موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور: 11 - 12] .
فالآيةُ فيها تحريمُ ظَنِّ السُّوءِ [4061] ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 190). ، وأنَّ حَقَّ المُؤمِنِ إذا سمع قالةً في أخيه أن يبنيَ الأمرَ فيه على ظنِّ الخيرِ، وأن يقولَ بناءً على ظَنِّه: هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ، هكذا باللَّفظِ الصَّريحِ ببراءةِ أخيه [4062] ((تفسير أبي حيان)) (8/21). .
- وقال سُبحانَه في ذم سُوءُ الظَّنِّ بمن ظاهره العدالة من المسلمين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12] .
قال ابنُ كثيرٍ: (قال تعالى ناهيًا عبادَه المُؤمِنين عن كثيرٍ من الظَّنِّ...؛ لأنَّ بعضَ ذلك يكونُ إثمًا محضًا، فليُجتنَبْ كثيرٌ منه احتياطًا) [4063] ((تفسير القرآن العظيم)) (7/377). .
وقال السَّعديُّ: (نهى اللَّهُ تعالى عن كثيرٍ من الظَّنِّ السُّوءِ بالمُؤمِنين، فــ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وذلك كالظَّنِّ الخالي من الحقيقةِ والقرينةِ، وكظَنِّ السُّوءِ الذي يقترنُ به كثيرٌ من الأقوالِ والأفعالِ المحَرَّمةِ؛ فإنَّ بقاءَ ظَنِّ السُّوءِ بالقَلبِ لا يقتصِرُ صاحبُه على مجرَّدِ ذلك، بل لا يزالُ به حتى يقولَ ما لا ينبغي، ويفعَلَ ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا إساءةُ الظَّنِّ بالمسلِمِ وبغضُه وعداوتُه، المأمورُ بخلافِ ذلك منه) [4064] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/801). .
- وأمَّا سُوءُ الظَّنِّ باللَّهِ تعالى فقد قال اللَّهُ تعالى في ذمِّه وعاقبةِ الظَّانِّين به ظَنَّ السَّوءِ: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 154] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (فُسِّر هذا الظَّنُّ الذي لا يليقُ باللهِ بأنَّه سُبحانَه لا ينصُرُ رسولَه، وأنَّ أمرَه سيضمَحِلُّ، وأنَّه يُسلِمُه للقَتلِ، وقد فُسِّر بظَنِّهم أنَّ ما أصابهم لم يكُنْ بقضائِه وقَدَرِه، ولا حكمةَ له فيه، ففُسِّر بإنكارِ الحكمةِ، وإنكارِ القَدَرِ، وإنكارِ أن يُتِمَّ أمرَ رسولِه ويُظهِرَه على الدِّينِ كُلِّه. وإنَّما كان هذا ظنَّ السَّوءِ، وظَنَّ الجاهليَّةِ المنسوبَ إلى أهلِ الجَهلِ، وظَنَّ غيرِ الحقِّ؛ لأنَّه ظنُّ غيرِ ما يليقُ بأسمائِه الحسنى وصفاتِه العُليا وذاتِه المبرَّأةِ من كُلِّ عيبٍ وسُوءٍ، بخلافِ ما يليقُ بحكمتِه وحمدِه وتفرُّدِه بالرُّبوبيَّةِ والإلهيَّةِ، وما يليقُ بوعدِه الصَّادِقِ الذي لا يخلِفُه، وبكَلِمتِه التي سبقت لرُسُلِه أنَّه ينصُرُهم ولا يخذُلُهم، ولجُندِه بأنَّهم هم الغالِبون، فمن ظَنَّ بأنَّه لا ينصُرُ رسولَه، ولا يُتِمُّ أمرَه، ولا يؤيِّدُه ويُؤيِّدُ حِزبَه، ويُعليهم ويُظفِرُهم بأعدائِه، ويُظهِرُهم عليهم، وأنَّه لا ينصُرُ دينَه وكتابَه، وأنَّه يُديلُ الشِّركَ على التَّوحيدِ، والباطِلَ على الحقِّ إدالةً مستَقِرَّةً يضمَحِلُّ معها التَّوحيدُ والحَقُّ اضمحلالًا لا يقومُ بعده أبدًا- فقد ظَنَّ باللهِ ظَنَّ السَّوءِ، ونسبه إلى خلافِ ما يليقُ بكمالِه وجلالِه وصفاتِه ونُعوتِه؛ فإنَّ حمدَه وعزَّتَه وحكمتَه وإلهيَّتَه تأبى ذلك، وتأبى أن يُذِلَّ حِزبَه وجُندَه، وأن تكونَ النُّصرةُ المستَقِرَّةُ والظَّفَرُ الدَّائمُ لأعدائِه المُشرِكين به العادلين به، فمن ظَنَّ به ذلك فما عرَفه ولا عرَف أسماءَه ولا عرَف صفاتِه وكمالَه) [4065] ((زاد المعاد)) (3/206) بتصرف يسير. ويُنظَر: ((فتح القدير)) للشوكاني (1/449). .
- وقال سُبحانَه في عاقبةِ مَن ظَنَّ به السَّوءَ: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت: 22- 23] .
قال أبو حيَّانَ الأندَلُسيُّ: (هذا الظَّنُّ كُفرٌ وجَهلٌ باللهِ وسُوءُ مُعتَقَدٍ يؤدِّي إلى تكذيبِ الرُّسُلِ، والشَّكِّ في علمِ الإلهِ) [4066] ((البحر المحيط)) (9/300). .
قال السَّعديُّ: (وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ بإقدامِكم على المعاصي أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ فلذلك صدَر منكم ما صدَر، وهذا الظَّنُّ صار سبَبَ هلاكِهم وشقائِهم؛ ولهذا قال: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ الظَّنَّ السَّيِّئَ؛ حيث ظنَنْتُم به ما لا يليقُ بجلالِه أَرْدَاكُمْ أي: أهلكَكم فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ لأنفُسِهم وأهليهم وأديانِهم بسَبَبِ الأعمالِ التي أوجبها لكم ظنُّكم القبيحُ بربِّكم، فحقَّت عليكم كَلِمةُ العقابِ والشَّقاءِ، ووجَب عليكم الخلودُ الدَّائمُ في العذابِ الذي لا يُفَتَّرُ عنهم ساعةً) [4067] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/747). .
- ثمَّ أوضح سُبحانَه صورةَ هذا الهلاكِ والخُسرانِ بقَولِه تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح: 6] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (توعَّد اللهُ سُبحانَه الظَّانِّين به ظَنَّ السَّوءِ بما لم يتوعَّدْ به غيرَهم، كما قال تعالى: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح: 6] ) [4068] ((الداء والدواء)) (1/138). .
وقال الشَّوكانيُّ في قولِه تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ أي: يُعَذِّبُهم في الدُّنيا بما يَصِلُ إليهم من الهُمومِ والغُمومِ بسَبَبِ ما يشاهِدونه من ظُهورِ كَلِمةِ الإسلامِ، وقَهرِ المخالِفين له، وبما يصابون به من القَهرِ والقتلِ والأسْرِ، وفي الآخرةِ بعذابِ جهنَّمَ. عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ أي: ما يظنُّونه ويتربَّصونه بالمُؤمِنين دائرٌ عليهم حائقٌ بهم، والمعنى: أنَّ العذابَ والهلاكَ الذي يتوقَّعونه للمُؤمِنين واقعانِ عليهم نازلانِ بهم... وغَضِب اللهُ عليهم ولعنَهم وأعدَّ لهم جهنَّمَ وساءت مصيرًا) [4069] يُنظَر: ((فتح القدير)) (5/54) بتصرف يسير. .

انظر أيضا: