موسوعة الأخلاق والسلوك

 سادسًا: أسبابُ الوقوعِ في سُوءِ الظَّنِّ


1- الجَهلُ وسُوءُ القصدِ والفَهمِ:
فالجهلُ من الأسبابِ التي تؤدي إلى سُوءِ الظَّنِّ بسَبَبِ عَدَمِ فَهمِ حقيقةِ (ما يرى وما يقرأُ، ومرمى ذلك. وعدمُ إدراكِ حُكمِ الشَّرعِ الدَّقيقِ في هذه المواقِفِ، خُصوصًا إذا كانت المواقفُ غريبةً تحتاجُ إلى فقهٍ دقيقٍ ونظرٍ بعيدٍ، يجعلُ صاحبَه يبادرُ إلى سُوءِ الظَّنِّ، والاتهامِ بالعَيبِ، والانتقاصِ من القَدرِ؛ فانظُرْ إلى ذي الخويصِرةِ الجَهولِ، لماذا أساء الظَّنَّ بالرَّسولِ واتَّهمه بعدَمِ الإخلاصِ؟! فقال: اعدِلْ يا محمَّدُ، فما عَدَلْتَ! هذه قِسمةٌ ما أُريدَ بها وجهُ اللَّهِ [4116] ينظر: ما أخرجه البخاري (3610) ومسلم (1064) من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. وما أخرجه البخاري (3138) ومسلم (1063) من حديثِ جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه. وما أخرجه البخاري (3405) ومسلم (1062) من حديثِ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. ! لقد دفعَه إلى الظَّنِّ السَّيِّئِ والفِعلِ القبيحِ جَهلُه وسطحيَّةُ فهمِه، وقِلَّةُ فقهِه لمقاصِدِ الشَّريعةِ ومصالحِ الدِّينِ الشَّرعيَّةِ) [4117] ((ظاهرة الغلو في الدين في العصر الحديث)) لمحمد عبد الحكيم (1/201، 202). .
2- اتِّباعُ الهوى وتعميمُ الأحكامِ على النَّاسِ:
قال الغزاليُّ: (المُسلِمُ يستحِقُّ بإسلامِه عليك ألَّا تسيءَ الظَّنَّ به، فإن أسأتَ الظَّنَّ به في عينِه؛ لأنَّك رأيتَ فسادًا من غيرِه، فقد جنَيتَ عليه، وأثِمتَ به في الحالِ... ويدُلُّ عليه أنَّا نعلَمُ أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم في غزواتِهم وأسفارِهم كانوا ينزِلون في القُرى، ولا يردُّون القِرى، ويدخلون البلادَ، ولا يحترزون من الأسواقِ، وكان الحرامُ أيضًا موجودًا في زمانِهم، وما نُقِل عنهم سؤالٌ إلَّا عن ريبةٍ؛ إذ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يسألُ عن كُلِّ ما يُحمَلُ إليه، بل سأل في أوَّلِ قُدومِه إلى المدينةِ عمَّا يحمَلُ إليه أصَدَقةٌ أم هَديَّةٌ؟! لأنَّ قرينةَ الحالِ تدُلُّ، وهو دخولُ المهاجِرين المدينةَ وهم فُقَراءُ، فغَلَب على الظَّنِّ أنَّ ما يحمَلُ إليهم بطريقِ الصَّدَقةِ) [4118] ((إحياء علوم الدين)) (2/119). .
3- مصاحَبةُ أهلِ الفِسقِ والفُجورِ:
قال أبو حاتمٍ البُستيُّ: (صحبةُ الأشرارِ تُورِثُ سُوءَ الظَّنِّ بالأخيارِ، ومَن خادَن الأشرارَ لم يسلَمْ من الدُّخولِ في جملتِهم، فالواجِبُ على العاقِلِ أن يجتَنِبَ أهلَ الرَّيبِ؛ لئلَّا يكونَ مُريبًا، فكما أنَّ صُحبةَ الأخيارِ تُورِثُ الخيرَ، كذلك صُحبةُ الأشرارِ تورِثُ الشَّرَّ) [4119] ((روضة العقلاء)) (1/100). .
4- الحضورُ في مواطِنِ التُّهَمِ والرَّيبِ:
من أسبابِ إساءةِ النَّاسِ الظَّنَّ بالمرءِ حُضورُه في أماكِنِ الرَّيبِ والفجورِ؛ ولهذا قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: (من أقام نفسَه مقامَ التُّهَمِ فلا يلومَنَّ من أساء به الظَّنَّ) [4120] رواه الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (477). .
5- الحِقدُ والحسَدُ على المظنونِ به:
قال أبو طالِبٍ المكِّيُّ: (وسُوءُ الظَّنِّ ما ظنَنْتَه من سوءِ رأيِك فيه، أو لأجلِ حِقدٍ في نفسِك عليه، أو لسوءِ نيَّةٍ تكونُ أو خبثِ حالٍ فيك، تعرِفُها من نفسِك، فتحمِلُ حالَ أخيك عليها وتقيسُه بك، فهذا هو سُوءُ الظَّنِّ والإثمُ) [4121] ((قوت القلوب)) (2/371). .
6- الإسرافُ في الغَيرةِ:
قال الغزاليُّ: (قال عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: لا تُكثِرِ الغَيرةَ على أهلِك، فتُرمى بالسُّوءِ من أجلِك) [4122] ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (2/46). .
7- وساوِسُ الشَّيطانِ وتزيينُه:
قال تعالى: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا [الفتح: 12] .
قال البَغَويُّ: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا، أي: ظنَنْتُم أنَّ العدُوَّ يستأصِلُهم فلا يرجِعون، وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ زيَّن الشَّيطانُ ذلك الظَّنَّ في قلوبِكم) [4123] ((تفسير البغوي)) (4/ 225). .
وفي الحديثِ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الشَّيطانَ يجري من الإنسانِ مجرى الدَّمِ، وإني خشيتُ أن يقذِفَ في قلوبِكما شَرًّا، أو قال: شيئًا)) [4124] رواه البخاري (3281)، ومسلم (2175) واللفظ له. .
قال الهيتمي: (وينبغي لك إذا ورد عليك خاطِرُ سوءٍ بمسلِمٍ أن تبادِرَ بالدُّعاءِ له بالخيرِ؛ لتَغيظَ الشَّيطانَ، وتقطَعَ عنه إلقاءَه إليك ذلك من دعائِك له) [4125] ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (2/ 32). .

انظر أيضا: