موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحديثِ)) [4070] رواه البخاري (5143)، ومسلم (2563) مطوَّلًا. .
قال الصَّنعانيُّ: (المرادُ بقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إيَّاكم والظَّنَّ" سُوءُ الظَّنِّ به تعالى، وبكُلِّ من ظاهرُه العدالةُ من المسلمين، وقولُه: "فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحديثِ". سمَّاه حديثًا؛ لأنَّه حديثُ النَّفسِ، وإنما كان الظَّنُّ أكذَبَ الحديثِ؛ لأنَّ الكَذِبَ مخالفةُ الواقعِ من غيرِ استنادٍ إلى أمارةٍ، وقبحُه ظاهرٌ لا يحتاجُ إلى إظهارِه، وأمَّا الظَّنُّ فيزعُمُ صاحبُه أنَّه استند إلى شيءٍ، فيخفى على السَّامعِ كونُه كاذبًا بحَسَبِ الغالِبِ، فكان أكذَبَ الحديثِ، والحديثُ واردٌ في حقِّ من لم يَظهَرْ منه شَتمٌ ولا فُحشٌ ولا فُجورٌ) [4071] يُنظَر: ((سبل السلام)) (2/664، 665). .
وقال المُلَّا علي القاري: (... "إيَّاكم والظَّنَّ"، أي: احذروا اتِّباعَ الظَّنِّ في أمرِ الدِّينِ الذي مبناه على اليقينِ؛ قال تعالى: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس: 36] ، قال القاضي: التَّحذيرُ عن الظَّنِّ فيما يجِبُ فيه القطعُ، أو التَّحدُّثِ به عِندَ الاستغناءِ عنه، أو عمَّا يُظَنُّ كَذِبُه.. أو اجتَنِبوا الظَّنَّ في التَّحديثِ والإخبارِ، ويؤيِّدُه قولُه: "فإنَّ الظَّنَّ" في موضِعِ الظَّاهِرِ زيادةَ تمكينٍ في ذهنِ السَّامِعِ حَثًّا على الاجتنابِ "أكذَبُ الحديثِ") [4072] ((مرقاة المفاتيح)) (8/3147). .
- وعن عليِّ بنِ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ صفيَّةَ زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبرتْه أنَّها جاءت رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تزورُه في اعتكافِه في المسجِدِ في العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ، فتحدَّثَت عنده ساعةً، ثمَّ قامت تنقَلِبُ، فقام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معها يَقلِبُها، حتَّى إذا بلغت بابَ المسجِدِ عندَ بابِ أمِّ سَلَمةَ مرَّ رجلانِ من الأنصارِ، فسَلَّما على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: على رِسْلِكما، إنما هي صفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ. فقالا: سبحانَ اللهِ، يا رسولَ اللهِ! وكَبُر عليهما. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ الشَّيطانَ يَبلُغُ من الإنسانِ مَبلَغَ الدَّمِ، وإني خَشيتُ أن يقذِفَ في قلوبِكما شيئًا)) [4073] رواه البخاري (2035) واللفظ له، ومسلم (2175). .
قال النَّوويُّ: (الحديثُ فيه فوائدُ؛ منها: بيانُ كمالِ شَفَقتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أمَّتِه، ومراعاتُه لمصالحِهم، وصيانةُ قُلوبِهم وجوارِحِهم، وكان بالمُؤمِنين رحيمًا؛ فخاف صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُلقيَ الشَّيطانُ في قلوبِهما فيَهلِكا؛ فإنَّ ظَنَّ السَّوءِ بالأنبياءِ كُفرٌ بالإجماعِ، والكبائِرُ غيرُ جائزةٍ عليهم، وفيه أنَّ من ظَنَّ شيئًا من نحوِ هذا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَفَر .. وفيه استحبابُ التَّحرُّزِ من التَّعرُّضِ لسُوءِ ظنِّ النَّاسِ في الإنسانِ، وطَلبِ السَّلامةِ، والاعتذارِ بالأعذارِ الصَّحيحةِ، وأنَّه متى فعل ما قد يُنكَرُ ظاهِرُه ممَّا هو حقٌّ، وقد يخفى أن يُبَيِّنَ حالَه ليَدفَعَ ظَنَّ السَّوءِ) [4074] ((شرح النووي على مسلم)) (14/156، 157). .
- وعن أبي أمامةَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الأميرَ إذا ابتغى الرِّيبةَ في النَّاسِ أفسَدَهم)) [4075] رواه أبو داود (4889)، وأحمد (23815). صحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4889)، ووثَّق رجاله الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/218). .
قال المُناويُّ: (... "إنَّ الأميرَ إذا ابتغى الرِّيبةَ"، أي: طلَب الرِّيبةَ، أي: التُّهمةَ في النَّاسِ بنيَّةِ فَضائِحِهم. أفسَدَهم، وما أمهَلَهم، وجاهَرَهم بسُوءِ الظَّنِّ فيها، فيؤدِّيهم ذلك إلى ارتِكابِ ما ظُنَّ بهم ورُموا به، ففَسَدوا، ومقصودُ الحديثِ: حَثُّ الإمامِ على التَّغافُلِ، وعَدَمِ تتَبُّعِ العَوْراتِ؛ فإنَّ بذلك يقومُ النِّظامُ، ويحصُلُ الانتظامُ، والإنسانُ قَلَّما يسلَمُ مِن عَيبِه، فلو عامَلَهم بكُلِّ ما قالوه أو فعلوه اشتَدَّت عليهم الأوجاعُ، واتَّسَع المجالُ، بل يَستُرُ عُيوبَهم، ويتغافَلُ ويصفَحُ، ولا يتَّبِعُ عَوراتِهم، ولا يتجَسَّسُ عليهم) [4076] ((فيض القدير)) (2/323). .

انظر أيضا: