موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرقُ بينَ الإطراءِ والمدحِ والثَّناءِ والحَمدِ والشُّكرِ


أنَّ الحَمدَ يستلزمُ الثَّناءَ والمحبَّةَ والتَّعظيمَ للمحمودِ، فمَن أحببتَه ولم تُثنِ عليه لم تكُنْ حامدًا له، حتى تكونَ مُثنيًا عليه، محبًّا ومعظِّمًا له. فإن كرَّر المحامِدَ شيئًا بعد الشَّيءِ كانت ثناءً؛ فالثَّناءُ حمدٌ متكَرِّرٌ، أمَّا المدحُ فلا يستلزمُ المحبَّةَ والتَّعظيمَ، بل قد يمدَحُ الإنسانُ شخصًا لرجاءِ منفعةٍ، أو دفعِ مَضرَّةٍ.
فالإخبارُ عن محاسِنِ الغيرِ إمَّا أن يكونَ إخبارًا مجرَّدًا من حبٍّ وإرادةٍ، أو مقرونًا بحبِّه وإرادتِه؛ فإن كان الأوَّلَ فهو المدحُ، وإن كان الثَّانيَ فهو الحمدُ؛ فالحمدُ إخبارٌ عن محاسِنِ المحمودِ مع حبِّه وإجلالِه وتعظيمِه، أمَّا الإطراءُ فهو المدحُ بالباطِلِ وتجاوُزُ الحدِّ فيه.
وقيل: الإطراءُ هو المدحُ في الوجهِ، ومنه قولُهم: الإطراءُ يُورِثُ الغَفلةَ، يريدونَ المدحَ في الوجهِ، والمدحُ يكونُ مواجَهةً وغيرَ مواجَهةٍ، أمَّا الثَّناءُ فمدحٌ مكرَّرٌ، من قولِك: ثنيتُ الخيطَ؛ إذا جعلْتَه طاقينِ، وثنَّيتُه بالتَّشديدِ: إذا أضفْتَ إليه خيطًا آخَرَ، ومنه قولُه تعالى: سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر: 87] ، يعني: سورةَ الحمدِ؛ لأنَّها تُكرَّرُ في كلِّ ركعةٍ [407] يُنظر: ((الفروق اللغوية)) للعسكري (ص: 50، 51)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (2/ 93)، ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 316)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الكهف)) (ص: 7). قال الكَفَويُّ: (واختُلِف في الحَمدِ والثَّناءِ والشُّكرِ والمَدحِ: هل هي ألفاظٌ مُتَبايِنةٌ أو مُتَرادِفةٌ، أو بَينَها عُمومٌ وخُصوصٌ مُطلَقٌ، أو مِن وجهٍ؟ فمَن قال بالتَّبايُنِ نَظَرَ إلى ما انفرَدَ به كُلُّ واحِدٍ منهما مِن الجِهةِ، ومَن قال بالتَّرادُفِ نَظَرَ إلى جِهةِ اتِّحادِها واستِعمالِ كُلِّ واحِدٍ مِنها في مَكانِ الآخَرِ)، ثُمَّ ذَكرَ بَعضَ أوجُهِ الفَرقِ بَينَ هذه الألفاظِ. ((الكليات)) (ص: 365). .
أمَّا الشُّكرُ فيَشتَرِكُ مَعَ الحَمدِ في أنَّه ثَناءٌ باللِّسانِ على النِّعمةِ، وينفرِدُ الحَمدُ في الثَّناءِ باللِّسانِ على ما ليس بنِعمةٍ مِن الجَميلِ الاختياريِّ، وينفرِدُ الشُّكرُ بالثَّناءِ بالقَلبِ والجَوارِحِ على خُصوصِ النِّعمةِ [408] ((شرح الواسطية)) للهراس (ص: 50، 51). .

انظر أيضا: