موسوعة التفسير

سورةُ المُجادلةِ
الآيات (11-13)

ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ

غَريبُ الكَلِماتِ:

تَفَسَّحُوا: أي: تَوسَّعُوا، وأصلُ (فسح): يدُلُّ على سَعةٍ واتِّساعٍ [273] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 457)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 157)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/503)، ((المفردات)) للراغب (ص: 635)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 411). .
انْشُزُوا: أي: قُومُوا وارتَفِعوا عن أماكِنِكم، وأصلُ (نشز): يدُلُّ على ارتِفاعٍ وعُلُوٍّ [274] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 457)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 112)، ((مقاييس اللغة)) لابن الفارس (5/430)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 394)، ((تفسير ابن كثير)) (8/48)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 411). .
أَأَشْفَقْتُمْ: أي: أخِفتُم وخَشِيتُم، والإشْفاقُ: الخَوفُ والحَذَرُ مِن وُقوعِ المكروهِ، والشَّفَقةُ: رِقَّةُ القَلبِ، وأصلُ (شفق): يدُلُّ على رِقَّةٍ في الشَّيءِ [275] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 285)، ((تفسير ابن جرير)) (22/486)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 444)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/197)، ((البسيط)) للواحدي (14/42) و(23/364). .
المعنى الإجماليُّ:
يقولُ تعالى مرشدًا عبادَه إلى بعضِ آدابِ المجالسِ: يا أيُّها الَّذين آمَنوا إذا قِيلَ لكم: توسَّعوا في المجالِسِ لِيَجلِسَ آخَرون معكم، فوَسِّعوا لهم، يُوسِّعِ اللهُ عليكم في الدُّنيا والآخِرةِ، وإذا قيل لكم: قُوموا وانهَضوا مِن المجلِسِ، فافعَلوا ذلك؛ يَرفَعِ اللهُ المؤمِنينَ منكم والعُلَماءَ العامِلينَ بعِلْمِهم دَرَجاتٍ عاليةً، واللهُ بما تَعملونَ خَبيرٌ.
ثمَّ يأمُرُ تعالى المؤمنينَ بالصَّدقةِ أمامَ مُناجاةِ رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم تأديبًا لهم، وتعظيمًا للرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيقولُ تعالى: يا أيُّها المؤمِنونَ إذا أردتُم أن تُسارُّوا الرَّسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بكلامٍ بَيْنَكم وبيْنَه، فتصَدَّقوا قبْلَ ذلك؛ ذلك خَيرٌ لكم -أيُّها المؤمِنونَ- وأطهَرُ، فإنْ لم تَجِدوا صَدَقةً تُقَدِّمونَها قبْلَ مُناجاةِ الرَّسولِ، فلا حَرَجَ عليكم؛ لأنَّ اللهَ غَفورٌ رَحيمٌ بكم.
ثمَّ يقولُ تعالى: أخِفْتُم الفَقْرَ؛ مِن تقديمِ الصَّدَقاتِ قبْلَ مُناجاةِ الرَّسولِ؟ فإذْ لم تُقَدِّموا تلك الصَّدَقاتِ، وتاب اللهُ عليكم مِن تَرْكِكم لها؛ فحافِظوا على الصَّلَواتِ، وأعطُوا الزَّكاةَ، وأطيعوا اللهَ ورَسولَه، واللهُ خبيرٌ بجَميعِ أعمالِكم، وسيُجازيكم عليها.

تَفسيرُ الآياتِ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا نهَى عبادَه المؤمِنينَ عَمَّا يكونُ سَبَبًا للتَّباغُضِ والتَّنافُرِ؛ أمَرَهم الآنَ بما يَصيرُ سببًا لزيادةِ المحبَّةِ والموَدَّةِ [276] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/493). .
وأيضًا لَمَّا بَيَّن اللهُ تعالى أنَّ اليهودَ يحيُّونَه بما لم يحَيِّهِ به اللهُ، وذمَّهم على ذلك؛ وَصَل به الأمرَ بتحسينِ الأدَبِ في مجالَسةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حتَّى لا يُضَيِّقوا عليه المجلِسَ، وأمَرَ المسلِمينَ بالتَّعاطُفِ والتَّآلُفِ حتَّى يَفسَحَ بَعضُهم لبعضٍ، حتَّى يتمَكَّنوا مِن الاستماعِ مِن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والنَّظَرِ إليه [277] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (17/296). .
وأيضًا لَمَّا نهى سُبحانَه عن التَّناجي والسِّرارِ، عُلِم منه الجلوسُ مع الملأِ؛ فذكَرَ جلَّ وعلا آدابَه بعْدَه، بقولِه عزَّ مِن قائلٍ [278] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (14/222). :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ.
أي: يا أيُّها الَّذين آمَنوا إذا قيلَ لكم: توَسَّعوا في المجالِسِ لِيَجلِسَ آخَرون معكم، فوَسِّعوا لهم؛ فإنَّكم إن فعَلْتُم ذلك يُوسِّعِ اللهُ عليكم في الدُّنيا والآخِرةِ [279] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/45)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/375)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/38). قال ابن الجوزي: (في المرادِ بالمجلسِ هاهنا ثلاثةُ أقوالٍ: أحدُها: أنَّه مجلسُ الحربِ ومقاعدُ القتالِ، كان الرَّجُلُ يأتي القَومَ في الصَّفِّ، فيقولُ لهم: توَسَّعوا، فيأبَوْن عليه؛ لحِرصِهم على القتالِ. وهذا قولُ ابنِ عبَّاسٍ، والحسَنِ، وأبي العاليةِ، والقُرَظيِّ. والثَّاني: أنَّه مَجلِسُ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلم، قاله مجاهدٌ. وقال قَتادةُ: كان هذا للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ ومَن حَوْلَه خاصَّةً. والثَّالثُ: مجالِسُ الذِّكرِ كلُّها). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/247). ممَّن اختار أنَّ المرادَ مجلِسُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: الزمخشريُّ، والنسفي، والخازن، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/492)، ((تفسير النسفي)) (3/449)، ((تفسير الخازن)) (4/261)، ((تفسير العليمي)) (6/562). وقال ابن جرير: (الصَّوابُ مِن القولِ في ذلك أن يُقالَ: إنَّ اللهَ تعالى ذِكْرُه أمَر المؤمنينَ أن يَتفَسَّحوا في المَجلِسِ، ولم يَخْصُصْ بذلك مَجلِسَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم دونَ مَجلِسِ القِتالِ، وكِلا المَوضعَينِ يُقالُ له مَجلِسٌ، فذلك على جميعِ المَجالِسِ مِن مَجالِسِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومَجالِسِ القِتالِ). ((تفسير ابن جرير)) (22/478). وقال ابن جُزَي: (اختلَفوا هل هي مَقصورةٌ على مَجلسِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآلِه وسلَّمَ أو هي عامَّةٌ في جميعِ المَجالِسِ؟ فقال قَومٌ: إنَّها مخصوصةٌ، ويدُلُّ على ذلك قِراءةُ المَجلِسِ بالإفرادِ [قرأ عاصمٌ بألفٍ على الجمعِ، والباقونَ بغيرِ ألفٍ. «النشر» لابن الجزري «2/385»]، وذهَب الجمهورُ إلى أنَّها عامَّةٌ، ويدُلُّ على ذلك قراءةُ الْمَجَالِسِ بالجَمعِ، وهذا هو الأصَحُّ، ويكونُ المجلِسُ بالإفرادِ على هذا للجنسِ، والتَّفسيحُ المأمورُ به هو التَّوسُّعُ دونَ القيامِ؛ ولذلك قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: «لا يُقِمْ أحدٌ [أحدًا] مِن مَجلِسِه ثمَّ يَجلِس الرَّجُلُ فيه، ولكنْ تَفسَّحوا وتَوسَّعوا»). ((تفسير ابن جزي)) (2/353). وقال القرطبي: (الصَّحيحُ في الآيةِ أنَّها عامَّةٌ في كلِّ مَجلِسٍ اجتمَع المُسلِمونَ فيه للخَيرِ والأجرِ؛ سواءٌ كان مَجلِسَ حربٍ، أو ذِكْرٍ، أو مَجلِسَ يومِ الجُمُعةِ). ((تفسير القرطبي)) (17/297). وقال ابن عطيَّة: (قال جمهورُ أهلِ العِلمِ: السَّببُ مَجلِسُ النَّبيِّ عليه السَّلامُ، والحُكمُ في سائرِ المجالسِ الَّتي هي للطَّاعاتِ). ((تفسير ابن عطية)) (5/278). .
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه نهَى أن يُقامَ الرَّجُلُ مِن مَجلِسِه، ويَجلِسَ فيه آخَرُ، ولكِنْ تَفَسَّحوا وتوسَّعوا ))، وكان ابنُ عُمَرَ يَكرَهُ أن يقومَ الرَّجُلُ مِن مجلِسِه ثمَّ يَجلِسَ مَكانَه [280] رواه البخاريُّ (6270) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (2177). .
وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا.
أي: وإذا قيل لكم: قُوموا وانهَضوا مِن المجلِسِ، فافعَلوا ذلك [281] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (14/211)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846). قال الماوَرْدي: (... وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا فيه أربعةُ تأويلاتٍ؛ أحدُها: معناه: وإذا قيل لكم: انهَضوا إلى القتالِ فانهَضوا، قاله الحسَنُ. الثَّاني: إذا دُعيتُم إلى الخَيرِ فأجِيبوا، قاله قَتادةُ. الثَّالثُ: إذا نُوديَ للصَّلاةِ فاسعَوْا إليها، قاله مُقاتِلُ بنُ حَيَّانَ. الرَّابعُ: أنَّهم كانوا إذا جلَسوا في بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أطالوا؛ لِيَكونَ كلُّ واحدٍ منهم هو الآخِرَ عهدًا به، فأمَرَهم اللهُ أن يَنشُزوا إذا قيل لهم: انشُزوا، قاله ابنُ زَيدٍ). ((تفسير الماوردي)) (5/492). قال القاسمي: (ولا تَنافيَ بيْن هذه الأقوالِ؛ لأنَّ كُلًّا منها تفسيرٌ لِلَّفظِ العامِّ ببعضِ أفرادِه وما يَصدُقُ عليه؛ إشارةً إلى تَناوُلِه لذلك، لا أنَّ أحَدَها هو المرادُ دونَ غيرِه، فذلك ما لا يُتَوهَّمُ. وقد كثُر مِثلُ ذلك في تفاسيرِ السَّلفِ لكثيرٍ مِن الآيِ، وكلُّه ممَّا لا اختِلافَ فيه). ((تفسير القاسمي)) (9/173). وقال الثعلبي: (قال أكثرُ المفسِّرينَ: معناه: وإذا قيل لكم: انهضَوا إلى الصَّلاةِ والجِهادِ والذِّكرِ وعمَلِ الخَيرِ -أيَّ حقٍّ كان- فانشُزُوا ولا تُقَصِّروا). ((تفسير الثعلبي)) (9/260). وممَّن اختار العُمومَ: ابنُ جرير، والواحديُّ، والقرطبي، والبِقاعي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/478، 480)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1076)، ((تفسير القرطبي)) (17/299)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/375، 376)، ((تفسير الشوكاني)) (5/226). قال البقاعي: (لَمَّا كانت التَّوسِعةُ يَكفي فيها التَّزَحزُحُ مع دوامِ الجلوسِ تارةً، وأُخرى تدعو الحاجةُ فيها إلى القيامِ للتَّحَوُّلِ مِن مكانٍ إلى آخَرَ؛ قال:... انْشُزُوا أي: ارتَفِعوا وانهَضوا إلى الموضِعِ الَّذي تُؤمَرونَ به أو يقتضيه الحالُ للتَّوسعةِ أو غيرِها مِن الأوامِرِ، كالصَّلاةِ، أو الجهادِ، وغَيرِهما؛ فَانْشُزُوا أي: فارتَفِعوا وانهَضوا). ((نظم الدرر)) (19/375، 376). وقال ابن عاشور: (ذُكِرَ النُّشوزُ لئلَّا يُتوَهَّمَ أنَّ التَّفسيحَ المأمورَ به تفسيحٌ مِن قُعودٍ... وهذا الحُكمُ إذا عَسُرَ التَّفسيحُ واشتَدَّ الزِّحامُ والتَّراصُّ؛ فإنَّ لأصحابِ المقاعِدِ الحَقَّ المستقِرَّ في أن يَستَمِرُّوا قاعِدينَ لا يُقامُ أحدٌ لغَيرِه، وذلك إذا كان المَقومُ لأجْلِه أَولى بالمكانِ مِن الَّذي أُقيمَ له؛ بسَبَبٍ مِن أسبابِ الأوَّليَّةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (28/39). .
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ.
أي: يَرفَعِ اللهُ المؤمِنينَ منكم والعُلَماءَ العامِلينَ بعِلْمِهم دَرَجاتٍ عاليةً [282] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/480)، ((تفسير القرطبي)) (17/299)، ((مجموع رسائل ابن رجب)) (1/34)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846). قال ابن رجب: (قال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ يعني: على الَّذين آمَنوا ولم يُؤْتَوُا العِلمَ، كذا قال ابنُ مَسعودٍ وغيرُه مِن السَّلَفِ). ((مجموع رسائل ابن رجب)) (1/34). وقال ابنُ كثير: (أي: لا تَعتَقِدوا أنَّه إذا فَسَح أحدٌ منكم لأخيه إذا أقبَلَ، أو إذا أُمِرَ بالخُروجِ فخرَج؛ أن يكونَ ذلك نقصًا في حقِّه، بل هو رفعةٌ ومَزيَّةٌ عندَ اللهِ، واللهُ تعالى لا يُضِيعُ ذلك له، بل يَجزيه بها في الدُّنيا والآخرةِ؛ فإنَّ مَن تواضَعَ لأمرِ اللهِ رَفَع اللهُ قَدْرَه، ونَشَر ذِكْرَه). ((تفسير ابن كثير)) (8/48). .
