موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: من عوامِلِ أُفولِ المَدرَسةِ الاعتِزاليَّةِ القديمةِ: بُعدُهم عن تطبيقِ مُعتَقَدِهم في الإيمانِ


لَئِن نادى المُعتَزِلةُ بالعَمَلِ وجعَلوه شَرْطَ صِحَّةٍ في ثُبوتِ الإيمانِ، وغَلَوا في الوعيدِ؛ فإنَّ العديدَ من أعلامِهم كانوا أوَّلَ من مالَ عن هذا الرُّكنِ الأساسيِّ في عقيدتِهم بالهَدمِ والإهمالِ، بل تجاوَزوا هذا الجُزءَ من بَعضِ الشَّعائِرِ، وبلَغ بهم الأمرُ إلى تناوُلِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما لا يَليقُ بمقامِه السَّامي؛ ممَّا لا يَدَعُ مجالًا للشَّكِّ في أنَّهم إنَّما يُصدِرون آراءَهم عن عقائِدَ وتُراثٍ أجنبيٍّ لا يتَّفِقُ وشريعةَ الإسلامِ.
فهذا النَّظَّامُ -وهو أحَدُ زُعَماءِ المُعتَزِلةِ البارزينَ- قَيلَ: إنَّه كان مِن أفسَقِ خَلقِ اللهِ وأجرَئِهم على الذُّنوبِ العِظامِ، وعلى إدمانِ شُربِ المُسكِرِ! حتَّى إنَّ ابنَ قُتَيبةَ يَنسُبُ إليه قولَه:
ما زِلتُ آخُذُ رُوحَ الزِّقِّ في لُطُفٍ
وأستبيحُ دَمًا من غيرِ مَجروحِ
حتَّى انثنَيتُ ولي رُوحانِ في جَسَدي
والزِّقُّ مُطَّرَحٌ جِسمٌ بلا رُوحِ [1612] يُنظر: ((تأويل مختلف الحديث)) (ص: 18). .
وأبو هاشِمِ ابنُ أبي عليٍّ الجُبَّائيِّ كان من ناحيةٍ يُفرِطُ في الوعيدِ، حتَّى إنَّه لم يَقبَلْ توبةَ المُقلِعِ عن الذَّنبِ بَعدَ العَجزِ عن اقترافِه، ومن ناحيةٍ أُخرى يقالُ بأنَّه كان أفسَقَ أهلِ زَمانِه، وأنَّه كان مُصِرًّا على شُربِ الخَمرِ، حتَّى قيلَ: إنَّه مات في سُكرِه [1613] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 191). !
وممَّا يُؤثَرُ عنه أنَّه يرى أنَّ (الطَّهارةَ غيرُ واجبةٍ) مُعَلِّلًا مَذهَبَه هذا بقَولِه: (إنَّ غيرَه لو طهَّره مع كونِه صحيحًا، أجزَأَه) [1614] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 197). . وهي محاولةٌ مكشوفةٌ لإفسادِ الشَّريعةِ وإفراغِها من محتواها، وهي مخالَفةٌ صريحةٌ لقولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُقبَلُ صلاةٌ بغيرِ طُهورٍ، ولا صَدَقةٌ من غُلولٍ )) [1615] أخرجه مسلم (224) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. .

انظر أيضا: