موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: التَّأويلُ


التَّأويلُ هو صَرْفُ اللَّفْظِ عن الاحْتِمالِ الرَّاجِحِ إلى الاحْتِمالِ المَرْجوحِ، فيُحمَلُ اللَّفْظُ على خِلافِ ظاهِرِه إلى مَعنًى آخَرَ؛ سواءٌ كانَ مُرادًا لِلمُتَكلِّمِ أو غَيرَ مُرادٍ، فإن كانَ التَّأويلُ بدَليلٍ كانَ المَعْنى الآخَرُ مُرادًا، وكانَ التَّأويلُ صَحيحًا، وإن كانَ التَّأويلُ بلا دَليلٍ، فهو غَيرُ مُرادٍ لِلمُتَكلِّمِ، وكانَ التَّأويلُ فاسِدًا [198] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (5/ 234)، ((شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي)) للإيجي (3/ 146)، ((الموافقات)) للشاطبي (3/ 330)، ((تحفة المريد على جوهرة التوحيد)) للباجوري (ص: 156).      .
وقد أكثَرَ الماتُريديَّةُ من الخَوضِ في تأويلِ آياتِ وأحاديثِ الصِّفاتِ، وقد سبق ذِكرُ بعضِ أقوالِ أئمَّتِهم في تأويلِ الصِّفاتِ.
ومن ذلك تأويلُ أبي منصورٍ الماتُريديِّ لصِفةِ العُلُوِّ، وكلامُه في تأويلِ الاستواءِ على العرشِ، فقال: (اختلف أهلُ الإسلامِ في القولِ بالمكانِ؛ فمنهم من زَعَم أنَّه يوصَفُ بأنَّه على العرشِ مستوٍ، والعرشُ عندَهم السَّريرُ المحمولُ بالملائكةِ المحفوفُ بهم،... ومنهم من يقولُ: هو بكُلِّ مكانٍ،... ومنهم من قال بنفيِ الوصفِ بالمكانِ، وكذلك بالأمكنةِ كُلِّها إلَّا على مجازِ اللُّغةِ، بمعنى الحافِظِ لها والقائِمِ بها...
وجملةُ ذلك أنَّ إضافةَ كُلِّيَّةِ الأشياءِ إليه، وإضافتَه عزَّ وجَلَّ إليها يخرُجُ مخرَجَ الوصفِ له بالعُلُوِّ والرِّفعةِ، ومخرَجَ التَّعظيمِ له والجلالِ،... الأصلُ فيه: أنَّ الله سُبحانَه كان ولا مكانَ، وجائزٌ ارتفاعُ الأمكنةِ وبقاؤه على ما كان، فهو على ما كان، وكان على ما عليه الآن، جلَّ عن التَّغيُّرِ والزَّوالِ، والاستحالةِ والبُطلانِ؛ إذ ذلك أماراتُ الحَدَثِ التي بها عُرِف حَدَثُ العالمِ، ودلالةُ احتمالِ الفناءِ؛ إذ لا فَرقَ بَينَ الزَّوالِ من حالٍ إلى حالٍ؛ ليعلَمَ أنَّ حالَه الأولى لم تكُنْ لذاتِه؛ إذ لا يحتَمِلُ زوالُ ما لزم ذاتَه، وبيَّن أنَّها ليست لذاتِه لما احتمَل هو قَبولَ الأعراضِ، وانتِقالَ الأحوالِ، ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ. وبعدُ فإنَّ في تحقيقِ المكانِ له والوَصفِ له بذاتِه في كُلِّ مكانٍ تمكينَ الحاجةِ له إلى ما به قرارُه على مِثلِ جميعِ الأجسامِ والأعراضِ التي قامت بالأمكنةِ، وفيها تقلَّبت وقرَّت على خروجِ جُملتِها عن الوصفِ بالمكانِ، فمن أنشأها وأمسَك كلِّيَّتَها لا بمكانٍ يتعالى عن الحاجةِ إلى مكانٍ، أو الوصفِ بما عليه العالمُ أنَّ كُلِّيَّتَه لا في مكانٍ، وأنَّه بجزئيَّاتِه في المكانِ، ثمَّ إنَّ اللهَ تعالى لو جُعِل في مكانِ لجُعِل بحقِّ الجزئيَّةِ من العالَمِ، وذلك أثَرُ النَّقصانِ، بل لما استقام قيامُ جميعِ العالَمِ لا بالأمكنةِ للجُملةِ؛ فقيامُه على ذلك أحقُّ وأولى، ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ) [199] ((التوحيد)) (ص: 67 - 69).      .
قال ابنُ تيميَّةَ: (يَنْبَغي للمُسلِمِ أن يَقدُرَ قَدْرَ كَلامِ اللهِ ورَسولِه، بل ليس لأحَدٍ أن يَحمِلَ كَلامَ أحَدٍ مِن النَّاسِ إلَّا على ما عُرِفَ أنَّه أرادَه لا على ما يَحْتمِلُه ذلك اللَّفْظُ في كَلامِ كلِّ أحَدٍ؛ فإنَّ كَثيرًا مِن النَّاسِ يَتَأوَّلُ النُّصوصَ المُخالِفةَ لقَولِه، يَسلُكُ مَسلَكَ مَن يَجعَلُ التَّأويلَ كأنَّه ذِكْرُ ما يَحْتمِلُه اللَّفْظُ، وقَصْدُه به دَفْعُ ذلك المُحتَجِّ عليه بذلك النَّصِّ، وهذا خَطَأٌ، بل جَميعُ ما قاله اللهُ ورَسولُه يَجِبُ الإيمانُ به، فليس لنا أن نُؤمِنَ ببعضِ الكِتابِ، ونَكفُرَ ببعضٍ، وليس الاعْتِناءُ بمُرادِه في أحَدِ النَّصَّينِ دونَ الآخَرِ بأَوْلى مِن العَكْسِ، فإذا كانَ النَّصُّ الَّذي وافَقَه يَعْتقِدُ أنَّه اتَّبَعَ فيه مُرادَ الرَّسولِ؛ فكذلك النَّصُّ الآخَرُ الَّذي تَأوَّلَه، فيكونُ أصْلُ مَقصودِه مَعْرِفةَ ما أرادَه الرَّسولُ بكَلامِه) [200] ((مجموع الفتاوى)) (7/ 36).      .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (حِفْظُ حُرْمةِ نُصوصِ الأسْماءِ والصِّفاتِ بإجْراءِ أخْبارِها على ظَواهِرِها، وهو اعْتِقادُ مَفْهومِها المُتَبادِرِ إلى أذْهانِ عامَّةِ الأمَّةِ، كما قال مالِكٌ رَحِمَه اللهُ وقد سُئِلَ عن قَولِه تَعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] كيف اسْتَوى؟ فأَطرَقَ مالِكٌ حتَّى عَلاه الرُّحَضاءُ، ثُمَّ قال: الاستِواءُ مَعْلومٌ، والكَيْفُ غَيرُ مَعْقولٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدْعةٌ. ففَرَّقَ بَيْنَ المَعْنى المَعْلومِ مِن هذه اللَّفْظةِ، وبَيْنَ الكَيْفِ الَّذي لا يَعقِلُه البَشَرُ، وهذا الجَوابُ مِن مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه شافٍ عامٌّ في جَميعِ مَسائِلِ الصِّفاتِ، فمَن سَألَ عن قَولِه: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: 46] كيف يَسمَعُ ويَرى؟ أُجيبَ بِهذا الجَوابِ بعَيْنِه، فقيلَ له: السَّمْعُ والبَصَرُ مَعْلومٌ، والكَيْفُ غَيرُ مَعْقولٍ. وكذلك مَن سألَ عن العِلمِ، والحَياةِ، والقُدْرةِ، والإرادةِ، والنُّزولِ، والغَضَبِ، والرِّضا، والرَّحْمةِ، والضَّحِكِ، وغَيرِ ذلك، فمَعانيها كلُّها مَفْهومةٌ، وأمَّا كَيْفيَّتُها فغَيرُ مَعْقولةٍ؛ إذ تَعَقُّلُ الكَيْفيَّةِ فَرْعُ العِلمِ بكَيْفيَّةِ الذَّاتِ وكُنْهِها. فإذا كانَ ذلك غَيرَ مَعْقولٍ للبَشَرِ، فكيف يُعقَلُ لهم كَيْفيَّةُ الصِّفاتِ؟ والعِصْمةُ النَّافِعةُ في هذا البابِ: أن يُوصَفَ اللهُ بما وَصَفَ به نفْسَه، وبما وَصَفَه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَيرِ تَحْريفٍ ولا تَعْطيلٍ، ومِن غَيرِ تَكْييفٍ ولا تَمْثيلٍ، بل تُثبَتُ له الأسْماءُ والصِّفاتُ، وتُنْفى عنه مُشابَهةُ المَخْلوقاتِ، فيكونُ إثْباتُك مُنَزَّهًا عن التَّشْبيهِ، ونَفْيُك مُنَزَّهًا عن التَّعْطيلِ، فمَن نَفى حَقيقةَ الاستِواءِ فهو مُعَطِّلٌ، ومَن شَبَّهَه باستِواءِ المَخْلوقِ على المَخْلوقِ فهو مُمَثِّلٌ، ومَن قال: استِواءٌ ليس كمِثلِه شيءٌ، فهو المُوَحِّدُ المُنزِّه) [201] ((مدارج السالكين)) (2/ 84).      .
وقال ابنُ القَيِّمِ أيضًا: (قَولُ القائِلِ: يُحمَلُ اللَّفْظُ على كَذا وكَذا، يُقالُ له: ما تَعْني بالحَمْلِ؟ أَتَعْني به أنَّ اللَّفْظَ مَوْضوعٌ لِهذا المَعْنى؟ فهذا نَقْلٌ مُجَرَّدٌ مَوضِعُه كُتُبُ اللُّغةِ، فلا أثَرَ لحَمْلِك، أم تَعْني به اعْتِقادَ أنَّ المُتَكلِّمَ أرادَ ذلك المَعْنى الَّذي حَمَلْتَه عليه؟ فهذا قَولٌ عليه بلا عِلمٍ، وهو كَذِبٌ مُفْترًى إن لم تَأتِ بدَليلٍ يَدُلُّ على أنَّ المُتَكلِّمَ أرادَه، أم تَعْني به أنَّك أَنشَأْتَ له مَعنًى فإذا سَمِعْتَه اعْتَقَدْتَ أنَّ ذلك معناه؟ وهذا حَقيقةُ قَولِك وإن لم تُرِدْه، فالحَمْلُ إمَّا إخْبارٌ عن المُتَكلِّمِ بأنَّه أرادَ ذلك المَعْنى، فهذا الخَبَرُ إمَّا صادِقٌ إن كانَ ذلك المَعْنى هو المَفْهومُ مِن لَفْظِ المُتَكلِّمِ، وإمَّا كاذِبٌ إن كانَ لَفْظُه لم يَدُلَّ عليه؛ وإمَّا إنْشاءٌ لاسْتِعْمالِ ذلك اللَّفْظِ في هذا المَعْنى، وهذا إنَّما يكونُ في كَلامٍ تُنْشِئُه أنت، لا في كَلامِ الغَيرِ. وحَقيقةُ الأمْرِ أنَّ قَولَ القائِلِ: نَحمِلُه على كَذا، أو نَتَأوَّلُه بكَذا، إنَّما هو مِن بابِ دَفْعِ دَلالةِ اللَّفْظِ على ما وُضِعَ له، فإنَّ مُنازِعَه لمَّا احْتَجَّ عليه به ولم يُمكِنْه دَفْعُ وُرودِه دَفَعَ مَعْناه، وقال: أَحمِلُه على خِلافِ ظاهِرِه. فإن قيلَ: بل لِلحَمْلِ مَعنًى آخَرُ لم تَذكُروه، وهو أنَّ اللَّفْظَ لَمَّا اسْتَحالَ أن يُرادَ به حَقيقتُه وظاهِرُه، ولا يُمكِنُ تَعْطيلُه، اسْتَدْلَلْنا بوُرودِه وعَدَمِ إرادةِ ظاهِرِه على أنَّ مَجازَه هو المُرادُ، فحَمَلْناه عليه دَلالةً لا ابْتِداءً وإنْشاءً. قيلَ: فهذا المَعْنى هو الإخْبارُ عن المُتَكلِّمِ أنَّه أرادَه، وهو إمَّا صِدْقٌ أو كَذِبٌ كما تَقدَّمَ، ومِن المُمْتنِعِ أن يُريدَ خِلافَ حَقيقتِه وظاهِرِه، ولا يُبَيِّنَ للسَّامِعِ المَعْنى الَّذي أرادَه، بل يَقْترِنُ بكَلامِه ما يُؤكِّدُ إرادةَ الحَقيقةِ، ونحن لا نَمنَعُ أنَّ المُتَكلِّمَ قد يُريدُ بكَلامِه خِلافَ ظاهِرِه إذا قَصَدَ التَّعْميةَ على السَّامِعِ؛ حيثُ يَسوغُ ذلك كما في المَعاريضِ الَّتي يَجِبُ أو يَسوغُ تَعاطيها، ولكنَّ المُنكَرَ غايةَ الإنْكارِ أن يُريدَ بكَلامِه خِلافَ ظاهِرِه وحَقيقتِه إذا قَصَدَ البَيانَ والإيضاحَ وإفْهامَ مُرادِه؛ فالخِطابُ نَوْعانِ: نَوْعٌ يُقصَدُ به التَّعْميةُ على السَّامِعِ، ونَوْعٌ يُقصَدُ به البَيانُ والهِدايةُ والإرْشادُ، فإطْلاقُ اللَّفْظِ وإرادةُ خِلافِ حَقيقتِه وظاهِرِه مِن غَيرِ قَرائِنَ تَحتَفُّ به تُبَيِّنُ المَعْنى المُرادَ- مَحَلُّه النَّوْعُ الأوَّلُ لا الثَّاني، واللهُ أَعلَمُ) [202] ((الصواعق المرسلة)) (1/ 204).      .
والتَّأويلُ بمَعْنى حَقيقةِ الشَّيءِ هو المُرادُ في قَولِه تَعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] على الوَقْفِ على لَفْظِ الجَلالةِ، أمَّا على وَصْلِها بما بَعْدَها فيكونُ التَّأويلُ في الآيةِ بمَعْنى التَّفْسيرِ الَّذي يَعلَمُه العُلَماءُ.
قال ابنُ تَيْميَّةَ: (المَقصودُ هنا أنَّ السَّلَفَ كانَ أَكثَرُهم يَقِفونَ عِندَ قَولِه: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] بِناءً على أنَّ التَّأويلَ الَّذي هو الحَقيقةُ الَّتي اسْتَأثَرَ اللهُ بعِلمِها لا يَعلَمُها إلَّا هو. وطائِفةٌ مِنهم؛ كمُجاهِدٍ وابنِ قُتَيْبةَ وغَيرِهما قالوا: بلِ الرَّاسِخونَ يَعلَمونَ التَّأويلَ، ومُرادُهم بالتَّأويلِ المَعْنى الثَّاني، وهو التَّفْسيرُ، فليس بَيْنَ القَولَينِ تَناقُضٌ في المَعْنى. وأمَّا التَّأويلُ بمَعْنى صَرْفِ اللَّفْظِ عن مَفْهومِه إلى غَيرِ مَفْهومِه فهذا لم يكُنْ هو المُرادَ بلَفْظِ التَّأويلِ في كَلامِ السَّلَفِ، اللَّهُمَّ إلَّا أنَّه إذا عُلِمَ أنَّ المُتكلِّمَ أرادَ المَعْنى الَّذي يُقالُ: إنَّه خِلافُ الظَّاهِرِ جَعَلوه مِن التَّأويلِ الَّذي هو التَّفْسيرُ؛ لكَوْنِه تَفْسيرًا للكَلامِ، وبَيانًا لمُرادِ المُتَكلِّمِ به، أو جَعَلوه مِن النَّوْعِ الآخَرِ الَّذي هو الحَقيقةُ الثَّابِتةُ في نفْسِ الأمْرِ الَّتي اسْتَأثَرَ اللهُ بعِلمِها؛ لكَوْنِه مُندَرِجًا في ذلك، لا لكَوْنِه مُخالِفًا للظَّاهِرِ، وكانَ السَّلَفُ يُنكِرونَ التَّأويلاتِ الَّتي تُخرِجُ الكَلامَ عن مُرادِ اللهِ ورَسولِه، الَّتي هي مِن نَوْعِ تَحْريفِ الكَلِمِ عن مَواضِعِه، فكانوا يُنكِرونَ التَّأويلَ الباطِلَ الَّذي هو التَّفْسيرُ الباطِلُ، كما نُنكِرُ قَولَ مَن فَسَّرَ كَلامَ المُتَكلِّمِ بخِلافِ مُرادِه، وقدْ يُنكِرونَ مِن التَّأويلِ الَّذي هو التَّفْسيرُ ما لا يُعلَمُ صِحَّتُه، فنُنكِرُ الشَّيءَ للعِلمِ بأنَّه باطِلٌ، أو لعَدَمِ العِلمِ بأنَّه حَقٌّ، ولا يُنكِرونُ تَرْجمةَ الكَلامِ لِمَن لا يُحسِنُ اللُّغةَ، ورُبَّما أَنكَروا مِن ذلك ما لا يَفهَمُه المُسْتمِعُ أو ما تَضُرُّه مَعْرفتُه، كما يُنكِرونَ تَحْديثَ النَّاسِ بما تَعجِزُ عُقولُهم عن مَعْرفتِه، أو بما تَضُرُّهم مَعْرِفتُه، كما قال علِيٌّ عليه السَّلامُ: ((حَدِّثوا النَّاسَ بما يَعرِفونَ، ودَعوا ما يُنكِرونَ، أتُحِبُّونَ أن يُكذَّبَ اللهُ ورَسولُه؟! )) [203] أخرجه البخاري (127) بلفظ: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله). [204] ((الصفدية)) (1/ 291). .
وقال ابنُ عُثَيْمينَ: (مَعاني التَّأويلِ ثَلاثةٌ:
أحَدُها: التَّفْسيرُ، وهو إيضاحُ المَعْنى وبَيانُه، وهذا اصْطِلاحُ جُمْهورِ المُفَسِّرينَ، ومِنه قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لابنِ عبَّاسٍ: ((اللَّهُمَّ فَقِّهْه في الدِّينِ، وعَلِّمْه التَّأويلَ )) [205] أخرجه أحمد (3032)، وابن حبان (7055)، والحاكم (6280). صحَّحه ابن حبان، وابن عبد البر في ((الاستيعاب)) (3/67)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2589)، والوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (245). وأصل الحديث في صحيح البخاري (143)، ومسلم (2477) دون قوله: وعلمه التأويل. ، وهذا معلومٌ عِندَ العُلَماءِ في آياتِ الصِّفاتِ وغَيرِها.
الثَّاني: الحَقيقةُ الَّتي يَؤولُ الشَّيءُ إليها، وهذا هو المَعْروفُ مِن مَعْنى التَّأويلِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، كما قال تَعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الأعراف: 53] ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59] ، فتَأويلُ آياتِ الصِّفاتِ بِهذا المَعْنى هو الكُنْهُ والحَقيقةُ الَّتي هي عليها، وهذا لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ.
الثَّالِثُ: صَرْفُ اللَّفْظِ عن ظاهِرِه إلى المَعْنى الَّذي يُخالِفُ الظَّاهِرَ، وهو اصْطِلاحُ المُتَأخِّرينَ مِن المُتَكلِّمينَ وغَيرِهم، وهذان نَوْعانِ: صَحيحٌ، وفاسِدٌ؛ فالصَّحيحُ: ما دَلَّ الدَّليلُ عليه، مِثلُ تَأويلِ قَولِه تَعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل: 98] إلى أنَّ المَعْنى: إذا أَرَدْتَ أن تَقرَأَ. والفاسِدُ: ما لا دَليلَ عليه، كتَأويلِ استِواءِ اللهِ على عَرْشِه باسْتيلائِه، ويَدِه بقُوَّتِه ونِعْمتِه، ونَحْوِ ذلك)) [206] ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (4/ 83).      .

انظر أيضا: