ عن هلاكِه-: الأخفَشُ، والمبَرِّدُ، وأبو عليٍّ الجُرْجانيُّ ونَسَبه إليهم الواحِديُّ، واختاره الزَّمخشريُّ. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (24/267)، ((تفسير الزمخشري)) (4/790). وقال ابنُ عُثَيمين: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ... يعني: أنَّه مآلُه إلى نارِ جَهنَّمَ -والعياذُ باللهِ-. وقيل: إنَّ المرادَ بالأُمِّ هنا: أمُّ الدِّماغِ، والمعنى: أنَّه يُلْقى في النَّارِ على أمِّ رأسِه -نسألُ اللهَ السَّلامةَ-. وإذا كانت الآيةُ تحتَمِلُ مَعنَيَينِ لا يترجَّحُ أحَدُهما على الآخَرِ ولا يَتنافيانِ، فإنَّه يُؤخَذُ بالمعنيَينِ جميعًا، فيُقالُ: يُرمَى في النَّارِ على أمِّ رأسِه، وأيضًا ليس له مأوًى ولا مَقصدٌ إلَّا النَّارُ). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 298). وقال ابنُ جريرٍ: (فمَأْواه ومَسْكَنُه الهاويةُ، الَّتي يَهوِي فيها على رأسِه في جهنَّمَ). ((تفسير ابن جرير)) (24/595). .
وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10).
أي: قال اللهُ مُفَخِّمًا شَأنَها، ومُعَظِّمًا أمْرَها: وما الَّذي أعلَمَك -يا محمَّدُ- أيُّ شَيءٍ تلك الهاويةُ [24] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/597)، ((الوسيط)) للواحدي (4/547)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/224)، ((تفسير السعدي)) (ص: 933)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 299). ؟!
نَارٌ حَامِيَةٌ (11).
أي: هي نارٌ قد بلغت الغايةَ في شِدَّةِ الحَرارةِ [25] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/597)، ((الوسيط)) للواحدي (4/547)، ((تفسير القرطبي)) (20/167)، ((تفسير السعدي)) (ص: 933)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/515). .
كما قال تعالى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون: 103] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ العَبدَ لَيتكَلَّمُ بالكَلِمةِ ما يَتبيَّنُ ما فيها، يَهوي بها في النَّارِ أبْعَدَ ما بيْنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ! )) [26] رواه البخاري (6477)، ومسلم (2988) واللَّفظُ له. .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((نارُكم هذه الَّتي يُوقِدُ ابنُ آدَمَ: جُزءٌ مِن سَبعينَ جُزءًا مِن حَرِّ جَهنَّمَ. قالوا: واللهِ إنْ كانت لَكافيةً يا رَسولَ اللهِ! قال: فإنَّها فُضِّلَت عليها بتِسْعةٍ وسِتِّينَ جُزءًا، كُلُّها مِثلُ حَرِّها )) [27] رواه البخاري (3265)، ومسلم (2843) واللَّفظُ له. .

الفوائد التربوية:

قال الله تعالى: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ، قُرِنَ بيْنَ النَّاسِ والجِبالِ؛ تَنبيهًا على تَأثيرِ تلك القارِعةِ في الجِبالِ حتَّى صارتْ كالعِهنِ المَنفوشِ! فكيف يكونُ حالُ الإنسانِ عندَ سَماعِها؟! فالوَيلُ ثمَّ الوَيلُ لابنِ آدَمَ إنْ لم تتدارَكْه رحمةُ رَبِّه [28] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/267)، ((تفسير أبي حيان)) (10/533). !

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ فيه سُؤالٌ: إذا أخبَرْتَ عن شَيءٍ بشَيءٍ فلا بُدَّ أن تَستفيدَ منه عِلمًا زائِدًا، وقَولُه: وَمَا أَدْرَاكَ يفيدُ كَونَه جاهِلًا به، فكيف يُعقَلُ أن يكونَ هذا خَبَرًا؟
الجوابُ: قد حصَلَ لنا بهذا الخبَرِ عِلمٌ زائِدٌ؛ لأنَّا كُنَّا نظُنُّ أنَّها قارعةٌ كسائرِ القوارعِ، فبهذا التَّجهيلِ عَلِمْنا أنَّها قارِعةٌ فاقت القوارِعَ في الهَولِ والشِّدَّةِ [29] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/266). .
