موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: آثارُ سُوءِ الظَّنِّ


1- يورِثُ الإنسانَ الأخلاقَ السَّيِّئةَ:
سُوءُ الظَّنِّ يورِثُ الإنسانَ الأخلاقَ السَّيِّئةَ، كالجُبنِ، والبُخلِ، والشُّحِّ، والحِقدِ، والحَسَدِ، والتَّباغُضِ.
قال ابنُ القَيِّمِ: (الشُّحُّ... خُلُقٌ ذميمٌ يتوَلَّدُ من سُوءِ الظَّنِّ، وضَعفِ النَّفسِ، ويَمُدُّه وَعدُ الشَّيطانِ) [4092] ((الروح)) (1/237). .
وقال المهلَّبُ: (التباغُضُ والتَّحاسُدُ أصلُهما سُوءُ الظَّنِّ، وذلك أنَّ المباغِضَ والمحاسِدَ يتأوَّلُ أفعالَ من يُبغِضُه ويحسُدُه على أسوأِ التَّأويلِ) [4093] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/261). .
2- سبَبٌ في وجودِ الأحقادِ والعداوةِ:
فإنَّ الظَّنَّ السَّيِّئَ (يزرعُ الشِّقاقَ بَيْنَ المُسلِمين، ويقطَعُ حبالَ الأخُوَّةِ، ويمزِّقُ وشائجَ المحبَّةِ، ويزرعُ العداءَ والبغضاءَ والشَّحناءَ) [4094] ((ظاهرة الغلو في الدين في العصر الحديث)) لمحمد عبد الحكيم (1/210). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (وأمَّا سُوءُ الظَّنِّ فهو امتلاءُ قلبِه بالظُّنونِ السَّيِّئةِ بالنَّاسِ؛ حتى يطفَحَ على لسانِه وجوارحِه، فهم معه أبدًا في الهَمزِ واللَّمزِ والطَّعنِ والعَيبِ والبُغضِ، يُبغِضُهم ويُبغِضونه، ويلعَنُهم ويلعنونه، ويَحذَرُهم ويحذَرون منه، فالأوَّلُ يخالطُهم ويحترِزُ منهم، والثَّاني يتجنَّبُهم ويلحَقُه أذاهم، الأوَّلُ داخِلٌ فيهم بالنَّصيحةِ والإحسانِ مع الاحترازِ، والثَّاني خارجٌ منهم مع الغِشِّ والدَّغَلِ والبُغضِ) [4095] ((الروح)) (1/238). .
3- يؤدِّي إلى تتبُّعِ عَوراتِ المُسلِمين:
قال الغزاليُّ: (من ثمَراتِ سُوءِ الظَّنِّ التَّجَسُّسُ؛ فإنَّ القلبَ لا يقنَعُ بالظَّنِّ، ويطلُبُ التَّحقيقَ فيشتَغِلُ بالتَّجسُّسِ، وهو أيضًا منهيٌّ عنه؛ قال اللهُ تعالى: وَلَا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12] . فالغِيبةُ وسُوءُ الظَّنِّ والتَّجَسُّسُ منهيٌّ عنه في آيةٍ واحدةٍ، ومعنى التَّجسُّسِ ألَّا يترُكَ عبادَ اللهِ تحتَ سِترِ اللَّهِ، فيتوصَّلُ إلى الاطِّلاعِ وهَتكِ السِّترِ؛ حتى ينكَشِفَ له ما لو كان مستورًا عنه كان أسلَمَ لقَلبِه ودينِه) [4096] ((إحياء علوم الدين)) (3/152). .
4- سَبَبٌ للمُشكِلاتِ العائليَّةِ:
فـ(من أسبابِ المشاكِلِ العائليَّةِ سُوءُ الظَّنِّ من أحَدِهما وغَضَبُه قبلَ التَّذكُّرِ والتَّثبُّتِ؛ فيقَعُ النِّزاعُ، وربَّما حصل فِراقٌ، ثمَّ تبيَّن الأمرُ خِلافَ الظَّنِّ) [4097] ((موارد الظمآن لدروس الزمان)) لعبد العزيز السلمان (4/272). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (الغَيرةُ مذمومةٌ؛ منها غَيرةٌ يحمِلُ عليها سُوءُ الظَّنِّ، فيؤذي بها المحبُّ محبوبَه، ويُغري عليه قلبَه بالغَضَبِ، وهذه الغَيرةُ يَكرَهُها اللهُ إذا كانت في غيرِ رِيبةٍ، ومنها غيرةٌ تحمِلُه على عقوبةِ المحبوبِ بأكثَرَ ممَّا يستحِقُّه) [4098] ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)) (1/311). .
5- إضعافُ الثِّقةِ بَيْنَ المُؤمِنين [4099] ((الرائد دروس في التربية والدعوة)) لمازن الفريح (2/168). .
6- من مداخِلِ الشَّيطانِ الموقِعةِ في كبائِرِ الذُّنوبِ:
قال الغزاليُّ: (من عظيمِ حِيَلِ الشَّيطانِ.. سُوءُ الظَّنِّ بالمسلِمين؛ قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12] ، فمَن يحكُمْ بشَرٍّ على غيرِه بالظَّنِّ، بعثه الشَّيطانُ على أن يُطوِّلَ فيه اللِّسانَ بالغِيبةِ فيَهلِكَ، أو يُقَصِّرَ في القيامِ بحقوقِه، أو يتوانى في إكرامِه، وينظُرَ إليه بعينِ الاحتقارِ، ويرى نفسَه خيرًا منه. وكلُّ ذلك من المُهلِكاتِ) [4100] ((إحياء علوم الدين)) (3/36). .
7- سَبَبٌ في مَرَضِ القَلبِ، وعلامةٌ على خُبثِ الباطِنِ:
قال الغزاليُّ: (مهما رأيتَ إنسانًا يسيءُ الظَّنَّ بالنَّاسِ طالبًا للعيوبِ فاعلَمْ أنَّه خبيثٌ في الباطِنِ، وأنَّ ذلك خُبثُه يترشَّحُ منه، وإنما رأى غيرَه من حيثُ هو؛ فإنَّ المُؤمِنَ يطلُبُ المعاذيرَ، والمُنافِقَ يطلُبُ العيوبَ، والمُؤمِنُ سليمُ الصَّدرِ في حَقِّ كافَّةِ الخَلقِ) [4101] ((إحياء علوم الدين)) (3/36). .
8- يُسَبِّبُ عَدَمَ الثِّقةِ بالآخَرينَ:
قال الزَّمخشريُّ: (قيل لعالمٍ: مَن أسوأُ النَّاسِ حالًا؟ قال: مَن لا يثِقُ بأحدٍ لسُوءِ ظَنِّه، ولا يثِقُ به أحدٌ لسُوءِ فِعلِه) [4102] ((ربيع الأبرار)) (3/298). .
أمَّا آثارُ سُوءِ الظَّنِّ باللهِ فمنها:
1- أنه سببٌ للوقوعِ في الشِّركِ والبدعةِ والضَّلالِ:
سُوءُ الظَّنِّ باللهِ سببٌ في الوقوعِ في الشِّركِ قال ابنُ القَيِّمِ: (الشِّركُ والتَّعطيلُ مبنيَّانِ على سُوءِ الظَّنِّ باللهِ تعالى.. لأنَّ الشِّركَ هضمٌ لحَقِّ الرُّبوبيَّةِ، وتنقيصٌ لعَظَمةِ الإلهيَّةِ، وسوءُ ظَنٍّ بربِّ العالَمين؛ ولهذا قال إبراهيمُ إمامُ الحُنَفاءِ لخُصَمائِه من المُشرِكين: أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 86-87] ) [4103] يُنظَر: ((إغاثة اللهفان)) (1/60-62). .
قال المقريزيُّ: (اعلَمْ أنَّك إذا تأمَّلتَ جميعَ طوائفِ الضَّلالِ والبِدَعِ وجَدْتَ أصلَ ضلالِهم راجعًا إلى شيئين: أحدُهما:.. الظَّنُّ باللهِ ظَنَّ السَّوءِ) [4104] ((رسائل المقريزي)) (1/102) بتصرف يسير. .
2- أنَّه صفةُ كُلِّ مبطِلٍ ومبتَدِعٍ:
قال تعالى: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت: 23] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (كُلُّ مبطِلٍ وكافرٍ ومبتَدِعٍ مقهورٌ مُستذَلٌّ، فهو يظُنُّ برَبِّه هذا الظَّنَّ وأنَّه أولى بالنَّصرِ والظَّفَرِ والعُلوِّ من خصومِه، فأكثَرُ الخلقِ بل كلُّهم إلَّا من شاء اللهُ يظنُّون باللهِ غيرَ الحَقِّ ظَنَّ السَّوءِ، فإنَّ غالِبَ بني آدمَ يعتقِدُ أنَّه مبخوسُ الحَقِّ ناقِصُ الحظِّ، وأنَّه يستحِقُّ فوقَ ما أعطاه اللهُ، ولسانُ حالِه يقولُ: ظلَمَني ربِّي، ومنعني ما أستحِقُّه! ونفسُه تشهَدُ عليه بذلك، وهو بلسانِه يُنكِرُه، ولا يتجاسَرُ على التَّصريحِ به، ومن فتَّش نفسَه وتغلغَلَ في معرفةِ دفائنِها وطواياها رأى ذلك فيها كامنًا كُمونَ النَّارِ في الزِّنادِ!) [4105] ((زاد المعاد)) (3/211)، ((الصواعق المُرسَلة)) (4/1356)، ((الداء والدواء)) (1/138). .
3- سبَبٌ في استحقاقِ لعنةِ اللهِ وغضَبِه:
قال تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (توعَّد اللهُ سُبحانَه الظَّانِّين به ظَنَّ السَّوءِ بما لم يتوعَّدْ به غيرَهم، كما قال تعالى: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح: 6] ) [4106] ((الداء والدواء)) (1/138). .
4- من أساء الظَّنَّ أساء العَمَلَ:
(تلا الحَسَنُ: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ [فصلت: 23] ، فقال: إنَّما عَمَلُ النَّاسِ على قَدرِ ظُنونِهم برَبِّهم؛ فأمَّا المُؤمِنُ فأحسَنَ باللهِ الظَّنَّ، فأحسن العَمَلَ، وأمَّا الكافرُ والمُنافِقُ فأساءا الظَّنَّ، فأساءا العمَلَ) [4107] رواه عبد الرزاق في ((التفسير)) (2700)، والطبري في ((التفسير)) (21/456) واللفظ له. .

انظر أيضا: