موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّالثُ: قولُ الكَرَّاميَّةِ


نبَّه ابنُ تيميَّةَ على أنَّ الكَرَّاميَّةَ ليس لهم قولٌ انفرَدوا فيه في مسائِلِ الإيمانِ إلَّا مَذهَبُهم في مُسمَّاه [409] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/386)، ((آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية)) لعبدِ اللهِ السند (ص: 445). ، فقال: (لم يكنْ حدَث في زَمنِهم -يعني السَّلفَ المُتقدِّمينَ- مِن المُرجِئةِ مَن يقولُ: الإيمانُ هو مُجرَّدُ القولِ بلا تصديقٍ ولا معرفةٍ في القلبِ، فإنَّ هذا إنَّما أحدَثه ابنُ كَرَّامٍ.
وهذا هو الذي انفرَد به ابنُ كرَّامٍ، وأمَّا سائِرُ ما قاله فأقوالٌ قيلَت قَبلَه؛ ولهذا لم يذكُرِ الأشعَريُّ ولا غَيرُه ممَّن يحكي مقالاتِ النَّاسِ عنه قولًا انفرَد به إلَّا هذا، وأمَّا سائِرُ أقوالِه فيحكونَها عن ناسٍ قَبلَه، ولا يذكرونَه) [410] ((مجموع الفتاوى)) (7/386). .
فالكَرَّاميَّةُ جعَلوا الإيمانَ شيئًا واحِدًا هو القولُ، ولم يضيفوا إليه الاعتِقادَ فِرارًا مِن القولِ بتبعيضِه وتجزِئتِه؛ قال ابنُ تيميَّةَ: (معَ أنَّ الكَرَّاميَّةَ لا تُنكِرُ وُجوبَ المعرفةِ والتَّصديقِ، ولكن تقولُ: لا يدخُلُ في اسمِ الإيمانِ؛ حَذرًا مِن تبعُّضِه وتعدُّدِه؛ لأنَّهم رأَوا أنَّه لا يُمكِنُ أن يذهَبُ بعضُه، ويبقى بعضُه، بل ذلك يقتضي أن يجتمِعَ في القلبِ إيمانٌ وكُفرٌ) [411] ((مجموع الفتاوى)) (7/ 394). .
وعلى هذا، فمَذهَبُ الكَرَّاميَّةِ في زيادةِ الإيمانِ ونُقصانِه هو مَذهَبُ المُرجِئةِ والجَهْميَّةِ، وهو مَنعُ وُقوعِ الزِّيادةِ والنُّقصانِ فيه [412] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/141)، ((آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية)) لعبدِ اللهِ السند (ص: 445). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (الكَرَّاميَّةُ تُوافِقُ المُرجِئةَ والجَهْميَّةَ في أنَّ إيمانَ النَّاسِ كُلِّهم سَواءٌ) [413] ((مجموع الفتاوى)) (7/141). .
وقال أيضًا: (قابَلتْهم -يعني الخوارِجَ والمُعتزِلةَ-: المُرجِئةُ والجَهْميَّةُ ومَن اتَّبَعهم مِن الأشعَريَّةِ والكَرَّاميَّةِ، فقالوا: ليس مِن الإيمانِ فِعلُ الأعمالِ الواجِبةِ، ولا تَركُ المحظوراتِ البدنيَّةِ، والإيمانُ لا يقبَلُ الزِّيادةَ والنُّقصانَ، بل هو شيءٌ واحِدٌ يستوي فيه جميعُ المُؤمِنينَ مِن الملائِكةِ والنَّبيِّينَ والمُقرَّبينَ، والمُقتصِدينَ والظَّالِمينَ...، ونُكتةُ هؤلاء جميعِهم توهُّمُهم أنَّ مَن ترَك بعضَ الإيمانِ فقد ترَكه كُلَّه) [414] ((مجموع الفتاوى)) (12/471). .
وقال أيضًا: (المُؤمِنُ المُستحِقُّ للجنَّةِ لا بُدَّ أن يكونَ مُؤمِنًا في الباطِنِ باتِّفاقِ جميعِ أهلِ القِبلةِ، حتَّى الكَرَّاميَّةِ الذين يُسمُّونَ المُنافِقَ مُؤمِنًا، ويقولونَ: الإيمانُ هو الكلمةُ، يقولونَ: إنَّه لا ينفَعُ في الآخِرةِ إلَّا الإيمانُ الباطِنُ، وقد حكى بعضُهم عنهم أنَّهم يجعَلونَ المُنافِقينَ مِن أهلِ الجنَّةِ، وهو غَلطٌ عليهم، إنَّما نازَعوا في الاسمِ لا في الحُكمِ؛ بسببِ شُبهةِ المُرجِئةِ في أنَّ الإيمانَ لا يتبعَّضُ ولا يتفاضَلُ) [415] ((مجموع الفتاوى)) (7/215). .

انظر أيضا: