موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نماذِجُ من الحَياءِ عندَ السَّلَفِ


- عن الشَّعبيِّ قال: سمِعَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه امرأةً تقولُ:
دعَتْني النَّفسُ بعدَ خُروجِ عَمرٍو
إلى اللَّذَّاتِ تطَّلِعُ اطِّلاعَا
فقُلتُ لها: عَجِلْتِ فلن تُطاعي
ولو طالت إقامتُه رباعَا
أحاذِرُ أن أطيعَكِ سَبَّ نفسي
ومَخزاةً تُجَلِّلُني قِناعَا
فقال لها عُمَرُ: (ما الذي منَعَكِ من ذلك؟ قالت: الحَياءُ وإكرامُ زوحي. فقال عُمَرُ: إنَّ في الحَياءِ لهَناتٍ [3967] هَناتٌ: أشياءُ. يُنظَر ((الصحاح)) للجوهري (6/2537). ذاتَ ألوانٍ، من استحى اختفى، ومن اختفى اتَّقى، ومن اتَّقى وُقِيَ) [3968] ((محاسبة النفس)) لابن أبي الدنيا (ص: 113). .
- وقال الجرَّاحُ الحكميُّ: (تركتُ الذُّنوبَ حَياءً أربعين سنةً، ثم أدَرَكني الوَرَعُ) [3969] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (5/190). .
- (قال أبو جعفَرٍ: قال لي بعضُ أصحابي: كنتُ عند محمَّدِ بن سلامٍ، فدخَل عليه محمَّدُ بنُ إسماعيلَ حينَ قَدِم من العراقِ، فأخبره بمحنةِ النَّاسِ، وما صَنَع ابنُ حَنبَلٍ، وغيرِه من الأمورِ.
فلمَّا خرج من عندِه قال محمَّدُ بنُ سلامٍ لِمَن حضَره: أترونَ البِكرَ أشَدَّ حَياءً من هذا؟!) [3970] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (12/ 417، 418). .
- وعن مولًى لعَمرِو بنِ عُتبةَ قال: (استيقَظْنا يومًا حارًّا في ساعةٍ حارَّةٍ فطلَبْنا عمرَو بنَ عُتبةَ، فوجَدْناه في جَبَلٍ وهو ساجِدٌ وغمامةٌ تُظِلُّه، وكنَّا نخرجُ إلى العَدُوِّ فلا نتحارَسُ لكثرةِ صلاتِه، ورأيتُه ليلةً يُصَلِّي فسَمِعْنا زئيرَ الأسَدِ فهَرَبْنا وهو قائِمٌ يُصَلِّي لم ينصَرِفْ! فقُلْنا له: أمَا خِفتَ الأسَدَ؟! فقال: إنِّي لأستحي من اللهِ أن أخافَ شيئًا سِواه!) [3971] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (4/157). .
- وقال جعفَرٌ الصَّائغُ: كان في جيرانِ أبي عبدِ اللهِ أحمدَ بنِ محمَّدِ بنِ حنبلٍ رجُلٌ ممَّن يمارِسُ المعاصيَ والقاذوراتِ، فجاء يومًا إلى مجلِسِ أحمدَ يُسَلِّمُ عليه، فكأنَّ أحمدَ لم يَرُدَّ عليه ردًّا تامًّا وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبدِ اللهِ، لمَ تنقَبِضُ منِّي؟ فإنِّي قد انتقَلْتُ عمَّا كنتَ تَعهَدُني برُؤيا رأيتُها. قال: وأيَّ شيءٍ رأيتُ؟ قال: رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في النَّومِ كأنَّه على عُلوٍ من الأرضِ، وناسٌ كثيرٌ أسفَلَ جُلوسٌ، قال: فيقومُ رجُلٌ رجُلٌ منهم إليه، فيقولُ: ادْعُ لي! فيدعو له، حتَّى لم يَبْقَ من القومِ غيري، قال: فأردْتُ أن أقومَ فاستَحْيَيتُ من قبيحِ ما كنتُ عليه، قال لي: يا فلانُ، لمَ لا تقومُ إليَّ فتسألُني أدعو لك؟! قال: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، يقطَعُني الحَياءُ؛ لقبيحِ ما أنا عليه! فقال: إن كان يقطَعُك الحَياءُ فقُمْ فسَلْني أدْعُ لك؛ فإنَّك لا تَسُبُّ أحدًا من أصحابي. قال: فقُمتُ، فدعا لي، فانتَبَهْتُ وقد بَغَّضَ اللهُ إليَّ ما كنتُ عليه. قال: فقال لنا أبو عبدِ اللهِ: يا جعفَرُ، يا فُلانُ، حَدِّثوا بهذا واحفَظوه؛ فإنَّه ينفَعُ [3972] ((التوابين)) لابن قدامة (ص: 152). .
- وكان الرَّبيعُ بنُ خُثَيمٍ مِن شِدَّةِ غَضِّه لبَصَرِه وإطراقِه يظُنُّ بعضُ النَّاسِ أنَّه أعمى! وكان يختَلِفُ إلى منزِلِ ابنِ مَسعودٍ عِشرين سنةً، فإذا رأَتْه جاريتُه قالت لابنِ مَسعودٍ: صديقُك الأعمى قد جاء! فكان يضحَكُ ابنُ مسعودٍ من قولِها، وكان إذا دَقَّ البابَ تخرُجُ الجاريةُ إليه فتراه مُطرِقًا غاضًّا بَصَرَه [3973] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (1/181). .
- وعن عَلقَمةَ بنِ مَرثَدٍ قال: انتهى الزُّهدُ إلى ثمانيةٍ من التَّابعينَ؛ منهم الأسوَدُ بنُ يزيدَ، كان مجتَهِدًا في العبادةِ.. فلمَّا احتُضِر بكى، فقيل له: ما هذا الجزَعُ؟ قال: ما لي لا أجزَعُ؟! ومَن أحَقُّ بذلك منِّي؟! واللهِ لو أُتيتُ بالمغفرةِ من اللهِ عزَّ وجَلَّ لهمَّني الحَياءُ منه ممَّا قد صنَعْتُه! إنَّ الرَّجُلَ ليكونُ بينَه وبينَ الرَّجُلِ الذَّنبُ الصَّغيرُ فيعفو عنه، فلا يزالُ مُستحِيًا منه! [3974] يُنظَر: ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (2/103). .

انظر أيضا: