موسوعة التفسير

سُورةُ النِّساءِ
الآيات (15-18)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ

غريب الكلمات:

الْفَاحِشَةَ: أي: الزِّنا، وأصل الفُحْشِ: كلُّ شيءٍ مستقبَح ومستشنَع، من قولٍ، أو فِعْل [291] ينظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/361)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/478)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1/38- 60). .
سَبِيلًا: فعلًا وطريقًا، والسَّبيل: الطَّريقُ الذي فيه سُهولة، وأصل (سبل): يدُلُّ على إِرْسالِ شيءٍ من عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ، وعلى امتدادِ شيءٍ [292] ينظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (1/123)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/129)، ((المفردات)) للراغب (1/395). .
فَآذُوهُمَا: الأذى هنا السَّبُّ والشَّتم، وقد ورَد في القرآن على أحدَ عَشَرَ وجْهًا، وأصلُ الأذى: كل ما يُكرَه، ويُغْتَمُّ به [293] ينظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/51)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/78)، ((المفردات)) للراغب (1/71)، ((التبيان)) لابن الهائم (1/104)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (2/72، 73). .
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا: أي: لا تُعَيِّرُوهما بالفاحشةِ، والإعراضُ أن تُوَلِّيَ الشيءَ عُرْضَك؛ أي: جانبَك، ولا تُقْبِلَ عليه [294] ينظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (1/122)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/111)، ((التبيان)) لابن الهائم (1/291). .
بِجَهَالَةٍ: الجهالةُ: هي فِعلُ الشيءِ بخلافِ ما حقُّه أن يُفعَلَ، وأصل جَهِلَ: خِلافُ العِلم، والخِفَّةُ، وخلافُ الطُّمأنينةِ [295] ينظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/489)، ((المفردات)) للراغب (1/209). .

مشكل الإعراب:

قوله: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا، ومثله قوله: وَاللَّذَانِ يَأتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا:
اللَّاتِي: اسمٌ موصول مبنيٌّ في محلِّ رفْعٍ بالابتداء، وخبره جملةُ فَاسْتَشْهِدُوا، وجاز دخولُ الفاءِ زائدةً في الخبَر؛ لأنَّ المبتدأ أشْبَهَ الشَّرطَ في كونه موصولًا عامًّا، صِلتُهُ فعلٌ مستقبَلٌ، والخبر مستحقٌّ بالصِّلة. وقيل: الخبر محذوف، والتَّقدير: (فيما يُتلى عليكم حُكمُ اللَّاتي)، فـ (فيما يُتلَى) هو الخبر، و(حُكمُ) هو المبتدأ، و(اللاتي): مضافٌ إليه، فحُذف الخبرُ والمضافُ إلى المبتدأ؛ للدَّلالةِ عليهما، وأُقيمَ المضافُ إليه مقامَه، ويكون قوله فَاسْتَشْهِدُوا دالًّا على ذلك الحُكم المحذوف؛ لأنَّه بيانٌ له. ومثله إعراب واللَّذَانِ يَأتِيَانِها...، إلَّا أنَّ اللَّذَانِ: معرَبٌ وليس مبنيًّا؛ لأنَّه مُلحَقٌ بالمثنَّى، فهو مرفوعٌ وعلامةُ رفْعِه الألفُ. وقيل: يجوزُ أن يكون موقعهما الإعرابيُّ النَّصبَ بفِعل مقدَّر؛ لدلالةِ السِّياقِ عليه لا على جِهة الاشتغال، والتقدير: اقصِدوا أو تَعمَّدوا اللاتي يأتِينَ، وقيل: يجوزُ النصبُ على الاشتغالِ كذلك، وفيه بحثٌ وتوجيهٌ طويل؛ يُراجَعُ في مَظانِّه [296] ينظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/193)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/338- 339)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/617- 619). .

المَعنَى الإجمالي:

يَأمرُ اللهُ تعالى عِبادَه- وذلك قبل تشريعِ حدِّ الزِّنا- بحَبْسِ مَن يَقعنَ في الزِّنا من نِسائِهم في البيوت، وألَّا يَسمحوا لهنَّ بالخروجِ، سواءٌ كُنَّ متزوجاتٍ أو غيرَ متزوِّجاتٍ، بعد أن يَشهدَ عليهنَّ أربعةٌ من الرِّجال المسلمينَ العُدول بوقوعهنَّ في الزِّنا، حتى يأتيَهنَّ الموتُ، أو يجعلَ الله لهنَّ مخرجًا.
كما أمَرَ اللهُ المؤمنين بإيذاءِ مَن زَنَى مَن الرِّجال والنِّساء إيذاءً قوليًّا بالتعييرِ والتوبيخِ وغيرِ ذلك مِن أنواع الإيذاء، فإنْ تابَا من هذا الجُرْمِ العظيمِ، وأصلحَا فَلْيَكُفَّ المؤمنون عن أذيَّتِهما، إنَّ الله كان توَّابًا رحيمًا، وهذه الأحكامُ السَّابقةُ جميعُها منسوخةٌ.
ثم بيَّنَ تعالى أنَّه يَقبَلُ التَّوبةَ ممَّن يقَعُ منهم الذنبُ عن سفَهٍ منهم، ثم يتوبونَ قبل معايَنَتِهم للموت، فهؤلاء يَقبلُ اللهُ توبَتَهم، وكان الله عليمًا حكيمًا. وأمَّا الذين يَقعون في المحرَّمات، ثم إذا عاينوا الموتَ بادروا حينَها بالتَّوبَةِ، فإنَّ اللهَ لا يَقبَلُ توبتَهم تلك، تمامًا كما أنَّه سبحانه لا يَقبَلُ توبةَ مَن مات وهو كافرٌ؛ فكلاهما ميؤوسٌ من قَبولِ توبَتِه، وهؤلاء قد أعدَّ الله لهم عذابًا مؤلِمًا.

تفسير الآيات:

وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)
النَّاسِخُ والمَنسُوخ:
هاتانِ الآيتانِ الكريمتانِ، منسوختانِ بالاتِّفاق قال ابنُ الجوزي: (لا يَختلف العلماء في نَسْخ هذين الحُكمين عن الزانيين ، أعني: الحبس والأذى، وإنما اختلفوا بماذا نُسِخَا، فقال قومٌ نسخ بقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2] ... وقال قومٌ: نُسخ هذان الحكمان بحديث عُبادة بن الصَّامت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «خُذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا: الثيِّب بالثيب جَلْدُ مئةٍ، ورجْم بالحجارةِ، والبِكْر بالبِكر جَلْد مئة، ونَفْيُ سَنَة») ((نواسخ القرآن)) (2/354، 356). وقال ابنُ كثير: (كان الحُكم في ابتداء الإسلام أنَّ المرأة إذا زنت فثبَت زناها بالبيِّنة العادلة، حُبِسَت في بيتٍ فلا تُمكَّن من الخروج منه إلى أن تموت؛ ولهذا قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ يعني: الزنا مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك. قال ابن عبَّاس: كان الحُكم كذلك، حتى أنزل الله سورة النور، فنسخها بالجَلْد، أو الرجم. وكذا رُوي عن عِكرمة، وسعيد بن جُبَير، والحسن، وعطاء الخُراساني، وأبي صالح، وقَتادة، وزيد بن أسلم، والضَّحَّاك: أنَّها منسوخة، وهو أمرٌ متَّفق عليه) ((تفسير القرآن العظيم)) (2/233). وقال ابنُ تيميَّة: (... مثل قوله تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قدْ جعَلَ الله لهنَّ سبيلًا)) فبعض الناس يُسمِّي ذلك نسخًا، وبعضُهم لا يُسمِّيه نسخًا، والخلافُ لفظي) ((الصارم المسلول)) (ص: 239). .
والنَّاسخُ لهما قولُه تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2] .
وعن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رضِي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((خُذوا عنِّي خُذوا عنِّي؛ قد جَعَل اللهُ لهنَّ سبيلًا؛ البِكْرُ بالبِكْر جَلْدُ مئَةٍ ونَفْيُ سَنَةٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ، جَلْدُ مئةٍ والرَّجْمُ )) رواه مسلم (1690). .
وعليه؛ يكونُ حُكمُ الجَلْدِ لغيرِ المحصَنين ثابتًا بالقرآنِ، وحُكمُ الرجمِ للمُحصَنين ثابتًا بالسُّنَّة، وبقرآنٍ منسوخ.
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذَكَر سُبحانَه في هذه السُّورةِ الإحسانَ إلى النِّساء، وإيصالَ صَدُقَاتِهِنَّ إليهنَّ، وميراثهنَّ مع الرِّجال، ذكَر التَّغليظَ عليهنَّ فيما يأتينَ به من الفاحشة؛ لئلَّا يَتوهمْنَ أنَّه يَسوغُ لهنَّ تركُ التعفُّفِ يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (1/503). ، فقال:
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ
أي: إذا وقَع نساؤكم في الزِّنا قال السمعاني: (أَجمعُوا على أَنَّ المرَاد به ]أي بالفاحشة[ الزِّنَا) ((تفسير السمعاني)) (5/460). - متزوِّجاتٍ كنَّ أو غيرَ متزوِّجات- فاطلبوا لإثبات وقوعِهنَّ في الزِّنا أربعةَ رجالٍ من المسلمين العُدُولِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/493)، ((تفسير ابن كثير)) (2/233)، ((تفسير السعدي)) (ص: 171)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/123-124). .
فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ
أي: فإنْ شهِدَ أربعةٌ من المسلمين العدولِ على وقوعِهنَّ في الزِّنا، فاحبِسُوهنَّ في البيوتِ؛ عقابًا لهنَّ، لا يُمَكَّنَّ من الخروجِ منها إلى أن يَـمُتْنَ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/493)، ((تفسير السعدي)) (ص: 171)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/124-125). قال ابنُ عثيمين: (وقوله: حَتَّى يَتَوفَّاهُنَّ الْمَوْتُ يتوفَّاهن: أي: يَقبضهن؛ يُقال: توفيتُ حقِّي من فلان، أي: قبضتُه، وقوله: الْمَوْتُ أي: مَلَك الموت، كما قال تعالى: قُلْ يَتَوفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [السجدة: 11] ، ولكن قد يُعبَّر عن ذلك بالموت توسعًا) ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/125). .
أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا
أي: أو يُصَيِّرَ اللهُ تعالى لهنَّ طريقًا ومَخْرجًا للخلاصِ من هذا الإمساك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/493)، ((تفسير ابن كثير)) (2/233)، ((تفسير السعدي)) (ص: 171)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/125). بتشريعِ حُكمٍ لهنَّ، وقد كان؛ فقد جعَل الله لهنَّ سبيلًا، فعن عُبادَةَ بنِ الصَّامتِ رضِي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((خُذُوا عنِّي خُذُوا عنِّي؛ قد جَعَل اللهُ لهنَّ سبيلًا؛ البِكْر بالبِكْرِ جَلْدُ مِئةٍ ونَفْيُ سَنَةٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ، جَلْدُ مئةٍ والرَّجْمُ )) رواه مسلم (1690). .
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا
أي: إنَّ الرجُلَ والمرأة إذا زَنَيَا، فآذوهما بالتَّوبيخ، والتَّعييرِ، وغيرِ ذلك من أنواعِ الإيذاءِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/498)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/26)، ((تفسير السعدي)) (ص: 171). قال ابنُ جرير- بعدَ أنْ ذكَر الخِلاف في تفسير قوله: واللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا- قال: (وأَوْلى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: واللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ: قولُ مَن قال: عُني به البِكرانِ غيرُ المحصنَينِ إذا زَنيَا، وكان أحدهما رجلًا والآخَر امرأة). وُينظر: ((الوجيز)) للواحدي (1/256). قال ابن الجوزي: (لا يختلف العلماء في نسْخ هذيْن الحكمين عن الزانيين، أعني: الحبس والأذى)) ((نواسخ القرآن) (2/354). .
فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا
أي: فإنْ رجعَا عن الوقوعِ في الزِّنا، ونَدِمَا عليه، وعزمَا على ألَّا يَعودَا إلى اقترافِ ذلك، وأصلحَا دِينَهُما بالعملِ بما يُرضِي الله تعالى، فكُفُّوا عن أذيَّتِهِما يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/506)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/26)، ((تفسير ابن كثير)) (2/235)، ((تفسير السعدي)) (ص: 171). .
إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا
أي: إنَّ الله تعالى يُوفِّقُ عبادَه للتوبة، ويَقبَلُها منهم، وهو ذو الرَّحمةِ العظيمةِ بعِبادِه، ومِن رحمتِه أنْ هيَّأَهُم للتَّوبة، وقَبِلَها منهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/506)، ((تفسير السعدي)) (ص: 171)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/131-132). .
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
أي: إنَّما يَقبلُ الله تعالى التَّوبة مِمَّن عَمِل عملًا سيِّئًا، صدر عن سَفَهٍ منه، وعملُه السُّوءَ هو الجهالةُ التي جهِلها، فكلُّ عاصٍ لله عزَّ وجلَّ، فهو جاهلٌ، وإنْ كان عالِمًا بالتَّحريمِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/506-511)، ((تفسير السعدي)) (ص: 171)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/137). قال عبدالرزاق: (أنا معمر, عن قتادة, في قوله عزَّ وجلَّ: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء: 17] قال: اجتمع أصحاب الرَّسول فرأوا أنَّ كلَّ شيءٍ عُصِيَ به اللهُ تعالى فهو جهالة, عمدًا كان, أو غير ذلك) ((تفسير عبد الرزاق)) (1/441). .
ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ
أي: إنَّ الله تعالى يَقبَلُ توبةَ العبد إذا تاب حالَ حياتِه، قبل مُعايَنَةِ الموتِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/515)، ((تفسير ابن كثير)) (2/235)، ((تفسير السعدي)) (ص: 171-172)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/137). .
عن ابنِ عُمَرَ رضِي اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((إنَّ اللهَ يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغَرْغِرْ قوله: ((ما لم يُغَرْغِرْ))، أي: ما لم تبلُغْ رُوحُه حُلقومَه، فيكون بمنزلة الشَّيءِ الذي يَتغَرْغَر به المريضُ. ((النهاية)) لابن الأثير (3/360). )) رواه الترمذيُّ (3537)، وابن ماجة (4253)، وأحمد (6160).  قال الترمذيُّ: حسن غريب. وقال ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/412): محتمَل أن يُقال فيه: صحيح. وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (9/18)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3537). .
فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
أي: فإنَّ هؤلاء الذين يعملون السُّوءَ بجهالةٍ ثمَّ يتوبونَ من قريبٍ، يَرزُقُهم اللهُ تعالى- دون مَن لم يَتُبْ- إنابةً إلى طاعتِه، ويَتقبَّلُ منهم أَوْبَتَهُم إليه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/515-516)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/137). .
وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
أي: إنَّ الله تعالى ذو عِلمٍ بكلِّ شيءٍ، ومِن ذلك: عِلمُهُ بمَن تاب إليه مِن عبادِه، وهو الحكيمُ الذي من حِكمتِه توبتُه على مَن تابَ مِن عِبادِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/516)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/138-139). .
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ
أي: إنَّ مَن يرتكبون المحرَّمات لا يقبلُ الله عزَّ وجلَّ توبتهم، حين يأتيهم الموتُ. ساعة الاحتضار وبلوغِ الرُّوحِ الحُلْقومَ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/516)، ((تفسير ابن كثير)) (2/238)، ((تفسير السعدي)) (ص: 172)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/141-142). يُشترط لصِحَّة التوبة أن تكون في الزمن الذي تُقبل فيه التوبة، وذلك قبل حضور الموت، وهو شَرْط من خمسة شروط للتوبة، هي: - الشَّرْط الأوَّل: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، بأنْ لا يكون الحامل له على التوبة إلَّا محبة الله والقُرب منه، والخوف من عذابه. - الشَّرط الثَّاني: النَّدم على ما فعل من الذنب. - الشَّرط الثَّالث: الإقلاع عن الذنب. - الشَّرط الرَّابع: أن يعزمَ على أنْ لا يعود في المستقبل إلى ما تاب منه. - الشَّرط الخامس: أن تكون التوبةُ في وقت تُقبَل من التائب، فإنْ كانت في وقت لا تقبل منه ـ كما لو حضَر الأجَل، أو طلعت الشمس من مغربها؛ فإنَّ التوبة لا تُقبل. ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/143). .
عن ابن عُمَرَ رضِي اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((إنَّ اللهَ يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغَرْغِرْ )) رواه الترمذيُّ (3537)، وابن ماجة (4253)، وأحمد (6160). قال الترمذيُّ: حسن غريب. وصححه ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/823)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (9/18)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3537) وقال ابن العربي في ((الناسخ والمنسوخ)) (2/157): (ضعيف ومعناه صحيح). ضعف إسناده البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (4/249)، وذكر ابن القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (2/612) أن فيه ابن ثوبان ضعيف. .
وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ
أي: ولا يَقبَلُ اللهُ تعالى أيضًا توبةَ مَن ماتوا على الكفر يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/520)، ((تفسير ابن كثير)) (2/238). ؛ فحالُهم أشبهُ بحالِهم في انعدامِ الرجاءِ في قَبول توبتِهم.
أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
أي: إنَّ الكفَّارَ الذين ماتوا على كُفرِهم أعدَّ الله تعالى لهم عذابًا مُوجِعًا شديدًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/520)، ((تفسير ابن كثير)) (2/238)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/143). .

الفوائد التربوية  :

1- أنَّ حبْسَ المرأةِ في بيتِها من أسبابِ دَرْءِ الفِتنة؛ لقوله: فَأَمْسِكُوهُنَّ؛ لأنَّ هذا نوعٌ من العقوبة من وَجْهٍ، وكفٌّ لأسباب الفِتنة من وجهٍ آخرَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/127). ، وقال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ.
2- الإشارة إلى أنَّ البيت خيرٌ للمرأة؛ لقوله: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وكما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ )) يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/127). والحديث رواه أبو داود (567)، وأحمد (5468) من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. صححه النووي في ((المجموع)) (4/197)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (91)، وذكر الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (3/160) أنه روي نحوه بإسناد حسن وله شاهد، وصححه أحمد شاكر في تحقيق ((المحلى)) (4/198) ، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (567)، وابن عثيمين في ((الضياء اللامع)) (442). .
3- يُؤخَذُ من قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ، أنَّ كلَّ عاملِ سُوءٍ فإنَّما يعمَلُه بجهالةٍ وسَفَه، والسَّفَهُ ضدُّ الرُّشدِ، فمن عَمِلَ سيِّئًا فقدْ فُقِدَ منه الرُّشد يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/139). .
4- وجوبُ المبادرة بالتَّوبة؛ لأنَّ الله علَّق قَبُولَها على أمَدٍ لا يُعلَم، فإذا كان كذلك وجَبَ المبادرةُ بها، كما قال سبحانه وتعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/150). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائف:

1- في قوله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ، إشارةٌ إلى أنَّ الرجل أقوى في الشَّهادة من المرأةِ وأثبتُ؛ وذلك لأنَّ الله تعالى لم يعتبِرْ في الزِّنا إلَّا شهادةَ الرِّجالِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/126). .
2- سَمَّى اللهُ تعالى الزِّنا فاحشةً في قوله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ دون الكُفر وقتْلِ النَّفْسِ مع أنَّهما أكثرُ قبحًا من الزنا؛ قيل: لأنَّ القُوى المدبِّرة لبَدَن الإنسان ثلاثة: القوَّة الناطقة، والقوَّة الغضبيَّة، والقوَّة الشهوانيَّة؛ ففسادُ القوَّة الناطقة هو الكفرُ والبِدعة وما يشبههما، وفسادُ القوَّة الغضبيَّة هو القتلُ والغضَبُ وما يُشبههما، وفساد القوَّة الشهوانيَّة هو الزِّنا واللواط والسحاقُ وما أشبهها، وأخسُّ هذه القوى الثَّلاثة: القوَّة الشَّهوانيَّة؛ فلا جَرَمَ كان فسادها أخسَّ أنواعِ الفساد، فلهذا السَّبب خُصَّ هذا العملُ بالفاحشة، والله أعلمُ بمراده يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/528). .
3- إثبات الجَعْل لله عزَّ وجلَّ؛ لقوله: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، والجَعْل نوعان: جعْل شرعيٌّ، وجعل كونيٌّ قدَرِيٌّ، ومن أمثلة الجعل الشرعيِّ: قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ [المائدة: 97] . وأمثلة الجعل الكونيِّ كثيرة في القرآن؛ كقوله تعالى: وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [النبأ: 9-11] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/128). .
4- في قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ... أنَّ لله تعالى أن يوجِبَ على نفسه ما شاء، وليس للعباد أن يوجبوا عليه شيئًا؛ لقوله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23] ، وله أن يُحَرِّم على نفسه ما شاء، قال الله تعالى في الحديث القُدُسيِّ: ((يا عبادي، إني حرَّمتُ الظُّلْمَ على نفسي )) رواه مسلم (2577). ، وقال تعالى: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 12] ، فهذا إلزامٌ وفَرْضٌ، ومنه هذه الآية: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/139). .
5- قوله تبارك وتعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ هنا قال: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ، ولم يَقُلْ: على الله؛ لأنَّ هذه التوبة منتفيَةٌ شرعًا، فهي ليست حقيقيَّة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/141). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا: الجملة تعليلٌ للأمر بالإعراضِ عنهما، وفيها مبالغةٌ في قَبولِ التَّوبة يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/151). ؛ حيث عبَّرَ بصِيَغ المبالغة فعَّال توَّابًا، وفعيل رَحِيمًا، مع ما فيها مِن التأكيدِ بـ(إنَّ) واسميَّة الجملة.
2- قوله تعالى: فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
- قوله: فَأُولَئِكَ: إشارة إلى المذكورينَ من حيثُ اتصافُهم بما ذُكِرَ، وما فيه من معنى البُعد باعتبارِ كونهم بانقضاءِ ذِكرهم في حُكم البعيدِ يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/152). .
- قوله: فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: فيه تكرير الإسناد يَتُوبُ اللَّهُ؛ لتقويةِ الحُكم، وهذا وعدٌ بقبول توبتهم إِثْرَ بيان أنَّ التوبة لهم، والفاءُ في فَأُولَئِكَ للدَّلالةِ على سببيَّتها للقَبول يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/152). .
- قوله: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا: الجملة اعتراضيَّة مقرِّرة لمضمون ما قبلها، وإظهار الاسم الجليل الله في موضِع الإضمار؛ للإشعارِ بعلَّة الحُكم؛ فإنَّ الألوهيَّة منشأٌ لاتِّصافِه تعالى بصفاتِ الكمال، مع ما في عَلِيمًا حَكِيمًا من المبالغة في الاتِّصاف بالعِلم والحكمة يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/152). .
3- قوله: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ: نفيُ التوبة؛ للمبالغةِ في عدم الاعتدادِ بها في تلك الحالة، وكأنَّه قال: وتوبةُ هؤلاء وعدمُ توبة هؤلاء سواءٌ يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/65). .
- قوله: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ...: تصريحٌ بما فُهِمَ من قَصْرِ القَبول على توبة مَن تاب من قريب، وزِيادةُ تعيينٍ له ببيان أنَّ توبة مَنْ عداهم بمنزلة العَدَم، وجمع السَّيِّئَات باعتبار تكرُّرِ وقوعها في الزَّمان المديد؛ لأنَّ المرادَ جميعُ أنواعها، وما مرَّ من السوء نوعٌ منها يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/157). .
4- قوله: حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ: ذكر (الآن) لمزيد تعيين الوقت، وإيثار (قال) على (تاب)؛ لإسقاط ذلك عن درجة الاعتبارِ، والتحاشي عن تسميته توبةً يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/157). .
5- قوله: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ: عطف على قوله: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ...، وهم الذين يُسوِّفون، وذَكَرَ هؤلاء الكفَّارَ مع أنَّه لا توبةَ لهم رأسًا؛ مبالغةً في بيانِ عدمِ قُبول توبةِ المُسوِّفين، وإيذانًا بأنَّ وجودَها كعدمها، بل في ذِكرِ حرْف النَّفي (لا) في المعطوف وَلَا الَّذِينَ... إشعارٌ خفيٌّ بكَوْنِ حال المسوِّفين في عدم استتباع الجدوى أقوى مِن حال الذين يموتون على الكُفر يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/157). .
6- قوله: أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا: تأكيدٌ لعدمِ قَبول توبتِهم، وبيانُ أنَّ العذاب أعدَّه لهم مَن لا يُعجزه عذابُهم متى شاء، والاعتداد: التهيئة، من العَتَاد وهو العُدَّة يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/65). .
- قوله: أُولَئِكَ إشارة إلى الفريقين، وما فيه من معنى البُعد؛ للإيذانِ بترامي حالِهِم في الفظاعة وبُعْدِ منزلتهم في السُّوء يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/157). .
- قوله: أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا: تكريرُ الإسنادِ لتقويةِ الحُكمِ، وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على المفعولِ الصَّريحِ لإظهارِ الاعتناءِ بكونِ العذابِ مُعَدًّا لهم، وتنكيرُ عَذَابًا ووصْفُه بـأَلِيمًا؛ للتفخيمِ الذاتيِّ والوصفيِّ يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/157). .