موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: أقسامُ العِزَّةِ


 تنقَسِمُ العِزَّةُ من حيثُ المدحُ والذَّمُّ إلى قِسمَينِ:
عِزَّةٌ محمودةٌ أو العِزَّةُ الحقيقيَّةُ أو الصَّادِقةُ، وذلك كعِزَّةِ المُؤمِنِ.
وعِزَّةٌ مذمومةٌ أو العِزَّةُ الباطلةُ أو الكاذبةُ، كعِزَّة الكافِرين والمتكَبِّرين.
وقد ذكَر اللهُ العِزَّةَ في مواطِنَ، فمدَحَها حينًا، وذَمَّها حينًا آخرَ؛ (فمن الأوَّلِ: قَولُه تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8] ، وقال تعالى:سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 180] ، ومن الثَّاني: قولُه تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2] ، وبيانُ ذلك: أنَّ العِزَّةَ التي هي للهِ جلَّ وعلا، ولرسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وللمُؤمِنين رضوانُ اللهِ عليهم: هي الدَّائمةُ الباقيةُ التي هي العِزَّةُ الحقيقيَّةُ. والعِزَّةُ التي هي للكافِرين والمخالِفِين هي: التَّعزُّزُ، وهو في الحقيقةِ ذُلٌّ) [6389] ((الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية)) للمناوي (ص: 82).
فالأولى مَنشؤها من اللهِ؛ فهو الذي يَهَبُها لمن يشاءُ من عبادِه، وهي العِزَّةُ في الحِقِّ وبالحَقِّ، والتي يكونُ صاحِبُها عزيزًا ولو كان ضعيفًا مظلومًا، شامخًا ولو كان طريدًا مُستضامًا، فتجِدُه لا يركعُ إلَّا للهِ، ولا يتنازَلُ عن شيءٍ ممَّا أمره به، فهو يعتَزُّ بعِزَّةِ اللهِ تبارك وتعالى، الذي يعزُّ من يشاءُ، ويُذِلُّ من يشاءُ. فهذه هي العِزَّةُ بالحَقِّ؛ لأنَّها اعتزازٌ بمن يملِكُها، وإذعانٌ له، وانتسابٌ لشَرعِه وهَدْيِه.
أمَّا الثَّانيةُ فمَنشؤها من الخَلقِ، ويدخُلُ فيها كُلُّ عِزَّةٍ أصلُها الهوى أو الكِبرُ أو الغرورُ، أو تقومُ على البغيِ والفَسادِ.
وتنقَسِمُ من جهةٍ أخرى إلى قِسمَينِ:
عِزَّةٌ حِسِّيَّةٌ بالانتصارِ على الأعداءِ.
وعِزَّةٌ معنويَّةٌ، كما يلمِسُه المرءُ عِندَ انتصارِه على شَهَواتِه أو الشَّيطانِ أو فِعلِ الطَّاعاتِ.
وتنقَسِمُ العِزَّةُ من حيثُ الأفرادُ والجماعاتُ إلى قسمَينِ:
عِزَّة فرديَّةٌ، كالعِزَّةِ التي يحقِّقُها الفردُ المُؤمِنُ بطاعةِ اللهِ وكَبحِ شَهَواتِه.
وعِزَّةٌ جماعيَّةٌ، كالذي يحصُلُ لأمَّةِ الإسلامِ حينَ النَّصرِ على الأعداءِ [6390] يُنظَر: ((العزة في القرآن الكريم)) لوائل بن محمد (ص: 221). .
وقال ابنُ عجيبةَ: (العِزُّ على قسمَينِ: عزُّ الظَّاهِرِ، وعِزُّ الباطِنِ؛ فعِزُّ الظَّاهِرِ هو تعظيمُ الجاهِ، وبُعدُ الصِّيتِ، واحترامُ النَّاسِ لصاحِبِه ولمن تعلَّق به، وسَبَبُه: التَّقوى، والعِلمُ والعَمَلُ، ومكارمُ الأخلاقِ، كالسَّخاءِ، والتَّواضُعِ، وحُسنِ الخُلُقِ، والإحسانِ إلى عبادِ اللَّهِ. وعزُّ الباطِنِ: هو الغِنى باللَّهِ، وبمعرفتِه، والتَّحرُّرُ من رِقِّ الطَّمَعِ، والتَّحَلِّي بحليةِ الوَرَعِ. وسَبَبُه الذُّلُّ للهِ) [6391] ((البحر المديد في تفسير القرآن المجيد)) (4/ 523). .

انظر أيضا: