موسوعة الفرق

المَطلَبُ السَّابعُ: بَعضُ شُبُهاتِ الجَهْميَّةِ على أهلِ السُّنَّةِ في مسألةِ خَلقِ القرآنِ والرَّدُّ عليها


قال البُخاريُّ: (احتَجَّ هؤلاء -يعني الجَهْميَّةَ- بآياتٍ، وليس فيما احتجُّوا به أشَدُّ التباسًا من ثلاثِ آياتٍ:
قوَلهُ: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان: 2] ، فقالوا: إنْ قُلتُم: إنَّ القرآنَ لا شيءَ كفَرْتُم، وإن قلتُم: إنَّ القرآنَ شيءٌ فهو داخِلٌ في الآيةِ.
والثَّانيةُ: قَولُه: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء: 171] قالوا: فأنتم قُلتُم بقَولِ النَّصارى؛ لأنَّ المسيحَ كَلِمةُ اللهِ، وهو خَلقٌ، فقُلتُم: إنَّ كلامَ اللهِ ليس بمخلوقٍ، وعيسى من كلامِ اللهِ.
والثَّالثةُ: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [الأنبياء: 2] ، وقُلتُم: ليس بمُحدَثٍ.
قال أبو عُبيدةَ: أمَّا قَولُه: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ [الفرقان: 2] ، فهو كما قال، وقال في آيةٍ أُخرى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 40] ، فأخبر أنَّ أوَّلَ خَلقٍ خلَقَه بقَولِه، وأوَّلُ خَلقٍ هو من الشَّيءِ الذي قال: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ [الفرقان: 2] ، فأخبَرَ أنَّ كلامَه قَبلَ الخَلقِ.
وأمَّا تحريفُهم إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ... إنَّما خَلَق اللهُ عيسى بالكَلِمةِ لا أنَّه الكَلِمةُ، ألا تسمَعُ إلى قَولِه: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء: 171] ؟ يعني جبريلَ عليه السَّلامُ، كما قال في آيةٍ أُخرى: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم: 17] ، وقال: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 59] ، فخَلَق عيسى وآدَمَ بقَولِه: كُنْ. وليس بَينَ هاتينِ الآيتينِ خلافٌ.
وأمَّا تحريفُهم: مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [الأنبياء: 2] ، فإنما حَدَثَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه لمَّا عَلَّمه اللهُ ما لم يكُنْ يعلَمُ) [228] ((خلق أفعال العباد)) (ص: 44). .

انظر أيضا: