موسوعة التفسير

سُورةُ الأنعامِ
الآيتان (12 - 13)

ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ

غريب الكلمات :

سَكَنَ: أي: ثبَتَ بعدَ تحرُّك، ويُستعملُ السُّكونُ في الاستيطانِ، وأصل (سكن): يدلُّ على خِلافِ الاضطرابِ والحركةِ [177] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/88)، ((المفردات)) للراغب (ص: 417)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 93). .

مشكل الإعراب :

قوله: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ: في محلِّ رفْعٍ، مبتدأٌ أوَّل، وفَهُمْ مبتدأٌ ثانٍ، وجملةُ لَا يُؤْمِنُونَ خبرُ المبتدأِ الثاني، والمبتدأُ الثاني وخبرُه خبرٌ للمبتدأِ الأوَّل؛ ودخلتِ الفاء في فَهُمْ لِمَا في الَّذِينَ من معنى الشَّرْط. وقيل: الَّذِينَ في محلِّ رفْعٍ، خبرٌ لمبتدأ محذوف، والتقديرُ: هم الذين خسِروا، أو: أنتُم الَّذين خَسِروا. وقيل غير ذلك [178] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/247)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/483)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/551- 553)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/154). .

المعنى الإجمالي :

يَأمُر اللهُ تعالى نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يقولَ لهؤلاءِ المكذِّبين ويسألَهم: لِمَن مُلكُ جميعِ ما في السَّموات والأرضِ؟ ثم أمَرَه أن يُجيبَ عن السُّؤال بأنْ يقولَ: إنَّ مُلكَ ذلك كلِّه للهِ تعالى الذي يَستحقُّ العبادةَ وحْدَه، أوجبَ سبحانه على نفْسِه الرحمةَ، ليَجمعنَّكم- أيُّها النَّاسُ- جميعًا يومَ القيامةِ الذي لا شكَّ فيه، ثم ذكر أنَّ الخاسرينَ حقًّا هم  الَّذين أضاعوا أنفُسَهم، فلم يُؤمنوا.
ثم أخبَرَ الله تعالى أنَّ له وحْدَه كلَّ شيءٍ سَكَن في اللَّيلِ والنَّهارِ، وهو السَّميعُ العليمُ.

تفسير الآيتين :

قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (12) .
قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.
أي: قلْ- يا محمَّدُ- لهؤلاءِ المكذِّبين: لِمَنْ مُلكُ جميعِ ما في السَّمواتِ، وجَميعِ ما في الأرض [179] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/167)، ((تفسير ابن كثير)) (3/242)، ((تفسير السعدي)) (ص: 251). ؟
ثم أمَرَ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ يُجيبَ عن هذا السُّؤالِ، فقال [180] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 62). :
قُل لِلّهِ.
أي: قلْ- يا محمَّدُ-: ذلك كلُّه مِلكٌ للهِ تعالى، الذي يَستحقُّ العبادَةَ وحْدَه [181] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 62). .
كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.
أي: أوْجَب على نفْسِه الرَّحمةَ، فوَسِعَتْ رحمتُه كلَّ شيءٍ [182] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/167)، ((تفسير ابن كثير)) (3/242)، ((تفسير السعدي)) (ص: 251)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 62-63). .
عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((لَمَّا خلَقَ اللهُ الخلقَ، كتَب في كِتابِه، فهو عندَه فوقَ العَرشِ: إنَّ رحمَتي تَغلِبُ غضَبي )) [183] رواه البخاري (7404)، ومسلم (2751) واللفظ له. .
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ.
أي: واللهِ ليَجمعنَّكم الربُّ سبحانه- أيُّها النَّاسُ- يومَ القيامةِ الذي لا شَكَّ في وُقوعِه [184] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/171-173)، ((تفسير ابن كثير)) (3/242-243)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 65-66). .
  الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ.
أي: إنَّ الَّذين أضاعوا أنفُسَهم، فعدِموا فائدةَ الانتفاعِ منها؛ بحِرْمانها تصديقَ الرَّسولِ والرِّسالةِ، هم الخاسِرون حقًّا [185] وهذا بناءً على أنَّ جُملة الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ استئنافيةٌ لا تعلُّق لها بقولِه تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ، فيكون الَّذِينَ مبتدأ، وهذا اختيارُ القرطبي في ((تفسيره)) (6/396)، وابن عثيمين في ((تفسير سورة الأنعام)) (ص: 66). وخبره إمَّا محذوف فيُقدَّر، أو خبره جملة فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.  يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (6/396)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأنعام)) (ص: 66)، و((تفسير ابن عاشور)) (7/153-154). وقيل: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بدلٌ من قوله سبحانه: لَيَجْمَعَنَّكُمْ، وهذا اختيارُ ابن جرير في ((تفسيره)) (9/173-174)، وابن عطية في ((تفسيره)) (2/272). ؛ إذ لَمَّا أعْرَضوا عن ذلك فاتَهُمُ الإيمانُ باللهِ تعالى وبرسولِه عليه الصَّلاة والسَّلام، وباليوم الآخِرِ الذي هو سببُ الفوزِ في الدُّنيا والآخِرة [186] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/243)، ((تفسير السعدي)) (ص: 252)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/153-154)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 66-67). .
قال سبحانه: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر: 15] .
  وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)  .
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
ذَكَر اللهُ تعالى في الآيةِ السَّابقةِ السَّمواتِ والأرضَ؛ إذ لا مكانَ سواهما، وفي هذه الآيةِ الكريمةِ ذَكَر اللَّيلَ والنَّهارَ؛ إذ لا زَمانَ سواهما، فالزَّمانُ والمكانُ ظرفانِ للمُحْدَثاتِ؛ فأخْبَر تبارَك وتعالى أنَّه مالِكٌ للمكانِ والمكانيَّات، ومالكٌ للزَّمان والزَّمانيَّات [187] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/490)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/276)، ((تفسير ابن عادل)) (8/52). ، فقال تعالى:
  وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
أي: وله عزَّ وجلَّ مُلكُ كلِّ شيءٍ؛ فإنَّه ما مِن شيءٍ مِن خَلْقِ الله تعالى إلَّا وقد حلَّ واستقرَّ في ليلٍ أو نهارٍ؛ فالجَميعُ خَلْقُه، وتحتَ قَهْرِه وتَصرُّفِه وتدبيرِه سبحانه [188] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/174)، ((الوجيز)) للواحدي (1/346)، ((تفسير ابن كثير)) (3/243)، ((تفسير السعدي)) (ص: 252). .
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
أي: وهو السَّميعُ لجميعِ الأصواتِ والأقوالِ، وهو العَلِيمُ بكلِّ شيءٍ، المطَّلعُ على الظَّواهرِ والسَّرائرِ، ثم يُجازي كلَّ إنسانٍ بما اكتَسبَ مِن خيرٍ وشرٍّ [189] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/174)، ((تفسير ابن كثير)) (3/243)، ((تفسير السعدي)) (ص: 252). .

الفوائد التربوية :

1- قولُه تعالى: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ؛ فيه اللُّجوءُ إلى اللهِ وحْدَه تعالى، وعدَمُ الخوفِ إلَّا منه سُبحانه؛ فإنَّنا متى آمنَّا أنَّ مَن في السَّمواتِ والأرضِ لله، فإنَّنا لن نَلجأَ إلَّا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، ولنْ نخافَ إلَّا مِنه سُبحانه؛ لأنَّه مالكُ مَن في السَّموات والأرضِ [190] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 67). .
2- اللَّام في قوله: لِلَّهِ للمِلْكِ؛ دلَّت على عُبوديَّة الناسِ للهِ دون غيرِه، وتستلزم أنَّ العبدَ صائرٌ إلى مالكِه لا محالةَ [191] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/151). .
3- قولُه تعالى: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فيه استِعطافٌ للمُعْرِضينَ عنه إِلى الإقبالِ إِليه بالتَّوْبَةِ؛ فإنهم إنْ تابوا وأنابوا قَبِل توبتَهم، وقد قَضى في خَلْقه أنَّ رحْمَته وَسِعتْ كلَّ شيءٍ [192] ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/167). .
4- جملةُ: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ معترِضةٌ، وهي مِن المقولِ الذي أُمِرَ الرسولُ بأنْ يقولَه، وفي هذا الاعتراضِ معانٍ:
أحدها: أنَّ ما بَعدَه لَمَّا كان مُشْعِرًا بإنذارٍ بوعيدٍ، قَدَّمَ له التذكيرَ بأنَّه رَحيمٌ بعبيدِه، عساهم يَتوبونَ، ويُقلِعون عن عِنادِهم؛ كقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 54] ، والشِّركُ باللهِ أعظمُ سوءٍ، وأشدُّ تلبُّسًا بجهالةٍ.
والثاني: أنَّ الإخبارَ بأنَّ للهِ ما في السَّمواتِ، وما في الأرضِ؛ يُثير سُؤالَ سائلٍ عن عدمِ تعجيلِ أخْذهم على شِركِهم بمَن هُم ملكُه؛ فالكافرُ يقول: لو كانَ ما تقولونَ صِدقًا لعجَّل لنا العذاب، والمؤمِنُ يَستبطئُ تأخيرَ عِقابِهم، فكان قوله: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ جوابًا لكِلَا الفَريقينِ؛ بأنَّه تَفضَّل بالرَّحمة، فمنها رحمةٌ كاملةٌ، وهذه رحمتُه بعبادِه الصَّالحين، ومنها رحمةٌ مُوَقَّتة، وهي رحمةُ الإمهالِ، والإملاءِ للعُصاة والضالِّين.
والثالث: أنَّ ما في قوله: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ مِن التمهيدِ لِمَا في جملةِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن الوعيدِ والوعدِ؛ فذُكِرَتْ رحمةُ الله تعريضًا ببشارةِ المؤمنين، وبتَهديدِ المشرِكين [193] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/151). .
5- قوله تعالى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فيه استدعاءٌ ليُوجِّهوا النَّظرَ العقليَّ في الموجوداتِ الخفيَّة، وما في إخفائِها مِن دلالةٍ على سَعةِ القُدرة، وتصرُّفاتِ الحِكمةِ الإلهيَّةِ [194] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/155). .

الفوائد العلمية واللطائف :

1- قولُه تعالى: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ هذا استِدلالٌ على المشْركين بأنَّ غيرَ اللهِ ليس أهلًا للإلهيَّة؛ لأنَّ غيرَ الله لا يَملِكُ ما في السَّمواتِ وما في الأرض؛ إذ مُلكُ ذلك لخالِقِ ذلك، وهو تمهيدٌ لقوله بعدَه: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لأنَّ مالكَ الأشياءِ لا يُهمِلُ مُحاسبتَها [195] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/151). .
2- قدَّم الله تعالى المكانَ (السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ) في قولِه: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ؛ لأنَّه أقربُ إلى العقولِ والأفكارِ مِن الزَّمان (اللَّيل والنهار)، والمذكورِ بعدَه في قولِه تعالى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [196] ينظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/449). .
3- قوله تعالى: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ سؤالٌ، وقوله: قُلْ لِلَّهِ جوابٌ؛ فقد أمَرَه الله تعالى بالسُّؤالِ أولًا، ثم بالجواب ثانيًا؛ وهذا إنَّما يَحسُن في الموضعِ الذي يكونُ الجوابُ قد بلَغَ في الظهورِ إلى حيثُ لا يَقدِر على إنكارِه مُنكِرٌ، ولا يَقدِر على دَفْعِه دافِعٌ، ولَمَّا كانتْ آثارُ الحدوثِ والإمكانِ ظاهرةً في ذواتِ جميع الأجسامِ، وفي جميعِ صِفاتها؛ لا جرمَ كان الاعترافُ بأنَّها بأَسْرِها مِلكٌ لِلَّهِ تعالى، ومُلْكٌ له، ومَحلُّ تصرُّفِه وقُدرتِه، لا جرمَ أمَرَه بالسؤال أولًا، ثم بالجوابِ ثانيًا؛ ليدلَّ ذلك على أنَّ الإقرارَ بهذا المعنى ممَّا لا سبيلَ إلى دفْعِه البتَّةَ. وأيضًا فالقومُ كانوا معترِفين بأنَّ كلَّ العالَم مِلكٌ للهِ سبحانه، وتحتَ تصرُّفه وقَهرِه وقُدرتِه بهذا المعنى، كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [197] ينظر: ((تفسير الرازي)) (12/488، 489). [لقمان: 25] .
4- أنَّ للهِ تعالى أن يكتُبَ على نفْسِه ما شاءَ؛ لقوله: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [198] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 68). .
5- قوله تعالى: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فيه سؤالٌ: كيفَ يكونُ الشيءُ لازمًا على الله؟ والجواب: أنَّ اللهَ تعالى ألْزَمَ نفْسَه به، وله سبحانه أنْ يَفعلَ ما شاءَ، نحن لا نُلزِمُ اللهَ بشيءٍ، وليس لنا على الله حقٌّ إلَّا ما أوْجَبه على نفْسِه، لكنَّ اللهَ له أن يُلزِمَ نفْسَه بشيءٍ، فكتابةُ الله على نفْسِه الرَّحْمةَ لا تُنافي كمالَه، بل هي مِن كمالِه عزَّ وجلَّ [200] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 68، 69). .
6- أنَّ اللهَ يُعبِّرُ عن ذاته بالنَّفْسِ؛ لقوله: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، ولها نظائرُ؛ قال الله عزَّ وجلَّ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28] وقال عيسى عليه السَّلام: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة: 116] ، والإنسانُ له نفْسٌ، وليستْ نفْسُ اللهِ كنَفْس الإنسان؛ فهو سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] [201] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 69). .
7- في قوله تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ أنَّه لا ريبَ في هذا اليومِ، شرعًا وعقلًا: شرعًا؛ لأنَّ اللهَ أخْبَر به وأكَّده، وضرَب له الأمثالَ. وعقلًا؛ لأنَّه ليس مِن المعقولِ أنَّ الله تعالى يُوجِد هذه الخليقةَ، ويَأمُرها ويَنهاها، ويُرسل إليها الرُّسُل، وتُستباحُ الأنفسُ والأموالُ والذريَّة في الِقتالِ في سبيلِ الله، ثم تكونُ النتيجةُ أنَّ الأرضَ تَبلعُهم فقط! هذا يُنافي الحِكمةَ؛ فالعقلُ يُوجِبُ أنْ يكونَ هناك بعْثٌ، حتى وإنْ لم يكُن نصٌّ؛ فكيف والنصوصُ كثيرة؟! ومِن رحمةِ الله عزَّ وجلَّ- وله الحمدُ والفضلُ والمِنَّة- أنَّه يُكثِرُ من إثباتِ يومِ القيامةِ، ويَضرِبُ له الأمثال؛ لأنَّ الإيمانَ باليومِ الآخِرِ هو الذي يَحمِلُ الإنسانَ حقيقةً على الإيمانِ؛ إذ لولا اعتقادُ المؤمنِ أنَّه سيُبعَث ويُجازى- إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ- ما عمِل أبدًا، ولصارتِ الأمَّةُ موطنًا للسَّلْبِ والنَّهبِ والعُدوان [202] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 70، 71). .
8- في قوله تعالى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أنَّ السُّكونَ والحركةَ بيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ مالِكَ مَن يَسكُن ويَتحرَّك مالِكٌ للحركةِ والسُّكون، فيكون في هذا دليلٌ على أنَّ أفعالَ العِبادِ مخلوقةٌ لله تعالى، وهذا هو مذهبُ السَّلَفِ وأهلِ السُّنة، وهو وسَطٌ بين مذهبَيِ الجبريَّة والقَدَريَّة [203] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأنعام)) (ص: 74). .
9- قد جاءَ قولُه تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بعدَ قوله: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كالنتيجةِ للمقدِّمة؛ لأنَّ المقصودَ من الإخبارِ بأنَّ اللهَ يَمْلِك الساكناتِ؛ التمهيدُ لإثباتِ عُموم عِلْمه، وإلَّا فإنَّ مُلْك المتحرِّكات المتصرِّفات أقوى مِن مُلْك الساكناتِ، التي لا تُبدي حراكًا؛ فظهَر حُسنُ وقْع قولِه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ عقبَ هذا [204] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/155، 156). .

بلاغة الآيتين :

1- قوله: قُلْ سِيْرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فيه مناسبةٌ حسنةٌ؛ حيث عبَّر هنا بـثُمَّ انْظُرُوا فعَطَف بـ(ثُمَّ) الدَّالة على التَّراخِي، وفي غيرِ هذه السُّورة عقَّب الأمرَ بالسَّير بقوله: فَانْظُرُوا، فعطَفَ بالفاءِ، الدَّالةِ على التَّعقيبِ المباشِرِ، مع اشتراكِهما في الأمْر بالسَّيرِ؛ وبيانُ هذِه المناسبةِ مِن وجهينِ:
الوجه الأوَّل: أنَّ ما في سُورةِ الأنعامِ وقَعَ بَعدَ ذِكر القُرونِ، في قوله: كَمْ أهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ، وقوله: وَأنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهمْ قَرْنًا آخَرِينَ؛ فتعدَّدت القرونُ في أزمنةٍ متطاولةٍ؛ فخُصَّت الآيةُ هنا بـثُمَّ، بخِلاف ما في غيرِ هذِه السُّورة، إذْ لم يَتقدَّمْه شيءٌ من ذلك؛ فخُصَّت بالفاء [205]  ينظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (1/160). ؛ فقوله: ثُمَّ انْظُروا في سورةِ الأنعام ناسَب العطف فيه بـ(ثُم)، حيثُ لم يَجعَلِ النَّظرَ فيها واقعًا عَقيبَ السَّير، مُتعلِّقًا وجودُه بوجودِه؛ لأنَّه بعْثٌ على سيرٍ بعدَ سيرٍ؛ لِمَا تَقدَّم مِن الآيةِ التي تدلُّ على أنَّه تعالى حَدَاهم على استقراءِ البِلادِ، ومنازلِ أهلِ الفَسادِ، وأنْ يَستَكثِروا مِن ذلك؛ ليَرَوا أثرًا بعدَ أثرٍ، في دِيارٍ بعدَ دِيارٍ، قدْ عمَّم أهلَها بدمارٍ؛ لقوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ، ثمَّ قال: فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ، فذكَر في قوله: كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ أي: قُرونًا كثيرةً أهلكناهم، ثم قال: وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ، فدعَا إلى العِلمِ بذلك بالسَّيرِ في البلادِ ومشاهدةِ هذه الآثارِ، وفي ذلك ذَهابُ أزمنةٍ كثيرةٍ ومُددٍ طويلةٍ تمنعُ النظرَ مِن مُلاصقةِ السَّير، فجَعَل السَّيرَ في الأرض في هذا المكانِ مأمورًا به على حِدَةٍ، والنظرَ بَعدَه مأمورًا بِه على حِدَة؛ فلذلك خُصَّت بـ(ثمَّ) التي تُفيدُ تَراخِيَ المهلةِ بَينَ الفِعلين.
وأمَّا قوله: فَانْظُرُوا في بقيَّة الآياتِ فيدلُّ على أنَّ السَّيرَ يُؤدِّي إلى النَّظرِ، فيَقعُ بوقوعِه، وليس كذلك (ثمَّ)؛ فإنَّ الفاءَ وقعَتْ في الجزاءِ، ولم تقَع فيه (ثم)؛ فسائِرُ الأماكنِ التي دخَلَتْها الفاءُ عُلِّق فيها وقوعُ النَّظرِ بوقوعِ السَّيرِ؛ لأنَّه لم يَتقدَّمِ الآيةَ ما يَحْدُو على السَّيرِ الذي حدَا عليه فيما قَبلَ آيةِ الأنعامِ، فالمواضِعُ التي دَخَلَتْها الفاءُ قُصِد فيها معنى التعقيبِ، واتِّصالِ النَّظرِ بالسَّير؛ إذ لَيس في شيءٍ مِن الأماكنِ التي ذُكِرتْ فيها الفاءُ ما في سَورةِ الأنعامِ مِن البَعْثِ على استقراءِ الدِّيارِ، وتأمُّلِ الآثارِ، والله أعلم [206] ينظر: ((درة التنزيل وغرة التأويل)) للإسكافي (2/490 - 492). .
الوجه الثاني: أنَّ قوله: ثُمَّ انْظُرُوا في آيةِ الأنعام عُطِفَ بـثُمَّ المقتضيةِ مُهلةَ الزَّمان؛ لأنَّ سُورةَ الأنعامِ افتُتِحَتْ بذِكْرِ خَلْق السَّمواتِ والأرضِ، وجَعْل الظُّلماتِ والنُّور، وإنَّما ذُكِر هذا مِن الخَلْقِ الأكبرِ؛ ليُعتبَرَ بذلك؛ فإنَّه أعظمُ مُعتَبرٍ وأَوْسَعُه، فكأنَّ الآيةَ في قوَّة أنْ لو قِيل: سِيروا في الأرضِ فاعْتَبِروا لخالقِها، وكيف دَحاها لكم، وذلَّلَها لسُكْنَاكُم، وجعَل فيها رواسيَ أنْ تَميدَ بكم، وفَجَّرَ فيها الأنهارَ، إلى عجائبِ ما أودَعَ فيها، وكيف جعَلَ السَّماءَ سقفًا مَحفوظًا بغيرِ عِمادٍ، وزَيَّنها بالنجومِ؛ لتَهْتَدوا بها في الظُّلماتِ، وجعَل الشمسَ والقمرَ حُسبانًا وضياءً وزِينةً للسَّماء الدُّنيا، وكيف محا آيةَ اللَّيلِ لمصلحةِ العبادِ، وجعَل آيةَ النَّهارِ مبصرةً، إلى ما لا يُحصَى مِن مَنافِعِها وعَجائِبها لِمَن مُنِحَ الاعتبار؛ كما قال تعالى: إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ [الجاثية: 3] ، ثمَّ انظُروا عاقبةَ مَن كذَّب، ونُبِّه فلمْ يَعتبِرْ. وأمَّا العَطْفُ بالفاءِ في بقيَّة الآياتِ على الأمْر بالسَّيرِ؛ فلَأنَّهم أُمِروا أنْ يَعقُبوا سَيرَهم بالتدبُّرِ والاعتبارِ، وحَصْرِ نَظرِهم واعتبارِهم في المعقَّبِ المذكورِ بعدَ الفاءِ، ولم تقَعْ إشارةٌ إلى اعتبارِهم بغير ذلك [207] ينظر: ((ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل)) لأبي جعفر الغرناطي (1/145، 146). .
- وقوله: كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ وضَع المكَذِّبِينَ موضعَ (المسْتَهْزئين)؛ لتحقيقِ أنَّ مدارَ إصابةِ ما أصابَهم هو التَّكذيبُ؛ لينزجرَ السامِعون عنه لا عن الاستهزاءِ فقط، مع بقاءِ التكذيب بحالِه، بناءً على توهُّم أنَّه المدارُ في ذلك [208] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/114). ؛ فوَصفَهم اللهُ بالمكذِّبين دون المسْتَهزِئين؛ للدَّلالة على أنَّ التَّكذيبَ والاستهزاءَ كانَا خُلُقَينِ مِن أخلاقهم، وأنَّ الواحدَ من هذين الخُلُقينِ كافٍ في استحقاقِ تلك العاقبةِ؛ إذ قال في الآية السابقة: فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ، وقال في هذِه الآيةِ: كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكَذِّبِينَ، وهذا ردٌّ جامعٌ لدَحْضِ ضَلالاتِهم الجاريةِ على سَننِ ضَلالاتِ نُظرائِهم مِن الأُمم السَّالفةِ المكذِّبين [209] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/149). .
2- قوله: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ استفهامٌ يُفيد التبكيتَ والتَّقرير؛ فالاستفهامُ للتقريرِ، والمرادُ به لازمُ معناه، وهو تبكيتُ المشرِكين، وإلجاؤُهم إلى الإقرارِ بما يُفضِي إلى إبطالِ مُعتَقدِهم الشِّركَ [210] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/8)، ((تفسير البيضاوي)) (2/155)، ((تفسير أبي السعود)) (3/115)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/150). .
- وفي تقديمِ: لِمَنْ على مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ تنبيهٌ على الاهتمامِ بالمعبودِ [211] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/29). .
3- قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ استئنافٌ وقَسَمٌ مسوقٌ للوعيدِ على إشراكِهم، وإغفالِهم النَّظرَ، أي: ليَجمعنَّكم فيُجازيكم على شِرككم، وسائرِ مَعاصِيكم، وإنْ أمْهَلَكم بموجِبِ رحمتِه، ولم يُعاجِلْكم بالعقوبةِ الدُّنيويَّة [212] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/155)، ((تفسير أبي السعود)) (3/115). .
- وقول الله تعالى: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كلامٌ ورد على لَفظِ الغَيبةِ، وقوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كلامٌ ورد على سبيلِ المخاطَبَة؛ والمقصودُ منه التأكيدُ في التَّهديد، كأنَّه قيل: لَمَّا عَلمتُم أنَّ كلَّ ما في السَّموات والأرضِ للهِ ومُلْكُه، وقد علمتُم أنَّ المَلِكَ الحكيمَ لا يُهملُ أمْرَ رعيَّته، ولا يجوزُ في حِكمتِه أن يُسوِّيَ بين المطيعِ والعاصي، وبين المشتغِلِ بالخِدمة والمُعرِضِ عنها، فهلَّا عَلمتُم أنَّه يُقيمُ القيامةَ، ويُحضِرُ الخلائقَ، ويُحاسبُهم في الكلِّ [213] ينظر: ((تفسير الرازي)) (12/490). ؟
4- قوله: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ تذييلٌ مَسُوقٌ من جِهتِه تعالى؛ لتقبيحِ حالِهم [214] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/115). .
- وعبَّر بالفاءِ في قوله: فَهُمْ؛ لتضمُّن المبتدأِ معنى الشَّرْط، وللإشعارِ بأنَّ عدمَ إيمانهم بسببِ خُسرانهم؛ فإنَّ إبطالَ العَقلِ باتِّباعِ الحواسِّ، والوَهْم، والانهماكِ في التَّقليدِ، وإغفالِ النَّظر؛ أدَّى بهم إلى الإصرارِ على الكُفْر والامتناعِ مِن الإيمان [215] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/115). .
5- قوله: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ
- تقديمُ الجارِّ والمجرورِ (لَهُ) على مَا التي بمعنى (الذي)؛ للدَّلالةِ على الحَصْر، وهو حصْر الساكناتِ في كونِها له لا لغيرِه، أي: في كَونِ ملكِها التامِّ له [216] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/491)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/155). .
- وخصَّ السَّاكِنَ بالذِّكر دون المتحرِّك؛ لأنَّ السَّاكنَ من المخلوقاتِ أكثرُ عددًا من المتحرِّك، والسُّكونَ أكثرُ وجودًا من الحركةِ. أو لأنَّ كُلَّ مُتحرِّك يصيرُ إلى السُّكونِ، من غير عَكسٍ؛ فإنَّ كلَّ مُتحرِّكٍ قد يَسكُن، وليس كلُّ ما يَسكُن يَتحرَّك. أو لأنَّ السُّكونَ هو الأصلُ، والحركة حادثةٌ عليه [217] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/491)، ((تفسير أبي حيان)) (4/449)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (1/160). .
- وتقديمُ اللَّيلِ على النَّهار؛ قيل: لأنَّ ما يَسكُنُ فيه هو المقصودُ بالذَّات [218] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/275). ؛ فالسَّاكِنُ فِي ذلك الوَقتِ يَزدادُ خَفاءً، فهو كقولِه: وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ [الأنعام: 59] . وَعَطَفَ النَّهارَ عليه؛ لقصدِ زِيادَةِ الشُّمولِ، لأنَّ اللَّيْلَ لمَّا كان مَظِنَّةَ الاختفاءِ فيه قد يُظَنُّ أنَّ العالِمَ يَقْصِدُ الاطِّلاعَ على السَّاكِناتِ فيه بأهميَّةٍ، ولا يَقْصِدُ إلى الاطِّلاعِ على السَّاكِناتِ في النَّهارِ، فذَكَر النَّهارَ لتحقيقِ تَمامِ الإحاطَةِ بالمعلوماتِ [219] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/155). .
- وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ جاءَ الوصفانِ على صِيغةِ المبالَغة؛ للمُبالغةِ في وصْفِه سبحانه بسَماعِ كلِّ مَسموعٍ، والعِلمِ بكلِّ مَعلومٍ؛ فلا يَخفَى عليه شيءٌ من الأقوالِ والأفعالِ [220] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/116). .
- وفي خَتْمِ الآيةِ بهاتَينِ الصِّفتَينِ مناسَبَةٌ حَسنةٌ؛ فإنَّه لَمَّا تَقدَّم ذِكْرُ مُحاوراتِ الكفَّارِ المكذِّبين، وذِكرُ الحَشْرِ الذي فيه الجزاءُ، ناسَب ذِكْرُ صِفةِ السَّمع لِمَا وقعتْ فيه المحاورةُ، وصِفةِ العِلمِ؛ لتَضمُّنِها معنى الجزاءِ؛ إذ ذلك يدلُّ على الوعيدِ والتَّهديدِ [221] ينظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/449). .
وأيضًا: فإنَّه لَمَّا ذَكَر أنَّ له ما سَكَن في اللِّيلِ والنهارِ، وذلك يدلُّ على شُمولِ مُلكِه؛ عَقَّبَه بذِكر هاتينِ الصِّفتينِ (السَّمع والعلم)؛ ليدلَّ على إحاطةِ عِلمهِ بكلِّ شيءٍ [222] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/155- 156). .