موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ سُوءِ الظَّنِّ وبعضِ الصِّفاتِ


الفَرْقُ بَيْنَ سُوءِ الظَّنِّ والاحترازِ:
قال ابنُ القَيِّمِ: (الفَرْقُ بَيْنَ الاحترازِ وسُوءِ الظَّنِّ:
أنَّ المحتَرِزَ يكونُ مع التَّأهُّبِ والاستعدادِ، وأخذِ الأسبابِ التي بها ينجو من المكروهِ؛ فالمحتَرِزُ كالمتسلِّحِ المتطَوِّعِ الذي قد تأهَّب للقاءِ عَدُوِّه، وأعدَّ له عُدَّتَه؛ فهمُّه في تهيئةِ أسبابِ النَّجاةِ ومحاربةِ عَدُوِّه، قد أشغَلَتْه عن سُوءِ الظَّنِّ به، وكلَّما ساء به الظَّنُّ أخذ في أنواعِ العِدَّةِ والتَّأهُّبِ، بمنزلةِ رجُلٍ قد خرج بمالِه ومركوبِه مسافِرًا، فهو يحترزُ بجُهدِه من كُلِّ قاطعٍ للطَّريقِ، وكلِّ مكانٍ يُتوقَّعُ منه الشَّرُّ.
وأمَّا سُوءُ الظَّنِّ فهو امتلاءُ قلبِه بالظُّنونِ السَّيِّئةِ بالنَّاسِ؛ حتى يطفَحَ على لسانِه وجوارحِه، فهم معه أبدًا في الهَمزِ واللَّمزِ والطَّعنِ والعَيبِ والبُغضِ، يُبغِضُهم ويُبغِضونه، ويلعَنُهم ويلعنونه، ويَحذَرُهم ويحذَرون منه، فالأوَّلُ يخالطُهم ويحترِزُ منهم، والثَّاني يتجنَّبُهم ويلحَقُه أذاهم، الأوَّلُ داخِلٌ فيهم بالنَّصيحةِ والإحسانِ مع الاحترازِ، والثَّاني خارجٌ منهم مع الغِشِّ والدَّغَلِ والبُغضِ) [4058] يُنظَر: ((الروح)) (1/237، 238) بتصرف. .
الفَرْقُ بَيْنَ الفِراسةِ وسُوءِ الظَّنِّ:
قال أبو طالبٍ المكِّيُّ: (الفَرْقُ بَيْنَ الفِراسةِ وسُوءِ الظَّنِّ: أنَّ الفِراسةَ ما توسَّمْتَه من أخيك بدليلٍ يظهَرُ لك، أو شاهدٍ يبدو منه، أو علامةٍ تَشهَدُها فيه، فتتفَرَّسُ من ذلك فيه ولا تنطِقُ به إن كان سوءًا، ولا تُظهِرُه ولا تحكُمُ عليه ولا تقطَعُ به فتأثَمَ.
 وسُوءُ الظَّنِّ ما ظنَنْتَه من سوءِ رأيِك فيه، أو لأجلِ حِقدٍ في نفسِك عليه، أو لسوءِ نيَّةٍ تكونُ أو خبثِ حالٍ فيك، تعرِفُها من نفسِك، فتحمِلُ حالَ أخيك عليها وتقيسُه بك، فهذا هو سُوءُ الظَّنِّ والإثمُ) [4059] ((قوت القلوب)) (2/371). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (الظَّنُّ يخطئُ ويصيبُ، وهو يكونُ مع ظُلمةِ القَلبِ ونورِه، وطهارتِه ونجاستِه؛ ولهذا أمرَ تعالى باجتنابِ كثيرٍ منه، وأخبر أنَّ بعضَه إثمٌ، وأمَّا الفِراسةُ فأثنى على أهلِها ومدَحَهم...) [4060] ((الروح)) (ص: 238). .

انظر أيضا: