موسوعة الفرق

المَطلَبُ الرَّابعُ: من عوامِلِ أُفولِ المَدرَسةِ الاعتِزاليَّةِ القديمةِ: مُقاومةُ أهلِ الحَقِّ لهم


فقد تولَّى أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ مُقاومةَ المُعتَزِلةِ فِكريًّا، وذلك بتأليفِ المُصَنَّفاتِ التي تكشِفُ ما وَقَعوا فيه من خُروجٍ عن الشَّرعِ وعن إجماعِ المُسلِمين، وإبرازِ ما وَقَعوا فيه من تناقُضٍ وخَطَلٍ؛ حتَّى يُوقِفوا المُسلِمين على حقيقةِ أمرِهم فيتَجَنَّبوهم.
قال ابنُ قُتَيبةَ في فاتحةِ ذِكرِه لشُبُهاتِهم وضَلالاتِهم: (وأرجو ألَّا يَطَّلِعَ ذو النُّهى منِّي على تعَمُّدٍ لتَمويهٍ، ولا إيثارٍ لهوًى، ولا ظُلمٍ لخَصمٍ) [1630] ((تأويل مختلف الحديث)) (ص: 13). .
وكذلك انبرى عبدُ القاهِرِ البغداديُّ في كتابِه (الفَرْق بَينَ الفِرَق) لذِكرِ مثالِبِهم، حتَّى كَفَّر بعضَهم [1631] يُنظر: ((أدب المعتزلة)) لبلبع (ص: 161). . وقد ألَّف إلى جانِبِ (الفَرْق بَينَ الفِرَق) كتابًا سمَّاه (الحَربَ على ابنِ حَرْبٍ) نقَضَ فيه أُصولَ وفُصولَ كِتابِ جَعفَرِ بنِ حَربٍ الحافِلِ بالضَّلالاتِ [1632] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) (169). .
ولأبي الحَسَنِ الأشعَريِّ الذي عاش رَدَحًا طويلًا من عُمُرِه مُعتَزِليًّا حتى بلَغ مرتبةَ الإمامةِ فيهم كتابٌ في كَشفِ فضائِحِ المُعتَزِلةِ، وهو (الإبانةُ في أُصولِ الدِّيانةِ)، لَمَّا فتح اللهُ بصيرتَه وأوقفه على حقيقةِ أمرِهم، كما كَتَب (مقالات الإسلاميِّينَ)، وقد تناوَل فيها أُصولَ المُعتَزِلةِ بالنَّقضِ والطَّعنِ، وقد مات وهو شديدُ الكُرهِ لهم والنِّقمةِ عليهم [1633] يُنظر: ((أدب المعتزلة)) لبلبع (ص: 158). .
وألَّف ابنُ حَزمٍ (الفَصْلَ)، والشَّهْرَستانيُّ (المِلَلَ والنِّحَلَ)، وأبو الفَرَجِ بنُ الجَوزيِّ (مَناقِبَ الإمامِ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ)، وهي مؤلَّفاتٌ تُثبِتُ جميعُها تمسُّكَ أهلِ السُّنَّةِ بالشَّريعةِ الصَّحيحةِ الخاليةِ عن الهوى، كما تُصَوِّرُ زيغَ المُعتَزِلةِ عن السَّبيلِ، ووقوعَهم في المحظورِ نتيجةَ تأثُّرِهم بالتَّيَّاراتِ الدَّاخليَّةِ، وعَدائِهم لأُصولِ الشَّريعةِ.
وقد أتت جُهودُ التَّوعيةِ التي قام بها الأئمَّةُ الأوائِلُ لتنفيرِ الجماهيرِ المُسلِمةِ من المُعتَزِلةِ وآرائِهم كُلِّها، حتَّى صار اسمُ الاعتزالِ مُرادِفًا للابتِداعِ والخُروجِ عن الشَّرعِ، الذي يُوجِبُ التَّركَ والتَّجنُّبَ.
فهذا محمَّدٌ الباقِرُ يَنعَى على أخيه زيدِ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ السِّبطِ أخْذَه لمَذهَبِ المُعتَزِلةِ عن واصِلِ بنِ عَطاءٍ [1634] يُنظر: ((المقدمة)) لابن خلدون (ص: 350). .
وحينَ سُئِلَ أبو يوسُفَ -صاحِبُ أبي حنيفةَ- عن المُعتَزِلةِ، قال: (هم الزَّنادِقةُ).
وردَّ الشَّافعيُّ قَبولَ شهادةِ المُعتَزِلةِ وأهلِ الأهواءِ؛ أُسوةً بمالِكٍ وفُقَهاءِ أهلِ المدينةِ [1635] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 171). .
ووَصَف ابنُ عبدِ البَرِّ المُعتَزِلةَ بأنَّهم أهلُ البِدَعِ، وقال عن كُتُبِهم: إنَّها كُتُبُ أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ [1636] يُنظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/116). .
وحينَ ذُكِرَ القاضي عبدُ الجبَّارِ عِندَ بعضِ النُّقَّادِ وَصفَه بالثِّقةِ في حديثِه إلَّا أنَّه يستَدرِكُ بقولِه: (لكِنَّه داعٍ إلى البِدعةِ) [1637] يُنظر: ((فضل الاعتزال)) (ص: 126). .
ووصَف السُّيوطيُّ أحَدَهم بأنَّه فقيهٌ إلَّا أنَّه مهجورُ القولِ عِندَ الأئمَّةِ؛ لِمَيلِه إلى الاعتزالِ [1638] يُنظر: ((تدريب الراوي)) (1/72). .
وهكذا فقد صار المُعتَزِلةُ حتَّى أيَّامِ الفُحولِ منهم عُنوانًا على المُروقِ عن الدِّينِ والبُعدِ عن الشَّريعةِ، وقد انعكس هذا حتَّى على رُؤى العُلَماءِ والصَّالحينَ؛ فهذا ثابِتٌ البُنانيُّ وعاصِمٌ الأحوَلُ يَرَيانِ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ في المنامِ، وهو يحُكُّ آيةً من المُصحَفِ مُدَّعِيًا إبدالَها بخيٍر منها، فلم يَستَطِعْ [1639] يُنظر: ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (3/273). .
وقال حمَّادُ بنُ سَلَمةَ: (رأيتُ كأنَّ النَّاسَ يُصَلُّون يومَ الجُمُعةِ إلى القِبلةِ، وهو مُدبِرٌ عنها، فعَلِمتُ أنَّه على بِدعةٍ، فترَكتُ الرِّوايةَ عنه) [1640] ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (3/276). .
كما أنَّ إسماعيلَ بنَ مَسلَمةَ القَعنَبيَّ رآه في ثلاثِ لَيالٍ مُتتاليةٍ في النَّارِ [1641] يُنظر: ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (3/279). .
كما رآه محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ في النَّومِ قد مُسِخ قِرْدًا [1642] يُنظر ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (6/ 105). .

انظر أيضا: