موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- عندَ الأنبياءِ والمُرسَلين عليهم السَّلامُ


حَياءُ أبينا آدَمَ وأمِّنا حوَّاءَ:
إنَّ الحَياءَ خاصيَّةٌ من الخصائِصِ التي حبا اللهُ بها الإنسانَ؛ ليبتَعِدَ عن مزاولةِ الذُّنوبِ والمعاصي والشَّهَواتِ، وحينما أكَل آدَمُ وحوَّاءُ من الشَّجَرةِ التي نهاهما اللهُ عن الأكلِ منها، بدت لهما سوآتِهما، فأسرعا يأخُذانِ من أوراقِ الجنَّةِ ليَستُرا عوراتِهما؛ قال تعالى: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف: 22] .
أي: (شرَعَا يُلصِقان على عورَتَيهما من وَرَقِ الجنَّةِ لسَتْرِها؛ حَياءً وخَجَلًا) [3942] ((التفسير الوسيط للقرآن الكريم)) (6/ 1075). . وهذا يدُلُّ على أنَّ الإنسانَ مفطورٌ على الحَياءِ.
حَياءُ نبيِّ اللهِ موسى عليه السَّلامُ:
جاء في وَصفِ موسى عليه السَّلامُ أنَّه كان كثيرَ الحَياءِ، من شأنِه وإرادتِه حُبُّ السَّترِ والصَّونِ، حتى قال بعضُ بني إسرائيلَ: ما يبالِغُ في سَترِ نَفسِه إلَّا من عيبٍ في جِسمِه!
فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ موسى كان رجلًا حَيِيًّا سَتِيرًا لا يُرى مِن جِلْدِه شَيءٌ استحياءً منه، فآذاه مَن آذاه من بني إسرائيلَ، فقالوا: ما يستَتِرُ هذا التسَتُّرَ إلَّا مِن عَيبٍ بجِلْدِه: إمَّا بَرَصٌ، وإمَّا أُدْرَةٌ [3943] الأُدْرةُ بالضَّمِّ: نفخةٌ في الخصيةِ، يقال: رجُلٌ آدَرُ بَيِّنُ الأَدَرِ، بفَتحِ الهَمزةِ والدَّالِ. يُنظَر ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (1/31). وإمَّا آفَةٌ، وإنَّ اللهَ أراد أن يُبَرِّئَه مِمَّا قالوا لموسى، فخلا يومًا وَحْدَه، فوضع ثيابَه على الحَجَرِ، ثمّ اغتسل، فلمَّا فَرَغ أقبل إلى ثيابِه ليأخُذَها، وإنَّ الحَجَر عدا بثوبِه، فأخذ موسى عصاه وطَلَب الحَجَرَ، فجعل يقولُ: ثوبي حَجَرُ! ثوبي حَجَرُ! حتَّى انتهى إلى ملأٍ من بني إسرائيلَ فرأوه عُريانًا أحسَنَ ما خلق اللهُ، وأبرَأَه مِمَّا يقولون! وقام الحَجَرُ، فأخذ بثَوبِه فلَبِسَه، وطَفِقَ بالحَجَرِ ضَربًا بعصاه، فوالله إنَّ بالحَجَرِ لنَدَبًا من أثَرِ ضَرْبِه، ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا! فذلك قَولُه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [الأحزاب: 69] )) [3944] رواه البخاري (3404) واللفظ له، ومسلم (339). .
- حَياءُ يوسُفَ عليه السَّلامُ:
وهو من الأمثلةِ القُرآنيَّةِ الفريدةِ التي تُبَيِّنُ كيف يكونُ حَياءُ الإنسانِ من رَبِّه في سِرِّه وعلانيَتِه.
قال تعالى: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 23-24] .
قال القاسِمُ بنُ أبي بزَّةَ: قام استِحياءً من اللهِ تعالى ذِكْرُه [3945] يُنظَر: ((جامع البيان)) للطبري (13/94). .

انظر أيضا: