موسوعة الفرق

المبحَثُ الأوَّلُ: أبَرزُ عُلَماءِ الماتُريديَّةِ


1- من أعلامِ الماتُريديَّة: أبو اللَّيثِ نَصرُ بنُ محمَّدٍ السَّمَرْقَنديُّ (ت 373 أو 375هـ)
قال الذَّهبيُّ: (نصرُ بنُ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ الإمامُ الفقيهُ، أبو اللَّيثِ السَّمَرْقَنديُّ الحنفيُّ، صاحبُ كتابِ الفتاوى، يروي عن: محمَّدِ بنِ الفضلِ البخاريِّ وأقرانِه، وفي كتابِه: تنبيهُ الغافلينَ، موضوعاتٌ كثيرةٌ) [33] ((تاريخ الإسلام)) (8/ 420) باختصار. .
وقال عبدُ القادِرِ القُرَشيُ: (نصرُ بنُ محمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ السَّمَرْقَنديُّ الفقيهُ أبو اللَّيثِ، المعروفُ بإمامِ الهدى، تفقَّه على الفقيهِ أبي جعفرٍ الهندوانيِّ، وهو الإمامُ الكبيرُ صاحِبُ الأقوالِ المفيدةِ، والتَّصانيفِ المشهورةِ) [34] ((الجواهر المضية في طبقات الحنفية)) (2/ 196). .
وقال اللَّكنويُّ: (له تفسيرُ القرآنِ، والنَّوازِلُ، والعيونُ، والفتاوى، وخزانةُ الفقهِ، وبُستانُ العارفينَ، وشرحُ الجامِعِ الصَّغيرِ، وتنبيهُ الغافلينَ، وغيرُ ذلك) [35] ((الفوائد البهية في تراجم الحنفية)) (ص: 220). .
وأبو اللَّيثِ السَّمَرْقَنديُّ مشهورٌ بالفقهِ والتَّفسيرِ أكثَرَ من شهرتِه بعلمِ الكلامِ، ذكر الزِّرِكليُّ أنَّ له كتابَ عُمدةِ العقائدِ، ورسالةً في أصولِ الدِّينِ، وكلاهما مخطوطٌ [36] يُنظر: ((الأعلام)) (8/ 27). .
قال هاني السَّيِّدُ السِّباعيُّ: (الإمامُ المشهورُ أبو اللَّيثِ السَّمَرْقَنديُّ، وأيضًا صاحِبُ كتابِ (بحر العلومِ) وتوفِّي سنة 375، هذا إمامٌ من أئمَّةِ الماتُريديَّةِ الكبارِ) [37]  ((مسائل الإيمان)) (ص: 161) .
له في تفسيرِه تأويلاتٌ وتفويضٌ لبعضِ الصِّفاتِ على طريقةِ الأشاعرةِ والماتُريديَّةِ [38] ينظر مثلًا: ((تفسير السمرقَنْدي)) (1/ 520، 521)، (3/ 174)، (3/ 473). .
2- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: أبو اليسرِ البَزْدَويُّ (ت 493 هـ)
قال عُمَرُ النَّسَفيُّ: (أبو اليسرِ محمَّدُ بنُ محمَّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ عَبدِ الكريمِ البَزْدَويُّ، كان شيخَ أصحابِنا بما وراءَ النَّهرِ، وكان إمامَ الأئمَّةِ على الإطلاقِ، والموفودَ إليه من الآفاقِ، ملأ الشَّرقَ والغربَ بتصانيفِه في الأصولِ والفروعِ، وكان قاضيَ القُضاةِ بسَمَرْقَنْدَ، وكان يُدرِّسُ في الدَّارِ الجوزجانيَّةِ، ويملي فيها الحديثَ) [39] ((القَنْد في ذكر علماء سمرقَنْد)) (ص: 703). .
وقال الذَّهبيُّ: (يُلقَّبُ بالقاضي الصَّدرِ، هو العلَّامةُ، شيخُ الحنفيَّةِ، أبو اليسر محمَّدُ بنُ محمَّدِ بنِ الحُسَينِ ابنِ المحَدِّثِ عبدِ الكريمِ بنِ موسى بنِ مجاهدٍ النَّسَفيُّ) [40] ((سير أعلام النبلاء)) (19/ 49). .
وقال اللَّكنويُّ: (أخذ عن إسماعيلَ بنِ عبدِ الصَّادِقِ عن جَدِّ أبي اليسرِ عبدِ الكريمِ عن أبي منصورٍ الماتُريديِّ... وبرع في العلومِ فروعًا وأصولًا، وانتهت إليه رياسةُ الحنفيَّةِ بما وراء النَّهرِ، وكان إمامَ الأئمَّةِ على الإطلاقِ، ملأ بتصانيفِه بطونَ الأوراقِ، وممَّن تفَقَّه عليه نجمُ الدِّينِ عُمَرُ النَّسفيُّ، وعلاءُ الدِّينِ محمَّدُ بنُ أحمدَ السَّمَرْقَنْديُّ صاحِبُ تحفةِ الفُقَهاءِ) [41] ((الفوائد البهية في تراجم الحنفية)) (ص: 188) باختصار. .
وقد قرأ كتُبَ الفلاسفةِ أمثالِ الكِنديِّ، وغيره، وكذلك كتُبُ المُعتزِلةِ أمثالِ الجُبَّائيِّ، والكعبيِّ، والنَّظَّامِ، وغيرِهم، وقال فيها: (لا يجوزُ إمساكُ تلك الكتُبِ والنَّظَرُ فيها؛ لكي لا تُحدِثَ الشُّكوكَ، وتوهِنَ الاعتقادَ)، ولا يرى نِسبةَ المُمسِكِ إلى البِدعةِ. كما اطَّلع على كتُبِ الأشْعَريِّ، وتعمَّق فيها، وقال بجوازِ النَّظرِ فيها بعد معرفةِ أوجُهِ الخطأِ فيها، كما اطَّلع على كتابَي التَّأويلاتِ والتَّوحيدِ للماتُريديِّ، فوجد في كتاب التَّوحيد قليلَ انغلاقٍ وتطويلٍ، وفي ترتيبه نوعَ تعسيرٍ، فعمد إلى إعادةِ ترتيبِه وتبسيطِه، مع ذِكرِ بعضِ الإضافاتِ عليه في كتابِ أُصولِ الدِّينِ [42] ((أصول الدين)) للبَزْدَوي (ص: 13، 14) مع مقدمة المحقق الدكتور هانز بيتر لنس (ص: 10). ويُنظر: ((الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة)) (1/ 97). .
3- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: أبو المُعينِ النَّسَفيُّ (ت 508 هـ)
قال تلميذُه نجمُ الدِّينِ عُمَرُ النَّسَفيُّ: (ميمونُ بنُ محمَّدِ بنِ محمَّدِ بنِ محمَّدِ بنِ سعيدِ بنِ محمَّدِ بنِ محمَّدِ بنِ مكحولِ بنِ أبي الفَضلِ، أبو المُعينِ النَّسَفيُّ المكحوليُّ الإمامُ الزَّاهدُ البارعُ، له كتابُ التَّمهيدِ لقواعِدِ التَّوحيدِ، وكتابُ التَّبصرةِ في الكلامِ، عُلَماءُ الشَّرقِ والغربِ تغترفُ من بحارِه، وتستضيءُ بأنوارِه) [43] ((القَنْد في ذكر علماء سمرقَنْد)) (ص: 706) باختصار. .
وقال عنه ابنُ تيميَّةَ: (هو مِن نُفاةِ العُلُوِّ) [44] ((بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية)) (4/ 275). وعدَّه ابنُ تيميَّةَ من أهل النَّظَرِ من المتكلمين أهل الإثبات. يُنظر: ((الرد على المنطقيين)) (ص: 15). .
وقال اللَّكنويُّ: (صاحِبُ كتابِ تَبصرةِ الأدِلَّةِ، وتمهيدُ قواعِدِ التَّوحيدِ، إمامٌ فاضِلٌ، جامعُ الأصولِ، له المناهِجُ، وشرحُ الجامِعِ الكبيرِ، وتفَقَّه عليه علاءُ الدِّينِ أبو بكرٍ محمَّدُ السَّمَرْقَنديُّ) [45] ((الفوائد البهية في تراجم الحنفية)) (ص: 216). .
وقال فتح الله خليف: (يُعتبَرُ الإمامُ أبو المُعينِ النَّسَفيُّ من أكبَرِ من قام بنُصرةِ مَذهَبِ الماتُريديِّ، وهو بَينَ الماتُريديَّةِ كالباقِلَّانيِّ والغَزاليِّ بَينَ الأشاعرةِ، ولا شَكَّ في أنَّ كتابَه تبصرة الأدِلَّة... يُعَدُّ اليَنبوعَ الثَّانيَ بعد كتابِ التَّوحيدِ لكُلِّ الماتُريديَّةِ الذين جاؤوا بعدَه) [46] هامش مقدمة كتاب ((التوحيد)) للماتريدي (ص: 5). .
وقال حُسَين آتاي في تقديمِه لكتابِ تبصرة الأدِلَّة: (إنَّ أبا المعينِ النَّسَفيُّ قد انتهج طريقًا خاصًّا له -وهو غيرُ طريقِ المشَّائينَ ثقافةً ومنهجًا- في علمِ الكلامِ في كتابِه هذا، وفي كتُبِه الأخرى، وهو منهجُ السِّمانْتِكْس، أي: عِلم دَلالاتِ الألفاظِ... إنَّ أبا المُعينِ النَّسَفيَّ يعتبرُ أكبَرَ ممثِّلٍ للمَذهَبِ الماتُريديِّ؛ حيثُ لا سلَفَ له ولا خلَفَ في نظَرِنا) [47] ((تبصرة الأدلة)) لأبي المعين النسفي (ص: 6) مقدمة المحقق حسين آتاي. .
4- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: أبو إسحاقَ الوائليُّ الصَّفَّارُ (ت 534 هـ)
قال أبو سعدٍ السَّمعانيُّ: (أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ إسماعيلَ الصَّفَّارُ، المعروفُ بالزَّاهِدِ الصَّفَّارِ، كان إمامًا زاهدًا وَرِعًا مِثلَ والِدِه في اجتنابِ المداهَنةِ وقَمعِ السَّلاطينِ وقَهرِ الملوكِ، حمله السُّلطانُ سنجرُ بنُ مَلِك شاه إلى مَرْو، وأسكنها إيَّاه لمصلحةِ ولايةِ ما وراء النَّهرِ) [48] ((الأنساب)) (8/ 318). .
وقال اللَّكنويُّ: (إبراهيمُ بنُ إسماعيلَ بنِ أحمدَ بنِ إسحاقَ بنِ شِيثِ بنِ الحَكَمِ أبو إسحاقَ، ركنُ الإسلامِ، الزَّاهِدُ المعروفُ بالصَّفَّارِ، أبوه وجَدُّه وجَدُّ أبيه كُلُّهم من أفاضِلِ الحنفيَّةِ، وهو تفَقَّه على والِدِه) [49] ((الفوائد البهية في تراجم الحنفية)) (ص: 7). .
وقال الزِّرِكليُّ: (فقيهٌ حنفيٌّ زاهدٌ، يقالُ له: الزَّاهِدُ الصَّفَّارُ، من أهلِ بخارى، ووفاتُه فيها، كان شديدًا في قمعِ السَّلاطينِ، له تصانيفُ؛ منها كتابُ السُّنَّةِ والجماعةِ، وتلخيص الأدِلَّةِ لقواعِدِ التَّوحيدِ) [50] ((الأعلام)) للزركلي (1/ 32). .
وكتابُه تلخيصُ الأدِلَّةِ ينصُرُ فيه مَذهَبَ الماتُريديَّةِ، وممَّا قال فيه: (عليه اعتمد عامَّةُ مشايخِنا من المتقَدِّمين والمتأخِّرين، منهم الإمامُ أبو منصورٍ الماتُريديُّ السَّمَرْقَنديُّ، من أئمَّةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ) [51] ((تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد)) (ص: 132). ويُنظر: ((تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد)) (ص: 209). .
5- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: أبو حفصٍ نَجمُ الدِّينِ النَّسَفيُّ (ت 537 هـ)
قال أبو سَعدٍ السَّمعانيُّ: (أبو حَفصٍ عُمَرُ بنُ محمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ إسماعيلَ بنِ محمَّدِ بنِ لُقمانَ النَّسَفيُّ ثمَّ السَّمَرْقَنديُّ، الحافِظُ من أهلِ نَسَف، سكن سَمَرْقَنْدَ، إمامٌ فقيهٌ فاضِلٌ، عارفٌ بالمَذهَبِ، والأدَبِ، صنَّف التَّصانيفَ في الفقهِ والحديثِ، ونَظَم الجامعَ الصَّغيرَ، وجعَلَه شعرًا، وأمَّا مجموعاتُه في الحديثِ فطالعتُ منها الكثيرَ وتصفَّحتُها، فرأيتُ فيها من الخطأِ وتغيُّرِ الأسماءِ وإسقاطِ بعضِها شيئًا كثيرًا، وأوهامًا غيرَ محصورةٍ، ولكِنْ كان مرزوقًا في الجَمعِ والتَّصنيفِ، سمع أبا محمَّدٍ إسماعيلَ بنَ محمَّدٍ النوحيَّ النَّسَفيَّ، وأبا اليسرِ محمَّدَ بنَ محمَّدِ بنِ الحُسَينِ البَزْدَويَّ، وجماعةً كثيرةً. كتب إليَّ الإجازةَ بجميعِ مسموعاتِه ومجموعاتِه، ولم أدرِكْه بسَمَرْقَنْدَ حَيًّا، وحدَّثني عنه جماعةٌ، وإنَّما ذكرتُه في هذا المجموعِ لكثرةِ تصانيفِه، وشُيوعِ ذِكرِه، وإنْ لم يكُنْ إسنادُه عاليًا، وكان ممَّن أحبَّ الحديثَ وطلَبَه، ولم يُرزَقْ فَهمَه، وكان له شِعرٌ حَسَنٌ مطبوعٌ على طريقةِ الفُقَهاءِ والحُكَماءِ) [52] ((التحبير في المعجم الكبير)) (1/ 527). .
وقال الذَّهبيُّ: (العلَّامةُ، المحَدِّثُ، أبو حفصٍ عُمَرُ بنُ محمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ لُقمانَ النَّسَفيُّ، الحنفيُّ، من أهلِ سَمَرْقَنْدَ، وهو مصنِّفُ تاريخِها الملَقَّبِ بالقَنْدِ، ونَظَم الجامِعَ الصَّغيرَ، وكان صاحِبَ فُنونٍ، ألَّف في الحديثِ، والتَّفسيرِ، والشُّروطِ، وله نحوٌ من مائةِ مُصَنَّفٍ) [53] ((سير أعلام النبلاء)) (20/ 126). .
وقال الأدنوي: (كان إمامًا فاضِلًا أصوليًّا مُتكلِّمًا مُفَسِّرًا محدِّثًا فقيهًا حافظًا نحوِيًّا لُغَويًّا ذَكيًّا فَطِنًا، أحدَ الأئمَّةِ الأربعةِ المشهورينَ بالحظِّ الوافِرِ من العُلومِ، والقَبولِ التَّامِّ عندَ الخاصِّ والعامِّ، وكان أستاذًا نشر العلومَ إملاءً وتذكيرًا، وله تصنيفاتٌ جليلةٌ في التَّفسيرِ والفِقهِ وسائِرِ العُلومِ، وأجلُّ تصانيفِه التَّيسيرُ في تفسيرِ كتابِ اللهِ تعالى في أربعِ مجلَّداتٍ، أبدع فيها بالنِّكاتِ) [54] ((طبقات المفسرين)) (ص: 171). .
وتفسيرُه التَّيسيرُ في التَّفسيرِ مطبوعٌ في خمسةَ عَشَرَ مجلَّدًا، وهو مليءٌ بالفوائِدِ، ويعتني بذِكرِ المناسَباتِ واللَّطائِفِ، وهو ينقُلُ كثيرًا عن أبي منصورٍ الماتُريديِّ من كتابِه: تأويلاتُ أهلِ السُّنَّةِ، وقد ردَّ النَّسَفيُّ في تفسيرِه على كثيرٍ من أهلِ البِدَعِ والأهواءِ؛ كالمُعتزِلةِ، والجَبْريَّةِ، والرَّافضةِ [55] يُنظر: ((التيسير في التفسير)) للنسفي مقدمة المحقق (1/ 37 - 144). .
وأبو حفصٍ النَّسَفيُّ ينصُرُ في تفسيرِه قولَ أبي منصورٍ الماتُريديِّ في كثيرٍ من المسائِلِ، وربَّما خالفه، كما في بيانِ حقيقةِ الإيمانِ؛ فقد قال: (أهلُ الحقِّ يقولون: هو التَّصديقُ بالقلبِ، والإقرارُ باللِّسانِ، وقال الإمامُ أبو منصورٍ الماتُريديُّ هو التَّصديقُ) [56] ((التيسير في التفسير)) (1/ 228) باختصار. .
وأبو حفصٍ النَّسَفيُّ يُؤَوِّلُ كثيرًا من آياتِ الصِّفاتِ على طريقةِ الأشاعرةِ والماتُريديَّةِ والمُعتزِلةِ، فمثلًا في تفسيرِ آيةِ الاستواءِ، قال: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] أي: المُلْكِ، يقالُ: ثُلَّ عَرشُ فُلانٍ، يعني: زال مُلكُه، والاستواءُ ظُهورُ التَّمامِ، قال تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى [القصص: 14] ومعناه -والله أعلمُ، فيما أشار إليه الإمامُ أبو منصورٍ رحمه الله-: أنَّ خلْقَ السَّمواتِ والأرضِ كان في ستَّةِ أيَّامٍ، ثمَّ في اليومِ السَّابعِ خَلقَ الممتحَنينَ، أي: الذين يتوجَّهُ عليهم خِطابُ التَّكليفِ، ولهم فضيلةُ العقلِ والتَّمييزِ، وظهر لهم تمامُ مُلكِ اللهِ وعظمتُه وجلالُه... فأمَّا حملُ الاستواءِ على التَّمكُّنِ والاستقرارِ، وتفسيرُ العرشِ بالسَّريرِ، وتجويزُ الانتقالِ على اللهِ -على ما يقولُه المُشَبِّهةِ- فهو باطِلٌ؛ لقولِ اللهِ تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] ، وظاهِرُه مُتشابِهٌ، وحملُ المتشابِهِ على المُحكَمِ واجِبٌ، وإجراؤه على ظاهِرِه بِدعةٌ، وتأويلُه على وَفقِ الأصولِ لازِمٌ) [57] ((التيسير في التفسير)) (6/ 365 - 367). .
وقال في تفسيرِ قَولِه تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: 50] : (أي: الذي هو قاهِرٌ لهم على السُّلطانِ عليهم إن خالفوه) [58] ((التيسير في التفسير)) (9/ 279). .
وقال في تفسيرِ سورةِ المُلْكِ: (أَأَمِنْتُمْ [الملك: 16] أيُّها المُشرِكونَ مَنْ فِي السَّمَاءِ، أي: اللهَ الذي في السَّماءِ سُلطانُه، وهو كقَولِه: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ [الأنعام: 3] ) [59] ((التيسير في التفسير)) (14/ 512). .
وقال في تفسيرِ قَولِه تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] : (أي: ملائكةُ ربِّك بأمْرِه، وقيل: أي: عذابُ رَبِّك) [60] ((التيسير في التفسير)) (15/ 349). .
6- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: أحمدُ الغَزْنَويُّ (ت 593هـ)
قال ابنُ العديمِ: (أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ محمودِ بنِ سعيدٍ الغَزْنَويُّ، الفقيهُ، المعروفُ بالتَّاجِ الحنفيِّ، وقيل فيه: أحمدُ بنُ محمودِ بنِ سعيدٍ، وهو الصَّحيحُ، كان فقيهًا فاضلًا من أصحابِ الإمامِ أبي حنيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أقام بحَلَب مدَّةً مُعيدًا بالمدرسةِ النُّوريَّةِ المعروفةِ بالحلاويينَ في أيَّامِ ولايةِ الإمامِ علاءِ الدِّينِ أبي بكرٍ الكاشانيِّ، وانتفع به جماعةٌ من الفُقَهاءِ، وصنَّف في الفقهِ وعلومِه كتُبًا حسنةً؛ منها كتابُ روضةِ العُلَماءِ في الفقهِ، ومُقَدِّمةٌ في الفقهِ مختَصَرةٌ، وكتابٌ في أصولِ الفِقهِ وأصولِ الدِّين) [61] ((بغية الطلب فى تاريخ حلب)) (3/ 1029). .
وقال ابنُ قُطْلُوبَغا: (تفَقَّه على أحمدَ بنِ يوسُفَ الحُسَينيِّ العَلَويِّ، وتفَقَّه به جماعةٌ، وصنَّف كتابَ روضةِ اختلافِ العُلَماءِ، ومقدِّمةً في الفقهِ عُرِفَت بالغَزنويَّةِ، وكتابًا في أصولِ الفقهِ، وكتابَ رَوضةِ المُتكلِّمين في أصولِ الدِّينِ، وكتابَ المنتقى من روضةِ المُتكلِّمين، وكتابَ البدايعِ في الفِقهِ) [62] ((تاج التراجم)) (ص: 104). .
وفي كتابِه أصولِ الدِّينِ يُقَرِّرُ عقيدةَ الماتُريديَّةِ، ومن ذلك قولُه: (صانعُ العالَمِ ليس فوقَ العالمِ ولا في جهةٍ خارِجةٍ عنه) [63] ((أصول الدين)) (ص: 70). .
وقولُه: (التكوينُ صفةُ الباري سُبحانَه وتعالى؛ لأنَّ حُدوثَ العالمِ بتكوينِه، فكان هو المحَدِّثَ والمكَوِّنَ، فيكونُ التَّكوينُ صِفتَه) [64] ((أصول الدين)) (ص: 113). .
وقولُه: (الإيمانُ هو التَّصديقُ بالقَلبِ) [65] ((أصول الدين)) (ص: 252). .
وقولُه: (اعلَمْ أنَّ قولَه: أنا مؤمِنٌ إن شاء اللهُ تعالى استثناءٌ، والاستثناءُ شَكٌّ، والشَّكُّ في أصلِ الإيمانِ كُفرٌ وضلالٌ) [66] ((أصول الدين)) (ص: 263). .
7- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: بُرْهانُ الدِّينِ النَّسَفيُّ (ت 687 هـ)
قال الذَّهَبيُّ: (محمَّدُ بنُ محمَّدِ بنِ محمَّدٍ، الشَّيخُ بُرْهانُ الدِّينِ النَّسَفيُّ، الحَنَفيُّ، الفيلسوفُ، المُتكلِّمُ، المنطيقيُّ، صاحِبُ التَّصانيفِ، قال ابنُ الفوطيِّ: هو شيخُنا الحكيمُ المحَقِّقُ، العلَّامُة، المدَقِّقُ، له التَّصانيفُ الشَّهيرةُ، وكان أوحَدَ في الخلافِ والفلسفةِ، مُتِّع بحواسِّه، وكان زاهِدًا، وقد لخَّص تفسيرَ الفَخرِ الرَّازيِّ) [67] ((تاريخ الإسلام)) (15/ 600). .
وقال حاجي خليفة: (الشَّيخُ بُرْهانُ الدِّينِ أبو الفُضَيلِ محمَّدُ بنُ محمَّدٍ البُرْهانُ النَّسَفيُّ، الحنفيُّ المُفَسِّرُ، المتوفَّى ببغدادَ في 23 ذي الحجَّةِ سنةَ سبعٍ وثمانينَ وستِّمائةٍ، عن سبعٍ وثمانينَ سنةً، كان إمامًا بارعًا في العلومِ الشَّرعيَّةِ والفلسفيَّةِ، صنَّف مختَصَر التَّفسيرِ الكبيرِ، وله مقدِّمةٌ في الخلافِ والجَدَلِ، وقد اشتَهَر بـالفصولِ، ومنتخَبِ المدارِكِ، وشرحِ الأسماءِ الحُسنى، والرِّسالةِ القُدسيَّةِ، ومطلَعِ السَّعادةِ، وشرحِ الإشاراتِ، ورسالةٍ في الدَّورِ والتَّسلسُلِ، وفوائِدِ الجامِعِ الصَّغيرِ... ومِن مصنَّفاتِه: مدارِكُ الأحكامِ، ورسالةٌ في الفرائِضِ، وجامِعُ النَّظَرِ، والنُّكَتُ المشهورةُ وشرحُها، وأساسُ الكتابةِ في الحِكمةِ، ورسالةٌ في مباحِثِ أقليدِس، والمنتَخَبُ عن نهايةِ العقولِ، ورسالةٌ في تناهي الأفعالِ، ومباحِث الفُحولِ) [68] ((سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) (3/ 252). .
أورده هاني السَّباعيُّ مع مشاهيرِ عُلَماءِ الماتُريديَّةِ [69] يُنظر: ((مسائل الإيمان)) (ص: 161). .
8- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: أبو البَرَكاتِ النَّسَفيُّ (ت 710هـ)
قال حاجي خليفة: (أبو البركاتِ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ محمودٍ، الشَّهيرُ بحافظِ الدِّينِ النَّسَفيُّ الحَنَفيُّ، المتوفَّى بإيذج في ربيعٍ الأوَّلِ سنةَ إحدى وسبعِمائةٍ، وقيل: عَشرةٍ وسَبعِمائةٍ... له مؤلَّفاتٌ مفيدةٌ، منها المستصفى شرحُ المنظومةِ، والكافي شرحُ الوافي، وكنزُ الدَّقائِقِ، والمنارُ، والعمدةُ، والكَشفُ شَرحُ المنارِ، والاعتمادُ شَرحُ العُمدةِ) [70] ((سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) (2/ 203). .
وقال اللَّكنويُّ: (كان إمامًا كاملًا عديمَ النَّظيرِ في زمانِه، رأسًا في الفقهِ والأصولِ، بارعًا في الحديثِ ومعانيه، تفَقَّه على شمسِ الأئمَّةِ محمَّدِ بنِ عبدِ السَّتَّارِ الكُردريِّ، وعلى حميدِ الدِّينِ الضَّريرِ، وبدرِ الدِّينِ خواهِر زاده، وله تصانيفُ مُعتبرةٌ، منها الوافي مَتنٌ لطيفٌ في الفروعِ، وشرحُه الكافي، وكَنزُ الدَّقائقِ مَتنٌ مشهورٌ في الفقهِ، والمصفَّى شرحُ المنظومةِ النَّسَفيَّةِ، والمستصفى شرحُ الفقهِ النَّافِعِ، والمنارُ مَتنٌ في الأصولِ، وشرحُه كَشفُ الأسرارِ، والاعتمادُ شَرحُ العمدةِ) [71] ((الفوائد البهية في تراجم الحنفية)) (ص: 102). .
وفي تفسيرِ النَّسَفيِّ مواضِعُ كثيرةٌ تدُلُّ على أنَّه ماتُريديٌّ، من ذلك قولُه: (الإيمانُ الصَّحيحُ أن يُقِرَّ باللِّسانِ، ويُصَدِّقُ بالجَنانِ، والعَمَلُ ليس بداخِلٍ في الإيمانِ) [72] ((تفسير النسفي)) (1/ 41). .
وقَولُه: (ثُمَّ اسْتَوَى استولى عَلَى الْعَرْشِ أضاف الاستيلاءَ إلى العرشِ، وإن كان سُبحانَه وتعالى مستوليًا على جميعِ المخلوقاتِ؛ لأنَّ العَرشَ أعظَمُها وأعلاها، وتفسيرُ العَرشِ بالسَّريرِ، والاستواءُ بالاستقرارِ -كما تقولُه المُشَبِّهةُ- باطِلٌ؛ لأنَّه تعالى كان قَبلَ العَرشِ ولا مكانَ، وهو الآنَ كما كان؛ لأنَّ التَّغيُّرَ من صفاتِ الأكوانِ) [73] ((تفسير النسفي)) (1/ 573). ويُنظر: ((تفسير النسفي)) (1/ 116). .
9- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: جمالُ الدِّينِ ابنُ السَّرَّاجِ القُونويُّ (ت 770 أو 771هـ أو 777 ه)
قال ابنُ ناصر الدِّينِ: (الشَّيخُ الإمامُ العلَّامةُ، قاضي قُضاةِ المُسلِمينَ، جمالُ الدِّينِ، مفيدُ الطَّالبينَ، أبو الثّناءِ محمودُ بنُ الشَّيخِ شِهابِ الدِّينِ أبي العبَّاسِ أحمدَ بنِ مسعودٍ، الشَّهيرُ بابنِ السَّرَّاجِ، القُونَويُّ الحَنَفيُّ، له دروسٌ تشهَدُ بتقدُّمِه وفهمِه، ومؤلَّفاتٌ تُفصِحُ عن تحقيقِه وعلمِه، تُوفِّي سنةَ سبعينَ وسَبعِمائةٍ بدِمَشقَ عن ستٍّ وسبعينَ سَنةً، كتب بخَطِّه خطبةً من خُطَبِ الشَّيخِ تقيِّ الدِّينِ، ثمَّ كَتَب ابنُ السَّرَّاجِ بعد فراغِه منها: هذه الخُطبةُ خَطَب بها شيخُ الإسلامِ تقيُّ الدِّينِ أبو العبَّاسِ ابنُ تيميَّةَ حين خرجَ من حبسِ الإسكندريَّةِ بالمَدرسةِ الكامليَّةِ في القاهِرةِ في جمعٍ كثيرٍ من العُلَماءِ والأمَراءِ وغَيرِهم، انتهى ما كَتَبه) [74] ((الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر)) (ص: 125). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (كان فاضلًا في الأصولِ والفقهِ، وَقورًا ساكنًا، يُرَتِّلُ عبارتَه، وله مؤلَّفاتٌ، ودرسَ بالخاتونيَّةِ والرَّيحانيَّةِ وغيرِهما، ثمَّ وَلِي قضاءَ الحَنَفيَّةِ بدِمَشقَ مرَّتينِ) [75] ((الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة)) (6/ 80). .
وقال حاجي خليفة: (تفَقَّه وبرع ودرَّس وأفتى، وكان فاضلًا في الأصولِ والنَّحوِ، رأسًا في المَذهَبِ، له مؤلَّفاتٌ؛ منها خلاصةُ النِّهايةِ للسغناقيِّ، ومختَصَرُ القنيةِ، وشرحُ المغني في أصولِ الفقهِ ثلاثُ مجلَّداتٍ، والقلائِدُ في شرحِ العقائِدِ مجلَّدٌ، والتَّفريدُ ومختصَرُ تجريدِ القُدوريِّ أربعُ مجلَّداتٍ، والزُّبدةُ في شرحِ العُمدةِ مجلَّدٌ، والتَّكمِلةُ في فوائِدِ الهدايةِ مجلَّدٌ، والمعتَمَدُ مختَصَرُ مسنَدِ أبي حنيفةَ، والمُستَنَد شرحُ المعتَمَد مُجَلَّدٌ، والغنية في الفتاوى مُجَلَّداتٌ، ومنتخَبُ وقفي هلال، والخصافُ والإعجازُ والاعتراضُ، ومَشرِقُ الأنوارِ في مشكِلِ الآثارِ، ومُقَدِّمةُ رفعِ اليدَين)ِ [76] ((سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) (3/ 307). .
وقال اللَّكنويُّ: (أبو الثَّناءِ جمالُ الدِّينِ القُونَويُّ، كان عالِمًا فاضلًا، له مشاركةٌ في العلومِ العقليَّةِ والنَّقليَّةِ، أخذ عن أبيه عن أبي العبَّاسِ أحمدَ، عن جلالِ الدِّينِ الخبازيِّ، عن عبدِ العزيزِ البُخاريِّ، عن فخرِ الدِّينِ محمَّدٍ المايمرغيِّ، عن محمَّدِ بنِ عبدِ السَّتارِ الكُردريِّ، عن صاحِبِ الهدايةِ، ودرس وأفتى، ووَلِيَ قضاءَ دِمَشقَ) [77] ((الفوائد البهية في تراجم الحنفية)) (ص: 207). .
وقال الزِّرِكليُّ: (قاضٍ، من فُقهاءِ الحَنَفيَّةِ. له مشاركةٌ في العلومِ العقليَّةِ .. من كتُبِه (بغُية القنيةِ) فقهٌ، و(المنتهى) في شرحِ المغني في الأصولِ، ثلاث مُجَلَّداتٍ، و(الزُّبدة شَرحُ العُمدةِ) في أصولِ الدِّينِ، و(المُعتَمَد) في القادريَّةِ ببغدادَ، كُتِبَ سنة 830 في 78 ورقة، اختَصَر به مسنَدَ أبي حنيفةَ، و(مَشرِقُ الأنوارِ في مُشكِلِ الآثارِ) و(الغنية في الفتاوي) و(التفريد في شرحِ التَّجريدِ للقُدوريِّ) و(تهذيبُ أحكامِ القُرآنِ) و(شرحُ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ) [78] ((الأعلام)) (7/ 162). .
فهو من الحَنَفيَّةِ المتصَدِّين للتَّأليفِ في تقريرِ عقيدةِ الماتُريديَّةِ، فله ثلاثةُ كُتُبٍ في العقيدةِ: القلائِدُ في شَرحِ العقائِدِ، والزُّبدةُ في شرحِ العُمدةِ في أصولِ الدِّينِ، وشَرحُ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ.
10- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: عبدُ القادِرِ القُرَشيُّ (ت 775هـ)
قال ابنُ حَجَرٍ: (عبدُ القادِرِ بنُ محمَّدِ بنِ محمَّدِ بنِ نصرِ اللهِ بنِ سالمِ بنِ أبي الوفاءِ القُرَشيُّ مُحيي الدِّينِ الحَنَفيُّ أبو محمَّدٍ، عُنِيَ بالفقهِ حتَّى مَهَر، ودرَّس وأفتى، وأجاز له الدِّمياطيُّ وغيرُه، وسمع بمكَّةَ من الرَّضيِّ الطَّبَريِّ، وسَمِع من أبي الحسَنِ بنِ الصَّوَّافِ، وحَسَنِ بنِ عُمَرَ الكُرديِّ، والرَّشيدِ بنِ المُعلمِ، والشَّريفِ عليِّ بنِ عبدِ العظيمِ الرَّسيِّ، وجمعٍ كثيرٍ... وجمَع طَبَقاتِ الحَنَفيَّةِ، وخرَّج أحاديثَ الهدايةِ، وغير ذلك، وخطُّه حسَنٌ جِدًّا، سمِعَ منه الكِبارُ، وحدَّث عنه شيخُنا الحافِظُ أبو الفَضلِ ومَن بَعدَه) [79] ((الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة)) (3/ 191). .
وقال ابنُ قُطْلُوبَغا: (سَمِع وحدَّث، وأفتى ودرَّس، وصنَّف كتابَ العنايةِ في تخريجِ أحاديثِ الهدايةِ، وكتابَ الوسائِلِ في تخريجِ أحاديثِ الدَّلائِلِ، ويُسَمِّيه أيضًا المجموعَ، وشَرحَ معاني الآثارِ للطَّحاويِّ، وكتابَ الدُّرَرِ المنيفةِ في الرَّدّ على ابنِ أبي شيبةَ عن الإمامِ أبي حنيفةَ، وكتابَ الجواهِرِ المُضيئةِ في طبَقاتِ الحَنَفيَّةِ، وكتابَ ترتيبِ تهذيبِ الأسماءِ واللُّغاتِ، وكتابَ البُستانِ في فضائِلِ النُّعمانِ، ومختَصَرًا في علومِ الحديثِ، ومسائِلَ مجموعةً في الفقهِ، وقطعةً من شرحِ الخلاصةِ في مُجَلَّدينِ) [80] ((تاج التراجم)) (ص: 196) باختصار. .
وقال اللَّكنويُّ: (كان عالِمًا فاضلًا، جامعًا للعُلومِ، وأخذ العِلمَ عن جماعةٍ؛ منهم علاءُ الدِّينِ عليُّ بنُ عثمانَ التركمانيُّ، وهبةُ اللهِ التُّركستانيُّ، وسمِعَ وحَدَّث، وأفتى ودرَّس) [81] ((الفوائد البهية في تراجم الحنفية)) (ص: 99). .
ويظهَرُ في كتابِه الجواهِرِ المُضِيَّة في تراجِمِ الحَنَفيَّةِ تعظيمُه لأبي منصورٍ الماتُريديِّ، فهو ينقُلُ بعضَ أقوالِه مُقِرًّا له، ويصِفُه بالإمامِ وشيخِ الإسلامِ، ويذكُرُ بعضَ ما يدُلُّ على فضلِه وإمامتِه [82] يُنظر: ((الجواهر المضية في طبقات الحنفية)) (1/ 4، 70، 126، 127، 327، 356، 362، 363) و (2/ 130، 561). .
ومن ذلك قولُه: (الإمامُ أبو منصورٍ الماتُريديُّ رئيسُ أهلِ السُّنَّةِ، وأتباعُه من الحَنَفيَّةِ أكثَرُ، والإمامُ أبو الحسَنِ الأشْعَريُّ، وأتباعُه من الشَّافعيَّةِ أكثَرُ) [83] ((الجواهر المضية في طبقات الحنفية)) (1/ 562). .
11- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: كمالُ الدِّينِ بنُ الهُمَامِ (ت 861 هـ)
قال السَّخاويُّ: (محمَّدُ بنُ عبدِ الواحِدِ بنِ عبدِ الحميدِ بنِ مسعودٍ الكَمالُ بنُ همامِ الدِّينِ بنِ حميدِ الدِّينِ بنِ سعدِ الدِّينِ السيواسيُّ الأصلِ، ثمَّ القاهريُّ، الحَنَفيُّ، ويُعرَفُ بابنِ الهُمَامِ... لم يبرَحْ عن الاشتغالِ بالمعقولِ والمنقولِ حتى فاق في زمَنٍ يسيرٍ، وأشير إليه بالفَضلِ التَّامِّ، بحيث قال البُرْهانُ الأبناسيُّ: لو طُلِبت حُجَجُ الدِّينِ ما كان في بلَدِنا من يقومُ بها غيرُه... واستمرَّ يترقَّى في دَرجِ الكمالِ حتى صار عالِمًا مفنَّنًا علَّامةً مُتقِنًا، درَّس وأفتى وأفاد، وعكف النَّاسُ عليه، واشتَهَر أمرُه، وعَظُم ذِكرُه، وأوَّلُ ما وَلِيَ من الوظائفِ الكِبارِ تدريسُ الفقهِ بقُبَّةِ المنصوريَّةِ... وكان إمامًا علَّامةً عارفًا بأصولِ الدِّياناتِ، والتَّفسيرِ، والفقهِ وأصولِه، والفرائِضِ والحسابِ، والتَّصوُّفِ، والنَّحوِ والصَّرفِ، والمعاني والبيانِ والبديعِ، والمنطِقِ والجَدَلِ، والأدَبِ، وجُلِّ عِلمِ النَّقلِ والعقلِ، متفاوِتَ المرتبةِ في ذلك، مع قِلَّةِ عِلمِه في الحديثِ، عالمَ أهلِ الأرضِ، ومحَقِّقَ أُولي العَصرِ، حُجَّةً أُعجوبةً، ذا حُجَجٍ باهرةٍ، واختياراتٍ كثيرةٍ، وترجيحاتٍ قويَّةٍ، بل كان يصَرِّحُ بأنَّه لولا العوارِضُ البدنيَّةُ من طولِ الضَّعفِ والأسقامِ وتراكُمِهما في طولِ المُدَدِ، لبلغ رُتبةَ الاجتهادِ، فكم استخرج من مجمَعِ البحرينِ دُرًّا، وكم ضمَّ إليها ممَّا استخرجه من الكَنزِ شَذرةً إلى أُخرى، وكم وَصَل طالِبًا للهدايةِ بإيضاحِها وتبيينِها، وكم أنار لمنغَمِرٍ في ظُلماتِ الجهلِ بمنارِ الأصولِ وبراهينِها!... وهو أنظَرُ من رأيناه من أهلِ الفنونِ، ومن أجمَعِهم للعُلومِ، وأحسَنِهم كلامًا في الأشياءِ الدَّقيقةِ وأجلَدِهم على ذلك، مع الغايةِ في الإتقانِ، والرُّجوعِ إلى الحقِّ في المباحِثِ، ولو على لسانِ آحادِ الطَّلَبةِ، كُلُّ ذلك مع ملاحةِ التَّرسُّلِ، وحُسنِ اللِّقاءِ والسَّمتِ، ونورِ الشَّيبةِ، وكثرةِ الفُكاهةِ، والتَّودُّدِ والإنصافِ، وتعظيمِ العُلَماءِ، والإجلالِ للتَّقِيِّ ابنِ تيميَّةَ، وعَدَمِ الخوضِ فيما يخالِفُ ذلك، وعُلُوِّ الهِمَّةِ، وطِيبِ الحديثِ، ورِقَّةِ الصَّوتِ، وطراوةِ النَّغْمةِ جِدًّا، بحيث يُطرِبُ إذا أنشد أو قرأ، وإجادتِه للتكَلُّمِ بالفارسيِّ والتُّركيِّ، وسلامةِ الصَّدرِ، وسرعةِ الانفعالِ والتَّغيُّرِ، ومحاسِنُه كثيرةٌ، وقد حَجَّ غيرَ مَرَّةٍ، وجاوَرَ بالحرمينِ مُدَّةً... مات في يومِ الجمعةِ سابِعَ رمضانَ سَنةَ إحدى وسِتِّين، شهده السُّلطانُ فمَن دونَه، ودُفِن بالقرافةِ) [84] ((الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)) (8/ 127 - 132) باختصار وتصَرُّف. .
وقال السُّيوطيُّ: (تقدَّم على أقرانِه، وبرع في العلومِ، وتصدَّى لنشرِ العِلمِ، فانتفع به خلقٌ، وكان علَّامةً في الفقهِ والأصولِ، والنَّحوِ والتَّصريفِ، والمعاني والبيانِ، والتَّصوفِ وغَيرِها، محقِّقًا جدَليًّا نظَّارًا، وكان يقولُ: أنا لا أقلِّدُ في المعقولاتِ أحَدًا... وكان حَسَن اللِّقاءِ والسَّمتِ والبِشْرِ والبِزَّةِ، طيِّبِ النَّغْمةِ، مع الوَقارِ والهيبةِ، والتَّواضُعِ المُفرِطِ، والإنصافِ، والمحاسنِ الجَمَّةِ) [85] ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) (1/ 166). .
وقال الشَّوكانيُّ: (قَدِم القاهرةَ صَغيرًا، وحَفِظ عدَّةً من المختَصَراتِ، وعرَضَها على شيوخِ عَصرِه، ثمَّ شَرَع في الطَّلَبِ، وسافر إلى القُدسِ، وقرأ على علمائِه، وسمع من جماعةٍ؛ كالحافِظِ ابنِ حَجَرٍ وغيرِه، ولم يكثِرْ من عِلمِ الرِّوايةِ، وتبحَّر في غيرِه من العلومِ، وفاق الأقرانَ، وأشير إليه بالفضلِ التَّامِّ، وكان دقيقَ الذِّهنِ، عميقَ الفِكرِ، يُدَقِّقُ المباحِثَ حتى يُحَيِّرَ شيوخَه فضلًا عمَّن عداهم) [86] ((البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع)) (2/ 201) باختصار وتصَرُّف. .
وقال اللَّكنويُّ: (كان والدُه قاضِيًا بسيواسَ من بلادِ الرُّومِ، ثمَّ قَدِم القاهرةَ، ووَلِيَ خلافةَ الحُكمِ بها عن القاضي الحَنَفيِّ، ثمَّ وَلِيَ القضاءَ بالإسكندريَّةِ، وتزوَّج بها بنتَ القاضي المالكيِّ، فوُلِد له الكَمالُ محمَّدُ سنةَ ثمانٍ وثمانينَ وسَبعِمائةٍ، فاشتغل بعد ما ترعرعَ على أبيه، وعلى عُلَماءِ بَلَدِه، وكان إمامًا نَظَّارًا فارسًا في البحثِ، أُصوليًّا مُحَدِّثًا مُفَسِّرًا حافِظًا نحويًّا كلاميًّا منطقيًّا جَدَليًّا، وله تصانيفُ مقبولةٌ مُعتَبَرةٌ؛ منها شرحُ الهدايةِ المُسَمَّى بفتحِ القديرِ، والتَّحريرُ في الأصولِ، وغيرُ ذلك... وقد سلك في أكثَرِ تصانيفِه -لا سيَّما في فتحِ التَّقديرِ- مَسلَكَ الإنصافِ، متجَنِّبًا عن التَّعصُّبِ المَذهَبيِّ والاعتسافِ، إلَّا ما شاء اللهُ) [87] ((الفوائد البهية في تراجم الحنفية)) (ص: 180) باختصار. .
وكتابُ المسايرةِ في عِلمِ الكلامِ لابنِ الهُمَامِ مِن كُتُبِ الماتُريديَّةِ المشهورةِ، وقد شرَحَه قاسِم قُطْلُوبَغا الحَنَفيُّ وغيرُه [88] يُنظر: ((المسامرة في شرح المسايرة في علم الكلام مع حاشية ابن قطلوبغا)) (ص: 31، 71 – 73، 81، 82، 87، 151 - 153). .
12- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: قاسم قُطْلُوبَغا (ت 879هـ)
قال السَّخاويُّ: (قاسِمُ بنُ قُطْلُوبَغا الزَّينُ، وربمَّا لُقِّب الشَّرَف، أبو العَدلِ السودونيُّ، نسبةً لمُعتِقِ أبيه سودون الشَّيخونيِّ نائِبِ السَّلطنةِ، الجماليُّ الحَنَفيُّ، ويُعرَفُ بقاسم الحَنَفيُّ، وُلِد فيما قاله لي في المحرَّمِ سنةَ اثنتينِ وثمانمائةِ بالقاهرةِ، ومات أبوه وهو صغيرٌ، فنشأ يتيمًا، وحفِظَ القرآنِ، وكتبًا عَرَض بعضَها على العِزِّ بنِ جماعة، وتكسَّب بالخياطةِ وقتًا، وبرع فيها، ثمَّ أقبل على الاشتغالِ،... قرأ على السَّعدِ بنِ الديريِّ شَرْحَه لعقائِدِ النَّسَفيِّ، واشتدَّت عنايتُه بملازمةِ ابنِ الهُمَامِ بحيث سمِعَ عليه غالِبَ ما كان يُقرأُ عنده حتى مات، وكان معظَمُ انتفاعِه به، وممَّا قرأه عليه الرُّبعُ الأوَّلُ من شرحِه للهدايةِ، وقطعةٌ من توضيحِ صَدرِ الشَّريعةِ، وجميعُ المسايرةِ من تأليفِه، وطَلَب الحديثَ، وارتحل قديمًا مع شيخِه التَّاجِ النُّعمانيِّ إلى الشَّامِ، بحيث أخذ عنه جامِعَ مسانيدِ أبي حنيفةَ للخوارزميِّ، وعلومَ الحديثِ لابن الصَّلاحِ، وغيرَهما، وحجَّ غيرَ مرَّةٍ، ونظَرَ في كتبِ الأدَبِ ودواوينِ الشِّعرِ، فحَفِظ منها شيئًا كثيرًا، وعُرِف بقوَّةِ الحافظةِ والذَّكاءِ، وأشير إليه بالعِلمِ، وأذِنَ له غيرُ واحدٍ بالإفتاءِ والتَّدريسِ، ووصَفه ابنُ الديريِّ بالشَّيخِ العالمِ الذَّكيِّ، وشيخُنا بالإمامِ العلَّامةِ المحَدِّثِ الفقيهِ الحافِظِ، وتصدَّى للتدريسِ والإفتاءِ قديمًا، وأخذ عنه الفُضَلاءُ في فنونٍ كثيرةٍ، وأسمعَ من لفظِه جامِعَ مسانيدِ أبي حنيفةَ، وحمله النَّاسُ عنه قديمًا وحديثًا، وأقبل على التَّأليفِ -كما حكاه لي- من سنةِ عشرينَ وهَلُمَّ جَرًّا، وهو إمامٌ علَّامةٌ قَوِيُّ المشاركةِ في فنونٍ، ذاكِرٌ لكثيرٍ من الأدَبِ ومتعلِّقاتِه، واسِعُ الباعِ في استحضارِ مَذهَبِه، وكثيرٍ من زواياه وخباياه، متقدِّمٌ في هذا الفَنِّ، طَلقُ اللِّسانِ، قادِرٌ على المناظرةِ وإفحامِ الخَصمِ، لكِنْ حافظتَه أحسَنُ من تحقيقِه، مُغرَمٌ بالانتقادِ ولو لمشايخِه حتى بالأشياءِ الواضحةِ، كثيرُ الطَّرحِ لأمورٍ مُشكِلةٍ يمتحِنُ بها، وقد لا يكونُ عنده جوابُها؛ ولهذا كان بعُضهم يقولُ: إنَّ كلامَه أوسَعُ من عِلمِه، وأمَّا أنا فأزيدُ على ذلك بأنَّ كلامَه أحسَنُ من قلمِه، مع كونِه غايةً في التَّواضُعِ، وطرحِ التَّكلُّفِ، وصفاءِ الخاطِرِ جِدًّا، وحُسنِ المحاضرةِ، لا سيَّما في الأشياءِ التي يحفَظُها، وعَدَمِ اليُبسِ والصَّلابةِ، والرَّغبةِ في المذاكرةِ للعِلمِ، وإثارةِ الفائدةِ، والاقتباسِ ممَّن دونه، وقُصِدَ بالفتاوى في النَّوازِلِ والمُهِمَّاتِ، واشتَهَر بالمناضَلةِ عن ابنِ عَرَبي مع حُسنِ عقيدتِه... تعلَّل الشَّيخُ مدَّةً طويلةً بمَرَضٍ حادٍّ، ومات سنة 879 رحمه الله وإيَّانا) [89] ((الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)) (6/ 184 - 189) باختصار وتصَرُّف. .
وقال حاجي خليفة: (الشَّيخُ زينُ الدِّينِ أبو العَدلِ قاسِمُ بنُ قُطْلُوبَغا، القاهريُّ الحَنَفيُّ، المتوفَّى بها في ربيعٍ الآخِرِ سنةَ تِسعٍ وسبعينَ وثمانمائةٍ، وله سبعٌ وسبعون سنةً، حَفِظ القرآنَ وكُتُبًا، وسمع بعضَ التَّفسيرِ على العلاءِ البخاريِّ، وأخذ علومَ الحديثِ من ابنِ حَجَرٍ، وتفَقَّه على قارئِ الهدايةِ، ولازمَ ابنَ الهُمَامِ في فنونٍ، وكان معظَمُ انتفاعِه به، وسمع الحديثَ من ابنِ الجَزَريِّ، والزَّينِ الزَّركشيِّ، والتَّقيِّ المقريزيِّ، ورحل إلى الشَّامِ والقُدسِ، وحجَّ، وحَفِظ من الأدَبِ ودواوينِ الشِّعرِ شيئًا كثيرًا، وعُرِف بقوَّةِ الحافظةِ والذَّكاءِ، وأذِنَ له بالتَّدريسِ والإفتاءِ، وأخذ عنه الفُضَلاءُ، كالبِقاعيِّ والسَّخاويِّ، ثمَّ أقبل على التَّأليفِ، وكان فقيهًا واسِعَ الباعِ في استحضارِ مَذهَبِه، لكن حافظتُه أحسَنُ من تحقيقِه، مغرَمٌ بالانتقادِ ولو لمشايخِه، وكان في غالِبِ عُمُرِه أحدَ صوفيَّةِ الأشرفيَّةِ، ولم يَلِ وظيفةً تُناسِبُه مع اشتهارِه وتقدُّمِه) [90] ((سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) (3/ 23) باختصار. .
ومن كُتُبِه المشهورةِ في عقائدِ الماتُريديَّةِ حاشيتُه المشهورةُ على كتابِ المسايرةِ في علمِ الكلامِ لابنِ الهُمَامِ.
13- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: مُلَّا علي القاري (ت 1014هـ)
قال حاجي خليفة: (الشَّيخُ الفاضِلُ العلَّامةُ نورُ الدِّينِ عليُّ بنُ سلطانِ بنِ محمَّدٍ الهَرَويُّ الحَنَفيُّ، المعروفُ بالقاري، نزيلُ مكَّةَ، قرأ ببلادِه، وحَصَّل ومَهَر في الفنونِ معقولًا ومشروعًا، ثمَّ حَجَّ وجاوَرَ بمكَّةَ إلى أن مات، وكان شيخًا فاضلًا، ذا شيبةٍ وهيبةٍ ووقارٍ، زاهِدًا متوَرِّعًا لا يأكُلُ إلَّا من كَسبِ يَدِه، وكان يكتُبُ كُلَّ سَنةٍ مُصحَفًا بخَطٍّ حسَنٍ، ويكتفي بثمَنِه إلى العامِ القابِلِ، وكان شديدًا على أهلِ البِدعةِ لا يخافُ في اللهِ لومةَ لائمٍ، وكان أهلُ مكَّةَ في حقِّه فريقينِ: لتعَصُّبِه على ابنِ عَرَبي وأمثالِه، كما هو دأبُ النَّاسِ في مِثلِه، وكان مفيدًا للطَّالبينَ، أفتى ودَرَّس، وصنَّف كتبًا كثيرةً وضعها لهم، منها شَرحٌ كبيرٌ على المِشكاةِ، وسمَّاه المِرقاةَ، وتفسيرُ القرآنِ العظيمِ، وشَرحُ الفقهِ الأكبرِ، وكتابُ الأحاديثِ الموضوعةِ، وشَرحُ شَرحِ النُّخبةِ، وشَرحُ الشِّفاءِ، وله شرحٌ صحيحُ مُسلِمٍ، وشرحُ رسالةِ القُشَيريِّ في مُجَلَّدين، وشَرحُ الجامعِ الكبيرِ والصَّغيرِ للسُّيوطيِّ مُجَلَّدات، وشَرحُ الشَّمائلِ مُجَلَّدٌ، وشرحُ الوقايةِ في مُجَلَّدينِ، وحاشيةُ شَرحِ المقاصِدِ، وحاشيةُ المواهِبِ اللَّدنِّيَّةِ، وحاشيةُ فَتحِ القديرِ لابنِ الهُمَامِ في مُجَلَّدين، وحاشيةُ تفسيرِ الجلالينِ، وحاشيةُ شَرحِ الشَّاطبيَّةِ للجعبريِّ) [91] ((سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) (2/ 392) باختصار. .
وقال المحبِّي: (وُلِد بهراةَ، ورحل إلى مكَّةَ وتدَيَّرها، وأخذ بها عن الأستاذِ أبي الحَسَنِ البكريِّ، والسَّيِّدِ زكريَّا الحُسَينيِّ، والشهاب أحمد بن حجر الهيتمي، والشَّيخِ أحمدَ المصريِّ؛ تلميذِ القاضي زكريَّا، والشَّيخِ عبدِ اللهِ السنديِّ، والعلَّامةِ قُطبِ الدِّينِ المكِّيِّ، وغيرِهم، واشتهر ذِكرُه، وطار صيتُه، وألَّف التَّآليفَ الكثيرةَ، اللَّطيفةَ التَّأديةِ، المحتويةَ على الفوائدِ الجليلةِ،... وكانت وفاتُه بمكَّةَ في شوَّالٍ سنةَ أربعَ عَشرةَ وألفٍ، ودُفِن بالمُعَلَّاةِ، ولمَّا بلغ خَبَرُ وفاتِه عُلَماءَ مِصرَ صَلَّوا عليه بجامِعِ الأزهَرِ صلاةَ الغَيبةِ في مجمَعٍ حافِلٍ يجمَعُ أربعةَ آلافِ نَسَمةٍ فأكثَرَ) [92] ((خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر)) (3/ 185). .
ومن كُتُبِه المعتَمَدةِ عِندَ الماتُريديَّةِ: منحُ الرَّوضِ الأزهَر في شَرحِ الفِقهِ الأكبَر للقاري، وفيه يقرِّرُ عقيدةَ الماتُريديَّةِ، ويكثِرُ النَّقلَ عن أئمَّتِهم، وصرَّح في بعضِ المواضِعِ بقولِه: أصحابُنا الماتُريديَّةُ [93] ((منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر)) (ص: 53، 66، 80، 83، 94، 104، 127). .
14- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: محمود حَسَن الديوبنديُّ (ت 1339هـ)
قال الطَّالبي: (مولانا محمود حَسَن الديوبنديُّ، المعروفُ بشيخِ الهندِ، الشَّيخُ العالمُ الكبيرُ العلَّامةُ المحدِّثُ محمود حَسَن بنُ ذو الفقارِ عَلِي الحَنَفيُّ الديوبنديُّ، أعلَمُ العُلَماءِ في العلومِ النَّافعةِ، وأحسَنُ المتأخِّرين مَلَكةً في الفِقهِ وأصولِه، وأعرَفُهم بنصوصِه وقواعِدِه، وُلِد سنةَ ثمانٍ وستين ومائتينِ وألفٍ في بريلي، ونشَأَ بديوبند، وقرأ العِلمَ على مولانا السَّيِّدِ أحمد الدِّهْلَويِّ، ومولانا يعقوبَ بنِ مملوكٍ العلي، وعلى العلَّامةِ محمَّد قاسم، وعلى غيرِهم من العُلَماءِ، وصَحِب مولانا محمَّد قاسم المذكورَ مُدَّةً طويلةً، وانتفع به كثيرًا، حتى صار بارعًا في العلومِ، وولي التَّدريسَ في المدرسةِ العربيَّةِ بديوبند سَنَةَ اثنتينِ وتِسعينَ ومائتينِ وألفٍ، ثمَّ أخذ الطَّريقةَ عن الشَّيخِ رشيد أحمد الكنكوهيِّ، وكان يتردَّدُ إليه غيرَ مَرَّةٍ في السَّنةِ، وحصَلَت له الإجازةُ منه، لقيتُه بديوبندَ غيرَ مرَّةٍ، ووجدتُه ملازِمًا للعبادةِ والوَرَعِ، وقيامِ اللَّيلِ، والسَّدادِ في الرِّوايةِ، سريعَ الإدراكِ، شديدَ الرَّغبةِ في المذاكَرةِ بالعِلمِ، ذا عنايةٍ تامَّةٍ بالفقهِ وأصولِه، يحفَظُ مُتونَ الأحاديثِ، وانتهت إليه رئاسةُ الفُتيا والتَّدريسِ في آخِرِ أمرِه. وكان سافر إلى الحجازِ للحَجِّ والزِّيارةِ غيرَ مَرَّةٍ، سافر في سنةِ أربعٍ وتسعينَ ومائتينِ وألفٍ في جماعةٍ صالحةٍ من الشُّيوخِ: الشَّيخِ محمَّد قاسم، والشَّيخِ رشيد أحمد، والشَّيخِ يعقوب، والشَّيخِ رفيعِ الدِّينِ، والشَّيخِ محمَّد مظهر، والمولويِّ أحمد حَسَن الكانبوريِّ، وخَلقٍ آخَرينَ، فحَجَّ وزار، وأدرك بمكَّةَ المباركةِ الشَّيخَ الكبيرَ إمدادَ اللهِ العمريَّ التَّهانويَّ، والعلَّامةَ رحمة الله بنَ خليلِ الرَّحمنِ الكرانويَّ، وبالمدينةِ المنورةِ الشَّيخَ عبدَ الغنيِّ بنَ أبي سعيدٍ العمريَّ الدِّهْلَويَّ، ولمَّا تُوفِّي مولانا محمَّد يعقوب النَّانوتويَّ، وسافر مولانا السَّيدُ أحمد الدِّهْلَويُّ إلى بهوبالَ، ولي الشَّيخُ محمود حَسَن رئاسةَ التَّدريسِ سنةَ خمسٍ وثلاثمائةٍ وألفٍ، وشمَّر عن ساقِ الجِدِّ والاجتهادِ في تعليمِ عُلومِ السُّنَّة، وتخريجِ الطَّلَبةِ، وتربيةِ الطَّالبينَ، ونفع اللهُ به في هذه الفترةِ نفعًا عظيمًا، وكان قد وضع خطَّةً لتحريرِ الهندِ من حُكمِ الإنجليزِ، كان يريدُ أن يستعينَ فيها بالحكومةِ الأفغانيَّةِ والخلافةِ العثمانيَّةِ، وهيَّأ لها جماعةً من تلاميذِه وممَّن يثِقُ بهم من أصحابِه، وكان في مقدِّمَتِهم المولوي عبيدُ اللهِ السنديُّ، وأرسله إلى أفغانستانَ، وكان الاتصالُ بينه وبَينَ تلاميذِه وأصحابِه في الحُدودِ الشَّماليَّةِ وفي أفغانِستانَ، ولَمَّا تمَّ لهم بعضُ ذلك ومَهَّدوا الأرضَ للثَّورةِ، واشتدَّت عليه الرَّقابةُ في الهندِ سافر إلى الحجازِ سنةَ ثلاثٍ وثلاثينَ وثلاثمائةٍ وألفٍ، وأقام بمكَّةَ، وقابل غالب باشا الواليَ التُّركيَّ سِرًّا، ثمَّ سافر إلى المدينةِ المنوَّرةِ، وقابَلَ أنور باشا وزيرَ الحربيَّةِ، وجمال باشا القائِدَ العامَّ للجيشِ العُثمانيِّ الرَّابع حينَ زار المدينةَ المنوَّرةَ، وفاوضهما في طرُقِ إعانةِ المُسلِمينَ في الهندِ، ونفيِ الإنجليزِ منه، وأخذ منهما رسالةً سِرِّيَّةً إلى الشَّعبِ الهِنديِّ، والوَعدَ بتأييدِ القضيَّةِ الهِنديَّةِ، وحمل أهل الهندِ على مساعدةِ الشَّيخِ محمود حسن والاعتمادِ عليه، وأُخِذت صُوَرُ هذه الوثيقةِ، وقرَّر تسريبَها إلى الهندِ وأفغانستانَ بطريقةٍ سِرِّيَّةٍ، واكتَشَفت الحكومةُ الإنجليزيَّةُ المؤامرةَ، فصرفت عنايتَها إلى القبضِ على زعيمِ هذه الحركةِ وقُطبِ رحاها، وكان الشَّريفُ حُسَين أميرُ مكَّةَ قد خرج عن الدَّولةِ العثمانيَّةِ، وثار عليها بتحريضِ الدَّولةِ الإنجليزيَّةِ، فأوعزت إلى الشَّريفِ بإلقاءِ القبضِ عليه وتسليمِه إلى الحكومةِ الإنجليزيَّةِ، فأُلقيَ القبضُ عليه في صَفَر سنةَ خَمسٍ وثلاثينَ وثلاثمائةٍ وألفٍ، وسُفِّر إلى مصرَ، ومنها إلى مالطة، ولَبِث في مالطة نحوَ ثلاثِ سَنَواتٍ وشهرينِ صابرًا محتَسِبًا، عاكفًا على الذِّكرِ والعبادةِ، مُنصَرِفًا إلى التَّربيةِ والإفادةِ، راضيًا بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وأُطلِقَ سراحُه ومَن معه سنةَ ثمانٍ وثلاثينَ وثلاثمائةٍ وألفٍ، ووصل إلى الهندِ مُكَرَّمًا مُبَجَّلًا، قد مالت إليه القلوبُ، وتطلَّعت إليه النُّفوسُ، وقد غلب لقَبُ شيخِ الهندِ على اسمِه، فاشتَهَر في العامَّةِ والخاصَّةِ، واستُقبِل استقبالًا عظيمًا في كلِّ بقعةٍ نزل فيها أو مرَّ بها، وتقاطر النَّاسُ لاستقبالِه وزيارتِه، واحتفل به أهلُ وَطَنِه احتفالًا كبيرًا، وكان قد أضناه الأسْرُ، ووَهَنَت قُواه لمقاساتِه للأمراضِ، ومعاناتِه للمَشَقَّةِ والمجاهَدةِ، ولكِنَّه لم يستجِمَّ من عنائِه، ولم يستَقِرَّ في وطنِه، بل قام بجولةٍ في مُدُنِ الهندِ، ووضع حَجَرَ أساسِ الجامعةِ المليَّةِ الإسلاميَّة، وألقى الخُطَبَ وأصدر الفتاوى، ودعا إلى مقاطعةِ الحكومةِ الإنجليزيَّةِ، ورجع إلى دِهلي، واشتَدَّ به المرضُ والضَّعفُ، حتى وافاه الأجَلُ في الثَّامِنَ عَشَرَ من ربيعٍ الأوَّلِ سنةَ تِسعٍ وثلاثينَ وثلاثمائةٍ وألفٍ، ونُقِل جَسَدُه إلى ديوبندَ، وصلَّى عليه جمعٌ كبيرٌ، ودُفِن بجوارِ أستاذِه الإمامِ قاسم النَّانوتويِّ) [94] ((الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام)) (8/ 1377 - 1379) باختصار. .
وكان من أشهَرِ مُدَرِّسي الجامِعةِ البيونديَّةِ التي تعتَمِدُ العقيدةَ الماتُريديَّةَ.
15- من أعلامِ الماتُريديَّةِ: محمَّد زاهد الكَوثرَيُّ (ت 1339هـ)
قال الزِّرِكليُّ: (محمَّد زاهد بنِ الحَسَن بنِ عليٍّ الكَوثريُّ: فقيهٌ حَنَفيُّ، جركسيُّ الأصلِ، له اشتغالٌ بالأدَبِ والسِّيَرِ. وُلِد ونشأ في قريةٍ من أعمالِ دوزجة بشرقيِّ الآستانةِ، وتفَقَّه في جامِعِ الفاتِحِ بالآستانةِ، ودرَّس فيه، وتولَّى رياسةَ مجلِسِ التَّدريسِ، واضطهده الاتحاديُّون في خلالِ الحربِ العالميَّةِ الأولى؛ لمعارضتِه خُطَّتَهم في إحلالِ العلومِ الحديثةِ محَلَّ العلومِ الدِّينِيَّةِ في أكثَرِ حِصَصِ الدِّراسةِ. ولَمَّا ولي الكماليُّونَ وجاهروا بالإلحادِ، أريد اعتقالُه، فركب إحدى البواخِرِ إلى الإسكندريَّةِ سنة 1341هـ - 1922م، وتنقَّل زمنًا بَينَ مصرَ والشَّامِ، ثمَّ استقرَّ في القاهرةِ، موظَّفًا في دارِ المحفوظاتِ لترجمةِ ما فيها من الوثائقِ التُّركيَّةِ إلى العربيَّةِ. وتُوفِّي بالقاهرةِ. وكان يجيدُ العربيَّةَ والتُّركيَّةَ والفارسِيَّةَ والجركسيَّةَ، وفي نطقِه بالعربيَّةِ لكنةٌ خفيفةٌ. له تعليقاتٌ كثيرةٌ على بعضِ المطبوعاتِ في أيَّامِه؛ في الفقهِ والحديثِ والرِّجالِ. وله تآليفُ؛ منها (تأنيبُ الخطيب على ما ساقه في ترجمةِ أبي حنيفةَ مِن الأكاذيب - ط) ويعني بالخطيبِ صاحِبَ تاريخِ بغدادَ، و(النُّكَت الطَّريفة في التَّحدُّثِ عن ردودِ ابنِ أَبي شَيْبَة على أبي حنيفة - ط)، و (الاستبصارُ في التَّحدُّثِ عن الجَبرِ والاختيار - ط) ورسائِلُ في تراجِمِ (الإمامِ زُفَر) و(أبي يوسَفَ القاضي) و(محمَّدِ بنِ الحَسَنِ الشَّيبانيِّ) و(البَدرُ العَينيُّ) و(الإمامينِ الحسَنِ بنِ زيادٍ ومحمَّدِ بنِ شجاعٍ) و(الطَّحاوي) كلُّها مطبوعةٌ. وله نحوُ مئةِ مقالةٍ جمعها السَّيد أحمد خيري في كتابِ مقالاتِ الكَوْثَريِّ، وتناوله بعضُ الفُضَلاءِ بالنَّقدِ في كتابِ الكَوْثَريِّ وتعليقاتِه) [95] ((الأعلام)) (6/ 129) باختصارٍ وتصَرُّف. .
ويُعتَبَرُ الكَوْثَريُّ مجَدِّدَ الماتُريديَّةِ في العصرِ الحديثِ، وله كلامٌ كثيرٌ في العقائِدِ، سواءٌ في تعليقاتِه على كثيرٍ من كتُبِ العقيدةِ أو في مقالاتِه، وهو أشهَرُ المعاصرينَ الطَّاعنينَ في مَذهَبِ السَّلَفِ وأتباعِهم أهلِ السُّنَّةِ، وحامِلُ رايةِ الدِّفاعِ عن مَذهَبِ الماتُريديَّةِ والأشاعِرةِ والصُّوفيَّةِ؛ ولذلك يُعَظِّمُ الماتُريديَّةُ والأشاعرةُ والصُّوفيَّةُ المعاصِرون الكَوثريَّ، ويَغلونَ جِدًّا في تبجيله، ومن ذلك ما قاله عبدُ اللهِ بنُ الصِّديقِ الغماري (ت 1413هـ) في مدحِ الكَوْثَريِّ: (هو مجَدِّدُ العَصرِ بلا منازِعٍ ولا مدافِعٍ، رافعُ رايةِ التَّنزيهِ والصَّادِعُ بكلمةِ التَّوحيدِ، الذي أظهر قواعِدَ التَّوحيدِ، وشيَّد مبانيَه، على نصوص ِالكتابِ والسُّنَّةِ، فبَيَّن معانيَه، واضِعُ الشَّجى في حُلوقِ المبتَدِعةِ والمجَسِّمةِ باجتهادٍ وجِدِّ مساعيه، الإمامُ المحَدِّثُ العلَّامةُ المؤَرِّخُ النَّاقِدُ واسِعُ الاطِّلاعِ، كان رحمه الله تعالى ذا مشاركةٍ في غالِبِ الفنونِ الشَّرعيَّةِ؛ أمَّا التَّاريخُ فكانت له اليدُ الطُّولى فيه، فكأنَّ كُتُبَ الطِّباقِ والرِّجالِ والتَّاريخِ تحتَ عينيه وبَينَ يَدَيه، يأخُذُ منها ما يشاءُ ويَدَعُ، ومصنَّفاتُه شاهدةٌ على ذلك) [96] ((فتح المعين بنقد كتاب الأربعين)) (ص: 82). .
ومن أشهَرِ من رَدَّ على الكَوثريِّ من أهلِ السُّنَّةِ: عبدُ الرَّحمنِ المُعَلِّمي (ت 1386هـ) في كتابه العظيمِ (التَّنكيل بما في تأنيبِ الكَوْثَريِّ من الأباطيل)، فقد بَيَّنَ فيه أباطيلَه ومجازفاتِه وتدليساتِه، وتحريفاتِه ومغالطاتِه المضادَّةَ للأمانةِ العِلميَّةِ، وتخليطَه في القواعِدِ، وطَعْنَه في أئمَّةِ السُّنَّةِ ونَقَلتِها، وردَّه للأحاديثِ الصَّحيحةِ المخالِفةِ لهواه وبِدعتِه، وعَيبَه للعقيدةِ السَّلَفيَّةِ، واللهُ يحكُمُ بَينَ عبادِه فيما كانوا فيه يختَلِفونَ.

انظر أيضا: