موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: أقسامُ سُوءِ الظَّنِّ


ينقَسِمُ سُوءُ الظَّنِّ إلى قسمَينِ:
القسمُ الأوَّلُ: سُوءُ الظَّنِّ الذي يؤاخَذُ به صاحبُه:
وضابطُ هذا النَّوعِ: هو كُلُّ ظنٍّ ليس عليه دليلٌ صحيحٌ معتَبَرٌ شرعًا، استقرَّ في النَّفسِ، وصدَّقه صاحبُه، واستمرَّ عليه، وتكلَّم به، وسعى في التَّحقُّقِ منه [4108] يُنظَر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/123)، و((شرح النووي على مسلم)) (16/119). . ومن ذلك سُوءُ الظَّنِّ بالمُؤمِنين.
القسمُ الثَّاني: سُوءُ الظَّنِّ الذي لا يؤاخَذُ به صاحِبُه:
ومن ذلك الخواطرُ الطَّارئةُ غيرُ المستقِرَّةِ التي يجاهِدُها صاحبُها، ولا يسعى للتحقُّقِ منها.
قال النَّوويُّ: (الخواطِرُ وحديثُ النَّفسِ إذا لم يستَقِرَّ ويستمِرَّ عليه صاحبُه فمعفوٌّ عنه باتِّفاقِ العُلَماءِ؛ لأنَّه لا اختيارَ له في وقوعِه، ولا طريقَ له إلى الانفكاكِ عنه، وهذا هو المرادُ بما ثبت في الصَّحيحِ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّ اللهَ تجاوز لأمَّتي ما حدَّثت به أنفُسَها ما لم تتكلَّمْ به أو تعمَلْ)) [4109] رواه البخاري (5269)، ومسلم (127) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. . قال العُلَماءُ: المرادُ به الخواطرُ التي لا تستقِرُّ، قالوا: وسواءٌ كان ذلك الخاطِرُ غِيبةً أو كُفرًا أو غيرَه، فمن خطَر له الكُفرُ مجرَّدَ خَطَرٍ من غيرِ تعمُّدٍ لتحصيلِه، ثمَّ صرفه في الحالِ، فليس بكافرٍ، ولا شيءَ عليه... وسببُ العَفوِ ما ذكَرْناه من تعذُّرِ اجتنابِه، وإنما الممكنُ اجتنابُ الاستمرارِ عليه؛ فلهذا كان الاستمرارُ وعَقدُ القلبِ حرامًا، ومهما عَرَض لك هذا الخاطرُ بالغِيبةِ وغيرِها من المعاصي، وجَب عليك دفعُه بالإعراضِ عنه، وذِكرِ التَّأويلاتِ الصَّارفةِ له عن ظاهِرِه) [4110] ((الأذكار)) (1/345)، ((إحياء علوم الدين)) لأبي حامد الغزالي (3/150). .
وكذلك لا يؤاخَذُ المسلِمُ على سُوءِ الظَّنِّ بالكافِرِ وبمن اشتهر بَيْنَ النَّاسِ بالفُجورِ، والمجاهرةِ بالمعاصي، أو سُوءِ الظَّنِّ بمن يناصِبُه العداوةَ [4111] يُنظَر: ((روضة العقلاء)) لابن حبان (1/127)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/300). .
وللهِ دَرُّ القائِلِ:
من أحسَنَ الظَّنَّ بأعدائِه
تجرَّع الهمَّ بلا كاسِ [4112] يُنظَر: ((شرح لامية العجم)) للدميري (ص: 114).
وعن عائشةَ قالت: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما أظُنُّ فلانًا وفلانًا يعرفانِ من دينِنا شيئًا)) قال اللَّيثُ: (كانا رجلينِ من المُنافِقين) [4113] أخرجه البخاري (6067). . وترجم له البخاريُّ "بابُ ما يجوزُ من الظَّنِّ"، قال ابنُ حَجَرٍ: (حاصِلُ التَّرجمةِ أنَّ مِثلَ هذا الذي وقع في الحديثِ ليس من الظَّنِّ المنهيِّ عنه؛ لأنَّه في مقامِ التَّحذيرِ من مثلِ من كان حالُه كحالِ الرَّجلينِ، والنَّهيُ إنما هو عن الظَّنِّ السَّوءِ بالمسلِمِ السَّالمِ في دينِه وعِرضِه، وقد قال ابنُ عُمَرَ: "إنَّا كنَّا إذا فقَدْنا الرَّجُلَ في عشاءِ الآخِرةِ أسَأْنا به الظَّنَّ" [4114] أخرجه ابن خزيمة (1485)، والحاكم (764)، وابن حبان (2099) بنحوه، بزيادة لفظة (والصبح). صحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم على شرط الشيخين، والألباني في ((صحيح الموارد)) (364). ومعناه أنَّه لا يغيبُ إلَّا لأمرٍ سيِّئٍ إمَّا في بدنِه وإمَّا في دينِه) [4115] ((فتح الباري)) (10/485). .

انظر أيضا: