موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: قولُ مُرجِئةِ الفُقَهاءِ


لم تختلِفْ كلمةُ مُرجِئةِ الفُقَهاءِ في أنَّ الإيمانَ لا يزيدُ ولا ينقُصُ، وهذه بعضُ النُّقولِ عنهم:
1- قال ابنُ تيميَّةَ عن حمَّادِ بنِ أبي سُلَيمانَ: (أنكَر حمَّادُ بنُ أبي سُلَيمانَ ومَن اتَّبَعه تفاضُلَ الإيمانِ، ودُخولَ الأعمالِ فيه، والاستِثناءَ فيه، وهؤلاء مِن مُرجِئةِ الفُقَهاءِ) [398] ((مجموع الفتاوى)) (7/ 507). .
وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (وافَقهم -يعني الخوارِجَ والمُعتزِلةَ- المُرجِئةُ والجَهْميَّةُ على أنَّ الإيمانَ يزولُ كُلُّه بزوالِ شيءٍ منه، وأنَّه لا يتبعَّضُ، ولا يتفاضَلُ؛ فلا يزيدُ ولا ينقُصُ، وقالوا: إنَّ إيمانَ الفُسَّاقِ كإيمانِ الأنبِياءِ والمُؤمِنينَ) [399] ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص: 191). ويُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (7/451). .
وقال أيضًا: (لكنَّ بعضَ النَّاسِ قال: إنَّ إيمانَ الخَلقِ مُستَوٍ، فلا يتفاضَلُ إيمانُ أبي بكرٍ وعُمرَ، وإيمانُ الفُسَّاقِ؛ بناءً على أنَّ التَّصديقَ بالقلبِ واللِّسانِ، أو بالقلبِ؛ وذلك لا يتفاضَلُ) [400] ((مجموع الفتاوى)) (6/479). .
3- قال القاريُّ: (حقيقةُ الإيمانِ: هو التَّصديقُ القلبيُّ الذي بلَغ حدَّ الجزمِ والإذعانِ، هو المشهورُ عندَ جُمهورِهم، وإن مال بعضُهم إلى اعتِبارِ الظَّنِّ الغالِبِ الذي لا يُحتمَلُ معَه احتِمالُ النَّقيضِ، فهو أيضًا لا يُتصوَّرُ فيه زيادةٌ ونُقصانٌ، حتَّى إنَّ مَن حصَل له حقيقةُ التَّصديقِ فسَواءٌ أتى بطاعاتٍ أو ارتكَب السَّيِّئاتِ، فتصديقُه باقٍ على حالِه لا تغيُّرَ فيه أصلًا، والآياتُ الدَّالَّةُ على زيادةِ الإيمانِ محمولةٌ على ما ذكَره أبو حَنيفةَ؛ أنَّهم كانوا آمَنوا في الجُملةِ، ثُمَّ يأتي فَرضٌ بَعدَ فَرضٍ، فكانوا يُؤمِنونَ بكُلِّ فَرضٍ خاصٍّ... وبهذا لم ينقلِبِ الإيمانُ مِن النُّقصانِ إلى الزِّيادةِ، بل مِن الإجمالِ إلى التَّفصيلِ فقط) [401] ((شرح الفقه الأكبر)) (ص: 383) بتصرُّفٍ يسيرٍ. .
ففُقَهاءُ المُرجِئةِ انفرَدوا في هذه المسألةِ بإثباتِ الزِّيادةِ في الإيمانِ حالَ نُزولِ الآياتِ، فلمَّا اكتمَل الدِّينُ لم تعُدْ هناك زيادةٌ.
قال ابنُ تيميَّةَ عنهم: (قالوا: نحن نُسلِّمُ أنَّ الإيمانَ يَزيدُ؛ بمعنى أنَّه كُلَّما أنزَل اللهُ آيةً وجَب التَّصديقُ بها، فانضمَّ هذا التَّصديقُ إلى التَّصديقِ الذي قَبلَه، لكن بَعدَ كمالِ ما أنزَل اللهُ، ما بقِي الإيمانُ يتفاضَلُ عندَهم، بل إيمانُ النَّاسِ كُلِّهم سَواءٌ، إيمانُ السَّابِقينَ الأوَّلينَ كأبي بكرٍ وعُمرَ، وإيمانُ أفجَرِ النَّاسِ كالحجَّاجِ، وأبي مُسلِمٍ الخُراسانيِّ، وغَيرِهما) [402] ((مجموع الفتاوى)) (7/195). .

انظر أيضا: