موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: قِصَصٌ في الافتِراءِ والبُهتانِ


1- قِصَّةُ حادثةِ الإفكِ؛ حيثُ اتَّهم المُنافِقون أمَّ المؤمِنين عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، حتى أنزل اللهُ براءتَها في القرآنِ؛ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور: 11-16] .
والقِصَّةُ مشهورةٌ معروفةٌ، وهي في الصَّحيحِ [627] أخرجها البخاري (2661)، ومسلم (2770) من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها. .
2- عن جابِرِ بنِ سَمُرةَ، قال: (شكا أهلُ الكوفةِ سَعدًا إلى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، فعَزَله، واستعمَلَ عليهم عمَّارًا، فشَكَوا حتى ذكَروا أنَّه لا يحسِنُ يُصَلِّي! فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاقَ، إنَّ هؤلاء يزعُمون أنَّك لا تحسِنُ تُصَلِّي، قال أبو إسحاقَ: أمَّا أنا واللهِ فإني كنتُ أُصَلِّي بهم صلاةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أخرِمُ [628] أخرِمُ: أي: أترُكُ وأنقُصُ. يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) (1/ 231). عنها، أصلِّي صلاةَ العِشاءِ، فأركُدُ [629] أركُدُ، أي: أُطيل القيامَ، والرُّكودُ: طُولُ اللُّبثِ. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 491). في الأوليَينِ وأخِفُّ في الأخرَيَينِ، قال: ذاك الظَّنُّ بك يا أبا إسحاقَ! فأرسل معه رجُلًا أو رجالًا إلى الكوفةِ، فسأل عنه أهلَ الكوفةِ ولم يَدَعْ مسجِدًا إلَّا سأل عنه، ويُثنون معروفًا، حتى دخل مسجِدًا لبني عَبسٍ، فقام رجلٌ منهم يقالُ له أسامةُ بنُ قتادةَ يُكنى أبا سَعْدةَ، قال: أمَا إذ نشَدْتَنا [630] نشَدْتَنا، أي: سأَلْتَنا باللهِ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (2/ 84). فإنَّ سعدًا كان لا يَسيرُ بالسَّرِيَّةِ [631] لا يسيرُ بالسَّرِيَّةِ ظاهِرُه أنَّه لا يخرُجُ مع سراياه، وقيل: معناه: لا يسيرُ بالسِّيرةِ السَّوِيَّةِ، أي: العادِلةِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/136). ، ولا يَقسِمُ بالسَّوِيَّةِ، ولا يَعدِلُ في القَضِيَّةِ! قال سعدٌ: أمَا واللهِ لأدعُوَنَّ بثلاثٍ: اللَّهُمَّ إن كان عبدُك هذا كاذِبًا، قام رياءً وسُمعةً، فأطِلْ عُمُرَه، وأطِلْ فَقْرَه، وعَرِّضْه بالفِتَنِ! وكان بَعدُ إذا سُئِل يقولُ: شيخٌ كبيرٌ مفتونٌ، أصابتني دعوةُ سعدٍ! قال عبدُ المَلِكِ -راوي الأثَرِ عن جابرِ بنِ سَمُرةَ-: فأنا رأيتُه بَعْدُ قد سقَط حاجباه على عينَيه من الكِبَرِ، وإنَّه ليتعَرَّضُ للجواري في الطُّرُقِ يَغمِزُهنَّ [632] يَغمِزُهنَّ، أي: يَعصِرُ أعضاءَهنَّ بأصابِعِه. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (2/ 85). [633] أخرجه البخاري (755) واللفظ له، ومسلم (453). .
3- قال الذَّهبيُّ: (قال ابنُ طاهِرٍ: سَمِعتُ أصحابَنا بهَراةَ يقولون: لمَّا قَدِم السُّلطانُ ألَب أرسَلانَ هراةَ في بعضِ قَدَماتِه، اجتمع مشايخُ البلَدِ ورؤساؤُه، ودخلوا على أبي إسماعيلَ وسَلَّموا عليه وقالوا: ورد السُّلطانُ ونحن على عَزمٍ أن نخرُجَ ونُسَلِّمَ عليه، فأحبَبْنا أن نبدأَ بالسَّلامِ عليك، وكانوا قد تواطَؤوا على أن حمَلوا معهم صنَمًا من نُحاسٍ صغيرٍ وجعلوه في المحرابِ تحتَ سجَّادةِ الشَّيخِ، وخَرَجوا وقام إلى خَلوتِه، ودخَلوا على السُّلطانِ واستغاثوا من الأنصاريِّ وأنه مجسِّمٌ وأنَّه يترُكُ في محرابِه صَنَمًا، يزعُمُ أنَّ اللهَ على صورتِه، إن بعَث الآن السُّلطانُ يجِدْه! فعَظُم ذلك على السُّلطانِ وبعَث غلامًا ومعه جماعةٌ، فدخلوا الدَّارَ وقصَدوا المحرابَ فأخذوا الصَّنَمَ، ورجع الغُلامُ بالصَّنَمِ، فبعَث السُّلطانُ من أحضَرَ الأنصاريَّ، فأتى فرأى الصَّنَمَ والعُلَماءَ، والسُّلطانَ قد اشتَدَّ غَضَبُه؛ فقال السُّلطانُ له: ما هذا؟ قال: هذا صنَمٌ يُعمَلُ من الصُّفرِ شِبهُ اللُّعبةِ، قال: لستُ عن ذا أسألُك؟ قال: فعَمَّ يسألُني السُّلطانُ؟ قال: إنَّ هؤلاء يزعُمون أنَّك تعبُدُ هذا، وأنك تقولُ: إنَّ اللهَ على صورتِه! فقال الأنصاريُّ بصَولةٍ وصَوتٍ جَهْوَريٍّ [634] الجَهْوَريُّ: الشَّديدُ العالي. يُنظر: ((دليل الفالحين)) لابن علان (1/ 105). : سُبحانَك! هذا بهتانٌ عظيمٌ! فوقَع في قلبِ السُّلطانِ أنَّهم كَذَبوا عليه، فأمر به فأُخرِجَ إلى دارِه مُكَرَّمًا، وقال لهم: اصدُقوني، وهَدَّدهم، فقالوا: نحن في يدِ هذا الرَّجُلِ في بَليَّةٍ من استيلائِه علينا بالعامَّةِ، فأرَدْنا أن نقطَعَ شَرَّه عنا، فأَمَر بهم ووكَّل بكُلِّ واحدٍ منهم وصادَرَهم وأهانَهم) [635] ((تذكرة الحفاظ)) (3/251، 252). .
- افتِراءُ اليهودِ على نبيِّ اللهِ موسى عليه السَّلامُ:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [الأحزاب: 69]
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ موسى كان رجلًا حَيِيًّا سَتِيرًا لا يُرى مِن جِلْدِه شَيءٌ استحياءً منه، فآذاه مَن آذاه من بني إسرائيلَ، فقالوا: ما يستَتِرُ هذا التسَتُّرَ إلَّا مِن عَيبٍ بجِلْدِه: إمَّا بَرَصٌ، وإمَّا أُدْرَةٌ [636] الأُدْرةُ: نفخةٌ في الخصيةِ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (4/15). وإمَّا آفَةٌ، وإنَّ اللهَ أراد أن يُبَرِّئَه مِمَّا قالوا لموسى، فخلا يومًا وَحْدَه، فوضع ثيابَه على الحَجَرِ، ثمَّ اغتسل، فلمَّا فَرَغ أقبل إلى ثيابِه ليأخُذَها، وإنَّ الحَجَر عدا بثوبِه، فأخذ موسى عصاه وطَلَب الحَجَرَ، فجعل يقولُ: ثوبي حَجَرُ! ثوبي حَجَرُ! حتَّى انتهى إلى ملأٍ من بني إسرائيلَ فرأوه عُريانًا أحسَنَ ما خلق اللهُ، وأبرَأَه مِمَّا يقولون! وقام الحَجَرُ، فأخذ بثَوبِه فلَبِسَه، وطَفِقَ بالحَجَرِ ضَربًا بعصاه، فواللهِ إنَّ بالحَجَرِ لنَدَبًا [637] النَّدَبُ: الأثَرُ الباقي في الحَجَرِ من ضَربِ موسى عليه السلام له. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (1/330). من أثَرِ ضَرْبِه، ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا! فذلك قَولُه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [الأحزاب: 69] )) [638] أخرجه البخاري (3404) واللفظ له، ومسلم (339). .
- الافتِراءُ على نبيِّ اللهِ سُلَيمانَ واتِّهامُه بالسِّحرِ:
فقد زعَموا بُهتانًا وباطلًا أنَّ سُليمانَ عليه السَّلامُ كان ساحرًا، وما مَلَك مُلكًا ولا وقَعَت له مُعجِزةٌ إلَّا بسِحرِه! وقد برَّأه سُبحانَه من هذا الإفكِ المفترى.
قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا [البقرة: 102] .
قال أبو السُّعودِ العِماديُّ: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ تنزيهٌ لساحتِه عليه السَّلامُ عن السِّحرِ، وتكذيبٌ لمن افترى عليه بأنَّه كان يعتَقِدُه ويعمَلُ به، والتَّعرُّضُ لكونِه كُفرًا للمُبالغةِ في إظهارِ نزاهتِه عليه السَّلامُ، وكَذِبِ باهِتيه بذلك) [639] ((إرشاد العقل السليم)) (1/ 137). .
- افتِراءُ امرأةِ العزيزِ على يوسُفَ عليه السَّلامُ ورَمْيُه كَذِبًا بالفاحِشةِ:
قال تعالى: وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف: 25 - 28] .
وقد ذكَر اللهُ تعالى اعترافَ امرأةِ العزيزِ بما افترته على يوسُفَ عليه السَّلامُ، فقال تعالى: قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51] .
- افتِراءُ إخوةِ يوسُفَ عليه السَّلامُ عليه واتِّهامُهم له بالسَّرِقةِ:
قال تعالى في حكايةِ افتِراءِ إخوةِ يوسُفَ عليه السَّلامُ واتِّهامِهم له: قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ [يوسف: 77] .
(فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا: أي: فأخفى يوسُفُ في نفسِه هذه الفِريةَ التي افترَوها عليه، ولم يُظهِرْها لهم أنَّها فِريةٌ؛ كتمانًا لأمرِه حتَّى يُفاجَؤوا في نهايةِ القِصَّةِ بما آل إليه أمرُه في المُلكِ، فيندَموا على ما فَرَط منهم في حَقِّه) [640] ((التفسير الوسيط)) لمحمد سيد طنطاوي (5/ 364). .
- الافتِراءُ على مريمَ رضيَ الله عنها:
بيَّن اللهُ تعالى بعضَ الذُّنوبِ التي ارتكبها اليهودُ، ممَّا أوجب لعْنَتَهم وطَرْدَهم وإبعادَهم عن الهُدى، فقال: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [النساء: 156] ، فأمَّا «البُهتانُ» فهو قَذْفُهم مريمَ بالزِّنا [641] ((زاد المسير في علم التفسير)) لابن الجوزي (1/ 494). . مع براءتِها من كُلِّ ريبةٍ؛ لذا وصَف اللهُ تعالى طَعْنَ اليهودِ فيها بأنَّه بُهتانٌ عظيمٌ [642] ((مفاتيح الغيب)) للرازي (11/ 259). .
- امرأةٌ بَغِيٌّ تفتري الكَذِبَ على رَجُلٍ عابِدٍ في بني إسرائيلَ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كان رجلٌ في بني إسرائيلَ -يُقالُ له جُرَيجٌ- يُصَلِّي، فجاءته أمُّه فدعَتْه، فأبى أن يجيبَها، فقال: أُجيبُها أو أُصَلِّي، ثمَّ أتَتْه فقالت: اللَّهُمَّ لا تُمِتْه حتَّى تُرِيَه وجوهَ المومِساتِ! وكان جُرَيجٌ في صَومعتِه [643] الصَّومعةُ: منارةُ الرَّاهِبِ ومتعَبَّدُه. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/145). ، فقالت امرأةٌ: لأفتِنَنَّ جُرَيجًا، فتعَرَّضَت له، فكلَّمَتْه فأبى، فأتت راعيًا، فأمكَنَتْه من نفسِها، فولَدَت غلامًا، فقالت: هو من جُرَيجٍ! فأتوه وكَسَروا صومعتَه، فأنزلوه وسَبُّوه، فتوضَّأَ وصَلَّى ثمَّ أتى الغلامَ، فقال: من أبوك يا غُلامُ؟! قال: الرَّاعي، قالوا: نبني صومعَتَك من ذَهَبٍ، قال: لا، إلَّا مِن طينٍ)) [644] أخرجه البخاري (2482) واللفظ له، ومسلم (2550). .
- الافتِراءُ على امرأةٍ في بني إسرائيلَ واتِّهامُها بالزِّنا والسَّرِقةِ وهي بريئةٌ منهما:
عن أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((... وكانت امرأةٌ تُرضِعُ ابنًا لها من بني إسرائيلَ، فمَرَّ بها رجُلٌ راكِبٌ ذو شارةٍ [645] ذو شارةٍ: أي: صاحِبُ حُسنٍ، وقيل: صاحِبُ هيئةٍ ومَنظَرٍ ومَلبَسٍ حَسَنٍ يُتعَجَّبُ منه ويشارُ إليه. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 483). فقالت: اللَّهُمَّ اجعَلِ ابني مِثْلَه، فتَرَك ثَدْيَها وأقبَل على الرَّاكِبِ، فقال: اللَّهُمَّ لا تجعَلْني مِثلَه، ثمَّ أقبل على ثَدْيِها يَمَصُّه - قال: أبو هُرَيرةَ: كأنِّي أنظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَمَصُّ إصبَعَه- ثمَّ مرَّ بأَمَةٍ، فقالت: اللَّهُمَّ لا تجعَلِ ابني مِثلَ هذه، فتَرَك ثَدْيَها، فقال: اللَّهُمَّ اجعَلْني مثلَها، فقالت: لمَ ذاك؟ فقال: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ من الجبابرةِ، وهذه الأَمَةُ يقولون: سَرَقْتِ، زَنَيْتِ، ولم تفعَلْ)) [646] أخرجه البخاري (2436)، ومسلم (2550). .
- افتِراءُ قُرَيشٍ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
قال تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [الإسراء: 47-48] ، قال ابنُ القَيِّمِ: (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا مثَّلوك بالشَّاعِرِ مَرَّةً، والسَّاحِرِ أُخرى، والمجنونِ مرَّةً، والمسحورِ أُخرى، فضَلُّوا في جميعِ ذلك ضلالَ مَن يَطلُبُ في تِيهِه وتحيُّرِه طريقًا يَسلُكُه فلا يَقدِرُ عليه؛ فإنَّ أيَّ طريقٍ أخَذها فهي طريقُ ضلالٍ وحَيرةٍ، فهو متحَيِّرٌ في أمرِه لا يهتدي سبيلًا ولا يقدِرُ على سلوكِها، فهكذا حالُ أعداءِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معه، حتَّى ضربوا له أمثالًا برَّأه اللهُ منها، وهو أبعَدُ خَلقِ اللهِ منها، وقد عَلِم كُلُّ عاقِلٍ أنَّها كَذِبٌ وافتِراءٌ وبُهتانٌ) [647] ((بدائع الفوائد)) (2/ 226). .
- افتِراءُ اليهودِ على عَبدِ اللهِ بنِ سَلامٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ عَبدَ اللَّهِ بنَ سَلامٍ بَلغَه مَقدَمُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم المَدينةَ، فأتاه يَسأَلُه عن أشياءَ، فقال: إنِّي سائِلُكَ عن ثَلاثٍ لا يَعلمُهنَّ إلَّا نَبيٌّ، ما أوَّلُ أشراطِ السَّاعَةِ؟ وما أوَّلُ طَعامٍ يَأكلُه أهلُ الجَنَّةِ؟ وما بالُ الوَلدِ يَنزِعُ إلى أبيه أو إلى أُمِّه؟ قال: أخبَرَني به جِبريلُ آنِفًا. قال ابنُ سَلامٍ: ذاكَ عَدُوُّ اليَهودِ مِنَ المَلائِكةِ، قال: أمَّا أوَّلُ أشراطِ السَّاعةِ فنارٌ تَحشُرُهم مِنَ المَشرِقِ إلى المَغرِبِ، وأمَّا أوَّلُ طَعامٍ يَأكلُه أهلُ الجَنَّةِ فزيادةُ كَبِدِ الحُوتِ، وأمَّا الوَلدُ فإذا سَبَقَ ماءُ الرَّجُلِ ماءَ المَرأةِ نَزَعَ الوَلدَ، وإذا سَبَقَ ماءُ المَرأةِ ماءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الوَلدَ، قال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّكَ رَسولُ اللَّهِ، قال يا رَسولَ اللَّهِ: إنَّ اليَهودَ قَومٌ بُهتٌ فاسأَلهم عَنِّي قَبل أن يَعلمُوا بإسلامي، فجاءَتِ اليَهودُ، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أيُّ رَجُلٍ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ فيكم؟ قالوا: خَيرُنا وابنُ خَيرِنا، وأفضَلُنا وابنُ أفضَلِنا، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أرَأيتُم إن أسلمَ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلامٍ! قالوا: أعاذَه اللَّهُ مِن ذلك، فأعادَ عليهم، فَقالوا مِثل ذلكَ. فخَرَجَ إليهم عبدُ اللَّهِ فقال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ! قالوا: شَرُّنا وابنُ شَرِّنا، وتَنَقَّصُوه! قال: هذا كُنتُ أخافُ يا رَسول اللَّهِ)) [648] أخرجه البخاري (3329). .
- يومُ الوِشاحِ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (أسلمَت امرأةٌ سوداءُ لبَعضِ العَرَبِ، وكان لها حِفشٌ [649] حِفْشٌ: أي: بَيتٌ صغيرٌ. يُنظر: ((اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح)) للبرماوي (3/ 202). في المسجِدِ، قالت: فكانت تأتينا فتُحَدِّثُ عندَنا، فإذا فرَغَت من حديثِها قالت:
ويومُ الوِشاحِ [650] الوِشاحُ: ينسَجُ من أديمٍ عريضٍ، ويُرَصَّعُ بالجواهِرِ تشُدُّه المرأةُ بين عاتِقِها، وكَشْحِها. يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (5/ 510). من تعاجيبِ رَبِّنا
ألَا إنَّه من بلدةِ الكُفرِ أنجاني
فلمَّا أكثَرت قالت لها عائشةُ: وما يومُ الوِشاحِ؟ قالت: خرَجَت جُوَيريةٌ لبعضِ أهلي، وعليها وِشاحٌ من أدَمٍ، فسَقَط منها، فانحطَّت عليه الحُدَيَّا، وهي تحسَبُه لحمًا، فأخذَتْه فاتَّهَموني به فعَذَّبوني، حتَّى بلغ من أمري أنَّهم طَلَبوا في قُبُلي! فبينا هم حولي وأنا في كَرْبي إذ أقبَلَتِ الحُدَيَّا حتَّى وازت برُؤوسِنا، ثمَّ ألقَتْه، فأخذوه، فقُلتُ لهم: هذا الذي اتَّهمتُموني به وأنا منه بريئةٌ!) [651] أخرجه البخاري (3835). .
- الافتِراءُ على سَعيدِ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
عن عُمَرَ بنِ محمَّدٍ، أنَّ أباه حدَّثه، عن سعيدِ بنِ زيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ: (أنَّه خاصَمَته أَرْوى في حقٍّ زعَمَت أنَّه انتقَصه لها، إلى مروانَ، فقال سعيدٌ: أنا أنتقِصُ مِن حقِّها شيئًا؟! أشهَدُ لَسَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن أخَذ شِبرًا مِن الأرضِ ظُلمًا فإنَّه يُطَوَّقُه يومَ القيامةِ مِن سَبعِ أرَضينَ، اللَّهُمَّ إن كانت كاذِبةً فأعْمِ بصَرَها، واجعَلْ قَبْرَها في دارِها، قال: فرأيتُها عمياءَ تلتَمِسُ الجُدُرَ تقولُ: أصابتني دعوةُ سعيدِ بنِ زيدٍ، فبينما هي تمشي في الدَّارِ مرَّت على بئرٍ في الدَّارِ، فوقعت فيها، فكانت قَبْرَها!) [652] أخرجه البخاري (3198)، ومسلم (1610) واللفظ له. .
- الافتِراءُ على الشَّافعيِّ:
- عن أبي غالِبٍ عليِّ بنِ أحمَدَ بنِ النَّضرِ الأزديِّ، قال: (سمِعتُ أبا عبدِ اللهِ أحمَدَ بنَ محمَّدِ بنِ حَنبَلٍ، وسئِل عن محمَّدِ بنِ إدريسَ الشَّافعيِّ، قال أحمدُ: لقد منَّ اللهُ علينا به، لقد كُنَّا تعلَّمْنا كلامَ القومِ وكَتَبْنا كتُبَهم حتَّى قَدِم علينا الشَّافعيُّ، فلمَّا سمِعْنا كلامَه عَلِمْنا أنَّه أعلَمُ من غيرِه، وقد جالَسْناه الأيَّامَ واللَّياليَ، فما رأينا منه إلَّا كُلَّ خيرٍ، رحمةُ اللهِ عليه. قال أبو غالِبٍ: فقال له رجُلٌ: يا أبا عبدِ اللهِ، فإنَّ فلانًا وفلانًا لا يرضيانِه -يعني في نِسبتِهما إيَّاه إلى التَّشيُّعِ!- فقال أحمدُ: ما أدري ما يقولانِ! واللهِ ما رأينا منه إلَّا خيرًا، ولا سمِعْنا منه إلَّا خيرًا) [653] يُنظر: ((مناقب الشافعي)) للبيهقي (2/ 259). .
- الافتِراءُ على البُخاريِّ واتِّهامُه بالقَولِ بخَلقِ القُرآنِ:
قال أبو أحمَدَ بنُ عَدِيٍّ: (ذَكَر لي جماعةٌ من المشايخِ أنَّ محمَّدَ بنَ إسماعيلَ لمَّا ورد نيسابورَ اجتمع النَّاسُ عليه، حسَدَه بعضُ من كان في ذلك الوقتِ من مشايخِ نيسابورَ لَمَّا رأوا إقبالَ النَّاسِ إليه، واجتماعَهم عليه، فقال لأصحابِ الحديثِ: إنَّ محمَّدَ بنَ إسماعيلَ يقولُ: اللَّفظُ بالقرآنِ مخلوقٌ، فامتَحِنوه في المجلِسِ.
فلمَّا حضر النَّاسُ مجلِسَ البُخاريِّ قام إليه رجلٌ، فقال: يا أبا عبدِ اللهِ، ما تقولُ في اللَّفظِ بالقُرآنِ: مخلوقٌ هو أم غيرُ مخلوقٍ؟ فأعرض عنه البخاريُّ ولم يجِبْه. فقال الرَّجُلُ: يا أبا عبدِ اللهِ، فأعاد عليه القولَ، فأعرَض عنه، ثمَّ قال في الثَّالثةِ، فالتَفَت إليه البُخاريُّ، وقال: القرآنُ كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، وأفعالُ العبادِ مخلوقةٌ، والامتحانُ بِدعةٌ. فشَغَّب الرَّجُلُ، وشَغَّب النَّاسُ، وتفَرَّقوا عنه وقَعَد البُخاريُّ في مَنزِلِه) [654] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (12/453، 454). .

انظر أيضا: