موسوعة التفسير

سورةُ المُجادلةِ
الآيات (8-10)

ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ

غَريبُ الكَلِماتِ:

يَصْلَوْنَهَا: أي: يَدخُلونَها ويُقاسُونَ حَرَّها وشِدَّتَها، وأصلُ (صلي): يدُلُّ على الإيقادِ بالنَّارِ [205] يُنظر: ((العين)) للخليل (7/154)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 110)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/300)، ((المفردات)) للراغب (ص: 490)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 334، 796)، ((تفسير السعدي)) (ص: 426، 715). .
بِالْإِثْمِ: الإثمُ والأثامُ: اسمٌ للأفعالِ المُبَطِّئةِ عن الثَّوابِ، أو الذَّنْبُ الَّذي يَستحِقُّ العقوبةَ عليه، أو الفعلُ الَّذي يستحقُّ عليه اللَّومَ، وأصلُ (أثم): يدُلُّ على البُطءِ والتَّأخُّرِ، والإثمُ مُشتَقٌّ مِن ذلك؛ لأنَّ ذا الإثمِ بَطيءٌ عن الخَيرِ، متأخِّرٌ عنه [206] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/60)، ((المفردات)) للراغب (ص: 63)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 84)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 40). .
وَالْعُدْوَانِ: أي: التَّعدِّي والظُّلْمِ، والعُدوانُ أصْلُه الظُّلْمُ، وأصلُ (عدو): يدُلُّ على تَجاوُزٍ في الشَّيءِ [207] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 77)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/249)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 84). .
بِالْبِرِّ: البِرُّ هو اسمٌ جامعٌ لكلِّ خَيرٍ وطاعةٍ، وقيامٍ بحقٍّ لله ولعِبادِه، وأصلُ (برر) هنا: الصِّدْقُ، ومِن ذلك قولُهم: يَبَرُّ رَبَّه، أيْ: يُطيعُه، وهو مِن الصِّدْقِ [208] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/177)، ((تفسير السعدي)) (ص: 845). قال ابن رجب: (البِرُّ يُطلَقُ باعتِبارِ مَعنيَينِ: أحدُهما: باعتبارِ مُعامَلةِ الخَلقِ بالإحسانِ إليهم، ورُبَّما خُصَّ بالإحسانِ إلى الوالدَينِ، فيُقالُ: بِرُّ الوالدين، ويُطلَقُ كثيرًا على الإحسانِ إلى الخَلقِ عمومًا... وإذا قُرِن البِرُّ بالتَّقْوى -كما في قولِه عزَّ وجلَّ: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2] - فقد يكونُ المرادُ بالبِرِّ: مُعامَلةَ الخَلقِ بالإحسانِ، وبالتَّقْوى: معاملةَ الحقِّ بفِعلِ طاعتِه، واجتِنابِ مُحرَّماتِه، وقد يكونُ أُريدَ بالبِرِّ: فِعلُ الواجباتِ، وبالتَّقْوى: اجتِنابُ المحرَّماتِ... والمعنى الثَّاني مِن معنى البِرِّ: أن يُرادَ به فِعلُ جميعِ الطَّاعاتِ الظَّاهرةِ والباطنةِ، كقولِه عزَّ وجلَّ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177] ). ((جامع العلوم والحكم)) (2/97). .
 وَالتَّقْوَى: أي: أداءِ مَا كَلَّفكم مِن فَرائِضِه واجْتِنابِ مَعاصيه، أو: التَّقْوى هنا: اسمٌ جامعٌ لتركِ جميعِ المَحارِمِ والمآثمِ، وأصل (وقى): يدُلُّ على دَفْعِ شَيءٍ عن شيءٍ بغيرِه [209] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/473)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/131)، ((تفسير السعدي)) (ص: 845). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى: ألم تَرَ -يا محمَّدُ- إلى الَّذين نهاهم اللهُ تعالى عن إسرارِ الحديثِ فيما بَيْنَهم بالشَّرِّ، ثمَّ يَرجِعون إلى ما نَهاهم اللهُ عنه مِنَ ذلك الإسرارِ، ويَتسارُّونَ بيْنَهم بالإثمِ والعُدوانِ ومَعصيتِك، وإذا جاءك هؤلاء القَومُ -يا محمَّدُ- حيَّوكَ بغَيرِ السَّلامِ الَّذي حَيَّاك به اللهُ تعالى، ويقولونَ سِرًّا: هلَّا يُعَذِّبُنا اللهُ، فيُعَجِّلَ لنا العُقوبةَ في الدُّنيا بما نَقولُه لمحمَّدٍ؟ كافِيَتُهم جَهنَّمُ يَدخُلونَها في الآخِرةِ، ويُقاسُونَ عَذابَها، فبِئسَ المرجِعُ هي!
ثمَّ يقولُ تعالى مخاطبًا المؤمنينَ، ومؤدِّبًا وموجِّهًا لهم: يا أيُّها الَّذين آمَنوا إذا تسارَرْتُم بيْنَكم، فلا تتحَدَّثوا بالإثمِ والعُدوانِ ومُخالَفةِ الرَّسولِ، وتَسارُّوا بيْنَكم بفِعلِ الخَيراتِ واجتِنابِ المحَرَّماتِ، واتَّقوا اللهَ الَّذي إليه تُجمَعونَ.
إنَّما المُناجاةُ مِن تزيينِ الشَّيطانِ؛ ليوقِعَ الحُزنَ في قُلوبِ المؤمِنينَ، وليس الشَّيطانُ بضَارِّ المؤمِنينَ شيئًا إلَّا بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وعلى اللهِ وَحْدَه فلْيَعتَمِدِ المؤمِنونَ.

تَفسيرُ الآياتِ:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8).
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ.
أي: ألم تَرَ -يا محمَّدُ- إلى الَّذين نهاهم اللهُ تعالى عن إسرارِ الحديثِ فيما بَيْنَهم بالشَّرِّ، ثمَّ يَرجِعون إلى ما نهاهم اللهُ عنه مِنَ التَّناجي بالشَّرِّ [210] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/469، 470)، ((البسيط)) للواحدي (21/342)، ((تفسير ابن عرفة)) (4/181)، ((تفسير السعدي)) (ص: 845)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/30). قيل: نزَلَت هذه الآيةُ في اليهودِ. وممَّن قال بهذا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، وابنُ عطيَّة، والرازيُّ ونسَبَه للأكثَرينَ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/260)، ((تفسير ابن جرير)) (22/469)، ((تفسير ابن عطية)) (5/276)، ((تفسير الرازي)) (29/491). وممَّن رُويَ عنه هذا القَولُ مِن السَّلفِ: مجاهدٌ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/469). وقيل: هي في المنافِقين. وممَّن ذهب إلى ذلك: السَّمعانيُّ، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/386)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/30، 31). ويُنظر أيضًا: ((تفسير القرطبي)) (17/290)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846)، ((المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة)) لخالد المزيني (2/966-969). قال ابن عطية: (وقال ابنُ عبَّاسٍ: هذه الآيةُ كُلُّها في منافِقينَ. ويُشبِهُ أنَّ مِن المنافِقينَ مَن تخَلَّق في هذا كُلِّه بصِفةِ اليهودِ). ((تفسير ابن عطية)) (5/277). وقيل: هي في المنافِقينَ واليهودِ. ومِمَّن ذهب إلى هذا القَولِ: الزَّجَّاجُ، والواحديُّ، والزمخشري. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/137)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1075)، ((تفسير الزمخشري)) (4/491). .
وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ.
أي: ويُوصي بَعضُهم بعضًا سرًّا فيما بيْنَهم بالإثمِ والعُدوانِ [211] الإثم قيل: هو المعصيةُ. ومِمَّن قال بهذا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ أبي زَمَنين. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/260)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/359). وقال ابن عاشور: (الإثمُ: المعصيةُ، وهو ما يَشتَمِلُ عليه تناجيهم مِن كلامِ الكُفرِ وذَمِّ المُسلِمينَ). ((تفسير ابن عاشور)) (28/30). وقيل: المرادُ به الكَذِبُ. وممَّن ذهب إلى هذا: السمرقنديُّ، والقرطبيُّ. يُنظر: ((تفسير السمرقندي))، ((تفسير القرطبي)) (17/291). وقيل: هو الفواحِشُ. وممَّن ذهب إلى هذا: ابنُ جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/470). والعدوان قيل: هو الظُّلمُ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ أبي زَمَنين، والواحديُّ، والقرطبي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/260)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/359)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1075)، ((تفسير القرطبي)) (17/ 291)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/30). قال ابنُ عاشور: (العُدوانُ -بضَمِّ العَينِ: الظُّلمُ، وهو ما يُدَبِّرونَه مِن الكَيدِ للمُسلِمينَ). ((تفسير ابن عاشور)) (28/30). وقيل: هو النِّهايةُ في قَصدِ الشَّرِّ بالإفراطِ في مجاوَزةِ الحُدودِ. وممَّن قال بهذا: البِقاعي. يُنظر: ((نظم الدرر)) (19/368). وقيل: معنى الإثمِ ما هو إثمٌ في نفْسِه، والعدوانُ ما فيه تَعَدٍّ على المؤمنينَ. وممَّن اختار هذا المعنى: أبو السعود، والشوكاني، والألوسي. يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/219)، ((تفسير الشوكاني)) (5/224)، ((تفسير الألوسي)) (14/220). وقريبٌ منه قولُ ابنِ كثير: (بِالْإِثْمِ وهو ما يختَصُّ بهم، وَالْعُدْوَانِ وهو ما يتعلَّقُ بغَيرِهم). ((تفسير ابن كثير)) (8/43). وقيل: الإثمُ هو تناجيهم في حالةِ نصرةِ المؤمنينَ وأمْنِهم، والعُدوانُ هو تناجيهم حالةَ خَوفِ المؤمنينَ وقتالِهم؛ لكنْ في غَيبةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. يُنظر: ((تفسير ابن عرفة)) (4/ 181). وقال الواحدي: (قولُه تعالى: وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ يحتمِلُ وجهَينِ: أحدُهما: أنَّ الإثمَ والعُدوانَ مُخالَفتُهم الرَّسولَ في النَّهيِ عن النَّجوى، فلمَّا عادوا إلى ما نَهاهم عنه لَزِمَهم الإثمُ والعُدوانُ، وصاروا آثِمينَ ظالِمينَ. والثَّاني: أنَّ الإثمَ والعدوانَ ذلك السِّرُّ الَّذي يجري بيْنَهم؛ لأنَّه إمَّا مكرٌ وكَيدٌ بالمسلمينَ، أو شيءٌ يَسوؤُهم، فهو إثمٌ وعُدوانٌ). ((البسيط)) (21/342). ومَعصيةِ الرَّسولِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومخالَفتِه [212] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/469، 470)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1075)، ((تفسير القرطبي)) (17/291)، ((تفسير ابن كثير)) (8/43)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846). ؟
وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
بعْدَ أنْ ذكَرَ حالَهم في اختلاءِ بَعضِهم ببَعضٍ؛ ذكَرَ حالَ نِيَّاتِهم الخبيثةِ عندَ الحضورِ في مَجلِسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [213] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/31). .
سَبَبُ النُّزولِ:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُناسٌ مِنَ اليهودِ، فقالوا: السَّامُ عليك يا أبا القاسِمِ. قال: وعَلَيكم، قالت عائِشةُ: قُلْتُ: بل عليكم السَّامُ والذَّامُ [214] السَّامُ: المَوتُ. والذَّامُ: العَيبُ والذَّمُّ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 114، 158). ! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عائِشةُ، لا تَكوني فاحِشةً، فقالت: ما سَمِعْتَ ما قالوا؟! فقال: أوَلَيس قد ردَدْتُ عليهم الَّذي قالوا، قُلْتُ: وعليكم؟ فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ إلى آخِرِ الآيةِ)) [215] رواه مسلم (2165). .
وعن عَبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو رَضِي اللهُ عنهما: (أنَّ اليهودَ كانوا يقولونَ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: سامٌ عليك! ثمَّ يقولونَ في أنفُسِهم: لولا يُعَذِّبُنا اللهُ بما نَقولُ! فنزلَتْ هذه الآيةُ: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ إلى آخِرِ الآيةِ) [216] أخرجه أحمدُ (6589) واللَّفظُ له، والطَّبَرانيُّ (13/564) (14462)، والبيهقيُّ في ((شُعَب الإيمان)) (8679). حسَّن إسنادَه ابنُ كثير في ((تفسير القرآن)) (8/69)، وجوَّد إسنادَه الهَيْثَميُّ في ((مجمع الزوائد)) (7/124)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/95)، وصحَّح الحديثَ شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (11/160). .
وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ.
أي: وإذا جاءك هؤلاء القَومُ -يا محمَّدُ- حيَّوكَ بغَيرِ السَّلامِ الَّذي حَيَّاك به اللهُ تعالى [217] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/470)، ((الوسيط)) للواحدي (4/264)، ((تفسير ابن عطية)) (5/277). قال ابن العربي: (لا خِلافَ بيْنَ النَّقَلةِ أنَّ المرادَ بهم اليهودُ، كانوا يأتون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيقولونَ: السَّامُ عليك، يُريدونَ بذلك السَّلامَ ظاهِرًا، وهم يَعنون الموتَ باطِنًا). ((أحكام القرآن)) (4/198). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (17/292). وقال السعدي: (هؤلاء المذكورونَ إمَّا أُناسٌ مِن المنافقين يُظهِرونَ الإيمانَ، ويُخاطِبونَ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا الخِطابِ الَّذي يوهِمون أنَّهم أرادوا به خَيرًا، وهم كَذَبةٌ في ذلك، وإمَّا أُناسٌ مِن أهلِ الكِتابِ، الَّذين إذا سلَّموا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالوا: السَّامُ عليك يا محمَّدُ، يَعنون بذلك الموتَ). ((تفسير السعدي)) (ص: 846). وذهب ابنُ عاشور إلى أنَّ هذه الآيةَ كُلَّها في المنافِقينَ لا في اليهودِ، وأنَّ المرادَ تحيَّتُهم بتحيَّةِ الجاهليَّةِ، كأَنعِمْ صَباحًا. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/31). ويُنظر أيضًا: ((المحرر في أسباب نزول القرآن)) لخالد المزيني (2/966-969). .
كما قال تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور: 61] .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُناسٌ مِنَ اليهودِ، فقالوا: السَّامُ عليك يا أبا القاسِمِ. قال: وعَلَيكم، قالت عائشةُ: قُلْتُ: بل عليكم السَّامُ والذَّامُ! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عائشةُ، لا تَكوني فاحِشةً، فقالت: ما سَمِعْتَ ما قالوا؟! فقال: أوَلَيس قد ردَدْتُ عليهم الَّذي قالوا، قُلْتُ: وعليكم؟ )) [218] رواه البخاريُّ (6024)، ومسلمٌ (2165) واللَّفظُ له. .
وعن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((مرَّ يهوديٌّ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: السَّامُ عليك، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعليكَ. فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتدرونَ ما يقولُ؟ قال: السَّامُ عليك. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ألا نَقتُلُه؟ قال: لا، إذا سلَّم عليكم أهلُ الكِتابِ فقولوا: وعليكم)) [219] رواه البخاري (6926) واللفظ له، ومسلم (2163). .
وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ.
أي: ويقولون سِرًّا [220] قال ابن عثيمين: (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أي: يُحدِّثُ شخصٌ منهم نفْسَه، أو المعنى: يقولون فيما بيْنَهم). ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 4). ممَّن اختار أنَّ قولَه: فِي أَنْفُسِهِمْ أي: فيما بيْنَهم: السمرقنديُّ، والبيضاوي، والنسفي، وأبو السعود، والشوكاني، والألوسي. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/416)، ((تفسير البيضاوي)) (5/194)، ((تفسير النسفي)) (3/448)، ((تفسير أبي السعود)) (8/219)، ((تفسير الشوكاني)) (5/224)، ((تفسير الألوسي)) (14/221). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عاشور)) (28/32). قال ابن تيميَّةَ: (المراد أنَّهم قالوه بألسنتِهم سرًّا... وهذا هو الَّذي ذكره المفسِّرونَ، قالوا: كانوا يقولون: سامٌ عليك، فإذا خرَجوا يَقولون في أنفُسِهم، أي: يقولُ بعضُهم لبعضٍ: لو كان نبيًّا عُذِّبْنا بقولِنا له ما نقولُ. وإن قُدِّر أنَّه أُريدَ بذلك أنَّهم قالوه في قُلوبِهم فهذا قولٌ مُقيَّدٌ بالنَّفْسِ، مِثلُ قولِه: «عمَّا حدَّثَتْ به أنفُسَها»؛ ولهذا قالوا: لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ، فأطلَقوا لفظَ القَولِ هنا والمرادُ به ما قالوه بألسنتِهم؛ لأنَّه النَّجوى والتَّحيَّةُ الَّتي نُهوا عنها، كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ). ((مجموع الفتاوى)) (7/135). وقال السعدي: (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أي: يُسِرُّون في أنفُسِهم ما ذكره عالِمُ الغَيبِ والشَّهادةِ عنهم، وهو قولُهم: لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ). ((تفسير السعدي)) (ص: 846). وقال ابن عثيمين: (أصلُ القولِ لا بُدَّ أن يكونَ بصَوتٍ، ولو كان قولًا بالنَّفْسِ لَقَيَّده اللهُ، كما قال تعالى: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (1/212). : هلَّا يُعَذِّبُنا اللهُ فيُعَجِّلَ لنا العُقوبةَ في الدُّنيا؛ بسَبَبِ ما نَقولُه لمحمَّدٍ [221] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/473)، ((المفردات)) للراغب (ص: 688)، ((تفسير القرطبي)) (17/294)، ((تفسير ابن كثير)) (8/43، 44)، ((التفسير المظهري)) (9/222)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846). قال القرطبي: (قالوا: لو كان محمَّدٌ نبيًّا لعَذَّبَنا اللهُ بما نقولُ، فهلَّا يُعَذِّبُنا اللهُ! وقيل: قالوا إنَّه يَرُدُّ علينا ويقولُ: وعليكم السَّامُ، والسَّامُ: الموتُ، فلو كان نبيًّا لاستُجيبَ له فينا ومُتْنا. وهذا موضِعُ تَعجُّبٍ منهم؛ فإنَّهم كانوا أهلَ كتابٍ، وكانوا يَعلَمونَ أنَّ الأنبياءَ قد يَغضَبونَ فلا يُعاجَلُ مَن يُغضِبُهم بالعذابِ). ((تفسير القرطبي)) (17/294). ؟
حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا.
أي: يكفي هؤلاء عِقابًا لهم على ما يقولونَه: جَهنَّمُ، يَدخُلونَها في الآخِرةِ، ويُقاسُونَ عَذابَها [222] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/473)، ((تفسير ابن كثير)) (8/44)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/369، 370)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/32). .
فَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
أي: فبِئسَ المرجِعُ والمُنقَلَبُ جَهنَّمُ [223] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/473)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846)، ((تفسير الشوكاني)) (5/224). .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا ذَمَّ اليهودَ والمنافِقينَ على التَّناجي بالإثمِ والعُدوانِ ومَعصيةِ الرَّسولِ؛ أتْبَعَه بأنْ نهَى أصحابَه المؤمِنينَ أن يَسلُكوا مِثلَ طَريقتِهم [224] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/492). .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ.
أي: يا أيُّها الَّذين آمَنوا إذا تسارَرْتُم فيما بيْنَكم، فلا تَتحَدَّثوا بالإثمِ والعُدوانِ ومُخالَفةِ الرَّسولِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [225] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/474)، ((تفسير ابن عطية)) (5/277)، ((تفسير القرطبي)) (17/294)، ((تفسير ابن كثير)) (8/44)، ((التفسير المظهري)) (9/222)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846). وفي المخاطَبينَ بهذه الآيةِ قَولانِ؛ أحدُهما: أنَّه خِطابٌ للمؤمنينَ، والثَّاني: أنَّه خِطابٌ للمنافِقِين، والمعنى: يا أيُّها الَّذين آمَنوا بألسِنَتِهم، وقيل: آمَنوا بزَعمِهم. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (17/ 294)، ((تفسير الخازن)) (4/261). ممَّن اختار القولَ الأوَّلَ: ابنُ جرير، والثعلبيُّ، ومكي، والبغوي، وابن عطية، والقرطبي، وابن كثير، والعُلَيمي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/474)، ((تفسير الثعلبي)) (9/ 258)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/7362)، ((تفسير البغوي)) (5/43)، ((تفسير ابن عطية)) (5/277)، ((تفسير القرطبي)) (17/294)، ((تفسير ابن كثير)) (8/44)، ((تفسير العليمي)) (6/560)، ((تفسير الشوكاني)) (5/224). وممَّن اختار القولَ الثَّانيَ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ أبي زَمَنين، والواحديُّ، والزمخشري، والخازن، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/261)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/360)، ((الوسيط)) للواحدي (4/264)، ((تفسير الزمخشري)) (4/491)، ((تفسير الخازن)) (4/ 261)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/32). .
وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
أي: وتَسارُّوا الحديثَ فيما بيْنَكم بفِعلِ الخَيراتِ، واجتِنابِ المحَرَّماتِ [226] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/474)، ((تفسير القرطبي)) (17/294)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/371، 372)، ((تفسير السعدي)) (ص: 845). .
كما قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114] .
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.
أي: واجعَلوا بيْنَكم وبيْنَ سَخَطِ اللهِ وعذابِه وقايةً بامتِثالِ أوامِرِه واجتِنابِ نواهيه؛ فهو الَّذي إليه تُجمَعونَ فيُجازيكم على أقوالِكم وأعمالِكم [227] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/474)، ((تفسير القرطبي)) (17/294)، ((تفسير ابن كثير)) (8/44)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/372). .
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا شدَّد اللهُ سُبحانَه في أمرِ النَّجوى المذمومةِ، وكان لا يَفعَلُها إلَّا أهلُ النِّفاقِ، فكان رُبَّما ظَنَّ ظانٌّ أنَّه يَحدُثُ عنها ضَرَرٌ لأهلِ الدِّينِ؛ بيَّنَ أنَّ ضَرَرَها إنَّما يعودُ عليهم [228] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/372، 373). .
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا.
أي: إنَّما المُناجاةُ الَّتي نهَى الله عنها مِن تزيينِ الشَّيطانِ للمُتناجِينَ مِن أجْلِ أن يُوقِعَ الحُزنَ في قُلوبِ المؤمِنينَ [229] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/474، 475)، ((تفسير ابن عطية)) (5/277، 278)، ((تفسير القرطبي)) (17/295)، ((تفسير ابن كثير)) (8/44). قال الماوَرْدي: (وفي قولِه تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وجْهانِ: أحدُهما: ما كان يَتناجى به اليهودُ والمنافقون مِن الأراجيفِ بالمسلمينَ. الثَّاني: أنَّها الأحلامُ الَّتي يَراها الإنسانُ في مَنامِه فتَحزُنُه). ((تفسير الماوردى)) (5/491). وقال ابن عطية: (واختلَف النَّاسُ في النَّجْوى الَّتي هي مِنَ الشَّيطانِ الَّتي أخبر عنها في هذه الآيةِ؛ فقال جماعةٌ مِن المفسِّرينَ: أراد: إنَّما النَّجْوى في الإثمِ والعُدوانِ ومَعصيةِ الرَّسولِ مِن الشَّيطانِ. وقال قَتادةُ وغيرُه: الإشارةُ إلى نَجوى المنافِقِينَ واليهودِ. وقال عبدُ الله بنُ زَيدِ بنِ أسْلَمَ: الإشارةُ إلى نجوى قومٍ مِن المسلمينَ كانوا يَقصدون مُناجاةَ النَّبيِّ عليه السَّلامُ، وليس لهم حاجةٌ ولا ضرورةٌ إلى ذلك، وإنَّما كانوا يُريدون التَّبجُّحَ بذلك، وكان المسلمون يَظُنُّون أنَّ تلك النَّجوى في إخبارٍ بعَدُوٍّ قاصِدٍ أو نحوِه). ((تفسير ابن عطية)) (5/278). ممَّن اختار أنَّ المرادَ مُناجاةُ المنافِقِين بعضِهم بعضًا بالإثمِ والعُدوانِ -وزاد بعضُ المفسِّرينَ اليهودَ أيضًا-: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والسمرقنديُّ، والسمعانيُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/261)، ((تفسير ابن جرير)) (22/474)، ((تفسير السمرقندي)) (3/417)، ((تفسير السمعاني)) (5/387). قال السعدي: (أي: تناجي أعداءِ المؤمنينَ بالمؤمنينَ، بالمَكرِ والخديعةِ، وطَلَبِ السُّوءِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 846). وقال الزَّجَّاجُ: (أي: النَّجوى بالإثمِ والعُدوانِ مِن الشَّيطانِ؛ لِيَحزُنَ الَّذين آمنوا). ((معاني القرآن وإعرابه)) (5/138). .
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا كُنتُم ثلاثةً، فلا يَتناجى اثنانِ دونَ صاحِبِهما؛ فإنَّ ذلك يَحزُنُه )) [230] رواه البخاريُّ (6290)، ومسلمٌ (2184) واللَّفظُ له. .
وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.
أي: وليس الشَّيطانُ بضَارِّ المؤمِنينَ بأيِّ ضَرَرٍ إلَّا بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه؛ فإنَّ اللهَ يَكفيهم شَرَّ أعدائِهم ومَكْرِهم [231] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/278)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/373، 374)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/35، 36). .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا [الحج: 38] .
وقال سُبحانَه: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 43] .
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
أي: وعلى اللهِ وَحْدَه فلْيَعتَمِدِ المؤمِنونَ ويَثِقوا به؛ فإنَّ مَن توكَّلَ على اللهِ كفاه [232] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/476)، ((تفسير القرطبي)) (17/295)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846). قال ابن عطية: (أمَرَ بتوكُّلِ المؤمنينَ عليه تبارَك وتعالى، وهذا كلُّه يقَوِّي أنَّ التَّناجيَ الَّذي مِن الشَّيطانِ إنَّما هو الَّذي وقَعَ منه للمؤمِنينَ خَوفٌ؛ وللخَوفِ اللَّاحِقِ للقُلوبِ في هذا قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا يَتناجى اثنانِ دونَ الثَّالِثِ»). ((تفسير ابن عطية)) (5/278). .
كما قال تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة: 51، 52].

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

1- قول الله تعالى: وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى أمَرَ اللهُ تعالى المؤمِنينَ أن يَتناجَوا بالبِرِّ -وهو اسمٌ جامِعٌ لكُلِّ خَيرٍ وطاعةٍ، وقيامٍ بحَقٍّ لله ولعبادِه- والتَّقوى؛ فالمؤمِنُ يمتَثِلُ هذا الأمرَ الإلهيَّ، فلا تجِدُه مُناجيًا ومتحَدِّثًا إلَّا بما يُقَرِّبُه مِن الله، ويُباعِدُه مِن سَخَطِه، والفاجِرُ يتهاوَنُ بأمرِ اللهِ، ويُناجي بالإثمِ والعُدوانِ ومعصيةِ الرَّسولِ، كالمنافِقينَ الَّذين هذا دأْبُهم وحالُهم مع الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [233] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 845). .
2- الحُزنُ يُضعِفُ القَلبَ، ويُوهِنُ العَزْمَ، ويَضُرُّ الإرادةَ، ولا شَيءَ أحَبُّ إلى الشَّيطانِ مِن حُزنِ المؤمِنِ؛ قال تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا، فالحُزنُ مَرَضٌ مِن أمراضِ القَلبِ يَمنَعُه مِن نُهوضِه وسَيرِه وتَشميرِه [234] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 279). ، ولم يأتِ الحُزنُ في القرآنِ إلَّا منهيًّا عنه، أو منفيًّا؛ فالمنهيُّ عنه كقولِه تعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا [آل عمران: 139] ، وقولِه: وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [الحجر: 88] في غيرِ موضعٍ، وقولِه: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40] . والمنفيُّ كقولِه: فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [235] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/500). قال ابن تيمية: (لم يأمُرِ الله به [أي: الحزنِ] ولا رسولُه، بل قد نهَى عنه في مواضعَ، وإنْ تعلَّق بأمرِ الدِّينِ... وذلك لأنَّه لا يجلِبُ منفعةً، ولا يدفعُ مضرَّةً، فلا فائدةَ فيه، وما لا فائدةَ فيه لا يأمُرُ الله به، نَعمْ لا يأثمُ صاحبُه إذا لم يقترِنْ بحزنِه محرَّمٌ). ((مجموع الفتاوى)) (10/16). [البقرة: 38].
3- قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ؛ فإنَّ الله تعالى وَعَد المؤمنينَ بالكفايةِ والنَّصرِ على الأعداءِ، وقال تعالى: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 43] ، فأعداءُ اللهِ ورَسولِه والمؤمِنينَ مهما تناجَوا ومَكَروا، فإنَّ ضَرَرَ ذلك عائِدٌ إلى أنفُسِهم، ولا يضُرُّ المؤمنينَ إلَّا شَيءٌ قَدَّرَه اللهُ وقَضاه، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، أي: ليَعتَمِدوا عليه، ويَثِقوا بوَعدِه؛ فإنَّ مَن توكَّلَ على الله كفاه، وتولَّى أمرَ دينِه ودُنياه [236] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 846). .
4- قَولُه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فيه: تنبيهٌ وتهديدٌ جاءَ عَقِيبَ تحليلٍ وتحريمٍ، وناسَب ذِكرُ الحشْرِ؛ إذ فيه يَظهَرُ مَن أطاع وعصَى [237] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/371). . وفي إجراءِ الوَصفِ بالموصولِ الَّذِي وتِلك الصِّلةِ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ تذكيرٌ بأنَّ المرجِعَ إلى الله؛ ليُعِدَّ النَّاسُ ما استطاعوا مِن الطَّاعةِ لذلك اللِّقاءِ [238] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/53). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى فيه تحريمُ النَّجوى، وهو تحَدُّثُ الاثنَينِ سِرًّا بحَضْرةِ ثالثٍ [239] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 256). قال العراقي: (مَحَلُّ النَّهْيِ عن تَناجي اثنيْنِ دونَ ثالِثٍ إذا كان ذلك الثَّالثُ معَهما في ابتداءِ النَّجْوَى، فأمَّا إذا انْفَرَد اثنانِ فتَناجَيا ثمَّ جاء ثالثٌ في أثناءِ تناجيهما فليس عليهما قَطْعُ التَّناجي). ((طرح التثريب)) (8/143). قال الزرقاني: (وفي معنَى التَّناجي ما لو تَحدَّثا بلِسانٍ لا يُفْهَمُ). ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (4/647). ؛ لأنَّها توجِبُ إيحاشًا، وكَسْرَ القلبِ [240] يُنظر: ((فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة)) لابن عَقِيل الحنبلي (ص: 46). ، وقد قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((إذا كانوا ثلاثةٌ، فلا يَتناجى اثْنانِ دونَ الثَّالثِ)) [241] رواه البخاري (6288)، ومسلم (2183) من حديث عبدِ الله بن عُمرَ رضيَ الله عنهما. ، وقال صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((إذا كنتُم ثلاثةً فلا يَتناجى اثْنانِ دونَ الآخَرِ حتَّى تَختَلِطوا بالنَّاسِ مِن أجْلِ أن يُحزِنَه )) [242] رواه البخاري (6290)، ومسلم (2184) من حديث عبدِ الله بن مسعودٍ رضيَ الله عنه. ، ففي هذا النَّهيُ عن تَناجي اثنَينِ بحضَرةِ ثالثٍ، وكذا ثلاثةٍ وأكثَرَ بحَضرةِ واحدٍ، وهو نهيُ تحريمٍ، فيَحرُمُ على الجماعةِ المُناجاةُ دونَ واحدٍ منهم إلَّا أن يَأذَنَ، أمَّا اذا كانوا أربعةً فتَناجى اثنانِ دونَ اثنَينِ فلا بأسَ بالإجماعِ [243] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/167، 168). ، فإذا كثُر النَّاسُ فلا بأسِ أن يَتناجى منهم اثنانِ وأكثَرُ [244] يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (8/571). .
2- قول الله تعالى: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ يَدخُلُ فيه قَولُ بَعضِ النَّاسِ لبَعضٍ: (صباحُ الخَيرِ)، ونحوَه، مُعرِضًا عن السَّلامِ [245] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/369). !
3- في قَولِه تعالى: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ أنَّه إذا زال هذا السَّبَبُ، وقال الكِتابيُّ: «سلامٌ عليكمٌ ورَحمةُ اللهِ» فالعَدلُ في التَّحيةِ يَقتضي أنْ يُرَدَّ عليه نَظيرُ سَلامِه [246] يُنظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/426). قال القرطبي: (وقد اختُلِف في ردِّ السَّلامِ على أهلِ الذِّمَّةِ هل هو واجبٌ كالرَّدِّ على المسلمينَ، وإليه ذَهَب ابنُ عبَّاسٍ والشَّعبيُّ وقَتادةُ؛ للأمرِ بذلك. وذَهَب مالكٌ فيما روى عنه أشهَبُ وابنُ وهبٍ إلى أنَّ ذلك ليس بواجبٍ، فإنْ رَدَدْت فقُلْ: عليك). ((تفسير القرطبي)) (17/293). وكلامُ ابنِ القيِّمِ إذا قال الكِتابيُّ: «سلامٌ عليكمٌ ورَحمةُ اللهِ» فالعَدلُ في التَّحيةِ يَقتضي أنْ يُرَدَّ عليه نَظيرُ سَلامِه: أوفَقُ لمعنى الآيةِ. .
4- في قَولِه تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا أنَّ الشَّيطانَ يُريدُ مِن بني آدمَ أنْ يكونوا دائمًا على قَلقٍ وعلى حُزْنٍ [247] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) لابن عثيمين (5/104). ، وأنَّ كلَّ مَن حاول إدخالَ الحُزْنِ على أخيه المُسلمِ فإنَّه شَبيهٌ بالشَّيطانِ الَّذي يريدُ إدخالَ الأحزانِ على المؤمنينَ [248] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 402). .
5- قول الله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فيه سؤالٌ: كيف لا يَضُرُّهم ذلك ولا يَحْزُنُهم إلَّا بإذنِ اللهِ؟
الجوابُ: أنَّهم كانوا يُوهِمونَ المؤمنينَ في نَجواهم وتفاخُرِهم أنَّ غُزاتَهم غُلِبوا، وأنَّ أقارِبَهم قُتِلوا، فقال تعالى: لا يَضُرُّهم الشَّيطانُ والحُزنُ بذلك الموهِمِ إلَّا بإذنِ الله تعالى، أي: بمشيئتِه، وهو أن يَقضِيَ الموتَ على أقارِبِهم، والغَلَبةَ على الغُزاةِ [249] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (4/228). .
6- في قَولِه تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ حُجَّةٌ على المُعتَزلةِ والقَدَرِيَّةِ في إخبارِه عنِ الشَّيطانِ بإدخالِه الحُزنَ والضَّرَرَ على المؤمِنينَ، وزوالِ ضَرَرِه عنهم إلَّا بإذنِ اللهِ [250] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/254). .
7- قَولُه تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فيه وُجوبُ التَّوكُّلِ على اللهِ وحْدَه، وإفرادُ الله بالتَّوكُّلِ يُؤخَذُ مِن تقديمِ المعمولِ على عاملِه؛ لأنَّ تقديمَ ما حقُّه التَّأخيرُ يُفيدُ الحصرَ، وهذه قاعِدةٌ [251] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/382). .
8- في قَولِه تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أنَّ التَّوكُّلَ مِن مُقتَضياتِ الإيمانِ؛ لأنَّه عَلَّقَ الحُكمَ على وَصفٍ -وهو الإيمانُ-، فدلَّ ذلك على أنَّه كُلَّما قَوِيَ الإيمانُ قَوِيَ التَّوكُّلُ على اللهِ، وكُلَّما ضَعُفَ الإيمانُ ضَعُفَ التَّوكُّلُ على اللهِ [252] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 255)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/382). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ
- قولُه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى الاستِفهامُ تَعجيبيٌّ، مُرادٌ به تَوبيخُهم حينَ يَسمَعونه [253] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/219)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/29). .
- والتَّعريفُ في (النَّجوى) تَعريفُ العَهدِ؛ لأنَّ سِياقَ الكلامِ في نوعٍ خاصٍّ مِن النَّجوى، وهي النَّجوى الَّتي تَحزُنُ الَّذين آمَنوا، كما يُنبِئُ عنه قولُه تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا [المجادلة: 10] . ويجوزُ أنْ يكونَ النَّهيُ عن جِنسِ النَّجوى في أوَّلِ الأمرِ يعُمُّ كلَّ نَجوى بمَرأًى مِن النَّاسِ؛ سدًّا للذَّريعةِ [254] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/29). .
- قولُه: ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ثُمَّ يَعُودُونَ مَعطوفٌ على نُهُوا، وعُدِلَ عن صِيغةِ الماضي المُناسِبةِ للعطْفِ؛ لسِرٍّ لطيفٍ، وهو استحضارُ صُورةِ العَودِ وتَجدُّده وتَجْسيده، فصِيغةُ المُضارعِ في يَعُودُونَ دالَّةٌ على التَّجدُّدِ، أي: يُكرِّرونَ العَودَ بحيثُ يُريدونَ بذلك العِصيانَ، وقِلَّةَ الاكتِراثِ بالنَّهيِ؛ فإنَّهم لو عادوا إلى النَّجوى مرَّةً أو مرَّتينِ لاحتَمَلَ حالُهم أنَّهم نَسُوا [255] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/219)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/30)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/18). .
- وحرْفُ (ثُمَّ) في قولِه: ثُمَّ يَعُودُونَ للتَّراخي الرُّتبيِّ؛ لأنَّ عَودتَهم إلى النَّجوى بعْدَ أنْ نُهُوا عنها أعظَمُ مِنِ ابتداءِ النَّجوى؛ لأنَّ ابتداءَها كان إثمًا لِمَا اشتَمَلَتْ عليه نَجْواهم مِن نيِّاتٍ سَيِّئةٍ نحْوَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمُسلِمينَ، فأمَّا عَودتُهم إلى النَّجوى بعْدَ أنْ نُهُوا عنها، فقد زادوا بها تَمرُّدًا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومُشاقَّةً للمسلمينَ؛ فالجُملةُ مُستأنَفةٌ استئنافًا ابتدائيًّا اقتَضاهُ استمرارُ المنافقين على نَجْواهم [256] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/28). .
- ولِمَا نُهُوا عَنْهُ هو النَّجوَى؛ فعُدِلَ عن الإتيانِ بضَميرِ النَّجوى إلى الموصولِ وصِلتِه؛ لِما تُؤذِنُ به الصِّلةُ مِن التَّعليلِ لِما بعْدَها مِن الوعيدِ بقولِه: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ، على ما في الصِّلةِ مِن التَّسجيلِ على سَفَهِهم [257] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/30). .
- والباءُ في بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ للمُلابَسةِ، أي: يَتناجَون مُلابِسينَ الإثمَ والعُدوانَ ومَعصيةَ الرَّسولِ [258] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/30). .
- وجاء قولُه: وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ بعُنوانِ الرِّسالةِ بيْنَ الخِطابَينِ المُتوجِّهينِ إليهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى، وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ-؛ لزِيادةِ تَشنيعِهِم، واستعظامِ مَعصيتِهم [259] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/219). .
- قولُه: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ (لولا) للتَّحضيضِ، أي: هلَّا يُعذِّبُنا اللهُ بسَببِ كَلامِنا الَّذي نَتناجى به مِن ذَمِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحْوِ ذلك! أي: يَقولون ما معناهُ: لو كان محمَّدٌ نَبيًّا لَعذَّبَنا اللهُ بما نَقولُه مِن السُّوءِ فيه ومِن الذَّمِّ، وهو ما لخَّصَه اللهُ مِن قولِهم بكلمةِ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ؛ فإنَّ (لولا) للتَّحضيضِ مُستعمَلةٌ كِنايةً عن جَحْدِ نُبوَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: لو كان نَبيًّا لغَضِبَ اللهُ علينا، فلَعذَّبَنا الآنَ بسَببِ قَولِنا له [260] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/32). .
- قولُه: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ردٌّ على كَلامِهم، أي: كافِيهم مِن العذابِ جهنَّمُ؛ فإنَّه عذابٌ. وأصلُ يَصْلَوْنَهَا يَصْلَون بها، فضُمِّن معْنى يَذوقُونها أو يُحِسُّونها، وقد تَكرَّرَ هذا الاستِعمالُ في القرآنِ الكريمِ [261] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/32). .
- وقولُه: فَبِئْسَ الْمَصِيرُ تَفريعٌ على الوعيدِ بشأْنِ ذمِّ جهنَّمَ [262] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/32). .
- وأتى بالفاءِ في قوله: فَبِئْسَ الْمَصِيرُ؛ لِما فيه مِن معنَى التَّعقيبِ، أي: بئسَ المصيرُ ما صاروا إليه، وهو جَهنَّمُ [263] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 234)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/457). .
2- قولُه تعالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
- قولُه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ قيل: هو خِطابٌ للمنافِقِين الَّذين يُظهِرونَ الإيمانَ، فعامَلَهم اللهُ بما أظْهَروه، وناداهم بوصْفِ الَّذِينَ آَمَنُوا، كما قال: مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة: 41] ، ومنه ما حكاهُ اللهُ عن المشرِكين: وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر: 6] ، أي: يا أيُّها الَّذي نُزِّلَ عليه الذِّكرُ بزعْمِه، ونبَّهَهم إلى تَدارُكِ حالِهم بالإقلاعِ عن آثارِ النِّفاقِ، على عادةِ القرآنِ مِن تَعقيبِ التَّخويفِ بالتَّرغيبِ، فالجُملةُ استئنافٌ ابتدائيٌّ؛ ذلك أنَّ المنافِقينَ كانوا يَعمَلون بعمَلِ أهلِ الإيمانِ إذا لَقُوا الَّذين آمَنوا، فإذا رَجَعوا إلى قَومِهم غلَبَ عليهم الكفرُ، فكانوا في بَعضِ أحوالِهم مُقارِبينَ الإيمانَ بسَببِ مُخالطتِهم للمؤمنينَ، ويَكونُ قولُه: وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى تَنبيهًا على ما يجِبُ عليهم إنْ كانوا مُتناجِينَ لا مَحالةَ. ويجوزُ أنْ تكونَ خِطابًا للمؤمنينَ الخُلَّصِ؛ بأنْ وجَّهَ اللهُ الخطابَ إليهم تَعليمًا لهم بما يَحسُنُ مِن التَّناجي، وما يَقبُحُ منه بمُناسَبةِ ذَمِّ تَناجي المنافِقِين؛ فلذلك ابتُدِئَ بالنَّهيِ عن مِثلِ تَناجي المنافِقِين، وإنْ كان لا يَصدُرُ مِثلُه مِن المؤمنينَ؛ تَعريضًا بالمنافِقين، مِثل قولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران: 156] ، ويَكونَ المَقصودُ مِن الكلامِ هو قولَه: وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى؛ تَعليمًا للمؤمنينَ [264] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/32، 33). .
- وفيه ترتيبٌ حسَنٌ بديعٌ، حيثُ نَهَى المؤمنينَ أنْ يكونَ تَناجِيهم مِثلَ تَناجي الكُفَّارِ، وبدَأَ بالإثمِ؛ لعُمومِه، ثمَّ بالعُدوانِ؛ لعَظَمتِه في النُّفوسِ؛ إذ هي ظُلاماتُ العِبادِ، ثمَّ تَرقَّى إلى ما هو أعظَمُ، وهو مَعصيةُ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وفي هذا طعْنٌ على المنافِقِين؛ إذ كان تَناجيهم في ذلك [265] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/126). .
- والتَّقييدُ بـ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ يُشيرُ إلى أنَّه لا يَنْبغي التَّناجي مُطلقًا، ولكنَّهم لَمَّا اعْتادوا التَّناجيَ حُذِّروا مِن غَوائلِه، وإلَّا فإنَّ التَّقييدَ مُستغنًى عنه بقولِه: فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [266] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/33). .
3- قولُه تعالَى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ تَسليةٌ للمؤمنينَ، وتأنيسٌ لنُفوسِهم يُزالُ به ما يَلحَقُهم مِن الحُزْنِ لمُشاهَدةِ نَجْوى المنافِقِين لاختلافِ مَذاهبِ نُفوسِهم إذا رَأَوُا المُتناجِينَ في عَديدِ الظُّنونِ والتَّخوُّفاتِ؛ فالجُملةُ استِئنافٌ ابتدائيٌّ اقتَضَتْه مُناسَبةُ النَّهيِ عن النَّجوى، على أنَّها قدْ تكونُ تَعليلًا لتأْكيدِ النَّهيِ عن النَّجوى [267] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/34). .
- والتَّعريفُ في النَّجْوَى تَعريفُ العهْدِ، أي: نَجْوى المنافِقين الَّذين يَتناجَون بالإثمِ والعُدوانِ ومَعصيةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [268] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/491)، ((تفسير أبي السعود)) (8/220)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/34). .
- والحصْرُ المُستفادُ مِن (إنَّما) قصْرُ مَوصوفٍ على صِفةٍ، و(مِن) ابتدائيَّةٌ، أي: قصْرُ النَّجوى على الكَونِ مِن الشَّيطانِ، أي: جائيةٌ؛ لأنَّ الأغراضَ الَّتي يَتناجَون فيها مِن أكبَرِ ما يُوَسوِسُ الشَّيطانُ لأهلِ الضَّلالةِ بأنْ يَفعَلوه؛ ليَحزُنَ الَّذين آمَنوا بما يَتطرَّقُهم مِن خَواطرِ الشَّرِّ بالنَّجوى، وهذه العِلَّةُ ليستْ قَيدًا في الحصْرِ؛ فإنَّ للشَّيطانِ عِللًا أُخرى؛ مِثْلَ إلْقاءِ المُتناجِينَ في الضَّلالةِ، والاستِعانةِ بهم على إلْقاءِ الفِتنةِ، وغيرِ ذلك مِن الأغراضِ الشَّيطانيَّةِ. وقدْ خُصَّت هذه العِلَّةُ بالذِّكرِ؛ لأنَّ المَقصودَ تَسليةُ المؤمِنينَ وتَصبيرُهم على أذَى المنافِقينَ؛ ولذلك عُقِّبَ بقولِه: وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا؛ ليَطمئِنَّ المؤمِنونَ بحِفْظِ اللهِ إيَّاهم مِن ضُرِّ الشَّيطانِ، وهذا نحوٌ مِن قولِه تعالَى: لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [269] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/34). [الحجر: 42، الإسراء: 65].
- ووُقوعُ شَيْئًا وهو نَكِرةٌ في سِياقِ النَّفيِ يُفيدُ عُمومَ نفْيِ كلِّ ضُرٍّ مِن الشَّيطانِ، أي: انْتَفى كلُّ شَيءٍ مِن ضُرِّ الشَّيطانِ عن المؤمنينَ؛ فيَشملُ ضُرَّ النَّجوى وضُرَّ غيرِها [270] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/35). .
- والاستِثناءُ في قولِه تعالَى: إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ مِن عُمومِ شَيْئًا الواقعِ في سِياقِ النَّفيِ، أي: إلَّا ضُرًّا مُلابِسًا لإذْنِ اللهِ في أنْ يُسلِّطَ عليهم الشَّيطانُ ضُرَّه فيهم، أي: ضُرَّ وَسوستِه؛ ولهذا ذُيِّلَ بقولِه: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ؛ لأنَّهم إذا تَوكَّلوا على اللهِ توكُّلًا حقًّا بأنِ استَفْرَغوا وُسْعَهم في التَّحرُّزِ مِن كَيدِ الشَّيطانِ، واستَعانوا باللهِ على تَيسيرِ ذلك لهم، فإنَّ اللهَ يَحفَظُهم مِن كَيدِ الشيطانِ؛ قال تَعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3] . ويَجوزُ أنْ يكونَ عُمومُ شَيْئًا مُرادًا به الخُصوصُ، أي: ليس بضارِّهم شَيئًا ممَّا يُوهِمُه تَناجي المنافِقِين مِن هَزيمةٍ أو قتْلٍ، إلَّا بتَقديرِ اللهِ حُصولَ هَزيمةٍ أو قتْلٍ، والمعْنى: أنَّ التَّناجيَ يُوهِمُ الَّذين آمَنوا ما ليس واقعًا، فأعْلَمَهم اللهُ ألَّا يَحزَنوا بالنَّجوى؛ لأنَّ الأُمورَ تَجْري على ما قدَّرَه اللهُ في نفْسِ الأمْرِ حتَّى تَأتيَهم الأخبارُ الصَّادقةُ [271] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/35، 36). .
- وتَقديمُ الجارِّ والمجرورِ في قولِه: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ؛ للاهتِمامِ بمَدلولِ هذا المُتعلَّقِ [272] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/36). .