2- كلُّ موضعٍ في القُرآنِ: وَمَا أَدْرَاكَ فقد عُقِّب ببيانِه؛ نحوُ قولِه تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، وقولِه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ، وكلُّ موضعٍ ذُكِر بلَفظِ: وَمَا يُدْرِيكَ لم يُعقَّبْ ببَيانِه، نحوُ قولِه تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [30] يُنظر: ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 5)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (2/597). [الشورى: 17] .
3- في قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ دليلٌ على أنَّ يومَ القيامةِ فيه موازينُ [31] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 299). قال الشنقيطي: (وظاهِرُ القُرآنِ تعَدُّدُ هذه الموازينِ؛ لأنَّه قال في سورةِ «الأنبياءِ»: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ... [الأنبياء: 47] ...، وقال في «القارعة»:... فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وقال في سورة «المؤمنون»: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ  ... [المؤمنون: 101 - 103] ؛ فهذه الآياتُ تعَبِّرُ بالجَمعِ في الميزانِ، وظاهِرُها التَّعَدُّدُ. وذهبت جماعةٌ مِن العُلَماءِ إلى أنَّ الميزانَ واحِدٌ). ((العذب النمير)) (3/76). وقال ابن عثيمين: (اختلَف العُلَماءُ في الميزانِ: هل هو واحِدٌ أو متعَدِّدٌ؛ على قولَينِ؛ وذلك لأنَّ النُّصوصَ جاءت بالنِّسبةِ للمِيزانِ مَرَّةً بالإفرادِ، ومرَّةً بالجَمعِ... والَّذي يظهَرُ -واللهُ أعلَمُ- أنَّ الميزانَ واحدٌ، لكِنَّه مُتعَدِّدٌ باعتبارِ المَوزونِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (2/43). وقال ابنُ حجر: (والَّذي يترجَّحُ: أنَّه ميزانٌ واحدٌ، ولا يُشكِلُ بكَثرةِ مَن يُوزَنُ عمَلُه؛ لأنَّ أحوالَ القيامةِ لا تُكَيَّفُ بأحوالِ الدُّنيا). ((فتح الباري)) (13/538). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، فيه سؤال: كيف قال فيمَن خفَّتْ موازينُه: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، أي: فمَسْكنُه النَّارُ، مع أنَّ كثيرًا مِن المؤمنينَ سيِّئاتُهم راجحةٌ على حَسَناتِهم؟
الجوابُ مِن وجهَينِ:
الوجهُ الأوَّلُ: قولُه فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ لا يدُلُّ على خُلودِه فيها، فيَسكُنُ المؤمنُ فيها بقدْرِ ما تَقتضيهِ ذُنوبُه، ثمَّ يَخرُجُ منها إلى الجنَّةِ.
الوجهُ الثَّاني: المُرادُ بخِفَّةِ الموازينِ خُلوُّها مِن الحَسَناتِ بالكُلِّيَّةِ، وتلك مَوازينُ الكفَّارِ [32] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 624). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، فيه سُؤالٌ: هذه الآيةُ الكريمةُ تدُلُّ على أنَّ الهاوِيةَ وَصْفٌ لا علَمٌ للنَّارِ؛ إذ تَنوينُها يُنافي كونَها اسمًا مِن أسماءِ النَّارِ؛ لأنَّها على تَقديرِ كَونِها مِن أسماءِ النَّارِ يَلزَمُ فيها المَنعُ مِن الصَّرفِ للعَلَميَّةِ والتَّأنيثِ. وقولُه تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ، يدُلُّ على أنَّ الهاوِيةَ مِن أسماءِ النَّارِ؟
الجوابُ: أنَّ في معنى قولِه تعالى: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ثلاثةَ أَوْجُهٍ للعُلماءِ، اثنانِ منها لا إشكالَ في الآيةِ عليهما، والثَّالثُ: هو الَّذي فيه الإشكالُ المَذكورُ. أمَّا اللَّذانِ لا إشكالَ في الآيةِ عليهِما:
فالأوَّلُ: أنَّ المعنى: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، أي: أُمُّ رَأسِه هاويةٌ في قَعرِ جهنَّمَ؛ لأنَّه يُطرَحُ فيها مَنكوسًا؛ رأسُه أسفَل ورِجلاهُ أعلى، ورُوِيَ هذا القولُ عن قَتادةَ وأبي صالحٍ وعِكْرِمةَ والكَلْبيِّ وغيرهِم، وعلى هذا القَولِ فالضَّميرُ في قولِه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، عائدٌ إلى مَحذوفٍ، دَلَّ عليه المَقامُ، أي: أُمُّ رأسِه هاويةٌ في نارٍ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ.
الوجهُ الثَّاني: أنَّه مِن قَولِ العَربِ إذا دَعَوْا على الرَّجُلِ بالهَلَكةِ، قالوا: (هَوَتْ أُمُّه)؛ لأنَّه إذا هوَى -أي: سقطَ وهلَكَ- فقد هَوَتْ أُمُّه ثكلًا وحُزنًا، وعلى هذا القَولِ فالضَّميرُ في قولِه: هِيَهْ، للدَّاهِيةِ الَّتي دَلَّ عليها الكلامُ.
الوجهُ الثَّالِثُ: الَّذي فيه الإشكالُ: أنَّ المعنى: فأُمُّه هاوِيةٌ، أي مَأْواهُ الَّذي يُحيطُ به ويَضُمُّهُ هاوِيةٌ، وهي النَّارُ؛ لأنَّ الأُمَّ تُؤوِي وَلَدَها وتَضُمُّه، والنَّارُ تَضُمُّ هذا العاصِيَ، وتكونُ مَأواهُ. والجوابُ على هذا القَولِ: أنَّه نكَّرَ الهاوِيةَ في مَحلِّ التَّعريفِ مِن أجْلِ الإشعارِ بخُروجِهم عن المَعهودِ للتَّفخيمِ والتَّهويلِ، ثمَّ بعْدَ إبهامِها لهذهِ النُّكتةِ، قَرَّرها بوَصفِها الهائلِ بقَولِه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ. وهذا الجوابُ الَّذي يَدخُلُ في حَدِّ نَوعٍ مِن أنواعِ البَديعِ المعنويِّ، يُسمِّيهِ عُلماءُ البَلاغةِ: (التَّجريدَ) [33] التَّجريد: هو اعتقادُ أنَّ في الشَّيءِ مِن نفْسِه معنًى آخَرَ كأنَّه مباينٌ له، فيخرجُ ذلك إلى ألفاظِه بما اعتقَد ذلك؛ كقولِهم: لئن لَقيتَ زَيدًا لَتلقيَنَّ معه الأسدَ؛ فظاهرُ هذا أنَّ فيه مِن نفْسِه أسدًا، وهو عَيْنُه هو الأسدُ، لا أنَّ هناك شيئًا منفصلًا. ويُطلقُ عندَ البعضِ على عطفِ الخاصِّ على العامِّ؛ كأنَّ الخاصَّ جُرِّد مِن العامِّ، وأُفرِد بالذِّكرِ؛ تفضيلًا. وله إطلاقاتٌ أخرى في البديعِ والمعاني. يُنظر: ((التبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 160 - 163)، ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/448)، ((موجز البلاغة)) لابن عاشور (ص: 165، 166)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 243، 244). ، فالنَّارُ سُمِّيَت الهاوِيةَ لغايةِ عُمْقِها، وبُعْدِ مَهْواها، وخَصَّها البعضُ بالبابِ الأسفلِ مِن النَّارِ، فانتَزعَ منها هاوِيةً أُخرى مِثلَها في شِدَّةِ العُمقِ وبُعْدِ المَهوَى مُبالغةً في عُمْقِها، وبُعْدِ مَهْواها [34] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب)) للشنقيطي (ص:284-286). .
6- قال اللهُ تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ هاءُ السَّكْتِ إشارةٌ إلى أنَّ ذِكْرَها ممَّا يَكرُبُ القَلبَ حتَّى لا يَقدِرَ على الاستِرسالِ في الكلامِ، أو إلى أنَّها مما يَنبغي للسَّامِعِ أن يَقرَعَ بهذا الاستِفهامِ عنها سَمْعَه فيَسكُتَ لسَماعِ الجَوابِ وفَهْمِه غايةَ السُّكوتِ، ويُصغِيَ غايةَ الإصغاءِ [35] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/224). .

بلاغة الآيات :

1- قولُه تعالَى: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ
- الافتِتاحُ بلَفظِ الْقَارِعَةُ افتِتاحٌ مُهوِّلٌ، وفيه تَشويقٌ إلى مَعرفةِ ما سيُخبَرُ به [36] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/509). .
- قولُه: الْقَارِعَةُ مَرفوعٌ إمَّا على الابتداءِ، ومَا الْقَارِعَةُ خبَرُه، ويكونُ هناك مُنتهى الآيةِ؛ فالمعْنى: القارعةُ شَيءٌ عَظيمٌ هي، وهذا يَجْري على أنَّ الآيةَ الأُولى تَنْتهي بقولِه: مَا الْقَارِعَةُ، وإمَّا أنْ تكونَ الْقَارِعَةُ الأوَّلُ مُستقِلًّا بنفْسِه، وعُدَّ آيةً عندَ أهلِ الكوفةِ، فيُقدَّرَ خبَرٌ عنه مَحذوفٌ، نحْوُ: القارعةُ قريبةٌ، أو يُقدَّرَ فِعلٌ مَحذوفٌ، نحْوُ: أتَتِ القارعةُ، ويكونَ قولُه: مَا الْقَارِعَةُ استئنافًا للتَّهويلِ [37] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/509، 510). .
- قولُه: مَا الْقَارِعَةُ (ما) الاستفهاميَّةُ خبَرٌ، والْقَارِعَةُ مُبتدَأٌ، لا بالعكسِ؛ لأنَّ مَحطَّ الفائدةِ هو الخبَرُ لا المُبتدأُ، ولا رَيبَ في أنَّ مَدارَ إفادةِ الهَولِ والفَخامةِ هاهنا هو كَلمةُ مَا لا الْقَارِعَةُ، أيْ: أيُّ شَيءٍ عَجيبٍ هيَ في الفَخامةِ والفَظاعةِ [38] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/192). ؟!
- وإعادةُ لَفظِ الْقَارِعَةُ إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ؛ عُدِلَ عن أنْ يُقالَ: القارعةُ ما هِيَهْ؛ لِما في لَفظِ القارعةِ مِن التَّهويلِ والتَّرويعِ [39] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/192)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/510). .
- وقولُه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ تَأكيدٌ لهَولِها وفَظاعتِها ببَيانِ خُروجِها عن دائرةِ عُلومِ الخلْقِ، على معْنى: أنَّ عِظَمَ شَأنِها بحيث لا تَكادُ تَنالُه دِرايةُ أحدٍ حتَّى يُدْريَك بها [40] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/193)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/511). .
- وفي قولِه: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ما يُعرَفُ في البَلاغةِ بالتَّكريرِ، والمرادُ به: تَهويلٌ لشَأنِها، وتَفخيمٌ لفَظاعتِها [41] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/532)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/511)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/565). .
2- قولُه تبارك وتعالَى: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ
- قولُه: يَوْمَ مَفعولٌ فيه مَنصوبٌ بفِعلٍ مُضمَرٍ دلَّ عليه وَصْفُ الْقَارِعَةُ؛ لأنَّه في تَقديرِ: تَقرَعُ، أو دلَّ عليه الكلامُ كلُّه، فيُقدَّرُ: تكونُ، أو تَحصُلُ يومَ يكونُ النَّاسُ كالفَراشِ، وجُملةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ مع مُتعلَّقِها المَحذوفِ بَيانٌ للإبهامَينِ اللَّذَينِ في قولِه: مَا الْقَارِعَةُ [القارعة: 2] وقولِه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ [القارعة: 3] ، أو مَنصوبٌ بإضمارِ (اذكُرْ)، كأنَّه قِيل بعْدَ تَفخيمِ أمرِ القارعةِ وتَشويقِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى مَعرفتِها: اذكُرْ يومَ يكونُ النَّاسُ... إلخ؛ فإنَّه يُدْريكَ ما هيَ [42] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/533)، ((تفسير أبي السعود)) (9/193)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/511). .
- والمَقصودُ بهذا التَّوقيتِ زِيادةُ التَّهويلِ بما أُضِيفَ إليه (يومَ) مِن الجُملتينِ المُفيدتَينِ أحوالًا هائلةً، إلَّا أنَّ شَأنَ التَّوقيتِ أنْ يكونَ بزَمانٍ مَعلومٍ، وإذ قدْ كان هذا الحالُ المُوقَّتُ بزَمانِه غيرَ مَعلومٍ مَداهُ، كان التَّوقيتُ له إطماعًا في تَعيينِ وَقتِ حُصولِه؛ إذ كانوا يَسأَلون: متَى هذا الوعدُ؟ ثمَّ تَوقيتُه بما هو مَجهولٌ لهم إبهامًا آخَرَ للتَّهويلِ، والتَّحذيرِ مِن مُفاجأتِه، وأُبرِزَ في صُورةِ التَّوقيتِ؛ للتَّشويقِ إلى البَحثِ عن تَقديرِه، فإذا باءَ الباحثُ بالعجْزِ أخَذَ بحِيطةِ الاستعدادِ لحُلولِه بما يُنجِيه مِن مَصائبِه الَّتي قُرِعَت به الأسماعُ في آيٍ كَثيرةٍ، فحصَلَ في هذه الآيةِ تَهويلٌ شَديدٌ بثَمانيةِ طُرقٍ؛ وهي: الابتداءُ باسمِ القارعةِ المُؤذِنِ بأمرٍ عَظيمٍ، والاستفهامُ المُستعمَلُ في التَّهويلِ، والإظهارُ في مَقامِ الإضمارِ أوَّلَ مرَّةٍ، والاستفهامُ عمَّا يُنبِئُ بكُنْهِ القارعةِ، وتَوجيهُ الخِطابِ إلى غيرِ مُعيَّنٍ -وذلك على قولٍ-، والإظهارُ في مَقامِ الإضمارِ ثانيَ مرَّةٍ، والتَّوقيتُ بزَمانٍ مَجهولٍ حُصولُه، وتَعريفُ ذلك الوقتِ بأحوالٍ مَهولةٍ [43] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/511، 512). .
- وجُملةُ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ مُعترِضةٌ بيْن جُملةِ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وجُملةِ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [القارعة: 6] إلخ، وهو إدماجٌ لزِيادةِ التَّهويلِ [44] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/512). الإدماجُ: أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرضًا في غَرضٍ، أو بديعًا في بديعٍ بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ؛ فهو مِن أفانينِ البَلاغةِ، ويكونُ مرادُ البليغِ غَرَضينِ فيَقرِنُ الغرضَ المَسوقَ له الكلامُ بالغرضِ الثَّاني، وفيه تَظهرُ مَقدرةُ البليغِ؛ إذ يأتي بذلك الاقترانِ بدونِ خروجٍ عن غَرَضِه المسوقِ له الكلامُ ولا تَكلُّفٍ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الَّذي سِيق لِمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضمِّنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ، وقيل: أُدمِجتِ المبالَغةُ في المطابَقةِ؛ لأنَّ انفِرادَه بالحمدِ في الآخِرَةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفِرادِ بالحَمْدِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((علوم البلاغة البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/339)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). .
- وفي قولِه: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ تَشبيهانِ رائعانِ، وهو تَشبيهٌ مُرسَلٌ مُجمَلٌ [45] التَّشبيهُ: هو إلحاقُ شَيءٍ بذي وصفٍ في وصْفِه. وقيل: أن تُثبِتَ للمُشَبَّهِ حُكمًا مِن أحكامِ المُشَبَّهِ به. وقد اتَّفَق الأدباءُ على شرَفِه في أنواعِ البلاغةِ، وأنَّه إذا جاء في أعقابِ المعاني أفادها كمالًا، وكساها حلَّةً وجمالًا، وهو جارٍ في كلام العربِ، بل هو أكثرُ كلامِهم. ويَنقسِمُ التَّشبيهُ عدَّةَ تقسيماتٍ باعتباراتٍ عِدَّةٍ؛ فمنه: التَّشبيهُ المُفرَدُ. ومنه: التَّشبيهُ المُركَّبُ: وهو الَّذي يكونُ وجْهُ الشَّبَهِ فيه مُنتزَعًا مِن مُتعدِّدٍ، أو مِن أمورٍ مجموعٍ بعضُها إلى بعضٍ، كقولِه تعالى: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة: 5] ؛ فالتَّشبيهُ مُركَّبٌ مِن أحوالِ الحِمارِ. وخصَّ البَيانيُّون لفظَ «التَّمثيلِ» بالتَّشبيهِ المُركَّبِ. ويَنقسِمُ باعتبارٍ آخَرَ إلى: مؤكَّدٍ: وهو الَّذي حُذِفت فيه أداةُ التَّشبيهِ، نحو: وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ [النمل: 88] ، أي: مِثلَ مَرِّ السَّحابِ. ومُرْسَلٍ: وهو الَّذي لم تُحذَفُ فيه الأداةُ. ومُفَصَّلٍ: وهو الَّذي ذُكِرَ فيه وجْهُ الشَّبَهِ. ومُجمَلٍ: وهو الَّذي لم يُذْكَرْ فيه وَجْهُ الشَّبَهِ. وبَليغٍ: وهو الَّذي لم تُذْكَرْ فيه أداةُ التَّشبيهِ ولا وَجْهُ الشَّبَهِ. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 332 وما بعدها)، ((البرهان)) للزركشي (3/414، 422)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/146)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (1/66)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني (2/161). ؛ لأنَّ وَجْهَ الشَّبهِ حُذِفَ، ففي الأوَّلِ وُجوهُ الشَّبَهِ كَثيرةٌ؛ منها:
- الطَّيشُ الَّذي لَحِقَهم.
- وانتشارُهم في الأرضِ.
- ورُكوبُ بَعضِهم بَعضًا.
- والكثرةُ الَّتي لا غَناءَ فيها.
- والضَّعفُ والتَّذلُّلُ وإجابةُ الدَّاعي مِن كلِّ جِهةٍ.
- والتَّطايُرُ إلى النَّارِ للاحتراقِ مِن حيث لا تُريدُ الاحتراقَ، وفي أمثالِهِم: أضعَفُ مِن فَراشةٍ وأذلُّ وأجهَلُ.
وأوجُهُ الشَّبَهِ في تَشبيهِ الجِبالِ بالعِهنِ المَنفوشِ كَثيرةٌ أيضًا؛ منها:
- تَفتُّتُها وانهيارُها.
- وصَيْرُورتُها كالعِهنِ لتَفرُّقِ أجزائِها.
- ثمَّ صَيرورتُها كالهَباءِ.
- وكثرةُ الألوانِ؛ لأنَّ الجِبالَ مُختلِفةُ الألوانِ بحِجارتِها ونَبْتِها [46] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/789، 790)، ((تفسير البيضاوي)) (5/333)، ((تفسير أبي حيان)) (10/533)، ((تفسير أبي السعود)) (9/193)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/ 512، 513)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/565). .
- وإعادةُ كَلمةِ وَتَكُونُ مع حرْفِ العطْفِ في قولِه: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ؛ للإشارةِ إلى اختِلافِ الكَونَينِ؛ فإنَّ أوَّلَهما كَونُ إيجادٍ، والثَّانيَ كَونُ اضمحلالٍ، وكِلاهما عَلامةٌ على زَوالِ عالَمٍ وظُهورِ عالَمٍ آخَرَ [47] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/513). ، ولأنَّ التَّكريرَ في مِثلِ هذا المقامِ أبلَغُ في التَّحذيرِ [48] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/267). .
3- قولُه تعالَى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ تَفصيلٌ لِما في قولِه: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة: 4] مِن إجمالِ حالِ النَّاسِ حِينَئذٍ، فذلك هو المَقصودُ بذِكرِ اسمِ النَّاسِ الشَّاملِ لأهلِ السَّعادةِ وأهلِ الشَّقاءِ؛ فلذلك كان تفَصيلُه بحالَينِ: حالٍ حسَنٍ، وحالٍ فَظيعٍ؛ فهو بَيانٌ إجماليٌّ لتَحزُّبِ النَّاسِ إلى حِزبينِ، وتَنبيهٌ على كَيفيَّةِ الأحوالِ الخاصَّةِ بكلٍّ منهما إثْرَ بَيانِ الأحوالِ الشَّاملةِ للكُلِّ [49] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/193)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/513). .
- قولُه: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ وقوله: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ جمَع فيهما المِيزانَ مع أنَّه واحدٌ -على أحدِ القولَينِ-، باعتِبارِ تَعدُّدِ المَوزوناتِ والمَوزونِ لهم. وقيل: هي جمْعُ مَوزونٍ [50] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 253)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/539)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 624). . وقيل: إنَّ العَربَ قد تُوقِعُ لفظَ الجَمعِ على الواحِدِ تفخيمًا له. وقيل: إنَّه يُنصَبُ لكُلِّ عبدٍ مِيزانٌ [51] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/464)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/76)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (8/499). .
- قولُه: عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ قيل: أي: مَرْضِيَّةٍ لا مكروهةٍ، فهي ممَّا جاء فيه فاعِلٌ بمعنَى مَفْعولٍ؛ لأنَّ ذلك مَدْحٌ للعِيشةِ، والعَرَبُ تَفعَلُ ذلك في المدْحِ والذَّمِّ، فتقولُ: هذا لَيلٌ نائِمٌ، وسِرٌّ كاتِمٌ، وماءٌ دافِقٌ، فيُوَجِّهون الفِعلَ إليه، وهو في الأصلِ مَفعولٌ لِما يُرادُ مِنَ المدْحِ أو الذَّمِّ. وقيل: رَاضِيَةٍ أي: ذاتِ رِضًا، على النِّسبةِ بالصِّيغةِ [52] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/233)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (10/434)، ((تفسير أبي السعود)) (9/25)، ((تفسير الشوكاني)) (5/339). . وقيل: وُصِفَت العِيشةُ بـ رَاضِيَةٍ؛ لأنَّها سَببُ الرِّضا، أو زَمانُ الرِّضا [53] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/514). .
4- قولُه تعالَى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ
- جُملةُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ إخبارٌ عنه بالشَّقاءِ وسُوءِ الحالِ، والكلامُ قيل: إنَّه تَمثيلٌ لحالِ مَن خفَّت مَوازينُه يَومَئذٍ بحالِ الهالكِ في الدُّنيا؛ لأنَّ العرَبَ يُكَنُّون عن حالِ المَرْءِ بحالِ أُمِّه في الخَيرِ والشَّرِّ؛ لشِدَّةِ مَحبَّتِها ابْنَها، فهي أشدُّ سُرورًا بسُرورِه، وأشدُّ حُزنًا بما يَحزُنُه، فكأنَّه قيل: وأمَّا مَن خفَّت مَوازينُه فقدْ هَلَكَ. ويَجوزُ أنْ يكونَ (أُمُّه) مُعبَّرًا به عن مَقرِّه ومآلِه؛ لأنَّه يَأوي إليه كما يَأْوي الطِّفلُ إلى أُمِّه، فقدْ قِيل للمَأوى: أُمٌّ، على التَّشبيهِ؛ لأنَّ الأُمَّ مَأوى الولَدِ ومَفزَعُه. ويَجوزُ أنْ يكونَ (أُمُّه) على حذْفِ مُضافٍ، أي: أمُّ رَأسِه، وهي أعْلى الدِّماغِ، وهاويةٌ: ساقطةٌ، مِن قَولِهم: سَقَطَ على أمِّ رَأسِه، أي: هَلَكَ [54] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/790)، ((تفسير البيضاوي)) (5/333)، ((تفسير أبي حيان)) (10/533)، ((تفسير أبي السعود)) (9/194)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/514، 515)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/564). .
5- قولُه تعالَى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ تَقريرٌ للهاويةِ بعْدَ إبْهامِها، وإشعارٌ بخُروجِها عنِ الحُدودِ المَعهودةِ؛ للتَّفخيمِ والتَّهويلِ [55] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/194). .
- وجُملةُ نَارٌ حَامِيَةٌ بَيانٌ لجُملةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، والمعنى: هي نارٌ حاميةٌ، وهذا مِن حذْفِ المُسنَدِ إليه [56] وهو ما يُسمَّى بمُتابَعةِ الاستعمالِ؛ وذلك أنَّ العرَبَ إذا أجْرَوا حَديثًا على شَيءٍ، ثمَّ أخبَروا عنه، الْتَزَموا حَذفَ ضَميرِه الَّذي هو مُسنَدٌ إليه؛ إشارةً إلى التَّنويهِ به كأنَّه لا يَخْفى. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 176)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/347). الَّذي اتُّبِعَ في حذْفِه استِعمالُ أهلِ اللُّغةِ [57] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/515). .
- ووَصْفُ نَارٌ بـ حَامِيَةٌ مِن قَبيلِ التَّوكيدِ اللَّفظيِّ؛ لأنَّ النَّارَ لا تَخْلو عن الحَمْيِ، فوَصْفُها به وَصْفٌ بما هو مِن معْنى لَفظِ نَارٌ، فكان كذِكرِ المُرادِفِ، كقولِه تعالَى: نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [58] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/515). [الهمزة: 6] .