موسوعة التفسير

سُورةُ النِّساءِ
الآيات (80- 84)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ

غريبُ الكَلِمات:

بَرَزُوا: خرَجوا إلى الفَضاءِ والمتَّسعِ من الأرض، وأصل (برز): ظهور الشَّيء وبُدُوُّه، ومنه سُمِّي الفضاء؛ لأنَّه ظاهرٌ وبادٍ غيرُ خفيٍّ يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/218)، ((المفردات)) للراغب (ص: 118). .
بَيَّتَ طَائِفَةٌ: أي: دَبَّروا وزوَّروا، أو قالوا وقدَّروا ليلًا، يقال: بيَّت فلان رأيَه: إذا فكَّر فيه ليلًا، وأصل البَيْت: مأوى الإنسان باللَّيل؛ لأنَّه يقال: بات: أقام باللَّيل، ويُطلَق أيضًا على المآبِ ومجمَع الشَّمل يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 131)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 119)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/324)، ((المفردات)) للراغب (ص: 151)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 68)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 141)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 993). .
يَتَدَبَّرُونَ: يتأمَّلون في معانيه، ويَتبصَّرون ما فيه؛ يُقال: تدبَّرتُ الأمرَ، أي: نظرتُ في عاقبتِه، والتَّدبير: التَّفكُّر في دُبُر الأمور، ثمَّ جُعِل كلُّ تمييزٍ تدبُّرًا، وأصل (دبر): آخِرُ الشَّيء وخَلْفُه، خلافُ قُبُله يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 524)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/324)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 296). .
أَذَاعُوا بِهِ: أي: أشاعُوه وأفشَوْه، وتحدَّثوا به، والإذاعة: الإفشاءُ والتَّفريق، وأصل (ذيع): يدلُّ على إظهارِ الشَّيء، وظُهورِه وانتشاره يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 132)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 54)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/365)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 68)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 141). .
يَسْتَنْبِطُونَهُ: أي: يَبْحثون ويُنقِّرون عنه ويَستخرجونه، مأخوذٌ من النَّبَطِ، وهو الماءُ يخرُجُ من البِئر أوَّلَ ما تُحفَر، وأصل (نبط): يدلُّ على استخراجِ شيءٍ يُنظر: ((تفسير الطبري)) (7/255- 256)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 132)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 506)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/381)، ((المفردات)) للراغب (ص: 788)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 141). .
بَأْسًا: أي: عَذابًا، وشِدَّةً في النِّكايةِ، وأصلُ (بأس): الشدَّة وما ضاهاها يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 263)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/328)، ((المفردات)) للراغب (ص: 153)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 108)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 252). .
تَنْكِيلًا: أي: نِكايةً في العَدوِّ، وعُقوبةً وتعذيبًا، وهو مَصدَر: نكَّلَ بفُلانٍ يُنكِّل به تَنكيلًا: إذا أوجعَه عُقوبةً، وفعَلَ به ما يَمْنَعُه من المعاودةِ ويَمْنَعُ غيرَه مِن إتيانِ مِثلِ صَنيعِه، وأصلُ (نكل): يدلُّ على مَنْعٍ وامتناعٍ يُنظر: ((تفسير الطبري)) (7/267)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/473)، ((المفردات))  للراغب (ص: 825)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 322). .

المَعْنى الإجماليُّ:

يُخبِر تعالى أنَّ كلَّ مَن أطاع رسولَه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم فقد أطاعه سبحانه، ومَن أعرَض عن طاعةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلن يُسأَلَ عنه، فإنَّ اللهَ لم يُرسِلْه حافظًا لِما يعمَلُ العبادُ، ولا محاسبًا لهم، وإنَّما أرسَله مبلِّغًا.
ثمَّ يُخبِرُ تعالى أنَّ المنافقين يقولون للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: سنُطيعُك ولن نعصيَك، فإذا خرَجوا مِن عنده أضمَر جماعةٌ منهم ليلًا معصيتَه على غيرِ ما أظهَروه له مِن الطَّاعة، واللهُ يكتُبُ ما يُضمِرون ويُخفون في أنفسِهم، ثمَّ أمَر اللهُ نبيَّه أن يُعرِضَ عن هؤلاء، وأن يتوكَّلَ عليه، وحسبُه اللهُ وكيلًا يتوكَّلُ عليه.
أفلَا يتأمَّلُ ويتفكَّرُ هؤلاء المنافقون في القرآنِ الكريمِ فتتَّضحَ لهم أدلَّتُه وتظهَرَ براهينُه؟! ولو كان هذا القرآنُ مِن عند غيرِ اللهِ لوجَدوا فيه اختلافًا واضطرابًا كثيرًا.
ثمَّ يُخبِر تعالى أنَّ المنافقين إن أتاهم خبرٌ في مضمونِه أمنُ المؤمنين، أو فيه ما يخوِّفُهم، أشاعوه دون تثبُّتٍ مِن صحَّتِه، ولو ردُّوا هذه الأخبارَ قبل إشاعتِها إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإلى علمائِهم وأمرائِهم ليرَوْا هل مِن المصلحةِ إذاعتُه أو لا! لو ردُّوها إليهم لعلِم حقيقةَ ذلك الخبرِ: الَّذين يبحثون عنه، ويُعمِلون أفكارَهم لاستخراجِ ما خَفِي مِن معانيه، ولولا فضلُ اللهِ عليكم لكنتم مثلَ المنافقين فاتَّبعتُم الشيطانَ في إذاعة الأخبارِ، باستثناءِ القَليلِ من الإذاعةِ.
ثمَّ أمَر الله نبيَّه بالقتال في سبيله، مبيِّنًا أنَّه عليه ما كُلِّفَه دون ما كُلِّفَه غيرُه، وأَمَرَه كذلك أن يرغِّبَ ويشجِّعَ المؤمنين على القتال؛ لعلَّ اللهَ أن يردَّ عنهم قوَّةَ الكَفَرة وشوكتَهم، واللهُ تعالى أشدُّ قوَّةً وصَولةً مِن أولئك الكفَّارِ، وأشدُّ عقوبةً وأعظمُ عذابًا ونِكايةً في عدوِّه.

تفسير الآيات:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا نفَى اللهُ تعالى عِلَل المنافقين في التَّخلُّفِ عن طاعةِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أنْ ختَم بالشَّهادةِ برسالتِه- قال مرغِّبًا مرهِّبًا على وجهٍ عامٍّ يُسكِّنُ قلبَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويخفِّفُ مِن دوَامِ عصيانهم له، دالًّا على عصمتِه في جميعِ حركاتِه وسكَناته يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/337). .
وأيضًا فهذه الآيةُ كالتَّكملةِ لقوله: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا [النساء: 79] باعتبارِ ما تضمَّنه مِن ردِّ اعتقادِهم أنَّ الرَّسولَ مصدرُ السَّيِّئات الَّتي تُصيبُهم، ثمَّ من قوله: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النساء: 79] إلخ، المؤذِن بأنَّ بين الخالقِ والمخلوق فرقًا في التَّأثير، وأنَّ الرِّسالة معنًى آخَرُ، فاحتَرَس بقوله: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] عن توهُّم السَّامعين التَّفرقةَ بين الله ورسولِه في أمور التَّشريعِ، فأثبَت أنَّ الرَّسولَ في تبليغِه إنَّما يُبلِّغُ عن اللهِ؛ فأمرُه أمرُ الله، ونهيُه نهيُ الله، وطاعتُه طاعةُ الله، وقد دلَّ على ذلك كلِّه قولُه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] ؛ لاشتمالِها على إثباتِ كونِه رسولًا، واستلزامِها أنَّه يأمُرُ وينهى، وأنَّ ذلك تبليغٌ لمرادِ الله تعالى يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/135). فقال:
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ
أي: كلُّ مَنْ أطاعَ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم فقد أطاع اللهَ سبحانه؛ لكونِه لا يَنطِقُ عن الهوى، إنْ هو إلَّا وحيٌ يُوحَى؛ فهو لا يأمُرُ ولا ينهى إلَّا بأمرِ الله تعالى وشرعِه ووحيِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/245-246)، ((تفسير ابن كثير)) (2/363)، ((تفسير السعدي)) (ص: 189)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/6). .
عن أبي هُريرةَ رضِي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن أطاعَني فقد أطاعَ اللهَ، ومَن عصَاني فقد عصَى اللهَ )) رواه البخاري (7137)، ومسلم (1835). .
وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا
أي: ومَن أعرَض عن طاعتِك- يا محمَّدُ- فلا عليك منه، ولا تُسأَلُ عنه، إنْ عليك إلَّا البلاغُ؛ فإنَّا لم نُرسِلْك عليهم حافظًا لِما يعمَلون ومُحاسِبًا، بل أرسلناك مبلِّغًا ومبيِّنًا وناصحًا، وقد أدَّيتَ وظيفتَك، ووجب أجرُك على الله عزَّ وجلَّ، سواءٌ أطاعوا أم أعرَضوا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/246)، ((تفسير ابن كثير)) (2/364)، ((تفسير السعدي)) (ص: 189)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/8). .
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ
أي: ويقولُ المنافقون لك- يا محمَّدُ-: سنُطيعك ولا يكونُ منَّا عِصيانٌ يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/85)، ((تفسير ابن كثير)) (2/364)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/135-136)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/9). قال ابن عطيَّة: (قوله تعالى: وَيَقُولُونَ طاعَةٌ الآية نزلت في المنافقين باتفاقٍ من المفسِّرين) ((تفسير ابن عطية)) (2/82). .
فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ
أي: فإذا خرَجوا مِن عندك- يا محمَّدُ- وخلَوْا في حالةٍ لا تطَّلعُ فيها عليهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/247)، ((تفسير ابن كثير)) (2/364)، ((تفسير السعدي)) (ص: 189)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/9-10). .
بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ
أي: استسَرَّ جماعةٌ منهم ليلًا فيما بينهم بغيرِ ما أظهَروه لك، وغيَّروا ما تقولُ لهم فاستقرُّوا على معصيتِك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/247)، ((تفسير ابن كثير)) (2/364)، ((تفسير السعدي)) (ص: 189)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/10). .
وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ
أي: إنَّ اللهَ تعالى يحفَظُ عليهم هذا العصيانَ الَّذي بيَّتوه، وسيُجازيهم عليه أتمَّ الجزاء، فلا تحزَنْ عليهم- يا محمَّدُ- ولا تكُ في ضَيقٍ ممَّا يفعَلون، فإنَّ أمرَهم لا يخفى على اللهِ جلَّ وعلا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/250)، ((تفسير ابن كثير)) (2/364)، ((تفسير السعدي)) (ص: 189)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/10). .
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
أي: فأعرِضْ- يا محمَّدُ- عن هؤلاء المُنافِقين، وخَلِّهم وما هم عليه من الضَّلالةِ، ولا تؤاخِذْهم، ولا تخَفْ منهم، ولا تشغَلْ بالَك بهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/247)، ((تفسير ابن كثير)) (2/364)، ((تفسير السعدي)) (ص: 189)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/10). .
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
أي: واعتمِدْ أنتَ- يا محمَّدُ- على اللهِ تعالى وثِقْ به يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/250)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/10-11). .
وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا
أي: وحَسْبُك باللهِ سبحانه وليًّا وناصرًا ومُعِينًا يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/364)، ((تفسير السعدي)) (ص: 189).         .
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا حَكَى عن المنافقين أنواعَ مَكرِهم وكيدِهم، وكان كلُّ ذلك لأجلِ أنَّهم ما كانوا يَعتقِدون كونَه محقًّا في ادِّعاء الرِّسالة صادقًا فيه، بل كانوا يعتقدون أنَّه مُفتَرٍ متخرِّصٌ؛ فلا جرَمَ أمَرَهم اللهُ تعالى بأن ينظُروا ويتفكَّروا في الدَّلائلِ الدَّالَّة على صحَّةِ نبوَّتِه، فاحتَجَّ تعالى بالقرآنِ على صحَّةِ نبوَّتِه يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/151). ، فقال:
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
أي: أفلا يتأمَّلُ هؤلاء المنافِقون معانيَ القُرآن، وينظُرون في مبادئِه وعواقِبه، ولوازمِ ذلك، فتظهَرَ لهم براهينُ الحقِّ، وتلوحَ أدلَّتُه، ويعلَموا حُجَّةَ اللهِ عليهم في طاعة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم واتِّباعِ أمره يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/251)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/86)، ((تفسير ابن عطية)) (2/83)، ((تفسير السعدي)) (ص: 189-190). ؟    
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
أي: ولو كان القرآنُ مفتَعَلًا ومختَلَقًا مِن عندِ أحدٍ، لاضطَرَبَتْ أحكامُه، واختلفَتِ اختلافًا كبيرًا، وتناقضت معانيه كثيرًا، وأبان بعضُه عن فسادِ بعضٍ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/251)، ((تفسير ابن كثير)) (2/364-365)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/16-17). .
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
أي: وإذا أتَى هؤلاء المنافقِينَ خبرٌ يتعلَّقُ بأمْنِ المؤمنين، أو خَبرُ أمرٍ يُوجِبُ خوفَ المؤمنين يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/252)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/139). قال ابن عطية: (قوله تعالى: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ الآية، قال جمهورُ المفسِّرين: الآية في المنافقين حسْبمَا تقدَّم مِن ذِكرهم) ((تفسير ابن عطية)) (2/84). .
أَذَاعُوا بِهِ
أي: أفشَوْه وأشاعوه على الفورِ دون تثبُّتٍ وتحقُّقٍ من صحَّتِه أوَّلًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/252)، ((تفسير ابن كثير)) (2/365)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/139). .
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ
أي: ولو أَرجَعوا هذا الأمرَ قبل بثِّه، إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإلى أُمرائِهم وعلمائِهم حتَّى يكونَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو ذَوُو أمرِهم هم الَّذين يقولون الخبرَ عن ذلك, بعد أن ثبتَتْ عندهم صحَّتُه أو كذبُه، إن رأَوْا في إذاعتِه مصلحةً ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم، وتحرُّزًا من أعدائِهم، وإن رأَوْا أنَّه ليس فيه مصلحةٌ، أو فيه مصلحةٌ ولكنَّ مضرَّتَه تزيدُ على مصلحتِه، لم يُذِيعوه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/254-255)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/23). وممَّن قال مِن الَّسلف: إنَّ المقصود بأُولي الأمْر في الآية هم العلماءُ: قَتادة، وابن جُرَيج، والحسن. انظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/256)، (( زاد المسير)) لابن الجوزي (1/439). .
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ
أي: لعَلِمَ حقيقةَ ذلك الخبرِ على الوجهِ المرادِ مِن الأمنِ أو الخوف، الَّذين يَبحَثون عنه, ويَستعلِمونه من معادنِه، ويَستخرجون ما خفِيَ من المعاني بفِكرِهم وآرائِهم السَّديدةِ، وعلومِهم الرَّشيدةِ، حتَّى يصِلوا إلى حقيقةِ الأمرِ بإذنِ الله تعالى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/255)، ((تفسير ابن كثير)) (2/366)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/23). .
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
أي: ولولا إنعامُ اللهِ عليكم- أيُّها المؤمنون- بفضلِه وتوفيقِه ورحمتِه وإحسانِه وتأديبِكم، وتعليمِكم ما لم تكونوا تعلَمون يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/255)، ((تفسير ابن كثير)) (2/366)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/23). .
لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا
أي: لكُنتُم مِثلَ المنافقين فاتَّبعتم الشَّيطانَ في إذاعةِ الأخبار، باستثناءِ القليلِ مِن الإذاعةِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/261، 265، 266). .
وقيل: لاتَّبعتُم الشَّيطانَ في كلِّ ما تفعلونه إلَّا قليلًا مِن أفعالِكم وأحوالِكم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/142)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/22). .
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا أمَر اللهُ تعالى بالجِهادِ ورغَّبَ فيه أشدَّ التَّرغيبِ في الآياتِ المتقدِّمة، وذكَرَ في المنافقين قلَّةَ رغبتِهم في الجهاد، بل ذكَر عنهم شدَّةَ سعيِهم في تثبيطِ المسلمين عن الجهاد، وجميع ذلك قد أفاد الاهتمامَ بأمرِ القتال، والتَّحريضَ عليه- عاد في هذه الآيةِ إلى الأمرِ بالجهادِ وتهيَّأ الكلامُ لتفريع الأمرِ به يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/157)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/344-345)، ((تفسير أبي حيان)) (3/730). فقال:
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أي: فجاهِدْ- يا محمَّدُ- بنفسِك أعداءَ الله؛ لإعلاءِ كلمة الله جلَّ وعلا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/267)، ((تفسير ابن كثير)) (2/367)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190). .
لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ
أي: ليس لك قدرةٌ على غيرِ نفسِك، وإنَّما عليك ما كُلِّفْتَه دون ما كُلِّفَه غيرُك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/267)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/29، 31). .
 وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ
أي: وحُضَّهم- يا محمَّدُ- على القتالِ، ورغِّبْهم فيه وشجِّعْهم عليه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/267)، ((تفسير ابن كثير)) (2/367)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/29). قال السعديُّ: (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ على القِتال، وهذا يَشملُ كلَّ أمْرٍ يَحصُل به نشاطُ المؤمنين وقوَّة قلوبهم، من تقويتِهم، والإخبارِ بضَعْف الأعداء وفَشلِهم، وبما أُعدَّ للمقاتلين من الثَّواب، وما على المتخلِّفين من العِقاب، فهذا وأمثاله كلُّه يدخُلُ في التحريض على القِتال) ((تفسير السعدي)) (ص: 190). .
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أي: لعلَّ اللهَ تعالى أن يمنَعَ ويرُدَّ عنكم قوَّةَ الكافرين وشوكتَهم، وينصُرَكم عليهم بسببِ القتال في سبيلِ الله تعالى والتَّحريض عليه؛ فبالتَّحريض عليه تنبعِثُ الهِمَمُ على مناجَزةِ الأعداء، والمدافعةِ عن حَوزةِ الإسلام وأهلِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/267)، ((تفسير ابن كثير)) (2/368)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/29). .
وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا
أي: واللهُ تعالى أشدُّ قوةً وصَولةً من أولئك الكفَّارِ، وهو قادرٌ عليهم في الدُّنيا والآخرةِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/267)، ((تفسير ابن كثير)) (2/368)، ((تفسير السعدي)) (ص: 190). .
وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا
أي: وهو سبحانه أشدُّ عقوبةً وأعظمُ عذابًا ونِكايةً في عدوِّه، من نِكايةِ الكفَّارِ بالمؤمنين يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/267)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/88)، ((تفسير القرطبي)) (5/294). .

الفَوائِد التربويَّة:

1- الانقيادُ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، طاعةٌ للهِ، وانقيادٌ لحُكم اللهِ؛ إذ الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم في تبليغِه إنَّما يبلِّغُ عن الله؛ فأمرُه أمرُ الله، ونهيُه نهيُ الله، وطاعتُه طاعةُ الله؛ لذا قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/149)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/135). .
2- التَّحذيرُ من النِّفاقِ، وأنَّ الإنسانَ يجبُ أن يكونَ صريحًا بيِّنًا لا يَظهَرُ للنَّاسِ بوجهٍ، وإذا اختفَى عنهم أعطاهم وجهًا آخَرَ؛ ولهذا لا أحسَنَ مِن الشَّخصِ الصَّادقِ الَّذي لا يُباري ولا يُماري، ولا تأخُذُه في اللهِ لومةُ لائمٍ، وهذا هو الواجبُ على كلِّ مسلمٍ؛ أن يكونَ ظاهرُه وباطنُه سواءً، وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/11). .
3- الإعراضُ عمَّن يئِسْنا من صلاحِه؛ لقوله: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، ولكن لا يعني هذا إعراضًا مطلَقًا بحيث إنَّنا لا نُعيدُ عليه الكَرَّةَ مرَّةً ثانية، وإنَّما نُعرِضُ عنه ما دُمْنا قد أيِسْنا من صلاحِه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/13). .
4- كفايةُ اللهِ سبحانه لِمَن توكَّلَ عليه؛ لقوله: وكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا، وهذا كقوله: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/14). .
5- الحثُّ على تدبُّرِ القُرآنِ؛ فقولُ الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يُرشِدُنا إلى تعلُّمِ معاني القرآنِ، وتدبُّرِ تفاصيله، وما فيه من المعاني البديعةِ، ولو تأمَّل النَّاسُ وتدبَّروا هَدْيَ القرآنِ لحصَل لهم خيرٌ عظيمٌ يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/340)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/137-138)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/17). (تدبُّرُ كتابِ الله مفتاحٌ للعلومِ والمعارف، وبه يُستنتَجُ كلُّ خيرٍ، وتُستخرَجُ منه جميعُ العلوم، وبه يزدادُ الإيمانُ في القلبِ، وترسَخُ شجرتُه؛ فإنَّه يعرِّفُ بالرَّبِّ المعبود، وما له مِن صفاتِ الكمال; وما يُنزَّهُ عنه من سماتِ النَّقص، ويعرِّفُ الطَّريقَ الموصلةَ إليه وصِفةَ أهلها، وما لهم عند القدوم عليه، ويعرِّفُ العدوَّ الَّذي هو العدوُّ على الحقيقةِ، والطَّريقَ الموصلةَ إلى العذاب، وصِفةَ أهلِها، وما لهم عند وجودِ أسباب العقاب). ((تفسير السعدي)) (ص: 189). . وكلَّما ازداد العبدُ تأمُّلًا فيه، ازداد عِلمًا وعملًا وبصيرةً؛ لذلك أمَر الله بذلك، وحثَّ عليه، وأخبر أنَّه هو المقصودُ بإنزال القرآن يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 190). .
6- مِن فوائد التَّدبُّر لكتاب الله: أنَّه بذلك يصلُ العبدُ إلى درجةِ اليقينِ والعِلمِ بأنَّه كلامُ الله؛ لأنَّه يراه يصدِّقُ بعضُه بعضًا، ويوافق بعضُه بعضًا، فترى الحُكمَ والقِصَّةَ والإخبارات تُعادُ في القرآنِ في عدَّةِ مواضعَ، كلُّها متوافقةٌ متصادِقةٌ، لا ينقُضُ بعضُها بعضًا، فبذلك يُعلَمُ كمالُ القرآن، وأنَّه مِن عندِ مَن أحاط علمُه بجميعِ الأمور؛ فلذلك قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 190). .
7- التَّحذيرُ من التَّعجُّلِ في نشر الخبرِ، والحرصُ على عدم إذاعة الشَّيء إلَّا بعد التَّيقُّن من معناه، والمعرفةِ به؛ لقوله تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، وهذا إنكارٌ عليهم، وذمٌّ لهم، ثمَّ أرشَدهم إلى ما هو الأصوب يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/24، 26). .
8- قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ خوضُ العامَّةِ في السِّياسة وأمور الحربِ والسِّلم، والأمن والخوف، أمرٌ معتادٌ، وهو ضارٌّ جدًّا إذا شُغِلوا به عن عملِهم، ويكونُ ضررُه أشدَّ إذا وقَفوا على أسرار ذلك وأذاعوا به، وهم لا يستطيعون كتمانَ ما يعلَمون، ولا يعرِفون كُنْهَ ضررِ ما يقولون، وأضَرُّه عِلمُ جواسيسِ العدوِّ بأسرار أُمَّتِهم، وما يكونُ وراء ذلك، ومِثلُ أمرِ الخوفِ والأمنِ وسائرِ الأمور السِّياسيَّة والشُّؤون العامَّة الَّتي تختصُّ بالخاصَّةِ دون العامَّةِ يُنظر: ((تفسير المنار)) (5/242). .
9- الرُّجوع إلى الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم في حياتِه، وإلى سنَّتِه بعد وفاته، وإلى الأمراءِ والعلماءِ في نَشْرِ الأخبارِ وإذاعتِها؛ قال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/26). .
10- التَّعمُّقُ في التَّثبُّتِ، ويُؤخذُ من قوله: الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ ولم يقُلْ: يَعلمونه، وهنا إظهارٌ في موضع الإضمار؛ لأنَّ الأصل: ولو ردُّوه إلى الرَّسول وإلى أُولي الأمرِ منهم لعلِموه، لكنَّه قال: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ، فأظهَر في موضعِ الإضمار لهذه الحِكمةِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/27). .
11- لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ في هذا دليلٌ لقاعدةٍ أدبيَّة، وهي أنَّه إذا حصل بحثٌ في أمرٍ من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهلٌ لذلك، ويُجعَل إلى أهله، ولا يُتقدَّمَ بين أيديهم؛ فإنَّه أقربُ إلى الصَّواب، وأحرى للسَّلامة من الخطأ يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 190). .
12- أنَّه يَنبغي للإنسانِ أنْ يَلجأَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ في ابتغاء الفضلِ، لا إلى غيرِه؛ لقوله: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/28). .
13- وجوبُ الإخلاصِ؛ لقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وما عدَا سبيلَ اللهِ، فيوصَفُ بأنَّه في سبيلِ الطَّاغوت؛ قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/30). .
14- أنَّه لا يُكلَّفُ أحدٌ هدايةَ أحدٍ، حتَّى الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم الَّذي هو أهدى الخَلْق وأعظمُهم هدايةً، لا يمكِنُ أن يُكلَّفَ هدايةَ أحدٍ، دليلُه: لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ، وعليه فإذا دعوتَ إلى اللهِ، أو أمرتَ بمعروفٍ، أو نهيتَ عن مُنكَرٍ، ولم يُستجَبْ لك، فلا حرَجَ عليك يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/31). .
15- أنَّه يجبُ على الإنسان مراعاةُ نفسِه، وقيادتُها للحقِّ؛ لأنَّه مكلَّفٌ إيَّاها؛ لقوله: لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أنت مكلَّفٌ بنفسِك، يجب أن تجُرَّها إلى ما فيه الخيرُ، وأن تنهاها عمَّا فيه الشَّرُّ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف: 53] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/32). .
16- أنَّ مَن قام بالواجب في حقِّ نفسِه، فلا ينسَ إخوانه؛ لقوله: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ، أي: حُثَّهم على القتالِ في سبيل الله، فإن استجابوا فذلك المطلوبُ، وإن لم يستجيبوا فقد أبرأتَ ذمَّتَك يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/32). .
17- أنَّ الكافرينَ لهم بأسٌ وقوَّةٌ، لكنَّهم تحت قوَّةِ الله؛ لقوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأسَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وأنت لا تنبهِرْ بقوَّةِ الأعداء؛ فإنهم ليسوا عند قدرةِ الله شيئًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/34). .
18- قول اللهِ تعالى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا  فيه تقويةٌ لقلوبِ المؤمنين؛ إذ إنَّ بأسَ اللهِ أشدُّ مِن بأس الكفَّارِ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/732). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائف:

1- قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ مِن أقوى الدَّلائلِ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم معصومٌ في جميع الأوامرِ والنَّواهي، وفي كلِّ ما يُبلِّغه عن الله سُبحانَه؛ لأنَّه لو أخطأَ في شيءٍ منها لم تكُنْ طاعتُه طاعةَ الله يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/149). .
2- قولُ الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ يدلُّ على أنَّ كلَّ تكليفٍ كلَّف اللهُ به في القرآن، ولم يكُنْ ذلك التَّكليفُ مبيَّنًا في القرآن، فحينئذٍ لا سبيلَ لنا إلى القيام بتلك التَّكاليف إلَّا ببيان الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/149). .
3- قولُ الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ يدلُّ على أنَّه لا طاعةَ إلَّا للهِ ألبتَّةَ؛ وأنَّه تعالى هو الَّذي يُطاعُ لذاتِه، وذلك لأنَّ طاعةَ الرَّسول لكونِه رسولًا فيما هو فيه رسولٌ لا تكونُ إلَّا طاعة الله، فكانت الآيةُ دالَّةً على أنَّه لا طاعةَ لأحدٍ إلَّا لله؛ لأنَّه ربُّ النَّاس، وإلهُهم، ومَلِكُهم يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/149-150)، ((تفسير المنار)) (5/225). . .
4- أنَّ الأصلَ فيما قاله الرَّسولُ عليه الصَّلاة والسلام أنَّه شَرْعٌ؛ لعمومِ قوله: مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/7). .
5- قوله: مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ فيه الاحتجاجُ بالسُّنَّة، وأنَّها كالقُرآنِ في وجوبِ العملِ بها، ولكن نحتاجُ في السُّنَّةِ إلى إثباتِ نِسبتِها إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّه ما دام أنَّها لم تثبُتْ فإنَّها ليست من كلامِ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/7). .
6- أنَّ معصيةَ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم معصيةٌ لله، تؤخَذُ بطريق المفهوم؛ لأنَّه إذا كانت طاعتُه طاعةً لله، فمعصيتُه معصيةٌ لله عزَّ وجلَّ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/8). .
7- قول الله تعالى: بَيَّتَ طَائِفَةٌ قال: (بيَّت) بالتَّذكير، ولم يقل: (بيَّتَتْ) بالتَّأنيثِ؛ لأنَّ تأنيثَ (طائفة) غيرُ حقيقيٍّ، ولأنَّها في معنى الفريقِ والفَوجِ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/151). .
8- أنَّ المنافقين يَحرِصون على أنْ يُخفُوا أعمالَهم؛ ولهذا يُوقِعونها ليلًا؛ لقوله: بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/12). .
9- أنَّ قولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كقولِ الله في وجوبِ طاعتِه وتركِ ما نهى عنه، ووجهه: أنَّه حذَّر هؤلاء الَّذين يُبيِّتون غيرَ ما يقولُ الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/12). .
10- بُطلانُ التَّقِيَّة الَّتي يتَّخذُها الرَّافضةُ دِينًا، وتؤخَذُ من تهديدِ الله عزَّ وجلَّ هؤلاء الَّذين يتظاهرون بالطَّاعة ويُبيِّتون خلافَ الطَّاعة؛ وذلك في قوله: وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/12). .
11- إثباتُ العِلمِ للهِ تعالى؛ لقوله: يَكْتُبُ، ولا كتابةَ إلَّا بعد عِلمٍ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/13). .
12- قول الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ في ذِكر تدبُّرِ القرآنِ دلالةٌ على أنَّ القرآن معلومُ المعنى؛ ففي ذلك ردٌّ على مَن قال مِن الرَّافضة: إنَّ القرآنَ لا يُفهَمُ معناه إلَّا بتفسيرِ الرَّسولِ والإمامِ المعصومِ، ولو كان كذلك لَمَا جاز أن يأمُرَ اللهُ تعالى المنافقين بتدبُّرِ القرآن، وأن يُجعَلَ القرآنُ حُجَّةً في صحَّة نبوَّتِه، ولا أن يُجعَلَ عجزُهم عن مثلِه حُجَّةً عليهم يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/152). .
13- قولُ اللهِ تعالى: لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا المرادُ من التَّقييدِ بالكثير المبالغةُ في إثباتِ الملازَمَة، أي: لو كان من عند غيرِ الله، للزِمَ أن يكونَ فيه اختلافٌ كثيرٌ فضلًا عن القَليلِ يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/318-319). ، وإذا كان مِن عندِ اللهِ فلن يَجِدوا فيه اختلافًا ولو قليلًا، لكنْ قولُه: اخْتِلَافًا كَثِيرًا بيانٌ لواقِعِ ما كان مِن عندِ غيرِ الله، وليس هذا قيدًا في أنَّه لو كانَ مِن عند الله لوَجدوا فيه اختلافًا قليلًا؛ إذ إنَّه لا اختلافَ في كِتابِ الله عزَّ وجلَّ يُنظَر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/17). .
14- إثباتُ أنَّ القرآنَ كلامُ الله، يؤخَذ من قوله: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ؛ فإنَّه يدلُّ على أنَّ القرآن من عندِ الله عزَّ وجلَّ، فإذا كان مِن عند الله صار صفةً من صفاتِه، ولا يمكن أن يكون مخلوقًا؛ لأنَّه صفةٌ، وصفةُ الموصوف لازمةٌ له، ليست بائنةً منه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/20). .
15- إثباتُ العِنديَّة لله وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، أي: إنَّ الشَّيءَ يكون من عنده، وهو كذلك، لكنَّ العنديَّة قد تكون صفةً، وقد تكون قُربًا؛ فقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ العنديَّةُ هذه عنديَّةُ قُربٍ؛ لأنَّهم ملائكةٌ بائنونَ عن الله عزَّ وجلَّ، وإذا قلت: القرآنُ مِن عند اللهِ، فإن هذه عنديَّةُ صفةٍ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/20). .
16- ما جرَتْ به العادةُ في أنَّ الله عزَّ وجلَّ إذا نهى عن شيء بيَّن وجهًا آخرَ غيرَ مَنهيٍّ عنه؛ يؤخذ من قوله: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/24). .
17- قولُ اللهِ تعالى: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ دلَّتْ هذه الآيةُ على أنَّ القياسَ حُجَّةٌ في الشَّرع؛ فالله تعالى أمَر المكلَّف بردِّ الواقعة إلى مَن يستنبطُ الحُكمَ فيها، ولولا أنَّ الاستنباطَ حُجَّةٌ لَمَا أُمِر المكلَّفُ بذلك؛ فثبت أنَّ الاستنباطَ حُجَّةٌ، والقياسُ إمَّا استنباطٌ أو داخلٌ فيه، فوجَب أن يكونَ حُجَّة يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/154)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/342). .
18- قول الله تعالى: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فيه أنَّ في أحكامِ الحوادثِ ما لا يُعرَفُ بالنَّصِّ، بل بالاستنباطِ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/154). ، وأنَّ الاستنباطَ واجبٌ على العلماءِ يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/342). .
19- قولُ اللهِ تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فيه أنَّ العاميَّ يجب عليه تقليدُ العلماء في أحكام الحوادث يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/154)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/342). .
20- قول الله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فيه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان مكلَّفًا باستنباطِ الأحكام؛ لأنَّه تعالى أمَر بالرَّدِّ إلى الرَّسولِ، وإلى أولي الأمر، فلم يخصُصْ أولي الأمرِ بذلك دون الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/154). .
21- أنَّه ليس أَمامَنا إلَّا سبيلانِ: سبيلُ السُّنَّة والرَّشاد، وسبيلُ الضَّلال؛ لقوله: لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ، فإذًا: لا يوجدُ إلَّا الحقُّ أو الضَّلالُ؛ قال الله تعالى: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ [يونس: 32] ، وفي هذا ردٌّ على المعتزلةِ القائلين بالمنزلةِ بين منزلتينِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/28). .
22- أنَّ محلَّ التَّحريضِ للقِتال- أي: قِتالِ المشركين- هم المؤمنون؛ لأنَّه لم يقُلْ: حرِّض النَّاس، بل قال: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فالمؤمِنُ هو الَّذي ينفع فيه التَّحريضُ على القتالِ في سبيل الله يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/32). .
23- أنَّه مهما بذَلْنا من الجهدِ والجهاد والإعداد فإنَّ الأمرَ بيدِ الله؛ لقول الله تعالى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: بعد اجتهادِك وتحريضِك المؤمنينَ على القتال واستعدادِكم وإعدادِكم، الأمرُ بيدِ الله يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/32). .
24- الاستدلالُ لأهلِ السُّنَّة بأنَّ أعمالَ العباد مخلوقةٌ لله عزَّ وجلَّ، وتؤخَذ من قوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأسَ الَّذِينَ كَفَرُوا، فنسَب ذلك إليه، مع أنَّه يأتي بفِعْل المؤمنين، لكن نسَبه اللهُ إليه، وأحيانًا يأتي بغيرِ فِعل المؤمنين، مثل قوله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 163). يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/33). .
25- إثبات البأسِ والتَّنكيلِ للهِ عزَّ وجلَّ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/36). .

بَلاغةُ الآياتِ:

1- قوله: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ
- فيه التعبيرُ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم بالاسم الظاهر الرَّسولَ دونَ التعبيرِ بضَميرِ الخِطابِ- حيثُ لم يَقُلْ: (يُطِعْكَ)-؛ للإيذانِ بأنَّ مَناطَ كونِ طَاعتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طاعةً له تعالى، ليس خُصوصيَّةَ ذاتِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بل مِن حَيثِيَّةِ رسالَتِه ([1368] ) يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/206). .
- وإظهارُ لفظِ الجلالةِ (الله)؛ لتربيةِ المهابةِ، وتَأكيدِ وُجوبِ الطَّاعةِ بذِكرِ عُنوان الألوهيَّةِ يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/206). .
2- قوله: وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا: خبرٌ فيه تعريضٌ بهم، وتهديدٌ لهم بأنْ صَرَفه عن الاشتغالِ بهم، فيُعلَم أنَّ اللهَ سيتولَّى عِقابَهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/135). .
- وفيه التفاتٌ؛ حيث خاطَب النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالإعراضِ عن المتولِّين والمُعرضينَ عن طاعةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على طريقةِ الالتفاتِ مِن الغَيبةِ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ إلى الخطابِ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا، مبالغةً في التَّحريضِ والحثِّ عليه يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/734). .
3- قوله: وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ
- تنكيرُ طَاعَةٌ؛ للتَّعظيم بالتَّعميمِ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/150). ، ورفعُها يدلُّ على ثباتِ الطَّاعةِ واستقرارِها، أي: إنَّ كلَّ طاعةٍ منَّا لك دائمًا، نحن ثابتونَ على ذلك يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/338). .
- قوله: وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فيه: التهديدُ بإعلامِهم أنَّه لن يُفلِتَهم من عقابِه، فلا يَغُرَّنَّهم تأخُّرُ العذابِ مدَّةً يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/135). .
- والتعبيرُ بصِيغة المضارعِ في قوله: يَكْتُبُ فيه دَلالةٌ على تجدُّدِ ذلك، وأنَّه لا يُضاع منه شيءٌ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/135). .
4- قوله: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا: فيه إظهارُ الجَلالةِ في مقامِ الإضمار؛ للإشعارِ بعِلَّة الحُكمِ يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/207). ، مع ما فيه مِن تربيةِ المهابةِ والجلالِ.
5- قوله: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ: الاستفهامُ يُرادُ به الإنكارُ والاستقباحُ؛ لعدم تدبُّرهم للقُرآن الكريمِ، وذلك للتوبيخِ والتعجُّبِ منهم في استمرارِ جهلِهم، مع توفُّرِ أسباب التدبُّرِ لدَيهم، وإعراضِهم عن التأمُّل فيما فيه من مُوجِباتِ الإيمان يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/734)، ((تفسير أبي السعود)) (2/207)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/137). .
6- قوله: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ: كلامٌ مسوقٌ مساقَ التوبيخِ للمُنافقين، واللَّوم لِمَن يَقبَلُ مِثلَ تلك الإذاعة مِن المسلمين الأغرارِ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/139). .
- والباء في قولِه: أَذَاعُوا بِهِ مزيدةٌ لتوكيدِ اللُّصوق؛ كما في: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة: 6] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/319)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/139). ، أو لتضمُّن الإذاعةِ معنى التَّحدُّث يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/319). .
7- قوله: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: فيه تلوينٌ للخطاب، وتوجيهٌ له إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطريق الالتفات، وهو جوابُ شرط محذوفٌ يَنساقُ إليه النَّظمُ الكريم، أي: إذا كان الأمرُ كما حُكي مِن عدمِ طاعة المنافقين وكَيدِهم، وتقصيرِ الآخَرين في مراعاةِ أحكامِ الإسلام، فقاتِلْ أنتَ وحْدَك غيرَ مكترِثٍ بما فعلوا يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/209). .
8- قوله: لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ هذا الأسلوبُ طريقٌ من طُرق الحثِّ والتحريض لغير المخاطَب؛ لأنَّه إيجابُ القِتالِ على الرسول، وقد عُلِم إيجابُه على جميع المؤمنينَ بقوله: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ [النساء: 74] ؛ فهو أمرٌ للقُدوةِ بما يجب اقتداءُ الناسِ به فيه، وبيَّن لهم عِلَّةَ الأمر، وهي رجاءُ كفِّ بأسِ المشركينَ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/143). .
9- قوله: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا الجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مُقرِّر لِمَا قبلها يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/210)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/143). ، وهي جملةٌ خبريَّة، مرادٌ بها التقريعُ والتَّهديد ((تفسير البيضاوي)) (2/87). .
- وإظهار الاسم الجليل الله؛ لتربيةِ المهابة، وتعليلِ الحُكم، وتقويةِ استقلال الجملة يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/210)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/143). .
- وتكرير الخبر (أشدُّ- وأشدُّ)؛ لتأكيد التَّشديد يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/210)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/143). .