موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: الآثارُ المترتِّبةُ على الإطراءِ


للإطراءِ آثارٌ سيِّئةٌ على المادحِ وعلى الممدوحِ، نذكُرُ أهمَّها:
1- أنَّ المدحَ يُفضي إلى هلاكِ الممدوحِ في دينِه؛ فقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا سمع رجلًا يُثني على رجلٍ ويُطريه: ((قطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِك)) أو: ((قطَعْتُم ظَهرَ الرَّجُلِ)) أي: أهلَكْتُموه، وذلك هلاكٌ في دينِه [441] ((شرح النووي على مسلم)) (18/ 127). قال النووي: (وقد يكونُ هذا الهلاكُ من جهةِ الدُّنيا؛ لِما يشتَبِهُ عليه منحالِهبالإعجابِ). ((المصدر السابق)). . قال المروُّذيُّ: (قلتُ لأبي عبدِ اللهِ: الرَّجُلُ يقالُ في وجهِه: أحييتَ السُّنَّةَ، قال: هذا فَسادٌ لقَلبِه) [442] ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير اليمني (4/ 316). .
2- من آثارِ الإطراءِ السَّيِّئةِ على الممدوحِ أنَّه يحرِّكُ الممدوحَ إلى التَّكبُّرِ بفضائِلِه، والطَّبعُ كافٍ في جلبِ الكِبرِ وغيرِه من الشَّرِّ، فيحتاجُ إلى مقاومةٍ تضادُّه، فإذا جاء المدحُ أعان الطَّبعَ، فزاد الفسادُ [443] ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 412). ، رُوِي عن الحسَنِ البصريِّ، قال: (كان عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه جالسًا ومعه الدِّرَّةُ والنَّاسُ حولَه، إذ أقبل الجارودُ بنُ المنذِرِ، فقال رجلٌ: هذا سَيِّدُ ربيعةَ، فسمعها عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه ومَن حولَه، وسمِعَها الجارودُ، فلمَّا دنا منه خَفَقه بالدِّرَّةِ [444] خفَقه بالدِّرَّة: ضربه بها ضربًا خفيفًا. والدِّرَّةُ: هي التي يُضرَبُ بها.يُنظر: ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (4/ 542)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/282) و (10/ 82). ، فقال: ما لي ولك يا أميرَ المؤمنينَ؟ قال: ما لي ولك، أمَا لقد سمِعْتَها؟ قال: سَمِعتُها فمَهْ؟! [445] أي: فماذا، للاستفهام، فأبدل الألف هاءً، للوقفِ والسَّكتِ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/ 377). ، قال: خَشِيتُ أن يخالِطَ قَلبَك منها شيءٌ، فأحبَبتُ أن أطأطِئَ منك) [446] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 160). .
3- أنَّ مَدحَ النَّفسِ قد يُدخِلُ عليها من العُجبِ والتَّكثُّرِ على الخَلقِ [447] ((أحكام القرآن)) لابن العربي (1/ 9). . وأيضًا فمن أقوى أسبابِ العُجبِ كثرةُ مديحِ المتقرِّبين وإطراءِ المتمَلِّقين الذين جعَلوا النِّفاقَ عادةً ومَكسبًا، والتَّملُّقَ خديعةً ومَلعَبًا، فإذا وجدوه مقبولًا في العقولِ الضَّعيفةِ أغرَوا أربابَها باعتقادِ كَذِبِهم، وجعلوا ذلك ذريعةً إلى الاستهزاءِ بهم [448] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 239). .
4- أنَّ الممدوحَ قد يغترُّ بكثرةِ المدحِ، ويرى أنَّه عند النَّاسِ بتلك المنزلةِ، فيرضى عن نفسِه ويفتُرُ، ويتركُ الازديادَ من الخيرِ، ويجِدُ الشَّيطانَ إليه سبيلًا ويوهمُه في نفسِه، حتى يضَعَ التَّواضُعَ للهِ [449] ((التوضيح)) لابن الملقن (16/ 601). .
5- أنَّ الممدوحَ يغترُّ بمدحِه، فيصيرُ متكبِّرًا، وحينئذٍ يرى نفسَه أفضَلَ من غيرِه، واللهُ تعالى يغضَبُ على مَن هذه صِفَتُه [450] ((المفاتيح)) للمظهري (5/ 176). .
6- أنَّ مدحَ الظَّالمِ أو الفاسِقِ يُفرِحُه، وذلك غيرُ جائزٍ، وكُلٌّ منهما ينبغي أن يُذَمَّ ليَغتَمَّ، ولا يُمدَحَ لِيَفرَحَ [451] ((الإحياء)) للغزالي (3/ 160). .
7- أنَّ المدَّاحينَ يقعونَ في الكَذِبِ والنِّفاقِ والمداهنةِ.
8- تعرُّضُ المدَّاحينَ للذُّلِّ والإهانةِ؛ إذ لا تسمَحُ نفوسُ السَّلاطينِ بعطيَّةٍ إلَّا لمن طَمِعوا في الاستعانةِ بهم على أغراضِهم، وتكليفُهم المواظبةَ على الدُّعاءِ والثَّناءِ والتَّزكيةِ والإطراءِ في حُضورِهم ومَغيبِهم [452] ((الإحياء)) للغزالي (2/ 139). .

انظر أيضا: