موسوعة التفسير

سورة هود
الآيات (109-115)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ

غريب الكلمات:

وَزُلَفًا: الزُّلَفُ: السَّاعاتُ القَريبُ بَعضُها مِن بَعضٍ، مِن أزلَفَه: إذا قَرَّبَه؛ لأنَّ كُلَّ ساعةٍ منها تَقرُبُ مِن الأخرى، وأصل (زلف): يَدُلُّ على انْدِفاعٍ، وَتَقَدُّمٍ في قُرْبٍ إلى شيءٍ [1161] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/21)، ((تفسير الزمخشري)) (1/1155)، ((تفسير ابن عطية)) (3/212). .    
تَرْكَنُوا: أي: تَميلُوا أو: تَطمئِنُّوا، وتَسْكُنوا [1162] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/599)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 143)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/430)، ((المفردات)) للراغب (ص: 365)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 239)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 318). .

مشكل الإعراب:

قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
كُلًّا اسم إنَّ منصوبٌ، ولَمَّا حرفُ نَفيٍ وجَزمٍ، حُذِفَ فِعلُه المجزومُ به، والتقديرُ: لَمَّا يُوَفَّوْا أعمالَهم [1163] هذا رأيُ ابنِ هشامٍ في ((المغني))، وقدَّره ابن الحاجب في ((أماليه)): لَمَّا يُهمَلوا، أو لَمَّا يُتْركوا؛  لِما تقدَّمَ من الدَّلالةِ عليه مِنْ تفصيل المجموعين لقَولِه فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود: 105]، ثم ذكرَ الأشقياءَ والسُّعَداءَ ومجازاتَهم، ثم بَيَّن ذلك بقولِه: لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ،  وقد ردَّ ابن هشام هذا التقديرَ بقوله: (إنَّ منفيَّ «لَمَّا» متوقَّعُ الثبوتِ، والإهمالُ غيرُ متوقَّعِ الثُّبوت) . ويُنظر: ((أمالي ابن الحاجب)) (1/164)، ((مغني اللبيب)) لابن هشام (1/371). أمَّا أبو حيَّان فقد قدَّر الفعل بقوله: (وإنَّ كلًّا لَمَّا يُنقَصْ من جزاءِ عَمَلِه؛ لأنَّ جواب القسَمِ في قولِه تعالى: لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ يدلُّ عليه).اهـ. هذا وحذفُ منفيِّ (لَمَّا) وارد في لسان العرب؛ يقولون: قاربتُ المدينةَ ولَمَّا.. أي: ولَمَّا أدخُلْها. وثمَّةَ أقوالٌ كثيرة في تأويل (لَمَّا) المشدَّدةِ، وكلُّها تخريجاتٌ ضعيفةٌ جدًّا يُنَزَّه القرآنُ عنها، كما قال أبو حيان. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/218)، ويُنظر: ((الجدول في إعراب القرآن)) لصافي (12/361)، ((النحو الوافي)) لعباس حسن (1/677). ، ودلَّ على المحذوفِ قَولُه: لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، والجملةُ مِن (لَمَّا) ومدخولِها المحذوفِ (يُوَفَّوْا أعمالَهم) في محلِّ رفعٍ خبرُ إنَّ، وجملة: لَيُوَفِّيَنَّهمْ رَبُّكَ ... لا محلَّ لها مِن الإعرابِ، جوابُ قَسَمٍ مقدَّرٍ، والقسَمُ وجوابُه كلامٌ مُستأنَفٌ. وقيل غيرُ ذلك [1164] يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/410). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: فلا تكُنْ- يا محمَّدُ- في شَكٍّ مِن بُطلانِ ما يعبُدُ هؤلاء المُشرِكونَ مِن قَومِك؛ ما يعبُدونَ مِن الأوثانِ إلَّا مِثلَ ما يعبُدُ آباؤهم مِن قبلُ، وإنَّا لمُوفُّوهم ما وعَدْناهم تامًّا غيرَ مَنقوصٍ، ولقد آتَينا موسى التَّوراةَ، فاختلفَ فيها قومُه؛ فآمنَ بها جماعةٌ وكفرَ بها آخرونَ، كما فعل قومُك بالقُرآنِ، ولولا كَلِمةٌ سبَقَت من ربِّك بأنَّه لا يُعجِّلُ لخَلْقِه العذابَ، لحلَّ بهم في دُنياهم قضاءُ اللهِ بإهلاكِ المكَذِّبينَ، ونجاةِ المُؤمنينَ، وإنَّ أهل الكتاب لفي شَكٍّ مِن كتابِهم، موقعٍ في الريبةِ والتهمةِ، وإنَّ كُلَّ أولئك الأقوامِ المُختَلفينَ الذين ذكَرْنا لك أخبارَهم، ليُوفِّينَّهم ربُّك جزاءَ أعمالِهم يومَ القيامةِ؛ إنْ خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشَرٌّ، إنَّ رَبَّك بما يعملونَ خَبيرٌ.
ثمَّ يأمرُ الله تعالى رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم وأتباعَه بالاستقامةِ والثباتِ على هذا الدينِ، فيقولُ: فاستقِمْ- أيُّها النبيُّ- كما أمَرَك ربُّك، أنت ومن تاب معك، ولا تتَجاوَزوا ما حدَّه اللهُ لكم؛ إنَّ ربَّكم بما تَعمَلونَ مِن الأعمالِ كلِّها بصيرٌ، لا يخفى عليه شيءٌ منها، وسيُجازيكم عليها، ولا تَميلوا إلى هؤلاء الظَّلَمةِ فتُصيبَكم النَّارُ، وما لكم مِن دونِ اللهِ مِن ناصرٍ ينصُرُكم، ويتولَّى أمورَكم، وأدِّ الصَّلاةَ- أيُّها النبيُّ- على أتمِّ وجهٍ طَرَفَي النَّهارِ في الصَّباحِ والمساءِ، وفي ساعاتٍ مِن اللَّيلِ؛ إنَّ فِعْلَ الخيراتِ يكفِّرُ الذُّنوبَ السَّالفةَ، ويمحو آثارَها، ذلك الذي تقدَّم- ممَّا أمَرَكم اللهُ به ونهاكم عنه- مَوعِظةٌ لِمَن اتَّعظَ بها وتذكَّرَ، واصبِرْ- أيُّها النبيُّ- على ما أمَرَك اللهُ به وعلى ما تَلْقَى مِن الأذَى مِن مُشركي قومِك؛ فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ ثوابَ المُحسنينَ في أعمالِهم.

تفسير الآيات:

فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ (109).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا ذكَرَ قصَصَ عبَدةِ الأوثانِ مِن الأمَمِ السَّالِفةِ، وأتبعَ ذلك بذِكرِ أحوالِ الأشقياءِ والسُّعَداءِ؛ شرحَ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحوالَ الكُفَّارِ مِن قَومِه، وأنَّهم متَّبِعو آبائِهم، كحالِ من تقدَّمَ مِن الأمَمِ في اتِّباعِ آبائِهم في الضَّلالِ [1165] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/215). .
وأيضًا فإنَّه لَمَّا أخبَرَ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بوقوعِ القَضاءِ بتَمييزِ النَّاسِ في اليومِ المَشهودِ، كان ذلك كافيًا في الثَّباتِ على أمرِ اللهِ، والمضيِّ لإنفاذِ جميعِ ما أُرسِلَ به- وإن شقَّ- اعتمادًا على النُّصرةِ في ذلك اليومِ بحضرةِ تلك الجُموعِ، فكان ذلك سببًا للنَّهيِ عن القلَقِ في شيءٍ مِن الأشياءِ، وإن جَلَّ وقعُه وتعاظمَ خَطبُه [1166] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/385). .
وأيضًا فهذه الآيةُ تفريعٌ على القصَصِ الماضيةِ؛ فإنَّها تُكسِبُ سامِعَها يقينًا بباطلِ ما عليه عبَدةُ الأصنامِ، وبخَيبةِ ما أمَّلوه فيهم من الشَّفاعةِ في الدُّنيا، وأنَّ سابِقَ شَقائِهم في الدُّنيا بعذابِ الاستِئصالِ يؤذِنُ بسوءِ حالِهم في الآخرةِ؛ ففرَّعَ على ذلك نهيَ السَّامعِ أن يشُكَّ في سوءِ الشِّركِ وفَسادِه [1167] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/167). .
فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء.
أي: فلا تكُنْ- يا مُحمَّدُ- في شكٍّ ممَّا يعبُدُ مُشرِكو قومِك من الأصنامِ أنَّه باطلٌ، وضلالٌ، وشركٌ باللهِ تعالى [1168] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/590)، ((الوسيط)) للواحدي (2/592)، ((تفسير القرطبي)) (9/103)، ((تفسير ابن كثير)) (4/353)، ((تفسير السعدي)) (ص: 390). قال ابن عطية: (لفظُ الخِطابِ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والمعنى له ولأمَّتِه، ولم يقَعْ لأحدٍ شَكٌّ فيقَعَ عنه نهيٌ، ولكن من فصاحةِ القَولِ في بيانِ ضلالةِ الكَفَرةِ إخراجُه في هذه العبارةِ، أي: حالُهم أوضَحُ مِن أن يُمترى فيها). ((تفسير ابن عطية)) (3/209). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/167). .
مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ.
أي: ما يعبُدُ هؤلاء المُشرِكونَ إلَّا كعبادةِ آبائِهم مِن قبلُ، فهم يقلِّدونَهم بلا حجَّةٍ [1169] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/590)، ((تفسير البغوي)) (2/467)، ((تفسير ابن عطية)) (3/209)، ((تفسير ابن كثير)) (4/353)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/168). .
وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ.
أي: وإنَّا سنُوفِّي هؤلاء المُشرِكينَ حظَّهم ممَّا كُتِبَ لهم مِن الخيرِ في الدُّنيا، وحَظَّهم من العذابِ في الآخرةِ كاملًا بلا نقصٍ [1170] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/591)، ((تفسير الرازي)) (18/404)، ((تفسير ابن كثير)) (4/353). .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (110).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بيَّنَ الله تعالى في الآيةِ الأولى إصرارَ كفَّارِ مكَّةَ على إنكارِ التَّوحيدِ؛ بيَّن أيضًا إصرارَهم على إنكارِ نبوَّةِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتكذيبَهم بكتابِه، وبيَّن تعالى أنَّ هؤلاء الكُفَّارَ كانوا على هذه السِّيرةِ الفاسدةِ مع كلِّ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ، وضرب لذلك مثلًا، وهو: أنَّه لَمَّا أنزل التَّوراةَ على موسى عليه السَّلامُ اختلفوا فيه، فقَبِلَه بعضُهم، وأنكَره آخرون، وذلك يدلُّ على أنَّ عادةَ الخَلقِ هكذا [1171] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/404-405). .
وأيضًا لما ذكَّر اللهُ قومَ خاتَمِ النبيِّينَ وأمَّتَه أوَّلًا بالأقوامِ الذين غلَبَ عليهم الكُفرُ والجُحودُ، فلم يؤمِنْ إلَّا قليلٌ منهم، فوفَّاهم اللهُ جزاءَ أعمالِهم في الدُّنيا، وسيُوَفِّيهم إيَّاها في الآخرةِ- ذكَّرَهم في هاتينِ الآيتينِ بقَومِ موسى الذين آتاهم الكِتابَ فاختَلَفوا فيه، وكلِمَته في تأخيرِ جزائِهم إلى الآخرةِ؛ لأنَّهم لم يستحِقُّوا عذابَ الاستئصالِ في الدُّنيا، وأنَّ مَثَلَ الذين يختَلِفون من أمَّتِه في الكتابِ كمَثَلِ هؤلاء [1172] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/134). .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ.
أي: ولقد آتَينا موسَى التَّوراةَ، فاختَلَف قومُ موسى فيها، فآمنَ بها بعضُهم، ولم يؤمِنْ بها بعضٌ آخَرون [1173] قال محمد رشيد رضا: (أي: فاختلف فيه قومُه مِن بعدِه بغيًا بينهم، وتنازُعًا على الرِّياسةِ، فكانوا شِيَعًا، كلُّ شِيعةٍ تنتَحِلُ مذهبًا، وتُعادي من يخالفُها فيه، وإنَّما أوتوا الكتابَ لجَمعِ الكَلِمةِ). ((تفسير المنار)) (12/134، 135). ويُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 390). وقال ابن عاشور: (معنى الاختلافِ فيه: اختلافُ أهلِ التَّوراةِ في تقريرِ بعضِها، وإبطالِ بعضٍ، وفي إظهارِ بعضِها، وإخفاءِ بعضٍ، مثل حُكمِ الرَّجمِ، وفي تأويلِ البَعضِ على هواهم، وفي إلحاقِ أشياءَ بالكتابِ على أنَّها منه). ((تفسير ابن عاشور)) (12/169، 170). فلا تحزَنْ- يا محمَّدُ- من تكذيبِ مُشركي قومِك بما آتيناك من القُرآنِ [1174] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/592)، ((تفسير البغوي)) (2/467)، ((تفسير ابن كثير)) (4/353). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الجاثية: 16، 17].
وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ.
أي: ولولا كَلِمةٌ سبَقَت من ربِّك- يا محمَّدُ- بتأخيرِهم، وعدمِ معاجلتِهم بالعذابِ، لأهلَكَهم في الحالِ، وميَّز بين أهلِ الحَقِّ بنَجاتِهم، وأهلِ الباطلِ بهلاكِهم [1175] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/592)، ((تفسير البغوي)) (2/467)، ((تفسير الألوسي)) (6/342)، ((تفسير السعدي)) (ص: 390)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/170 - 172). قال ابن عطية: (قولُه تعالى: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ... إلى آخرِ الآية، يحتمِلُ أن يريدَ به أمَّةَ موسى، ويحتملُ أن يريدَ به مُعاصري محمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. وأن يعُمَّهم اللَّفظُ أحسَنُ عندي، ويؤكِّدُ ذلك قولُه تعالى: وَإِنَّ كُلًّا). ((تفسير ابن عطية)) (3/210). قال ابنُ كثير: (ويحتملُ أن يكونَ المرادُ بالكلمةِ: أنَّه لا يعذِّبُ أحدًا إلَّا بعدَ قيامِ الحُجَّةِ عليه، وإرسالِ الرَّسولِ إليه، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15]؛ فإنَّه قد قال في الآيةِ الأخرى: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه: 129، 130]). ((تفسير ابن كثير)) (4/353). .
كما قال تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف: 58].
وقال سُبحانه: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر: 45] .
وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ.
أي: وإنَّ المنتسبينَ إلى كتابِ موسَى عليه السلامُ لفي شكٍّ مِن أمرِ كتابِه التوراةِ، مُوقِعٍ فِي الريبةِ والتهمةِ، فلا يَدرونَ أحقٌّ هو أمْ باطِلٌ [1176] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/593) (13/609)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/135)، ((تفسير السعدي)) (ص: 390). وممن اختار أنَّ الضمير في قولِه: وَإِنَّهُمْ يعودُ على أهلِ الكتابِ: ابنُ جريرٍ، ومحمد رشيد رضا، والسعدي. يُنظر: المصادر السابقة. قال القرطبي: (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ إن حُمِلتْ على قومِ موسَى، أي: لفي شكٍّ مِن كتابِ موسَى، فهم في شكٍّ مِن القرآنِ). ((تفسير القرطبي)) (9/104). قال السعدي: (وإذا كانتْ هذه حالَهم، معَ كتابِهم، فمع القرآنِ الذي أوحاه الله إليك، غيرُ مستغربٍ مِن طائفة اليهودِ، أن لا يؤمنُوا به، وأن يكونُوا في شكٍّ منه مريبٍ). ((تفسير السعدي)) (ص: 390). وممن اختار أنَّ الضميرَ يعودُ على كفارِ مكةَ: الرازي، وهو ظاهرُ اختيارِ ابنِ كثيرٍ، واختيارُ القاسمي،. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/405)، ((تفسير ابن كثير)) (4/354)، ((تفسير القاسمي)) (6/133). وقال الشوكاني: (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ أي: من القرآنِ، إن حُمِل على قومِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو مِن التوراةِ إن حُمِل على قومِ موسى عليه السَّلامُ). ((تفسير الشوكاني)) (2/599). .
كما قال تعالى: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ [الشورى: 14] .
وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111).
وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ.
أي: وإنَّ كلَّ المُختَلِفينَ ليُوفيَنَّهم ربُّك- يا محمَّدُ- جزاءَ أعمالِهم يومَ القيامةِ، فيُجازي كلَّ إنسانٍ بما يستحِقُّه [1177] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/104)، ((تفسير الخازن)) (2/505)، ((تفسير ابن كثير)) (4/354)، ((تفسير الألوسي)) (6/342)، ((تفسير السعدي)) (ص: 390). .
إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
أي: إنَّ اللهَ عليمٌ بأعمالِهم كُلِّها، لا يخفَى عليه شيءٌ منها [1178] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/354)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391). .
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا أخبَرَ تعالى بعدمِ استقامةِ أهلِ الكِتابِ، التي أوجَبَت اختلافَهم وافتراقَهم، أمر نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن معه مِن المؤمنينَ أن يستَقيموا كما أُمِروا، فيَسلُكوا ما شرَعَه اللهُ مِن الشَّرائع، ويعتَقِدوا ما أخبَرَ الله به من العقائدِ الصَّحيحةِ، ولا يَزيغوا عن ذلك يَمنةً ولا يَسرةً، ويَدوموا على ذلك، ولا يطغَوا بأن يتجاوَزوا ما حَدَّه اللهُ لهم من الاستقامةِ [1179] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:390). .
وأيضًا فإنَّه ترتَّبَ على التَّسليةِ التي تضَمَّنَها قولُه تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ [هود:110] وعلى التَّثبيتِ المُفادِ بقَولِه تعالى: فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ [هود: 109] الحَضُّ على الدَّوامِ على التمَسُّكِ بالإسلامِ على وجهٍ قويمٍ، وعبَّرَ عن ذلك بالاستقامةِ [1180] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/175). .
وأيضًا فسياقُ هذه الآيةِ والتي تليها تفصيلٌ للأوامرِ والنَّواهي التي هي ثمرةُ الاعتبارِ بما كان مِن سيرةِ الأُمَم مع الرُّسُل؛ مَن جَحَدوا فأُهلِكوا، ومن آمَنوا ثم اختَلَفوا وتفَرَّقوا، فمن جمع بين هذا الأمرِ والنَّهيِ كَمَلَ إيمانُه، وما بعدهما تفصيلٌ لهما [1181] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/136). .
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ.
أي: فاثبُتْ- يا محمَّدُ- على الدِّينِ الذي أمَرَك الله به أنت ومَن اتَّبَعك من المؤمنينَ الذين رجَعوا معك إلى طاعةِ اللهِ [1182] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/598)، ((تفسير القرطبي)) (9/107)، ((تفسير ابن كثير)) (4/354)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391). قال ابنُ رجبٍ: (الاستقامةُ: هي سُلوكُ الصِّراطِ المستقيمِ، وهو الدينُ القيِّمُ مِن غيرِ تعريجٍ عنه يَمنةً ولا يَسرةً، ويشملُ ذلك فعلَ الطاعاتِ كلِّها؛ الظاهرةِ والباطنةِ، وترْكَ المنهيَّاتِ كلِّها كذلك). ((جامع العلوم والحكم)) (1/510). .
كما قال تعالى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ [فصلت: 6] .
وعن سُفيانَ بنِ عبدِ الله الثَّقَفيِّ رَضِيَ الله عنه، قال: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، قلْ لي في الإسلامِ قولًا، لا أسألُ عنه أحدًا بَعدَك، قال: قل: آمنتُ باللهِ، فاستَقِمْ )) [1183] أخرجه مسلم (38).
وَلاَ تَطْغَوْاْ.
أي: ولا تتَجاوَزوا ما حدَّه اللهُ لكم من الاستقامةِ إلى ما نهاكم عنه [1184] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/599)، ((تفسير القرطبي)) (9/107)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391). .
إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
أي: إنَّ اللهَ بما تَعملونَ- أيُّها النَّاسُ- بصيرٌ، لا يخفَى عليه شيءٌ مِن أعمالِكم؛ خيرِها وشَرِّها، وسيُجازيكم عليها [1185] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/599)، ((تفسير ابن كثير)) (4/354)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391). .
وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ (113).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنه بعدَ أن نهاهم عن الطُّغيانِ الذي يشملُ أصولَ المفاسدِ، وكان هذا النهيُ جامعًا لأحوالِ مصادرِ الفسادِ مِن نفسِ المفسدِ، وبقِي ما يُخشَى عليه مِن عدوَى فسادِ خليطِه؛ لذا نهاهم عن التَّقارُبِ مِن الظالمينَ [1186] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/177-178). ، فقال:
وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ .
أي: ولا تَميلوا- أيُّها النَّاسُ- إلى الظَّلَمةِ؛ فإنكم إن مِلتُم إليهم، ووافقتُموهم على أفعالِهم ورضيتُم بها، وداهنتُموهم؛ تُصِبْكم [1187] قال ابن عاشور في قوله: فَتَمَسَّكُمُ : (والمسُّ: مستعملٌ في الإصابةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (12/178). النارُ [1188] يُنظر: ((الوجيز)) (ص: 535)، ((تفسير القرطبي)) (9/108)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391). قال القُرطبي: (قولُه تعالى: إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا قيل: أهلُ الشِّركِ. وقيل: عامَّةٌ فيهم وفي العُصاة، على نحوِ قَولِه تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا... الآية [الأنعام: 68] وهذا هو الصَّحيحُ في معنى الآيةِ). ((تفسير القرطبي)) (9/108).  .
وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ.
أي: ولا تَجِدونَ- إن رَكَنتُم إلى الظَّلَمةِ- أعوانًا مِن دونِ اللهِ يَنفعونَكم، ولا تَجِدونَ مَن يُخلِّصُكم مِن عذابِه [1189] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/599)، ((تفسير الخازن)) (2/506)، ((تفسير ابن كثير)) (4/354)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/178). .
وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ هذا أمرٌ بأعظَمِ العباداتِ وبأعظَمِ الأخلاقِ، اللَّذَينِ يُستَعانُ بهما على ما قَبلَهما؛ من الأمرِ بالاستقامةِ، والنَّهيِ عن الطُّغيانِ، والرُّكونِ إلى أولي الظُّلمِ؛ ولذلك عُطِفا عليهما [1190] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/154). .
سببُ النُّزُولِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ الله عنه: ((أنَّ رجُلًا أصاب من امرأةٍ قُبلةً، فأتى رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكَرَ ذلك له، فأُنزِلَت عليه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ، قال الرَّجُل: ألي هذه؟ قال: لِمَن عَمِلَ بها مِن أُمَّتي )) [1191] أخرجه البخاري (526) واللفظ له، ومسلم (2763). قال ابنُ تيمية: (قولُه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وغير ذلك مِن الآياتِ التي نزلَتْ بمكةَ ثمَّ جرَى بالمدينةِ سببٌ يقتضي الخطابَ، فأُنزِلَت مرة ثانية). ((مجموع الفتاوى)) (28/314-315). .
وعن أبي اليَسَرِ كعبِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ الله عنه، قال: ((أتَتْني امرأةٌ تبتاعُ تمرًا، فقُلتُ: إنَّ في البيتِ تَمرًا أطيَبَ منه، فدخَلَت معي في البيتِ، فأهويتُ إليها فقبَّلتُها، فأتيتُ أبا بكرٍ فذكَرتُ ذلك له، قال: استُرْ على نفسِك وتُبْ، ولا تخبِرْ أحدًا، فلم أصبِرْ، فأتيتُ عُمرَ فذكَرتُ ذلك له، فقال: استُرْ على نفسِك وتُبْ، ولا تخبِرْ أحدًا، فلم أصبِرْ، فأتيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكَرتُ ذلك له، فقال: أخلَّفتَ غازيًا في سبيلِ اللهِ في أهلِه بمِثلِ هذا؟! حتى تمنَّى أنَّه لم يكُنْ أسلَمَ إلَّا تلك السَّاعةَ، حتى ظَنَّ أنَّه من أهلِ النَّارِ، قال: وأطرَقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طويلًا حتى أوحى اللهُ إليه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ قال أبو اليَسَر: فأتيتُه فقَرَأها عليَّ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال أصحابُه: يا رسولَ اللهِ، ألهذا خاصَّةً أم للنَّاسِ عامَّةً؟ قال: بل للنَّاسِ عامَّةً )) [1192] أخرجه الترمذي (3115) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7327)، والبزار (2300). قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ، وقال الزيلعي في ((تخريج الكشاف)) (2/153): أصلُ الحديثِ في الصحيحين، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3115).
وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ.
أي: وأقمِ الصلاةَ المفروضةَ، في أوَّلِ النهارِ وآخرِه، وهي صلاةُ الفجرِ والظهرِ والعصرِ [1193] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/212)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/25)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391)، ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (3/16)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/179). وممَّن اختار هذا المعنى المذكورَ في المرادِ بالصَّلواتِ طَرَفَي النهار: الزجاجُ، والزمخشري، وابنُ عطية، وابنُ تيمية، والسعدي، والشنقيطي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (3/82)، ((تفسير الزمخشري)) (2/434)، ((تفسير ابن عطية)) (3/212)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/25)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/280). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: مجاهدٌ، ومحمدُ بن كعب القرظيُّ، وهو رواية عن الحسن البصري، ورواية عن الضحاك. يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (6/2091)، ((تفسير ابن جرير)) (12/602)، ((تفسير ابن كثير)) (4/354). وقيل: المرادُ: صلاةُ الفجرِ والمغربِ. وممن قال بذلك: ابنُ جريرٍ، والواحديُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/605)، ((الوجيز)) (ص: 536). وقيل: المرادُ: صلاةُ الفجرِ والعصرِ، وممن اختار ذلك: الرازي. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/408). قال ابن جرير: (اختلف أهلُ التَّأويلِ في التي عُنِيَت بهذه الآيةِ مِن صلواتِ العَشيِّ بعد إجماعِ جميعِهم على أنَّ التي عُنِيَت من صلاةِ الغداةِ: الفَجر). ((تفسير ابن جرير)) (12/601-602). وقال ابنُ عاشور: (انتقَل مِن خطابِ المؤمنين إلى خطابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا الخطابُ يتناولُ جميعَ الأمةِ بقرينةِ أنَّ المأمورَ به مِن الواجباتِ على جميعِ المسلمينَ). ((تفسير ابن عاشور)) (12/178). .
وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ.
أي: وأقمِ الصلاةَ أيضًا في ساعاتٍ مِن الليلِ، وهي صلاةُ المغربِ والعشاءِ [1194] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/212)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/25)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391)، ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (3/16)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/179). وممَّن اختار هذا المعنى المذكور في المرادِ بـ زُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ: الزجاج، والزمخشري، وابن عطية، وابن تيمية، والسعدي، والشنقيطي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (3/82)، ((تفسير الزمخشري)) (2/434)، ((تفسير ابن عطية)) (3/212)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/25)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/280). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عبَّاس في روايةٍ عنه، والحسنُ البصري في روايةٍ عنه، ومجاهدٌ في روايةٍ عنه، وقتادةُ، ومحمدُ بنُ كعبٍ القرظي، والضحَّاك، ومقاتلٌ. يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (6/2091)، ((تفسير ابن جرير)) (12/609)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/406)، ((تفسير ابن كثير)) (4/355). قال السعدي: (وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ويدخلُ في ذلك صلاةُ المغربِ والعشاءِ، ويتناولُ ذلك قيامَ الليلِ؛ فإنها مما تزلفُ العبدَ، وتقرِّبُه إلى اللهِ تعالى). ((تفسير السعدي)) (ص: 391). وقيل: المرادُ: صلاةُ العشاءِ. وممن اختار ذلك: ابنُ جريرٍ، والواحديُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/607)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 536). وقيل: المرادُ: صلاةُ المغربِ والعشاءِ والوترِ. وممن اختار ذلك الرازي. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/408). .
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ.
أي: إنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ مِن الصَّلاةِ وغَيرِها تُكفِّرُ صغائِرَ الذُّنوبِ [1195] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/213)، ((تفسير ابن كثير)) (4/355). وذهب بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ المراد بالحَسَنات هنا الصلواتُ الخَمسُ، وهو من بابِ التفسيرِ بالمثالِ، ومن هؤلاء: ابن جرير، ونسبه ابن عطية والقرطبي إلى جمهورِ المفسِّرينَ مِن الصَّحابة والتَّابعين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/617)، ((تفسير ابن عطية)) (3/212)، ((تفسير القرطبي)) (9/110). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، وابنُ مسعودٍ، وسلمانُ، وكعبٌ، وسعيدُ بنُ المسيبِ، ومحمدُ بنُ كعبٍ القرظيُّ، ومجاهدٌ في روايةٍ عنه، والحسنُ البصري، والضحَّاك، ومسروقٌ، ومقاتلُ بنُ سليمانَ، ومقاتلُ بنُ حيانَ. يُنظر: ((تفسير مقاتل)) (2/300)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (6/2092)، ((تفسير ابن جرير)) (12/612)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/406). .
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((أرأيتُم لو أنَّ نهرًا ببابِ أحَدِكم يغتَسِلُ منه كلَّ يومٍ خَمسَ مرَّاتٍ، هل يبقى مِن دَرَنِه [1196] الدَّرَنُ: الوسَخُ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (13/153). شيءٌ؟ قالوا: لا يبقى مِن دَرَنِه شيءٌ، قال: فذلك مثَلُ الصَّلواتِ الخَمسِ؛ يمحو اللهُ بهنَّ الخَطايا )) [1197] أخرجه البخاري (528) ومسلم (667)، واللفظ له.
وعنه أيضًا رَضِيَ الله عنه، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقولُ: ((الصَّلواتُ الخمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ، ورمضانُ إلى رَمضانَ؛ مكَفِّراتٌ ما بينهُنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائِرَ )) [1198] أخرجه مسلم (667). .
ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ.
أي: ذلك- الذي تقدَّمَ ممَّا أمَرَكم اللهُ به ونهاكم عنه- تذكِرةٌ وعِظةٌ للمتَّعِظينَ الذين يذكُرونَ اللهَ، ويذكُرونَ وَعْدَه ووعيدَه، فيَرجونَ ثوابَه ويخافون عِقابَه [1199] يُنظر: ((تفسير الخازن)) (2/507)، ((تفسير الشوكاني)) (2/603)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/181). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/617)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (6/2093). وممَّن قال بعودِ الإشارة في قوله: ذَلِكَ إلى ما تقدَّم مِن الأمرِ بالاستقامةِ وما بعدَها: الرازي، والشوكاني، ومال إليه السعدي، واختاره ابنُ عاشورٍ، ونسَبه الخازنُ إلى جمهورِ المفسرينَ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/409)، ((تفسير الشوكاني)) (2/603)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/181)، ((تفسير الخازن)) (2/507). وقيل: الإشارةُ تعودُ إلى القرآنِ. وممن قال بذلك: الواحديُّ، والقرطبي. يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/596)، ((تفسير القرطبي)) (9/113). وقيل: تعودُ إلى الصلواتِ. وممن قال بذلك: ابنُ عطيةَ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/213). .
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
مُناسَبةُ وقوعِ الأمرِ بالصَّبرِ عَقِبَ الأمرِ بالاستقامةِ والنَّهيِ عن الرُّكونِ إلى الذين ظَلَموا: أنَّ المأموراتِ لا تخلو عن مشَقَّةٍ عَظيمةٍ، ومُخالَفةٍ لِهَوى كثيرٍ منَ النُّفوسِ، فناسب أن يكونَ الأمرُ بالصَّبرِ بعد ذلك؛ ليكونَ الصَّبرُ على الجميعِ، كلٌّ بما يناسِبُه [1200] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/182). .
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115).
أي: واحبِسْ نفسَك على طاعةِ اللهِ، وتَرْكِ مَعصيتِه، وتحمُّلِ أذى الكفَّارِ؛ فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ ثوابَ المُطيعينَ لله، ويُعطيهم ثوابَهم كاملًا غيرَ مَنقوصٍ [1201] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/627)، ((تفسير السعدي)) (ص: 391). .

الفوائد التربوية:

1- قولُ الله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ يدُلُّ على وجوبِ اتِّباعِ النُّصوصِ في الأمورِ الدِّينيَّةِ [1202] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/137). .
2- قولُه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ أفاد قولُه: فَاسْتَقِمْ الدَّوامَ على العمَلِ بتعاليمِ الإسلامِ دوامًا جِماعُه الاستقامةُ عليه، والحذَرُ مِن تغييرِه [1203] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/175).
3- قولُ اللهِ تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فيه التَّحذيرُ مِن الرُّكونِ إلى كلِّ ظالمٍ، والمرادُ بالرُّكونِ: المَيلُ والانضمامُ إليه بظُلمِه، وموافقتُه على ذلك، والرِّضا بما هو عليه من الظُّلمِ، وإذا كان هذا الوعيدُ في الرُّكونِ إلى الظَّلَمةِ، فكيف حالُ الظَّلَمةِ أنفُسِهم [1205] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:390). ؟! فهذه الآيةُ مِن أشدِّ الآياتِ النازلةِ في زجرِ الظلمةِ وردعِهم [1206] يُنظر: ((رموز الكنوز)) للرسعني (3/251). .
4- قَوْلُهُ: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فيه دليلٌ على المنعِ من مصادقةِ المشركين، وموالاةِ الظالمينَ، والميلِ إليهم بالمحبةِ والسُّكونِ [1207] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (11/578). .
5- قولُ الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ المقصودُ أن تكونَ الصَّلاةُ أوَّلَ أعمالِ المُسلِمِ إذا أصبحَ- وهي صلاةُ الصُّبحِ- وآخِرَ أعمالِه إذا أمسى- وهي صلاةُ العِشاءِ- لتكونَ السَّيِّئاتُ الحاصِلةُ فيما بين ذلك ممحُوَّةً بالحَسَناتِ الحافَّةِ بها [1208] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/179). .
6- إقامةُ الصَّلواتِ المَفروضاتِ على وجهِها يُوجِبُ مُباعدةَ الذُّنوبِ، ويُوجِبُ أيضًا إنقاءَها وتطهيرَها؛ قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [1209] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (4/343). .
7- قال الله تعالى: وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ بل يتقبَّلُ اللهُ عنهم أحسَنَ الذي عَمِلوا، ويجزيهم أجرَهم بأحسَنِ ما كانوا يعمَلونَ، وفي هذا ترغيبٌ عظيمٌ لِلُزومِ الصَّبرِ، بتشويقِ النَّفسِ الضَّعيفةِ إلى ثوابِ اللهِ كلَّما وَنَت وفتَرَت [1210] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:391). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُ الله تعالى: وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ لَمَّا كانت التَّوفيةُ قد تُطلَقُ على مجرَّدِ الإعطاءِ، وقد يكون ذلك على التَّقريبِ؛ نفَى هذا الاحتمالَ بقَولِه تعالى: غَيْرَ مَنْقُوصٍ [1211] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/387). .
2- قولُ الله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ لَمَّا كان من المقطوعِ به أنَّ الآمِرَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن له الأمرُ كُلُّه، بُني للمفعولِ قَولُه: كَمَا أُمِرْتَ [1213] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/390). .
3- قولُ الله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ هذه الآيةُ أصلٌ عَظيمٌ في الشَّريعةِ؛ وذلك لأنَّ القرآنَ لَمَّا ورد بالأمرِ بأعمالِ الوُضوءِ مُرتَّبةً في اللَّفظِ، وجب اعتبارُ التَّرتيبِ فيها؛ لِقَولِه تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ، ولَمَّا ورد الأمرُ في الزَّكاةِ بأداءِ الإبِلِ مِن الإبلِ، والبقَرِ مِن البقَرِ؛ وجبَ اعتبارُها، وكذا القولُ في كلِّ ما ورد أمرُ الله تعالى به [1214] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/406). .
4- جَمَع قولُه تعالى: وَلا تَطْغَوْا وقولُه: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أصلَيِ الدِّينِ، وهما: الإيمانُ والعملُ الصَّالحُ، وقال الحسنُ: (جَعَلَ اللَّهُ الدَّين بَين لائين وَلا تَطْغَوْا، وَلَا تَرْكَنُوا) [1215] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/178). .
5- قولُ الله تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا استدَلَّ به من مَنع الاستِعانةَ بالكفَّارِ في الحربِ، ومَنع استِعمالَهم في مصالحِ المُسلمينَ [1216] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:152). .
6- قولُ الله تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ هذه الآيةُ أصلٌ في سَدِّ ذرائِعِ الفسادِ المحَقَّقةِ أو المَظنونةِ [1217] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/178). .
7- لَمَّا كان الرُّكونُ إلى الظَّالمِ -وهو الميلُ إليه، والاعتِمادُ عليه- دونَ مُشارَكتِه في الظُّلمِ؛ أخبر أنَّ العِقابَ عليه دونَ العقابِ على الظُّلمِ، فأتى بلفظِ (المسِّ) الَّذي هو دونَ الإحراقِ والاصطِلاءِ، فقال تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّار، وإنْ كان المسُّ قد يُطلقُ ويُرادُ به الإشعارُ بالعذابِ [1218] يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/379)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (5/1745). .
8- قولُ الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ لَمَّا أمر تعالى بالاستقامةِ، أردَفَه بالأمرِ بالصَّلاةِ، وذلك يدُلُّ على أنَّ أعظمَ العِباداتِ- بعد الإيمانِ بالله- الصَّلاةُ [1219] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/407). .
9- تكفيرُ الصَّغائرِ يقَعُ بشَيئينِ: أحدهما: الحسَناتُ الماحيةُ، والثاني: اجتِنابُ الكبائرِ. وقد نصَّ عليها سبحانَه وتعالى فى كتابِه، فقال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وقال تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [1220] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 380). [النساء: 31] .
10- قولُ الله تعالى: وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أتى بعد أن أمَرَ بالصَّبرِ بلفظٍ عامٍّ، وهو أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ؛ ليندرِجَ فيه كلُّ من أحسَنَ بسائرِ خِصالِ الإحسانِ ممَّا يحتاجُ إلى الصَّبرِ فيه، وما قد لا يحتاجُ، كطَبعِ مَن خُلِقَ كريمًا، فلا يتكَلَّفُ الإحسانَ؛ إذ هو مركوزٌ في طبعِه [1221] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/224). .
11- قولُ الله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، أي: أجرَ أعمالِهم، عدلَ عن الضَّميرِ؛ ليكونَ كالبُرهانِ على المقصودِ، ودليلًا على أنَّ الصَّلاةَ والصَّبرَ إحسانٌ، وإيماءً بأنَّه لا يُعتَدُّ بهما دونَ الإخلاصِ [1222] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/84). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ
- قوله: فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ الفاءُ لترتيبِ النَّهْيِ على ما قُصَّ من القصصِ، وبُيِّن في تَضاعيفِها مِن العَواقبِ الدُّنيَويَّةِ والأُخرَويَّةِ [1223] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/243). .
- جُمْلَةُ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ مُستأنَفةٌ؛ تعليلًا لانتفاءِ الشَّكِّ في عاقبةِ أمرِهم في الدُّنيا [1224] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/431)، ((تفسير أبي حيان)) (6/215)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/168). .
- وعبَّر عن عبادةِ الآباءِ بالمضارِعِ يَعْبُدُ؛ للدَّلالةِ على استمرارِهم على تلك العبادةِ؛ أي: إلَّا كما اعتاد آباؤُهم عبادتَهم، والقرينةُ على المُضِيِّ قولُه: مِنْ قَبْلُ [1225] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/168). .
- وقولُه: لَمُوَفُّوهُمْ ونَصِيبَهُمْ وارِدٌ على سبيلِ التَّهكُّمِ؛ كأنَّ لهم عَطاءً يَسأَلونه فوُفُّوه [1226] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/169). .
- قولُه: غَيْرَ مَنْقُوصٍ وقَع حالًا مؤكِّدةً مِن النَّصيبِ؛ لتحقيقِ التَّوفيةِ؛ زيادةً في التَّهكُّمِ، لأنَّ مِن إكرامِ الموعودِ بالعطاءِ أن يُؤكَّدَ له الوعدُ، ويُسمَّى ذلك بالبشارةِ، والمرادُ نَصيبُهم مِن عذابِ الآخرةِ، ومِن فَوائدِه أيضًا: دفْعُ تَوهُّمِ التَّجوُّزِ وجَعلُها مُقيدةً له؛ لِدَفعِ احتِمالِ كَونِه مَنقوصًا في حَدِّ نفسِه، مبنيٌّ على الذُّهولِ عن كَونِ العاملِ هو التَّوفيةَ [1227] يُنظر: ((تفسير أبي السعود))  (4/243)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/169). .
2- قولُه تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ
- قولُه: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ اعتِراضٌ لِتَثبيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَسْليَتِه بأنَّ أهْلَ الكتابِ- وهُم أحسَنُ حالًا مِن أهلِ الشِّركِ- قد أُوتوا الكتابَ فاختَلفوا فيه، وهم أهلُ مِلَّةٍ واحدةٍ؛ فلا تأْسَ مِن اختِلافِ قومِك عليك [1228] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/169). .
- قولُه: فَاخْتُلِفَ فِيهِ هذا الاختلافُ بأنواعِه وأحوالِه يَرجِعُ إلى الاختلافِ في شيءٍ مِن الكتابِ، فجُمِعَت هذه المعاني جَمعًا بديعًا في تعديَةِ الاختلافِ بحَرْفِ (في)، وهي كالمُلابَسةِ، أي: فاختُلِف اختِلافًا يُلابِسُه، أي: يُلابِسُ الكتابَ [1229] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/170). .
- وبُني فعلُ (اختُلِف) للمجهولِ؛ إذ لا غرَضَ إلَّا في ذِكْرِ الفعلِ لا في فاعِلِه؛ لأنَّ الغرَضَ لم يَكُنْ مُتعلِّقًا ببيانِ المختلِفين ولا بذَمِّهم، بل كان للتَّحذيرِ مِن الوقوعِ في مثلِه [1230] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/170). .
3- قولُه تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تَضمَّنَت هذه الآيةُ عِدَّةَ توكيداتٍ: التَّوكيدَ بـ (إنَّ)، وبـ (كلٍّ)، وباللَّامِ في الخبَرِ وبالقسَمِ، وبـ (ما) إذا كانت زائدةً، وبنونِ التَّوكيدِ وباللَّامِ قبْلَها؛ وذلك مُبالَغةً في وعْدِ الطَّائعِ ووعيدِ العاصي، وأردَفَ ذلك بالجملةِ المؤكِّدةِ، وهي: إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، وهذا الوصفُ يَقتَضي عِلمَ ما خَفي [1231] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/268). .
- قولُه: إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ استِئنافٌ وتعليلٌ للتَّوفيَةِ؛ لأنَّ إحاطةَ العلمِ بأعمالِهم مع إرادةِ جَزائِهم تُوجِبُ أن يَكونَ الجزاءُ مُطابِقًا للعمَلِ تمامَ المطابَقةِ؛ وذلك محقَّقُ التَّوفيةِ [1232] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/175). .
4- قولُه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
- في قولِه: فَاسْتَقِمْ توجيهُ الأمرِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ تَنويهًا بشأنِه؛ لِيَبنِيَ عليه قولَه: كَمَا أُمِرْتَ؛ فيُشيرَ إلى أنَّه المتلقِّي للأوامرِ الشَّرعيَّةِ ابتِداءً، وهذا تنويهٌ له بمقامِ رسالتِه، ثمَّ أعلَم بخِطابِ أمَّتِه بذلك بقولِه: وَمَنْ تَابَ مَعَكَ [1233] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/176). .
- قولُه: كَمَا أُمِرْتَ فيه تشبيهُ الاستقامةِ المأمورِ بها بما أُمِر به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِكَونِ الاستقامةِ مُماثِلةً لسائرِ ما أُمِر به، وهو تشبيهُ المجمَلِ بالمفصَّلِ في تفصيلِه بأن يَكونَ طِبْقَه، ويَؤُولُ هذا المعنى إلى أن تَكونَ الكافُ في مَعْنى (عَلى)، كما يُقالُ: كُن كَما أنت، أي: لا تَتغيَّرْ، ولْتُشْبِهْ أحوالُك المستقبَلةُ حالَتَك هذه [1234] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/176). .
- قولُه: إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ في معنى التَّعليلِ للأمْرِ والنَّهيِ [1235] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/151). .
- وفي قولِه تعالى هنا: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ مُناسَبةٌ حسنةٌ، حيث قال في مثلِ هذا السِّياقِ مِن سورةِ (الشُّورى): وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ [الشورى:14- 15] ؛ ووجهُ ذلك: أنَّه في سورةِ (هودٍ) اكتَفى بالأمرِ بالاستقامةِ على الجادَّةِ، والنَّهيِ عن الطُّغيانِ، ومنه البغيُ الَّذي يورِثُ الاختلافَ؛ لأنَّ المقامَ مَقامُ العِبْرةِ العامَّةِ بقَصصِ الرُّسلِ كافَّةً، لا بحالِ قومِ موسى ومَن أورِثوا الكتابَ خاصَّةً، وأمَّا في سورةِ الشُّورى فأمَرَه أن يَدْعوَ إلى الدِّينِ الذي كان عليه الرُّسلُ في عُصورِهم، قبلَ الاختلافِ فيه الَّذي ابتُدِع مِن بَعدِهم، وأن يَستَقيمَ عليه كما أمَرَه اللهُ، وأن يُخاطِبَ أهلَ الكتابِ بما يَتبرَّأُ به مِن الاختلافِ، ومِن إثارتِه بحُججِ الجدالِ؛ فهذا فرقُ ما بين المقامَين في هذه الآياتِ المتشابِهة [1236] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/137). .
5- قولُه تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ
- قولُه: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، قال: وَلَا تَرْكَنُوا؛ والرُّكونُ هو الْمَيلُ اليَسيرُ، وقال: إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، أي: إلى الَّذين وُجِد منهم الظُّلمُ، ولم يَقُلْ: (إلى الظَّالِمين)، وهو أبلَغُ؛ فقد حُكي عن بعضِ السَّلفِ: أنَّه صلَّى خلْفَ الإمامِ فقرَأ بهذه الآيةِ فغُشي عليه، فلمَّا أفاق قيل له، فقال: هذا فيمَن ركَن إلى مَن ظلَم؛ فكيف بالظَّالمِ [1237] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/1154)، ((تفسير أبي حيان)) (5/269). ؟!
- لفظةُ: فَتَمَسَّكُمْ المسُّ كنايةٌ عن الإصابةِ [1238] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/221). .
6- قولُه تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ
- جملةُ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ مَسوقةٌ مَساقَ التَّعليلِ للأمرِ بإقامةِ الصَّلواتِ، وتأكيدُ الجملةِ بحَرفِ (إنَّ)؛ للاهتمامِ وتحقيقِ الخبَرِ، و(إنَّ) فيه مُفيدةٌ معنى التَّعليلِ والتَّفريعِ، وهذا التَّعليلُ مُؤْذِنٌ بأنَّ اللهَ جعَل الحسَناتِ يُذْهِبْن السَّيِّئاتِ، والتَّعليلُ مُشعِرٌ بعُمومِ أصحابِ الحسَناتِ؛ لأنَّ الشَّأنَ أن تَكونَ العِلَّةُ أعَمَّ مِن المعلولِ مع ما يَقتَضيه تعريفُ الجمعِ باللَّامِ مِن العمومِ [1239] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/180). .
- وخَصَّ الذَّاكرينَ بالذِّكرِ؛ لأنَّهم المُنتَفِعونَ بالذِّكرى [1240] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/113). .
7- قولُه تعالى: وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ فيه الرجوعُ إلى التَّذكيرِ بالصَّبرِ بعدَما جاء بما هو خاتِمةٌ للتَّذكيرِ، وهذا الرجوعُ لِفَضلِ خُصوصيَّةٍ ومَزيَّةٍ، وتَنبيهٌ على مَكانِ الصَّبرِ ومَحلِّه، كأنَّه قال: (وعَليك بما هو أهَمُّ ممَّا ذُكِّرتَ به، وأحَقُّ بالتَّوصيَةِ، وهو الصَّبرُ على امتِثالِ ما أُمِرتَ به والانتهاءُ عما نُهيتَ عنه)؛ فلا يَتِمُّ شيءٌ منه إلَّا به [1241] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/436). .
- قولُه: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ حرفُ التَّأكيدِ (إنَّ) مَجلوبٌ للاهتمامِ بالخبَرِ، وسُمِّي الثَّوابُ أجْرًا؛ لوُقوعِه جَزاءً على الأعمالِ ومَوعودًا به؛ فأشبَهَ الأجرَ [1242] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/182). .