موسوعة التفسير

سُورةُ النِّساءِ
الآيات (71- 76)

ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ

غريبُ الكَلِمات:

خُذُوا حِذْرَكُمْ: أي: تَيقَّظوا وتَحرَّزوا، وخُذُوا ما فيه الحذَرُ مِن السِّلاح وغيرِه، والحَذَر: احتراز من مُخِيف، وهو من التَّحرُّز والتَّيقُّظ يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/37)، ((المفردات)) للراغب (ص: 223). .
فَانْفِرُوا: أي: فاخرُجوا إلى الجِهاد، وانفِروا للنُّصرة، وأصل (نفر): يدلُّ على تَجافٍ وتباعُد يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/459)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 202). .
ثُبَاتٍ: أي: جماعاتٍ متفرِّقةً، أو جماعةً منفردة، واحدتها ثُبَة، والثُّبَة: الجماعةُ الثَّائب بعضُهم إلى بعض في الظَّاهِرِ يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 130)، ((المفردات)) للراغب (ص: 172، 180)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 67)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 202، 330). .
لَيُبَطِّئَنَّ: أي: يُثبِّط غيرَه، ويَتأخَّر ويُؤخِّر غيره، والمقصود مَن يتثاقلون ويَتخلَّفون عن الجِهاد، وأصله: البُطءُ في الأمْر يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/260)، ((المفردات)) للراغب (ص: 132)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 993). .
كَيْدَ الشَّيْطَانِ: أي: حِيلَته، والْكَيْدُ: ضربٌ من الاحتيال، وقد يكونُ مذمومًا وممدوحًا، واستعمالُه في المذموم أكثرُ، وأصل (كيد) يدلُّ على مُعالجةٍ لشيءٍ بشدَّة ينظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 507)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/149)، ((المفردات)) للراغب (ص: 728)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 434). .

مشكل الإعراب:

قوله: أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِم أَهلُهَا:
الظَّالِمِ: مجرورٌ، على أنَّه نعْتٌ سببيٌّ للقريةِ، و(أل) في الظَّالِمِ موصولةٌ بمعنى (التي). وأَهْلُهَا: مرفوعٌ على أنَّه فاعلُ اسم الفاعِلِ الظَّالِمِ العامِلِ عمَلَ فِعله، والتقدير: القريةُ التي ظَلَم أهلُها؛ فالظلمُ جارٍ على القرية لفظًا، وهو لِمَا بعدَها أَهْلُهَا معنًى، ولم يُؤنَّث اسمُ الفاعل الظَّالِمِ- حيث لم يَقُل: (الظالمة)- وإنْ كان نعتًا للقريةِ في اللَّفظِ؛ لإِسنادِ الظَّالِمِ إلى الاسمِ الظَّاهِر الذي عَمِلَ فيه (أَهْل) وهو مُذكَّرٌ، كما تقولُ: مِنْ هذِه القَريةِ التي ظَلَم أهلُها؛ لأنَّ كلَّ اسمِ فاعلٍ إذا جرَى على غَيرِ مَن هو له، فتَذكيرُه وتأنيثُه على حسَبِ الاسمِ الظَّاهِر الذي عَمِل فيه يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/203)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/373)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/38-40). .

المَعْنى الإجماليُّ:

يَأمُرُ اللهُ تعالى عِبادَه المؤمنين بأخْذِ الحذَر من أعدائهم، وأنْ يَخرُجوا لجِهادِهم متفرِّقين جماعةً بعدَ جماعةٍ، أو يَخرجوا كلُّهم مجتمعينَ.
ثمَّ يخاطب اللهُ تعالى المؤمنين مبيِّنًا لهم أنَّ في أوساطِهم منافقينَ يتثاقَلون في الخروج للجهاد، ويتخلَّفون عنه عند خروجِ المؤمنين لذلك، ويثبِّطون غيرَهم عنه، فإنْ حلَّت بالمؤمنين الخارجينَ للجهاد مصيبةٌ، قال هذا المنافقُ المتخلِّفُ والَّذي يدعو غيره للتَّخلُّف: قد منَّ الله عليَّ بعدم الخروج معهم للقتالِ، وإلَّا لكان حلَّ بي ما حلَّ بهم، وإن انتصرَ المؤمنون على عدوِّهم وحصلوا منهم على غنيمةٍ فسيقول هذا المنافقُ وكأنَّه لم تكُنْ بين المؤمنين وبينه مودَّةٌ: ليتني شاركتُهم الخروجَ للجهادِ، فأُشارِكَهم في الغنائم الَّتي حصلوا عليها من عدوِّهم.
ثمَّ أمر اللهُ بالقتال في سبيله تعالى، ووجَّه الأمرَ لمن رغِبوا فيما عند الله فباعوا الحياة الدُّنيا بالآخرة، ثمَّ وعَد سبحانه مَن يقاتل في سبيله، سواءٌ قتَله الأعداء، أو لم يُقتل وإنَّما انتصر عليهم: أنَّ اللهَ سوف يعطيه أجرًا عظيمًا.
ثمَّ حثَّ المؤمنينَ على القِتال في سبيله قائلًا لهم: ما الَّذي يمنعُكم من القِتال في سبيل الله لإعلاء كلمَتِه، ومن أجْل استنقاذِ الضُّعفاء من الرِّجال والنِّساء والأطفال الَّذين يَدْعون ربَّهم أن يُخرجَهم من مكَّةَ الَّتي ظلَمهم فيها أهلُها من المشركينَ، ويَدْعون اللهَ أن يجعَلَ لهم من عنده وليًّا ونصيرًا ينصُرُهم على عدوِّهم؟!
ثمَّ يُخبر تعالى أنَّ الَّذين آمنوا، قتالُهم هو مِن أجل إعلاءِ كلمة الله تعالى، والَّذين كفروا قتالُهم في سبيل الطَّاغوتِ، فأمَر الله بقتالِ من يتولَّى الشَّيطانَ ويُطيعه، مخبرًا سبحانه أنَّ كيدَ الشَّيطانِ كيدٌ واهنٌ وضعيفٌ.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
استئنافٌ وانتقالٌ إلى التَّحريضِ على الجهاد بمناسبةٍ لطيفة، فإنَّه انتقَل من طاعة الرَّسول إلى ذِكرِ أشدِّ التَّكاليفِ، ثمَّ ذكَر الَّذين أنعَم اللهُ عليهم من النَّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداءِ والصَّالحين، وكان الحالُ أدعى إلى التَّنويهِ بشأنِ الشَّهادة دون بقيَّةِ الخِلال المذكورة معها الممكنة النَّوالِ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/117). .
وأيضًا لَمَّا ذكَر اللهُ تعالى طاعتَه وطاعةَ رسولِه، وكان من أهمِّ الطَّاعات إحياءُ دِين الله، أمَر بالقيام بإحياءِ دِينه، وإعلاء دعوتِه، بالجهاد؛ لأنَّه أشقُّ الطَّاعات، ولأنَّه أعظمُ الأمور الَّتي بها يحصلُ تقويةُ الدِّين، وأَمَرَهم ألا يقتحِموا على عدوِّهم على جَهالةٍ؛ فقال يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/703)، ((تفسير الرازي)) (10/137).. :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ
أي: يا أيُّها المؤمنون، احذَروا من عدوِّكم، وذلك بالأخْذِ بالأسبابِ الَّتي يُستعانُ بها على قِتالهم ودَفْعِهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/217)، ((تفسير ابن كثير)) (2/357)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186). قال ابن عثيمين: (فقولُه تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ يَشمل كلَّ ما يكون سلاحًا علينا، ومعلوم أنَّنا نأخذ لكلِّ سلاح ما يُناسبه؛ فالذي يُناسب السِّلاحَ الخُلُقي أن يُبصَّر الناس، وتُبيَّن لهم العاقبةُ السيِّئة في دَمار الأخلاق... ويُبيَّن لهم المضارُّ في سوء الأخلاق والفواحِش، وغير هذا. وفي الأفكار: يُبيَّن للناس العقيدةُ السَّليمة التي تَصِلُهم بالله، وتَجعل الإنسانَ دائمًا مع الله عزَّ وجلَّ، يَذكُر اللهَ بقلبه ولِسانِه وجوارحِه، قائمًا وقاعدًا وعلى جنب. والغزو المسلَّح بالسِّلاح، لا بدَّ أن نُعِدَّ له العُدَّة). ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/512). .
فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ
أي: فاخْرُجوا لقِتالِ عَدوِّكم متفرِّقينَ، جماعةً بعد جماعةٍ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/217)، ((تفسير ابن كثير)) (2/357)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/515-516). .
أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا
أي: أو انفِروا كلُّكم مجتمعينَ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/218)، ((تفسير ابن كثير)) (2/357)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/515-516). .
وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)
وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ
أي: وإنَّ في عِدادِكم- أيُّها المؤمنون- منافقينَ، يتثاقَلون ويتخلَّفون بأنفُسِهم عن جهادِ عدوِّكم إذا أنتم نفَرْتم إليهم، ويثبِّطون غيرَهم فيتخلَّفونَ عن الخروجِ في سبيل الله تعالى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/219)، ((تفسير ابن كثير)) (2/357)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/518). .
فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ
أي: فإنْ حلَّتْ بكم هزيمةٌ وقتلٌ، وظفِر الأعداءُ عليكم في بعض الأحوال لِمَا للهِ تعالى في ذلك من الحِكَمِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/219)، ((تفسير ابن كثير)) (2/357)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/518). قال ابن عثيمين: (نتيجة القتال إما أن تكون الغنيمة والغلبة والنصرة، وإما أن تكون العكس، فهو إذا أصابتكم مصيبة... قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَليَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا فيتضمن كلامه هذا الافتخار والاحتقار، الافتخار بنفسه أنه لم يشهد هذه المصيبة، والاحتقار لمن أصيبوا بهذه المصيبة، وهذا غاية ما يكون من التباعد، وهذا الذي يقول- وهو منهم- هذا الكلام كأنه لم يكن بينه وبينهم مودة، وكأنه من أبعد الناس عنهم، حين افتخر بأن نجا من المصيبة التي أصابتهم، واحتقر هؤلاء الذين أصيبوا وصار كالموبخ لهم) ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/518-519). .
قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا
أي: فإنْ أصابَكم ذلك، قال هذا المنافِق الَّذي يَتباطَأُ ويُبطِّئُ غيرَه عن الجِهاد: قد منَّ الله عليَّ بعدمِ الخُروجِ معهم للقِتال، وإلَّا لَأصابني ما أصابَهم من القَتْلِ أو الهزيمةِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/219-220)، ((تفسير ابن كثير)) (2/357)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/518). .
وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)
وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ
أي: وإنْ أظفرَكم اللهُ بعدوِّكم فانتصرْتم عليهم, ونِلتم منهم غنيمةً يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/221)، ((تفسير ابن كثير)) (2/357)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/519). .
لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ
 أي: ليقولَنَّ هذا المنافقُ وكأنَّه ليس من أهلِ دِينكم- يا مَعشرَ المؤمنينَ- لا يرتبطُ معكم فيه بالتزامِ أحكامِه، ومنها النُّصرةُ لكم يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (2/77)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186). .
يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا
أي: تمنَّى هذا المنافقُ أن يكونَ مع المؤمنين في الخروج للجهاد، فيُصيبَ معهم من الغنائم الَّتي ظفِروا بها من عدوِّهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/221-222)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186). .
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا ذمَّ سبحانه وتعالى المبطِّئين في الجهاد عاد إلى التَّرغيب فيه ودلَّهم بهذه الآيةِ على طريقِ تطهير نفوسِهم من ذلك الذَّنبِ العظيمِ ذنبِ القعود عن القتال مبيِّنًا أنَّ قَصْدَ المجاهد الآخرةُ وإيثارُ ما عند الله يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/140). ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/326)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (5/209). فقال:
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ
أي: فليجاهدْ أعداءَ الله لإعلاءِ كلمة الله سبحانه، المؤمنون الصَّادقون الَّذين يبيعونَ الحياة الدُّنيا بالآخرة رغبةً فيما عند الله عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/222-223)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/80)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/523-524). .
وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ
أي: ومن يُجاهِدْ أعداءَ الله تعالى لإعلاء كلمتِه جلَّ وعلا فسواءٌ قتَله الأعداء، أو بقي حيًّا وانتصَر عليهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/223)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 187)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/524). .
فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
أي: فهو غانمٌ على كلِّ حال؛ إذ سيُعطيه اللهُ تعالى ثوابًا جزيلًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/223)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 187)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/524-525). .
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ
أي: ولمَ لا تُجاهدون- أيُّها المؤمنون- لإعلاءِ كلمة الله تعالى، وتُجاهِدون للسَّعي في استنقاذِ الرِّجال والنِّساءِ والصِّبيان الَّذين غُلِبُوا على أنفسِهم بقَهْرهم وإيذائِهم وإذلالِهم وسَومِهم العذابَ، ولا يَستطيعون حيلةً للهجرة ولا يهتدون إليها سبيلًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/224-225)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 187)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/528-529). ؟!
عن عُبَيد اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُتْبةَ، قال: ((سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما يقولُ: كنتُ أنا وأمِّي مِن المستضعَفينَ، أنا من الوِلدانِ، وأمِّي من النِّساءِ )) رواه البخاري (1357). .
وعن عَبدِ الله بن أبي مُلَيكةَ: ((أنَّ ابنَ عبَّاسٍ تَلا: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ. قال: كنتُ أنا وأمِّي ممَّن عذَر اللهُ )) رواه البخاري (4588). .
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا
أي: يَدْعون ربَّهم بأن يخرجَهم من مكَّةَ؛ للنَّجاةِ من فتنةِ استضعافِهم من قِبَل مشركِي قريشٍ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/225)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 187)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/529-530). قال ابنُ عطية: (القريةُ هاهنا مكَّةُ بإجماعٍ من المتأوِّلين) ((تفسير ابن عطية)) (2/79). .
وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا
أي: وسخِّرْ لنا من عندك مَن يتولَّى أمرنا ويُنقذُنا، وسخِّرْ لنا من عندك مَن ينصُرُنا على عدوِّنا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/225)، ((تفسير القرطبي)) (5/280)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 187). .
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا بيَّن الله تعالى وجوبَ الجهاد بيَّن أنَّه لا عبرةَ بصورةِ الجهادِ، بل العبرةُ بالقَصْدِ والدَّاعي، فالأمورُ بمقاصدها وغاياتها؛ فالمؤمنون يقاتِلون لغَرَضِ نُصرةِ دِين الله وإعلاءِ كلمته، والكافرون يقاتِلون في سبيل الطَّاغوتِ ولم يكتفِ ببيان كونِ القتالِ المأمور به مقيَّدًا بكونه في سبيل الله، وهي سبيلُ الحقِّ والعدلِ، وإنقاذ المستضعَفين المظلومين من الظُّلم، حتَّى أكَّده بإعادةِ ذِكره، مع مقابلتِه بضِدِّه، وهو ما يقاتِلُ الكفَّارُ لأجله يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/142). ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (5/211). فقال:
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أي: إنَّ المؤمنينَ حقًّا إنَّما يُقاتِلون من أجْلِ إعلاء كلمةِ الله تعالى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/229)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 187)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/532). .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ
أي: وأمَّا الكفَّارُ فإنَّهم إنَّما يُقاتلون لأجل الطَّاغوت كالشَّيطان يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/229)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 187)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/533). .
والطَّاغوت: هو كلُّ ما تجاوَز به العبدُ حدَّه من معبودٍ أو متبوعٍ أو مُطاعٍ يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/40). .
فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ
أي: فقاتِلوا- أيُّها المؤمنون- أولئك الَّذين يتولَّوْن الشَّيطانَ ويُطيعون أوامرَه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/229)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/533). .
إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا
أي: فلا تهابوا أولياءَ الشَّيطان؛ لأنَّ إمامَهم الشَّيطانَ ذو كيدٍ واهنٍ وضعيفٍ، لا يقوَى على مقاومةِ الحقِّ والتَّغلُّب عليه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/229-230)، ((تفسير السعدي)) (ص: 187)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/533). .

الفوائد التربوية:

1- أنَّه يجب على الإنسانِ أنْ يكونَ كيِّسًا فطِنًا؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/516). .
2- في قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ دليلٌ على أنَّ التَّكاسلَ في الخير، والتَّراجعَ عنه من أسباب النِّفاق، وهو كذلك، والتَّباطؤُ عن الخير والتَّكاسل عنه ليس سببًا للنِّفاق فحسبُ، بل هو سببٌ للضَّلال والعمى، والعياذُ بالله! كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام: 110] ، وقال الله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [ق: 5] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/522). .
3- قوله تعالى: فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فيه تنبيهٌ على أنَّ المجاهِدَ ينبغي أن يثبُتَ في المعركةِ، وأن يوطِّنَ نفسَه على أنَّه لا بدَّ من أحدِ أمرين؛ إمَّا أن يقتلَه العدوُّ، فينالَ الشَّهادة، وإمَّا أن يغلبَ العدوَّ ويقهَرَه، ويعودَ بالظَّفَر والغَلَبة، فإنَّه إذا عزم على ذلك لم يفِرَّ عن الخَصم، ولم يُحجِمْ عن المحارَبة يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/140)، ((تفسير الشربيني)) (1/316). .
4- توبيخ مَنْ توانى عن الجهادِ؛ لقوله: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/534). .
5- ذِكْر ما يشجِّعُ على القتال من النَّاحية النَّفسية؛ لقوله: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ؛ لأنَّ ذِكر ما يُثير الإنسانَ ويهيِّجُه أمرٌ مطلوب، ولا شكَّ أنَّ الإنسان إذا قيل له: إنَّ هناك رجالًا مستضعَفين ووِلدانًا ونِساءً لا شكَّ أنَّه سوف يزداد همَّةً وإقدامًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/534). .
6- في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ أنَّه بحسَب إيمانِ العبد يكون جهادُه في سبيل الله، وإخلاصُه ومتابعتُه؛ فالجهادُ في سبيلِ الله من آثارِ الإيمانِ ومقتضيَاتِه ولوازِمه، كما أنَّ القِتالَ في سبيل الطَّاغوتِ مِن شُعَبِ الكفرِ ومقتضياتِه يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 187). .
7- في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ أنَّ الَّذي يقاتِلُ في سبيلِ الله ينبغي له ويحسُنُ منه من الصَّبرِ والجلَدِ ما لا يقوم به غيرُه، فإذا كان أولياءُ الشَّيطانِ يَصبِرون ويُقاتِلون وهم على باطلٍ، فأهلُ الحقِّ أَولى بذلك؛ كما قال تعالى في هذا المعنى: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ الآية يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 187). .
8- في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ أنَّ الَّذي يقاتِلُ في سبيل الله معتمدٌ على ركنٍ وثيقٍ، وهو الحقُّ، والتَّوكُّل على الله؛ فصاحبُ القوَّة والرُّكن الوثيقِ يُطلَب منه من الصَّبر والثَّبات والنَّشاط ما لا يُطلب ممَّن يقاتِلُ عن الباطل، الَّذي لا حقيقةَ له ولا عاقِبةَ حميدةً؛ فلهذا قال تعالى: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 187). .
9- بيان أنَّ الإيمانَ يحمِلُ على الإخلاصِ؛ لقوله: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/540). .
10- بيانُ أنَّ مَن قاتَل في غيرِ سبيل الله، ففيه خَصلةٌ من خِصال الكفر؛ لقوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/540). .
11- بيان ضَعفِ ما يعملُه الشَّيطان بالكيدِ أو بغير الكيد، لأنَّه إذا كان كيدُه ضعيفًا، فما يكيدُ به أضعفُ؛ لقوله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/540).
12- أنَّه لا يَنبغي للإنسانِ أنْ يَخشى أو يخافَ أولياءَ الشَّيطان؛ لأنَّ أولياءَ الشَّيطان ضُعفاءُ، كما أنَّ الشَّيطانَ الَّذي هو وليُّهم كيدُه ضعيفٌ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/541). .
13- أنَّ الشَّيطانَ يكيدُ للإنسان؛ لقوله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ فاحذَرْ كيدَه لا يغرَّنَّك، فربَّما يوسوس لك في التَّهاونِ في العبادات المطلوبة، أو في غِشيان الأشياءِ الممنوعة، ويقول: اللهُ غفور رحيمٌ، والأمر سهلٌ، افعَلْ وتُبْ، حتَّى يكيدَ لك فتقعَ في الشِّباك، فاحذَرْ كيدَه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/541). !

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائف:

1- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فيه وجوبُ أخذِ الحذَر من أعدائنا، وكلُّ عدوٍّ يؤخذ منه الحذرُ فيما يخاف منه؛ فالَّذين يغزوننا بالسِّلاح نأخذ الحذرَ منهم بالسِّلاح، والَّذين يغزوننا بالأفكار نأخذ الحذر منهم بالعِلم، والَّذين يغزوننا بالأخلاق نأخذ الحذر منهم بالتَّرفُّع عن سفاسف الأخلاق، فكلُّ عدوٍّ يقابَلُ بسِلاحه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/516). .
2- قوله تعالى: فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا فيه وجوبُ النُّفور للجهادِ في سبيل الله، سواءٌ كنَّا مجتمعين أو متفرِّقين، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/517).
3- قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْكُمْ الخِطابُ لعسكرِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم المؤمنين منهم والمنافقين، لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ أي: ليتأخَّرَنَّ وليتثاقَلنَّ عن القتالِ، وهم المنافقون؛ كعبدِ اللهِ بن أُبيٍّ المنافقِ وأصحابِه، وإنَّما قال: (مِنْكم)؛ لاجتماعِهم مع أهلِ الإيمانِ في الجنسيَّةِ والنَّسبِ وإظهارِ الإسلام، لا في حقيقةِ الإيمان يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/315). .
4- وجوبُ قِتالِ الأعداء؛ لقوله: فَلْيُقَاتِلْ، ووجوبُ إخلاص النِّيَّةِ فيه؛ لقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/525). .
5- أنَّ المقاتلَ في سبيلِ الله ناجحٌ على كلِّ حال؛ لقوله: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فهو غانمٌ ناجحٌ على كلِّ حال، سواءٌ قُتِل، أو غَلَب، فهو على أجرٍ عظيم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/527). .
6- قوله تعالى: فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ، وإنَّما اقتَصَر على القتلِ والغلَبة في قوله: فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ [النساء: 74] ، ولم يزِدْ: (أو يؤسَر) إبايةً مِن أن يذكرَ لهم حالةً ذميمةً لا يَرْضاها اللهُ للمؤمنينَ، وهي حالةُ الَأسْر، فسكَت عنها؛ لئلَّا يذكُرَها في معرِض التَّرغيب، وإنْ كان للمسلمِ عليها أجرٌ عظيمٌ أيضًا إذا بذَل جُهدَه في الحربِ فغُلِب؛ إذ الحربُ لا تَخلو من ذلك، وليس بمأمورٍ أنْ يُلقيَ بيدِه إلى التَّهلُكة إذا عَلِم أنَّه لا يُجدي عنه الاستبسالُ؛ فإنَّ مِن منافع الإسلامِ استبقاءَ رجالِه لدِفاع العدوِّ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/122). .
7- بيان عظَمة الرَّبِّ عزَّ وجلَّ؛ لقوله: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ، وجه ذلك: ضمير الجمعِ؛ لأنَّنا نعلَمُ أنَّ اللهَ إلهٌ واحد، فكلُّ ما أضيفَ إلى الله عزَّ وجلَّ من ضمائرِ الجمع، فالمراد بها التَّعظيمُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/527). .
8- أنَّ للإنسانِ أنْ يطلُبَ من الله تعالى وليًّا من عنده؛ لقوله: وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، ولا يقال: إنَّه لا بدَّ أن تقول: اللَّهمَّ تولَّني، فأنت إمَّا أن تدعوَ اللهَ بأن يتولَّاك، أو أن ييسِّرَ لك وليًّا، وكذلك يقال في قوله تعالى: وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/539). .
9- بيان علوِّ همَّة هؤلاء؛ حيث قالوا: مِنْ لَدُنْكَ في الوليِّ، ومِنْ لَدُنْكَ في النَّصيرِ؛ لأنَّ الوليَّ إذا جاء من عند الله وكذلك النَّصيرُ، فهذا هو الَّذي ينفعُ، أمَّا الوليُّ الَّذي لا يأتي من عند الله عزَّ وجلَّ وإنَّما حملَتْه الحمِيَّةُ والعصبيَّة، فهذا قد ينفعُ، وقد لا ينفع يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/539). .
10- وجوبُ الدِّفاع عن المستضعَفين عند الكفَّار؛ لأنَّ اللهَ تعالى وبَّخ على أمرين: على ترك القتالِ في سبيل الله، وعلى ترك القتالِ في سبيل هؤلاء المستضعَفين لتخليصِهم، وهذا أمرٌ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ- مع القدرة- أن يفُكَّ أسيرَ المسلمينَ، وأن يرفَعَ الظُّلمَ عنهم، بقدر المستطاع؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/534). .
11- قوله: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ يدلُّ على أنَّ الجهادَ واجبٌ، ومعناه أنَّه لا عذرَ لكم في ترك المقاتَلة، وقد بلغ حالُ المستضعَفينَ من الرِّجال والنِّساءِ والوِلْدان مِن المسلِمين إلى ما بلَغ في الضَّعفِ؛ فهذا حثٌّ شديدٌ على القتال، وبيانُ العلَّة الَّتي لها صار القتالُ واجبًا، وهو ما في القِتال من تَخليصِ هؤلاء المؤمنين مِن أيدي الكفَرةِ؛ لأنَّ هذا الجمعَ إلى الجهادِ يجري مجرى فَكاكِ الأسير يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/141). .
12- جواز التَّوسُّلِ بالحال؛ لقوله: أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا، توسَّلوا إلى الله تعالى بذِكر حالِ أهلِ هذه القرية بأنَّهم ظالمون لهم، وذِكْر الحال أنَّ الإنسانَ مظلومٌ يوجِبُ الرِّقَّة والعَطْف يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/534). .
13- جوازُ الجهرِ بالسُّوء لِمَن ظُلِم، فتقول: فلان ظلَمني، وفلان أخَذ مالي، وما أشبَهَ ذلك، ولا يُعَدُّ هذا من باب الغِيبةِ؛ لقوله: الظَّالِمِ أَهْلُهَا، وقد قال الله تبارك وتعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النِّساء: 148] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/538). .
14- قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ هذه الآيةُ كالدَّلالةِ على أنَّ كلَّ مَن كان غرضُه في فِعله رضَا غيرِ الله، فهو في سبيل الطَّاغوت؛ لأنَّه تعالى لَمَّا ذكَر هذه القِسمة، وهي أنَّ القتالَ إمَّا أن يكون في سبيلِ الله، أو في سبيل الطَّاغوت، وجَب أن يكون ما سوى الله طاغوتًا يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/142). .
15- أنَّ الكفَّارَ المحاربين من أولياء الشَّيطان؛ لقوله: أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ، وكانوا أولياءَه؛ لأنَّهم يمتثِلون لأمرِه ولنهيِه، فإذا أمَرهم بالفحشاء امتثلوا، وإذا نهاهم عن البِرِّ امتثلوا، فبذلك صاروا له أولياءَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/540). .

بَلاغةُ الآياتِ:

1- قوله: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ خبرٌ إنكاريٌّ، وقد جاء التَّأكيدُ بـ: (إنَّ)، وبلام التَّأكيدِ المُزحْلَقة، ونونِ التَّوكيد الثَّقيلة، وفي استعمالِ الفعل المضعَّف- وزيادةُ الحروف زيادةٌ في المعنى- وفي مجموعِ هذه المؤكِّدات: تخويفٌ رهيبٌ لِمَن ثَبَّط نفسَه أو ثبَّط غيرَه يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (2/259).
2- قوله: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ اعتراضٌ بين فِعْلِ القَولِ لَيَقُولَنَّ وَمَقولِه وهو: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا [النساء: 73] ؛ للتَّنبيه على ضَعفِ عَقيدتِهم، وأنَّ قولَهم هذا قولُ مَن لا مواصلةَ بينكم وبينه، وإنَّما يريدُ أن يكونَ معكم لمجرَّدِ المالِ يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/533)، ((تفسير البيضاوي)) (2/83)، ((تفسير أبي السعود)) (2/201). .
- وقوله: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ شبَّهَ حالَهم في حينِ هذا القولِ بحالِ مَن لم تسبِقْ بينه وبين المخاطَبين مودَّةٌ حقيقيَّة أو صوريَّة؛ فاقتضى التَّشبيهُ أنَّه كان بينه وبينهم مودَّةٌ من قَبلِ هذا القول، ووجهُ هذا التَّشبيه أنَّه لَمَّا تمنَّى أنْ لو كان معهم وتحسَّر على فواتِ فوْزِه لو حضر معهم، كان حالُه في تفريطِه رُفقتَهم يُشبِهُ حالَ مَن لم يكُنْ له اتِّصالٌ بهم، بحيث لا يشهد ما أزمَعوا عليه من الخروجِ للجهاد، فهذا التَّشبيهُ مسُوقٌ مساقَ زيادة تنديمِه وتحسيرِه، أي إنَّه الَّذي أضاع على نفسِه سببَ الانتفاع بما حصَل لرفقتهِ من الخير وثواب النَّصر وفخرِه ونعمةِ الغنيمة يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/120). .
- والظَّاهر أنَّه تهكُّم؛ لأنَّ المنافِقين كانوا أعْدَى عدوٍّ للمُؤمنين، وأشدَّهم حَسدًا لهم؛ فكيف يوصَفون بالمودَّةِ إلَّا على وجهِ العكس تهكُّمًا بحالهم يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/533). وهذا على أنَّ المرادَ به هم المنافِقُون، وأمَّا  على أنَّ المرادَ ضَعَفةُ المؤمنين؛ فليس فيه هذا الوجهُ. ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/120). ؟!
3- قوله: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خِطابٌ للمأمورين بالقِتالِ على طريقةِ الالتفات من الغَيبة إلى الخطابِ؛ مبالغةً في التَّحريض والحثِّ عليه، وهو المقصودُ من الاستفهامِ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/122)، ((تفسير أبي السعود)) (2/201)، ((الجدول في إعراب القرآن الكريم)) لصافي (5/95). .
- والاستفهامُ في قوله: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ إنكاريٌّ، أي: لا شيءَ لكم في حالِ لا تُقاتِلون، والمرادُ أنَّ الَّذي هو لكم هو أنْ تُقاتلوا، فهو بمنزلةِ أمرٍ، أي: قاتِلوا في سبيلِ الله لا يَصُدَّكم شيءٌ عن القتال يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/122)، ((تفسير أبي السعود)) (2/201)، ((الجدول في إعراب القرآن الكريم)) لصافي (5/95). .
4- قوله: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيطَانِ كلامٌ مبتدَأٌ سِيقَ لترغيب المؤمنين في القِتال، وتَشجيعِهم ببيان كمالِ قوَّتِهم بإمدادِ الله تعالى ونُصرتِه، وغاية ضَعْفِ أعدائهم يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/202). .
- والفاء في فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيطَانِ لبيانِ استتباعِ ما قَبْلَها لِمَا بعدَها، وذكَّرهم بهذا العنوان أَوْلِيَاءَ الشَّيطَانِ؛ للدَّلالة على أنَّ ذلك نتيجةٌ لقتالهم في سبيل الشَّيطان، والإشعارِ بأنَّ المؤمنين أولياءُ الله تعالى، لأنَّ قتالَهم في سبيله، وكلُّ ذلك لتأكيدِ رغبة المؤمنين في القتال، وتقوية عزائمِهم عليه يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/202-203). .
5- قوله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا أكَّد الجملةَ بمؤكِّدينِ (إنَّ) و(كَانَ) الدَّالَّة على تقرُّرِ وصْفِ الضَّعفِ لكيد الشَّيطانِ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/124). .