كما قال تبارك وتعالى: نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف: 76].
وعن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ يَرفَعُ بهذا الكِتابِ أقوامًا، ويَضَعُ به آخَرينَ )) [283] رواه مسلم (817). .
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
أي: واللهُ ذو خِبرةٍ بالِغةٍ تامَّةٍ، فلا تَخفَى عليه أعمالُ العِبادِ ونيَّاتُهم، فيَعلَمُ المُطيعَ مِن العاصي، ويَعلَمُ مَن يَستَحِقُّ رفْعَ الدَّرَجاتِ ومَن لا يَستَحِقُّ ذلك [284] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/481)، ((تفسير ابن كثير)) (8/49)، ((تفسير السعدي)) (ص: 846)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/42). .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً.
النَّاسِخُ والمَنسوخُ:
اتَّفَق العُلَماءُ على أنَّ هذه الآيةَ مَنسوخةٌ بالآيةِ الَّتي تَليها [285] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (21/353)، ((نواسخ القرآن)) لابن الجوزي (2/599)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/46). .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً.
أي: يا أيُّها المؤمِنونَ إذا أردتُم أن تُسارُّوا محمَّدًا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بكلامٍ بَيْنَكم وبيْنَه، فتصَدَّقوا قبْلَ ذلك [286] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/482)، ((تفسير ابن كثير)) (8/49)، ((تفسير الألوسي)) (14/224)، ((تفسير السعدي)) (ص: 847)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/43). قال الواحدي: (قال المفَسِّرون: إنَّهم نُهُوا عن المُناجاةِ حتَّى يتصَدَّقوا، فلم يُناجِهِ أحدٌ إلَّا عليُّ ابنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه؛ تصَدَّقَ بدينارٍ). ((الوسيط)) (4/266). .
ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ.
أي: تقديمُ الصَّدَقةِ قبْلَ مُناجاةِ الرَّسولِ خَيرٌ لكم -أيُّها المؤمِنونَ- مِن تَرْكِها، وأطهَرُ لقُلوبِكم [287] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/482)، ((تفسير القرطبي)) (17/302)، ((تفسير السعدي)) (ص: 847)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/45). قال القاسمي: (خَيْرٌ لَكُمْ أي: لأنفُسِكم؛ لِما فيه مِن مُضاعَفةِ الأجرِ والثَّوابِ، والقيامِ بحقِّ الإخاءِ، بالعَودِ على ذَوي المَسْكنةِ بالمواساةِ والإغناءِ. وَأَطْهَرُ أي: لأنفُسِكم مِن رَذيلةِ البخلِ والشُّحِّ، ومِن حُبِّ المالِ وإيثارِه). ((تفسير القاسمي)) (9/174). .
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
أي: فإنْ لم تَجِدوا صَدَقةً تُقَدِّمونَها قبْلَ مُناجاةِ الرَّسولِ، فلا حَرَجَ عليكم؛ لأنَّ اللهَ غَفورٌ لذُنوبِ عِبادِه، رَحيمٌ بهم؛ فلا يَشُقُّ عليهم [288] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/486)، ((الوسيط)) للواحدي (4/266)، ((تفسير ابن كثير)) (8/49)، ((تفسير الشوكاني)) (5/227)، ((تفسير السعدي)) (ص: 847). قال السعدي: (يأمُرُ تعالى المؤمنينَ بالصَّدقةِ أمامَ مُناجاةِ رسولِه محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ تأديبًا لهم وتعليمًا، وتعظيمًا للرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنَّ هذا التَّعظيمَ خَيْرٌ للمؤمنينَ وَأَطْهَرُ، أي: بذلك يَكثُرُ خيرُكم وأجرُكم، وتحصُلُ لكم الطَّهارةُ مِن الأدناسِ، الَّتي مِن جملتِها ترْكُ احتِرامِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم والأدبِ معه بكثرةِ المُناجاةِ الَّتي لا ثمرةَ تحتَها، فإنَّه إذا أمر بالصَّدقةِ بيْن يدَيْ مُناجاتِه صار هذا ميزانًا لِمَن كان حريصًا على الخَيرِ والعِلمِ، فلا يُبالي بالصَّدقةِ، ومن لم يكُنْ له حِرصٌ ولا رَغبةٌ في الخَيرِ، وإنَّما مقصودُه مجرَّدُ كثرةِ الكلامِ؛ فيَنكَفُّ بذلك عن الَّذي يشُقُّ على الرَّسولِ، هذا في الواجدِ للصَّدقةِ، وأمَّا الَّذي لا يجِدُ الصَّدقةَ فإنَّ اللهَ لم يُضيِّقْ عليه الأمرَ، بل عفا عنه وسامَحه، وأباح له المُناجاةَ بدونِ تقديمِ صدقةٍ لا يَقدِرُ عليها). ((تفسير السعدي)) (ص: 847). .
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا دَلَّ خَتمُ الآيةِ على التَّخفيفِ، وكان قد يَدَّعي مُدَّعُونَ عَدَمَ الوِجدانِ كَذِبًا، فيَحصُلُ لهم حَرَجٌ، وكان اللهُ تعالى شديدَ العنايةِ بنَجاةِ هذه الأُمَّةِ؛ دَلَّ على لُطفِه بهم بنَسْخِه بعد فَرْضِه [289] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/383). .
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ.
أي: أخِفْتُم وخَشِيتُم الفَقْرَ؛ مِن تقديمِ الصَّدَقاتِ قبْلَ مُناجاةِ الرَّسولِ [290] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/486)، ((الوسيط)) للواحدي (4/266)، ((تفسير القرطبي)) (17/303)، ((تفسير ابن كثير)) (8/49)، ((تفسير السعدي)) (ص: 847). قال القرطبي: (قال ابنُ عبَّاسٍ: أَأَشْفَقْتُمْ أيْ: أبَخِلْتُم بالصَّدقةِ؟ وقيل: خِفْتُم، والإشفاقُ: الخوفُ مِن المكروهِ. أيْ: خِفْتُم وبَخِلْتُم بالصَّدقةِ وشقَّ عليكم أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ) ((تفسير القرطبي)) (17/303). وقال ابن جرير: (أصلُ الإشفاقِ في كلامِ العَرَبِ: الخوفُ والحَذَرُ، ومعناه في هذا الموضِعِ: أخَشِيتُم بتقديمِ الصَّدَقةِ الفاقةَ والفَقرَ؟). ((تفسير ابن جرير)) (22/486). وقال ابنُ كثير: (أي: أخِفْتُم مِن استمرارِ هذا الحُكمِ عليكم مِن وُجوبِ الصَّدَقةِ قبْلَ مُناجاةِ الرَّسولِ؟). ((تفسير ابن كثير)) (8/49). وقال أبو السعود: (أيْ: أخِفْتُم الفقرَ مِن تقديمِ الصَّدقاتِ؟ أو: أخِفْتُم التَّقديمَ لِما يَعِدُكُم الشَّيطانُ عليهِ مِن الفَقرِ؟). ((تفسير أبي السعود)) (8/221). ؟
فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ.
أي: فإذْ لم تُقَدِّموا تلك الصَّدَقاتِ، وتاب اللهُ عليكم مِن تَرْكِكم لها؛ فحافِظوا على الصَّلَواتِ الواجِبةِ، بأركانِها وشُروطِها وواجباتِها، وأعطُوا الزَّكاةَ المفروضةَ في أموالِكم إلى مُستَحِقِّيها [291] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/487)، ((تفسير القرطبي)) (17/303)، ((تفسير السعدي)) (ص: 847). قال القرطبي: (قولُه تعالى: فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أي: نَسَخَ اللهُ ذلك الحُكمَ، وهذا خِطابٌ لِمَن وَجَد ما يتصَدَّقُ به). ((تفسير القرطبي)) (17/303). ويُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/ 383، 384). .
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
أي: وأطيعوا اللهَ ورَسولَه في أمْرِهما ونَهْيِهما [292] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/487)، ((تفسير الشوكاني)) (5/227)، ((تفسير السعدي)) (ص: 847). .
وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.
أي: واللهُ ذو خِبرةٍ بجَميعِ أعمالِكم، فيَعلَمُ بواطِنَها كما يَعلَمُ ظواهِرَها، لا يخفَى عليه شَيءٌ مِن ذلك، وسيُجازيكم عليها [293] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/487)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/385)، ((تفسير الشوكاني)) (5/227)، ((تفسير السعدي)) (ص: 847). .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

1- قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ يدُلُّ على أنَّ كُلَّ مَن وَسَّع على عبادِ اللهِ أبوابَ الخَيرِ والرَّاحةِ، وَسَّع اللهُ عليه خَيراتِ الدُّنيا والآخرةِ، ولا يَنبغي للعاقِلِ أن يُقَيِّدَ الآيةَ بالتَّفَسُّحِ في المجلِسِ، بل المرادُ منه إيصالُ الخَيرِ إلى المسلِمِ، وإدخالُ السُّرورِ في قَلْبِه؛ ولذلك قال عليه السَّلامُ: ((واللهُ في عَونِ العبدِ ما كان العبدُ في عَونِ أخيه )) [294] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/494). والحديث أخرجه مسلم (2699) مطوَّلًا مِن حديث أبي هُرَيرةَ رضيَ الله عنه. .
2- قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ هذا تأديبٌ مِن اللهِ لعبادِه المؤمِنينَ إذا اجتَمَعوا في مجلِسٍ مِن مجالِسِ مُجتَمَعاتِهم، واحتاج بَعضُهم أو بَعضُ القادمينَ عليهم للتَّفَسُّحِ له في المجلِسِ؛ فإنَّ مِن الأدَبِ أن يَفسَحوا له؛ تحصيلًا لهذا المقصودِ [295] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 846). . فالآيةُ فيها استِحبابُ التَّفَسُّحِ في مجالسِ العِلمِ والذِّكرِ والحَربِ، وكُلِّ مَجلِسِ طاعةٍ، والنَّهيُ عن إقامةِ شَخصٍ ويجلِسَ مكانَه، ولكِنْ يَتفَسَّحُ [296] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 256). .
3- قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ مَن عَمِل بهذا القُرآنِ تَصديقًا بأخبارِه، وتنفيذًا لأوامِرِه، واجتِنابًا لِنواهيه، واهتِداءً بهَدْيِه، وتخَلُّقًا بما جاء به مِن أخلاقٍ، وكُلُّها أخلاقٌ فاضِلةٌ؛ فإنَّ الله تعالى يَرفَعُه به في الدُّنيا والآخِرةِ؛ وذلك لأنَّ هذا القُرآنَ هو أصلُ العِلمِ، ومَنبَعُ العِلمِ، وكُلُّ العِلمِ [297] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/646). .
4- قول الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ يُبَيِّنُ أنَّ الرِّفعةَ عندَ اللهِ تعالى بالعِلمِ والإيمانِ، لا بالسَّبْقِ إلى صدورِ المجالِسِ [298] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (18/545). .
5- قول الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ فيه أنَّ اللهَ تعالى رَفَع المؤمِنَ على مَن ليس بمؤمِنٍ، والعالِمَ على مَن ليس بعالِمٍ [299] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (18/545). .
6- قول الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ فيه فَضيلةُ العِلمِ، وأنَّ زِينتَه وثَمَرتَه التَّأدُّبُ بآدابِه، والعَمَلُ بمُقتَضاه [300] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 846). .
7- قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ في إدْخالِ الَّذين أُوتوا العِلمَ في حُكمِ رفْعِ المَنزِلةِ بسَببِ امتثالِ الأوامرِ مع الَّذين آمَنوا، ثمَّ في إخْراجِهم عنهم والعطْفِ عليهم- إيذانٌ بأنَّ العمَلَ الواحدَ تَتفاوَتُ دَرجةُ فاعِلِه بحسَبِ التَّخلِّي عن العِلمِ والتَّحلِّي به إلى غاياتٍ بَعيدةٍ، وأنَّ العمَلَ مع عُلوِّ رُتبتِه يَكتسِبُ مِن العِلمِ المقرونِ به مِن الرِّفعةِ ما لا يَكتسِبُه إذا انفَرَدَ عنه [301] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/287). .
8- في قَولِه تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ حَثٌّ على تحقيقِ الإيمانِ، وعلى طَلَبِ العلمِ؛ لأنَّ اللهَ يَرْفَعُ أهلَ العلمِ، وفي هذا يقولُ الشَّاعرُ:
العِلمُ يَرْفَعُ بَيتًا لا عِمادَ له               والجَهلُ يَهْدِمُ بيتَ العِزِّ والشَّرَفِ [302] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقْم: 235).
9- في قَولِه تعالى: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تحذيرُ الإنسانِ أنْ يَعمَلَ بما يُسخِطُ اللهَ تعالى، فلا تَعمَلْ بما يُسْخِطُ اللهَ، لا بالقَولِ، ولا بالفِعلِ، ولا بالاعتِقادِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى عليمٌ به، واحذرْ كما قال عزَّ وجلَّ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [303] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقْم: 235). [آل عمران: 28] .
10- في قَولِه تعالى: وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا دليلٌ على أنَّه لا حَرَجَ على الإنسانِ أنْ يقولَ للجماعةِ الَّذين عنده «انْشُزُوا، اخرُجوا بارَك اللهُ فيكم، انتهى شغلُكم» ونحوَ ذلك، ولا حياءَ في ذلك ولا غَضاضةَ عليه، وينبغي للإنسانِ أنْ يُخَفِّفَ الجلوسَ عندَ النَّاسِ ما استطاعَ، إلَّا إذا عَلِمَ مِن صاحبِه أنَّه يُحِبُّ أنْ تبقى عندَه، فلا بأسَ [304] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (5/419). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ يُستَفادُ منه أنَّ تَفَسُّحَ المسلمينَ بَعضِهم لبَعضٍ في المجالِسِ مَحمودٌ مأمورٌ به وُجوبًا أو نَدْبًا؛ لأنَّه مِن المكارَمةِ والإرفاقِ، فهو مِن مُكَمِّلاتِ واجِبِ التَّحابِّ بيْن المسلِمينَ، وإن كان فيه كُلفةٌ على صاحِبِ البُقعةِ يُضايِقُه فيها غَيرُه، فهي كُلفةٌ غيرُ مُعتبَرةٍ إذا قُوبِلَت بمَصلحةِ التَّحابِّ وفوائِدِه، وذلك ما لم يُفْضِ إلى شِدَّةِ مُضايَقةٍ ومَضَرَّةٍ، أو إلى تفويتِ مَصلَحةٍ مِن سَماعٍ أو نحوِه، مِثلُ مجالِسِ العِلمِ والحديثِ، وصُفوفِ الصَّلاةِ [305] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/38). .
2- قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ أفهَمَ لَفظُ التَّفَسُّحِ أنَّه تجنُّبٌ للمُضايَقةِ والمُراصَّةِ، بحيثُ يَفُوتُ المقصودُ مِن حُضورِ ذلك المجلِسِ، أو يَحصُلُ ألمٌ للجالِسينَ [306] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/38). .
3- قولُه تعالى: يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وعْدٌ بالجزاءِ على الامتِثالِ لأمْرِ التَّفسُّحِ مِن جِنسِ الفِعلِ؛ إذ جُعِلَت تَوسعةُ اللهِ على المُمتثِلِ جَزاءً على امتثالِه الَّذي هو إفساحُه لغيرِه، فضَميرُ لَكُمْ عائدٌ على الَّذِينَ آَمَنُوا باعتِبارِ أنَّ الَّذين يَفسَحون همْ مِن جُملةِ المؤمنينَ؛ لأنَّ الحُكمَ مُشاعٌ بيْن جَميعِ الأُمَّةِ، وإنَّما الجزاءُ للَّذين تَعلَّقَ بهم الأمْرُ تعلُّقًا إلْزاميًّا [307] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/38). .
4- قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ. قَولُه: إِذَا قِيلَ لَكُمْ يَشملُ ما إذا قاله الدَّاخِلُ، أو قاله مَن يُدِيرُ المجلِسَ؛ ولهذا تَجِدُ أنَّ الفِعلَ هو «قيل»، ولم يُذْكَرِ القائلُ؛ لِيَشملَ هذا وهذا، فمثلًا: إذا كان المجلسُ له مديرٌ يُجَلِّسُ النَّاسَ وقال لبَعضِهم: تَوَسَّعوا لفُلانٍ يَجْلِسْ، فلْيَتَوَسَّعوا، أو أنَّ رجُلًا دَخَلَ والمجلسُ مُكْتَظٌّ بالجالِسينَ، فقال: تَوَسَّعوا؛ فلْيَتَوَسَّعوا [308] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقْم: 235). .
5- قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ لَمَّا كان النُّشوزُ ارتفاعًا عن المكانِ الَّذي كان به، كان جَزاؤهُ مِن جِنسِه [309] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/40). .
6- أفضَلُ ما اكتسَبَتْه النُّفوسُ وحَصَّلَته القُلوبُ، ونال به العَبدُ الرِّفعةَ في الدُّنيا والآخِرةِ: هو العِلمُ والإيمانُ؛ ولهذا قَرَن بيْنَهما سُبحانَه في قَولِه: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ، وقَولِه: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ [الروم: 56] ، وهؤلاء هم خُلاصةُ الوُجودِ ولُبُّه، والمؤهَّلونَ للمراتِبِ العاليةِ [310] يُنظر: ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 103). .
7- قول الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ قال قومٌ: معناه: يَرفَعِ اللهُ المؤمِنينَ العُلَماءَ منكم دَرَجاتٍ على غَيرِهم؛ فلذلك أَمَر بالتَّفَسُّحِ من أجْلِهم، ففيه دليلٌ على رفْعِ العُلَماءِ في المجالِسِ، والتَّفَسُّحِ لهم عن المجالِسِ الرَّفيعةِ [311] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 257). .
8- في قَولِه تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ خَصَّ سُبحانَه رفْعَه بالأقدارِ والدَّرَجاتِ الَّذين أُوتوا العِلمَ والإيمانَ، وهم الَّذين استَشهدَ بهم في قَولِه تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ [آل عمران: 18] ، وأَخْبَرَ أنَّهم هم الَّذين يَرون ما أُنْزِلَ إلى الرَّسولِ هو الحقَّ، بقَولِه تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ [سبأ: 6] ، فدلَّ على أنَّ تَعَلُّمَ الحُجَّةِ والقيامَ بها يَرفَعُ دَرَجاتِ مَن يَرْفَعُها، كما قال تعالى: نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ [الأنعام: 83] . قال زَيدُ بنُ أَسلَمَ: بالعِلمِ. فرَفْعُ الدَّرَجاتِ والأقدارِ على قَدْرِ مُعامَلةِ القُلوبِ بالعِلمِ والإيمانِ، فكم ممَّن يَختِمُ القرآنَ في اليومِ مرَّةً أو مرَّتَينِ، وآخَرَ لا ينامُ اللَّيلَ، وآخرَ لا يُفْطِرُ، وغيرُهم أقلُّ عبادةً منهم، وأَرْفَعُ قَدْرًا في قُلوبِ الأُمَّةِ [312] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (16/48). ؟!
9- في قَولِه تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ لم يُعَيِّنْ عزَّ وجلَّ الدَّرَجاتِ؛ لأنَّ هذه الدَّرَجاتِ بحَسَبِ ما مع الإنسانِ مِن الإيمانِ والعِلمِ، كلَّما قَوِيَ الإيمانُ وكُلَّما كَثُرَ العِلمُ، وانتَفَعَ الإنسانُ به، ونَفَعَ غيرَه- كان أكثرَ درَجاتٍ [313] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (5/420). .
10- في قَولِه تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ أنَّ الإنسانَ كُلَّما ازداد طاعةً للهِ وانقيادًا لِأمْرِه، ازداد رِفعةً [314] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) لابن عثيمين (6/440). .
11- في قَولِه تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ أنَّ الجزاءَ على قَدْرِ قيمةِ المَجْزِيِّ [315] يُنظر: ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) لابن عثيمين (2/90). .
12- في قَولِه تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ تفضيلُ العِلمِ على العبادةِ؛ فقولُه: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ يعني: على الَّذين آمَنوا ولم يُؤْتَوُا العِلمَ، كذا قال ابنُ مسعودٍ وغيرُه مِن السَّلَفِ [316] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (1/34). .
13- قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً مَنسوخٌ بالآيةِ الَّتي بَعْدَها؛ ففيه دليلٌ على جوازِ النَّسخِ بلا بَدَلٍ، ووُقوعِه، خلافًا لِمَن أبى ذلك [317] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 257). ويُنظر أيضًا: ((الفروق)) للقرافي (1/6)، ((شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني)) (3/232)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/58). وقال ابنُ القيِّم -بعد أن ذكر أنَّ الأحكامَ المنسوخةَ لم تبطُلْ بالكُلِّيَّةِ، بل لها بقاءٌ بوجْهٍ-: (نَسخُ وُجوبِ الصَّدَقةِ بيْنَ يَدَيْ مُناجاةِ الرَّسولِ لم يَبطُلْ حُكمُه بالكُلِّيَّةِ، بل نُسِخَ وُجوبُه، وبَقِيَ استِحبابُه والنَّدبُ إليه). ((مفتاح دار السعادة)) (2/33). وقال أبو يعلى الفرَّاءُ: (الصَّدقةُ عندَ مُناجاةِ الرَّسولِ كانت واجبةً بقولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً، فنُسِخ ذلك الوُجوبُ إلى جَوازِ تَركِها وجوازِ فِعلِها بقوله تعالى: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ  ...). ((العدة في أصول الفقه)) (3/784). وقال الشنقيطي: (وُجوب تقديمِ الصَّدقةِ أمامَ المُناجاةِ لَمَّا نُسِخ بقيَ استِحبابُ الصَّدقةِ ونَدْبُها، بدلًا مِن الوُجوبِ المنسوخِ كما هو ظاهرٌ). ((أضواء البيان)) (2/448). .
14- في قَولِه تعالى: إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً تنبيهٌ وإشارةٌ أنه إذا استُحِبَّتِ الصَّدقةُ بيْن يَدَيْ مُناجاةِ المخلوقِ، فاستِحبابُها بيْن يَدَيْ مُناجاةِ اللهِ عندَ الصَّلَواتِ والدُّعاءِ: أَولى [318] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (2/33). وقال ابن القيِّم: (كان بَعضُ السَّلَفِ الصَّالحِ يتصَدَّقُ بيْن يدَيِ الصَّلاةِ والدُّعاءِ إذا أمكَنَه، ويَتأوَّلُ هذه الأولويَّةَ، ورأيتُ شَيخَ الإسلامِ ابنَ تَيميَّةَ يَفعَلُه ويَتحرَّاه ما أمكَنَه، وفاوَضْتُه فيه، فذكَرَ لي هذا التَّنبيهَ والإشارةَ). ((المصدر السابق)). .
15- قول الله تعالى: ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ التَّعبيرُ بأفعَلَ؛ لأنَّهم مُطَهَّرونَ قَبْلَه بالإيمانِ [319] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/381). .
بلاغةُ الآياتِ:
1- قولُه تعالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فُصِلَ بيْنَ آياتِ الأحكامِ المُتعلِّقةِ بالنَّجوى بهذه الآيةِ؛ مُراعاةً لاتِّحادِ الموضوعِ بيْنَ مَضمونِ هذه الآيةِ ومَضمونِ الَّتي بعْدَها في أنَّهما يَجمَعُهما غرَضُ التَّأدُّبِ مع الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتلك المُراعاةُ أَولى مِن مُراعاةِ اتِّحادِ سِياقِ الأحكامِ؛ ففي هذه الآيةِ أدَبٌ في مَجلسِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والآيةُ الَّتي بعْدَها تَتعلَّقُ بالأدَبِ في مُناجاةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأُخِّرت تلك عن آياتِ النَّجوى العامَّةِ؛ إيذانًا بفضْلِها دونَ النَّجوى الَّتي تَضمَّنَتها الآياتُ السَّابقةُ، فاتِّحادُ الجِنسِ في النَّجوى هو مُسوِّغُ الانتِقالِ مِن النَّوعِ الأوَّلِ إلى النَّوعِ الثَّاني، والإيماءُ إلى تَميُّزِها بالفضْلِ هو الَّذي اقْتَضى الفصلَ بيْن النَّوعَينِ بآيةِ أدَبِ المجلسِ النَّبويِّ، وأيضًا قد كان للمنافِقين نِيَّةُ مَكْرٍ في قَضيَّةِ المجلِسِ كما كان لهم نِيَّةُ مَكرٍ في النَّجوى، وهذا ممَّا أنشَأَ مُناسَبةَ الانتِقالِ مِن الكلامِ على النَّجوى إلى ذِكرِ التَّفسُّحِ في المجلسِ النَّبويِّ الشَّريفِ [320] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/36، 37). .
- قولُه: إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ حُذِفَ فاعلُ القولِ؛ لظُهورِه، أي: إذا قال لكم الرَّسولُ: تفسَّحوا، فافْسَحوا؛ فإنَّ اللهَ يُثيبُكم على ذلك [321] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/38). . أو: إذا قال لكم قائلٌ كائنًا مَن كان [322] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (14/223). .
- وابتُدِئت الآيةُ بالأمْرِ بالتَّفسُّحِ؛ لأنَّ إقامةَ النَّاسِ مِن المجالسِ يكونُ لطلَبِ التَّفسيحِ، فإناطةُ الحكْمِ إيماءٌ إلى عِلةِ الحكْمِ [323] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/37). .
- والتَّفسُّحُ: التَّوسُّعُ، ومادَّةُ التَّفعُّلِ هنا للتَّكَلُّفِ، أي: يُكلَّفُ أنْ يَجعَلَ فُسحةً في المكانِ [324] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/37). .
- وتَعريفُ (المَجالسِ) يَجوزُ أنْ يكونَ تَعريفَ العهْدِ، وهو مَجلسُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: إذا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لكم ذلك؛ لأنَّ أمْرَه لا يكونُ إلَّا لمُراعاةِ حقٍّ راجحٍ على غيرِه، ويجوزُ أنْ يكونَ تَعريفُ المجالسِ تَعريفَ الجِنسِ [325] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/37). .
- وحُذِفَ مُتعلَّقُ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ؛ ليَعُمَّ كلَّ ما يَتطلَّبُ النَّاسُ الإفساحَ فيه في الدُّنيا والآخِرةِ؛ مِن مَكانٍ ورِزقٍ، أو جنَّةٍ عرْضُها السُّمواتُ والأرضُ على حسَبِ النِّيَّاتِ، وتَقديرُ الجزاءِ مَوكولٌ إلى إرادةِ اللهِ تعالَى [326] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/38). .
- وقولُه: وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا عطْفٌ على إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ، وانْشُزُوا أمْرٌ مِن: نَشَزَ؛ إذا نهَضَ مِن مكانِه، والنُّشوزُ: أخَصُّ مِن التَّفسيحِ مِن وجْهٍ؛ فهو مِن عطْفِ الأخَصِّ مِن وجْهٍ على الأعمِّ منه للاهتمامِ بالمعطوفِ؛ لأنَّ القِيامَ مِن المجلسِ أقْوى مِن التَّفسيحِ مِن قُعودٍ؛ فذُكِرَ النُّشوزُ لئلَّا يُتوهَّمَ أنَّ التَّفسيحَ المأمورَ به تَفسيحٌ مِن قُعودٍ [327] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/39). .
- قولُه: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ الجَزاءُ برفْعِ الدَّرجاتِ هنا مُناسِبٌ للعمَلِ؛ لأنَّ المأمورَ به تَفسيحُ المجالِسِ؛ كيْلَا يَتنافَسوا في القُرْبِ مِن المكانِ الرَّفيعِ حوْلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيَتضايَقوا، وذلك لا يَليقُ بآدابِ المجلسِ الَّتي مِن أوَّلِها تَفادي إزعاجِ المُجالِسينَ وتَضييقِ صُفوفِهم، واجتنابُ ما يُكدِّرُ صَفاءَهم، ويُنغِّصُ بالَهُم. ولَمَّا كان المُمتثِلُ لذلك الأمْرِ يَخفِضُ نفْسَه عمَّا يُتنافَسُ فيه مِن الرِّفعةِ امتثالًا وتَواضُعًا؛ جُوزِيَ على تَواضُعِه برفْعِ الدَّرجاتِ، ثمَّ لَمَّا علِمَ أنَّ أهلَ العِلمِ بحيث يَسْتوجبونَ عِندَ أنفُسِهم وعِندَ النَّاسِ ارتفاعَ مَجالِسِهم، خصَّهم بالذِّكرِ عندَ الجَزاءِ؛ لِيَسهُلَ عليهم ترْكُ ما لهم مِن الرِّفعةِ في المجلِسِ تَواضعًا للهِ تعالَى، وفي هذا التَّخصيصِ إلْماعٌ إلى فضْلِ العِلمِ [328] يُنظر: ((تفسير الزمخشري - حاشية ابن المنير)) (4/492)، ((تفسير البيضاوي)) (5/195)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/287)، ((تفسير أبي حيان)) (10/128)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/41)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/24). .
- وعطْفُ (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) عطْفُ الخاصِّ على العامِّ؛ لأنَّ غِشْيانَ مَجلسِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما هو لطلَبِ العِلمِ مِن مَواعظِه وتَعليمِه، أي: والَّذين أُوتوا العِلمَ منكم أيُّها المؤمِنون؛ لأنَّ الَّذين أُوتوا العِلمَ قد يكونُ الأمرُ لأحدٍ بالقِيامِ مِن المَجلِسِ مِن أجْلِهم، أي: مِن أجْلِ إجْلاسِهم، وذلك رفْعٌ لدَرَجاتِهم في الدُّنيا، ولأنَّهم إذا تَمكَّنوا مِن مَجلِسِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان تَمكُّنُهم أجمَعَ للفَهمِ، وأنْفى للمَلَلِ، وذلك أدْعى لإطالتِهم الجلوسَ، وازديادِهم التَّلقِّيَ، وتَوفيرِ مُستنبَطاتِ أفْهامِهم فيما يُلْقى إليهم مِن العِلمِ؛ فإقامةُ الجالسينَ في المَجلِسِ مِن أجْلِ إجلاسِ الَّذين أُوتوا العِلمَ مِن رفْعِ دَرَجاتِهم في الدُّنيا. ويَجوزُ أنَّ بعضًا مِن الَّذين أُمِروا بالقِيامِ كان مِن أهلِ العِلمِ؛ فأُقِيمَ مِن أجلِ رُجْحانِ فَضيلةِ البَدْريِّينَ عليه، فيَكونُ في الوعْدِ للَّذي أُقِيمَ مِن مَكانِه برفْعِ الدَّرَجاتِ استئناسٌ له بأنَّ اللهَ رافعٌ دَرجتَه [329] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/41). .
وقيل: رُوعِيَ في هذا التَّركيبِ لَطيفةٌ؛ وهي أنَّ مَن يَشهَدُ مَجلِسَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن المؤمنينَ أحدُ رجُلَينِ: عامِلٌ يَسمَعُ للعمَلِ، وعالِمٌ عامِلٌ يَسمَعُ للعمَلِ والاستِنباطِ والتَّعليمِ، فأراد اللهُ سُبحانَه وتعالَى مدْحَ الفريقَينِ، وتَفضيلَ أحدِهما على الآخَرِ مِن حيث لا يَلزَمُ منه نقْصُه، أتى بالعامِّ وعطَفَ عليه الخاصَّ، وأبرَزَهما في مَعرِضِ الجُملتَينِ، فيَكونُ مِن بابِ عطفِ التَّقديرِ لا الانسحابِ؛ فالدَّرجاتُ ظرْفٌ للفِعلِ المُقدَّرِ، ويُضمَرُ للمذكورِ أحطُّ منه ممَّا ناسَبَ المقامَ، مثل: يَرفَعِ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكم بالنَّصرِ وحُسْنِ الذِّكرِ في الدُّنيا، وإيوائِهم غُرَفَ الجِنانِ في الآخرةِ، ويَرفَعِ العُلماءَ منهم خاصَّةً دَرَجاتٍ؛ بما جَمَعوا بيْن العِلمِ والعمَلِ [330] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/195)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/287، 288). .
- وضَميرُ مِنْكُمْ خِطابٌ للَّذين نُودوا بـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا، و(مِن) تَبعيضيَّةٌ، أي: يَرفَعِ اللهُ دَرَجاتِ الَّذين امْتَثَلوا، وقَرينةُ هذا التَّقديرِ هي جَعلُ الفِعلِ يَرْفَعِ جَزاءً للأمرِ فَانْشُزُوا؛ فإنَّ الجزاءَ مُسبَّبٌ عمَّا رُتِّبَ عليه بقولِه: مِنْكُمْ صفة لـ الَّذِينَ آَمَنُوا، أي: الَّذين آمَنوا مِن المؤمنينَ، والتَّغايُرُ بيْن معْنى الوصفِ ومعْنى الموصوفِ بتَغايُرِ المُقدَّرِ، وإن كان لَفظُ الوصْفِ ولَفظُ الموصوفِ مُترادفَينِ في الظَّاهرِ، فآلَ الكلامُ إلى تَقديرِ: يَرفَعِ اللهُ الَّذين اسْتَجابوا للأمْرِ بالنُّشوزِ إذا كانوا مِن المؤمنينَ، أي: دونَ مَن يضُمُّه المجلسُ مِن المنافقين، فكان مُقْتضى الظَّاهرِ أنْ يُقالَ: يَرفَعِ اللهُ النَّاشِزينَ منكم، فاستُحْضِروا بالمَوصولِ بصِلةِ الإيمانِ؛ لِما تُؤذِنُ به الصِّلةُ مِن الإيماءِ إلى عِلَّةِ رفْعِ الدَّرجاتِ مِن أجْلِ امتثالِهم أمْرَ القائلِ انْشُزُوا، وهو الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنْ كان لإيمانِهم، وأنَّ ذلك الامتثالَ مِن إيمانِهم ليس لنفاقٍ، أو لصاحبِه امتعاضٌ [331] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/40، 41). .
- وتَنكيرُ دَرَجَاتٍ؛ للإشارةِ إلى أنْواعِها مِن درَجاتِ الدُّنيا ودرَجاتِ الآخِرةِ [332] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/40). .
- وجُملةُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تَذييلٌ، أي: اللهُ عليمٌ بأعمالِكم، ومُختلِفِ نِيَّاتِكم مِن الامتثالِ، كقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يُكْلَمُ [333] أي: يُجْرَحُ؛ مِنَ الكَلْمِ: وهو الجُرْحُ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (6/2462). أحدٌ في سَبيلِ اللهِ، واللهُ أعلَمُ بمَن يُكلَمُ في سَبيلِه ...)) [334] أخرجه البخاريُّ (2803)، ومسلمٌ (1876) من حديث أبي هريرةَ رضيَ الله عنه. الحديثَ [335] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/42). .
- وقُدِّم الجارُّ ومَدخولُه وإنْ كان عِلمُه سُبحانَه بالأشياءِ كلِّها على حدٍّ سواءٍ؛ تنبيهًا على مَزيدِ الاعتِناءِ بالأعمالِ، لا سيَّما الباطنةِ مِن الإيمانِ والعِلمِ اللَّذَينِ هُما الرُّوحُ الأعظَمُ؛ لأنَّ المَقامَ لنُزولِ الإنسانِ عن مكانِه بالتَّفسُّحِ والانخفاضِ والارتفاعِ، ولا يَخفَى ما في ذلك مِن حَظِّ النفْسِ الحامِلِ على الجريِ مع الدَّسائسِ؛ فكان جديرًا بمَزيدِ التَّرهيبِ [336] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/377، 378). .
2- قولُه تعالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
- قولُه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً استِئنافٌ ابتدائيٌّ عاد به إلى ذِكرِ بَعضِ أحوالِ النَّجوى، وهو مِن أحوالِها المحمودةِ، والمُناسَبةُ هي قولُه تعالى: وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المجادلة: 9] ؛ فهذه الصَّدقةُ شرَعَها اللهُ تعالى وجعَلَ سبَبَها مُناجاةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فذُكِرَت عقِبَ آيِ النَّجوى؛ لاستِيفاءِ أنواعِ النَّجوى مِن مَحمودٍ ومَذمومٍ [337] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/42). .
- وقولُه: ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ تَعريفٌ بحِكمةِ الأمْرِ بالصَّدقةِ قبْلَ نَجوى الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ليَرغَبَ فيها الرَّاغِبون [338] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/45). .
- واستِفادةُ أنَّ غيرَ الواجدِ لا حرَجَ عليه في النَّجوى بدونِ صَدقةٍ، حاصلةٌ بدَلالةِ الفَحْوى؛ لأنَّه لا يَترُكُ مُناجاةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ إرادةَ مُناجاتِه الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيست عبَثًا، بلْ لتَحصيلِ عِلمٍ مِن أُمورِ الدِّينِ. وأمَّا قولُه: رَحِيمٌ فهو في مُقابَلةِ ما فات غيرَ الواجدِ ما يَتصدَّقُ به مِن تَزكيةِ النَّفْسِ؛ إشعارًا له بأنَّ رَحمةَ اللهِ تَنفَعُه [339] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/45، 46). .
3- قولُه تعالَى: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
- قولُه: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ الاستِفهامُ تَوبيخيٌّ، مُستعمَلٌ في اللَّومِ على تَجهُّمِ تلك الصَّدقةِ مع ما فيها مِن فَوائدَ لنفْعِ الفُقراءِ [340] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/46، 47). . أو الهمزةُ للاستِفهامِ التَّقريريِّ [341] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/23). .
- و(إذ) ظَرفَّيةٌ مُفيدةٌ للتَّعليلِ، أي: فحِينَ لم تَفعَلوا فأقِيموا الصَّلاةَ، و(فاءُ) فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا لتَفريعِ ما بعْدَها على الاستِفهامِ التَّوبيخيِّ [342] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/47). .
- وما تَتعلَّقُ به (إذ) مَحذوفٌ دلَّ عليه قولُه: وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، تَقديرُه: خفَّفْنا عنكم، وأعفَيْناكم مِن أنْ تُقدِّموا صَدقةً قبْلَ مُناجاةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [343] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/47). .
- و(الفاءُ) في فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ عاطِفةٌ على الكلامِ المُقدَّرِ: وحافِظوا على التَّكاليفِ الأُخرى، وإقامةِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وطاعةِ اللهِ ورسولِه، أي: فذلك لا تَسامُحَ فيه؛ قِيل لهم ذلك لئلَّا يَحسَبوا أنَّهم كلَّما ثَقُلَ عليهم فِعلٌ ممَّا كُلِّفوا به يُعْفَون منه. وفِعلُ فَأَقِيمُوا مُستعمَلٌ في طلَبِ الدَّوامِ [344] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/47). .
- قولُه: وَآَتُوا الزَّكَاةَ فِعلُ وَآَتُوا مُستعمَلٌ في طلَبِ الدَّوامِ [345] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/47). .
- وجُملةُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ تَذييلٌ لجُملةِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ، وهو كِنايةٌ عن التَّحذيرِ مِن التَّفريطِ في طاعةِ اللهِ ورَسولِه [346] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/47). .