موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


1- الخيانةُ من صفاتِ اليهودِ؛ فقد (وصف اللهُ اليهودَ إلَّا قليلًا منهم بأنَّهم أهلُ خيانةٍ، فقال تعالى لرَسولِه: وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [المائدة: 13] .
فهذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ الخيانةَ من الصِّفاتِ التي تَبرُزُ في اليهودِ بَيْنَ حينٍ وآخَرَ؛ فالخيانةُ شأنُهم ودَيدنُهم، وطريقتُهم في معاملةِ النَّاسِ.
فمن خيانتِهم محاولتُهم اغتيالَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد كان بينَه وبَيْنَهم عهدُ أمانٍ.
ومن خيانتِهم تواطُؤُهم مع الأحزابِ، وقد كان بَيْنَهم وبين الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَهدٌ وأمانٌ) [3300] يُنظَر: ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (1/614). .
2- لا يُتوهَّمُ مِن قَولِه: لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ [الحج: 38] أنَّه يحِبُّ بعضَ الخوَّانين؛ لأنَّ كَلِمةَ "كُلٍّ" اسمٌ جامدٌ لا يُشعِرُ بصفةٍ، فلا يتُوهَّمُ توجُّهُ النَّفيِ إلى معنى الكُلِّيَّةِ المستفادِ من كَلِمةِ كُلٍّ [3301] ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (17/ 197). .
وأيضًا فالخوَّانُ والكَفورُ كِلاهما صيغةُ مُبالغةٍ؛ لأنَّ الفَعَّالَ بالتَّضعيفِ والفَعُولَ -بفتحِ الفاءِ- من صِيَغِ المبالغةِ، والمقَرَّرُ في عِلمِ العربيَّةِ أنَّ نفيَ المبالغةِ في الفِعلِ لا يَستلزِمُ نفيَ أصلِ الفِعلِ؛ فلو قُلتَ: زيدٌ ليس بقَتَّالٍ للرِّجالِ، فقد نفيتَ مبالغتَه في قَتلِهم، ولم يستلزِمْ ذلك أنَّه لم يحصُلْ منه قَتلٌ لبعضِهم، ولكِنَّه لم يبالِغْ في القَتلِ، وعلى هذه القاعدةِ العربيَّةِ المعروفةِ؛ فإنَّ الآيةَ قد صرَّحت بأنَّ اللهَ لا يحِبُّ المبالِغين في الكُفرِ والمُبالغين في الخيانةِ، ولم تتعَرَّضْ لمَن يتَّصِفُ بمُطلَقِ الخيانةِ ومُطلَقِ الكُفرِ مِن غيرِ مبالغةٍ فيهما، ولا شَكَّ أنَّ اللهَ يُبغِضُ الخائِنَ مُطلَقًا، والكافِرَ مطلقًا، وقد أوضَح جلَّ وعلا ذلك في بعضِ المواضعِ، فقال في الخائِنِ : وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [الأنفال: 58] ، وقال في الكافِرِ: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 32] [3302] ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (5/ 262). .
3- مِن الصفاتِ ما لا يكونُ كمالًا عندَ الإطلاق؛ ولكن هو كمالٌ عندَ التقييدِ؛ فهذا لا يجوزُ أنْ يُوصَفَ به الله سبحانَه إلَّا مقيَّدًا، مثل: الخداعِ، والمكرِ، والاستهزاءِ، والكيدِ. فلا يصحُّ أنْ تقولَ: إنَّ الله ماكرٌ على سبيلِ الإطلاقِ، ولكنْ قلْ: إنَّ الله ماكرٌ بمَن يمكرُ به، وبرسلِه.
أمَّا الخيانةُ فلا يُوصَفُ اللهُ بها مُطلَقًا؛ لأنَّ الخيانةَ صِفةُ نَقصٍ مُطلَقٍ؛ والخيانةُ معناها: الخديعةُ في موضِعِ الائتِمانِ، وهذا نقصٌ؛ ولهذا قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال: 71] ، ولم يَقُلْ: فخانهم، لكنْ لمَّا قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللهَ قال: وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142] ؛ لأنَّ الخديعةَ صفةُ مدحٍ مقيدةٌ [3303] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/ 55، 58). .
4- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَطرُقَ الرَّجُلُ أهلَه ليلًا يتخوَّنُهم، أو يلتَمِسُ عَثَراتِهم)) [3304] أخرجه البخاري (1801) مختصرًا، ومسلم (715) واللفظ له. .
قال ابنُ بطَّالٍ: (فبيَّن النَّبيُّ عليه السَّلامُ بهذا اللَّفظِ المعنى الذي من أجْلِه نهى عن أن يَطرُقَ أهلَه ليلًا، فإن قيل: وكيف يكونُ طُروقُه أهلَه ليلًا سَبَبًا لتخَوُّنِهم؟ قيل: معنى ذلك -واللهُ أعلَمُ- أنَّ طُروقَه إيَّاهم ليلًا هو وقتُ خَلوةٍ، وانقطاعِ مُراقبةِ النَّاسِ بعضِهم بعضًا، فكان ذلك سببًا لسُوءِ ظَنِّ أهلِه به، وكأنَّه إنما قصدَهم ليلًا ليَجِدَهم على ريبةٍ، حينَ توخَّى وقتَ غِرَّتِهم وغَفلتِهم. ومعنى الحديثِ النَّهيُ عن التَّجسُّسِ على أهلِه، ولا تحمِلْه غَيرتُه على تُهمتِها إذا لم يأنَسْ منها إلَّا الخيرَ) [3305] يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) (7/369). .
5- قال الفَيْروز آباديُّ عن وُرودِ صِفةِ الخيانةِ في القرآنِ: (قد وردت في القرآنِ على خمسةِ أوجُهٍ:
الأوَّلُ: في الدِّينِ والدِّيانةِ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ [الأنفال: 27] .
الثَّاني: في المالِ والنِّعمةِ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء: 105] .
الثَّالثُ: في الشَّرعِ والسُّنَّةِ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ [الأنفال: 71] .
الرَّابعُ: الخيانةُ بمعنى الزِّنا وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52] . أي: الزَّانينَ. وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.
الخامِسُ: بمعنى نَقضِ العهدِ والبَيعةِ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً [الأنفال: 58] . أي: نَقْضَ عَهدٍ) [3306] يُنظَر: ((بصائر ذوي التمييز)) (2/152). .
6- (وكان شُرَيحٌ يقضي في المضارِبِ بقضاءَينِ: (كان ربَّما قال للمُضارِبِ: بَيِّنتَك على مصيبةٍ تُعذَرُ بها. وربَّما قال لصاحِبِ المالِ: بيَّنتَك أنَّ أمينَك خائِنٌ، وإلَّا فيَمينُه باللهِ ما خانك) [3307] رواه النسائي (3935). صحَّح إسنادَه مقطوعًا الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3935). .

انظر أيضا: