موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: أسبابُ الوُقوعِ في الافتِراءِ والبُهتانِ


 1- الاختلافُ والتَّفَرُّقُ والتَّحَزُّبُ:
قال ابنُ بطَّةَ: (إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد أعلَمَنا اختلافَ الأمَمِ الماضين قَبْلَنا، وأنَّهم تفرَّقوا واختَلفوا، فتفَرَّقت بهم الطُّرُقُ، حتَّى صار بهم الاختلافُ إلى الافتِراءِ على اللهِ عزَّ وجَلَّ، والكَذِبِ عليه والتَّحريفِ لكتابِه، والتَّعطيلِ لأحكامِه، والتَّعدِّي لحدودِه... قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة: 213] ) [622] ((الإبانة الكبرى)) (1/270، 271). .
2- التَّعصُّبُ والتَّقليدُ الأعمى:
إنَّ النَّاظِرَ في القرآنِ ليرى أنَّ مُعارضاتِ الكُفَّارِ لجميعِ الأنبياءِ والرُّسُلِ إنَّما هي بدافِعِ التَّعصُّبِ لدينِ الآباءِ والعاداتِ والتَّقاليدِ، كما قال تعالى: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ [ص: 7] .
وقال تعالى: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [الزخرف: 23- 24] .
3- الكَبرُ والحَسَدُ والحِقدُ والكراهيَةُ:
قال ابنُ بطَّةَ: (أعلَمَنا تعالى أنَّ السَّبَبَ الذي أخرَجَهم إلى الفُرْقةِ بعدَ الأُلفةِ، والاختِلافِ بعدَ الائتلافِ، هو شِدَّةُ الحَسَدِ من بعضِهم لبعضٍ، وبغيُ بعضِهم على بعضٍ، فأخرجهم ذلك إلى الجُحودِ بالحَقِّ بعدَ مَعرفتِه، وردِّهم البيانَ الواضِحَ بعدَ صحَّتِه... قال تعالى: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ [الشورى: 14] ) [623] ((الإبانة الكبرى)) (1/270، 271). .
- عن أبي غالِبٍ عليِّ بنِ أحمَدَ بنِ النَّضرِ الأزديِّ، قال: قال أحمَدُ لمن حوله: (اعلَموا -رحِمَكم اللهُ- أنَّ الرَّجُلَ من أهلِ العِلمِ إذا منحه اللهُ شيئًا من العِلمِ وحُرِمَه قرناؤه وأشكالُه، حَسَدوه، فرَمَوه بما ليس فيه، وبِئْسَتِ الخَصلةُ في أهلِ العِلمِ!) [624] يُنظر: ((مناقب الشافعي)) للبيهقي (2/ 259). .
4- كثرةُ الكلامِ بلا فائدةٍ:
قال أبو طالِبٍ المكِّيُّ: (الكلامُ مفتاحُ كبائِرِ اللِّسانِ، فيه الكَذِبُ، والغِيبةُ والنَّميمةُ، والبُهتانُ، وفيه شهادةُ الزُّورِ، وفيه قَذفُ المُحصَنِ، والافتِراءُ على اللهِ تعالى) [625] ((قوت القلوب)) (1/175). .
5- استمراءُ الكَذِبِ والغِيبةِ والنَّميمةِ.
6- محاولةُ تشويهِ صورةِ مَن يأمُرُ بالمعروفِ وينهى عن المُنكَرِ.
(خَطَب عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ -رحمه اللهُ- يومًا، فقال في موعظتِه: إنِّي لأقولُ هذه المقالةَ وما أعلَمُ عِندَ أحَدٍ من الذُّنوبِ أكثَرَ ممَّا أعلَمُ عندي، فأستغفِرُ اللهَ وأتوبُ إليه. وكتَب إلى بعضِ نُوَّابِه على بعضِ الأمصارِ كتابًا يَعِظُه فيه، وقال في آخِرِه: وإنِّي لأعِظُك بهذا، وإنِّي لكثيرُ الإسرافِ على نفسي، غيرُ مُحكِمٍ لكثيرٍ من أمري، ولو أنَّ المرءَ لا يَعِظُ أخاه حتَّى يُحكِمَ نفسَه إذًا لتواكَلَ الخيرُ، وإذًا لرُفِع الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المُنكَرِ، وإذًا لاستُحِلَّت المحارِمُ وقَلَّ الواعِظون والسَّاعون للهِ بالنَّصيحةِ في الأرضِ. والشَّيطانُ وأعوانُه يودُّون ألَّا يأمُرَ أحَدٌ بمعروفٍ ولا ينهى عن مُنكَرٍ، وإذا أمرَهم أحدٌ أو نهاهم عابوه بما فيه وبما ليس فيه [626] يُنظر: ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص: 19، 20). .

انظر أيضا: