موسوعة التفسير

سورةُ الفُرقانِ
الآيات (17-19)

ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ

غريب الكلمات:

بُورًا: أي: هَلْكى، مِن: بارَ يَبورُ: إذا هلَك وبطَل، وأصلُ (بور) هنا: يدُلُّ على هَلاكِ الشَّيءِ، وما يُشْبِهُه مِن تَعَطُّلِه وخُلُوِّه [244] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 311)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 129)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/316)، ((المفردات)) للراغب (ص: 153)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 25). .
صَرْفًا: أي: دَفعًا وحِيلةً، وأصلُ (صرف): يدُلُّ على رَجعِ الشَّيءِ [245] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 311)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 300)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/342)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 25). .

المعنى الإجمالي:

يُبيِّنُ الله تعالى حالَ المشركينَ وآلهتِهم الباطلةِ يومَ القيامةِ، فيقولُ: اذكُرْ -أيُّها الرسولُ- يومَ القيامةِ حين يَحشُرُ اللهُ المُشرِكين وما عَبَدوه مِن دونِ اللهِ، فيقولُ اللهُ لهذه الآلهةِ المزعومةِ: أأنتم أضلَلتُم عبادي هؤلاء، أمْ هم الذين ضَلُّوا عن الهُدى؟ فتقولُ: سبحانَك، ما يحِقُّ لنا أن نعبُدَ غَيرَك ولا أن نُشرِكَ بك أحدًا في عبادتِك، ولكِنَّك -يا رَبَّنا- متَّعْتَ هؤلاءِ المُشرِكين وآباءَهم بالنِّعَمِ، حتى تَرَكوا وَحْيَك المنزَّلَ، وفيه ما أمَرْتَهم به مِن توحيدِك وعبادتِك وحْدَك، وكانوا قومًا مُهلَكينَ.
فيقولُ اللهُ تعالى لهؤلاء الكافرين مُبَكِّتًا ومُقَرِّعًا لهم: قد كذَّبَكم مَنْ عبَدْتُموهم وردُّوا قولَكم الباطِلَ، فقد وجَب عليكم العذابُ، فلا تملِكون له ردًّا ولا دَفعًا، ولا نَصرًا مِن جهةِ أنفُسِكم، أو مِن جِهةِ غَيرِكم. ومَن يكفُرْ باللهِ تعالى منكم نعذِّبْه عذابًا كبيرًا.

تفسير الآيات:

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ.
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا توَعَّدَهم بالسَّعيرِ وما يُلاقون مِن هَولِها؛ بَيَّنَ لهم حالَ ما قبْلَ ذلك، وهو حالُهم في الحَشرِ مع أصنامِهم [246] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/337). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ لهم حالَهم في السَّاعةِ معه سُبحانَه؛ أتبَعَه ذِكرَ حالِهم مع معبوداتِهم مِن دُونِه، فقال [247] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/359). :
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
أي: واذكُرْ -أيُّها الرَّسولُ [248] قال محمد رشيد رضا: (جمهورُ الْمفسِّرينَ يجعلونَ كلمةَ «يوم» في أمثالِ هذه الآياتِ مفعولًا لفعلٍ محذوفٍ تقديرُه، «واذكُرْ»، وهو خطابٌ للرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، أي: واذكُرْ لهم فيما تَتْلوه عليهم يومَ يكونُ كَذا وكَذا؛ لأنَّ هذا معهودٌ ومعروفٌ عندَهم). ((تفسير المنار)) (8/55). - يومَ القيامةِ حين يَحشُرُ اللهُ المُشرِكين ومَعبوداتِهم التي عَبَدوها مِن دونِ اللهِ [249] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/415)، ((تفسير ابن عطية)) (4/203)، ((تفسير القرطبي)) (13/10)، ((تفسير ابن كثير)) (6/99)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/33، 34). قيل: المرادُ بقَولِه: وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: الأصنامُ. ومِمَّن اختاره: السمرقنديُّ. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/532). وقيل: المرادُ بقَولِه: وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: الملائِكةُ. وممَّن اختاره: مقاتلُ بنُ سليمانَ، والسمعانيُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/229)، ((تفسير السمعاني)) (4/11). وقيل: المرادُ: الملائكةُ والإنسُ والجِنُّ. وممَّن اختاره: ابنُ جرير، ومكِّي، والخازن. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/414)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (8/5189)، ((تفسير الخازن)) (3/310). وقال الرازيُّ: (وأمَّا الأكثَرونَ فزَعَموا أنَّ المرادَ هو الملائِكةُ، وعيسى، وعُزَيرٌ -عليهم السَّلامُ). ((تفسير الرازي)) (24/442). وممَّن اختار العُمومَ، وأنَّ المرادَ كُلُّ ما عُبِدَ مِن دونِ اللهِ: ابنُ عطية، والبيضاوي، والبقاعي، وابن عاشور. يُنظر:((تفسير ابن عطية)) (4/203)، ((تفسير البيضاوي)) (4/120)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/360)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/337). قال ابنُ عطيَّة: (وقولُه: وَمَا يَعْبُدُونَ يريدُ به كُلَّ شَيءٍ عُبِدَ مِن دون الله، فغَلَّب العبارةَ عمَّا لا يعقِلُ مِن الأوثانِ؛ لأنَّها كانت الأغلَبَ وقتَ المخاطَبةِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/203). وقال الشنقيطي: (الأظهرُ عندي شُمولُ المعبودينَ المذكورينَ للأصنامِ معَ الملائكةِ وعيسى وعُزَيرٍ؛ لأنَّ ذلك تدُلُّ عليه قرينتانِ قرآنيتانِ؛ الأولَى: أنَّه عبَّرَ عن المعبودينَ المذكورينَ بـ «ما» التي هي لغيرِ العاقِلِ في قولِه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآيةَ؛ فلفظةُ «ما» تدُلُّ على شُمولِ غيرِ العقلاءِ، وأنَّه غلَّب غيرَ العاقِلِ؛ لكثرتِه. القرينة الثانية: هي دَلالةُ آياتٍ مِن كتابِ اللهِ على أنَّ المعبودينَ غافلونَ عن عبادةِ مَن عبَدَهم، أي: لا يعلَمون بها؛ لكَونِهم غيرَ عُقلاءَ... وإطلاقُ اللَّفظِ المختَصِّ بالعُقلاءِ عليهم؛ نظرًا إلى أنَّ المشركينَ نَزَّلوهم منزلةَ العُقلاءِ). ((أضواء البيان)) (6/33، 34). ويُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/360). .
فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ.
أي: فيقولُ اللهُ للمَعبوداتِ التي كان يعبُدُها المُشرِكون: أأنتم أضلَلْتُم عبادي هؤلاء عن طَريقِ الهُدى، ودعَوْتُموهم إلى عبادتِكم مِن دوني حتى فَعَلوا ذلك، أمُ هم الذين ضَلُّوا عن طَريقِ الحَقِّ مِن تِلقاءِ أنفُسِهم مِن غيرِ دَعوةٍ وتَضليلٍ منكم [250] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/415)، ((تفسير ابن كثير)) (6/99)، ((تفسير السعدي)) (ص: 580)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/338). ؟
كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ... [المائدة: 116] .
قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا.
القراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التفسيرِ:
في قوله تعالى: نَتَّخِذَ قراءتانِ:
1- قراءةُ: نُتَّخَذَ بضمِّ النُّونِ، وفتحِ الخاءِ، على البناءِ للمفعولِ؛ أيْ: ما كان يَنْبَغي لنا أنْ يَتَّخِذَنا المشرِكونَ أولِياءَ مِن دونِكَ [251] قرأ بها أبو جعفر. يُنظر ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/333). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير الرسعني)) (5/308)، ((تفسير الشوكاني)) (4/78). .
2- قراءةُ: نَتَّخِذَ بِفتحِ النُّونِ، وكسرِ الخاءِ، والمعنى أنَّ هؤلاءِ المعبودينَ هم الَّذينَ تَبَرَّءوا أنْ يكونَ كانَ لهم وَلِيٌّ غيرُ اللَّهِ تعالَى ذِكْرُه [252] قرأ بها الباقون. يُنظر ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/333). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (17/417). .
قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ.
أي: قال المعبودون مِن دونِ اللهِ: ننزِّهُك -يا اللهُ- عن مُشارَكتِك في الألوهيَّةِ، فما يليقُ ولا يحِقُّ لنا أن نَعبُدَ غَيرَك، ونواليَ سِواك، ولا نطلُبَ مِن النَّاسِ أن يكونوا عابدينَ لنا؛ فنحن ما دعَوْناهم إلى ذلك، بل هم فَعَلوه مِن تِلْقاءِ أنفُسِهم مِن غيرِ أمْرِنا ولا رِضانا، ونحن بُرآءُ منهم ومِن عبادتِهم [253] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/416، 417)، ((تفسير ابن كثير)) (6/99)، ((تفسير السعدي)) (ص: 580)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/338). .
كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ: 40، 41].
وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ.
أي: ولكِنْ متَّعْتَ -يا ربَّنا- هؤلاء المُشرِكين وآباءَهم في الدُّنيا بالنِّعَمِ، فانشَغَلوا بالشَّهواتِ حتى تَرَكوا وَحْيَك المنزَّلَ، وفيه الأمرُ بتوحيدِك وعبادتِك وحْدَك لا شَريكَ لك [254] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/416)، ((تفسير القرطبي)) (13/11)، ((تفسير ابن كثير)) (6/99)، ((تفسير السعدي)) (ص: 580)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/340)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/34). .
وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا.
أي: وكان المُشرِكون قومًا هَلْكى، قد غلَب عليهم الخِذلانُ والشَّقاءُ [255] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/416، 418)، ((تفسير القرطبي)) (13/11)، ((تفسير ابن كثير)) (6/100)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/341)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/34). قال ابن جرير: (وإنَّما أُريدَ بالبورِ في هذا الموضِعِ أنَّ أعمالَ هؤلاء الكُفَّارِ كانت باطلةً؛ لأنَّها لم تكُنْ لله). ((تفسير ابن جرير)) (17/419). وقال البقاعي: (وَكَانُوا في عِلمِك بما قضيتَ عليهم في الأزَلِ قَوْمًا بُورًا هَلْكى). ((نظم الدرر)) (13/363). .
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا.
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ.
أي: فقد كذَّبَكم -أيُّها المُشرِكون- مَن عبَدْتُموهم مِن دُونِ اللهِ، وأنكروا قَولَكم أنَّهم أمَروكم بعبادتِهم، ورَضُوا فِعْلَكم، وأنَّهم شُفَعاءُ لكم عندَ رَبِّكم، وكذَّبوكم في زَعمِكم أنَّهم آلهةٌ [256] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/419)، ((تفسير القرطبي)) (13/12)، ((تفسير ابن كثير)) (6/100). قال ابن عطية: (الآيةُ خِطابٌ مِن الله تعالى بلا خِلافٍ). ((تفسير ابن عطية)) (4/204). وقال ابن عاشور: (الباءُ في قَولِه: بِمَا تَقُولُونَ يجوزُ أن تكونَ بمعنى «في» ...، أي: كذَّبوكم تكذيبًا واقِعًا فيما تقولون، ويجوزُ أن تكونَ للسَّببيَّةِ، أي: كذَّبوكم بسَبَبِ ما تقولون). ((تفسير ابن عاشور)) (18/342). !
كما قال تعالى: وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ [النحل: 86].
وقال عزَّ وجلَّ: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: 81، 82].
وقال تبارك وتعالى: وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 6].
فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا.
القِراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التفسيرِ:
1- قراءةُ تَسْتَطِيعُونَ بالتاءِ على الخِطابِ للمُشرِكين، أي: فما تَستطيعونَ -يا عَبَدةَ الأوثانِ- صَرفًا لعذابِ اللهِ عنكم، ولا نَصرًا منه لأنفُسِكم [257] قرأ بها حفصٌ عن عاصم. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/334). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((معاني القراءات)) للأزهري (2/215)، ((الحجة)) لأبي عليٍّ الفارسي (5/340)، ((الكشف)) لمكِّي (2/145). .
2- قراءةُ يَسْتَطِيعُونَ بالياءِ على الإخبارِ عن المعبودينَ مِن دونِ الله، أي: فما يستطيعُ الآلهةُ صَرفًا لعذابِ اللهِ عنكم -أيُّها المشركون- ولا نَصرًا لكم [258] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/334). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((معاني القراءات)) للأزهري (2/215)، ((الحجة)) لأبي عليٍّ الفارسي (5/340)، ((الكشف)) لمكِّي (2/145). .
فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا
أي: فما تَستطيعون -أيُّها المُشرِكونَ- صَرْفَ عذابِ اللهِ عنكم بفِداءٍ أو غيرِه، ولا تستطيعونَ نَصرَ أنفُسِكم؛ لِعَجزِكم [259] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/420)، ((البسيط)) للواحدي (16/440)، ((تفسير ابن كثير)) (6/100)، ((تفسير السعدي)) (ص: 580). قال الواحدي: (وتفسيرُ الصَّرفِ هاهنا: صرْفُ العذابِ، في قولِ ابنِ عبَّاسٍ ومقاتلٍ، وأكثَرِ المفسِّرينَ، وأهلِ المعاني). ((البسيط)) (16/440). .
وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا
أي: ومَن يَظلِمْ نفْسَه منكم [260] قال ابن عطية: (وقوله: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ، قيل: هو خطابٌ للكفَّارِ، وقيل: للمؤمنينَ). ((تفسير ابن عطية)) (4/204). ممَّن اختار أنَّ الخِطابَ للمؤمنينَ: ابنُ جريرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/422). وممَّن اختار أنَّ الخطابَ لعمومِ المكلَّفينَ: البيضاويُّ، والنسفي، والقاسمي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/121)، ((تفسير النسفي)) (2/531)، ((تفسير القاسمي)) (7/423)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/342). قال الشوكاني: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا هذا وعيدٌ لكلِّ ظالمٍ، ويدخُلُ تحتَه الذي فيهم السياقُ دخولًا أوَّليًّا). ((تفسير الشوكاني)) (4/79). وقال السعدي: (وأمَّا المعانِدُ منهم الذي عرَف الحقَّ وصدَفَ عنه، فقال في حقِّه: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ بتركِ الحقِّ ظُلمًا وعنادًا نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا لا يُقادَرُ قَدرُه، ولا يُبلَغُ أمرُه). ((تفسير السعدي)) (ص: 580). بالشِّركِ، نُعَذِّبْه في النَّارِ عذابًا كبيرًا [261] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/422)، ((تفسير ابن عطية)) (4/204)، ((تفسير ابن كثير)) (6/100)، ((تفسير القرطبي)) (13/12)، ((تفسير السعدي)) (ص: 580)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/342). قال ابن عطية: (الظُّلمُ هنا: الشِّركُ. قاله الحَسَنُ وابنُ جُرَيجٍ. وقد يحتمِلُ أن يعُمَّ غيرَه مِن المعاصي). ((تفسير ابن عطية)) (4/204). وقال البقاعي: (ولَمَّا كان التَّقديرُ: فمَن يَعدِلْ منكم لسَماعِ هذا الوَعظِ بوَضعِ العِبادةِ في موضِعِها، نُثِبْه ثوابًا جليلًا؛ عطف عليه ما المقامُ له، فقال: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ بوَضعِها في غيرِ مَوضِعِها، وباعتِقادِه في الرسُلِ ما لا يَنبغي مِن أنَّه لا يَنبغي لهم أن يكونوا مِثلَ النَّاسِ في أكلٍ ولا طلَبِ مَعيشةٍ ونحوِ ذلك؛ نُذِقْهُ في الدُّنيا والآخرةِ، بما لنا مِن العَظَمةِ عَذَابًا كَبِيرًا). ((نظم الدرر)) (13/364). .
كما قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة: 72] .

الفوائد التربوية:

في قولِه تعالى: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ أنَّه لا تجوزُ الوَلايةُ والعَداوةُ إلَّا بإذنِ اللهِ؛ فكلُّ وَلايةٍ مَبنيَّةٍ على مَيلِ النَّفْسِ ونَصيبِ الطَّبعِ، فذاك على خِلافِ الشَّرعِ [262] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (24/444). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ. إن قيل: إن كانت الأصنامُ التي تُعبَدُ تُحشَرُ، فكيف تَنطِقُ وهي جمادٌ؟
فالجواب: يُنطِقُها الله تعالى يومَ القيامةِ كما يُنطِقُ الأيديَ والأرجُلَ [263] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (13/10). ، فإسنادُ القَولِ إلى ما يُعبَدون مِن دونِ اللهِ يَقتضي أنَّ اللهَ يجعَلُ في الأصنامِ نُطقًا يَسمَعُه عبَدَتُها، أمَّا غيرُ الأصنامِ مِمَّن عُبِد مِن العُقَلاءِ، فالقَولُ فيهم ظاهِرٌ [264] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/338). .
2- قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ قَولُهم: سُبْحَانَكَ تعظيمٌ لله تعالى في مَقامِ الاعترافِ بأنَّهم ينَزِّهون اللهَ عن أن يَدَّعُوا لأنفُسِهم مشاركتَه في الإلهيَّةِ [265] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/338). .
3- قَولُه تعالى: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ الإشارةُ إليهم؛ لتَمييزِهم مِن بيْنِ بقيَّةِ العِبادِ، وهذا أصلٌ في أداءِ الشَّهادةِ على عَينِ المشهودِ عليه لدى القاضي [266] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/338). .
4- قال تعالى: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ «لا ينبغي» في كَلامِ اللهِ تعالى، ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لِلَّذي هو في غايةِ الامتِناعِ شَرعًا؛ كقَولِه تعالى: وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم: 92] ، وقَولِه تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس: 69] ، وقَولِه تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ [267] يُنظر: ((الجواب الكافي)) لابن القيم (ص: 134). [الشعراء: 210، 211].

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ
- قَولُه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ نُصِبَ على أنَّه مَفعولٌ لِمُضمرٍ مُقدَّمٍ مَعطوفٍ على قولِه تعالى: قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ إلخ [الفرقان: 15] ، إنْ كان المُرادُ: قُلْ للمُشرِكين. أو على قولِه: وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا [الفرقان: 11] ، على جوازِ أنَّ المُرادَ: قُلْ للمُؤمِنينَ. والتَّقديرُ: واذكُرْ لهم بعْدَ التَّقريعِ والتَّحسيرِ يومَ يَحشُرُهم اللهُ عَزَّ وجلَّ. أو على أنَّه ظرْفٌ لمُضمَرٍ مُؤخَّرٍ؛ قد حُذِفَ للتَّنبيهِ على كَمالِ هَولِه وفَظاعةِ ما فيه، والإيذانِ بقُصورِ العِبارةِ عن بَيانِه [268] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/208)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/336، 337). .
- وتَعليقُ التَّذكيرِ باليومِ مع أنَّ المقصودَ تَذكيرُ ما وقَعَ فيه مِن الحوادثِ الهائلةِ؛ للمُبالَغةِ في إيجابِ ذِكْرِها؛ لِأنَّ إيجابَ ذِكْرِ الوَقتِ إيجابٌ لذِكْرِ ما وقَعَ فيه، ولأنَّ الوقتَ مُشتمِلٌ عليها؛ فإذا استُحضِرَ كانت حاضرةً بتَفاصيلِها كأنَّها مُشاهَدةٌ عِيانًا [269] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/208). .
- واستعمالُ (مَا) في قولِه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ؛ إمَّا لأنَّ وضْعَه أعَمُّ، ولذلك يُطلَقُ لكلِّ شبَحٍ يُرى ولا يُعرَفُ، أو لأنَّه أُرِيدَ به الوصْفُ، كأنَّه قِيلَ: ومَعبودَهم. أو لتَغليبِ الأصنامِ؛ تَحقيرًا وتَنبيهًا على أنَّهم مِثْلُها في السُّقوطِ عن رُتبةِ المَعبوديَّةِ. أو اعتبارًا لغَلبةِ عُبَّادِها. أو يَخُصُّ الملائكةَ وعُزَيرًا والمسيحَ؛ بقَرينةِ السُّؤالِ والجوابِ. أو الأصنامُ يُنطِقُها اللهُ، أو تَتكلَّمُ بلسانِ الحالِ. وقولُه: فَيَقُولُ، أي: للمَعبودينَ، وهو على طَريقةِ تَلوينِ الخِطابِ [270] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/268)، ((تفسير البيضاوي)) (4/120)، ((تفسير أبي السعود)) (6/208)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/337). . وقِيل: أنْ يكونَ عامًّا لهم جميعًا يأْباهُ جوابُ المَعبودينَ، وهو قولُهم: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا؛ لأنَّهم ملائِكةٌ مَعصومونَ وأنبياءُ مَعصومونَ؛ فلا يدخُلُ فيه الأصنامُ، لكنْ عُدِلَ إلى (ما) إجراءً للمَعبودينَ مُجْرى غيرِ ذَوِي العُقولِ؛ تَحقيرًا لشأنِهم؛ لغايةِ قُصورِهم عن معنَى الرُّبوبيَّةِ، وتَنبيهًا على المُجانَسةِ المُنافيةِ للأُلوهيَّةِ [271] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/191). .
- قَولُه: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ استِفهامُ تَقريعٍ وتَبْكيتٍ للعَبَدةِ. وحَذْفُ صِلَةِ (ضَلَّ) مُبالَغةٌ؛ فسُؤالُه تعالى وهو عالِمٌ بالمسؤولِ عنه؛ لِيُجيبوا بما أجابوا به، حتَّى يُبكِّتَ عَبَدتَهم بتَكذيبِهم إيَّاهم، فيُبْهَتوا ويَنْقطِعوا، وتَزِيدَ حَسرتُهم، ويكونَ ذلك نوعًا ممَّا يَلحَقُهم مِن غضَبِ اللهِ وعَذابِه، ويَغتبِطَ المُؤمِنون ويَفْرَحوا بحالِهم ونَجاتِهم مِن فَضيحةِ أولئك، وليكونَ حِكايةُ ذلك في القُرآنِ لُطْفًا للمُكلَّفينَ. وجاء الاستفهامُ مُقدَّمًا فيه الاسمُ على الفِعلِ، ولم يقُلْ: أضلَلْتُم عِبادي هؤلاء أمْ ضلُّوا السَّبيلَ؛ بحذْفِ (أنتُم) و(هم)؛ لأنَّ السُّؤالَ ليس عن الفِعلِ ووُجودِه؛ لأنَّه لولا وُجودُه لَمَا توجَّهَ هذا العِتابُ، وإنَّما هو عن مُتولِّيهِ، فلا بُدَّ مِن ذِكْرِه، وإيلائِه حَرْفَ الاستفهامِ حتَّى يُعلَمَ أنَّه المسؤولُ عنه [272] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/268، 269)، ((تفسير البيضاوي)) (4/120)، ((تفسير أبي حيان)) (8/90)، ((تفسير أبي السعود)) (6/208). . وقيل: هو استِفهامٌ تقْريريٌّ للاستِنطاقِ والاستِشهادِ. والمعنى: أأنتُمْ أضْلَلْتُموهم أمْ ضَلُّوا مِن تِلقاءِ أنفُسِهم دونَ تَضليلٍ منكم؛ ففي الكلامِ حَذْفٌ دلَّ عليه المذكورُ [273] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/337). .
- وأخبَرَ بفِعلِ: أَضْلَلْتُمْ عن ضَميرِ المُخاطَبينَ المُنفصِلِ، وبفِعلِ ضَلُّوا عن ضَميرِ الغائبينَ المُنفصِلِ؛ لِيُفيدَ تَقديمُ المُسنَدِ إليهما على الخَبرينِ الفِعْلِيَّينِ تَقْويةَ الحُكْمِ المُقرَّرِ به؛ لإشعارِهم بأنَّهم لا مَناصَ لهم مِن الإقرارِ بأحَدِ الأمْرَينِ، وأنَّ أحدَهم مُحقَّقُ الوُقوعِ لا مَحالةَ؛ فالمقصودُ بالتَّقويةِ هو مُعادِلُ هَمزةِ الاستِفهامِ، وهو أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [274] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/337). . وإعادةُ فِعْلِ ضَلُّوا في قولِه: أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ؛ لِيَجْرِيَ على ضَميرِهم مُسنَدٌ فِعليٌّ، فيُفِيدَ التَّقويةَ في نِسبةِ الضَّلالِ إليهم [275] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/338). .
- ووصْفُ العِبادِ هنا بقولِه: عِبَادِي هَؤُلَاءِ تَسجيلٌ على المُشرِكين بالعُبوديَّةِ، وتعريضٌ بكُفرانِهم حقَّها [276] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/338). .
2- قَولُه تعالى: قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا استِئنافٌ مَبْنيٌّ على سُؤالٍ نشَأَ مِن حكايةِ السُّؤالِ؛ كأنَّه قِيلَ: فماذَا قالوا في الجوابِ؟ فقيل: قالوا... [277] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/208)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/337). .
- قَولُه: سُبْحَانَكَ إمَّا على إرادةِ مُطلَقِ التَّعجُّبِ ممَّا قِيل لهم مِن قولِه: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي، أو نَطَقوا بكلمةِ التَّسبيحِ كِنايةً عن البَراءةِ عن أنفُسِهم ذلك القولَ، أو أرادوا مَوضوعَها اللُّغويَّ مِن التَّنزيهِ والتَّقديسِ؛ قدَّسوا ساحةَ جَلالِ اللهِ عمَّا لا يَلِيقُ بحَضرتِه مِن النِّدِّ والضِّدِّ [278] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/270)، ((تفسير البيضاوي)) (4/120)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/197)، ((تفسير أبي حيان)) (8/91)، ((تفسير أبي السعود)) (6/208). .
- ولَمَّا كان السُّؤالُ على التَّعريضِ التَّوبيخيِّ -والمقصودُ تَبْكيتُهم، وإلْزامُ الحُجَّةِ عليهم، وتَفضيحُهم على رُؤوسِ الأشهادِ- أجابوا أوَّلًا بما يدُلُّ على تَبرُّئِهم مِن نِسبةِ الإضلالِ إلى أنفُسِهم بأقْصى ما يُمكِنُ مِن المُبالَغةِ؛ خِذْلانًا لهم، وكان مِن حقِّ الظَّاهرِ: إنَّا ما أضلَلْناهم، فأطْنَبوا بقولِهم: سُبْحَانَكَ إلى آخِرِه؛ تَعجُّبًا، أي: كيف يَصِحُّ منَّا أنْ نصِفَك بما لا يَلِيقُ بجَلالِك، ونحن عالِمون بالتَّقديسِ، وكيف يَستقيمُ لنا أنْ نَحمِلَ غيرَنا أنْ يَتولَّونا دونَك، ونحن العابِدون؟! وثانيًا: بما يدُلُّ على أنَّ الكَفرةَ هم ضلُّوا السَّبيلَ، لكنْ بتَقديرِ اللهِ وإضلالِه، فأطْنَبوا في تَعبيرِهم بقولِه: لَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ إلى آخِرِه [279] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/194). .
- قَولُه: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ كِنايةٌ عنِ انتِفاءِ طلَبِهم هذا الاتِّخاذَ انتفاءً شديدًا. والخبَرُ مُستعمَلٌ في لازمِ فائِدتِه، أي: نَعلَمُ أنَّه لا يَنْبغي لنا؛ فكيف نُحاوِلُه [280] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/339). ؟!
- وتَنكيرُ أَوْلِيَاءَ مِن حيثُ إنَّهم أولياءُ مَخْصوصون، وهم الجِنُّ والأصنامُ. على القولِ بأنَّ القائلين الملائكةُ والأنبياءُ؛ فتعيَّنَ أنْ يكونَ الباقي الجِنَّ والأصنامَ؛ لأنَّ المعبودينَ مُنحصِرون في هؤلاء. ويجوزُ أنْ يكونَ المعبودونَ عامًّا، والتَّقديرُ: ما يَنبغِي لنا أن نُحسَبَ مِن بعضِ ما يقَعُ عليه اسمُ الولايةِ، فضْلًا مِن الكلِّ؛ فإنَّ الوليَّ قد يكونُ مَعبودًا ومالِكًا ومَخدومًا. أو التَّقديرُ: نتَّخِذَ مَعبودينَ مِن أولياءَ، أي: مِن جِهةِ أولياءَ؛ فحَذْفُ مَفعولِ الاتِّخاذِ مَعهودٌ [281] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/270)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/199)، ((تفسير أبي السعود)) (6/208). .
- و(مِن) في قولِه: مِنْ أَوْلِيَاءَ مَزيدةٌ؛ لتأكيدِ عُمومِ النَّفيِ، أي: استِغراقِه؛ لأنَّه نَكِرةٌ في سِياقِ النَّفيِ. وقيل: للتَّبعيضِ، أي: لا نتَّخِذَ بعضَ أولياءَ [282] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/270)، ((تفسير البيضاوي)) (4/120)، ((تفسير أبي حيان)) (8/91)، ((تفسير أبي السعود)) (6/208)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/339). .
- والاستدراكُ الَّذي أفادَهُ (لكنْ) في قولِه: وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ ناشئٌ عن التَّبرِّي مِن أنْ يكونوا هم المُضِلِّينَ لهم، بتَعقيبِه ببَيانِ سَببِ ضلالِهم؛ لئلَّا يُتوهَّمَ أنَّ تَبرئةَ أنفُسِهم مِن إضلالِهم يرفَعُ تَبِعةَ الضَّلالِ عن الضَّالِّينَ. والمقصودُ بالاستِدراكِ ما بعْدَ (حتَّى)، وهو: نَسُوا الذِّكْرَ، وأمَّا ما قبْلَها؛ فقد أُدمِجَ بيْن حَرفِ الاستِدراكِ ومَدخولِه ما يُسجِّلُ عليهم فَظاعةَ ضَلالِهم؛ بأنَّهم قابَلوا رَحمةَ اللهِ ونِعمتَه عليهم وعلى آبائِهم بالكُفرانِ؛ فالخبَرُ عن اللهِ بأنَّه متَّعَ الضَّالِّين وآباءَهم مُستعمَلٌ في الثَّناءِ على اللهِ بسَعةِ الرَّحمةِ، وفي الإنكارِ على المُشرِكين مُقابَلةَ النِّعمةِ بالكُفرانِ؛ غضَبًا عليهم. وجعَلَ نِسيانَهم الذِّكْرَ غايةً للتَّمتيعِ؛ للإيماءِ إلى أنَّ ذلك التَّمتيعَ أفْضى إلى الكُفرانِ؛ لِخُبثِ نُفوسِهم، قال تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [283] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/209)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/340). [الواقعة: 82] .
- قَولُه: وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ التَّعرُّضُ إلى تَمتيعِ آبائِهم هنا، معَ أنَّ نِسيانَ الذِّكْرِ إنَّما حصَلَ مِن المُشرِكين الَّذين بلَغَتْهم الدَّعوةُ المُحمديَّةُ ونسُوا الذِّكْرَ: هو زِيادةُ تَعظيمِ نِعمةِ التَّمتيعِ عليهم بأنَّها نِعمةٌ مُتأثِّلةٌ تَليدةٌ، مع الإشارةِ إلى أنَّ كُفرانَ النِّعمةِ قد انجَرَّ لهم مِن آبائِهم الَّذين سَنُّوا لهم عِبادةَ الأصنامِ؛ ففيه تَعريضٌ بشَناعةِ الإشراكِ، ولو قبْلَ مَجيءِ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ [284] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/340). .
- وجُملةُ: وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا اعتِراضٌ تَذييليٌّ مُقرِّرٌ لمَضمونِ ما قبْلَه [285] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/209). .
- وعلى القول بأنَّ بُورًا مَصدرٌ؛ فيكون وُصِفَوا به مُبالَغةً؛ ولذلك يَسْتوي فيه الواحدُ والجمْعُ [286] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/120)، ((تفسير أبي السعود)) (6/209). .
- واجتِلابُ فِعْلِ (كان)، وبِناءُ بُورًا على قَوْمًا دونَ أن يُقالَ: (حتَّى نسُوا الذِّكْرَ وبارُوا)؛ للدَّلالةِ على تَمكُّنِ البَوارِ منهم بما تَقْتضيهِ (كان) مِن تَمكُّنِ معنى الخبَرِ، وما يَقْتضيهِ قَوْمًا مِن كَونِ البَوارِ مِن مُقوِّماتِ قَوميَّتِهم [287] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/341). .
3- قَولُه تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا هذه الآيةُ كالخاتمةِ لِمَا يَجْري عليهم مِن الأحوالِ والنَّكالِ مِن لَدُنْ قولِه تعالى: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [288] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/202). [الفرقان: 12] .
- وقولُه: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا في الكَلامِ حذْفُ فِعلِ القولِ يدُلُّ عليه المَقامُ، والتَّقديرُ: إنْ قُلْتم: هؤلاء آلِهَتُنا، فقد كذَّبوكم، على تَقديرِ قولٍ مُرتَّبٍ علَى الجوابِ، أي: فقال اللهُ تعالى عِندَ ذلك: فقد كذَّبوكم. وفي حذْفِ فِعلِ القولِ في هذه الآيةِ استحضارٌ لصُورةِ المَقامِ كأنَّه مُشاهَدٌ غيرُ مَحكِيٍّ، وكأنَّ السَّامعَ آخِرَ الآيةِ قد سمِعَ لهذه المُحاوَرةِ مُباشَرةً دونَ حِكايةٍ، فقرَعَ سمْعَه شَهادةُ الأصنامِ عليهم، ثمَّ قرَعَ سمْعَه توجُّهُ خِطابِ التَّكذيبِ إلى المشهودِ عليهم، وهو تفنُّنٌ بَديعٌ في الحِكايةِ يَعتمِدُ على تَخييلِ المَحكيِّ واقِعًا؛ فجُملةُ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ... مُستأنَفةٌ ابتدائيَّةٌ، وهو الْتِفاتٌ إلى العَبَدةِ بالاحتِجاجِ والإِلزامِ، وإقبالٌ على خِطابِ الحاضِرينَ، وهو ضَربٌ مِن الالتِفاتِ، مِثلُ قولِه تعالى: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ بعْدَ قولِه: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا [289] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/120)، ((تفسير أبي حيان)) (8/92)، ((تفسير أبي السعود)) (6/209)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/341، 342). [يوسف: 29] .
- وهذه المفاجأةُ بالاحتِجاجِ والإلزامِ التي في قولِه: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ حَسَنةٌ رائعةٌ، وخاصَّةً إذا انضمَّ إليها الالتِفاتُ؛ فالمفاجأةُ مِن تَعقُّبِ القِصَّةِ بالفاءِ التي تَستدعي ما يَترتَّبُ عليه، كأنَّ السامعَ لم يَنتظِرْ ما بعْدَ الفاءِ بتقديمِ ما يَترتَّبُ عليه ففُوجِئَ به، وهذا أسلوبٌ رائعٌ حسَنٌ، والالتفاتُ مِن قولِه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إلى قولِه: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ، كأنَّه قيل: أنتُم المخصوصونَ -أيُّها المكذِّبونَ- بأنْ يَفعَلَ بكم ما تَستحقُّونَه مِن الفَضيحةِ والنَّكالِ، ولا يُمهِلَكم فيه. والفاءُ في فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ فَصيحةٌ، أي: إفصاحٌ عن حُجَّةٍ بعْدَ تَهيئةِ ما يَقْتضيها، وهو إفصاحٌ رائعٌ، وزادَهُ الالْتِفاتُ في قولِه: كَذَّبُوكُمْ [290] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/271)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/200، 201)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/341). .
- قَولُه: فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا فُرِّعَ على الإعلانِ بتَكذيبِهم إيَّاهم تأْييسُهم مِن الانتِفاعِ بهم في ذلك الموقِفِ؛ إذ بَيَّنَ لهم أنَّهم لا يَستطيعون صَرْفَ ضُرٍّ عنهم، ولا إلْحاقَ ضُرٍّ بمَن يَغلِبُهم. ووَجْهُ التَّفريعِ ما دَلَّ عليه قولُهم: سُبْحَانَكَ [الفرقان: 18] ، الَّذي يَقْتضي أنَّهم في مَوقفِ العُبوديَّةِ والخُضوعِ؛ ففيه ضَربُ تَهكُّمٍ بهم [291] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/209)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/342). .
- وعلى القَولِ بأنَّ الخِطابَ للمَعبودِينَ؛ فالتاءُ في تَسْتَطِيعُونَ التِفاتٌ [292] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/92). .
- قَولُه: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا تَذييلٌ للكَلامِ يَشمَلُ عُمومُه جميعَ النَّاسِ، ويكونُ خِطابُ مِنْكُمْ لجَميعِ المُكلَّفينَ، ويُفِيدُ ذلك أنَّ المُشرِكين المُتحدَّثَ عنهم مُعَذَّبون عذابًا كبيرًا [293] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/342). .