موسوعة الفرق

المَبحَثُ الرَّابعُ: قولُ الأشاعِرةِ


هذه المسألةُ اختلَفَت آراءُ الأشاعِرةِ فيها، فلم يَثبُتوا على رأيٍ واحِدٍ [416] يُنظر: ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: 52)، ((الإيمان بين السَّلف والمتكلمين)) لأحمد الغامدي (ص: 164). ، بل منهم مَن منَع القولَ بزِيادةِ الإيمانِ ونَقصِه، ومنهم مَن أثبَته، وقد رجَع أبو الحَسنِ الأشعَريُّ في مسألةِ تفاضُلِ الإيمانِ إلى قولِ أهلِ السُّنَّةِ؛ فقد حكى مَذهَبَ أهلِ السُّنَّةِ والحديثِ في هذه المسألةِ مُقِرًّا به، فقال عنهم: (وأنَّهم يُقِرُّونَ بأنَّ الإيمانَ قولٌ وعَملٌ، يَزيدُ ويَنقُصُ) [417] ((مقالات الإسلاميين)) (1/ 227). .
نُقولاتٌ للأشاعِرةِ في زيادةِ الإيمانِ ونُقصانِه:
1- قال الباقِلَّانيُّ: (لا نُنكِرُ أن نُطلِقَ أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنقُصُ، كما جاء في الكتابِ والسُّنَّةِ؛ لكنَّ النُّقصانَ والزِّيادةَ يرجِعُ في الإيمانِ إلى أحدِ أمرَينِ: إمَّا أن يكونَ ذلك راجِعًا للقولِ والعَملِ دونَ التَّصديقِ؛ لأنَّ ذلك يُتصوَّرُ فيهما معَ بقاءِ الإيمانِ، فأمَّا التَّصديقُ فمتى انخرَم منه أدنى شيءٍ بطَل الإيمانُ) [418] ((الإنصاف)) (ص: 54). ويُنظر: ((الإرشاد إلى قواطع الأدلة في الاعتقاد)) للجويني (ص: 399)، ((غاية المرام في علم الكلام)) للآمدي (ص: 313)، ((المواقف)) للإيجي (3/542)، ((تحفة المريد على جوهرة التوحيد)) للباجوري (ص: 100-103). .
2- قال البَغداديُّ: (مَن قال: إنَّ الطَّاعاتِ كُلَّها مِن الإيمانِ أثبَت فيه الزِّيادةَ والنُّقصانَ.
وكُلُّ مَن زعَم أنَّ الإيمانَ هو الإقرارُ الفَردُ منَع مِن الزِّيادةِ والنُّقصانِ فيه، وأمَّا مَن قال: إنَّه التَّصديقُ بالقلبِ فقد منَعوا مِن النُّقصانِ فيه، واختلَفوا في زيادتِه؛ فمنهم مَن منَعها، ومنهم مَن أجازها) [419] ((أصول الدين)) (ص: 52). .
3- قال الجُوَينيُّ: (إن قيل: فما قولُكم في زيادةِ الإيمانِ ونُقصانِه؟ قُلْنا: إذا حَملْنا الإيمانَ على التَّصديقِ فلا يفضُلُ تصديقٌ تصديقًا، كما لا يفضُلُ عِلمٌ عِلمًا، ومَن حمَله على الطَّاعةِ سِرًّا وعَلنًا، وقد مال إليه القَلانِسيُّ، فلا يَبعُدُ على ذلك إطلاقُ القولِ بأنَّ الإيمانَ يزيدُ بالطَّاعةِ، ويَنقُصُ بالمعصيةِ، وهذا ممَّا لا نُؤثِرُه. فإن قال القائِلُ: أصلُكم يُلزِمُكم أن يكونَ إيمانُ المُنهمِكِ في فِسقِه كإيمانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! قُلْنا: النَّبيُّ يفضُلُ إيمانُه على إيمانِ مَن عداه باستِمرارِ تصديقِه، وعِصمةِ اللهِ إيَّاه مِن مُخامَرةِ الشُّكوكِ واختِلافِ الرِّيَبِ. والتَّصديقُ عَرَضٌ مِن الأعراضِ لا يبقى، وهو مُتوالٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثابِتٌ لغَيرِه في بعضِ الأوقاتِ، وزائِلٌ عنه في أوقاتِ الفَتَراتِ، فيثبُتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعدادٌ مِن التَّصديقِ، ولا يثبُتُ لغَيرِه إلَّا بعضُها، فيكونُ إيمانُه لذلك أكثَرَ وأفضَلَ، ولو وُصِف الإيمانُ بالزِّيادةِ والنُّقصانِ وأُريد به ذلك، كان مُستقيمًا) [420] ((الإرشاد)) (ص: 399). .
4- قال الإيجيُّ عن الإيمانِ: (هل يَزيدُ ويَنقُصُ؟ أثبَته طائِفةٌ، ونفاه آخَرونَ، قال الرَّازيُّ وكثيرٌ مِن المُتكلِّمينَ: هو فَرعُ تفسيرِ الإيمانِ. فإن قُلْنا: هو التَّصديقُ فلا يَقبَلُهما؛ لأنَّ الواجِبَ هو اليَقينُ، وأنَّه لا يقبَلُ التَّفاوُتَ؛ لأنَّ التَّفاوُتَ إنَّما هو لاحتِمالِ النَّقيضِ، وهو ولو بأبعَدِ وَجهٍ يُنافي اليَقينَ. وإن قُلْنا: هو الأعمالُ، فيقبَلُهما، وهو ظاهِرٌ، والحقُّ أنَّ التَّصديقَ يقبَلُ الزِّيادةَ والنُّقصانَ بوَجهَينِ؛ الأوَّلُ: القُوَّةُ والضَّعفُ، والظَّاهِرُ أنَّ الظَّنَّ الغالِبَ الذي لا يخطُرُ معَه احتِمالُ النَّقيضِ بالبالِ حُكمُه حُكمُ اليَقينِ. الثَّاني: التَّصديقُ التَّفصيليُّ في أفرادِ ما عُلِم مجيئُه به جُزءٌ مِن الإيمانِ يُثابُ عليه ثوابَه على تصديقِه بالإجمالِ، والنُّصوصُ دالَّةٌ على قَبولِه لهما) [421] ((المواقف)) (3/ 542)، ويُنظر: ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: 252). .
5- قال النَّوَويُّ: (مَذهَبُ جُمهورِ أصحابِنا والمُتكلِّمينَ وغَيرِهم: أنَّ نَفسَ الإيمانِ لا يَزيدُ ولا ينقُصُ؛ لأنَّه متى قبِل الزِّيادةَ كان شكًّا وكُفرًا، وقالت طائِفةٌ مِن أصحابِنا: إنَّ نَفسَ الإيمانِ لا يَزيدُ ولا ينقُصُ؛ ولكن يَزيدُ بمُتعلِّقاتِه وثَمَراتِه، وعليه حمَلوا الآياتِ والأحاديثَ) [422] ((المسائل المنثورة)) (ص: 268). .

انظر أيضا: