موسوعة التفسير

سُورةُ المائِدَةِ
الآيات (41 - 43)

ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ

غريب الكلمات:

الَّذِينَ هَادُوا: أَي: اليهود، وهَادَ فلان: إذا تحرَّى طَريقةَ اليَهُود في الدِّين؛ قيل: أَصْلُ (يَهُود) مِن: هُدْنَا إِلَيْكَ، أي: تُبْنَا، وكان اسمَ مَدحٍ، ثم صارَ بعدَ نَسْخِ شَريعتِهم لازمًا لهم، وإنْ لم يكُنْ فيه معنَى المدحِ، وقيل: كَانَتِ اليَهُود تُنْسَب إلى يَهوذا بنِ يَعْقُوبَ [792] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 495)، ((المفردات)) للراغب (1/847)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 89). .
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ: قابِلونَ ومُصغُونَ له بكثرةٍ، مبالغة مِن (سامِعون)، وأَصْلُ (سمع): إيناسُ الشيءِ بالأُذُن [793]  يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 261)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/102)، ((المفردات)) للراغب (ص: 425)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 82، 139)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 150، 151)، ((حاشيه الشهاب على تفسير البيضاوي)) (3/242)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 518). .
سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ: مُطيعون لَهُم، أو عُيونٌ لهم، وجواسيسُ يَتجسَّسون لهُم الأخبارَ [794]  يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 261)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/102)، ((المفردات)) للراغب (ص: 425)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 82، 139)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 150، 151)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 518). .
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ: يَقلِبونَ ويُغيِّرونَ ألْفاظَ التوراةِ، أو حدودَ اللهِ في التوراةِ، بإزالتِها وإثباتِ غيرِها، وأصْلُ التَّحريفِ والانحرافِ: إمالةُ الشَّيءِ والعدولُ به عن الاستقامةِ. والكَلِم جمع كلمة، وأَصْلُ (كلم): يدلُّ على نُطْقٍ مُفهِمٍ بالنَّظرِ إلى أحدِ مَدْلولَيهِ [795] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/42) و(5/131)، ((المفردات)) للراغب (ص: 228، 722، 724)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1/65، 80)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 82)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 993). .
فِتْنَتَهُ: ضَلالتَه، وتُطلَقُ الفِتنةُ على الشِّرْكِ والكُفرِ، والشَّرِّ والعذابِ، وهي في الأصلِ: الاختِبارُ والابتلاءُ والامتِحانُ، مأخوذة مِن الفَتْن: وهو إدخالُ الذَّهبِ النَّارَ؛ لتظهَرَ جودتُه من رَداءتِه [796] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (1/76، 101)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/472- 473)، ((المفردات)) للراغب (1/624)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1/29، 139- 140)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 698). .
خِزْيٌ: هوانٌ وهلاكٌ، وأصلُ الخِزي: الإبعادُ [797] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 61)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 215)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/179)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 85). .
لِلسُّحْتِ: السُّحتُ هو الرِّشَا، أو كَسْبُ ما لا يَحِلُّ، أو كُلُّ مالٍ حَرَامٍ يَلزَمُ آكِلَه العارُ، وأصلُ (سحت): الاستِئصالُ، ومِنه سُمِّي المالُ الحرامُ سُحْتًا؛ لأنَّه لا بَقاءَ له [798]  يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 143)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/143)، ((المفردات)) للراغب (ص: 399-400)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 151)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 522). .
بِالْقِسْطِ: بالعَدلِ، وأصْل القِسطِ يدلُّ على مَعنيين مُتضادَّينِ: العَدْلِ، والجَوْرِ؛ يُقال: أقْسَطَ: إذا عدَل، وقَسَطَ: إذا جارَ [799] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 103)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/85)، ((المفردات)) للراغب (ص: 670). .
يَتَوَلَّوْنَ: يُعرِضونَ بعدَ الإقبالِ، فالفِعل (تولَّى) إذا عُدِّي بـ(عن) لفظًا أو تقديرًا- كما هنا- اقتَضى معنى الإعراضِ، وتركِ قربِه، وأصْلُ هذه المادَّة يدلُّ على القُرْب، سواءٌ من حيثُ: المكانُ، أو النِّسبةُ، أو الدِّينُ، أو الصَّداقةُ، أو النُّصرةُ، أو الاعتقادُ، وكلُّ مَن وَلِي أمرَ آخَرَ فهو وَلِيُّه [800] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/141)، ((المفردات)) للراغب (ص: 885- 886)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 89). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ اللهُ تعالى مُخاطِبًا نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا يَحْزُنْك- يا محمدُ- الذين يُسارعونَ إلى الدُّخولِ في الكُفرِ؛ من المنافقينَ الذين أَظْهَروا الإيمانَ بألسِنَتِهم، بينما خلَتْ قلوبُهم منه، ومِنَ اليهودِ؛ فهؤلاء اليهود يُصغُونَ للكذبِ- الذي يَصدُرُ مِن أحبارِهم - بكثرةٍ، وهم يَخضعونَ لأوامرِ قومٍ آخرينَ مِنَ اليهود الذين أَعْرَضوا عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلا يأتونَ مجلسَه؛ هؤلاءِ المعرِضونَ عن مَجلسِك يُحرِّفونَ كلامَ اللهِ تعالى عن المعنى الذي يدلُّ عليه، ويتأوَّلونه على غيرِ تأويلِه مُتعمِّدِينَ، وهم يعلمون الحقَّ، ويقولون لأتْباعِهم: تَحاكَموا إلى محمَّدٍ، فإنْ حَكَم لكم بما يُوافِقُ أهواءَكم فاقْبلوه، وإنْ لم يَحكُم بذلك فلا تأخُذوا بحُكمِه..
ثم أخْبَر تعالى أنَّه مَن يُرِدْ أن يَفتنَه ويُضِلَّه فلنْ يملكَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن اللهِ شيئًا يَستنقذُه ممَّا أرادَه اللهُ له من الضَّلالةِ، وأمَّا أولئك اليهودُ الذين لا يَقبَلون من الحقِّ إلَّا ما وافَقَ هوًى لهم لم يُردِ اللهُ أنْ يُطهِّرَ قلوبَهم من الكُفرِ والشِّركِ؛ لهم في الحياةِ الدنيا ذلٌّ وهوانٌ، ولهم في الآخرةِ عذابٌ عظيمٌ هو عذابُ النار.
هؤلاءِ اليهودُ سمَّاعونَ للباطل، مُستجيبونَ له، يأكلونَ المالَ الحرامَ بكثرةٍ، ثم أرشَدَ اللهُ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أنَّهم إذا جاؤُوه يَحتكِمون إليه، فله أن يَحكُمَ بينهم إنْ شاء، أو يُعرِضَ عن الحُكم بينهم، وأخبره تعالى أنَّه إنْ يُعرِضْ عنهم فلن يَضرُّوه شيئًا، وإنِ اختار أنْ يحكُمَ بينهم فليَحْكُم بينهم بالعَدلِ، والله يحبُّ المتَّصفينَ بالعدلِ بينَ الناس في أحكامِهم.
ثم يقولُ اللهُ لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كيف يُنَصِّبك هؤلاءِ اليهودُ حَكمًا، وهم في حقيقةِ الأمر يُكذِّبونك، وعندهم كتابُ اللهِ التوراةُ فيها حُكمُ الله؟! لكنَّهم أعْرَضوا عنه، وطَلَبوا حُكمًا غيرَ ما عندهم؛ لعلَّه يُوافِقُ أهواءَهم، وَمَا أُولَئِكَ الذين هذا صنيعُهم؛ بالمؤمنينَ.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41).
مناسَبَةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا بيَّن اللهُ سُبحانَه وتعالى بعضَ التكاليفِ والشَّرائعِ، ومنها أحكامُ الحِرابةِ والسَّرقة، وكان في ذِكرِ المحارِبينَ أنَّهم يُحارِبونَ اللهَ ورسولَه، ويَسعَون في الأرضِ فسادًا، وكان الله قد عَلِم مِن بعضِ الناسِ كونَهم متسارِعينَ إلى الكفرِ- لذا صبَّرَ رسولَه على تحمُّل ذلك، وأمَرَه تعالى ألَّا يحزنَ ولا يَهتمَّ بأمْرِ المنافقين وأمْرِ اليهودِ؛ مِن تعنُّتهم وتربُّصهم به وبمَن معه الدَّوائرَ، ونَصبِهم له حبائلَ المكروهِ، وما يَحدُث منهم من الفَسادِ في الأرض، ونصْب المحاربةِ للهِ ولرسولِه، وغير ذلك مِن الرَّذائِلِ الصادرةِ عنهم [801]  ينظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/260)، ((تفسير الرازي)) (11/358). .
وأيضًا لَمَّا تَقرَّرَ في الآيةِ السَّابقةِ أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ، كان من غيرِ شكٍّ عِلةً لعدم الحزنِ على شيءٍ من أمْرِهم، ولا مِن أمْرِ غيرِهم ممَّن عصَى اللهَ في شيءٍ من هذه الأحكامِ [802] ينظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/138). .
سبَبُ النُّزولِ:
عنِ البَرَاءِ بن عازبٍ رضِيَ اللهُ عنه قال: ((مُرَّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيهوديٍّ محمَّمًا [803] محمَّمًا: اسمُ مَفعولٍ، أي: مُسْودَّ الوجه، من الحُمَمَة، وهي الفَحْمَة، وجمعها حُمَمٌ، والتَّحميمِ بمعنى التَّسويدِ. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/444). مجلودًا، فدَعاهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: هكَذا تَجِدون حدَّ الزاني في كِتابِكم؟ قالوا: نعَم، فدَعا رجلًا من عُلمائِهم، فقال: أَنشُدُك باللهِ الذي أنزلَ التوراةَ على موسى، أهكذا تَجِدون حدَّ الزَّاني في كتابِكُم؟ قال: لا، ولولا أنَّك نَشدْتَنِي بهذا لم أُخْبِرْكَ؛ نجدُه الرَّجمَ، ولكنَّهُ كثُرَ في أشرافِنا، فكنَّا إذا أخَذْنا الشَّريفَ ترَكْناهُ، وإذا أخَذْنا الضعيفَ أقَمْنا عليهِ الحدَّ! قلنا: تَعالَوْا فلنجتمعْ على شيٍء نُقيمُه على الشَّريفِ والوَضيعِ، فجعَلْنا التَّحميمَ والجلْدَ مكانَ الرَّجمِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اللهمَّ إنِّي أولُ مَن أحيا أمْركَ إذْ أماتوهُ، فأمرَ بهِ فرُجِمَ، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلى قولِه: إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ، يقول: ائتوا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنْ أمَرَكم بالتَّحميمِ والجَلْدِ فخُذوه، وإنْ أَفتاكم بالرَّجمِ فاحْذروا، فأنزل اللهُ تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ في الكُفَّارِ كلُّها )) [804] رواه مسلم (1700). .
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ.
أي: لا تَجعلْ- يا محمَّدُ- هؤلاءِ المنافقين، الذين يَتسابقون إلى الكُفرِ، يُدْخِلُون الحزنَ على نفسِكَ بما يَفعلونَه [805] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/418- 419)، ((تفسير ابن كثير)) (3/113)، ((تفسير السعدي)) (ص: 231)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/197)، ((تفسير ابن عثيمين-سورة المائدة)) (1/396). .
مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ.
أي: الَّذين أَظهَروا الإيمانَ بألْسنتِهم، وقلوبُهم في الحقيقةِ خاويةٌ منه [806] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/419)، ((تفسير ابن كثير)) (3/113)، ((تفسير السعدي)) (ص: 231)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/397). .
كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] .
وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا.
أي: ولا تَجعلِ الحُزْنَ يُصيبكَ أيضًا بسببِ اليهودِ [807] وهذا اختيارُ ابنِ جرير في ((تفسيره)) (8/419)، وابن كثير في ((تفسيره)) (3/113)، وابن عاشور في ((تفسيره)) (6/198- 199). فيكون الوقفُ على قولِه تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا. وقيل: الابتداءُ من قوله: وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا، أي: ومِن الذين هادوا قومٌ سمَّاعون للكذب، ويكون الأمرُ للرسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلام بعدمِ الحزن على مسارعةِ المنافقين في الكُفر، لا المنافقين واليهود. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (6/181)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/397- 398). .
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ.
أي: يُكثرونَ الإصغاءَ إلى الكَذِبِ الصادرِ مِن أحبارِهم ورُؤسائِهم، فيَحْفِلون به، ويَقبلونَه منهم، ومِن ذلك: تَقليدُهم في قولهم: إنَّ محمَّدًا ليس بنبيٍّ، وفي قولهم: إنَّ حُكمَ الزاني المحصَنِ في التوراة: التَّحميمُ والجَلْدُ، وليس الرَّجمَ [808] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/419-420)، ((تفسير السعدي)) (ص: 231)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/199)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/398). .
قيل: المرادُ بهؤلاء المنافقونَ مِن اليهودِ، وقيلَ: المرادُ بهم اليهودُ فقط، وقيل: المنافقونَ واليهودُ [809] اختار ابنُ جرير أنَّهم المنافقون من اليهود. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/420). واختار أنَّهم اليهود: ابنُ عثيمين في ((تفسير سورة المائدة)) (1/398)، واختارَ أنَّهم المنافقون واليهود: ابنُ عاشور في ((تفسيره)) (6/199). .
سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ.
أي: يَستجيبونَ لأوامرِ أقوامٍ آخَرين من الأحبارِ والرؤساءِ المُعرِضينَ عن الإتيانِ إلى مجلسِك- يا محمَّدُ [810] وهذا اختيارُ ابن كثير في ((تفسيره)) (3/113)، والسعدي في ((تفسيره)) (ص: 231)، وابن عاشور في ((تفسيره)) (6/199- 200). .
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ.
أي: إنَّ هؤلاءِ القومَ الآخَرينَ مِن أحبارِ اليهودِ الذين يَتَّبِعُهم العامَّةُ، يَصرِفونَ كلامَ الله عن معناه الحقيقيِّ عمدًا، ويتأوَّلونه على غيرِ تأويلِه، وهم يَعلمون الحقَّ، فيقولون: المرادُ كذا وكذا، على خلافِ ما أرادَ اللهُ ورسولُه [811] واختار أنَّ التحريف صِفةٌ للقومِ الآخَرين الذين لم يأتوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: السعديُّ في ((تفسيره)) (ص: 231)، وابنُ عاشور في ((تفسيره)) (6/200)، وابنُ عثيمين في ((تفسير سورة المائدة)) (1/399). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ من السَّلف: ابنُ زيد: يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/426)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (4/1132). واختارَ ابنُ جرير أنَّ التحريفَ صفةٌ للذين يُسارِعون في الكفرِ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/423). .
يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا.
أي: إنَّ أولئك الأحبارَ الذين يَتَّبِعُهم العامَّةُ، يقولون لأتْباعِهم: تَحاكَمُوا إلى محمَّدٍ؛ فإنْ حَكَم لكم بما يُوافِقُ أهواءَكم فاقبلوا حُكمَه، وإنْ لم يحكُمْ لكم به فاحْذروا مِن قَبولِه، واتِّباعِه على ذلك [812] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/113)، ((تفسير السعدي)) (ص: 232)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/399). قال ابنُ عاشور: (وإنَّما قالوا: فاحذروا؛ لأنَّه يفتحُ عليهم الطعنَ في أحكامِهم التي مضَوا عليها، وفي حُكَّامهم الحاكِمين بها) ((تفسير ابن عاشور)) (6/200). ؛ ومن ذلك ما يَتعلَّقُ بحَدِّ الزَّاني [813] قال ابنُ عُثَيمين: (وهذا مثالٌ وليس حصرًا لمعنى الآية، بل المراد أنَّهم يُعيِّنون- أي: الأحبار- أحكامًا لعامَّتهم، ويقولون: إنْ حَكَمَ بها محمَّدٌ فاقبلوها، وإنْ لم يَحكُمْ فاحذروا) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/400). .
ثم يقول الله تعالى مسلِّيًا لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلم، ومخفِّفًا عنه مِن ثِقَلِ حُزِنه على مسارعتِهم في الكُفْر [814] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/262). قال ابنُ جرير في قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا: (وهذا تسليةٌ من الله تعالى ذِكرُه نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم من حُزنه على مسارعة الذين قصَّ قصَّتَهم من اليهود والمنافقين في هذه الآية، يقول له تعالى ذِكرُه: لا يحزنك تسرُّعهم إلى جحودِ نبوَّتك؛ فإنِّي قد حتَّمتُ عليهم أنهم لا يتوبون من ضلالتهم، ولا يَرِجعون عن كُفرهم للسابق من غضبي عليهم، وغيرُ نافعِهم حُزنُك على ما ترى مِن تسرُّعهم إلى ما جعلتُه سبيلًا لهلاكهم واستحقاقِهم وعيدي... فلا تُشعِرْ نفْسَك بالحزنِ على ما فاتَك = = من اهتدائِه للحقِّ) ((تفسير ابن جرير)) (8/427). ويُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/400). :
وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا.
أي: إذا حتَّم اللهُ تعالى على أَحدٍ أنَّه لا يتوبُ مِن ضلالتِه، ولا يَرجِعُ عن غيِّه ممَّن هو أهلٌ لذلك؛ فلن تملكَ له- يا محمَّدُ- مِن اللهِ تعالى استنقاذًا ممَّا هو فيه من الحَيرةِ والضَّلالةِ، فليس بمقدورِكَ هدايتُه [815] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/427)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/201)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/401). قال الرازي: (لفظ الفتنة محتملٌ لجميع أنواع المفاسِد، إلَّا أنَّه لَمَّا كان هذا اللفظُ مذكورًا عقيبَ أنواع كُفرهم التي شرحَها اللهُ تعالى، وجَبَ أن يكون المرادُ من هذه الفتنةِ تلك الكُفرياتِ التي تَقدَّم ذِكرُها، وعلى هذا التقديرِ فالمرادُ: ومَن يُرِدِ اللهُ كُفرَه وضلالتَه فلن يقدِرَ أحدٌ على دفْع ذلك عنه). ((تفسير الرازي)) (11/360). .
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ.
أي: إنَّ أولئك اليَهودَ الذين لا يَقبَلون من الحقِّ إلَّا ما وافَق أهواءَهم، لم يُرِدِ الله تعالى أن يُطهِّر قلوبَهم مِن دَنسِ الكُفرِ، ووسَخِ الشِّركِ وغير ذلك، بطهارةِ الإسلامِ، ونظافةِ الإيمانِ، فيتوبوا؛ فلذلك صَدَر منهم ما صَدَر [816] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/428)، ((تفسير السعدي)) (ص: 232)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/401). .
لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
أي: لهم في الحياةِ الدُّنيا ذلٌّ وهوانٌ، وفَضيحةٌ وعارٌ، ولهم في الآخِرة غضبُ الجبَّار، وعذابُ النَّار [817] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/428)، ((تفسير السعدي)) (ص: 232)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/401- 402). .
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) .
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ.
أي: إنَّ هؤلاء اليهودَ الذين وصفتُ لك- يا مُحمَّدُ- صِفتَهم؛ سمَّاعون للباطِلِ، مُستجيبونَ له، مِثل قولِ بعضِهم لبعضٍ: محمَّدٌ ليس بنبيٍّ، وكقول بعضهم: إنَّ حُكْمَ الزَّاني المحصَنِ في التوراة الجلدُ والتحميمُ، وغير ذلِك من الأباطيلِ [818] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/428)، ((تفسير ابن كثير)) (3/117)، ((تفسير السعدي)) (ص: 232). .
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ.
مُناسَبتُها لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذكَر سُبحانَه ما يَدخُلُ في آذانِهم وقلوبِهم مِنَ الكلامِ؛ أتْبَعَ ذلك بذِكرِ ما يَدخُلُ في أفواهِهم وبُطُونِهم من الطَّعامِ، وهما غذاءانِ خَبيثانِ [819] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/196- 197). ، فقال:
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ.
أي: ومِن صفاتِهم أنهم كثيرًا ما يأكلونَ المالَ الحرامَ؛ كالرَّشاوى وغيرِها [820] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/428)، ((تفسير ابن كثير)) (3/117)، ((تفسير السعدي)) (ص: 232)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/411- 412). .
فَإِنْ جَاؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ.
أي: فإنْ أتاكَ هؤلاءِ اليهودُ- يا محمَّدُ- للاحتكامِ إليك، فلك أنْ تحكُمَ بينهم إنْ شئتَ، أو تَدعَ ذلك إنْ شئتَ، فالخيارُ إليك في ذلِك؛ فهم لا يَقصِدون بتَحاكُمهم إليك اتِّباعَ الحقِّ، بل يَطلُبون ما وافَقَ أهواءَهم [821] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/435)، ((تفسير ابن كثير)) (3/117)، ((تفسير السعدي)) (ص: 232)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/412- 413). قال ابنُ عُثَيمين: («أو» هنا هل هي للتَّنويعِ أو للتخيير؟ الجواب: هذه للتَّخيير، وإذا كانتْ = = للتخييرِ؛ فهل هو تخييرُ تشَهٍّ أو مصلحةٍ؟ نقول: هو تخييرُ مصلحةٍ) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/413)، والقاعدةُ تقول: إذا خُيِّرَ العبدُ بين شيْئيْنِ فأكثر، فإنْ كانَ التَّخييرُ لمصلحتِه فهو تخييرُ تشهٍّ واختيار، وإن كانَ لمصلحةِ غيره فهو تخييرُ اجتهادٍ في مصلحةِ غيره. يُنظر: ((قواعد التفسير عند المفسرين)) لخالد السبت (ص: 876). .
وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا.
أي: وإنْ تُعرِضْ- يا محمَّدُ- عن هؤلاءِ المحتكِمينَ إليك من اليهودِ، وتَخْتَرْ تَرْكَ الحُكم بينهم، فلن يَقدِروا على إلحاقِ أيِّ ضررٍ بك في أمْر دِينٍ ولا دُنيا [822] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/445 - 446)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة المائدة)) (1/413- 414). .
وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ.
أي: وإنِ اخترتَ الحُكمَ بينهم- يا محمَّدُ- فاحكمْ بينهم بالحقِّ والعدل، وإنْ كانوا في الحقيقةِ أعداءً وظَلَمةً، خارجينَ عن طريقِ العدل [823] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/446)، ((تفسير ابن كثير)) (3/117)، ((تفسير السعدي)) (ص: 232)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/414). .
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
أي: إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ العادلينَ في حُكْمِهم بينَ النَّاس [824] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/447)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/415). .
عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((إنَّ المُقسِطينَ عندَ الله على منابرَ مِن نورٍ، عن يَمينِ الرَّحمنِ عزَّ وجلَّ- وكِلتَا يديهِ يمينٌ- الذين يَعدِلونَ في حُكمهِم وأَهليهِم وما وَلُوا [825] وَمَا وَلُوا- بفَتْح الواو وضمِّ اللام المخفَّفة-: أي: ما كانتْ لهم عليه ولايةٌ مِن النَّظر إلى اليتيمِ، أو وقْفٍ، أو حِسبة، ونحو ذلك، ورُوي (وُلُّوا)- بضمِّ الواو وتشديد اللام-: أي ما جُعِلوا والينَ عليه. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/211)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (6/2404). ) [826] رواه مسلم (1827). .
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43).
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ.
أي: كيف يَجعلُك هؤلاءِ اليهودُ- يا مُحمَّدُ- حَكَمًا بينهم وهم يُكذِّبونَك، وعندهم التوراةُ التي أُنزِلَتْ على موسى، والتي فيها حُكم اللهِ على ما يُريدون، ومِن ذلك حُكمُ الله فيها على الزاني المحصَن بالرَّجْمِ؟! ومع هذا أَعْرضوا عن حُكْمِها، وهم يَعلمون أنَّه الحقُّ، وطَلَبوا حُكمَ غيرِها؛ لاحتمالِ موافَقَتِه لأهوائِهم بظَنِّهم الفاسِدِ [827] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/447- 448)، ((تفسير ابن كثير)) (3/117)، ((تفسير السعدي)) (ص: 232)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/419- 420). .
وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ.
أي: إنَّهم ليسوا مِن أهلِ الإيمانِ؛ فإنَّ ذلك ليس مِن صَنيعِهم ودأْبِهم، أمَّا هؤلاء فقد جَعَلوا آلهتَهم أهواءَهم، وجَعَلوا أحكامَ الشَّرْع تابعةً لها، ولو كانوا مؤمنِينَ عاملينَ بما يَقتضيهِ الإيمانُ لم يَعدِلوا عن حُكمِ اللهِ في التوراةِ التي بين أيديهم [828] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/448)، ((تفسير السعدي)) (ص: 232)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/420- 421). .

الفوائد التربوية:

1- في قولِه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ تعليمٌ وتأديبٌ للمؤمنينَ ألَّا يُخاطِبوا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم باسْمِه، وأنْ يُخاطِبوه بوصْفِه [829] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/320). .
2- الإشارةُ إلى أنَّ المدارَ في الإيمانِ والصَّلاحِ والفسادِ، على القلبِ؛ لقوله: مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وقولِه: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ، فالإيمانُ باللِّسانِ ليس إيمانًا حتَّى يكونَ مبنيًّا على إيمانِ القَلبِ، وإلَّا فإنَّه لا يَنفعُ صاحبَه؛ فالإيمانُ محلُّه القلبُ [830] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/403، 409، 410). . وفي الحديثِ: ((أَلَا وإنَّ في الجسدِ مضغةً، إذا صَلَحَت صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَت فَسَدَ الجسدُ كلُّه )) [831] أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. .
3- يُستفادُ مِن قولِه: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ أنَّ مَن حَرَّف الكلمَ عن مواضعِه من هذه الأمَّة ففيه شَبَهٌ مِن اليهود، فيَقتضي هذا التحذيرَ مِن تحريفِ الكَلِمِ عن مواضعِه؛ لئلَّا يقعَ الإنسانُ في مشابهةِ اليهودِ [832] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/406). .
4- أنَّ التحريفَ المذموم، هو الذي يقعُ بعدَ معرفةِ الإنسان للحقِّ؛ لقولِه: مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ، وفي الآيَةِ الأخرى: عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة: 13] ، فهم يُريدون أن يُزيلوا الكلمَ عن مواضعِه، أمَّا الإنسانُ الذي تأوَّل بتأويلٍ سائغٍ؛ فإنَّه لا يُذمُّ، ولا يُعدُّ فِعلُه تحريفًا يأثَمُ به [833] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/405). .
5- يُستفادُ مِن قولِه: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ذمُّ أولئك الذين لا يَقبلون مِن الحقِّ إلَّا ما وافَق أهواءَهم، وإذا لم يوافقْ أهواءَهم ذهَبوا يتطلَّبون الرُّخَصَ من هذه الأمَّة [834] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/407). .
6- يُستفادُ مِن قولِه: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ أنَّه يَنبغي للإنسانِ أنْ يسألَ اللهَ دائمًا أن يُطهِّرَ قلبَه، وأنْ يَعتنيَ بأعمالِ القَلب، واعتناءُ المرء بأعمال القلب يجبُ أن يكونَ أشدَّ من اعتنائِه بعَملِ الجَسَد؛ لأنَّ عمَلَ الجسدِ يقعُ مِن كلِّ إنسانٍ؛ من مؤمنٍ ومنافقٍ، لكنَّ عمَلَ القلبِ هو المهمُّ [835] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/410). .
7- أنه يجبُ على الإنسانِ المستدِلِّ أن ينظُرَ إلى النُّصوصِ مِن جميعِ الجوانِبِ، وذلك أنَّك إذا نظرتَ إلى قَوْلِه: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لقُلْتَ: إنَّ إرادةَ اللهِ تعالى لتطهيرِ القلب مجرَّدُ مشيئةٍ، لكن إذا قيَّدْتَها بالنُّصوصِ الأخرى عَرَفْتَ أنَّ عدمَ إرادةِ اللهِ تطهيرَ قلوبِ هؤلاء؛ لأنَّهم ليسوا أهلًا لذلك، كما قال اللهُ تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [836] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/409). [الصف: 5] .
8- يُستفادُ مِن قولِه: لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ الوعيدُ لهؤلاء لعلَّهم يَرجِعون؛ فإنَّ الوعيدَ على المعصيةِ مِن أسباب العُدول عنها، بحيثُ لا يُقدِمُ عليها، وإذا أَقدمَ استعتَبَ وتاب [837] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/410). .
9- يُستفادُ مِن قولِه: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ التحذيرُ من هذا الوصفِ القبيحِ، وهو الاستماعُ للكذب، أو نَقْلُ الكذب؛ لأنَّ اللهَ أكَّد بيانَ هذا الوصفِ القبيحِ من اليهود [838] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/415). .
10- التحذيرُ من أكْل المالِ بالباطل؛ لقوله: أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ، والله عزَّ وجلَّ لم يذكُرْ هذا الوصفَ إلَّا لنَحْذرَه [839] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/416). .
11- يُستفادُ مِن قولِه: أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ أنَّ مَن اكتَسَب المالَ الحرامَ ففيه شَبَهٌ من اليَهود؛ فآكِلو الرِّبا مُشابِهونَ لليهود، وآكِلو الأموالِ بالغشِّ مشابِهون لليهود، وآكِلو الأموالِ بالحَلِف الكاذبِ مشابِهون لليهود؛ فكلُّ مَن اكتسب مالًا بغير حقٍّ بطريقٍ محرَّمٍ فهو مشابهٌ لليهود، كالرَّاشي والمرتشي، فالرِّشوة شائعةٌ في اليهودِ [840] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/416). .
12- أنَّه لا يجوزُ للإنسان أن يُراعيَ في حُكمه قريبًا ولا صديقًا، ولا غنيًّا ولا فقيرًا؛ لقوله: بِالْقِسْطِ، وهذا يعني: أن يَنظُرَ إلى القضيةِ من حيث هي قضيةٌ، لا من حيثُ إنَّها قضيةُ فلانِ بن فلان [841] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/417). .
13- يُستفادُ مِن قولِه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ الحثُّ على الإقساطِ، أي: العَدْلِ؛ وجْه ذلك: كونُ الله يُخبِرُ أنَّه يحبُّ المُقْسطين يتضمَّن الحثَّ على العَدْلِ، فهذا ليس مُجرَّدَ خَبَر، بل هو خبرٌ يُرادُ به الحثُّ والإغراءُ على العَدْل [842] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/417). .
14- يُستفادُ مِن قولِه: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ أنَّ مَن استفتَى عالِمًا طلبًا للرُّخصةِ، ففيه شَبَهٌ من اليهودِ [843] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/421). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- نِداؤه تعالى له: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ هنا، وفي يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ويَا أَيُّهَا النَّبِيُّ في مواضعَ أخرى تشريفٌ وتعظيمٌ وتفخيمٌ لِقَدْرِه، ونادَى غيرَه من الأنبياء باسمِه، فقال: يَا آدَمُ اسْكُنْ [البقرة: 35] ، ويَا نُوحُ اهْبِطْ [هود: 48] ، يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 104- 105] ، يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ [الأعراف: 144] ، يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [آل عمران: 55] ، يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ [844] ينظر: ((تفسير الرازي)) (11/358) ((تفسير أبي حيان)) (4/260)، ((تفسير ابن عادل)) (7/334)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/319)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/402). [مريم: 12] .
2- تقويةُ قلبِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتسليتُه بقولِه: لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [845] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/402). .
3- أنَّ النَّاسَ يَختلفونَ في الكُفرِ؛ فمِنهم مَن يُسارِع فيه بخُطًى حثيثة، ومنهم مَن هو دونَ ذلك؛ لأنَّه قَسَّم، فقال: لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، يعني: وهناك أناسٌ لا يُسارِعون فيه، فالداعيةُ إلى الكفرِ مسارِعٌ فيه، وغيرُ الداعيةِ غيرُ مسارِعٍ [846] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/138)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/402). .
4- قال تعالى هنا: مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ، وفي آيةٍ أخرى قال: عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء: 46] ؛ لأنَّ آيةَ سورةِ النِّساءِ في وصْفِ اليهودِ كلِّهم، وتحريفِهم في التوراةِ، فهو تغييرُ كلامِ التوراةِ بكلامٍ آخَرَ عن جهْلٍ أو قصْدٍ، أو خطأٍ في تأويلِ معاني التَّوراةِ أو في ألفاظِها، فكان إبعادًا للكَلامِ عن مواضعِه، أي: إزالةً للكلامِ الأصليِّ سواءٌ عُوِّضَ بغيره أو لم يُعوِّض، وأمَّا هذه الآية ففي ذِكر طائفةٍ معيَّنةٍ أبطلوا العملَ بكلامٍ ثابتٍ في التَّوراة؛ إذ ألْغَوا حُكمَ الرَّجْمِ الثابتَ فيها دون تعويضِه بغيرِه من الكلامِ، فهذا أشدُّ جرأةً من التَّحريف الآخَر؛ فكان قوله: مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ أبلغَ في تحريفِ الكلامِ؛ لأنَّ لفظ (بعد) يَقتضي أنَّ مواضعَ الكلمِ مُستقرَّة، وأنَّه أبطلَ العملَ بها مع بقائِها قائمةً في كِتابِ التوراةِ [847] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/200). .
5- أنَّ اليهودَ لا يَقْبَلون من الحقِّ إلَّا ما وافقَ أهواءَهم؛ لقوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [848] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/406). .
6- شِدَّةُ كَراهةِ أحبار اليهودِ للحقِّ؛ لقوله: وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا لم يقولوا: (فلا تأخذوه)، بل قالوا: فَاحْذَرُوا، وهذا أشدُّ وقعًا مِن قَوْلِهم: (فلا تأخذوه)، وكان مُقتضى المقابلة أن يُقال: وإنْ لم تؤتوه فلا تأخُذوه [849] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/407). .
7- يُستفادُ من قولِه تعالى: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا أنَّ الثيِّبَ الذِّميَّ يُرجَم، وهو مذهبُ الشافعيِّ رحمه الله؛ قال: لأنَّه صحَّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنه أمَرَ برجْمِه، فإنْ كان الأمرُ برجْمِ الثيِّب الذميِّ مِن دِينِ الرسولِ فقد ثبَت المقصودُ، وإنْ كان إنَّما أمَرَ بذلك بناءً على ما ثبَتَ في شريعةِ موسى عليه السَّلامُ وجَب أن يكونَ ذلك مشروعًا في دِيننا، ويدلُّ عليه وجهان: الأول: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا أفتى على وَفقِ شريعةِ التَّوراةِ في هذه المسألةِ كان الاقتداءُ به في ذلك واجبًا، والثاني: أنَّ ما كان ثابتًا في شَرْعِ موسى عليه السَّلامُ، فالأصلُ بقاؤُه إلى طَرَيانِ النَّاسِخ، ولم يوجدْ في شَرْعِنا ما يدلُّ على نسْخ هذا الحُكمِ؛ فوجَب أنْ يكون باقيًا [850] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (5/98)، ((تفسير الرازي)) (11/359). .
8- في قولِه تعالى: وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ وأَولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ردٌّ على القَدَريَّة والمعتزلةِ، الذين يَنْفُون مشيئةَ اللهِ لأفعالِ العبادِ، فدلَّت الآيةُ على أنَّ الله تعالى غيرُ مريدٍ إسلامَ الكافِرِ إرادةً كونيَّة، وأنَّه لم يُطهِّرْ قلْبَه من الشكِّ والشِّرْكِ، ولو فعَلَ ذلك لآمَنَ [851] ينظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/262). ((تفسير الرازي))(11/360). .
9- عُتوُّ اليهودِ، وأنَّهم بعدَ أن يَتبيَّنَ لهم الحقُّ يتولَّوْن؛ لقوله: وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ؛ لأنَّ ثُمَّ تدلُّ على الترتيبِ والتَّراخي [852] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/143)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/423). .
10- في قوله وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا نفي لضَرَرِه صلَّى الله عليه وسلَّم، لكنْ قد يُؤذونَه، فالأذيةُ لا يلزم منها الضررُ؛ فقد قال تعالى إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا [آل عمران: 176] ، وقال في الحديث القدسي: ((يا عِبادي، إنَّكم لن تَبلُغوا ضُرِّي فتضروني )) [853] رواه مسلم (2577). ، فنفَى أن يضرَّه أحدٌ، أمَّا الأذيَّة فقد أثبَتَها، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 57] ، وقوله في الحديثِ القُدسي: ((يُؤذِيني ابنُ آدَم؛ يسبُّ الدهر )) [854] رواه البخاري (4826)، ومسلم (2246). ، فالضرر منفيٌّ عن الله عزَّ وجلَّ، والأذيَّة ثابتةٌ [855] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/413- 414). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ استئنافٌ ابتدائيٌّ؛ لتهوينِ تألُّبِ المنافقينَ واليهودِ على الكَذِبِ والاضطرابِ في معاملةِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسوءِ طواياهم معه [856] ينظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/260)، ((تفسير أبي السعود)) (3/36)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/194). .
- وفيه كنايةٌ في قوله: لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ؛ حيث إنَّ نهيَه عن أنْ يحصُلَ له إحزانٌ مسنَدٌ إلى الَّذين يُسارِعونَ في الكُفرِ، والإحزانُ فِعلُ الذين يُسارِعون في الكُفر، والنهيُ عن فِعلِ الغيرِ إنَّما هو نهيٌ عن أسبابِه، أي: لا تجعلْهم يُحزِنونك، أي: لا تهتمَّ بما يَفعلونَ ممَّا شأنُه أن يُدخِلَ الحزنَ على نفْسِك [857] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/197). .
2- قوله: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ فيه: تَكرار؛ تأكيدًا لِمَا قبله، وتمهيدًا لِمَا بعده، وتقريرًا للمعنى، ولإفادة اهتمامِ المتكلِّم به، وسَمَّاعُونَ من صِفات المبالغة [858] ينظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/126)، ((تفسير أبي حيان)) (4/261)، ((تفسير أبي السعود)) (3/37- 39)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/201)، ((تفسير الشربيني)) (1/376). ففيه كنايةٌ عن تفشِّي الكَذِب في جماعتِهم بَين سامعٍ ومختلِقٍ؛ لأنَّ كثرةَ السَّمع تستلزمُ كثرةَ القولِ [860] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/199). .
3- قوله: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هذا التركيبُ يدلُّ على انتفاءِ الحِيلة في تحصيلِ أمرٍ ما، أي: لا تَقدِر على أقلِّ شيءٍ من الله، أي: لا تستطيعُ نَيْلَ شيءٍ من تيسيرِ اللهِ؛ لإزالةِ ضلالةِ هذا المفتون؛ لأنَّ مادَّةَ المِلْك تدلُّ على تمامِ القُدرةِ [861] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/201). .
- وتنكيرُ شَيْئًا للتقليلِ والتحقيرِ، ويدلُّ على انتفاءِ مِلكِ الشيءِ القليلِ، ويَقتضي انتفاءَ مِلْك الشَّيء الكثيرِ بطَريقِ الأَوْلى [862] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/201). .
4- قوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ فيه: إشارةٌ إلى المذكورين مِن المنافقين واليهودِ، وما في اسمِ الإشارةِ أُولَئِكَ من معنى البُعد؛ للإيذانِ ببُعدِ منزلتِهم في الفسادِ [863] ينظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/38). .
5- قوله: لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ: تَكرير لَهُمْ مع اتِّحادِ المرجع؛ لزيادةِ التقريرِ والتأكيدِ، وتنكيرُ خِزْيٌ للتفخيم [864] ينظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/38). ، مع ما يُفيد تقديمُ الجارِّ والمجرورِ لَهُمْ من القصرِ والحصرِ، وما يُفيده تنكيرُ عَذَابٌ مِن التَّفخيم والتهويل كذلك، ووصْفه بـعَظِيم بصِيغة المبالَغة.
6- قوله: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ الاستفهامُ للتعجُّب؛ إذْ مِنَ العجيبِ أنَّهم يَتركُونَ كتابَهم ويُحكِّمونك، وهم غيرُ مؤمنينَ بك، ثم يتولَّون بعدَ حُكمِك إذا لم يُرْضِهم، والجملةُ استئنافيَّة، مسوقةً لبيانِ أنَّ عندَهم ما يُغْنيهم عن التَّحكيم [865] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/265)، ((تفسير أبي السعود)) (3/40)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/206). .
7- قوله: وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ تذييلٌ مُقرِّر لفحوى ما قَبْلَه، ووضْع اسم الإشارة أُولَئِكَ موضع ضميرهم (هُمْ)؛ للقصدِ إلى إحضارِهم في الذِّهن بما وُصِفوا به مِن القبائِح؛ إيماءً إلى عِلَّة الحُكم [866] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/40). ، وأتى بـ «أولاء» مقرونةً بالكافِ الدالَّةِ على بُعدِ المشار إليه، وهذا لدنوِّ منزلتِهم وليس لعُلوِّها، يعني: ما هؤلاءِ المنحطُّون الذين نزلوا إلى أسفلِ السَّافلين بالمؤمنين، وأتَى بحَرْفِ الجرِّ في قوله: بِالْمُؤْمِنِينَ للتَّوكيدِ [867] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (7/344)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/420- 421). .