موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: صُوَرُ المَدحِ والثَّناءِ المَحمودِ والجائِزِ


1- مَدحُ الشَّخصِ ليتَبَيَّنَ فضلُه بَينَ النَّاسِ، كما فعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما؛ أمَّا أبو بَكرٍ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يتَحَدَّثُ ذاتَ يومٍ، قال: ((من أصبَحَ منكم صائِمًا؟ فقال أبو بَكرٍ: أنا، فقال: مَن تَبعَ منكم جِنازةً؟ قال أبو بَكرٍ: أنا، فقال: مَن عادَ اليومَ مَريضًا؟ فقال أبو بَكرٍ: أنا، وذَكرَ أشياءَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما اجتَمَعنَ في امرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ)) وكذلك لمَّا حَدَّثَ أنَّه مَن جَرَّ ثَوبَه خُيلاءَ لم ينظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامةِ، فقال أبو بَكرٍ: يا رَسولَ اللَّه، إنَّ أحَدَ شِقَّي ثَوبي يستَرخي إلَّا أن أتَعاهَدَ ذلك منه. فقال: ((إنَّك لست تَصنَعُ ذلك خُيلاءَ)) [487] أخرجه البخاري (3665) واللفظ له، ومسلم (2085) ، وقال لعُمَرَ: ((والذي نَفسي بيدِه، ما لَقِيَك الشَّيطانُ قَطُّ سالكًا فجًّا إلَّا سَلَك فجًّا غَيرَ فجِّك))! [488] أخرجه البخاري (3294)، ومسلم (2396) مُطَوَّلًا مِن حَديثِ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه. . يعني: إذا سَلَكتَ طَريقًا فإنَّ الشَّيطانَ يهرُبُ مِنه ويذهَبُ إلى طَريقٍ آخَرَ. كُلُّ هذا لبَيانِ فضلِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، هذا لا بَأسَ به [489] ينظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 564). .
2- ثَناءُ الإنسانِ على أخيه الصَّالحِ بظَهرِ الغَيبِ، فهي بُشرى ولا تَضُرُّه، عن أبي ذَرٍّ قال: ((قيلَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرَأيتَ الرَّجُلَ يعمَلُ العَمَلَ مِن الخَيرِ، ويحمَدُه النَّاسُ عليه؟ قال: تلك عاجِلُ بُشرى المُؤمِنِ)) [490] أخرجه مسلم (2642) .
3- ثَناءُ الشَّيخِ على تِلميذِه؛ قال النَّوويُّ: (وينبَغي للمُعَلِّمِ أن يطرَحَ على أصحابِه ما يراه مِن مُستَفادِ المَسائِل، ويختَبرَ بذلك أفهامَهم، ويُظهِرَ فَضلَ الفاضِلِ ويُثنيَ عليه بذلك؛ تَرغيبًا له وللباقينَ في الاشتِغالِ والفِكرِ في العِلمِ، وليتَدَرَّبوا بذلك ويعتادوه، ولا يُعنِّفَ مَن غَلِطَ منهم في كُلِّ ذلك، إلَّا أن يرى تعنيفَه مَصلَحةً له) [491] ((المجموع شرح المهذب)) (1/ 34). .
وقال أيضًا: (وينبَغي أن يُحَرِّضَهم على الاشتِغالِ في كُلِّ وقتٍ ويُطالبَهم في أوقاتٍ بإعادةِ مَحفوظاتِهم، ويسألَهم عَمَّا ذَكرَه لهم مِن المُهمَّاتِ، فمَن وجَدَه حافِظَه مُراعيًا له أكرَمَه وأثنى عليه وأشاعَ ذلك ما لم يَخَفْ فسادَ حالِه بإعجابٍ ونَحوِه) [492] ((المجموع شرح المهذب)) (1/ 33). .
4- مَدحُ الصَّبيِّ إذا أحسَنَ: قال مِسكَوَيهِ: (يُمدَحُ بكُلِّ ما يظهَرُ منه مِن خُلُقٍ جَميلٍ وفِعلٍ حَسَنٍ، ويُكرَمُ عليه) [493] ((تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)) (ص: 69). .
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كان عُمَرُ يدخِلُني مع أشياخِ بَدرٍ، فكأنَّ بعضَهم وجَدَ في نفسِه، فقال: لمَ تدخِلُ هذا معنا ولنا أبناءٌ مِثلُه؟! فقال عُمَرُ: إنَّه من حيثُ عَلِمْتُم، فدعا ذاتَ ليلةٍ فأدخله معهم، فما رُئِيتُ أنَّه دعاني يومَئذٍ إلَّا ليُريَهم، قال: ما تقولون في قَولِ اللهِ تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ[النصر: 1] ؟ فقال بعضُهم: أُمِرْنا أن نحمَدَ اللهَ ونستغفِرَه إذا نُصِرْنا وفُتِحَ علينا. وسكت بعضُهم فلم يقُلْ شيئًا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عبَّاس؟ فقلت: لا، قال: فما تقولُ؟ قُلتُ: هو أجَلُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعلَمَه له، قال: إذا جاء نَصرُ اللهِ والفَتحُ -وذلك علامةُ أجَلِك- فسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّك واستَغْفِرْه، إنَّه كان توَّابًا. فقال عُمَرُ: ما أعلَمُ منها إلَّا ما تقولُ)) [494] رواه البخاري (4294). .
وقال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه يومًا لأصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فيمَ تَرَونَ هذه الآيةَ نَزَلَت: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ... [البقرة: 266] ؟ قالوا: اللهُ أعلَمُ، فغَضِبُ عُمَرَ فقال: قولوا: نَعلَمُ أو لا نَعلَمُ، فقال ابنُ عَبَّاسٍ: في نفسي منها شَيءٌ يا أميرَ المُؤمِنينَ، قال عُمَرُ: يا ابنَ أخي، قُلْ ولا تَحقِرْ نَفسَك، قال ابنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَت مَثَلًا لعَمَلٍ، قال عُمَرُ: أيُّ عَمَلٍ؟ قال ابنُ عَبَّاسٍ: لعَمَلٍ، قال عُمَرُ: لرَجُلٍ غَنيٍّ يعمَلُ بطاعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ له الشَّيطانَ، فعَمِلَ بالمَعاصي حتَّى أغرَقَ أعمالَه)) [495] رواه البخاري (4538). .
5- مَدحُ الشَّخصِ قَبلَ إبداءِ النَّصيحةِ له:
فعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((نِعمَ الرَّجُلُ عَبدُ اللَّهِ، لو كان يُصَلِّي مِن اللَّيلِ))، فكان بَعدُ لا ينامُ مِن اللَّيلِ إلَّا قَليلًا [496] أخرجه البخاري (1121، 1122) واللفظ له، ومسلم (2479) .

انظر أيضا: