موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من حَياءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشَدَّ النَّاسِ حَياءً؛ فعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشَدَّ حَياءً من العَذراءِ في خِدْرِها [3951] الخِدرُ: سِترٌ يُجعَلُ للبِكرِ في جَنبِ البيتِ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/78). ، وإذا كَرِه شيئًا عُرِفَ في وَجْهِه)) [3952] رواه البخاري (3562) واللفظ له، ومسلم (2320) مطوَّلًا. .
قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21] .
حياؤه من اللهِ:
ومن مَظاهِرِ حيائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حياؤُه من خالِقِه سُبحانَه وتعالى؛ وذلك لمَّا طلب موسى عليه السَّلامُ من نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ليلةِ الإسراءِ أن يراجِعَ رَبَّه في تخفيفِ فَرضِ الصَّلاةِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لموسى عليه السَّلامُ: ((استَحْيَيتُ مِن رَبِّي!)) [3953] رواه البخاري (349)، ومسلم (163) مطوَّلًا من حديثِ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
حياؤه من النَّاسِ:
من ذلك ما جاء عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّ امرأةً سألت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن غُسلِها من المحيضِ، فأمَرَها كيف تغتَسِلُ، قال: خُذي فِرْصةً [3954] الفِرْصةُ: هي القِطعةُ، والمِسكُ: هو الطِّيبُ المعروفُ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (4/ 14). منِ مِسكٍ فتطَهَّري بها، قالت: كيف أتطَهَّرُ؟ قال: تطَهَّري بها! قالت: كيف؟ قال: سُبحانَ اللهِ! تطَهَّري! فاجتَبَذْتُها إليَّ فقُلتُ: تتَبَّعي بها أثَرَ الدَّمِ)) [3955] رواه البخاري (314) واللفظ له، ومسلم (332). .
- ومِن صُوَرِ حيائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ما جاء عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه؛ حيثُ قال: ((بُنيَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بزَينبَ ابنةِ جَحشٍ بخُبزٍ ولحمٍ، فأُرسِلْتُ على الطَّعامِ داعيًا، فيجيءُ قومٌ فيأكُلون ويخرُجون، ثمَّ يجيءُ قومٌ فيأكُلون ويخرُجون، فدعوتُ حتَّى ما أجِدُ أحدًا أدعوه، فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أجِدُ أحدًا أدعوه. قال: ارفَعوا طعامَكم، وبَقِيَ ثلاثةُ رَهطٍ يتحَدَّثون في البيتِ، فخَرَج النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فانطَلَق إلى حُجرةِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، فقال: السَّلامُ عليكم أهلَ البيتِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه. قالت: وعليك السَّلامُ ورحمةُ اللهِ، كيف وجَدْتَ أهلَك يا رسولَ اللهِ؟ بارَك اللهُ لك. فتقَرَّى حُجَرَ نِسائِه كُلِّهنَّ [3956] أي: تتَبَّعَهنَّ واحِدةً بعدَ واحدةٍ. يُنظَر: ((مطالع الأنوار على صحاح الآثار)) لابن قرقول (5/ 346). ، يقولُ لهنَّ كما يقولُ لعائشةَ، ويَقُلْنَ له كما قالت عائشةُ، ثمَّ رجع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا ثلاثةُ رَهطٍ في البيتِ يتحَدَّثون، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شديدَ الحَياءِ، فخرج منطَلِقًا نحوَ حُجرةِ عائشةَ فما أدري أخبَرْتُه أم أُخبِرَ أنَّ القومَ خَرَجوا، فرَجَع حتى إذا وضَعَ رِجْلَه في أُسْكُفَّةِ البابِ [3957] أُسْكُفَّةُ البابِ، أي: عتَبَتُه السُّفلى التي توطَأُ. يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (1/135). داخِلةً وأُخرى خارجةً، أرخى السِّترَ بيني وبينَه، وأُنزِلَت آيةُ الحِجابِ)) [3958] رواه البخاري (4793) واللفظ له، ومسلم (1428). .
حياؤه في تعامُلِه مع مَن بلَغَه عنه شيءٌ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((إذا بلَغَه عن الرَّجُلِ الشَّيءُ لم يَقُلْ: ما بالُ فُلانٍ يقولُ؟ ولكِنْ يقولُ: ما بالُ أقوامٍ يقولونَ كذا وكذا؟)) [3959] رواه أبو داود (4788) واللفظ له، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (5881)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8099). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4788)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند)) (1612)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4788)، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/179): رجالُه رجالُ الصَّحيحِ. .

انظر أيضا: