موسوعة التفسير

سُورةُ السَّجْدةِ
الآيات (23-25)

ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ

غَريبُ الكَلِماتِ:

مِرْيَةٍ: أي: شكٍّ، والمِرْيةُ كذلك: التَّردُّدُ في الأمرِ، وهو أخَصُّ مِن الشَّكِّ [319] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 457)، ((المفردات)) للراغب (ص: 766)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 338). .
أَئِمَّةً: أي: قادَةً في الخيرِ، يُقْتَدَى بهم، ويُهتدَى بِهَدْيِهم، وأئِمَّة جمعُ إمامٍ، والإمامُ الَّذي يُؤْتَمُّ به في خيرٍ أو شرٍّ، وأصل (أمم): الأصلُ والمرجِعُ والجماعةُ والدِّينُ [320] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/637)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/21)، ((المفردات)) للراغب (ص: 87)، ((تفسير القرطبي)) (14/109). .
يُوقِنُونَ: أي: يَعلَمونَ عِلمًا متمكِّنًا في نفوسِهم لا يمكِنُ أن يدخُلَه شكٌّ، وأصلُه مِن: يَقِنَ الماءُ، أي: ثبَت وسكَن، واليقينُ: زوالُ الشَّكِّ، وقيل: هو العِلمُ الَّذي يحصُلُ بعدَ استِدلالٍ ونظرٍ، وقيل: هو سكونُ الفَهمِ مع ثباتِ الحكمِ [321] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/157)، ((البسيط)) للواحدي (2/79)، ((المفردات)) للراغب (ص: 892)، ((تفسير ابن عطية)) (1/86)، ((عمدة الحفاظ)) للسمين الحلبي (4/356)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 48). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى: ولقد آتَيْنا موسى التَّوراةَ، فلا تكُنْ -يا محمَّدُ- في شَكٍّ مِن لِقائِه، وجعَلْنا التَّوراةَ دَليلًا مُرشِدًا لبني إسرائيلَ إلى الحَقِّ، وجعَلْنا مِن بَني إسرائيلَ أئمَّةً يُرشِدونَ النَّاسَ إلى الحَقِّ لَمَّا صَبَروا، وكانوا يُوقِنونَ بآياتِ اللهِ.
إنَّ ربَّك -يا مُحمَّدُ- هو وَحْدَه يَحكُمُ بيْنَهم يومَ القيامةِ فيما كانوا فيه يَختَلِفونَ.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى آياتِه الَّتي ذكَّرَ بها عبادَه، وهو: القُرآنُ الَّذي أنزَلَه على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم -على قولٍ في التَّفسيرِ-، ذكَرَ أنَّه ليس ببِدْعٍ مِنَ الكتُبِ، ولا مَن جاء به بغَريبٍ مِنَ الرُّسُلِ؛ فقد آتى اللهُ موسى الكتابَ الَّذي هو التَّوراةُ المصَدِّقةُ للقُرآنِ، الَّتي قد صَدَّقَها القُرآنُ؛ فتَطابَقَ حَقُّهما، وثَبَت بُرهانُهما [322] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 656). .
وأيضًا لَمَّا جَرى ذِكرُ إعراضِ المُشرِكينَ عن آياتِ اللهِ -وهي آياتُ القُرآنِ، على قولٍ في التَّفسيرِ- في قَولِه: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا [السجدة: 22] ، استطرَدَ إلى تسليةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ ما لَقِيَ مِن قَومِه هو نظيرُ ما لَقِيَه موسى مِن قَومِ فِرعَونَ، الَّذين أُرسِلَ إليهم [323] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/234). .
وأيضًا لَمَّا قَرَّر الأصولَ الثَّلاثةَ: الرِّسالةَ، وبَدْءَ الخلقِ، والمَعادَ؛ عاد إلى الأصلِ الَّذي بَدَأ به، وهو الرِّسالةُ، أي: لسْتَ بِدْعًا في الرِّسالةِ، إذْ قد سَبَق قبْلَكَ رُسلٌ [324] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/440). .
وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ.
أي: ولقد آتَيْنا موسى التَّوراةَ [325] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/636)، ((تفسير السمرقندي)) (3/39)، ((تفسير ابن كثير)) (6/371). .
فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ.
أي: فلا تَكُنْ -يا محمَّدُ- في شَكٍّ وتردُّدٍ مِن لِقائِه [326] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/636)، ((تفسير ابن كثير)) (6/371). قيل: المرادُ: فلا تكُنْ -يا محمَّدُ- في مِريةٍ مِن لقائِك موسى. وممَّن قال بذلك: الزَّجَّاجُ، والقرطبيُّ. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/209)، ((تفسير القرطبي)) (14/108). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: أبو العاليةِ، ومُجاهِدٌ، وقَتادةُ، وابنُ السَّائبِ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/443). وقيل: المرادُ: لا تكُنْ مُمتَريًا -يا محمَّدُ- في أن يَنالَك ما لَقِيَه موسى مِن أذى قَومِه. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ عاشور، وذكره ابن عثيمين احتِمالًا. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/235)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة السجدة)) (ص: 109). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: الحسنُ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/443). وقيل: يُحتمَلُ أن يكونَ الخِطابُ لموسى على معنَى: ولقد آتَيْنا موسى التَّوراةَ قائلينَ له: لا تكُنْ في مِرْيةٍ مِن لقاءِ الجزاءِ على هذا الكتابِ؛ فلا بُدَّ أن يُحاسَبَ عليه مَن نزَلَ إليهم حتَّى يلاقُوا جزاءَهم. ذكره ابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة السجدة)) (ص: 109). وقيل غيرُ ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/443)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/265). .
وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
أي: وجعَلْنا كِتابَ مُوسى مُرشِدًا ودَليلًا لبني إسرائيلَ إلى الحَقِّ [327] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (18/158)، ((تفسير ابن كثير)) (6/371)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/266)، ((تفسير السعدي)) (ص: 656). وممَّن قال بأنَّ المرادَ بالضَّميرِ في قَولِه تعالى: وَجَعَلْنَاهُ عائدٌ إلى الكتابِ: الواحديٌّ، وذكر أنَّه قولُ الجميعِ، وذهَب إليه ابنُ كثير، والبِقاعي، والسعدي. يُنظر: المصادر السابقة. وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: السُّدِّيُّ. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/694). وقيل: الضَّميرُ يعودُ إلى موسى عليه السَّلامُ. وممَّن قال بهذا: ابنُ جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/636). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: قَتادةُ، والحسَنُ. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/694)، ((تفسير ابن جرير)) (18/637). قال ابنُ عاشور: (ضَميرُ النَّصبِ في وَجَعَلْنَاهُ هُدًى يجوزُ أن يعودَ على الكتابِ، أو على موسى، وكِلاهما سَبَبُ هُدًى). ((تفسير ابن عاشور)) (21/236). .
كما قال الله تعالى: وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة: 53] .
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24).
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا.
أي: وجعَلْنا مِن بني إسرائيلَ قادةً في الخيرِ، يَدُلُّونَ النَّاسَ، ويُرشِدونَهم إلى الحَقِّ بأمرِ اللهِ تعالى [328] قال الشوكاني: (بِأَمْرِنَا أي: بأمْرِنا لهم بذلك، أو لأجْلِ أمْرِنا). ((تفسير الشوكاني)) (4/296). وقال ابن جرير: (قولُه: يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا يقولُ تعالى ذِكرُه: يَهْدون أتْباعَهم وأهلَ القَبولِ منهم بإذْنِنا لهم بذلك، وتَقويَتِنا إيَّاهم عليه). ((تفسير ابن جرير)) (18/637). وممَّن اختار أنَّ المرادَ بقولِه: بِأَمْرِنَا أي: بوَحْيِنا: السَّمْعانيُّ. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/253). وقال ابن عاشور: (والأمرُ يَشملُ الوحْيَ بالشَّريعةِ؛ لأنَّه أمْرٌ بها، ويشملُ الانتِصابَ للإرشادِ؛ فإنَّ اللهَ أمَر العُلماءَ أن يُبَيِّنوا الكتابَ، ويُرشِدوا إليه، فإذا هَدَوْا فإنَّما هَدَوْا بأمرِه وبالعِلمِ الَّذي أتاهم به أنبياؤُهم وأحبارُهم). ((تفسير ابن عاشور)) (21/237). وقيل: الأمرُ هنا شامِلٌ للأمرِ القَدَريِّ الكونيِّ، والأمرِ الشَّرعيِّ. والقَدَريُّ يعني: يَهدُونَ النَّاسَ بقَدَرِنا وتَقديرِنا. والشَّرعيُّ يعني: يَهدون النَّاسَ إلى دينِ الله. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة السجدة)) (ص: 113). حينَ صَبَروا على طاعتِنا، وصَبَروا عن المعاصي وشَهَواتِ الدُّنيا، وتحمَّلوا مَصائِبَها [329] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/637، 638)، ((تفسير القرطبي)) (14/109)، ((تفسير ابن كثير)) (6/371)، ((تفسير السعدي)) (ص: 656)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة السجدة)) (ص: 112). .
وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ.
أي: وكانوا يُوقِنونَ بآياتِ اللهِ بعِلمٍ ثابتٍ مُستَقِرٍّ؛ فهم لا يَشُكُّونَ فيها، ولا فيما دَلَّت عليه مِنَ الحَقِّ [330] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/638)، ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (2/327)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/266)، ((تفسير السعدي)) (ص: 656). وذكر ابنُ عثيمين أنَّ قولَه: بِآَيَاتِنَا يَشملُ الآياتِ الشَّرعيَّةَ والكَونيَّةَ. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة السجدة)) (ص: 113). .
كما قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات: 15] .
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25).
أي: إنَّ ربَّك -يا مُحمَّدُ- هو وَحْدَه مَنْ يحكُمُ يومَ القيامةِ بينَ جَميعِ خَلْقِه -ومنهم بنو إسرائيلَ- فيما كانوا في الدُّنيا يختَلِفونَ فيه مِن شَأنِ الدِّينِ، فيَجزي كلَّ مُحِقٍّ ومُبطِلٍ بما يَستَحِقُّه [331] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/639)، ((تفسير ابن عطية)) (4/365)، ((تفسير القرطبي)) (14/109)، ((تفسير ابن كثير)) (6/372)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/266، 267)، ((تفسير أبي السعود)) (7/87)، ((تفسير السعدي)) (ص: 656)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/238)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة السجدة)) (ص: 115، 116). قال البقاعي: (وأمَّا غيرُ ما اختَلَفوا فيه، فالحُكمُ فيه لهم أو عليهم لا بيْنَهم، وما اختلَفوا فيه لا على وَجهِ القَصدِ فيَقَعُ في محلِّ العَفوِ). ((نظم الدرر)) (15/267). .
كما قال تعالى: إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النحل: 124] .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- قال سُفْيانُ بنُ عُيَيْنةَ في قولِه تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا: (لَمَّا أخَذوا برأسِ الأمرِ جعَلْناهم رُؤوسًا) [332] يُنظر: ((عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)) لابن القيم (ص: 95). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن كثير)) (6/372). .
2- الطَّريقُ إلى اللهِ تعالى خالٍ مِن أهلِ الشَّكِّ، ومِنَ الَّذين يتَّبِعونَ الشَّهَواتِ، وهو مَعمورٌ بِأهلِ اليَقينِ والصَّبرِ، وهم على الطَّريقِ كالأعلامِ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ [333] يُنظر: ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 55). .
3- قَولُ الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ فيه أنَّهم نالوا هذه الدَّرَجةَ العاليةَ بالصَّبرِ على التعَلُّمِ والتَّعليمِ، والدَّعوةِ إلى اللهِ، والأذى في سَبيلِه، وكَفُّوا أنفُسَهم عن جِماحِها في المعاصي، واستِرسالِها في الشَّهَواتِ، ووصَلوا في الإيمانِ بآياتِ اللهِ إلى دَرَجةِ اليَقينِ، وهو العِلمُ التَّامُّ الموجِبُ للعَمَلِ، وإنَّما وصَلوا إلى دَرَجةِ اليَقينِ؛ لأنَّهم تَعلَّموا تعلُّمًا صحيحًا، وأخَذوا المسائِلَ عن أدِلَّتِها المفيدةِ لليَقينِ؛ فما زالوا يتعلَّمونَ المسائِلَ، ويَستَدِلُّونَ عليها بكَثرةِ الدَّلائِلِ، حتَّى وصلوا لذاك؛ فبالصَّبرِ واليَقينِ تُنالُ الإمامةُ في الدِّينِ [334] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 656). .
4- في قَولِه تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا فضيلةُ الصَّبرِ؛ تُؤْخَذُ مِن الجزاءِ عليه؛ أي: مِن كَونِ الصَّابرِ يكون إمامًا، وهذا دليلٌ على أنَّ الصَّبرَ محبوبٌ إلى الله، ويُجازي عليه بهذا الجزاءِ العظيمِ [335] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة السجدة)) (ص: 114). .
5- قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ بالصَّبرِ تُترَكُ الشَّهَواتُ، والإراداتُ الفاسدةُ، وباليَقينِ تُدفَعُ الشُّكوكُ، والشُّبُهاتُ [336] يُنظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (1/120)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/10). .
6- الإيمانُ مَبنيٌّ على رُكنَينِ: يقينٍ وصَبرٍ، وهما الرُّكنانِ المذكورانِ في قَولِه تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ، فباليَقينِ يَعلَمُ حَقيقةَ الأمرِ والنَّهيِ والثَّوابِ والعِقابِ، وبالصَّبرِ يُنفِّذُ ما أُمِرَ به، ويَكُفُّ نَفْسَه عمَّا نُهيَ عنه، ولا يَحصُلُ له التَّصديقُ بالأمرِ والنَّهي أنَّه مِن عندِ اللهِ، وبالثَّوابِ والعقابِ: إلَّا باليقينِ، ولا يمكِنُه الدَّوامُ على فِعلِ المأمورِ، وكَفِّ النَّفسِ عن المحظورِ إلَّا بالصَّبرِ؛ فصار الصَّبرُ نِصفَ الإيمانِ، والنِّصفُ الثَّاني الشُّكرُ، بفِعلِ ما أُمِرَ به، وبِتَركِ ما نُهيَ عنه [337] يُنظر: ((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص: 108). .
7- جَعَل الله تعالى الإمامةَ فِي الدِّينِ مَوروثةً عن الصَّبرِ واليقينِ بقولِه: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ؛ فإنَّ الدِّينَ كُلَّه عِلمٌ بالحقِّ وعمَلٌ به، والعملُ به لا بدَّ فيه مِن الصَّبرِ، بل وطلَبُ علمِه يحتاجُ إلى الصَّبرِ [338] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/39). .
8- العِلمُ بالمطلوبِ وبطَريقِه لا يُحصِّلانِ المقصودَ إلَّا مع الإرادةِ الجازِمةِ، والإرادةُ الجازمةُ لا تكونُ إلَّا مع الصَّبرِ؛ ولهذا قال سُبحانَه وتعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1 - 3] ، وقال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24] ، فاليَقينُ هو العِلمُ الثَّابتُ المُستَقِرُّ، والصَّبرُ لا بُدَّ منه لتَحقيقِ الإرادةِ الجازِمةِ [339] يُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (2/327). .
9- قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ الخِطابُ للنَّبيِّ، والمرادُ أمَّتُه؛ تحذيرًا مِن ذلك، وإيماءً إلى وُجوبِ تجَنُّبِ الاختِلافِ الَّذي لا يدعو إليه داعٍ في مَصلَحةِ الأمَّةِ، وفَهمِ الدِّينِ [340] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/238). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا دَليلٌ على أنَّ الأئمَّةَ يُتَّبَعونَ على الهدايةِ بأمرِ اللهِ لا بآرائِهم، وأنَّ فَضْلَ إمامتِهم لا يُثبِتُ حُجَّةً على غَيرِهم إذا لم يَهدوهم بأمرِ اللهِ، وأمرُه كِتابُه -على قولٍ في التَّفسيرِ-، واللهُ أعلمُ [341] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (3/639). .
2- في قَولِه تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا أنَّه سُبحانَه هو الَّذي جَعَل العَبدَ فاعِلًا؛ فهو سُبحانَه الَّذي جَعَل أئمَّةَ الهدى يَهدونَ بأمرِه، وجَعَل أئمَّةَ الضَّلالِ والبِدَعِ يَدْعونَ إلى النَّارِ، كما في قَولِه سُبحانَه: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص: 41] ، فأخبَر أنَّ الإمامةَ والهدايةَ والدَّعوةَ بجَعْلِه، مع كَونِ ذلك كَسْبًا وفِعلًا للأئمَّةِ، فهي مجعولةٌ له، وفِعلٌ لهم [342] يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 55، 136). .
3- في قَولِه تعالى: فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أنَّه لا وِفَاقَ بيْنَ المؤمنينَ والكافرين، فأيُّ إنسانٍ يُحاوِلُ أنْ يُقارِبَ بيْنَ الإسلامِ والنَّصرانيَّةِ، أو بيْنَ الإسلامِ واليهوديَّةِ؛ فإنَّه أراد أنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ في الضَّرْعِ! وهذا غيرُ ممكنٍ؛ فكلُّ كافرٍ مهما كان -سواءٌ انتَسَبَ إلى الإسلامِ أمْ كان كافرًا مُعْلِنًا كُفْرَه- فإنَّه لا يمكِنُ أن يَتَوافَقَ مع المؤمنينَ أبدًا، ومَن زَعَم ذلك فقد أبْعَدَ النُّجْعةَ، وحاوَلَ شيئًا مستحيلًا [343] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة السجدة)) (ص: 116، 117). .
4- قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ليس مِن هذا الاختِلافِ اختِلافُ أئمَّةِ الدِّينِ في تفاريعِ الأحكامِ، وفي فَهمِ الدِّينِ، ممَّا لا يَنقُضُ أُصولَه، ولا يُخالِفُ نُصوصَه، وإنَّما هو إعمالٌ لأصولِه ولأدِلَّتِه في الأحوالِ المناسِبةِ لها، وحَمْلُ مُتعارِضِها بَعضِه على بَعضٍ؛ فإنَّ ذلك كلَّه مَحمودٌ غيرُ مَذمومٍ، وقد اختلفَ أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حياتِه، فلم يُعَنِّفْ أحدًا، واختلفوا بعدَ وفاتِه فلم يُعَنِّفْ بَعضُهم بعضًا [344] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/238). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ذكَرَ مُوسَى عليه السَّلامُ؛ لِقُربِ زَمانِه، وإلْزامًا لِمَن كان على دِينِه، ولم يَذكُرْ عِيسى؛ لأنَّ مُعظمَ شَريعتِه مُستفادٌ مِن التَّوراةِ، ولأنَّ أتْباعَ مُوسى لا يُوافِقون على نُبوَّتِه، وأتْباعَ عيسى مُتَّفِقون على نُبوَّةِ مُوسى [345] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/440). . وقيل: اختيارُ موسى عليه السَّلامُ لحِكمةٍ، وهي أنَّ أحدًا مِنَ الأنبياءِ لم يُؤذِه قومُه إلَّا الَّذين لم يُؤمِنوا به، وأمَّا الَّذين آمَنوا به فلم يُخالِفوه، غيرَ قَومِ موسى؛ فإنَّ مَن لم يؤمِنْ به آذاه، مِثلُ: فِرعونَ وغَيرِه، ومَنْ آمَنَ به مِن بني إسرائيلَ أيضًا آذاه بالمُخالَفةِ، وطَلَبِ أشياءَ منه، مثلُ: طَلَبِ رُؤيةِ اللهِ جَهرةً، ومِثلُ قَولِهم: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا [المائدة: 24] ! فقِيلَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: تذكَّرْ حالَ موسى ولا تحزَنْ؛ فإنَّه لَقِيَ ما لَقِيتَ، وأُوذِيَ كما أُوذيتَ [346] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/150). .
- والكتابُ في قولِه: وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ هو التَّوراةُ؛ عبَّرَ عنها باسمِ الجِنسِ؛ لِتَحقيقِ المُجانَسةِ بيْنَه وبيْنَ الفُرقانِ، والتَّنبيهِ أنَّ إيتاءَه لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كإيتائِه لِمُوسى عليه السَّلامُ [347] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/516)، ((تفسير أبي السعود)) (7/86). . وقيل: أُرِيدَ بقولِه: وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ: أرسَلْنا مُوسى؛ فذِكْرُ إيتائِه الكِتابَ كِنايةٌ عن إرسالِه، وإدماجُ ذِكرِ الكتابِ؛ للتَّنويهِ بشَأْنِ مُوسى، وليس داخِلًا في تَنظيرِ حالِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحالِ مُوسى عليه السَّلامُ في تَكذيبِ قَومِه إيَّاهُ؛ لأنَّ مُوسى لم يُكذِّبْه قَومُه؛ ألَا تَرى إلى قولِه تعالى: وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ... الآياتِ، ولِيَتأتَّى مِن وَفرةِ المَعاني في هذه الآيةِ ما لا يَتأتَّى بدُونِ ذِكرِ الكِتابِ [348] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/235). .
- قولُه: وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ الخبَرُ مُستعمَلٌ في التَّسليةِ بالتَّنظيرِ والتَّمثيلِ؛ فهذه الجُملةُ وما بعْدَها إلى قولِه: فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [السجدة: 25] مُعترِضاتٌ، ومَوقعُ التَّأكيدِ بلامِ القسَمِ، وحَرفِ التَّحقيقِ (قدْ) هو ما استُعْمِلَ فيه الخبَرُ مِن التَّسليةِ، لا لأصلِ الأخبارِ؛ لأنَّه أمْرٌ لا يَحتاجُ إلى التَّأكيدِ، وبه تَظهَرُ رَشاقةُ الاعتِراضِ بتَفريعِ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ على الخبَرِ الَّذي قبْلَه [349] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/234). .
- والخِطابُ في قولِه: فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ يجوزُ أنْ يكونَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فالنَّهيُ مُستعمَلٌ في طلَبِ الدَّوامِ على انتِفاءِ الشَّكِّ؛ فهو نَهْيٌ مَقصودٌ منه التَّثبيتُ، كقولِه: فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ [هود: 109] ، وليس لِطَلبِ إحداثِ انكِفافٍ عن المِرْيةِ؛ لأنَّها لمْ تَقَعْ مِن قبْلُ [350] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/235). .
- قولُه: فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ قيل: (اللِّقاءُ) مَصدرٌ مُضافٌ إلى فاعِلِه، أي: ممَّا لقِيَ مُوسى مِن قَومِ فِرعونَ مِن تَكذيبٍ، أي: مِن مِثلِ ما لقِيَ مُوسى، وهذا المُضافُ يدُلُّ عليه المَقامُ، أو يكونُ جاريًا على التَّشبيهِ البليغِ، كقولِه: هو البدْرُ، أي: مِن لِقاءٍ كلِقائِه. ويجوزُ أنْ يكونَ ضَميرُ لِقَائِهِ عائدًا إلى مُوسى، على معنى: مِن مِثلِ ما لقِيَ مُوسى مِن إرسالِه؛ وهو أنْ كانتْ عاقبةُ النَّصرِ له على قَومِ فِرعونَ، وحُصولُ الاهتداءِ بالكتابِ الَّذي أُوتِيَه، وتَأْييدُه باهتداءِ بني إسرائيلَ، فيَكونَ هذا المعنى بِشارةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ اللهَ سيُظهِرُ هذا الدِّينَ. ويجوزُ أنْ يكونَ ضَميرُ لِقَائِهِ عائدًا إلى الكِتابِ، لكنْ على أنْ يكونَ المعنى: فلا تكُنْ في شَكٍّ مِن لِقاءِ الكتابِ، أي: مِن أنْ تَلْقى مِن إيتائِك الكتابَ ما هو شِنْشَنةُ (طَبيعةُ) تَلقِّي الكُتبِ الإلهيَّةِ كما تَلقَّاها مُوسى؛ فالنَّهيُ مُستعمَلٌ في التَّحذيرِ ممَّن ظنَّ ألَّا يَلحَقَه في إيتاءِ الكتابِ مِن المَشقَّةِ ما لَقِيَه الرُّسلُ مِن قبْلِه. ويجوزُ أنْ يكونَ الخِطابُ في قولِه: فَلَا تَكُنْ لغيرِ مُعيَّنٍ، وهو مُوجَّهٌ لِلَّذين امْتَرَوا في أنَّ القُرآنَ أُنزِلَ مِن عندِ اللهِ، سواءٌ كانوا المُشركينَ، أو الَّذين يُلَقِّنونَهم مِن أهلِ الكتابِ، أي: لا تَمتَروا في إنزالِ القُرآنِ على بشَرٍ؛ فقدْ أُنزِلَ الكِتابُ على مُوسى، فلا تَكونوا في مِريةٍ مِن إنزالِ القُرآنِ على محمَّدٍ؛ فالنَّهيُ مُستعمَلٌ في حَقيقتِه، مِن طَلبِ الكفِّ عن المِرْيةِ في إنزالِ القُرآنِ [351] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/235، 236). .
- قولُه: وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ضَميرُ النَّصبِ في وَجَعَلْنَاهُ يجوزُ أنْ يَعودَ على الكِتابِ، أو على مُوسى، فوُصِفَ بأنَّه هُدًى؛ للمُبالَغةِ في حُصولِ الاهتداءِ به، وهو مَعطوفٌ على آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ، وما بيْنَهما اعتِراضٌ. وهذا تَعريضٌ بالمُشركينَ؛ إذ لمْ يَشكُروا نِعمةَ اللهِ على أنْ أرسَلَ إليهم مُحمَّدًا بالقُرآنِ لِيَهتَدوا، فأعْرَضوا، وكانوا أحقَّ بأنْ يَحْرِصوا على الاهتِداءِ بالقُرآنِ وبهَدْيِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ [352] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/236، 237). .
- وخَصَّ بني إسرائيلَ بالذِّكْرِ؛ لأنَّه لم يَتعبَّدْ بما فيها وَلَدَ إسماعيلَ [353] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/516)، ((تفسير أبي حيان)) (4/441). .
2- قوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ فيه تَعريضٌ بالبِشارةِ لأصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّهم يَكونون أئمَّةً لِدِينِ الإسلامِ، وهُداةً للمسلمينَ؛ إذ صَبَروا على ما لَحِقَهم في ذاتِ اللهِ مِن أذَى قَومِهم، وصَبَروا على مَشاقِّ التَّكليفِ، ومُعاداةِ أهْلِهم وقَومِهم، وظُلْمِهم إيَّاهم [354] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/237). .
- وعلى أنَّ المُرادَ مِن الآياتِ في قولِه: وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ هو ما في التَّوراةِ مِن الشَّرائعِ والمواعظِ؛ فإطلاقُ اسمِ الآياتِ عليها مُشاكلةٌ تَقديريَّةٌ لِما هو شائعٌ بيْن المسلمينَ مِن تَسميةِ جُمَلِ القُرآنِ آياتٍ؛ لأنَّها مُعجِزةٌ في بَلاغتِها، خارجةٌ عن طَوقِ تَعبيرِ البشَرِ [355] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/237). .
- وتَقديمُ الجارِّ والمجرورِ بِآَيَاتِنَا على يُوقِنُونَ؛ للاهتِمامِ بالآياتِ [356] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/237). .
3- قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
- قولُه: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ استِئنافٌ بَيانيٌّ؛ لأنَّ قولَه تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا يُثِيرُ سُؤالًا في نفْسِ السَّامعِ مِنَ المؤمنينَ الَّذين سَمِعوا ما في القُرآنِ مِن وَصفِ اختِلافِ بني إسرائيلَ، وانحرافِهم عن دِينِهم، وشاهَدَ كثيرٌ منهم بني إسرائيلَ في زَمانِه غيرَ مُتَحَلِّينَ بما يُناسِبُ ما قامَتْ به أئمَّتُهم مِن الهِدايةِ، فيَوَدُّ أنْ يَعلَمَ سببَ ذلك؛ فكان في هذه الآيةِ جوابُ ذلك؛ تَعليمًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وللمُؤمنينَ [357] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/238). .
- وضَميرُ (هو) في قولِه: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ضَميرُ فَصلٍ؛ لِقَصرِ الفَصلِ عليه تَعالى؛ إيماءً إلى أنَّ ما يُذكَرُ في القرآنِ مِن بَيانِ بَعضِ ما اختَلفوا فيه على أنبيائِهم، ليس مَطْموعًا منه أنْ يَرتدِعوا عن اختلافِهم، وإنَّما هو للتَّسجيلِ عليهم، وقَطْعِ مَعذرتِهم؛ لأنَّهم لا يَقبَلون الحُجَّةَ، فلا يُفصَلُ بيْنَهم إلَّا يومَ القيامةِ [358] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/239). .