موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ سُوءِ الظَّنِّ


1- مجاهدةُ النَّفسِ على سلامةِ الصَّدرِ ودَفعِ الوساوِسِ والخَطَراتِ.
2- تركُ التَّحقُّقِ من الظُّنونِ السَّيِّئةِ:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12] .
قال ابنُ حَجَرٍ: (دلَّ سياقُ الآيةِ على الأمرِ بصونِ عِرضِ المسلِمِ غايةَ الصِّيانةِ؛ لتقدُّمِ النَّهيِ عن الخوضِ فيه بالظَّنِّ، فإن قال الظَّانُّ: أبحثُ لأتحقَّقَ، قيل له: وَلَا تَجَسَّسُوا، فإن قال: تحقَّقْتُ من غيرِ تجَسُّسٍ، قيل له: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) [4126] ((فتح الباري)) (10/ 481). .
3- أن يتأوَّلَ ما ظاهِرُه السُّوءُ وأن يجِدَ له مخرَجًا:
قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: (لا يحِلُّ لامرئٍ مسلِمٍ سَمِع من أخيه كَلِمةً أن يظُنَّ بها سوءًا، وهو يجِدُ لها في شيءٍ من الخيرِ مَخرَجًا) [4127] ذكره ابن عبد البر في ((التمهيد)) (18/20). .
وقال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (ما بلغني عن أخٍ مكروهٌ قطُّ إلَّا أنزَلْتُه إحدى ثلاثِ منازِلَ: إن كان فوقي عرَفْتُ له قَدْرَه، وإن كان نظيري تفضَّلتُ عليه، وإن كان دوني لم أحفِلْ به. هذه سيرتي في نفسي، فمَن رَغِب عنها فأرضُ اللهِ واسِعةٌ) [4128] ذكره ابن مُفلِح في ((الآداب الشرعية)) (2/13)، وعزاه إلى أبي حفص العكبري في ((الأدب)). .
4- عَدَمُ مصاحبةِ من ابتُليَ بإساءةِ الظَّنِّ:
قال ابنُ حِبَّانَ: (الواجِبُ على العاقِلِ أن يجتَنِبَ أهلَ الرِّيَبِ؛ لئلَّا يكونَ مُريبًا، فكما أنَّ صُحبةَ الأخيارِ تُورِثُ الخيرَ، كذلك صُحبةُ الأشرارِ تورِثُ الشَّرَّ) [4129] ((روضة العقلاء)) (ص: 100). .
5- البعدُ عن مواطِنِ التُّهَمِ والرِّيَبِ:
وعن عليِّ بنِ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ صفيَّةَ زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبرتْه أنَّها جاءت رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تزورُه في اعتكافِه في المسجِدِ في العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ، فتحدَّثَت عنده ساعةً، ثمَّ قامت تنقَلِبُ، فقام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معها يَقلِبُها، حتَّى إذا بلغت بابَ المسجِدِ عندَ بابِ أمِّ سَلَمةَ مرَّ رجلانِ من الأنصارِ، فسَلَّما على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: على رِسْلِكما، إنَّما هي صفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ. فقالا: سبحانَ اللهِ، يا رسولَ اللهِ! وكَبُر عليهما. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ الشَّيطانَ يَبلُغُ من الإنسانِ مَبلَغَ الدَّمِ، وإني خَشيتُ أن يقذِفَ في قلوبِكما شيئًا)) [4130] رواه البخاري (2035) واللفظ له، ومسلم (2175). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (في قولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّها صفيَّةُ" السُّنَّةُ الحَسَنةُ لأمَّتِه، أن يمتَثِلوا فعلَه ذلك في البُعدِ عن التُّهَمِ ومواقِفِ الرِّيَبِ) [4131] ((شرح صحيح البخاري)) (4/175). .
وقال الغزاليُّ: (حتى لا يتساهَلَ العالِمُ الوَرِعُ المعروفُ بالدِّينِ في أحوالِه فيقولَ: مِثلي لا يُظَنُّ به إلَّا الخيرُ؛ إعجابًا منه بنفسِه، فإنَّ أورعَ النَّاسِ وأتقاهم وأعلَمَهم لا ينظُرُ النَّاسُ كُلُّهم إليه بعينٍ واحدةٍ، بل بعينِ الرِّضا بعضُهم، وبعَينِ السَّخَطِ بعضُهم... فيجِبُ الاحترازُ عن ظَنِّ السَّوءِ، وعن تهمةِ الأشرارِ؛ فإنَّ الأشرارَ لا يظنُّون بالنَّاسِ كُلِّهم إلَّا الشَّرَّ) [4132] ((إحياء علوم الدين)) (3/36). .
وقال أيضًا: ينبغي على المرءِ (أن يتَّقِيَ مواضِعَ التُّهَمِ صيانةً لقلوبِ النَّاسِ عن سُوءِ الظَّنِّ، ولألسِنَتِهم عن الغيبةِ؛ فإنَّهم إذا عصَوا اللهَ بذِكرِه وكان هو السَّببَ فيه، كان شريكًا؛ قال اللهُ تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 108] ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كيف ترونَ من يَسُبُّ أبويه؟! فقالوا: وهل من أحَدٍ يَسُبُّ أبَويه؟! فقال: نعم، يسُبُّ أبوَي غيرِه فيَسُبُّون أبوَيه)) [4133] رواه البخاري (5973)، ومسلم (90) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. ولفظُ البخاريِّ: (إنَّ مِن أكبرِ الكبائرِ أن يلعَنَ الرَّجُلُ والدَيه. قيل: يا رسولَ اللهِ، وكيف يلعَنُ الرَّجُلُ والدَيه؟ قال: يسُبُّ الرَّجُلُ أبا الرَّجُلِ فيَسُبُّ أباه، ويسُبُّ أمَّه). ) [4134] ((إحياء علوم الدين)) (2/201) .
وقال أعرابيٌّ لصديقٍ له: (دَعْ ما يسبِقُ إلى القلوبِ إنكارُه، وإن كان عندك اعتذارُه؛ فليس من حكى عنك نُكرًا، توسِعُه فيك عُذرًا) [4135] ((الأمالي)) لأبي علي القالي (1/ 14). .
6- أنَّ المسلِمَ كما يكرَهُ أن يساءَ به الظَّنُّ، فينبغي عليه ألَّا يسيءَ الظَّنَّ بأحدٍ من المسلِمين ممَّن ظاهرُه الخيرُ والصَّلاحُ.
ومن وسائِلِ دفعِ المرءِ سُوءَ الظَّنِّ برَبِّه:
1- الاستعاذةُ باللهِ والتَّوقُّفُ عن الاسترسالِ في الظُّنونِ:
إذا كان سُوءُ الظَّنِّ الواردُ متعلِّقًا باللهِ سُبحانَه وتعالى فممَّا ورد في علاجِ ذلك حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يأتي الشَّيطانُ أحَدَكم فيقولُ: مَن خَلَق كذا، مَن خَلَق كذا، حتَّى يقولَ: مَن خَلَق رَبَّك؟ فإذا بلَغه فلْيَستعِذْ باللهِ وليَنْتَهِ)) [4136] رواه البخاري (3276) واللفظ له، ومسلم (134). .
2- معرفةُ أسماءِ اللهِ وصِفاتِه:
قال ابنُ القَيِّمِ: (أكثَرُ النَّاسِ يظنُّون باللهِ غيرَ الحَقِّ ظَنَّ السَّوءِ فيما يختَصُّ بهم، وفيما يفعلُه بغيرِهم، ولا يسلَمُ من ذلك إلَّا من عرَف اللهَ وعرَف أسماءَه وصفاتِه، وعرَف موجِبَ حَمدِه وحكمتِه، فمن قَنِط من رحمتِه وأَيِس من رَوحِه، فقد ظنَّ به ظَنَّ السَّوءِ) [4137] ((زاد المعاد)) (3/206). .
3- سُوءُ الظَّنِّ بالنَّفسِ واتِّهامُها بالتَّقصيرِ:
قال ابنُ القيِّمِ: (لِيَظُنَّ العَبدُ السُّوءَ بنفسِه التي هي مأوى كُلِّ سوءٍ، ومنبَعُ كُلِّ شَرٍّ، المركَّبةِ على الجهلِ والظُّلمِ؛ فهي أَولى بظَنِّ السُّوءِ من أحكَمِ الحاكمين وأعدَلِ العادِلين وأرحَمِ الرَّاحِمين، الغنيِّ الحميدِ الذي له الغِنى التَّامُّ والحمدُ التَّامُّ والحِكمةُ التَّامَّةُ، المنزَّهِ عن كُلِّ سوءٍ في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه وأسمائِه، فذاتُه لها الكمالُ المُطلَقُ من كُلِّ وجهٍ، وصفاتُه كذلك، وأفعالُه كذلك، كلُّها حكمةٌ ومصلحةٌ ورحمةٌ وعدلٌ، وأسماؤه كلُّها حُسنى) [4138] ((زاد المعاد)) (3/211). .
4 - المداومةُ على محاسبةِ النَّفسِ والاستغفارِ:
قال ابنُ القَيِّمِ: (فلْيَعتَنِ اللَّبيبُ النَّاصحُ لنَفسِه بهذا الموضِعِ، وليتُبْ إلى اللهِ تعالى، وليستغفِرْه كُلَّ وقتٍ من ظنِّه برَبِّه ظَنَّ السَّوءِ) [4139] ((زاد المعاد)) (3/211). .

انظر أيضا: