موسوعة الأخلاق والسلوك

ثالِثَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


- ما لا مَدخَلَ للوَرَعِ فيه:
لا مَدخَلَ للوَرَعِ فيما لا مَضرَّةَ فيه، أو كان فيه مضرَّةٌ قليلةٌ مرجوحةٌ، ويقترنُ به منافعُ عظيمةٌ تُهدَرُ في جانِبِها تلك المضَرَّةُ اليسيرةُ، فلا توجَدُ مصلحةٌ خالصةٌ من كُلِّ وجهٍ، كما أنَّه لا توجَدُ مَفسَدةٌ خالصةٌ من كُلِّ وَجهٍ، وإنما العبرةُ بما غَلَب.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (وأمَّا الوَرَعُ عمَّا لا مضرَّةَ فيه أو فيه مضَرَّةٌ مرجوحةٌ -لِما تقترنُ به من جَلبِ منفعةٍ راجحةٍ، أو دَفعِ مضَرَّةٍ أخرى راجِحةٍ- فجَهلٌ وظُلمٌ. وذلك يتضَمَّنُ ثلاثةَ أقسامٍ لا يتورَّعُ عنها: المنافِعُ المكافئةُ، والرَّاجحةُ، والخالِصةُ؛ كالمباحِ المحضِ، أو المستحَبِّ، أو الواجِبِ؛ فإنَّ الوَرَعَ عنها ضلالةٌ) [9562] ((مجموع الفتاوى)) (10/ 616). .
وقال أيضًا: (فأمَّا ما لا رَيبَ في حِلِّه فليس تركُه من الوَرَعِ، وما لا رَيبَ في سُقوطِه فليس فِعلُه من الوَرَعِ) [9563] ((مجموع الفتاوى)) (20/137). .
- قَبولُ الرُّخصةِ لا يَقدَحُ في الوَرَعِ:
قال البقاعيُّ في قَولِه تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم: 2] : (عَبَّرَ بالفرضِ؛ حَثًّا على قبولِ الرُّخصةِ؛ إشارةً إلى أنَّ ذلك لا يقدَحُ في الوَرَعِ، ولا يخِلُّ بحرمةِ اسمِ اللهِ؛ لأنَّ أهلَ الهِمَمِ العوالي لا يحبُّون النُّقلةَ من عزيمةٍ إلى رُخصةٍ، بل من رُخصةٍ إلى عزيمةٍ، أو عزيمةٍ إلى مِثْلِها) [9564] ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) (20/ 183). .
- ليس من الوَرَعِ الخروجُ من كُلِّ خِلافٍ:
قال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (ليس من الوَرَعِ الخروجُ من كُلِّ خلافٍ، وإنما الوَرَعُ الخروجُ من خلافٍ يقارِبُ أدلَّتَه ومأخَذَه) [9565] ((شجرة المعارف والأحوال)) (ص: 310). .
- مراتِبُ النَّاسِ في الوَرَعِ:
إذا كان الوَرَعُ على مراتِبَ فكذلك النَّاسُ فيه على مراتِبَ، وهي المذكورةُ في قولِه تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: 32] .
(فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وهو مَن وقَع في بعضِ الحرامِ، أو تَرَك بعضَ الواجِبِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وهو مَن لزِمَ الواجِبَ وتَرَك المحرَّمَ، دونَ فِعلِ المستحَبِّ أو اجتنابِ المكروهِ أو المتشابهِ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بَإِذْنِ اللَّهِ وهذا هو الذي ترَك الحرامَ وتَرَك المكروهَ والمُشتَبِهَ، وَفَعل الواجِبَ والمستحَبَّ؛ فهذه مراتبُ النَّاسِ في هذا البابِ) [9566] ((أعمال القلوب)) لخالد بن عثمان السبت (1/368). .
- من دقيقِ الوَرَعِ:
قال ابنُ القَيِّمِ: (من دقيقِ الوَرَعِ ألَّا يقبَلَ المبذولَ حالَ هَيَجانِ الطَّبعِ مِن حُزنٍ أو سرورٍ؛ فذلك كبَذلِ السَّكرانِ، ومعلومٌ أنَّ الرَّأيَ لا يتحقَّقُ إلَّا مع اعتدالِ المِزاجِ، ومتى بَذَل باذِلٌ في تلك الحالِ يَعقُبُه نَدَمٌ، ومِن هنا لا يقضي القاضي وهو غَضبانُ، وإذا أردتَ اختبارَ ذلك فاختَبِرْ نفسَك في كُلِّ موارِدِك من الخيرِ والشَّرِّ؛ فالبِدارُ بالانتقامِ حالَ الغَضَبِ يُعقِبُ نَدَمًا، وطالما نَدِم المسرورُ على مجازفتِه في العطاءِ، وودَّ أنْ لو كان اقتَصَر!) [9567] ((بدائع الفوائد)) (3/136). .

انظر أيضا: